| فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 16 يناير 2024, 7:02 am | |
| الهداية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول الله تعالى: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} القصص: 56 ذكرت الهداية ثلاث مرات فى هذه الآية، فهل معناها واحد أم مختلف؟
الجواب جاء فى القاموس: يقال: هداه هُدًى وهدْيًا وهِدَاية وهِدْية - بكسرهما - أرشده فتهدَّى واهتدى. وهداه الله الطريق دَلَّه، والهُدَى بضم الهاء وفتح الدال -الرشاد. قال ابن القيم فى كتابه "بدائع الفوائد ": الهداية أربعة أنواع: أحدها: الهداية العامة المشتركة بين الخلق، المذكورة فى قوله تعالى {الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى} طه: 50 أى أعطى كل شىء صورته التى لا يشتبه فيها بغيره، وأعطى كل عضو شكله وهيئته، وأعطى كل موجود خلقه المختص به، ثم هداه ما خلقه له من الأعمال، قال: وللجماد أيضا هداية تليق به، كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وإن اختلفت أنواعها وصورها، وكذلك لكل عضو هداية تليق به، فهدى الرجلين للمشى، واللسان للكلام، والعين لكشف المرئيات وهلمَّ جرا، وكذا هدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد، والولد إلى التقام الثدى عند وضعه، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو. الثانى: هداية البيان والدلالة والتعريف لِنَجْدَى الخير والشر وطريقى النجاة والهلاك، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام، فإنها سبب وشرط لا موجب، ولهذا ينتفى الهدى معها، كقوله تعالى {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} فصلت: 17 أى بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا، ومنها قوله تعالى {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} الشورى: 52. الثالث: هداية التوفيق والإلهام، وهى الهداية المستلزمة للاهتداء، فلا تتخلف عنها، وهى المذكورة فى قوله تعالى {يضل من يشاء ويهدى من يشاء} المدثر: 31 وفى قوله تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل} النحل: 37 وفى قوله صلى الله عليه وسلم: " من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له " وفى قوله تعالى: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص: 56 فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان فى قوله تعالى: {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} الشورى: 52. الرابع: غاية هذه الهداية، وهى الهداية إلى الجنة أو النار إذا سيق أهلهما إليهما، قال تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار فى جنات النعيم} يونس: 9 وقال أهل الجنة فيها {الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله} الأعراف: 43 وقال فى حق أهل النار: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} الصافات: 22، 23 انتهى ما قاله ابن القيم. والبيضاوى ذكر أن الهداية دلالة بلطف، ولذلك تستعمل فى الخير، وقوله {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} على التهكم. ثم قال: وهداية الله تتنوع أنواعا لا يحصيها عدٌّ، لكنها تنحصر فى أجناس مترتبة. الأول: إفاضة القوى التى بها يتمكن المؤمن من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة. والثانى: نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد، وإليه أشار حيث قال {وهديناه النجدين} البلد: 10 وقال {فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} . والثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وإياها عنى بقوله: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} الأنبياء: 7 وقوله {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} الإسراء: 9. والرابع: أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هى بالوحى أو الإلهام والمنامات الصادقة، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء، وإياه عنى بقوله {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} الأنعام: 90 وقوله {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} العنكبوت: 69 (8/77) ________________________________________ الفاتحة للنبى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى قراءة الفاتحة للنبى؟
الجواب الفاتحة كما ورد فى حديث البخارى هى أعظم سورة فى القراَن وهى السبع المثانى والقران العظيم. ومن قرأها أعطاه الله ما سأل من الهداية إلى الصراط المستقيم كما رواه مسلم، وكما جاء فى رواية أخرى له " لن يقرأ بحرف منها إلا أعطيه ". وإذا قرأها الإنسان للنبى صلى الله عليه وسلم، فالظاهر أنه يهب ثوابها إليه، مع غنى الرسول عن هذا الثواب فقد شرفه الله وكرمه أعظم تشريف وتكريم، لأن هذه الهبة علامة على حب من قرأها للنبى عليه الصلاة والسلام، تماما كالصلاة على النبى، فإن معناها طلب الرحمة من الله له، وهو عليه الصلاة والسلام مرحوم، والمحب يحرص ويسرُّ بتقديم هدية إلى المحبرب رمزا وعلامة على حبه. وكثيرا ما يقول قارى الفاتحة للنبى " زيادة فى شرف النبى " فالنبى مشرف وهو يطلب من الله أن يزيده شرفا، وكل ذلك دليل على الحب، وحبه عليه الصلاة والسلام فرض على المؤمن لا يتم إيمانه إلا به، كما رودت بذلك الأحاديث. وإذا كان حبه يتمثل فى اتباع سنته أى طريقته التى تركها لنا ممثلة فى القراَن والسنة، فليس هناك ما يمنع أن نبرهن على حبنا بإهداء ثواب الفاتحة له والصلاة عليه أى طلب الرحمة من الله له " انظر ص 408 ج 5من الزرقانى على المواهب " (8/78) ________________________________________ حول نظم القرآن الكريم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا قال الله فى بعض السور {آمنا برب العالمين رب موسى وهرون} وفى بعضها {آمنا برب هارون وموسى} فما هو السر فى تقديم موسى مرة وتأخيره مرة أخرى؟
الجواب جاء التعبير عن إيمان سحرة فرعون بالله الذى أرسل إليهم موسى وهارون جاء فى ثلاث سور هى الأعراف وطه والشعراء، وفى بعضها قدم ذكر موسى على هارون وفى بعضها الآخر قدم هارون على موسى. وليست لذلك حكمة منصوصة، بل هى استنتاجات قد تصادف الحقيقة وقد تنبو عنها، وقد قال علماء النحو: إن العطف بالواو يفيد مطلق الجمع دون ترتيب ولا تعقيب، فالله ربُّ موسى وهارون جميعا، وإيمان السحرة بهما واحد لا ميزة فيه لأحد على الآخر. غير أن من مظاهر البلاغة العربية، التناسب بين رءوس الفقرات، والقران الكريم فى أعلى درجات البلاغة. فناسب بين رءوس الآيات حتى يكون وقف القارئ عليها فيه مسحة من جمال الأداء. والناظر إلى سورة الأعراف يجد آياتها تنتهى بنون قبلها مَدُّ بالواو أو الياء، ونادرا ما يوجد بدل النون ميم أو لام، فالصوت عند الوقف يَسْكن دون انطلاق نَفَسِ مع الإحساس بنغمة مؤثرة، ولذلك كان لفظ "هارون " مؤخرا على لفظ " موسى" لتناسب رءوس الآيات، ونجد مثل ذلك فى سورة الشعراء {رب موسى وهارون} ومن أجل مراعاة التناسب فى سورة الشعراء حذفت ياء المتكلم من آخر الكلمة وبقيت النون التى هى للوقاية وليست للرفع لأن الفعل قد يكون منصوبا مثل "أخاف أن يكذِّبون " ومثل " فأخاف أن يقتلون " ليتناسب مع {آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون} أما فى سورة طه فنهاية الآيات صوت مطلق بالمد المفتوح فى أغلبها، وقليل منها بالمد المكسور، وذلك يتناسب مع لفظ " موسى" فقدم عليه لفظ هارون لتنتهى الآية بما يتناسب مع نهايات الآيات الأخرى، مثل {طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى.إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العُلى. الرحمن على العرش استوى} فيتناسب معه {آمنا برب هارون وموسى} . هذا ما ظهر لى من الحكمة، ولا أجزم بأنها المراد لله سبحانه (8/79) ________________________________________ عظمة القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد توضيح قوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} ؟
الجواب تجىء هذه الآية فى نهاية سورة الحشر التى تتحدث عن إجلاء بنى النضير عن المدينة المنورة، وهم إحدى أسر من أهل الكتاب الذين كان يؤمل فيهم أن يكونوا من أول المصدَّقين بالقران الذى نزل على الرسول الذى كانوا ينتظرونه ويقرءون أوصافه فى كتبهم، لكنهم حسدًا وبغيا كفروا كما قال سبحانه: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عوفوا كفروا به} [البقرة: 89] ومع تكذيبهم للقرآن والرسول تعاونوا مع كفار مكة على مقاومة الدعوة، وقد أذاق الله كفار مكة وبال أمرهم فى بدر كما أذاق بنى النضير عاقبة أمرهم {كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم} [الحشر: 15] وهكذا لا يدفع شخص عن آخر فكل يتحمل تبعة عمله {كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إنى برئ منك إنى أخاف الله رب العالمين. فكان عاقبتهما أنهما فى النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين} [الحشر: 16، 17] والواجب على كل إنسان أن يسيطر على نزغات الشيطان وهوى النفس ولا يعمل للدنيا فقط بل يعمل حساب المسئولية يوم القيامة {يا أيها الذين آمنوا اتقو الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} {لايستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة} [الحشر: 18، 9 1، 0 2] . كان الواجب على الناس جميعا، وقد جاءتهم الرسالة العامة، أن ينظروا فى الكتاب المنزَّل على هذا الرسول نظرة منصفة موضوعية بعيدة عن التعصب والهوى، ومن خلال هذه النظرة سيكون لكل منهم رأى فيه، وسيقتنع تماما بصدقه ويسارع إلى العمل بما فيه، لكن اكثر الناس تتغلب عليهم أهواؤهم، ويضف عقلهم امام شهواتهم، فيعارضون الحق لذات المعارضة دون سبب معقول، مع أن هذا القرآن، وهو من عند الله، لو نزل على جبل أعطاه الله عقلا، لتأثر كل التأثر ولم يملك إلا الإيمان بالله الذى أنزله، وبالرسول الذى بلغه، إن هذه القوة الجبارة لا بد أن تخشع وتذل وتضف، بل لا بد أن تتمزق وتتصدع ويتلاشى كبرياؤها عند سماع القرآن، كما يقول سبحانه {ولو أن قرآنا سيرِّت به الجبال أو قطِّعت به الأرضى أو كلِّم به الموتى بل لله الأمر جميعا} [الرعد: 31] ولكن الإنسان بعناده وتسلط شيطانه لم يتأثر بروعة القرآن وعظمة من انزله، ومن قبل القرآن لم يتأثر أسلاف بنى النضير، والحديث عنهم موضوع السورة، من الآيات المنزلة على الأنبياء قبل كما قال سبحانه فيهم: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74] . إن الآية تدعو الجميع إلى أن يستقل كل إنسان بالنظر إلى القرآن بعيدا عن إغواء داخلى أو خارجى، وبالنظر المنصف سيخشع العقل ويخشع القلب وتخشع الجوارح، سيخشع العقل عندما يعرف الإعجاز الذى نزل به القرآن فيؤمن عن صدق بأنه ليس من عند محمد بل من عند الله، وسيؤمن بالله من خلال ما فيه من آيات وأخبار صادقة وهداية حكيمة، كما يقول سبحانه {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد:24] وكما قال {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82] وقد أوشك بعض كبار قريش أن يؤمن عندما أخذ بروعة ما تلى عليه،فقال: إن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هو بقول بشر. ولكن المؤثرات القوية التى تحيط به ضيعت ما تأثر به عند سماع القرآن، وقد كان بعضهم، وقد تعاهدوا على معارضة الدعوة، يتسرب خفية لسماع القرآن فيعود متأثرا، ولكن التعصب جعلهم كما يقول القرآن الكريم {كالأنعام بل هم أضل} وبالإقبال على القرآن يخشع العقل أيضا وهو يستخرج كنوزه ويجلَّى هدايته، فيرى فيه دستورا كاملا للحياة الطيبة، ويحس فيه روعة التشريع وإحكامه، كما يحس تقديره لكرامة الإنسان وإعداده لطور جديد من حياته البشرية يحقق به الخلافة فى الأرض، ومن هنا كان حث الرسول عليه الصلاة والسلام على تعلم القرآن ونشر هدايته فيقول " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخارى ومسلم ويقول فى حديث رواه الترمذى وغيره وحسَّنه " يا أبا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلى ألف ركعة ". وكما يخشع العقل يخشع القلب والوجدان، فيستقر الإيمان بالله ويقوى كلما قرئ القرآن، ويرق الوجدان والعواطف كلما كثرت قراءته أو سمعت آياته تتلى، كما يقول سبحانه {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلو الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23] إن أول أثر يروع الإنسان هو الدهشة والقشعريرة، وعند التأمل والانتقال بين فقراته من وعيد إلى وعد، ومن آية إلى آية يطمئن القلب ويألف هذا الجو الجديد كما يقول سبحانه {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} [الأنفال: 2] وليس الإنسان وحده هو الذى يتأثر لكلام الله تلاوة واستماعا فقد تأثرت به الملائكة ونزلت تستمع إليه من أُسيد بن حضير وهو يقرؤه ليلا، حتى إن فرسه التى كانت بجواره اضطربت لما أحست بما فى الجو من نور ومواكب غريبة عليه، وقد قال عنها الرسول الكريم كما ثبت فى الحديث الشريف: إنها الملائكة نزلت تستمع القرآن، ولو قرأ حتى يأتى الصباح لأمكن رويتها، وهو ترغيب للمؤمنين فى كثرة تلاوته، وبالإنصات له عند سماعه وعدم الانشغال عنه بلهو الحديث، فتلاوته تجارة لن تبور، وبكل حرف منه عشر حسنات، والمنزلة فى الجنة بقدر ما يقرأ منه كما صح فى الحديث:" يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق كما كنت تقرأ فى الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقروها " رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه، وقال الترمذى: حسن صحيح. وكما يخشع العقل المفكر والقلب المتأثر تخشع الجوارح بالعمل، وخشوعها بالعمل يكون من منطلق الإيمان بالله وبالقرآن المعجز وبما فيه من هداية هى المثالية فى كل مجال من مجالات النشاط البشرى، كما يقول سبحانه: {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} [الإسراء: 9] وكما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعمل، فقد كان خلقه القراَن، تلقيا وتعليما وتبليغا وعملا وتطبيقا، وبهدايته المثالية والحرص على تطبيقها تكونت أمة كانت خير أمة أخرجت للناس، قوة وتماسكا وحضارة ومدنية، ولم يفارق رسول الله الدنيا إلا بعد أن أوصانا بالتمسك به حتى لا نضل " إنى تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدى أبدا، كتاب الله وسنتى" رواه الحاكم وصححه،فهو حبل الله المتين، ومن يعتصم به فقد هُدى إلى صراط مستقيم. والغاية من تدبر القرآن والخشوع له تقوية إيماننا بالله، وإسعاد الإنسان فى دنياه وأخراه، والله الذى أنزل القرآن هو الموصوف بعد هذه الآية بالوحدانية والرحمة والملك والتقديس والسلامة من كل نقص والمصدق لرسله بآياته، والمسيطر على الكون كله بقدرته وعلمه، والعزيز الذى لا يذل، والمتعالى عن كل نقص، والخالق للعالم والمبدع له على غير مثال سبق والمصور له كيف يشاء ويختار، والموصوف بكل كمال، فكيف يشرك المشركون به آلهة ليس لها هذا الكمال؟ إن الكون كله يسبح لله بالتوحيد والطاعة، وما أظلم لإنسان وأجهله إذ وقع تحت تأثير غرائزه وشهواته، فيا أمة محمد أناديكم بما نادانا به رب العزة {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} [الحديد: 16] (8/80) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 16 يناير 2024, 7:03 am | |
| التفسير العلمى للقرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل العلوم التى اكتشفت حديثا توجد فى القرآن، وهل هناك حاجة إلى تفسير القرآن تفسيرا علميا على ضوء الاكتشافات الحديثة؟
الجواب سبق فى ص 116 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى بيان أن مهمة القرآن هى الإعجاز والهداية، وأن ما فيه من حقائق علمية تدعو إلى النظر والتأمل، وزيادة فى الإيضاح وإجابة على السؤال نقول: هذه القضية ثار حولها الجدل والنقاش، وانقسم الناس فيها فريقين: (أ) فريق يقول: نعم فى القرآن توجد العلوم والمكتشفات الحديثة. ونحن فى حاجة إلى تفسير علمى، بمعنى استخلاص هذه المحدثات من ألفاظ القرآن، وحمل الألفاظ عليها. واستند هذا الفريق فى رأيه إلى ما يأتى: 1ـ أن الله تعالى قال {ما فرطنا فى الكتاب من شىء} [الأنعا م: 38] . أى ليس فى الحياة شىء إلا وهو موجود فى القرآن. فذكرت فيه الميكروبات والكهرباء والذرة والصواريخ والطائرات وغيرها. ونوقش هذا الدليل بأن المراد بالكتاب هو اللوح المحفوظ الذى أثبت الله فيه مقادير الخلق، ما كان منها وما يكون، حسب النظام المعبَّر عنه بالسنن الإلهية. أو هو علم الله المحيط بكل شىء الثابت فيه كل معلوم، وإذا أريد بالكتاب القرآن فليس لفظ الشىء على عمومه، بل المراد به الشىء الذى هو موضوع الدين، وهو الهداية التى من أجلها نزل القرآن، فالعموم فى كل شئ بحسبه. 2ـ كما استند إلى أن نشر الإسلام فى هذه الأيام يحتاج إلى التحدث عنه بأسلوب العصر وطرائق فهمه، لبيان تجاوب الدين والقرآن مع الحياة فى كل أطوارها. ونوقش بأن نشر الإسلام لا يتوقف على ذلك، فأصول الهداية فيه، والنصوص الدالة على النظر والبحث وتقديس العقل كافية فى بيان تجاوبه مع أرقى الحضارات وأزهى العصور. وبهذا نرى أن حجة هذا الفريق واهية أو فيها مناقشة تضعف الاستدلال بها على المقصود. (ب) والفريق الآخر يقول ليس القرآن كتاب تعليم وتسجيل لمكتشفات العصور بأشخاصها، ولا يحتاج إلى أن نحمل ألفاظه على أسلوب العصر ونضمنها نظرياته وعلومه. وحجتهم فى ذلك: 1ـ عدم حاجة الشريعة فى فهم كتابها وتعرف مبادئها، إلى العلوم الكونية والرياضيات وما إليها. وحمل ألفاظ القرآن عليها فيه تعسف وتحميل لها لما لا تطيق. 2ـ أن القرآن موجَّه أولا إلى من نزل فيهم وهم العرب، وليس لهم عهد بهذه العلوم التى لم تعرفها الدنيا إلا بعد قرون، فإذا قصد القرآن إليها وآياته لا تفهم إلا بالوقوف عليها، كان كلاما غير مطابق لمقتض الحال، وحاشاه أن يكون كذلك، فوجب أن نقف بعباراته عند فهم العرب الخلص، ولا نتجاوز ما ألفوه من علومهم، يقول الشاطبى فى كتابه " الموافقات ج 2 ص 52 ": ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب ينبنى عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا فى الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها. وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح، ولهذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم فى شىء من هذا المدعى سوى ما تقدم من أحكام ... وما يلى ذلك. ولو كان لهم فى ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشىء مما زعموا. 3ـ أن النظريات العلمية عرضة للتبديل والتغيير، فإذا حملنا عليها ألفاظ القرآن كان فهم آياته عرضة للتغيير والتبديل مما يبعث على الشك ويؤدى إلى البلبلة والاضطراب. وقد يناقش الدليل الأول بأن عدم احتياج فهم الشريعة وتبليغها إلى العلوم لا ينافى أنها موجودة فى القرآن،، ويكون الغرض منها الشرح والبيان والإيضاح، ويناقش الدليل الثانى بأن القرآن ليس للعرب فقط ولا لعصرهم السابق، بل هو لكل الناس ولجميع العصور، فلا مانع أن يكون فيه من المعلومات ما لا يعرفه العصر الأول، وسيعرف فيما بعد، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله تعالى {سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [فصلت: 53] وعموم رسالة الإسلام لا يجوز معها قصر فهم القرآن على المألوف عند العرب، فليكن فيه قدر يتضح سره بما ينكشف بعد من علوم كونية ونفسية، وذلك لزيادة الإيضاح لأصل الدليل على صدقه فهو صادق بإعجازه وكفى بالله شهيدًا على ذلك {أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد} . ويناقش الدليل الثالث، بأن حمل الألفاظ القرآنية على النظريات التى لم تثبت بعدُ لا يجوز أبدا، وإذا حملت فإنما يكون على الحقائق العلمية الثابتة، ذلك لأن كلام الله حق لا يفسَّر بغير الحق، وهو ثابت لا يفسر بغير الثابت، فاللائق هو توضيح الثابت بما ثبت وليس ذلك إلا فى الحقائق العلمية المقررة وهذا كله بشريطة عدم التعسف فى التأويل، بل يترك لفظ القرآن على طبيعته القابلة لكل فهم دفعًا للعقل إلى التفكير والبحث. 7ـ والرأى الذى أميل إليه يتلخص فيما يلى:ـ (أ) أن القرآن فيه بعض الحقائق العلمية، وقد ذكرت للعبرة والموعظة والتأمل، لا على أنها معلومات للاعتقاد والتكليف والتعليم، وقد عبر الله عنها بالألفاظ العربية والأسلوب المعجز. وما جاء فيه من المقررات العلمية حق لأنه كلام الله، سواء عرفها الناس عند نزولها أم لم يعرفوها، وعدم علمهم بها لا يغض من شأن القرآن، فهو ميسر للذكر يستطيع كل إنسان أن يأخذ منه القدر الكافى لهدايته، مهما كان مستواه العلمى. (ب) أن ألفاظ القرآن دقيقة محكمة لأنها صنع الله الذى أتقن كل شىء وأن هناك لونًا من ألوان إعجازه هو الحديث عن بعض المسائل العلمية التى لا عهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالذات بعلمها، ولا عهد للعرب الذين ووجهوا بالقرآن بها، ثم ثبت بعد ذلك صدق هذه المسائل، وذلك للدلالة على أن القرآن ليس من عند محمد، بل هو من عند لله العليم الخبير. وبالتأمل فى بعض هذه التعبيرات نجد أنها محايدة فى الأمور التى يختلف الناس عليها ولم يصلوا بعد إلى معرفة أسرارها، وذلك ليدع مجال الفكر مفتوحا للباحثين، ليصلوا إلى آخر شوط ممكن، وكلما جد البحث بشخص نظر إلى الآية فرآها كأنها معه فى كل خطواته تشجعه ولا تصرح على الأقل بكذبه أو إخفاقه، فيغريه ذلك على متابعة البحث إرضاء لشهوة العقل وحب الاستطلاع. حتى إذا وصل إلى الحقيقة العلمية الثابتة وجد الآية معه أيضًا لم يصبها أى تغب فى موقفها المحايد الذى لا ينحاز إلى باحث معين فى أولى خطوات النظر وفى وسطها حتى يبلغ النهاية. وهو بوصوله إلى الحقيقة سيزداد إيمانًا بصدق القرآن وأنه حق من عند الله، لا من عند محمد الذى لم يتعلم أساليب البحث ليصل إلى هذه النتيجة، وإن لم يصل إلى الحقيقة العلمية بعد طول البحث لا يجوز له أن يشك فى القرآن، بل الأجدر أن يتهم نفسه ويعيد النظر فى أسلوب بحثه عل فيه حلقة مفقودة، أو مقدمة لم تثبت لتستطيع أن تنتج نتيجة صادقة. وحياد الألفاظ القرآنية فى كثير من مواضعها هو الذى أوجد النشاط الفكرى عند علماء الكلام فى بعض المسائل الكلامية، حيث تكون الآية الواحدة كل يدعى أنها تشهد لرأيه، وكذلك كان هذا الحياد سببًا فى نشاط علماء الشريعة فى استنباط الأحكام الفقهية. (ج) أن أسلوب القرآن مطابق لمقتضى الحال فى خطابه للعلماء والعامة على السواء، على خلاف الكلام العادى للناس، فهو إما أن يخاطب به المستويات العالية باشتماله على الرمز والإشارة والكناية والاستعارة، وإما أن يخاطب به العامة الذين لا يفهمون إلا الواضح المبسط من الكلام، ولو خوطبت إحدى الطائفتين بغير ما يليق بها لم يكن الكلام بليغًا، أما القرآن الكريم فهو وحده الذى يراه البلغاء أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم، فهو متعة الخاصة والعامة على السواء. كما قال سبحانه {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر} [القمر: 17، 22، 32، 40] . يقول الراغب الأصفهانى فى مقدمة تفسيره: أخرج تعالى مخاطباته فى محاجة خلقه فى أجل صورة تشتمل على أدق دقيق؛ لتفهم العامة من جلتها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة؛ ويفهم الخواص من أثنائها ما يوفى على ما أدركه فهم الحكماء، ومن هذا الوجه كل من كان حظه فى العلوم أوفر كان نصيبه من علم القرآن أكثر، ولذلك إذا ذكر تعالى حجة إلى ربوبيته ووحدانيته أتبعها مرة بإضافتها إلى أولى العقل، ومرة إلى أولى العلم؛ ومرة إلى السامعين، ومرة إلى المتذكرين تنبيها على أن بكل قوة من هذه القوى يمكن إدراك حقيقة منها. (د) أننا فى حاجة إلى من يفسر لنا القرآن على ضوء المقررات العلمية لتتضح معانيه. ويؤمن بها الذين لا يرضون بغير هذا الأسلوب بديلا، فبمقررات علم الحياة والأجنة يمكن توضيح قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 12 -13] وبمقررات علم الطب يتضح لنا معنى الأذى فى قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة: 222] ويتضح سر التحريم لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة.. الوارد فى الآية الثالثة من سورة المائدة فكل ما يساعد على كشف أسرار التشريع من العلوم لا بأس به، بل كل ما يوصل إلى الإيمان بالله وإدراك سر الوجود لا بأس به بل هو مطلوب. وهذا كله على شريطة أن يكون التفسير بالمقررات الثابتة، لا بالنظريات التى ما زالت قيد البحث ومحل اختلاف العلماء. وعلى ألا يكون هناك تعسف فى التأويل وتحميل الألفاظ معانى لم توضع لها، كما سيتضح من عرض الأمثلة آلاتية بعد. 8 ـ إن تفسير القرآن بالنظريات التى لم تثبت يعد تفسيرا بالرأى المحض، وقصره على رأى بالذات افتراء للكذب على الله. وفى ذلك خطورة كبيرة، لأنها تخضع آيات القرآن للآراء الخاصة، الأمر الذى ضل به كثير من الفرق التى ظهرت فى الإسلام، ولأنها تمنع صلاحية الإسلام العامة أن تكون لكل البيئات والأجيال وأن تكون مناراً هاديا لكل المفكرين، كما أنها تعرض القرآن للطعن فيه بالتكذيب إن جاء ما يثبت خطأ الرأى الأول الذى فسر به. والإنسان إذا لم يكن متمكنا مما يقول ويرى لا ينبغى أن يحمل القرآن على جهلة وسفهه، فهو حرم مقدَّس لا يقربه إلا العالمون الموقنون. قال إبراهيم التيمى: سئل أبو بكر الصديق رضى الله عنه عن تفسير الفاكهة والأبِّ فقال: أى سماء تظلنى، وأى أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم. وقال أنس. سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: كل هذا قد عرفناه، فما الأبُّ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال: هذا لعمرو الله التكلف، وما عليك يا بن أم عمر ألا تدرى ما الأبُّ. ثم قال: اتبعوا ما بيِّن لكم من هذا الكتاب، وما لا فدعوه "القرطبى ج 9 1 ص 223 " وذلك كطه من وحى قوله صلى الله عليه وسلم " اتقوا الحديث علىَّ إلا ما علمتم، فمن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" رواه الترمذى عن ابن عباس. قال ابن عطية: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى فى كتاب الله عز وجل فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء، واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول،، وليس يدخل فى هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه، الفقهاء معانيه، ويقول كل واحد باجتهاده المبنى على قوانين علم ونظر، فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه " القرطبى ج 1 ص 32 " وعلى هذا من يفسر القرآن بنظرية غير ثابته فهو يفسر برأيه على غير قوانين العلم والنظر، بخلاف من يفسره بهذه القوانين الثابتة، فهو يعمل عملا مشروعا يوضح ما فى القرآن فقط لا يقصد به إثبات صدقه، فكفى بالله شهيدًا على صدقه. 9 ـ إن من قواعد المنهج السليم لتفسير القرآن أن تستقصى آياته فى الموضوع الواحد فهى تفسر بعضها بعضا، وخير ما فسرته بالوارد، فقد يكون العام أو المطلق أو المبهم فى آية مخصصا أو مقيدا أو مبينا فى آية آخرى، وهكذا، على أن يراعى السباق والسياق فى فهم المراد من الآية. والخطأ الذى يقع فيه كثير من الباحثين الآن - وكثير منهم غير أهل للتفسير- أساسه عدم مراعاة هذا المنهج، فهم يبترون الآية بترا ويقطعونها عن سابقتها ولاحقتها ويفسرونها كما يريدون، وهم لا ينظرون إلى مثل هذه الآية فى موضع آخر من القرآن حتى يستعينوا بها على تفسيرها، فلهذا يخطئون كثيرا فيما يزعمون. روى البخارى ومسلم أنه لما نزل قول الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام: 82] قال بعض الصحابة: يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس بذلك، ألا تسمع إلى قول لقمان {إن الشرك لظلم عظيم} . فالظلم الذى نزلت به هذه الآية عرف المراد منه بما نزل فى الآية الأخرى، وهو الشرك. ومن مظاهر الخطأ فى التفسير لعدم اتباع هذا المنهج أن بعض الباحثين - ولا أقول المفسرين - أراد أن يبرهن على أن الأرض تتحرك وتسير وليست ثابته، فأورد قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب} [النمل: 88] فمرور الجبال كالسحاب دليل على أن الأرض تتحرك، هكذا يقول. وقد نسى أن الآيات التى اكتنفت هذه الآية تتحدث عن النفخ فى الصور وعن محاسبة الناس على حسناتهم وسيئاتهم، فالجو كله فى يوم القيامة سباقا وسياقا. وليس ذلك فى عالم الدنيا. ونسى أيضًا أن الحديث عن ظاهرة مرور الجبال يوم القيامة ورد فى آيات أخرى من سور القرآن قال تعالى: {يوم تمور السماء مورا. وتسير الجبال سيرا. فويل يومئذ للمكذبين} [الطور: 9 - 11] وقال {إذا الشمس كوِّرت. وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيِّرت..} [التكوير: 1 ـ 3] والمقام كله فى يوم القيامة. 10 ـ وهذه بعض الكشوف العلمية التى حاول الكاتبون أن يستدلوا عليها بالقرآن: 1 ـ فى غزو الفضاء قالوا: يدل عليه قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} [الرحمن: 33] فالسلطان هو العلم وبواسطته نفذ الإنس من الأقطار. ويرد عليه بأن هذه الآية تتحدث عن يوم القيامة، وتبين قدرة الله على محاسبة كل من الإنس والجن ومجازاته لا يستطيع أحد أن ينجو منه إلا بسلطان، أى قدرة عظيمة أو ملك قوى، وليس ذلك لأحد إلا لله. أو تتحدث عن القضاء بالموت على كل حى لا يهرب منه أحد فكل من عليها فان، لا ينجو منه إلا بالسلطان المذكور وهو لا يملكه. وقال ابن عباس فى تفسيرها: إن استطعتم أن تعلموا ما فى السموات وما فى الأرض فاعلموه ولن تعلموه إلا بسلطان أى ببينة من الله، ومعنى هذا أن الغيب لا يعلمه إلا الله، الذى يطلع عليه من يشاء من عباده. فلو فرض أن المراد بالسلطان هو العلم كما يشير إليه قول ابن عباس، فإن هذه الآية ليست نصًّا فى الزعم الذى يقوله المتحدثون. وعلى ذلك لا تصح دليلا لهم، على أنه لو كان ذلك صحيحًا فما المانع أن يطلع الله بعض الناس على علوم الكون بسلطان العلم، ولكن هل نفذ الإنس بعلمهم من أقطار السموات أيضا، أو نفذوا فقط - إلى الآن - من أقطار الأرض وجاذبيتها، وبقيت السموات حجرًا محجوراً؟ إن كل ما أمكن الوصول إليه من معلومات عن طريق الآلات الحديثة لا يعدو أن يكون فى سماء الدنيا، فإن الكشوف الفلكية والكواكب وأبعادها وسرعة ضوئها ودورانها ما زالت فى إحدى السموات وهى الدنيا، الشمس تبعد عن الأرض 93 مليون ميل كما قال تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} [الصافات: 6] فهل يستطيعون أن ينفذوا من أقطار السماء الدنيا كلها ثم يتطلعون إلى بقية السموا ت؟ على أن المقام، كما ذكرت، هو مقام الحساب والجزاء بدليل السباق والسياق، فأولى أن يحمل اللفظ على ما يليق به، ولا داعى للتعسف وطلب دليل من القرآن، فكم من حقائق علمية ثبتت بغير الاستدلال عليها من الكتاب الكريم، ولا ضير فى ذلك أبدًا، على ما علمت من مهمة القرآن فى الهداية والإعجاز. (ب) استدل بعض العامة من الناس على كروية الأرض بالآية السابقة قائلا إن التعبير بالأقطار يثبت كروية الأرض وكروية السموات، لأن القطر هو الخط الموصل بين نقطتين على المحيط ماراًّ بمركز الدائرة، والأقطار لا تكون إلا للدوائر وهذا بالتالى يثبت الكروية. ويرد عليه بأن القطر الذى يتحدث عنه هذا الشخص اصطلاح هندسى لم تعرفه العرب فهم يعرفون القطر بأنه الجهة والناحية لا الخط المذكور، والنفاذ من الأقطار يكون بالخروج من الجهات والمنافذ لا من الخطوط التى يتصورها المهندسون. إن كروية الأرض حقيقة ثابتة، وحياة الناس وتطورها مبنى عليها، والدليل على ذلك ليس من القرآن، ولا داعى لالتماسه منه أبدًا، على ما علمت من مهمته فى الإعجاز وهداية الناس. (ج) دور الرياح فى تلقيح النبات بحمل مادة الذكورة إلى مكانها الذى تلتقى فيه بمادة الأنوثة فيكون الإخصاب، على ما هو مقرر فى علم النبات. استدل عليه البعض بقوله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه} [الحجر: 22] فاللواقح جمع لاقح بمعنى حاملة للقاح، أو ملقحة لغيرها بما تحمله، إن دور الرياح فى نقل اللقاح معروف، ولكن فى أخذه من هذه الآية تعسف وتكلف؛ ذلك أنه لو كان المراد تلقيح النبات لجاء عقبها ما يتحدث عن النبات فيقال مثلا: فزكا الزرع وخرج الثمر ولكن الذى حدث أن الذى جاء بعدها قوله تعالى: {فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه} وهذا يشير إلى أن المعنى أن الرياح المحمَّلة ببخار الماء؛ يرسلها الله فتتجمع السحب ويتكاثف البخار ويبرد فى الطبقات الجوية الملائمة فينزل الماء، وهذا هو التنسيق المعقول بين إرسال الرياح اللواقح وإنزال الماء من السماء لسقى الناس. فأولى أن تحمل الآية عليه، ولا يتعسف بحملها على ما يثبت دورها فى تلقيح النبات، فذلك مشاهد بالملاحظة والنظر لا حاجة إلى الدليل النقلى عليه. (د) قالوا: إن حدود الكون تتسع وتمتد؛ واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} [الذاريات: 47] ؛ لكن العلماء قالوا: إن لفظ {موسعون} مأخوذ من أوسع الرجل إذا صار ذا سعة وغنى؛ ومنه قوله تعالى {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} [البقرة: 236] فالآية تدل على قدرة الله، وقدرته تتجلى فى أشياء كثيرة، ولا مانع أن يكون منها توسيع حدود الكون، فهو الذى خلقه بقدرته وعلمه. فلا ينبغى قصر معنى السعة على هذا الذى يريده علماء الفلك والطبيعة. (هـ) قالوا: إن كل شىء فى السماء يعتريه ازدياد مفاجئ فى حرارته وحجمه وإشعاعه بدرجة لا تتصورها العقول، وعند ذلك يتمدد السطح بما حوى من لهب ودخان، حتى يحصل على توازنه الدائم، والشمس لم تمر بهذا الدور بعد، فإذا مرت به وتمدد سطحها الخارجى حتى وصل القمر يختل توازن المجموعة الشمسية كلها، وذلك يوم القيامة، ويدل عليه قوله تعالى {فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] قال المفسرون: إن هذا الدخان من علامات الساعة كما فى صحيح مسلم، وقيل إن الدخان هو ما أصاب قريشًا من الجوع بسبب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم عليهم؛ كما رواه البخارى فى حديث يصور هذا الجوع جاء فيه: فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله {فارتقب ... } وجاء فيه: أن النبى استقى لهم فسقوا ولكن استمروا على عنادهم فقال الله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} يعنى يوم بدر، وقيل إنه غبار الجيش يوم فتح مكة. (و) قالوا أيضًا مما يشير إلى قلة الأوكسجين فى الطبقات الجوية العليا قوله تعالى: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجا كأنما يصَّعَّد فى السماء} [الأنعام: 125] وظاهرة ضيق الصدر تحصل عند الارتفاعات العليا، ومثل هذا واضح لا شك فيه، ويفيد فى تصور المعنى المراد دون أن يمس قدسية القرآن. كما قالوا: إن الأبعاد والمسافات الشاسعة بين النجوم والتى لا يمكن حساب بعضها يشير إليه قوله تعالى {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75] فإن مجموعات النجوم التى تكون أقرب مجرات السماء منا تبعد عنا بنحو 700 ألف سنة ضوئية، والسنة الضوئية تعادل عشرة ملايين الملايين من الكيلو مترات للضوء يقطع فى العام نحو 88، 5 مليون ميل أى نحو 6 مليون ميل (مجلة العربى يوليو 1970 م) (الضوء يقطع فى الثانية186000 ميل) 000، 300 ك م فهذه الأبعاد الشاسعة جديرة بأن يقسم الله بها لعظمها، وهذا وجه من وجوه العظمة وقد يكون منها دقة مساراتها وعدم تصادمها وتحديد الجاذبية فى كل منها، فالآية شاملة وعامة. وقالوا أيضًا: مما يدل على قوة الاستدلال ببصمات الأصابع على شخصية صاحبها قوله تعالى: {بلى قادرين على أن نسوِّى بنانه} [القيامة: 4] لأن دقة الخطوط واتجاهاتها وعددها لا يكاد يتفق فيها شخصان، فتسويتها يوم القيامة على ما كانت عليه بعد أن كانت ترابًا منثوراً موزعا فى أماكن قاصية دليل قدرة الله تعالى، وهذا وجه من وجوه قدرة الله على بعث الناس يوم القيامة بأجسامهم المشخصة لهم بعد فنائها. مثل هذه الأمثلة الأخيرة لا يضر توضيح آيات القرآن به أبدا، ولكن الممنوع قصرها على هذه المكتشفات، أو التعسف فى التأويل الذى يخرج به اللفظ عن أصل وضعه اللغوى واستعماله العرفى عند العرب الذين نزل القرآن بلغتهم. وبعد، فهذا عرض موجز لموقف القرآن من الكشوف العلمية الحديثة رأينا فيه تشجيعه للبحث والنظرة ورأينا دقته حين يعرض لشىء علمى كشف عنه البحث أخيرا، وهذا دليل صدقه وأنه من عند الله وحده أيَّد به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم. والمقررات العلمية الثابتة ستزيد معانى القران وضوحًا، وهذه صورة من صور التعانق بين العلم والدين، أى العلم الثابت الأكيد ودين الله الذى أنزله هداية للناس جميعًا {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أوَ لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد} فليكن فهمنا له على ضوء لحقائق الثابتة لا النظريات الفجه، ولنحفظ له قدسيته فلا نقول على الله بغير علم، ولا نجعله حمى مستباحا لكل كاتب يجيل فيه قلمه بما ترمى به الأفكار الشاردة،، فليس كل مجال تباح فيه الحرية للجائلين {ألا إنهم فى مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شىء محيط} [فصلت: 54] . تتمة: وردت بعض الأحاديث فى مسائل علمية لم يوافق عليها العلم إلى الآن كحديث الذباب إذا وقع فى الإناء والأمر بغمسه كله لأن فى أحد جناحية داء والآخر دواء، وأحاديث أخرى واردة فى الطب. ويرى ابن خلدون أن الطب المنقول فى الشرعيات ليس من الوحى فى شىء فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له فى شأن تلقيح النخل ما وقع فقال أنتم أعلم بأمور دنياكم. وعلى هذا يجوز أن يكون رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى مثل هذه الأمور محتملا للخطأ لأنه من أمور الدنيا. لكن لا ينبغى الحكم بذلك إلا بعد البحث الصحيح لمعرفة الرأى الحق العلمى اليقينى فى مثل هذه الأمور " منبر الإسلام مجلد 1 2 عدد جمادى الآخر 1383 ص آ 1، 17 " (8/81) ________________________________________
تفسير: (لا تسألوا عن أشياء)
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل معنى قوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم} أننا لا نسأل عن أمور ديننا ما دمنا لا ن
الجواب روى البخارى ومسلم أن رجلا اسمه عبد الله بن حافة هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا وكانت فيه دعابة سأل النبى صلى الله عليه وسلمعن أبيه، فقال له: " أبوك فلان " ولما علمت أمه بسؤاله عن أبيه قالت: ما سمعت بابن أعق منك، آمن أمك قارفت ما يفارق النساء فى الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ فقال: والله لو ألحقن بعبد أسود للحقت هذه الآية تنهى عن مثل هذه الأسئلة. وروى الترمذى انه لما نزل قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قالوا: يا رسول الله أفى كل عام؟ فسكت ولما كرروا السؤال قال " لا، ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما أطقتموها، ولو لم تطيقوها لكفرتم " فأنزل الله هذه الآية للنهى عن تكلف الأسئلة ما دام القرآن لم يبين اكثر مما نزل، وذلك كله فى أيام نزول الوحى، حتى لا يكون المسلمون كبنى إسرائيل حينما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة، فأخذوا يسألون عن سنِّها وأوصافها حتى شدد الله عليهم فاشتروها بثمن كبير. أما اليوم ـ وقد انتهى الوحى ـ فيجوز بل يجب أن نسأل عما نجهله لأنه من باب التفقه فى الدين، وقد كان النهى رحمة بالمسلمين فقد صح فى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شىء لم يحرم على المس فحرم عليهم من أجل مسألته ". فعلى كل مسلم يجهل أمرا من أمور الدين ـ لم يستطع أن يعرفه من مصادره ـ أن يسأل عنه العلماء المختصين كما قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وأنصح كل طالب علم أياًّ كان نوعه أن يسأل عن حكم الدين فى كل ما يعِنُّ فذلك دليل على اليقظة حتى لا يزل، ولا يعدُّ ذلك جبنًا منه، بل هو الحكمة عين الحكمة، فليس التفلت من بل هو تهور يؤدى إلى التهلكة (8/82) ________________________________________ نسخ القرآن بالسنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز للسنة الشريفة أن تنسخ الأحكام الثابتة بالقرآن مثل قوله صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث " الذى نسخ الوصية للوارث الموجودة فى القرآن، مع العلم بان القرآن كلام الله تعالى، والسنة من عند الرسول والرسول بشر؟
الجواب يقول الله سبحانه {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} البقرة: 106، ويقول {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل} النحل: 151، تفيد هاتان الآيتان وغيرهما أن النسخ وهو انتهاء حكم شرعى بطريق شرعى موجود فى القرآن الكريم، وقد يكون النسخ للتلاوة والحكم أو أحدهما، وذلك بنزول آية أخرى فيها حكم مغاير. وأمثلته كثيرة فى القرآن الكريم أفردت بتآليف خاصة منها كتاب الناسخ والمنسوخ لأبى جعفر النحاس المتوفى سنة 338 س. ونسخ القرآن بالقرآن متفق عليه بدليل الآيتين السابقتين، وأما نسخ القرآن بالسنة فمنعه جماعة، لأن الله يقول {قل ما يكون لى أن أبدِّله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلىَّ} يونس: 15، ولأن السنة لا تكون مثل القرآن ولا خيرا منها كما تقول الآية {نأت بخير منها أو مثلها} وقال آخرون بجواز نسخ القرآن بالسنة وبوقوعه بناء على أن السنة أيضا من عند الله كما قال تعالى {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى} النجم: 3، 4، وقال {وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نزَل إليهم} النحل: 44،على أن المراد بالذكر هو السنة، وقال جماعة: بنسخ القراَن بالسنة إذا كانت بأمر الله عن طريق الوحى، أما إن كانت باجتهاد فلا. والرأى القائل بنسخ القرآن بالسنة هو الأقوى، لقول الله تعالى. إلى جانب النصين السابقين - {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر: 7. وقوله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم} النساء: 65، إلى غير ذلك من النصوص، وقد أجمع المسلمون على أن القرآن إذا نزل بلفظ مجمل ففسره الرسول وبيَّنه كان بمنزلة القرآن المتلوَّ فى الأخذ به، فكذلك النسخ. وتطبيقا لذلك فى حكم الوصية للوارث. قال تعالى {كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف} البقرة: 180. يقول أبو جعفر النحاس: فى هذه الآية خمسة أقوال، منها أنها منسوخة بقوله " لا وصية لوارث " وذلك على رأى من يجيز نسخ القراَن بالسنة- وقيل: هى منسوخة بآية المواريث {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين} النساء: 11، وذلك على رأى من ينسخ القراَن بالقرآن فقط وقيل: نسخت الوصية للوالدين وثبتت للأقربين الذين لا يرثون. وقيل: نسخ وجوب الوصية وبقى ندبها، وقيل: إن الوصية واجبة للوالدين والأقربين إذا كانوا لا يرثون، كأن كانوا كفارا. هذا ملخص ما قيل فى آية الوصية، وعلى قول من الأقوال فى تفسيرها كان تشريع الوصية الواجبة لولد الولد المحروم من الميراث، كما فى القانون المصرى للأحوال الشخصية (8/83) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 16 يناير 2024, 7:04 am | |
| معنى: لا يمسه إلا المطهرون
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أرجو تفسير قوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 79؟
الجواب يقول الله تعالى {إنه لقرآن كريم. فى كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 77 - 79. اتفقت الأئمة على حرمة مسهم المصحف أو حمله فى حال الجنابة ولم يخالف فى ذلك واحد من الصحابة، لكن جوزه داود وابن حزم. واستند الجمهور القائل بالحرمة إلى هذه الآية، بناء على أن المراد بالكتاب هو المصحف وأن المس هو اللمس الحسى المعروف. وقد نوقش هذا الدليل بأن الكتاب المكنون فسره بعضهم باللوح المحفوظ ولا يمسه إلا المطهرون مقصود بهم الملائكة وفسره بعضهم بالكتب السابقة على معنى أن فيها ذكرا للقرآن ومن ينزل عليه، كما نوقش بأن الكتاب لو أريد به المصحف فإن معنى {لا يمسه إلا المطهرون} : لا يمسه إلا المطهرون من الشرك، لأن المشركين نجس فالذين يجوز لهم مسه هم المؤمنون سواء أكانوا على طهارة أم لا. وقد صحح ابن القيم فى كتابه "التبيان فى أقسام القرآن " أن المراد بالكتاب هو الذى بيد الملائكة، وأريد ذلك بقوله تعالى: {فى صحف مكرَّمة. مرفوعة مطهرة. بأيدى سفرة. كرام بررة} عبس: 13 -16. ورجَّح ذلك بعشرة وجوه يمكن الاطلاع عليها فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام (ص 213) . كما استدل المحرمون لحمل المصحف أو مسه بدون طهارة بحديث " لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه النسائى والدارقطنى والأثرم. وهو حديث قوى قيل إنه أشبه بالمتواتر وقيل إنه حسن. وكذلك استدلوا بحديث "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) ذكره الهيثمى فى "مجمع الزوائد" برجال موثقين. كما استدلوا بمنع أخت عمر بن الخطاب من مسه للصحيفة التى كانت تقروها لأنه رجس، رواه الدارقطنى. ونوقشت أدلة المحرِّمين وأدلة المجيزين. هذا فى حال الجنابة، أما فى الحدث الأصغر فجمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله، وهو مروى عن كثير من الصحابة والتابعين، وذهب إليه من أئمة الفقة مالك والشافعى وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه. وأجاز بعض العلماء ذلك ونقل عن جماعة من السلف، وذهب إليه أبو حنيفة فى رواية عنه، كما جوزه داود بن على. واستثنى بعض من حرم مس المصحف وحمله من الحدث الأصغر - الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم لحاجتهم إلى حفظ القراَن، ويقاس عليهم الكبار المحتاجون لحفظ القرآن فرخص لهم مسه وحمله مع الحدث الأصغر من أجل تيسير الحفظ وليس من أجل التعبد بالتلاوة، فتشترط للمسه وحمله الطهارة "راجع ص 413 من المجلد الأول من هذه الفتاوى" (8/84) ________________________________________ كتابة القرآن بغير الحروف العربية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية ليستطيع قراءته أهل اللغات الأخرى؟
الجواب أثير هذا الموضوع عندما أثير موضوع ترجمة القراَن الكريم، وحاول بعض المجددين أن يجيز كتابة القرآن بحروف غير الحروف العربية، ولكن عارضه أهل الذكر من علماء الدين، وصدرت بذلك فتوى رسمية من لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، ونشرت بمجلة الأزهر "المجلد السابع ص 45 " بتوقيع الشيخ حسين والى رئيس اللجنة وهذا نصها: لا شك أن الحروف اللاتينية المعروفة خالية من عدة حروف توافق العربية، فلا تؤدى جميع ما تؤديه الحروف العربية، فلو كتب القرآن الكريم بها على طريقة النظم العربى. -كما يفهم من الاستفتاء -لوقع الإخلال والتحريف فى لفظه، وتبعهما تغير المعنى وفساده. وقد قضت نصوص الشريعة بأن يُصان القرآن الكريم من كل ما يعرضه للتبديل أو التحريف، وأجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على أن كل تصرف فى القرآن الكريم يؤدى إلى تحريف فى لفظه أو تغيير فى معناه ممنوع منعا باتا، ومحرم تحريما قاطعا. وقد التزم الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا، كتابة القرآن الكريم بالحروف العربية ومن هذا يتبين أن كتابة القرآن العظيم بالحروف اللاتينية المعروفة لا تجوز. انتهى. هذا ويقاس على تحريم كتابة القراَن الكريم بالحروف اللاتينية التى صدرت بها الفتوى تحريم كتابته بأية حروف أخرى غير عربية، للاتحاد فى العلة كما هو الشرط فى القياس وقد سبق الكلام على ذلك فى ص 3 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى (8/85) ________________________________________ قول صدق الله العظيم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال بعض الناس يقولون: إن قول القارئ بعد الانتهاء من القراءة "صدق الله العظيم " بدعة، لا يجوز قولها فهل هذا صحيح؟
الجواب حذرت كثيرا من التعجل فى إطلاق وصف البدعة على أى عمل لم يكن فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد التشريع، ومن التمادى فى وصف كل بدعة بأنها ضلالة وكل ضلالة فى النار، ويمكن الرجوع إلى ص 352 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى لمعرفة ذلك. وقول "صدق الله العظيم " من القارى أو من السامع بعد الانتهاء من القراءة، أو عند سماع آية من القراَن ليس بدعة مذمومة، أولا لأنه لم يرد نهى عنها بخصوصها، وثانيا لأنها ذكر لله والذكر مأمور به كثيرا، وثالثا أن العلماء تحدثوا عن ذلك داعين إليه كأدب من آداب قراءة القرآن، وقرروا أن قول ذلك فى الصلاة لا يبطلها، ورابعا أن هذه الصيغة أو قريبا منها ورد الأمر بها فى القرآن، وقرر أنها من قول المؤمنين عند القتال. قال تعالى: {قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا} آل عمران:95، وقال {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} الأحزاب: 22، وذكر القرطبى في مقدمة تفسيره أن الحكيم الترمذى تحدث عن آداب تلاوة القراَن الكريم وجعل منها أن يقول عند الانتهاء من القراءة: صدق الله العظيم أو أية عبارة تؤدى هذا المعنى. ونص عبارته "ج 1 ص 27 ": ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم [مثل أن يقول: صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم] ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول: صدقت ربنا وبلَّغت رسلك ونحن على ذلك من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط، ثم يدعو بدعوات. وجاء فى فقه المذاهب الأربعة، نشر أوقاف مصر، أن الحنفية قالوا: لو تكلَّم المصلى بتسبيح مثل. صدق الله العظيم عند فراغ القارئ من القراءة لا تبطل صلاته إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة، وأن الشافعية قالوا: لا تبطل مطلقا بهذا القول، فكيف يجرؤ أحد فى هذه الأيام على أن يقول: إن قول: صدق الله العظيم، بعد الانتهاء من قراءة القرآن بدعة؟ أكرر التحذير من التعجل فى إصدار أحكام فقهية قبل التأكد من صحتها، والله سبحانه وتعالى يقول: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} النخل: 116 (8/86) ________________________________________
ختم القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك دعاء مخصوص لختم القرآن وهل ورد حديث فى فضل الاجتماع على ختم القرآن؟
الجواب لم يرد حديث مقبول عن النبى صلى الله عليه وسلم بخصوص ختم القرآن كما لم يرد بخصوص الاجتماع على الختم، وإنما هو كلام وآثار وردت عن السلف، وذكر النووى شيئا من ذلك فى كتابه "الأذكار" ص 158 وقال: صح عن بعض التابعين الكوفيين أنهم كانوا يصبحون صياما اليوم الذي يختمون فيه. وقال: يستحب حضور مجلس الختم لمن يقرأ ولمن لا يحس القراءة، كما شهد النساء الحُيَّض الخير ودعوه المسلمين يوم العيد. وذكر أن أنس بن مالك كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا، وأن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن وتنزل الرحمة. وروى فى مسند الدارمى عن حُميد الأعرج أنه قال: من قرأ القرآن ثم دعا أمَّن على دعائه أربعة آلاف ملك. إن قراءة القراَن لها فضلها العظيم. ومجالس الذكر والقرآن تشهدها الملائكة كما صحت بذلك الأحاديث، والصوم مستحب سواء كان من أجل ختم القرآن أو من غيره، والدعاء لا بأس به بعد قراءة القرآن وهو مرجو القبول، لأن القراءة وسيلة لثواب الله، والدعاء بصالح الأعمال بوجه عام يرجى قبوله كدعاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار ففرَّج الله عنهم وكون أربعة آلاف ملك يؤمنون على الدعاء بعد القرآن لا يعلمه إلا الله سبحانه ولم يصح فيه حديث فالخلاصة أن كل عمل صالح يدعو تحت العنوان العام للصالحات لا بأس به، لكن ورود حديث بذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم يجب التحرى فيه (8/87) ________________________________________ قراءة القرآن للجنب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سيدة تدرس الدين فى المدارس، وتضطر إلى قراءة آيات من القرآن الكريم وهى فى عادتها الشهرية فهل هذا جائز؟
الجواب قراءة القرآن من غير مس المصحف أو حمله بالنسبة للحائض والنفساء والجنب فيها رأيان: رأى بالمنع وهو لجمهور العلماء، ورأى بالجواز. واستدل الجمهور على المنع بأدلة منها: 1 -ما رواه أصحاب السنن عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القراءة شىء إلا الجنابة، وصحح الترمذى هذا الحديث. وقال ابن حجر: إن بعضهم ضعَّف بعض رواته فهو من قبيل الحسن، ويصلح للاحتجاج به. 2 -ما رواه أحمد وأبو يعلى عن على أيضا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال "هكذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية" قال الهيثم: رجاله موثقون، قال الشوكانى: فإن صح هذا الحديث صلح للاستدلال على التحريم، أما الحديث الأول عن على فليس فيه ما يدل على التحريم، لأن غايته أن النبى صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة. ومثله لا يصح متمسكا للكراهة فكيف يستدل به على التحريم؟ . 3- ما رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن " وقد ضُعِّف هذا الحديث. والذين أجازوا القراءة للجنب، ومنهم داود، وابن حزم الظاهريان، استندوا إلى كتاب هرقل الذى؟ أرسله إليه النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم -وكانت فيه آية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم. . .} وهو وغيره ممن أرسلت إليهم الكتب لا يتطهرون من الجنابة. وذهب البخارى والطبرى إلى ذلك. قال البخارى: لا بأس أن تقرأ الحائض، الآية ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل حال. قال الحافظ ابن حجر تعليقا على هذا. لم يصح عند المصنف - البخارى- شىء من الأحاديث الواردة فى ذلك. أى فى منع الجنب والحائض من القراءة، وإن كان مجموع ما ورد فى ذلك تقوم به الحجة عند غيره، لكن أكثرها قابل للتأويل. وذهب أبو حنيفة إلى قراءة ما دون الآية. وبعه عرض الرأيين أقول: إن أدلة المنع من القراءة للجنب قوية، ولا أرى جوازها إلا للضرورة القصوى، كالاستدلال من القرآن على رأى فى مجال النقاش مثلا، وكقراءته لتأدية امتحان يترتب على عدم القراءة فيه ضرر، وبالنسبة لما جاء فى السؤال أرى أن تعتذر المدرسة عن عدم القراءة وتؤجلها حتى تطهر أو تكلف غيرها بالقراءة. هذا وقد جاء فى شقه المذاهب الأربعة-نشر أوقاف مصر-ما يأتى: 1 -المالكية قالوا: لا يجوز للجنب قراءة القراَن إلا إذا كان يسيرا وقرأه بقصد التحصن أو الاستدلال، أما الحائض والنفساء فإنه يجوز لها قراءه القرآن حال نزول الدم. سواء كانت عليها جنابة من قبل أم لا، أما بعد انقطاع الدم فإنه لا يجوز القراءة قبل الاغتسال سواء كانت عليها جنابة أو لا على المعتمد، وذلك لأنها صارت متمكنة من الاغتسال فلا تحل لها القرءاة قبله. أما مس المصحف أو كتابته فإنه يجوز لها للتعلم أو التعليم فقط. وكذلك لا يجوز للجنب دخول المسجد لا لمكث فيه ولا المرور من باب إلى باب آخر. 2 - والحنفية قالوا: يحرم على الجنب تلاوة القراَن إلا إذا كان معلما، فإنه يجوز له أن يلقن المتعلم كلمة كلمة، بحيث يفصل بينهما، وأن يفتتح أمْرًا ذا. بال بالتسمية، وأن يقرأ الآية القصيرة بقصد الدعاء أو الثناء، ومثل الجنب فى ذلك الحائض والنفساء، أما دخول المسجد فيحرم إلا للضرورة. 3-والشافعية قالوا: يحرم على الجنب قراءة القرن ولو حرفا واحدا إن كان قاصدا تلاوته، أما إذ قصد الذكر فلا يحرم مثل "بسم الله الرحمن الرحيم " عند الأكل، أما المرور بالمسجد فيجوز للجنب والحائض والنفساء من غير مكث فيه ولا تردد بشرط أمن عدم تلوث المسجد. ولا يجوز المكث فيه إلا للضرورة. 4 - والحنابلة قالوا: يباح للجنب أن يقرأ ما دون الآية القصيرة دون ما زاد على ذلك وله الذكر به، أِما المكث فى المسجد فيجوز بالوضوء ولو بدون ضرورة. أما الحائض أو النفساء فلا يجوز لها المكث بالوضوء إلا إذا انقطع الدم (8/88) ________________________________________ تفسير: المال والبنون
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل المال مفضَّل على البنين حيث جاء الأول فى قوله تعالى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} ؟
الجواب هذه الآية من سورة الكهف: 46، ومبدئيا أقول: إن العطف بالواو لا يقتضى ترتيبا ولا تعقيبا كما قال علماء اللغة العربية التى نزل بها القرآن الكريم المعجز، فالمال والبنون يشتركان فى حكم واحد فى الآية هو زينة الحياة الدنيا، سواء قدِّم المال على البنين فى الذكر أو أخر، فالواو لمطلق الجمع بينهما. ثم أقول: لعلَّ - والله اعلم -تقديم المال على البنين هو مشاكلة لما حدث فى قصة الرجل صاحب الجنتين الذى افتخر بهما على صاحبه. وقدم فى فخره المال على الولد، حيث قال القرآن {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} الكهف: 34، وردَّ على صاحبه بعد ذلك بقوله {إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك} الكهف: 39-40، واستمر الحديث بعد ذلك عن المال وهو الجنة التى أحرقها الله، وجاءت الآية التى تضرب المثل بعد ذلك متحدثة عن المال، فالتركيز أكثر على المال. فناسب أن يخبر الله عن زينة الحياة الدنيا مقدما المال الذى كان الاهتمام به كبيرا، ثم أقول إن المال هو الذى يساعد على الزواج الذى يأتى منه البنون المحتاجون فى تربيتهم أولا إلى المال، هذا ما بدا لى ولعله يكون مقبولا وأسرار القرآن المعجز يعلمها الله سبحانه وتعالى (8/89) ________________________________________ الترتيب بين الإنس والجن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا نرى فى القرآن الكريم تقديم الجن على الإنس. هل هم أفضل من الإنس؟
الجواب كما قرر العلماء: العطف بالواو لا يقتض ترتيبا ولا تعقيبا، فالكل مخلوقون لله ومخاطبون بالشريعة وسيحاسبون أمام الله، وهم مشتركون فى هذه الأمور وفى غيرها، ولعل تقديم الجن على الإنس راجع إلى أن الجن كانوا موجودين قبل خلق آدم. فلما خلقه الله أمر الملائكة بالسجود له، وكان معهم إبليس وقال بعض العلماء: لعل التقديم بسبب أن الجن تشمل الملائكة بجامع الاستتار فى كل، وفى ذلك يقول الله تعالى عن الكفار {وجعلوا بينه وبين الجِنة نسبا} الصافات: 158، حيث قالوا: إن الملائكة بنات الله قال الأعشى: وسخر من جن الملائك سبعة * قياما لديه يعملون بلا أجر فأما قوله تعالى {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} الرحمن: 74، وقوله: {لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} الرحمن: 36، وقوله {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} الجن: 5، فإن لفظ الجن ها هنا لا يتناول الملائكة بحال، وذلك لنزاهتهم عن العيوب، وأنه لا يتوهم عليهم الكذب ولا سائر الذنوب، فلما لم يتناولهم عموم اللفظ لهذه القرينة بدأ لفظ الإنس لفضلهم وكمالهم "آكام المرجان للشبلى ص 7" (8/90) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 16 يناير 2024, 7:04 am | |
| المعوذتان هل هما من القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح ما يقال: إن المعوذتين ليستا من القرآن الكريم؟
الجواب هذا الكلام قديم وذكرته بعض كتب التفسير ونسب إلى عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه، يقول القرطبى فى تفسيره "ج 25 ص 251" زعم ابن مسعود أنه ما - قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس - دعاء تعوذ به النبى صلى الله عليه وسلم -حين سحرته اليهود، وليستا من القرآن. خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت. وهذا الكلام يعنى أن المعوذتين من القرآن، والدليل عليه هو الإجماع من الصحابة وأهل البيت، ثم ذكر القرطبى مبررات لقول ابن مسعود، فذكر أن ابن قتيبة قال: لم يكتب عبد الله بن مسعود فى مصحفه المعوذتين لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين -رضى الله عنهما-بهما، فقدَر أنهما بمنزلة: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. ومن المعلوم أن المصحف الرسمى المعوَّل عليه هو ما كان يمليه النبى صلى الله عليه وسلم على كتَّاب الوحى، وكان بعض الصحابة يكتب لنفسه ما نزل من القرآن فى مصحف خاص كابن مسعود، وقد تكتب فيه تعليقات وتوضيحات وهوامش يراها صاحب المصحف هامة عنده، وعلى فرض أن ابن مسعود لم يكتبهما فى مصحفه فليس ذلك دليلا على أنهما ليستا من القرآن الكريم، ومن المعلوم أن عثمان بن عفان،رضى الله عنه عندما جمع المصحف تحت إشراف لجنة مختصة، ونسخ منه عدة نسخ وأرسل بعضها إلى الأمصار لتكون إماما للناس -أمر بإحراق كل ما عدا المصحف الذى جمعه حتى يكون المصحف الرسمى واحدا لا خلاف فيه. وأبو بكر الأنبارى لا يرضى قول ابن قتيبة فيما نسب إلى ابن مسعود ويؤكد: أن المعوذتين من كلام رب العالمين المعجز لجميع المخلوقين، وأن "أعيذكما بكلمات الله التامة" واضح أنه من قول البشر، وكلام الله الخالق الذى هو معجزة لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وحُجة باقية على الكافرين - لا يلتبس بكلام الآدميين على مثل عبد الله ابن مسعود العالم باللغة وأفانين الكلام. ثم يذكر القرطبى أن ترك عبد الله بن مسعود لكتابتهما سببه كما قال. البعض أنه آمن عليهما من النسيان، كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه لذلك. مع أنه حافظ متقن، ولكن هذا التعليل غير مسلَّم، لأنه كتب: إذا جاء نصر الله والفتح، إنا أعطيناك الكوثر، وقل هو الله أحد، وهن كالمعوذتين فى عدم الطول وفى سرعة الحفظ، ونسيانهن مأمون. وذكر ابن كثير فى تفسيره عدة روايات تثبت أن المعوذتين من القرآن وان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما فى الصلاة ويرغب فى قراءتهما لما لهما من الثواب العظيم، وأكثر هذه الروايات فى مسند أحمد وفى سنن النسائى وروى مسلم فى صحيحه عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألم تر آيات أُنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ". كما جاء فى تفسير ابن كثير أن البخارى روى عن زرِّ بن حُبيش أنه سأل أُبى بن كعب: يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا تقال: إنى سألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال "قيل لى فقلت " فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحافظ ابن حجر ذكر كثيرا مما تقدم يؤكد الإجماع على أن المعوذتين من كلام الله تعالى وقرآنه الكريم "ج 8 ص 615 ". يؤخذ من هذا الكلام أن المعوذتين من كلام الله ومن سور المصحف. الشريف، وعدم كتابة ابن مسعود لهما لا يلزم منه أنهما ليستا من القرآن، بصرف النظر عما جاء من تعليل لذلك، فالإجماع منعقد من أيام الصحابة على أنهما من القرآن الكريم، ومصحف عثمان هو الإمام لكل المصاحف لإجماع الصحابة عليه (8/91) ________________________________________ كتاب الإمام على ومعرفة الغيب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا أن هناك كتبا منسوبة إلى الإمام على رضى الله عنه. يعرف فيها ما يحدث فى العالم إلى يوم القيامة - فهل هذا صحيح؟
الجواب من المعلوم أن الله سبحانه لا يُطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضاه، كما قال تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتض من رسول فإِنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن: 26، 27، ومن المعلوم أيضا أن المغالاة فى كل شىء مذمومة وأن الشيعة الذين يحبون آل البيت تغالوا فى ذلك حتى وضع بعضهم عليا رضى الله عنه فى منزلة ادعى بعضهم فيها أنه إله، والبعض الآخر أنه نبى، وكل ذلك تحدثت عنه كتب التوحيد. وبخصوص علم سيدنا على كرم الله وجهه بالغيب سبق أن تحدَّثنا فى صفحة 411 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى عن مصحف فاطمة رضى الله عنها وعن الجفر والجامعة المنسوبين للإمام على رضى الله عنه. وإضافة إلى ذلك قرأت فى مجلة الإسلام فى سنتها الثالثة وفى العدد الثامن ما يأتى: قال السيد الشريف فى شرح المواقف: الجفر والجامعة كتابان لعلى رضى الله عنه. وقد ذكر فيهما- على طريقة علم الحروف - الحوادث التى تحدث إلى انقراض العالم، وكان الأئمة المعروفون من أولاده رضى الله عنه يعرفونهما ويحكمون بهما. وفى كتاب قبول العهد الذى كتبه على بن موسى-رضى الله عنهما- إلى المأمون: إنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤنا، فقبلت منك العهد، لأن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم، ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه إلى أهل البيت، ورأيت أنا بالشام نظما أشير فيه بالرموز إلى أحوال ملوك مصر، وسمعت أنه مستخرج من ذينك الكتابين. هذا كلام السيد. قالوا: فعلم من هذا أن عليا كرم الله وجهه كان عالما بالحوادث المستقبلة التى تحدث إلى انقراض العالم، إذ كتابة هذه الحوادث فى معنى القول بها. ولا شك فى أن علمه بذلك لم يكن اطلاعيا ولا استدلاليا. فتعين أن يكون بطريق التعليم الإلهى اللدنى، أو بتعليم النبى صلى الله عليه وسلم إياه بطريق الإفاضة الروحانية. قال حجة الإسلام الغزالى فى الرسالة اللدنية: قال على رضى الله عنه: أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه فى فمى فانفتح فى قلبى ألف باب من العلم، مع كل باب ألف باب. هذا، وقد أنكر ابن تيمية نسبة ذلك إلى على فقال: ومن الناس من ينسب إليه الكلام فى الحوادث كالجفر وغيره، وآخرون ينسبون إليه أمورا أُخر يعلم الله تعالى أن عليا كرم الله وجهه منها برى ويؤيد كلام ابن تيمية ما رواه البخارى أن عامة ما يروى عن على كذب (8/92) ________________________________________ صحف إبراهيم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قالى تعالى {إن هذا لفى الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى} الأعلى: 18،19، عرفنا صحف موسى وهى التوراة المطبوعة فأين نجد صحف إبراهيم؟
الجواب من المعلوم أن الكتب التى نزلت على الأنبياء السابقين كانت فى تشريعاتها متناسبة مع الأقوام الذين أرسل إليهم الرسل، ولا يكلف قوم بغير ما جاء به رسولهم، فهى تشريعات خاصة وتاريخية أى قاصرة على زمانها تنسخها الشريعة التى تأتى بعدها، وكان خاتمة الكتب القرآن الكريم الذى نزل على خاتم الرسل، فليس بعدهما كتاب ولا رسول، والأمة الإسلامية ليست مكلفة بما جاء فى الكتب السابقة لأمرين أولهما أنها خاصة بأقوامهم. وثانيهما أنها ليست مقطوعة الصحة، وقد أخبر القرآن الكريم عن تحريفها فى أكثر من آية، بل عن اختلاق جماعة لكلام وادعاء نسبته إلى رسولهم ليكون وحيًا له القداسة عندهم. مع العلم بأن أصول العقائد والأخلاق التى لا تتغير بتغير الأزمان والأقوام واحدة فى كل ما جاء به الرسل السابقون، والمخالفة هى فى التشريعات العملية التى تتناسب مع هؤلاء الأقوام، والقرآن جاء مقررا للصواب ومصححا لما دخله التحريف منها، تاركا التشريعات لمن نزلت عليهم، قال تعالى {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة: 48. وقد تقدم فى صفحة 363 من المجلد الرابع النهى عن قراءة هذه الكتب خشية الفتنة بما فيها، إلا لمن كان على بينة من دينه ليميز الخبيث من الطيب، والخطأ من الصواب. وبخصوص صحف إبراهيم لا يوجد خبر صحيح عما فيها، ولا عن وجودها الآن، وقد أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم كما قال تعالى {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} النحل: 123، والظاهر أن الاتباع هو فى عقيدة التوحيد والعقائد الأساسية كما يفهم من وصفه بقوله {حنيفا وما كان من المشركين} ومع ذلك إذا كان الاتباع فى بعض ما جاء من التشريع فهو صحيح ما دام لم يأت فى الإسلام ما يخالفه على رأى من قال بذلك من علماء الأصول. ومما أخذناه من شريعة إبراهيم الختان. ولا حاجة إلى معرفة ما نزل على إبراهيم من صحف. ففى قرآننا كل خير {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة: 3. ومع ذلك ذكر المفسرون بعض ما فى هذه الصحف، ففى القرطبى ج 2 ص 24: روى الآجُرِّى من حديث أبى ذر قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟ قال "كانت أمثالا كلها، أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم، فإنى لا أردها ولو كانت من فم كافر. وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجى فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، يفكر فيها فى صنع الله عز وجل إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب. وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا فى ثلاث: تزود لمعاد، ومرمَّة لمعاش، ولذه فى غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه. مقبلا على شانه، حافظا للسانه. ومن عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه ". قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال كانت عِبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب. وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل. قال: قلت يا رسول الله فهل فى أيدينا شىء مما كان فى يدى إبراهيم وموسى مما أنزل الله عليك؟ قال "نعم، اقرأ يا أبا ذر {قد فلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلَّى. بل تؤثرون الحياة الدنيا. والآخرة خير وأبقى. إن هذا لفى الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى} وابن جرير الطبرى اختار أن الذى فى صحف إبراهيم وموسى هو {قد أفلح من تزكى..} ووافقه ابن كثير فى هذا الاختيار، وأورد عن النسائى عن ابن عباس أن سورة {سبح اسم ربك الأعلى} كلها فى صحف إبراهيم وموسى. وكلها روايات لا يلزمنا اعتقاد ما فيها، وقراننا هو خير كتاب نأخذ منه هدايتنا، فهو يهدى للتى هى أقوم (8/93) ________________________________________
مستقر الشمس وعلم العلماء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول الله تبارك وتعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، مما يدل على أن الشمس تتحرك وليست ثابتة، ويقول بعض العلماء أن الشمس ثابتة والأرض هى التى تدور حول نفسها مرة فى اليوم، وحول الشمس مرة كل سنة فما مدى صحة كلامها؟
الجواب الظاهر من كلمة (تجرى) التحرك والانتقال من مكان إلى آخر. كما أن الظاهر من كلمة (تدور) اللف حول شىء معين، وهذا الشىء المعين قد يكون هو المحور مع عدم الانتقال منه، وقد يكون فيه انتقال من مكان إلى آخر مع الالتزام بمركز يحدث حوله هذا الانتقال. وكلمة (الفلك) معناها المسار أو المدار الذى يتحرك فيه الشىء، وقد يكون التحرك فى خط مستقيم أو خط دائرى يكون محيطا له مركز قال تعالى {وهو الذى خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل فى فلك يسبحون} الأنبياء: 33، والظاهر أن كلمة (كل) تعنى مجموع الليل والنهار والشمس والقمر بدليل الجمع فى قوله (يسبحون) فكيف نتصور الفلك الذى يسبح فيه الليل والنهار؟ إن معرفتنا لا تزال محدودة، وكلما اكتشف علماء اليوم جديدا عرفوا أنهم كانوا يجهلون كثيرا، وألفاظ اللغة العربية فيها من المرونة والصلاحية ما لا يستطيع الإنسان معه أن يجزم بمعنى ينطبق على شىء نجهل من حقيقته كثيرا. إن "المستقر" الذى تجرى له الشمس فى قوله تعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، هل المراد به المحور الذى تدور حوله الشمس كما تدور الأرض حول محورها، أو المراد به المدار والمسار الذى تلتزمه وهى تتحرك من مكان إلى آخر، وإلى أين هذا التحرك، هل هو محيط أو فى خط مستقيم. كل ذلك قال به المفسرون والعلماء. دون جزم بأحد هذه المعانى. وقد يقال: إن المستقر هو نهاية الحركة والجرى فالشمس سيأتى عليها وقت تقف فيه عن الجرى وهو يوم القيامة، فاللام فى (لمستقر) بمعنى "إلى" التى تفيد الغاية. . . قال تعالى {لا الشمس ينبغى لها أن تدرك. القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون} يس: 40، وهذا يدل على أن لكل من الشمس والقمر سَبحا وجريانا فى مدار ومسار وانتقال من مكان إلى مكان: ثم قال بعد ذلك: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فالظاهر أنها تلتزم مسارها وهو الفلك بحيث لا نتجاوزه إلى مسار آخر حتى لا تصطدم بالكوكب أو النجم الذى يجرى فى هذا المسار، وحتى لا تدرك القمر إن جرت فى مداره، فالكل يتحرك بنظام ثابت دقيق. وقد يراد أن الشمس على الرغم من كبر حجمها والجد فى جريانها بحيث لا تدرك القمر سيأتى عليها وقت تكف فيه عن الحركة بأمر الله الذى يقع كل شىء تحت سلطانه وقهره. هذا تفسير بالمعقول، أما التفسير بالمنقول فقد جاء فى صحيح مسلم عن أبى ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فقال: " مستقرها تحت العرش " وفى رواية لمسلم عن أبى ذر أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون أين تذهب هذه الشمس "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " إن هذه الشمس تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجرى لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهى إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعى أصبحى طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون متى ذلكم "؟ "ذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا " وجاءت هذه الرواية فى صحيح البخارى عن أبى ذر أيضا بما يفيد أن مستقر الشمس كل يوم هو تحت العرش حيث تسجد وتستأذن ربها بالجرى فيأذن لها حتى يكون آخر إذن بها بالشروق من المغرب. إن الإنسان لا يستطيع بسهولة أن يفهم معنى الاستقرار تحت العرش، فالشمس دائما فى حركة إن غابت عن بعض أجزاء الأرض فهى ظاهرة للبعض الآخر، ولم يشاهد أحد من الدنيا أنها توقفت عن الحركة. . . أو لا يجوز أن نفسر استقرارها تحت العرش، بأنها فى كل أوقاتها خاضعة لأمر الله، لا تتحرك إلا بإذنه، وتستمر حركتها إلى أن تستقر نهائيا فى آخر الدنيا؟ (8/94) ________________________________________ من أى شىء خلقت حواء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن المرأة خلقت من ضلع آدم؟
الجواب قال الله تعالى {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} النساء: 1، وقال {هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} الأعراف: 189، وقال تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} الروم: 21، وقال صلى الله عليه وسلم " إن المرأة كالضلع، فإذا ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج " رواه مسلم، وقال " واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما فى الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا " رواه مسلم وقال فى رواية لمسلم " وكسرها طلاقها". يقول الفخر الرازى فى تفسيره لأول النساء: وفى كون حواء مخلوقة من آدم قولان: الأول -وهو الذى عليه الأكثرون- أنه لما خلق الله آدم ألقى عليه النوم، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى. واحتجوا بحديث مسلم " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج " والثانى- وهو اختيار أبى مسلم الأصفهانى- أن المراد من قوله " وخلق منها زوجها" أى فى جنسها وهو كقوله {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} وقوله تعالى {بعثت فيهم رسولا من أنفسهم} قال القاضى: والقول الأول أقوى وذكر وجه قوته. والطبرى فى تفسيره وكذلك القرطبى ذكرا أن القول الأول هو لابن عباس وابن مسعود، لكن ليس لهذا النقل سند صحيح، بل هو منقول عن أهل الكتاب كما فى سفر التكوين " الإصحاح الثانى: 21 - ومن هذا نرى أن خلق حواء من آدم ليس أمرا متفقا عليه، فقد يكون خلقها من نفسه يعنى أنها خلقت من جنسه وهو الطين وليس من النور أو النار حتى يمكن أن يسكن إليها، وما جاء فى الأحاديث أنها خلقت من ضلع قد يراد به التشبيه كما فى الرواية الأولى فليس هناك نص قاطع فى الثبوت والدلالة على خلقها من ضلع آدم، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال. ولا يضر الأخذ بأى الرأيين. وقد علق النووى على الأحاديث بقوله: وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم، قال الله تعالى {خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} وبيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع. وفى هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم " شرح صحيح مسلم ج 10 - ص 57 " والموضوع مستوفى فى الجزء الثانى من موسوعة (الأسرة تحت رعاية الإسلام "، س، ج للمرأة المسلمة (8/95) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 16 يناير 2024, 7:06 am | |
| كيف وسوس إبليس لآدم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال بعد أن طرد الله إبليس من الجنة كيف استطاع أن يوسوس لآدم وهو فى الجنة؟
الجواب قال تعالى {فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكم ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين} الأعراف: 20، 21. يستفاد من ذلك أن إبليس تحدث مع آدم وحواء بعد أن طرده اللَّه من الجنة، وسمى اللَّه هذا الحديث وسوسة، فكيف تمت وهو خارج الجنة وهما فى داخلها؟ . يفيد ظاهر الآية أن الحديث معهما كان عاديا بالنطق والمشافهة، وليس حديث نفس ألقى فى قلبهما منه، والحديث الشفوى قد يسمى وسوسة، وبخاصة إذا كانت فيه سرية، إن الكلام كثير فى كيفية هذه الوسوسة، وليس له سند صحيح يعتمد عليه، ولا يبعد أبدا أن يكون إبليس قد وقف على باب الجنة ولم يدخلها وتحدث مع آدم وحواء، ويعلم من هذا أنه لم يدخل الجنة بعد أن طرده اللَّه منها. وما يقال من أن إبليس دخلها فى جوف حية، وكان منظرها جميلا، ولما أبت كل الحيوانات إدخاله قبلت هى ذلك، فحولها اللَّه إلى هيئتها المعروفة لنا وصارت من أعدى الحيوانات لبنى آدم، ليس عليه دليل معتبر (8/96) ________________________________________ بعثة الرسول فى الشرق الأوسط
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما الحكمة فى بعثه الرسل كلهم فى الشرق الأوسط من الأرض؟
الجواب ليكن معلوما أن الله سبحانه أرسل رسلا كثيرين كما قال تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} غافر: 78، وقال تعالى {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} فاطر: 24، وقال تعالى {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا} النحل: 36، نعلم من هذه النصوص أنه يجوز أن يكون الله سبحانه قد أرسل رسلا فى غير منطقة الشرق الأوسط، على أن المختصين قالوا: إن العمران البشرى بدأ أول ما بدأ فى هذه المنطقة، وذلك لاعتدال جوها وكثرة خيراتها المتاحة من المياه والنبات وغيرها، ووجود عوامل ساعدت على تجمع الناس وتكوين وحدات مستقرة، أو على الأقل متعاونة متحدة، والغالب أن يكون لهذه العلاقات الاجتماعية أثر كبير على الفكر والسلوك، الذى قد يشيع ويعم الوحدة الاجتماعية كلها، ومن هنا كانت الحاجة أمس لإرسال رسول يهدى الضالين فى العقيدة والسلوك، فالرسول لا يأتى لأفراد متناثرة ولكن لوحدات مترابطة، حتى لا يكون للناس على الله حجة {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} النساء: 165 (8/97) ________________________________________ إدريس عليه السلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قال تعالى: {واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا} مريم: 56، 57، فما هو الأمر الذى بسببه رفعه الله إليه، وأين مكانه، ولماذا لم يرفع غيره من الأنبياء؟
الجواب قال المفسرون: إن الرفع فى الآية إما رفع مكان وإما رفع مكانة، وقد رفع الله إدريس عليه السلام إلى السماء الرابعة كما قال كثير منهم، وقيل إن الرفع هنا هو رفع منزلة وقدر وشرف. وكل الأنبياء مرفوعة منزلتهم. وسبب الرفع لم يرد به خبر صحيح، وهى أقوال منسوبة لابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهم، منها أنه لما أصابه وهج الشمس تعجب كيف يتحمله الملك الذى يحمل الشمس وسأل ربه أن يخفف عنه، فلما علم الملك بذلك أراد أن يكافىء إدريس، فجمع الله بينه وبينه، وطلب إدريس منه أن يشفع له عند ملك الموت ليؤخر أخله. وقيل طلب منه أن يريه الجنة فرفعه إلى السماء الرابعة فقبض ملك الموت فيها روحه ورفعها إلى الجنة ودفنت جثته فى السماء الرابعة، وقيل غير ذلك. وفى حديث الإسراء جاء فى رواية مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم وجد إدريس فى السماء الرابعة. تحدث القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 119 " عن كلام ابن وهب فى مقابلة ملك الموت لإدريس وإدخاله الجنة وأمر الله له أن يخرج منها، وقال: إنه حى هناك تارة يرتع فى الجنة، وتارة يعبد الله مع الملائكة فى السماء. كما ذكر القرطبى أنه أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وأول من نظر فى علم النجوم والحساب وسيرها، قال بعض المحققين: إنه نشأ ودعا إلى التوحيد فى منطقة أسوان جنوبى مصر. وذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية والزرقانى فى شرحها "ج 6 ص 71 " ما نقل عن كعب الأخبار أن إدريس توفى فى السماء الرابعة ولم تكن له تربة فى الأرض، وقاك ابن المنير، اختلف فى إدريس هل رفع إلى السماء بعد موته كغيره من الأنبياء، أو إنما رفع حيا وهو إلى الآن حى كعيسى، وكل ذلك من الإسرائيليات والله أعلم بصحتها ولم يثبت رفعه وهو حى من طريق مرفوعة قوية. وجاء فى " مشارق الأنوار للعدوى " ص 14 أن العلماء اختلفوا فى أنه حى فى السماء أم ميت فقال قوم هو ميت، وقال قوم: هو حى، وقالوا: أربعة من الأنبياء أحياء، منهم فى الأرض اثنان وهما الخضر وإلياس عليهما السلام، واثنان فى السماء وهما عيسى وإدريس، كما ذكره الخازن فى تفسيره. وكل هذه أخبار غير موثقة من قرآن أو حديث صحيح، ولا يجب علينا أن نومن إلا بأن إدريس عليه السلام من الرسل وأن الله رفع منزلته، وما وراء ذلك من كونه فى السماء الرابعة حيا أو ميتا لا نلزم باعتقاده (8/98) ________________________________________ الذبيح إسماعيل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من الذى أمر الله إبراهيم بذبحه من أولاده، هل هو إسحاق أم إسماعيل؟
الجواب قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام {فبشرناه بغلام حليم. فما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين. فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم. وتركنا عليه فى الآخرين. سلام على إبراهيم. كذلك نجزى المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين. وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين. وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} الصافات: 101 -113، وقال عند الكلام عن الملائكة لما جاءت إبراهيم بالبشرى {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} هود: 71، وقال فى موضع آخر {وبشروه بغلام عليم} الذاريات: 28. وروى الحاكم فى المستدرك عن معاوية بن أبى سفيان قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابى فقال: يا رسول الله، خلفت البلاد يابسة والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال، فعد على مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه. وقد ذكره الزمخشرى فى الكشاف، وقال الزيلعى فى تخريج أحاديثه: غريب. وجاء فى كتب السيرة أن عبد المطلب نذر إن رزقه الله عشرة بنين ليذبحن أحدهم قربانا لله، وذلك عندما منعته قريش من حفر زمزم ولم يكن معه إذ ذاك إلا ولده الحارث، وعندما رزق بالبنين وأراد أن يوفى بنذره جاءت القرعة على عبد الله " والد النبىصلى الله عليه وسلم بعد " حتى افتدى أخيرا بمائة من الإبل، ولهذا روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا ابن الذبيحين " أى إسماعيل الذى أمر الله أباه إبراهيم بذبحه، وعبد الله والده، الذى كان سيذبح. إزاء هذه المرويات اختلف العلماء فى الذبيح الأول هل هو إسحاق أم إسماعيل؟ . الجمهور على أن الذبيح إسماعيل، ومما يؤيد رأيهم ما يأتى: 1 - أن إبراهيم عليه السلام لما أنجاه الله من النار وهاجر من أرض العراق إلى الشام {وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين} الصافات: 99، وبما تقدمت به السن ولم ينجب طلب من ربه أن يهب له ولدا فاستجاب الله له {رب هب لى من الصالحين. فبشرناه بغلام حليم} الصافات: 100، 101، وكان هذا الغلام من هاجر المصرية وهو بالشام، وهو إسماعيل، ولما لم تنجب زوجته الأولى دخلت الغيرة قلبها فأمره الله أن يبعد عنها هاجر وولدها، فأسكنهما فى موضع مكة، وامتحنه بذبحه لما بلغ معه السعى وكان ذلك الامتحان فى مكة. أما ابنه إسحاق فجاءت البشارة به بعد أن بشره الله بإسماعيل، كما تدل عليه الآيات التى ذكرت الرؤيا والبدء فى الذبح ثم افتداء الله إسماعيل بذبح عظيم، وانتهت بمدح إبراهيم ثم ذكرت البشارة بإسحاق. والامتحان يكون بذبح الابن البكر الذى جاء بعد شوق طويل، لا بالولد الثانى الذى لا يصل حبه إلى ما وصل إليه حب الأول. 2 - وأن إبراهيم عاش سلسلة من الامتحانات أكثرها يتصل بهاجر وولدها إسماعيل، حيث أسكنهما بواد غير ذى زرع، مسلما أمرهما إلى الله، يعيش بعيدا عنهما فى الشام، ويزورهما على فترات، ثم يتصاعد الامتحان بأن يرى فى المنام أنه يذبح فلذة كبده، وما ذلك إلا إسماعيل، ولنتصور حال إبراهيم لو تم الذبح كيف يترك هاجر وحيدة فى مكان ليس فيه من الأنس ما فى الشام حيث يستقر به المقام، إن سلسلة هذه الامتحانات المترابطة تؤكد أن الذبيح هو إسماعيل. 3- وأن هناك اختلافا فى الظروف التى بشر بها إبراهيم بكلا ولديه إسماعيل وإسحاق فالبشارة بإسماعيل كانت عند هجرته من أرض العراق وبطلب من الله أما البشارة بإسحاق فكانت عندما جاءته الملائكة فى طريق مرورها إلى قوم لوط، وهى فترة كان فيها إسماعيل مع أمه هاجر بعيدين عن البيت، الذى لم يكن فيه إلا سارة التى عجبت أن يولد لها وهى عجوز عقيم وبعلها شيخ كبير، ولم يكن هناك طلب منهما لهذا الولد والامتحان بذبح من طلبه وتشوق إليه امتحان أشد. 4 - أن الشروع فى ذبح إسماعيل صاحبته أحداث تدل على أنه هو المقصود بالذبح وليس إسحاق، ذلك أن الروايات تقول: إن إبراهيم أخذ ولده وخرج به من البيت ليذبحه بعيدا عن أمه فلقيهما الشيطان فى الطريق وسول لهما عدم الاستجابة، فرجمه إبراهيم فى أكثر من مكان، ومنه كانت شعيرة رمى الجمار من شعائر الحج، وذلك فى مكة وليس فى الشام. 5 - عندما بشر الله إبراهيم وسارة بإسحاق عن طريق الملائكة، جاء فى البشارة {ومن وراء إسحاق يعقوب} هود: 71، يعنى أن إسحاق سيولد ويكبر ويتزوج ويولد له يعقوب، فهل يعقل بعد الاطمئنان على حياة إسحاق أن يذبحه أبوه؟ إنه لو ذبحه فمن أين يكون يعقوب؟ هذا دليل قوى على أن الذبيح هو إسماعيل. 6 - أن البشارة بإسماعيل وصفته بأنه غلام حليم، أما البشارة بإسحاق فوصفته بأنه علام عليم، وصفة الحلم تتناسب مع من أطاع أمر ربه وصدق رؤيا أبيه فلم يغضب ولم يعص، وهو إسماعيل. وصفة العلم غالبة فى نسل إسحاق ويعقوب وبنى إسرائيل. 7 -أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الأضاحى فقال " سنة أبيكم إبراهيم " رواه أحمد وابن ماجه وأبو العرب هو إسماعيل بن إبراهيم، وليس إسحاق ابن إبراهيم، كما هو معروف والقرابين كانت تذبح فى مكة وليس فى الشام استجابة لدعوة إبراهيم ربه {فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} إبراهيم: 37، {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} الحج: 27 - 29. 8 -أن أهل الكتاب يقولون: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وما كان له ابن وحيد إلا إسماعيل، فإن إسحاق لا يقال له وحيد حيث كانت ولادته بعد ولادة إسماعيل، فقد نصت كتبهم على أن إسماعيل ولد ولإبراهيم ست وثمانون سنة، وأن إسحاق ولد ولإبراهيم تسع وتسعون سنة. فأول ولد بشر به هو إسماعيل والوحيد الذى أمر بذبحه هو أيضا إسماعيل. وهو البكر كما عبر عنه فى بعض نسخهم، فأقحموا ها هنا كذبا وبهتانا اسم إسحاق لانه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم، ذكر هذا ابن كثير فى تفسيره لقوله تعالى: {فبشرناه بغلام حليم} . 9 -أن كبار العلماء من السلف قالوا: إن الذبيح هو إسماعيل كما روى ذلك عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس، ومجاهد عن ابن عمر، والشعبى يقول: رأيت قرنى الكبش فى الكعبة (كذا) وعمر بن عبد العزيز استدعى يهوديا بالشام أسلم وحسن إسلامه فشهد بأن الذبيح إسماعيل. وأبو عمرو بن العلاء سأله الأصمعى عن الذبيح فقال له: أين ذهب عقلك، متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة. يقول الآلوسى بعد أن ساق أقوال العلماء فى ذلك: والذى أميل إليه أن الذبيح إسماعيل لأنه المروى عن كثير من أئمة أهل البيت ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضى خلاف ذلك، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوى الألباب. هذا هو ما أثير حول هذا الموضوع لخصته من كتب السيرة، ومن زاد المعاد لابن القيم وغيره من المصادر، ينتهى إلى أن الذبيح هو إسماعيل، وما سبق فى ذلك هو اجتهادات واستنباطات يؤيدها حديث الحاكم عن معاوية بعدم إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على من ناداه بابن الذبيحين، كما يؤيدها ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله " أنا ابن الذبيحين " (8/99) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 16 يناير 2024, 7:08 am | |
| آزر وإبراهيم ونسب النبى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل آزر هو أبو إبراهيم عليه السلام أو عمه، وكيف يكون كافرا ونسب النبى صلى الله عليه وسلم كله طاهر لقوله تعالى {وتقلبك فى الساجدين}
الجواب نص القرآن الكريم على أن أبا سيدنا إبراهيم عليه السلام اسمه آزر، قال تعالى {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما اَلهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين} الأنعام: 74، ونص على أنه مات كافرا على الرغم من وعد إبراهيم أن يستغفر له ربه قال تعالى {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو للَّه تبرأ منه} التوبة: 114،. وقيل: إن آزر عم إبراهيم وليس والدا له، والعم يطلق عليه اسم الأب، كما فى قوله تعالى عن يعقوب {إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلفك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} البقرة: 133، مع أن إسماعيل ليس والدًا ليعقوب ولكنه عمه، والذى حمل هؤلاء على القول بأن آزر عم إبراهيم وليس والده هو شريف مقام النبوة أن يكون أحد اَباء الأنبياء كافرا، مستندين فى ذلك إلى قول اللَّه للنبى صلى الله عليه وسلم {وتقلبك فى الساجدين} الشعراء: 219، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " رواه أبو نعيم عن ابن عباس، وقال ابن عباس فى المراد بالساجدين " من نبى الى نبى " كما رواه أبو نعيم فى الدلائل بسند صحيح والطبرانى برجال ثقات. فقال هؤلاء: إن الكفر نجس لقوله تعالى {إنما المشركون نجس} التوبة: 28، فكيف ينقل الرسول من أصلاب الطاهرين واَزر أبو إبراهيم نجس؟ وكيف يكون تقلبه فى الساجدين وآزر ليس منهم؟ وردَّ على ذلك: بأن إرادة العم من الأب عدول عن الظاهر بلا مقتض، والنصوص المذكورة فى الطهارة والسجود لا تقتضى هذا العدول، لأن آية {وتقلبك فى الساجدين} ليست نصا فيما فسرها به ابن عباس، فقد فسرت بغير ذلك، فقد جاء عنه أيضا أن المعنى: يراك قائما وراكعا وساجدا، لأن قبل ذلك " الذي يراك حين تقوم " وبأن حديث النقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة أوَّلاً لم يصل إلى الدرجة التى يعتمد عليها فى العقائد، وثانيا فسرت الطهارة فيه بعدم السفاح كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس مرفوعا " لم يلتق أبواى قط على سفاح، لم يزل ينقلنى من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مُصَفّى مهذبا" وكما رواه الطبرانى عن على مرفوعا " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدنى أبى وأمى لم يصبنى من نكاح الجاهلية شىء". هذا، ولا يضير أن يكون فى أنساب الأنبياء كافرون، فكل امرىء بما كسب رهين، وقصة آزر ونسب النبى ليست عقيدة نحاسب عليها، وهى متصلة بقوم مضوا إلى ربهم وهو أعلم بهم، فَلْنَهْتم بحاضرنا لنصلحه، وبمستقبلنا لنستعد له (8/100) ________________________________________ الأنبياء والرسل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك فرق بين الأنبياء والرسل،وكم عددهم وكيف نعرف تواريخهم؟
الجواب النبى إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به ولم يؤمر بتبليغه. والرسول إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به وأمر بتبليغه. فكل رسول نبى، وليس كل نبى رسولا، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبى ورسول، قال تعالى {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ولذيرا} الأحزاب: 45، وقال تعالى {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللَّه وخاتم النبيين} الأحزاب: 40، فجمعت الآيتان بين وصفه بالنبوة والرسالة. وقد يحل كل لفظ محل الآخر، كما قال تعالى {وكم أرسلنا من نبى فى الأولين * وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزئون} الزخرف: 6، 7،. هذا أحسن ما قيل فى الفرق بين النبى والرسول، أما عدد الأنبياء والمرسلين فكثير. قال تعالى {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} فاطر: 24، وقال تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} غافر: 78. وقد ورد حديث رواه ابن حبان في صحيحه عن أبى ذر الغفارى أنه قال: قلت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كم عدد الأنبياء؟ فقال "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا (124000) فقلت: وكم عدد الرسل؟ فقال "ثلثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرا" (313) " ولكن الحديث ليس متواترا حتى على فرض صحته، فلا يفيد إلا الظن والعقائد لا تؤخذ إلا باليقين. وهناك أقوال كثيرة لا داعى لذكرها ونحن لا نكلف إلا بمعرفة الرسل الذين ذكروا فى القرآن الكريم، وهم خمسة وعشرون، وأكثرهم فى الآيات: من 83 - 86 من سورة الأنعام، وأولها {وتلك حجتنا ... } وهم فيها ثمانية عشر، يضاف إليهم سبعة ذكروا في مواضع أخرى، نظمها بعضهم في قوله: في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشرويبقى سبعة وهم إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا وجاء فى كتاب "الحاوى للفتاوى" للسيوطى ص 249 "، أخرج الطبرانى عن أبى أمامة أن رجلا قال: يا رسول اللَّه، أنبى كان آدم؟ قال "نعم "قال: كم بينه وبين نوح؟ قال "عشرة قرون "قال: كم بين نوح وإبراهيم؟ قال "عشرة قرون " قال: يا رسول اللَّه كم كانت الرسل؟ قال: " ثلثمائة وخمسة عشر "ورجاله رجال الصحيح. وجاء في الكتاب أن بين موسى وعيسى ألفا وتسعمائة ونيفا، وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم نحو ستمائة. وترتيب الرسل هكذا: آدم، إدريس، نوح، هود، صالح، إبرا هيم، لوط، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، أيوب، شعيب، موسى، هارون، ذو الكفل، داود، سليمان، إلياس، اليسع، يونس، زكريا، يحيى، عيسى، محمد عليهم الصلاة والسلام. هذا وحديث أبى ذر الذى صححه ابن حبان ذكره ابن مردويه فى تفسيره وقال: إن ابن الجوزى خالف ابن حبان فى تصحيح الحديث وذكره فى الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام، قال الحافظ ابن كثير: ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث "المواهب اللدنية للقسطلانى"ج 2 ص 46. أما تواريخ الرسل فقد ألفت فيهم عدة كتب، والقرآن الكريم اقتصر على ما يهم من هذه التواريخ، وهو صادق فيما قاله، فقصصه أحسن القصص، ما كان حديثا يفترى، وما عدا ذلك من الأخبار فهو محل نظر، وكتب التفسيرمحشوة بكثيرمنها، ونحن لا نكلف إلا بمعرفة الصادق الذى لا يتعارض مع ما أخبر به القرآن والحديث الصحيح، والمرحوم الشيخ عبد الوهاب النجار حاول فى كتابه عن الأنبياء أن يستخلص ما هو أقرب إلى الصحة إن لم يكن مقطوعا بها، والحذر من قراءة الكتب القديمة المحشوة بالإسرائيليات وبما لا يتناسب مع مقام الأنبياء من التكريم والتشريف (8/101) ________________________________________ التفاضل بين الأنبياء والرسل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هم أفضل الأنبياء والمرسلين، وما هى درجاتهم في الفضل؟
الجواب مبدئيا نقول: إن التفاضل بين مخلوقات اللَّه موجود، سواء فى الأشخاص وفى الأزمان والأمكنة وغيرها. وهذا التفاضل أو الاختلاف من أقوى الأدلة على أن للعالم خالقا حكيما مريدا عالما قادرا على كل شىء، وليس العالم -كما يقول الفلاسفة والملحدون -مخلوقا بالطبيعة أو بالعلة، فمعلوم أن معلول العلة لا يتخلف ومطبوع الطبيعة لا يختلف. ومن مظاهر التفاضل في العالم في المكان فضل الكعبة والحرم، وفضل المساجد، وفى الزمان فضل رمضان ويوم الجمعة وليلة القدر، وفى الأشخاص فضل الرسل، وفضل العلماء.والنصوص في ذلك مشهورة. وبخصوص المرسلين قال اللَّه تعالى {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} البقرة: 253. وإن كانوا جميعا متساوين وفى درجة واحدة من وجوب الإيمان بهم جميعا، كما قال سبحانه {لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة: 258، وأفضلهم على الإطلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بالنص والإجماع، وقد رفع اللَّه درجته من عدة وجوه لخصها بعضهم بأنها فى ذاته وذلك بالمعراج حيث وصل إلى مقام لم يصل إليه ملك مقرب ولا نبى مرسل، وفى شرفه بالسيادة على جميع البشر فهو القائل "أنا سيد الناس يوم القيامة" رواه البخارى ومسلم، وفى معجزاته حيث أوتى القرآن الذى لم يؤته نبى قبله، وبعموم رسالته وغير ذلك. أما التفاضل بين الأنبياء بعضهم مع بعض فهو موجود كما تنص عليه الآية {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} الإسراء: 55، والمعتمد أن الرسل أفضل من الأنبياء. . والتفاصيل فيما بينهم موجود لكن الأفضل ألا نبحث عن وجوه الفضل بين نبى وآخر أو رسول وآخر، فقد يؤدى ذلك إلى اختلاف يمكن أن يكون نتيجة غير طيبة، ولذلك ورد النهى من النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك على الرغم من فضله عليهم. فقال "لا تفضلوا بين الأنبياء" وذلك فى حادث نزاع يهودى مع مسلم وحلف اليهودى أن موسى أفضل العالمين. رواه البخارى ومسلم. وقال "ما ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" قال العلماء: إنه قال ذلك من باب التواضع، وقال القاضى عياض: لا نفضل بعضا على بعض تفضيلا يؤدى إلى تنقيص بعضهم أو الغَضَّ منه، قال ابن حجر: قال العلماء: إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك من يقوله برأيه، لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدى إلى تنقيص المفضول، أو يؤدى إلى الخصومة والتنازع، وللمزيد يمكن الرجوع إلى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 6 ص 130 -140" (8/102) ________________________________________ حياة الأنبياء فى قبورهم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الأنبياء أحياء في قبورهم، وكيف نوفق بين حياتهم فيهما وقوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}؟
الجواب معلوم أن كل كائن حى لابد أن يموت، قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} آل عمران:185، وقال تعالى: {كل من عليها فان} سورة الرحمن: 26، وقال تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} سورة الأنبياء: 34، ويقول تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30،. وبعد موت الإنسان ستكون هناك حياة له من نوع آخر، فإذا فنى الجسد وصار ترابا فالروح باقية، ولها اتصال إلى حد ما بالجسد تختلف درجات هذا الاتصال من شخص لاَخر، وقد قال الله سبحانه فى الشهداء: {ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون} آل عمران: 169،. وبخصوص الأنبياء روى أبو داود والبيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علىَّ من الصلاة فيه، وإن صلاتكم تُعرض عَلَىَّ" قالوا: يا رسول الله وكيف تُعرض عليك صلاتنا وقد أرَمْتَ -بفتح الراء- يعنى بليت؟ فقال: "إن الله حَرَّمَ على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" وروى أبو داود أيضًا حديث "ما من أحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَىَّ إلا رَدَّ اللَّهُ عَلَىَّ رُوحِى حتى أرُدَّ عليه السَّلام " وروى أحمد والنسائى والحاكم وصححه وغيرهم حديث "إن لله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى عن أمتى السلام ". يقول السيوطى فى كتابه "إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء": حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره وحياة سائر الأنبياء معلومة عندنا علماً قطعياً، لكثرة الأدلة وتواتر الأخبار، وقد ألّف البيهقى جزءاً في حياتهم، ومن الأخبار ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أسْرِىَ به مَرَّ على موسى وهو قائمٌ يُصَلِّى في قبره، وصَحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفى السماء. جاء فى وصف موسى عندما مَرَّ به "فإذا هو رجل ضرب جعد كأنه رجل من شنوءة" ومعنى ضرب متوسط الحجم أو ضعيف اللحم، ومعنى جعد شعره غير سبط، وشنوءة قوم من الزط سمراللون وهذا يؤكد رؤيته البصرية. وجاء في هذا الحديث أيضاً: "وإذا عيسى ابن مريم قائمٌ يُصَلِّى أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفى، وإذا إبراهيمُ قائمٌ يُصَلِّى أشبه الناس به صاحبكم..."، فهل رآهما في قبريهما كما رأى موسى في قبره، أو رآهم يصلون فى المسجد الأقصى حيث جاء فى الحديث: فحانت الصلاة فأممتهم. بعد الأخبار المذكورة وبعد كلام السيوطى في تواتر الأخبار وكثرة الأدلة على حياة الأنبياء في قبورهم يمكننا أن نطمئن إلى ذلك ولا نكذب، بالإضافة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الشهداء، وقد قال اللَّه فيهم: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون} آل عمران: 169، ولا يُقال: قد يكون فى المفضول ما ليس فى الفاضل، لأن محل ذلك ما لم يرد نص، وقد ورد. وحياتهم فى القبور مختلف في كيفيتها، وجمهور المسلمين على أنها حياة حقيقية لا مجازية، وقد وضح الفخر الرازي ذلك فى تفسيره لهذه الاَية. أمَّا قوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30، فمعناه أن روحك ستفارق بدنك وتدخل فى عالم آخر كسائر الناس، قال تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مِتَّ فهم الخالدون * كلُّ نفسٍ ذائقة الموت} الأنبياء: 34، 35،. وحديث رد روح النبى صلى الله عليه وسلم ليجيب من يسلم عليه إن كان ظاهره يفيد أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف فقد أجاب على ذلك العلماء بأجوبة أوصلها السيوطى إلى سبعة وعشرين وجهاً، أحسنها أنه صلى الله عليه وسلم يكون مُستغرقاً بمشاهدة حضرة القدس فيفنى عن إحساسه الشريف، فإذا سَلَّمَ المُسلمُ عليه تُرَدُّ رُوحَهُ من هذا الاستغراق إلى الاحساس لأجل الرَّدِّ، كما ترى في الدنيا مَنْ يكون مشغول البال قد لا يُحِسُّ بمَنْ يتكلّم بجواره (المنحة الوهبية ص 6) هذا، وعدم أكل الأرض أجساد الأنبياء ثابتٌ بالحديث السابق، وهو حديث صحيح عند كثير من العلماء كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأقره الذهبى كما صححه النووى في كتابه " الأذكار". والعقائد وأخبار الغيب تؤخذ من الأدلة القطعية فى الثبوت والدلالة والخلاف موجود فى كفاية حديث الآحاد فى ذلك، وما دام الأمر داخلا فى قدرة اللَّه سبحانه، مع اختلاف قوانين عالم الغيب والشهادة، ومع عدم مصادمة ذلك لأمر مقطوع به فالقلب يطمئن إلى قبوله (8/103) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 16 يناير 2024, 11:01 pm | |
| الشفاعة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نعلم أن هناك شفاعة عظمى للنبى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فهل له شفاعات أخرى وهل لغيره من الناس شفاعة وما حكم شفاعة أحد لغيره من الناس فى الدنيا؟
الجواب الشفاعة هى التوسط لنيل مرغوب أو دفع مكروه، وهى مأخوذة من الشفع وهو الزوج فى العدد، ومنه الشفيع، لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعا، ويقال: ناقة شفيع إذا اجتمع بها حمل وولد يتبعها، والشفيع من الناس من يتوسط لغيره، والشفيع من العمل ما يوصل إلى المطلوب، والمستشفع - بكسر الفاء-هو الطالب للشيء عن طريق الشفيع، والمستشفع لديه هو من يملك تحقيق المطلوب، والمشفع - بفتح الفاء-من قبلت شفاعته ووساطته. والإنسان قد يتشفع بعمله الصالح إلى الشخص ليحقق له غرضه المشروع، ولا مانع من ذلك فى الطلب والإجابة، ففى الحديث "من أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافيتموه " رواه أبو داود والنسائى واللفظ له، وفى رواية للطبرانى "من اصطنع إليكم معروفا فجازوه، فإن عجزتم عن مجازاته فادعوا له حتى تعلموا أن قد شكرتم فإن الله شاكر يحب الشاكرين " ومنه قوله تعالى فى بر الوالدين {وقل ربِّ ارحمهما كما ربيانى صغيرا} الإسراء: 24. وقد يتشفع بعمله الصالح إلى الله تعالى، وهو فى الفرائض واجب، وفى المندوب سنة، ومنه قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون} المائدة:35، وفى الحديث الصحيح دعاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار أن يكشف الله عنهم بالأعمال الصالحة التى قبلها منهم وهى: بر الوالدين والعفة عن الفاحشة وعدم أكل حق الغير. وقد يتشفع بإنسان له منزلة عند من يملك تحقيق غرضه ولا مانع من ذلك ما دام الغرض مشروعا، بل قيام الشفيع بذلك مندوب إليه، فهو من باب التعاون على البر والتقوى، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} النساء: 85وقوله صلى الله عليه وسلم "ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته "رواه البخارى ومسلم، وقوله: "اشفعوا تؤجروا ويقضى الله على لسان نبيه ما أحب، أو ما شاء" رواه البخارى ومسلم، ومن النهى عن الشفاعة غير المشروعية عدم قبول الرسول صلى الله عليه وسلم شفاعة أسامة بن زيد فى عدم إقامة حد السرقة على المرأة المخزومية كما رواه البخارى ومسلم، يقول الحسن البصرى فى تفسير الآية السابقة: الحسنة ما يجوز فى الدين، والسيئة ما لا يجوز فيه، ومما جاء فى ثواب الشفاعة الحسنة قوله صلى الله عليه وسلم "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل " رواه مسلم. والكِفْل يستعمل فى النصيب من الخير والشر، قال تعالى {يؤتكم كفلين من رحمته} الحديد: 28،والشافع يؤجر فيما يجوز وإن لم يشفَّع -يعنى لم تقبل شفاعته -لأن الله قال {من يَشْفَع} ولم يقل: يُشَفَّع. هذه هى الشفاعة فى الدنيا، أما الشفاعة فى الآخرة فهى ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع وقبولها تكريم لمن قام بها، ولا يقوم بها أحد إلا بإذنه سبحانه، قال تعالى {من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه} البقرة:255، وقال تعالى: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا} طه: 109،وقال فى شأن الملائكة {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} الأنبياء: 28،والأحاديث فى ذلك كثيرة سيأتى بعضها. ومن يأذن الله لهم بالشفاعة كثيرون، ورب العزة سبحانه له شفاعته، ففى صحيح مسلم أن الشافعين يدخلون النار ليخرجوا منها أناسا استوجبوا العذاب، وأن الله يقول: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، أى فحما، الواحدة حممة-بفتح الحاء -وذكر القرطبى فى تفسيره "ج 10 ص 310" أحاديث أخرى توضح كيف تكون الشفاعة. ولا يقال فى هذا الحديث: كيف يدخل الشافعون النار ليخرجوا منها أناسا، فذلك دخول ليس للعذاب، فيسلب الله منها خاصية الإحراق لهم كما قال للنار التى أعدها الكفار لإحراق إبراهيم عليه السلام {يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم} الأنبياء:28،مع العلم بأن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا، والله على كل شيء قدير. وممن يأذن الله لهم بالشفاعة من يأتى: 1 -الملائكة، بدليل الآية السابقة من سورة الأنبياء وحديث مسلم السابق، وحديث ابن مسعود الآتى. 2 - الأنبياء: بدليل حديث مسلم السابق، وحديث ابن مسعود الآتى، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. . 3-الصديقون والشهداء، لحديث البيهقى عن ابن مسعود مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم "يشفع نبيكم رابع أربعة، جبريل ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نبيكم، ولا يشفع أحد فى أكثر مما يشفع فيه نبيكم، ثم الملائكة ثم الشهداء " وأخرج الترمذى والحاكم وصححه البيهقى حديث "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتى أكثر من بنى تميم " قالوا: سواك يا رسول الله قال "سواى " وأخرج البيهقى أيضا هذا الحديث "يقال للرجل: يا فلان قم فاشفع، فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت والرجل والرجلين على قدر عمله ". 4 - الصالحون الذين يصنعون المعروف للناس، فقد أخرج مسلم حديثا طويلاً عن شفاعة المؤمنين لإخوانهم الذين استوجبوا النار، وجاء فى شرح ذلك أن شفاعة المؤمنين هى لمن دخل النار، فيأمر الله الشفعاء بإخراجهم، أو لمن استوجب النار ولم يدخلها بعد حيث يكون فى الصف المستعد لدخولها، كما جاء فى حديث ابن ماجه من شفاعة رجل فى الصف الطيب لآخر فى الصف الثانى سقاه أو قضى له حاجة فى الدنيا، كما ذكره القرطبى فى تفسير آية الكرسى. 5 - حفاظ القرآن العاملون به، فقد أخرج الترمذى وابن ماجه عن على رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن فاستظهره وأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه فى عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار". 6 - الأطفال الذين ماتوا ولم يبلغوا الحنث يعنى حد التكليف، فقد روى النسائى بإسناد جيد "أن الأطفال يقفون يوم القيامة فيقال لهم ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم " وتؤيده أحاديث صحيحة رواها مسلم وغيره فيمن دفنت ثلاثة أنها احتظرت بحظار شديد من النار. هذا والشفاعة حق كما ذهب إليه أهل السنة، وأنكرها المعتزلة الذين يقولون بخلود المؤمنين العاصين فى النار، وأما قوله تعالى {ما للظالمين من حميم ولاشفيع يطاع} غافر:18،فالمراد بهم الكافرون، وأجمع المفسرون على أن آية {لا تجزى نفس عن نفس شيئا} البقرة:48، 23 1،هى فى النفس الكافرة. شفاعات النبى صلى الله عليه وسلم: لا شك أن النبى شفيع الخلائق يوم القيامة بشفاعة كبرى وهى المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون والأخرون، فهو أعظم الشفعاء قدرا وأعظمهم جاها عند الله سبحانه، وقد قال تعالى فى موسى عليه السلام {وكان عند الله وجيها} الأحزاب: 69، وعن المسيح عليه السلام {وجيها فى الدنيا والاَخرة} آل عمران: 45. وهذه الشفاعة ينتفع بها كل أهل الموقف من المسلمين ومن غيرهم، كما ورد فى الحديث المتفق عليه، وذلك لتخفيف هول الموقف وبدء الحساب بعد أن يطلب أهل الموقف الشفاعة من آدم ونوح وإبراهيم وعيسى فلا يجابون، ويقبلها الرسول صلى الله عليه وسلم ويسجد تحت العرش ثم يناديه ربه: ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيقول: يا رب أمتى، فيستجيب الله ويخف الهول ويبدأ الحساب، وفى الحديث المتفق عليه "لكل نبى دعوة مستجابة، وقد ادخرت دعوتى لأمتى يوم القيامة ". وهناك شفاعات أخرى له صلى الله عليه وسلم لا يستفيد منها الكافرون والمنافقون إذا ماتوا على كفرهم ونفاقهم، لأن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن شاء، ومغفرته لمن يشاء إما بدون شفاعة أحد تفضلا منه ورحمة، وإما بشفاعة غيره ممن أذن الله لهم بها. ومن الأدلة على حرمان الكافرين والمنافقين من شفاعته صلى الله عليه وسلم: 1 - قوله تعالى قى الكفار {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} المدثر: 48. 2 - قوله تعالى فى أبى طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} التوبة: 113. 3- قوله صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء: 214،حيث نادى قومه أن ينقذوا أنفسهم من النار، فإنه لا يغنى عنهم من الله شيئا رواه مسلم. 4 - حديثه فى أن الله لم يأذن له أن يستغفر لأمه، وأذن له فى زيارة قبرها فقط كما رواه مسلم. 5 - حديثه فى عتاب إبراهيم عليه السلام لأبيه يوم القيامة على عصيانه وأن الله لم يحقق له دعاءه كما رواه البخارى، وهو {ولا تخزنى يوم يبعثون} الشعراء: 87،. والكفار درجات متفاوتة فى الكفر، وبالتالى متفاوتون فى نوع العذاب فى النار، وإن كانوا مخلدين فيها، وإذا كانت للأنبياء شفاعة فيهم فهى للتخفيف من العذاب لا من النجاة منه. فإذا كان فى الكفار من خف كفره بسيب من الأسباب كنصرته للرسول ومعونته فإن شفاعته تنفعه فى تخفيف العذاب عنه كما جاء فى البخارى ومسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه قال قلت: يا رسول الله، فهل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ . قال: " نعم هو فى ضحضاح من نار لولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار" وفى لفظ "نعم وجدته فى غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح " وفى رواية "إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين من نار ". أما شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أو دعاؤه لهم فهو نافع باتفاق المسلمين،سواء فى ذلك شفاعته لأهل الذنوب حتى لا يعاقبهم الله عليها أو حتى يخفف العقوبة عنهم، وكذلك شفاعته لغير المذنبين بزيادة الحسنات ورفع الدرجات. يقول القاضى عياض: شفاعات النبى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة خمس الأولى العامة، وهى المقام المحمود، والثانية فى إدخال الجنة بغير حساب، والثالثة فى قوم استوجبوا النار بذنوبهم، فيشفع لهم حتى لا يدخلوها، وقد أنكرها الخوارج والمعتزلة. والرابعة فيمن دخل النار من المذنبين، فيخرجون بشفاعته وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين كالشفاعة السابقة، والخامسة فى زيادة الدرجات فى الجنة لأهلها، وهذه لا تنكرها المعتزلة، كما لا تنكر الشفاعة العظمى "تفسير القرطبى ج 10 ص 310". هذا وهناك شفاعات كثيرة للنبى صلى الله عليه وسلم أوصلها بعضهم إلى ثلاث عشرة بعضها مؤيد بأحاديث صحيحة، وهذا القدر كله يؤيد ثبوت الشفاعة له عليه الصلاة والسلام ويمكن الرجوع فى ذلك إلى شرح الزرقانى للمواهب اللدنية "ج 8 ص365 وما بعدها" (8/104) ________________________________________ المقام المحمود
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قال تعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وفى بعض الأحاديث "وابعثه اللهم المقام المحمود الذى وعدته " فهل التعبير فى الحديث مخالف من جهة اللغة لتعبير القرآن بقوله "مقاما"؟
الجواب قال تعالى {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} الإسراء: 79،وجاء فى حديث البخارى وأصحاب السنن "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته حلت له شفاعتى يوم القيامة " فتعبير الحديث هنا متفق مع تعبير القرآن فى أن كلمة "مقاما" منكَّرة وليست معرَّفة. لكن جاء فى رواية النسائى بلفظ " المقام المحمود" فالحديث يروى بالوجهين: التنكير والتعريف. قال العلماء فى رواية "مقاما" إنه نصب على الظرفية، أى: وابعثه يوم القيامة فأقمه فى مقام محمود، أو على أنه مفعول به ضُمِّن معنى ابعثه أقِمْه، والأولى أنه مفعول مطلق ويجوز أن يكون حالا بعد حال، أى ابعثه ذا مقام عظيم، قال الطيبى: وإنما نكره لأنه أفخم وأجزل كأنه قيل: مقاما وأى مقام. أى مقاما محمودًا بكل لسان تكلُ عن أوصافه ألسنة الحامدين، وقال النووى: إن الرواية ثبتت بالتنكير، كأنها حكاية للفظ القرآن. "فتح البارى ج 2 ص 113 ". ومن هنا لا يجوز لأحد أن يقول: إن رواية "مقاما" خطأ 0 (8/105) ________________________________________ زيارة قبر الرسول
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يحرم السفر لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم، أو على الأصح زيارته فى قبره، على رأس زيارة القبور استحبابا. وقد عقد القسطلانى فى المواهب اللدنية فصلا خاصا بها، كما عقد الشيخ السمهودى فى كتابه " وفاء الوفا " فصلا خاصا بها أيضا، أورد فيه أحاديث كثيرة قال الذهبى عنها: طرقها لينة يقوى بعضها بعضا، وليس فى رواتها متهم بالكذب. نقل القاضى عياض أن السفر بقصد الزيارة غايته مسجد المدينة لمجاورته القبر الشريف، وقصد الزائر الحلول فيه لتعظيم من حل بتلك البقعة، كما لو كان حيا، وليس القصد تعظيم بقعة القبر لعينها بل من حل فيها. إن زيارته صلى الله عليه وسلم زيارة لمسجده الذى ورد فى فضله قوله: " صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " وزيارة قبور الأنبياء والصالحين بما فيها من التبرك إلى جانب ما ذكر، مستحبة كما قال الإمام الغزالى فى كتابه " الإحياء " والتبرك فى حد ذاته غير ممنوع، ولكن قد تكون له مظاهر لا يوافق عليها الدين، منها: 1 - الطواف حول القبر، وهو مكروه لما فيه من التشبه بالطواف حول البيت الحرام. 2 - التمسح بالقبر وتقبيله للتبرك، فقد قال فيه الإمام الغزالى: وليس من السنة أن يمس الجدار ولا أن يقبله، بل الوقوف من بعد أقرب إلى الاحترام. وعن أحمد بن حنبل فى ذلك روايتان. ففى " خلاصة الوفا " ما نصه: وفى كتاب العلل والسؤالات لعبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبى عن الرجل يمس قبر النبى صلى الله عليه وسلم يتبرك به ويقبله ويفعل بالمنبر مثل ذلك، رجاء ثواب الله تعالى، فقال: لا بأس به. قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبى عبد الله -يعنى أحمد بن حبل -: قبر النبى صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ فقال: ما أعرف هذا. ولعل رواية الجواز خاصة بالتبرك بالمنبر لا بالقبر، فقد جاء فى " الإحياء " للغزالى عن التبرك بالآثار النبوية: ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده عليها عند الخطبة. وجاء عن أحمد بن حنبل منقولا عن ابن عمر قال ابن تيمية فى كتابه "الصراط المستقيم ": ورخص أحمد وغيره فى التمسح بالمنبر والرمانة التى هى موضع مقعد النبى صلى الله عليه وسلم ويده ولم يرخص فى التمسح بقبره، وقد حكى بعض أصحابنا رواية عنه فى مسح قبره، لأن أحمد شيع بعض الموتى فوضع يده على قبر يدعو له، والفرق بين الموضعين ظاهر. وصح فى البخارى أن عبد الله بن سلام كان يتبرك بالقدح الذى شرب منه النبى @ وبالمكان الذى صلى فيه. 3 - الدعاء عند القبر، وهذا الدعاء يجب أن يكون الاتجاه فيه إلى الله تعالى، لأنه هو وحده الذى يملك النفع والضر، ولا يجوز الاتجاه به إلى صاحب القبر مهما كانت منزلته، أما التوسل والاستشفاع به عند الله فقد مر بيان حكمه. ودعاء الله عند زيارة هذه الأضرحة قال جماعة: إنه أرجى للقبول، لما يصاحبه من روحانية يحس بها الداعى وهو بجوار رجل صالح يحبه ويحترمه، وقال آخرون: ليس للدعاء عنده ميزة على الدعاء فى غير هذا المكان. ومن هولاء ابن تيمية حيث قال: إن قصد القبور للدعاء عندها ورجاء الإجابة بالدعاء هناك رجاء أكثر من رجائها فى غير هذا الموطن أمر لم يشرعه الله ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحاب ولا التابعين، ولا من أئمة المسلمين، ولا ذكره أحد من العلماء الصالحين المتقدمين انتهى. لكن ليس هذا الكلام دليلا على منعه، وقد تكون هناك وجهة للمنع وهى الاحتياط وسد الذريعة لدعاء صاحب القبر بدل دعاء الله أو معه. هذا، وفى الدعاء عند زيارة النبى صلى الله عليه وسلم فى قبره أثيرت مسألة الجهة التى يتجه إليها الداعى، هل هى قبلة الصلاة أو هى القبر الشريف؟ روى القاضى عياض فى كتابه "الشفا فى التعرف بحقوق المصطفى " ما جاء عن الإمام مالك بن أنس لما ناظره أبو جعفر المنصور فى المسجد النبوى، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك فى هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوما فقال {لا ترفعوا أصواتكم فون صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} الحجرات: 2، ومدح قوما فقال {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم} الحجرات: 3،. وذم قوما فقال {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} الحجرات: 4. وإن حرمته ميتا كحرمته حيا. فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله، قال الله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللَّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} النساء: 64. وابن تيمية يكذب هذه الرواية. ورد الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية للقسطلانى على ابن تيمية بأنها مروية عن ثقات ليس فيهم وضَّاع ولا كذاب، ثم يرد عليه ما ادعاه من كراهية مالك لاستقبال قبر النبى صلى الله عليه وسلم عند الدعاء بأن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر واستقباله، مع مس القبر بيده. ويقول: وإلى هذا ذهب الشافعى والجمهور، ونقل عن أبى حنيفة. قال ابن الهمام: وما نقل عنه أنه يستقبل القبلة مردود بما روى عن ابن عمر: من السنة أن يستقبل القبر المكرم، ويجعل ظهره للقبلة، وهو الصحيح من مذهب أبى حنيفة، وقول الكرمانى: مذهبه خلافه ليس بشىء، لأنه حى، ومن بأتى الحى إنما يتوجه إليه. وصرح النووى فى كتابه "الأذكار " بذلك. وقد أشير إلى شىء من ذلك فى موضع التوسل، من هذا البيان. هذا، ومع استحباب زيارة قبور الأنبياء والصالحين يجب التنبه إلى ما جاء من النهى عن اتخاذها مساجد وعيدا، فقد وردت فى ذلك نصوص كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". وقوله " اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وقوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تتخذوا قبرى عيدا، وصلوا علىَّ، فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم ". واتخاذ القبور مساجد يعنى التوجه بالعبادة اليها وإلى من فيها، وذلك شي لي، فالعبادة لله وحده، وهو معنى جعل القبر وثنا يعبد. والمراد بالمسجد هنا موضع العبادة بالصلاة وغيرها، واتخاذها عيدا يقصد به التقرب إلى الله عندها فى المواسم وفى مواعيد معينة شأن الأعياد فى ذلك. وقال جماعة: إن هذا الحديث ينهى عن التقصير فى قبره وهجره وعدم زيارته إلا فى مواسم كالأعياد، فهو يحث على مداومة زيارتها. هذه وجهات نظر مختلفة فى فهم الحديث. جاء فى " خلاصة الوفا للسمهودى ": أن هذا الحديث قيل عندما رأى رواية الحسن بن الحسن أو على بن الحسين -رجلا يحرص كل يوم على زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم ويبالغ فى الدنو منه، وقد كره مالك ذلك ممن لم يقدم من سفر، وجاء فيه أيضا: قال الحافظ المنذرى فى حديث " لا تجعلوا قبرى عيدا " يحتمل أن يكون حثا على كثرة الزيارة وألا يهمل حتى لا يزار إلا فى بعض الأوقات كالعيد ويؤيده قوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " أى لا تتركوا الصلاة فيها. قال السبكى: ويحتمل أن يكون المراد: لا تتخذوا له وقتا مخصوصا لا تكون الزيارة إلا فيه، أو لا يتخذ كالعيد فى العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع وغيره مما يعمل فى الأعياد، بل لا يؤتى إلا للزيارة والسلام، ثم ينصرف عنه. ومهما يكن من شىء فإن اتخاذ قبور الأنبياء ومثلهم الصالحون للتقرب هو لصلتها بمن فيها والتبرك بهم -كما قدمنا-وإن كانت العبادة لله وحده، وكان بعض الصحابة كعبد الله ابن أم مكتوم يحرص أن يصلى النبى @ فى بيته ليتخذه مسجدا، وابن عمر كان يتتبع مواضعه عليه الصلاة والسلام وآثاره، جاء فى صحيح البخارى عن موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق ويصلى فيها، ويحدث أن أباه - عبد الله بن عمر- كان يصلى فيها، وأنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى تلك الأمكنة. قال موسى: وحدثنى نافع أن ابن عمر كان يصلى فى تلك الأمكنة. وقد رخص أحمد ابن حنبل فى ذلك -كما قال ابن تيمية-ولكن كره أن يتخذ ذلك عيدا للناس يعتادونه، استنادا إلى ما روى أن عمر رأى جماعة ابتدروا مكانا يصلون فيه لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيه، فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا، من عرضت له الصلاة فيه فليصل، ومن لم تعرض له الصلاة فليمض. فقد نهى عن التزام ذلك واتخاذه موسما يعتادونه، أما القليل العارض غير المقصود فلا بأس والتبرك فى حدوده المعقولة-كما قلنا -لا مانع منه، فقد كان الصحابة يتبركون بآثار النبى صلى الله عليه وسلم، جاء فى صحيح البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما فى يده من الورِق - الفضة-ثم كان فى يد أبى بكر بعده، ثم كان فى يد عمر، ثم كان فى يد عثمان حتى وقع فى بئر "أريس "، وكان نقشه " محمد رسول الله " وفى بعض الروايات أنه مكث فى يد عثمان ست سنوات، واجتهدوا فى العثور عليه فى البئر فلم يفلحوا. وبئر " أريس " بجوار مسجد قباء ويعرف باسم "بئر الخاتم ". وجاء فى البخارى أيضا أن الزبير بن العوام كانت له عنزة طعن بها عبيدة بن سعيد بن العاص يوم بدر، فسأله النبى صلى الله عليه وسلم إياها، فأعطاها له، ولما قبض أخذها، ثم سألها إياه أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان وعلى. والعنزه كالحربة. وكذلك جاء فى البخارى أن عمر رضى الله عنه لم يقطع الشجرة التى كانت عندها بيعة الرضوان إلا لاختلاف الناس بعدها فيها وفى مكانها. تكمله: -جاء فى فتوى الشيخ عبد المجيد سليم بتاريخ 22 من يونية سنة 1940 ما ملخصه: أن ابن تيمية منع دفن الميت فى المسجد وقال فى إحدى فتاويه: إنه لا يجوز دفن ميت فى مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غير، إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديدا، والعلة فى المنع هى عدم اتخاذه ذريعة للصلاة إلى القبر. وجاء عن ابن القيم فى "زاد المعاد ": أن الإمام أحمد وغيره نص على أنه إذا دفن الميت فى المسجد نبش، وقال ابن تيمية: لا يجتمع فى دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق. وقال النووى فى شرح المهذب: اتفقت نصوص الشافعى والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره، لعموم الأحاديث، قال الشافعى والأصحاب: وتكره الصلاة إلى القبور، سواء كان الميت صالحا أو غيره قال الحافظ أبو موسى: قال الإمام الزعفرانى رحمه الله: ولا يصلى إلى قبر ولا عنده تبركا به ولا إعظاما له، للأحاديث انتهى. وأعدل الأقوال أن الصلاة إذا كانت تعظيما للقبر فهى حرام وباطلة لأن ذلك شرك، أما إذا خلت من التعظيم فهى صحيحة مع الكراهة إن كان القبر أمام المصلى، أما إن كان خلفه أو عن يمينه أو عن يساره فلا كراهة (8/106) ________________________________________ صلاة النبى بالأنبياء فى المسجد الأقصى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى قصة الإسراء والمعراج أن النبى صلى الله عليه وسلم، صلى جماعة بالأنبياء فى المسجد الأقصى قبل العروج إلى السماء، فما هى هذه الصلاة مع أنها لم تكن قد فرضت بعد؟
الجواب ثبت فى صحيح مسلم من طريق ثابت البنانى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى ليلة الإسراء ببيت المقدس ركعتين، كما ثبت أنه صلى بالأنبياء إماما، أى بعد صلاة الركعتين، وأنكر حذيفة بن اليمان صلاته عليه الصلاة والسلام ببيت المقدس، محتجا بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه كما كتب عليكم الصلاة فى البيت العتيق، ولكن تعقبه البيهقى وابن كثير بأن المثبت - وهم جمهور الصحابة - مقدم على النافى. يقول القسطلانى فى كتابه " المواهب اللدنية " وشرحه للزرقانى: وقد اختلف فى هذه الصلاة، هل هى فرض أو نفل قال بعض العلماء إنها فرض، بناء على ما قاله النعمانى، وقال بعض: إنها نفل، وإذا قلنا: إنها فرض، فأى صلاة هى؟ قال بعضهم الأقرب أنها الصبح، ويحتمل أن تكون العشاء، وإنما يتأتى على قول من قال إنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم قبل عروجه إلى السماء، وفى النعمانى: إنما يتأتى على أن الإسراء من أول الليل، لكن قال بعض رواة حديث الإسراء: إنه بعد صلاة العشاء، وأما على قول من قال: صلى بهم بعد العروج فتكون الصبح. والاحتمالان، كما قال الشامى، ليسا بشىء، سواء قلنا صلى بهم قبل العروج أم بعده. لأن أول صلاة صلاها النبى صلى الله عليه وسلم من الخمس مطلقا الظهر بمكة باتفاق، ومن حمل الأولية على مكة فعليه الدليل، قال: والذى يظهر أنها كانت من النفل المطلق، أو كانت من الصلاة المفروضة عليه قبل ليلة الإسراء، وفى فتاوى النووى ما يؤيد الثانى. انتهى. بعد هذا أقول: إن الصلاة كانت مفروضة قبل ليلة الإسراء، وكانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره، وأما التى فرضت ليلة الإسراء فهى كونها خمسة فروض بركعاتها المعروفة، وعليه: فيجوز أن تكون صلاة الرسول ببيت المقدس ركعتين تحية للمسجد، صلاهما وحده والتى صلاها إماما بالأنبياء يجوز أن تكون نافلة من صلاة الليل وقد كانت مشروعة له صلى الله عليه وسلم، وجاء فى بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام وجد الأنبياء يصلون عند دخوله المسجد، ولما حان وقت الصلاة أذن مؤذن ثم أقيمت وقدمه جبريل عليهم بعد أن تبين فضله من واقع ما أثنى به كل على نفسه، ولكن مثل هذه الروايات لا ينبغى التعويل عليها فى صورتها الجزئية، بعد أن كرم اللَّه رسوله وأخذ على الأنبياء الميثاق إن أدركوه أن يؤمنوا به وينصروه، ومهما يكن من شىء فالخلاف فى هذا الموضوع ليست له نتيجة عملية (8/107) ________________________________________ آدم وحواء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ورد سؤال من عميد كلية التربية بالجامعة الإسلامية الحكومية في سومطرة الشمالية بإندونسيا سنة 1972 م يقول: ظهر كتاب حديث في إندونسيا بعنوان "القرآن وتاريخ الإنسانية " قرر فيه مؤلفه بإسهاب أن أول الإنسان هو أنثى لا رجل وأن أهل الأديان جميعا أخطأوا فى قولههم: إن أول البشر آدم، واستدل بأدلة عقلية وعملية، مستأنسا بقوله {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفًا فمرت به} ويسأل: 1 - هل يجب الاعتقاد بأن أول البشر هو آدم عليه السلام، وما حكم من قال: إن أول البشر على الإطلاق أنثى لا رجل؟ . 2-هل يوجد من علماء المسلمين سلفا وخلفا من يقول بأن أول البشر على الإطلاق أنثى لا رجل؟
الجواب اعلم أن القرآن لم ينزل ليعلم الناس حقائق علمية في المجالات المختلفة، ولكنه نزل للإعجاز والهداية، يحدد ما يجب تحديده كالعقائد والعبادات، ويضع أصولا كلية وأوامر عامة فيما يختلف باختلاف البيئات والعصور، غير أنه إذا وردت فيه مسائل علمية بقصد الإعجاز والهداية فإنها حق لا شك فيه حتى لو لم يفهمهما الناس، فإن جهلها لا يضر، أو أن الزمن كفيل ببيان المراد منها عندما تكتمل أدوات المعرفة. وقد نصح العلماء بعدم الإسراع لربط المكتشفات الحديثة بالقرآن، فقد تكون هذه المكتشفات ما تزال في طور النظرية القابلة للتغيير، فلا ينبغي أن تحمل عليها آيات القران حملا قد يكون فيه تعسف -، وقد يضر بتقدير الناس للقرآن عندما يتبين أن هذه النظريات خطأ. وتاريخ الإنسانية الذي يشير إليه عنوان الكتاب ومحاولة معرفته عن طريق القرآن ليس من المسائل الجوهرية في الدين، فلم يكلفنا الله بمعرفته ولم يوجب علينا اعتقاد ما ليس فيه نص عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة. ومهما يكن من شيء فإليك ما يأتي خاصا بهذا الموضوع. 1 - سيدنا آدم هو الخليفة في الأرض قال تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} البقرة: 30، فالملائكة لم تكن تعرفه من قبل، وكانوا يظنون أنه سيفسد كما أفسد من قبله، ولن يكون على مثالهم هم من الطهر ودوام الطاعة للَّه، فهو خلق جديد عليهم. 2 - خلق آدم من تراب مبلل بالماء فصار طينا، ولحث أمر اللَّه الملائكة بالسجود له امتنع إبليس، قال تعالى {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرًا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين} ص: 71- 74، وقد برر إبليس امتناعه عن السجود بقوله {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} ص: 76، فآدم خلق غير معروف من قبل للملائكة ولإبليس، فهو جديد عليهم ليس له مثال سابق. 3- إن البشر جميعًا منسوبون لأصلهم الأول وهو آدم، قال تعالى {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} الأعراف: 27، فآدم أول المخلوقات البشرية. 4 -إن اللَّه خلق من نفس آدم - أي مادته وهي التراب، أو من جسده بعد أن سواه ونفخ فيه الروح وهذا لم يدل عليه دليل قاطع -خلق من نفس آدم زوجها ليسكن إليها ويأنس بها وهي حواء، قال تعالى {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} الأعراف: 189. والنفس المذكورة هي آدم، ولفظ النفس مؤنث وإن كان معناه قد يكون مذكرًا، فهو يطلق على الذكر والأنثى، مثل لفظ شخص يصلح لإطلاقه على كلا النوعين، ولفظ الزوج يطلق على الرجل والمرأة فيقال: علي زوج فاطمة، وفاطمة زوج علي، وهما زوجان، والمراد بالزوج في هذه الآية حواء الأنثى قال تعالى {واللَّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} النحل: 72، فالخطاب لبني آدم الذكور، والمنة عليهم بأن جعل اللَّه لهم من أنفسهم زوجات نساء، ومن هؤلاء الزوجات يأتي البنون والحفدة، فالرجال هم الأصل والنساء تبع لهم. 5 -خلق اللَّه آدم أولا ثم خلق حواء، قال تعالى {خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها} الزمر: 6، فالتعبير بلفظ "ثم " يفيد الترتيب في الزمن أو الرتبة، وهو على كل حال يفيد سبق آدم لحواء، ووجه اللَّه الخطاب في القرآن لآدم وجعل حواء زوجه تبعًا له، وهو يشعر بتقدم آدم عليها. قال تعالى {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} البقرة: 35، وكما تشير إليه آية سورة النحل السابقة "بند 4 ". 6 - ضمير الخطاب والغيبة في الآيات المذكورة كلها مذكر وليس مؤنثًا فآدم ذكر وليس أنثى {اسكن أنت وزوجك الجنة} في ذا سوَّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} . نخلص من هذا إلى حقيقتين أولاهما أن آدم هو أول البشر على الإطلاق وثانيهما أنه ذكر لا أنثى، واللغة العربية التى نزل بها القرآن هى التي أوصلتنا إلى هذا الاستنتاج ولم نجد فيما اطلعنا عليه أن أحدا من العلماء المسلمين قال غير ذلك، فصار إجماعًا مستندًا إلى ما ذكر من الأدلة. وفي الختام أقول: إن محاولة التشكيك في أن أول البشر ذكر هو آدم ممهدة للقول بنظرية "داروين " في أصل الأنواع وفي النشوء والارتقاء التي تجوز أن آدم جاء نتيجة لتطورات خلقية سابقة، قد يكون مبدؤها أصلاً أنثويًا وجدت فيه الروح، فكان الكائن الحي الذي تطور إلى آدم البشر السوي، ومعروف أن نظرية "داروين " لم تسلم من النقد، ورفضها أكثر العلماء المحققين، لأنها تقوم على افتراضات غير ثابتة يقينًا. ومع ذلك فقد قلت فيما سبق:إن المسألة ليست اعتقادية ولا تتوقف صحة الإيمان عليها، غير أن من خالف مواضعات اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم كان معرضا للانزلاق إلى استنباطات واهية ونتائج غير صحيحة قد تمس حقائق الدين المتفق عليها فيضل ويشقى. وهذا إلحاد في التفكير يخشى أن يندرج تحت قوله تعالى {إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} فصلت: 40 (8/108) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 7:10 am | |
| نوح وأرضه وعمره وزوجته
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال جاء قوله تعالى على لسان النبي نوح {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} نوج:26، فلماذا قال نوح "الأرض " ولم يخص قومه الذين عصوه، وهل نوح هو الأب الثانى للبشر؟ وكم كان عمره، وكيف خانته زوجته؟
الجواب كان العمران محدودًا في أيام نوح عليه السلاَم، ولعل الذين أرسل إليهم كانوا هم الذين يعيشون على الأرض في هذه المنطقة، فلما دعا عليهم ظن أو اعتقد أنه لا يوجد غيرهم على الأرض. وهم أيضًا قومه كما قال سبحانه {كذبت قوم نوح المرسلين} الشعراء: 105. وقال بعض العلماء: إن الأرض المذكورة في دعاء سيدنا نوح قد يراد بها المنطقة التي أرسل فيها دون غيرها، فكلمة "ال " للعهد كما يقول علماء اللغة، وقالوا: إن الطوفان أهلك كل إنسان كافر، وعمرت الأرض بعد ذلك من سلالة المؤمنين الذين ركبوا السفبنة معه ونجوا من الغرق، وبهذا يقال: إنه الأب الثاني للبشر بعد آدم عليه السلام وذلك ما نقل، عن ابن عباس من أن نوحًا هو آدم الأصغر، وأن جميع الخلائق الآن من نسله "تفسير القرطبي ج 9 ص 48 ". أما عمر سيدنا نوح، فقد اختلفت فيه الأقوال عند تفسير قوله تعالى {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} العنكبوت: 14، فمن المؤكد أنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما، فهل هذه المدة هي كل عمره الذي عاشه من يوم ولادته إلى وفاته، أو هي التي عاشها في الدعوة ويضاف إليها السنوات التي قبلها، وهي حوالي أربعين سنة، حيث كان الرسل يبعثون في هذه السن، ثم يضاف إليها أيضًا المدة التي عاشها بعد الطوفان ولا يعلم كم هي؟ ليس هناك دليل قاطع على عمره، ولا داعي للانشغال به، فقد مات كما يموت كل حي، ولم يخلد في الدنيا على الرغم من عمره الطويل. وفي تفسير القرطبي في سورة العنكبوت معرض لآراء كثيرة في عمر نوح ليس على أي واحد منها دليل صحيح، وأورد حديثًا بصيغة التمريض أي التضعيف أن عمره كان عند البعثة مائتين وخمسين سنة، وعاش بعد الطوفان مثلها، يضم إلى ذلك ما نص عليه القرآن وهو تسعمائة وخمسون سنة، فيكون المجموع ألف سنة وأربعمائة وخمسين سنة وكل ذلك -استنتاج لا دليل عليه. أما زوجته فقد قال اللَّه فيها {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئًا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} التحريم: 10. فما هي الخيانة التي صدرت من كل منهما مع أن كلا منهما زوجة نبي؟ . أحسن ما قيل في خيانتهما أنها الكفر بالرسالة والتواطؤ مع الكفرة، وحاشا أن تكون الخيانة في العرض والشرف كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. والمستبعد أن تكون (عجوز) كما وصفها الله تخون لوطا بالفاحشة. هذا، وكون زوجة نبي كافرة لا يقدح في عصمته هو ولا يمس شرفه، فكل امرئ بما كسب رهين، كما لا يضر المسلم أن تكون زوجته كتابية لا تؤمن بدينه (8/109) ________________________________________ رفع عيسى عليه السلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل رفع عيسى عليه السلام حيا أو ميتا، وأين مدفنه؟
الجواب جاء الحديث عن وفاة سيدنا عيسى ورفعه في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم: {إذ قال اللَّه يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلىَّ ومطهرك من الذين كفروا} آل عمران:55، {وما قتلوه يقينا بل رفعه اللَّه إليه} النساء: 157 -158، {فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم} المائدة: 117. والآية الأخيرة في معرض كلام الله تعالى لعيسى يوم القيامة، ولا شك أن كل حي سيموت ويبعث بعد الموت، والآيتان الأخريان تؤكدان رفع عيسى إلى الله وأن اليهود لم يقتلوه ولم يصلبوه، وفي الآية الأولى منها أن الله متوفيه ورافعه، فالقدر المتفق عليه أن عيسى لم يقتل ولم يصلب وأن الله قد رفعه إليه وتوفاه، والخلاف هنا في نقطتين في معنى الرفع ومعنى الوفاة، وفي سبق أحدهما على الآخر. أما النقطة الأولى: فقيل في معنى الرفع: رفع مكانة ومنزلة بالنصر على الأعداء، وذلك قدر مشترك بين الأنبياء جميعًا لا يختص به عيسى، وقيل إنه رفع مكان، والمكان هو السماء، لأنه هو الذي يرفع إليه من الأرض التي كان يعيش عليها عيسى، لعل هذا المعنى يكون أرجح، لأن رفعه من الأرض إبطال لكيد من دبروا قتله فلا يمكنهم أن يخالوه. وقيل في معنى الوفاة الموت الحقيقي لأنه هو الذي يتبادر إليه لفظ الموت، وقيل معناها النوم لأنه يسمى وفاة كما قال تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} الزمر: 42، وقال تعالى {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى} الأنعم: 60. وقيل معناها توفية الأجل وإتمام المدة المقررة به في الدنيا. وأما في النقطة الثانية: فالعطف بين الوفاة والرفع هو بالواو، والعطف بها يفيد مطلق الجمع بينهما في الحصول دون ترتيب ولا تعقيب، فيا ترى أيهما كان السابق؟ قال بعض المفسرين: الرفع هو السابق والوفاة تكون بعد ذلك إما فى السماء وإما في آخر الحياة الدنيا فكل نفس ذائقة الموت. وقيل: الوفاة هي السابقة على الرفع، بمعنى أن الله ألق عليه النوم ثم رفعه حتى لا يحصل له رعب وهو يرى نفسه محلقا في الأجواء العالية، أو بمعنى أن الله قبض روحه ثم رفعه ميتا، وقد يكون هذا المعنى بعيدًا لأمرين: أن الله نجاه من القتل فلماذا يميته وكلاهما ألم بإزهاق الروح وأنه سينزل آخر الزمان كما صح ذلك في الحديث المتفق عليه بين البخاري ومسلم "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا مقسطا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد" والقريب إلى التصور أن يكون في السماء حيا ثم ينزل إلى الأرض، لا أن يكون ميتا ثم يبعثه اللَّه بعد موته لينزل إلى الأرض [هناك كلام كثير في عمر عيسى عندما بعث، وعندما رفع، وكم يمكث بعد نزوله من السماء ويراجع في شرح الزرقاني على المواهب اللدنية "ج 1 ص 34، 35، وفى كتاب "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح " للشوكاني. ومهما يكن من شيء فكلها احتمالات لا تتقرر بها عقيدة، فمن اختار أي رأي فلا حرج عليه، مع الاتفاق على أنه عليه السلام لم يقتل ولم يصلب وأن الله رفعه. وكتب التفسير مملوءة بالمناقشات لترجيح بعض الآراء على بعض، وأرى أن نكتفى بالقدر المتفق عليه، ونوجه اهتمامنا إلى واقع حياتنا الذي يحتاج إلى بحث عميق وتفكير طويل. هذا، وقد جاء في كتاب خلاصة الوفا للسمهودى ص 206 حديث رواه الترمذي عن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه عن جده قال: مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه، وقال الترمذي: حديث غريب. وفي بعض النسخ: حسن غريب. وروى الطبرانى أن عيسى يدفن مع الرسول وأبى بكر وعمر، وفي سنده عثمان ابن الضحاك بن عثمان، وثقه ابن حبان وضعفه أبو داود. وجا في المشكاة عن كنز العمال عن عمرو بن العاص حديث إن عيسى بن مريم ينزل إلى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمسًا وأربعين سنة ثم يموت ويدفن معي في قبري أنا وعيسى بن مريم بين أبي بكر وعمر. وكلها أخبار لا تثبت بها عقيدة، وأرى عدم الاهتمام بها انظر بحث الشيخ جاد الحق فى كتابه "قضايا عصرية ج 5ص 329 " (8/110) ________________________________________ حيوانات نطقت للنبى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين في الأخبار التي تقول إن بعض الحيوانات نطقت للنبى هـ صلى الله عليه وسلم؟
الجواب من الحيوانات التي جاءت الأخبار بأنها نطقت للنبي صلى الله عليه وسلم ما يأتي: 1- الجمل: جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح، وفي مستدرك الحاكم عن عبد اللَّه بن جعفر أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل حائطا- حديقة - لبعض الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذرفت في عيناه، فمسح النبي سنامه، وفي رواية مسح ذفراه - والذفرى بالألف المقصورة، هو الموضع الذي يعرق منه البعير عند أذنه - فسكن، قال النبي لصاحب الجمل " إنه شكا إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه " أي تتعبه في العمل. ورواه أحمد بإسناد جيد عن أنس، ورواه أحمد والحاكم والبيهقى بسند صحيح من طريق يعلى بن مرة الثقفي، كما روى مثله عن طريق جابر بسند ضعيف. وروى الطبرانى عن جابر أن الجمل رغا على هامة النبي في غزوة ذات الرقاع وقال " إن هذا الجمل يستعديني على صاحبه " أي يشكو لي صاحبه، وروى الطبرانى في كتاب الدعوات عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة، فجاء أعرابي ومعه جمل، وجاء رجل كأنه حرسى، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا الأعرابي سرق بعيري هذا، فرغا البعير وحنَّ ساعة. فأنصت النبى، فلما فرغ قال للحرسي "انصرف فإن البعير يشهد عليك أنك كاذب " ورواها أيضًا عن عكرمة بسند ضعيف، كما روى ابن ماجه آن بعيرًا رغا ثلاث مرات على هامة النبيِّ، وكان النبي يؤمن في كل منها، ولما سئل عن ذلك قال "إن البعير كان يدعو له ". من هذا يعلم أن الحديث لم يخرج في الصحيحين: البخاري ومسلم، وحكم بعضهم بصحة رواية أحمد وغيره، كما حكموا على الروايات للحادثة بالضعف في حوادث متشابهة، ومهما يكن من شيء فليس في هذه الروايات أن الجمل كلم النبي صلى الله عليه وسلم باللغة التي يفهمها الناس، وكل ما كان من الجمل هو الرغاء أي صوته العادي، وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم منه بفراسته أو بالإلهام من الله أنه يشكو وصدق على ذلك صاحب الجمل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجمل الآخر كان يدعو له. وليس هناك ما يمنع عقلاً ولا شرعًا أن يلهم الله نبيه معرفة لغة الجمل ومقصده من رغائه، فقد ثبت أن داود وسليمان عليهما السلام كانا يعرفان منطق الطير، قال تعالى {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير} النمل: 16، وقال {قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكًا من قولها} النمل: 18، 19، وفى شأن الهدهد قال اللَّه {فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين} إلى أن قال {قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين} النمل: 22، 27. ومع أن معرفة النبي للغة الجمل وقصده من رغائه غير ممنوعة عقلاً ولا شرعًا فإن الطرق التي رويت بها هذه الحوادث بعضها صحيح وبعضها ضعيف. ومثل هذا لا تثبت به العقائد على ما قرره العلماء. وعدم تصديقها لا يخرج المؤمن من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر. 2 - الحمار - ذكر ابن عساكر في تاريخه بسنده إلى أبي منصور: لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أصاب حمارا أسود، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ما اسمك "؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حمار لا يركبها إلا نبي، وأخيرًا قال له النبي صلى الله عليه وسلم "أنت يعفور" وكان يركبه في حاجته، ويبعثه خلف من شاء من أصحابه فيأتي الباب فيقرعه برأسه فيعلم صاحب البيت أن النبي صلى الله عليه وسلم يستدعيه فيذهب إليه. هذا الحديث قال فيه الحافظ أبو موسى المدينى: حديث منكر جدًا، إسنادًا ومتنا، لا يحل لأحد أن ينويه إلا مع كلامي عليه. ورواه أبو نعيم بمثله عن معاذ بن جبل، وهو مطعون فيه، وأخرجه ابن حبان في الضعفاء وقال: لا أصل له، وليس سنده بشيء وذكره ابن الجوزى في الموضوعات، وقال ابن حجر: إنه شديد الضعف. 3 - الجدى - قال إنه شهد بأن الرسول مرسل لأجل أن يؤمن أبو لهب بالنبي. 4- الثعبان - وهو الذي لدغ أبا بكر في الغار يقال إنه كلم النبي، ولم أر لهذين الخبرين أثر يعتمد عليه في كتب السنة والسيرة. 5 - الضب - وحديثه مشهور على الألسنة ورواه البيهقى في أحاديث كثيرة، لكنه حديث غريب ضعيف، قال الحافظ المِزى: لا يصح إسنادا ولا متنا، وذكره القاضي عياض فى "الشفاء" مرويا عند الطبرانى. والبيهقى وشيخه ابن عدى كلهم عن ابن عمر، أن أعرابيًا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ضب وقال لا أومن بك حتى يؤمن هذا الضب، فناداه الرسول وسأله عن الله الذي يعبده وعن رسوله، وهو مطعون فيه بالضعف، وقيل: إنه موضوع، واختار القسطلانى أنه ضعيف لا موضوع. 6 -الغزالة- روى حديثها البيهقى من طرق، وضعفه جماعة من الأئمة، لكن له طرق يقوى بعضها بعضا فيكون حسنا لغيره، وذكره القاضي عياض في الشفاء بلا سند، وأبو نعيم بإسناد فيه مجاهيل وملخص الحادثه أن الرسول كان في صحراء فسمع هتاف الظبية التي صادها أعرابي وقيدها، وطلبت أن يفكها حتى ترضع أولادها وتعود فكان ذلك فأطلقها الأعرابي ونطقت بالشهادتين. ذكر السخاوى أن ابن كثير قال: لا أصل له، ومن نسبه إلى النبي فقد كذب. 7- الذئب - وقد شهد للرسول بالرسالة، وحكى قصته أبو هريرة وأنس بن مالك وابن عمر وأبو سعيد الخدرى، ورواها أحمد بإسناد جيد، والترمذى والحاكم وصححا الحديث. جاء فيها أن ذئبًا أخذ شاة فانتزعها الراعي منه فقال الذئب له: ألا تتقي اللَّه، تنزع رزقًا ساقه اللَّه لي، فعجب الراعي من كلام الذئب، فأخبره بأن الأعجب من ذلك أنك لا تؤمن بالرسول الذي ظهر في يثرب فذهب إليه الراعي وأسلم، وأمره الرسول بإعلان ما حدث من الذئب، ثم قال الرسول "صدق والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج الرجل من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله من بعله ". وروى قصة الذئب البخاري في تاريخه وأبو نعيم في الدلائل، وإسناده ليس بالقوى ورواها البيهقى في الدلائل وسعيد بن منصور في سننه كما رواها البغوى وأحمد والبزار وغيرهما بسند صحيح عن أبي هريرة. ذكر القسطلانى في المواهب وذكر الزرقانى في شرحها هذه الحوادث بتوضيح في الجزء الخامس من صفحة 145 - 151، وليس في أدلتها ما يوجب علينا تصديقها كعقيدة، وإن كان خرق العادات للأنبياء والأولياء جائزًا لكن لا يجوز أن ننسب إلى الرسول إلا ما وثقنا من صدقه حتى لا نقع تحت طائلة حديثه "من كذب علي متعمدًا فليتبؤا مقعده من النار" رواه البخاري ومسلم وما فصله به ربه من الأشياء الثابتة كثير، وكفى بالقراَن معجزة خالدة باقية تتحدى العالم كله إلى أن تقوم الساعة، وما حدث من الخوارق قد انتهى أثره (8/111) ________________________________________ حديث ثلاثة من الجفاء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة من الجفاء: أن يمسح الرجل جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، وأن يبول قائما، وأن يسمع الأذان ولا يقول مثل ما يقول المؤذن " فما معنى الجفاء، وكيف يمسح الرجل جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة، وما الضرر من هذا؟
الجواب هذا الحديث له عدة روايات، روى إحداها البزار من طريق بريدة بدون ذكر الأذان، وجاء بدله بالنفخ فى سجوده "نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 102 " ومعنى الجفاء ترك سنة النبى صلى الله عليه وسلم وهديه، وهو يدل على كراهة هذا الأمور، وقد ورد فى كل منها نصوص خاصة بها. والنهي عن البول من قيام حكمته التحرز من تطايره وإصابه البدن أو الثوب بالنجاسة. وهو مكروه إلا لحاجة، وإجابة السامع للمؤذن لها فضل كبير، من تهاون فيها فاته ثواب عظيم، وأما مسح المصلي جبهته مما يعلق بها من تراب في السجود فقد كرهه السلف، وعللوه بأمور، منها أن يبقى أثر السجود على وجهه دليلاً على العبادة والتواضع للَّه ومنعًا من الكبر، وفي هذا رجاء قبول الصلاة، ومنها أن مسحه أثناء الصلاة فيه شغل للإنسان عن ربه وعدم تمكن من الخشوع. وقد صحت أحاديث " النووي على مسلم ج 5ص 37 " تدل على كراهة مسح الحصا، على معنى أن يزيح المصلى الحصا من موضع سجوده ليسجد على التراب، وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مفروشًا به، وليس مفروشا بما نعهده اليوم. وعلل العلماء كراهته بأنه ينافى الخشوع، خصوصًا إذا كثر، ولهذا رخص في مسح حصاة واحدة تقليلاً للحركة وجاء في بعض الأحاديث "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصا" ذكره االشوكانى في نيل الأوطار "ج 2 ص 349" كما علل النهى عن مسح الحصا بأن كل حصاة تحب أن تحظى بالسجود عليها فلا تنبغى إزاحتها كما جاء مصرحا به فى بعض الروايات "المرجع السابق ص 350". هذا وإذا كان مسح الحصا وتسوية الأرض قبل الدخول في الصلاة فلا بأس به (8/112) ________________________________________ حديث " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل ما يردده كثير من الناس بقولهم " المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين حديث مروى عن النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب هذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري وسببه أنه أسر أبا عزقي الجمحى يوم بدر، فمن عليه وأطلقه، وعاهده ألا يحرض عليه ولا يهجوه، فلما لحق بقومه عادٍ إلى ما كان عليه من التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أحد، فطلب من الرسول أن يمن عليه، فلم يستجب له وقال هذا الحديث. ومعناه أن المؤمن ينبغي أن يكون حذرا متيقظًا لا ينخدع بظواهر الناس، وبخاصة من يخالفه في العقيدة، فالنفاق له أهله الذين يجيدونه ويغرون به الناس، قال تعالى فيهم {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اللَّه واللَّه يعلم إنك لرسوله واللَّه يشهد إن المنافقين لكاذبون} المنافقون: 1،. ولو فرض أن المؤمن أحسن الظن بالمنافق وخدع به مرة فلا ينبغي أن يخدع به مرة أخرى، كالذي أدخل إصبعه في جحر فلدغه ثعبان، لا ينبغي أن يدخل إصبعه فيه مرة أخرى. وهذه دعوة للمؤمنين أن يكونوا على يقظة تامة فى تعاملهم مع الناس بوجه عام، ومع الأعداء بوجه خاص وتشتد الدعوة إلى اليقظة عند وجود الفتن والقلاقل، واللَّه يقول {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم} النساء:71. والشاعر الحكيم يقول: ومن رعى غنما في أرض مسبعة * ونام عنها تولى رعيها الأسد (8/113) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:44 am | |
| حديث " الإناء يستغفر للاعقه "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "الإناء يستغفر للاعقه " وكيف يصح ذلك مع أنه من مستهجنات العصر؟
الجواب 1 -لعق الإناء جاء فيه حديث مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: " إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة " وجاء في رواية له عن أنس: وأمرنا أن نسلت القصعة، والسلت -كما فسره النووى- هو المسح وتتبع ما بقى في القصعة من الطعام " ج 13 ص 207 ". وفي هذا الإرشاد تنظيف للقصعة وعدم ضياع شيء من الطعام، فلعق الصحفة التي يأكل منها جمع لا يكون باللسان منهم جميعًا، أو من أكثر من واحد، وهو متصور في الإناء الخاص الذي يأكل منه شخص واحد، ويكون اللعق بمعنى السلت بوساطة الأصابع، فيتتبع كل آكل بإصبعه ما توارى أو بقى من جوانب الصحفة، فيأخذه ويأكله. وهذا الأمر تعودوا عليه ولا يرون فيه بأسًا، وقد تعافه بعض النفوس. والمهم هو تنفيذ المطلوب بالوسيلة التي يتواضع عليها الناس، فلا يبقى في الإناء طعام يلقى ويضيع، بل نحافظ عليه ونلتقطه من الإناء بالمعلقة أو بالشوكة أو السكين ونحو ذلك، ولهذا يندب أن يلتقط ما وقع من الطعام وينظف ويؤكل ولا يدعه للشيطان كما جاء في صحيح مسلم. جاء في "الأوائل " للسيوطى أن أول من اتخذ الملعقة سيدنا إبراهيم الخليل "غذاء الألباب للسفارينى ج 2 ص 83". 2 -وأما استغفار الإناء للاعقه فالمراد منه أخيرًا الحث على نظافته وعدم ترك شيء فيه يعرض للضباع أو يسبب القذارة. وقد جاء في ذلك حديث رواه الترمذى وابن ماجه وأحمد والبغوى وغيرهم، وقال عنه الترمذى: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط في سلسلة الرواة، قالوا: هو المعلى بن راشد الذي رواه عن أم عاصم نبيشة، ورواه عنه كثيرون كما ذكر في تحفة الأحوذى شرح الترمذى "أسد الغابة رقم 5091 الزرقانى على المواهب ج 4 ص 342 " والحديث بلفظ "من أكل طعامًا في آنية ثم لحسها استغفرت له القصعة" قال الزرقانى: حقيقة وشكرا لفعله. ولا مانع شرعا ولا عقلا أن يخلق اللَّه في الجماد تمييزًا ونطقا، ويؤيده رواية الديلمى "استغفرت له القصعة فتقول: اللهم أجره من النار كما أجارنى من لعق الشيطان " وقال هو كناية عن حصول المغفرة له ابتداء، لأنه لما كان حصول المغفرة بواسطة لحسها غفر له، ولما كانت المغفرة بسبب لحسها كأنها تطلب له الغفران. هذا ما ورد ولا يجوز أن يعلق عليه بالاستنكار، فالعرف إذ ذاك كان يقبله والمهم هو المحافظة على المقصود منه، وهو النظافة والاقتصاد هذا وقد سئل بعض العلماء عن هذا الحديث وعن حديث "إذا أكلتم فأفضلوا فقال ما نصه: هذان حديثان لا أصل لهما "مجلة الإسلام - المجلد الرابع، العدد 36" وقد رأينا أن حديث لعق الإناء والاستغفار للاعقه ورد بطريق صحيح. أما حديث "إذا أكلتم فأفضلوا" فلم أعثر له على تخريج مقبول حتى الآن (8/114) ________________________________________ حديث " أدبنى ربى "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أدبنى ربى فاحسن تأديبى "؟
الجواب مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكرمه ربه بمزايا كثيرة، كان بها قدوة حسنة، ومن هذه المزايا الأخلاق الكريمة التي شهد اللَّه له بها في قوله {وإنك لعلى خلق عظيم} القلم: 4، وكذلك فصاحة اللسان وبلاغة القول كما شهدت بذلك الآثار المروية عنه في جوامع الكلم. والقول المسئول عنه وهو: " أدبني ربي فأحسن تأديبي " جاء بعده روايات ذكرها العسكري في كتابه " الأمثال " والسرقسطى في كتابه "الدلائل " والسيوطي في كتابه " الجامع الصغير " وابن السمعاني في " أدب الإملاء " وأبو نعيم الأصفهاني في تاريخ أصبهان. ويؤخذ من مجموعها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ فقال: " كانت لغة إسماعيل قد درست - خفيت آثارها - فحفظنيها جبريل، فلذا كنت أفصح العرب " وأن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال له: يا نبي اللَّه نحن بنو أب واحد، ونشأنا في بلد واحد، وإنك لتكلم العرب بلسان ما نعرف أكثره، فقال " إن اللَّه عز وجل أدبني فأحسن تأديبي " ونشأت في بني سعد بن بكر وأن أبا بكبر رضي اللَّه عنه سأله مثل ذلك، فأجاب بما يقرب منه. تدل هذه الروايات على أن تأديب الله لنبيه كان تأديبًا شاملاً -للسلوك واللغة، وذلك حق لا مرية فيه، وشرح ذلك يطول، وقد وضعت له كتب مخصوصة لكن على الرغم من صحة معنى الحديث فإنه بهذه الصيغة لم يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح عند أكثر علماء الحديث. فرواية أبي نعيم عن عمر إسنادها ضعيف ورواية العسكرى عن على سندها ضعيف جدا كما يقول السخاوى، ورواية السرقسطى عن أبي بكر سندها واه شديد الضعف، وقال المناوي في فيض القدير على الجامع الصغير للسيوطي: إن ابن حجر حكم عليه بالغرابة في بعض فتاويه. وقال ابن تيمية: لا يعرف له سند ثابت. وقد وضح ذلك كله القسطلانى فى " المواهب اللدنية" وشرحه للزرقافي عند الكلام على فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم. 0 فمعنى الحديث صحيح، ولكن سنده ضعيف، وإن صححه أبو الفضل بن ناصر ونرجو أن نتنبه إلى الفرق بين صحة الكلام في حد ذاته وبين نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نؤمن بأن اللَّه أدبه أحسن تأديب، ولكن لا نثق في أن هذا الكلام صدر عنه، وقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من نسبة شيء إليه قولا أو فعلا أو وصفا فقال "من كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري ومسلم. ويستوى في حرمة الكذب عليه ما كان القصد منه حسنا وغير حسن (8/115) ________________________________________
حديث " عبدى أطعنى تكن ربانيا "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "عبدي أطعني تكن ربانيا تقول للشىء كن فيكون "؟
الجواب لم أجد هذا الكلام حديثا صحيحًا، وإن كان هناك ما يؤيد معناه مثل "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ... . .. ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه " رواه البخاري (8/116) ________________________________________ حديث " لا تتخذوا الضيعة "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى الحديث الذي يقول:"لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا "؟
الجواب جاء في نهاية ابن الأثير "مادة ضيع أن الضيعة ما يؤخذ منها معاش الرجل كالصناعة والتجارة والزراعة وغير ذلك ومنه الحديث "أفشى اللَّه عليه ضيعته " أى أكثر عليه معاشه، ومنه حديث ابن مسعود "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا " وحديث حنظلة "عافسنا الأزواج والضيعات " أي المعايش. وروى ابن ماجه وابن حبان وغيرهما قوله صلى الله عليه وسلم "من تكن الدنيا نيته جعل اللَّه فقره بين عينيه وشتت عليه ضيعته ولا يأتيه منها إلا ما كتب له ومن تكن الآخرة نيته جعل اللَّه غناه في قلبه وكفاه شيعته وأتته الدنيا وهي راغمة ". يقول الحافظ المنذري في معنى"شتت عليه ضيعته "فرق عليه حاله وصناعته ومعاشه وما هو مهتم به، وشعَّبه عليه ليكثر كده ويعظم تعبه انتهى. وليس المراد من ذلك التنفير من الحرفة والعمل والدعوة إلى الزهد والانقطاع إلى العبادة ولكن المراد عدم الاهتمام الزائد بها والاتكال الكامل عليها بحيث ينسى الإنسان ربه ويأمن عقابه، ومن باشر أي عمل مشروع بنية الآخرة كوسيلة للسعادة فيها-وبالتالي سيسعد في الدنيا-بارك اللَّه في عمله. أما من فتن بالعمل الدنيوي ونسى ربه وأخرته أتعبه اللَّه وأكثر همومه وحرمه القناعة التي هي من أهم أسباب السعادة (8/117) ________________________________________ حديث " اعمل لدنياك "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا "؟
الجواب ليس هذا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم "ونسب إلى بعض الصحابة، ومعناه صحيح في بعض وجوهه، فهو يحث على التأني وعدم اللهفة والتسرع في أعمال الدنيا، ويحث على السرعة وعدم التسويف في أعمال الدين التي يثاب عليها في الآخرة، حتى لا يفاجئه الأجل قبل عملها (8/118) ________________________________________ الصلاة على إبراهيم وآله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نحن مسلمون على ملة إبراهيم، والصلاة كان أول نزولها على سيدنا محمد ليلة الإسراء، فما هي العبادة التي كان يتعبد بها إبراهيم، ولماذا ذكر اسمه في التحيات دون باقى الأنبياء؟
الجواب إن الصلاة كتبت على الأنبياء السابقين كما كتبت على المسلمين، وكذلك الصيام والزكاة، كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} البقرة: 183، وقال تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيًا. وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيًّا} مريم: 54، 55، إلى غير ذلك من النصوص التي تبين عبادة الأنبياء السابقين ومنهم إبراهيم عليه السلام الذي قال الله على لسانه {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} إبراهيم: 40، إلا أن تفاصيل هذه العبادات لم تعرف كلها على وجه التأكيد، وليست هناك فائدة كبيرة في معرفتها، فلكل نبي ولكل أمة ما يناسبها {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} المائدة: 48. ومن الصيغ التي وردت في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد في الصلاة، الصلاة الإبراهيمية التي يذكر فيها سيدنا إبراهيم، لأن إبراهيم أب لأكثر الأنبياء، فدينه أصل لهم يدعون إليه جميعًا، ويسيرون على نهجه، وقد قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا} النحل: 123، وقال تعالى {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا} الأنعام: 161. كما أن اللَّه أنعم على إبراهيم آل بيته بالرحمة والبركات فقال {رحمة اللَّه وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} هود: 73، فنحن في صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم ندعو له بالرحمات والبركات كما رحم اللَّه أباه إبراهيم وباركه. ولا شيء في ذلك أبدًا. وتفصيل ذلك موجود فى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 6 ص 340 " (8/119) ________________________________________ قراءة الحديث بالتجويد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل تجب قراءة الأحاديث النبوية بالأحكام التى تتبع فى قراءة القرآن الكريم؟
الجواب قراءة القرآن الكريم لها حالتان، الحالة الأولى وهى الحد الأدنى فى الصحة أن يحافظ على نطق الحروف بإخراجها من مخارجها حتى لا تشتبه الزاى بالذال، أو الثاء بالسين مثلا، وأن يكون المد للمدود بالحد الأدنى الطبيعى الذى يتبين منه أن الحرف ممدود. وهذا الحد واجب. والحالة الثانية هى التجويد والتحسين، بالمحافظة مثلا على الغُنَة والمدود الجائزة واللازمة وما جاء فى كتب التجويد، وهو أمر مستحب، وإن كان بعضهم أوجبه. ولا تلزم هذه الأحكام الثانية فى قراءة الأحاديث النبوية، بل اللازم فيها هو المحافظة على مخارج الحروف حتى لا يشتبه بعضها ببعض فيختلف المعنى، وباختلاف المعنى يكون الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معروف. كالكذب على الله تعالى فى عدم التزام ما نزل به القرآن الكريم (8/120) ________________________________________ فرعون وموسى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هو فرعون موسى؟
الجواب ليكن معلوما أن لفظ " فرعون "يطلق على كل من ملك مصر من القدماء، مثل كسرى للفرس، وقيصر للروم، والنجاشى للحبشة، وفرعون موسى المذكور فى القرآن واحد منهم. قال المسعودى: لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية، وقال الجوهرى: كل عات فرعون والعتاة الفراعنة، وهو ذو فرعنة أى دهاء ومكر، وفى الحديث " أخذنا فرعون هذه الأمة، ذكره القرطبى " ج 1 ص 353 " وبخصوص فرعون موسى جاء فى مقال للمرحوم الشيخ فكرى ياسين نشر بمجلة الأزهر" المجَلد العاشر ص 303 " أن ما كتب قديما وحديثا يؤخذ منه أن موسى عليه السلام أدرك عهدى ملكين من ملوك الأسرة التاسعة عشرة، يقال للأول منهما " فرعون الاضطهاد " لأنه اضطهد بنى إسرائيل، ويقال للثانى: "فرعون الخروج " لأنهم خرجوا من مصر فى عهده. وفرعون الاضطهاد هو رمسيس الثانى المعروف باسم " رمسيس الأكبر " وقد ولد موسى فى زمنه وتربى فى قصره، وكانت آثاره عظيمة أعجب بها من جاءوا بعده حتى سمى عشرة منهم باسمه، وكان قد بلغه ما هو مشهور يؤمئذ أن بنى إسرائيل سيخرج منهم غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه، فأمر بذبح أبنائهم كما نص عليه القرآن الكريم. ومات بعد أن حكم 67 سنة، ودفن بمقبرة " بيبان الملوك " ثم نقل إلى الأقصر، ثم إلى متحف بولاق، وأما فرعون الخروج فهو " منفتاح الأول، الابن الثالث عشر لرمسيس الأكبر، وقد أشركه أبوه معه فى الحكم قبل وفاته، وعاصر موسى وهو يتربى فى بيت أبيه، وكان مولعا بتشييد المبانى كأبيه، وكان يمحو أسماء الملوك من الآثار لينقش اسمه مكانها. وظل على اضطهاد بنى إسرائيل حتى أرسل اللَّه إليه موسى وهارون لدعوة التوحيد والخروج ببنى إسرائيل من مصر وكانت النتيجة غرقه فى البحر، وإنقاذ اللَّه لجثته ليصدق بنو إسرائيل أنه قد مات، ووجدت جثته مع جثث أخرى فى قبر " أمنحتب الثانى " بالأقصر، ثم وضعت أخيرا فى المتحف. وجاء فى المجلد الرابع والثلاثين من مجلة الأزهر" ص 742 " ما يؤكد ذلك، حيث يوجد فى المتحف لوح كبير من الحجر الأسود اللون عليه قصة خروج بنى إسرائيل فى عهد منفتاح (8/121) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:45 am | |
| أولو العزم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هم أولو العزم الذين أمر الله نبيه أن يصبر كما صبروا؟
الجواب يقول الله تعالى {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم} الأحقاف: 35، أولو العزم مختلف فيهم على أقوال كثيرة، فقيل: هم كل الرسل، ولفظ "من " للبيان لا للتبعيض، وقيل: هم بعض الرسل مع اختلاف فى تعيينهم وفى عددهم، ومن أقوى الآراء أنهم المذكورون فى قول اللَّه تعالى {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} الأحزاب: 7، وسموا بذلك لأنهم صبروا كثيرا فى تبليغ دعوتهم حتى نصرهم اللَّه. ومن صور معاناتهم ما جاء فى قوله تعالى {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متىَ نصر اللَّه، ألا إن نصر اللَّه قريب} البقرة: 214 (8/122) ________________________________________ صورة آدم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: ان الله خلق آدم على صورته؟
الجواب روى البخاري فى كتاب الاستئذان ومسلم فى بيان صفة الجنة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن اللَّه خلق آدم على صورته " وفى رواية مسلم " خلق اللَّه آدم على صورته، طوله ستون فراعا. " وفى اَخرها " فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الاَن "ج 17 ص 178. والضمير فى قوله "صورته " يصح أن يكون راجعا إلى الله تعالى، أى خلقه على صفة الله من الحياة والعلم والسمع والبصر وغيرها، أو يكون راجعا إلى اَدم، أى أن الله أوجده على هذه الصورة والهيئة التى خلقه عليها، لم تنتقل فى النشأة أحوالا، ولا تردد فى الأرحام أطوارا كذريته، بل خلقه رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح. وهذا التفسير يرد على الطبيعيين والماديين أصحاب مذهب النشوء والارتقاء، الذين يزعمون أن آدم أصله قرد تطور حتى صار بهذا الشكل، وإذا كانت هناك غرابة فى طوله وهو ستون ذراعا كما رواه البخاري ومسلم، فإن أثر البيئة على طول الأجسام وقصرها معروف فى كثير من المناطق فى العالم كله، والمسافة بين خلق آدم وبعثه الرسول فوق ما نقل عن الأخباريين من أهل الكتاب الذين قالوا: إن عمر الدنيا سبعة اَلاف سنة. على أن للذراع معايير مختلفة، فقدر بقبضة النَصْل أو السيف أو الرمح أو القناة، وقدره البعض بخمسة سنتيمترات، فيكون طول آدم ثلاثة أمتار، وهو معقول. يقول الإمام الغزالى فى كتابه " الإملاء على إشكالات الإحياء " المطبوع على هامش الإحياءج 1 ص 168 حي تعليقا على هذا الحديث: للعلماء فيه وجهان، فمنهم من يرى للحديث سببا، وهو أن رجلا ضرب غلامه، فراَه النبى صلى الله عليه وسلم فنهاه وقال " إن اللَّه تعالى خلق آدم على صورته " وتأولوا عود الضمير على المضروب. والوجه الآخر أن يكون الضمير الذى فى " صورته " عائدا إلى اللَّه سبحانه. ويكون معنى الحديث أن الله خلق آدم على صورة هى إلى اللَّه سبحانه. وهذا العبد المضروب على صوره آدم، فإذًا هذا العبد المضروب على الصورة المضافة إلى الله تعالى. ثم استطرد الغزالى فى الكلام الذى لا مجال لنقله هنا فيرجع إليه من أراد الاستزادة (8/123) ________________________________________ السيدة مريم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل كانت مريم نبية، وما هى المدة التى حملت فيها عيسى؟
الجواب هناك فرق بين النبى والرسول، وإن كان بين اللفظين تبادل في بعض الأحيان، ومع الأخذ فى مفهوم الرسول أنه مكلف بتبليغ ما أوحى اللَّه إليه إلي الناس، فإن مريم ليست من الرسل، لأنهم لا يكونون إلا من الرجال كما قال سبحانه {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم} النحل: 43، ولأنهم هم الذين يستطيعون أن يقوموا بأعباء الرسالة، نظرا لما عندهم من المؤهلات المناسبة. أما أن تكون المرأة نبية يوحى إليها بشرع تعمل به دون أن تكلف بتبليغه للناس فذلك أمر ممكن، ولذلك اختلفت أقوال العلماء فى مريم هل هى نبية أم مرأة صالحة؟ أما كونها امرأة صالحة فذلك أمر مفروغ منه، قال تعالى {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن اللَّه اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} آل عمران: 42، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ". وهل ترتقى بهذا الاصطفاء والتطهير والكمال إلى مرتبة النبوة؟ قال بذلك الكثيرون من العلماء، حيث إن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين. أما المدة التى حملت فيها بعيسى فليس فيها نص صحيح، يقول القرطبى: وهذه القصة تقتضى أنها حملت واستمرت حاملا على عرف النساء، وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر، وقيل لتسعة وقيل لسنة، واللَّه أعلم (8/124) ________________________________________ خاتم النبوة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نشرت صورة لخاتم النبوة ومعها حديث: من نظر إليه حفظه الله من الآفات وغيرها ويختم له بالإيمان، فهل هذا صحيح؟
الجواب خاتم النبوة وردت به الأحاديث الصحيحة فى البخاري ومسلم وغيرهما، وجاء فى هذه الروايات أنه قطعة لحم ناتئة عليها شعرات بين كتفى النبى صلى الله عليه وسلم، وأنه مثل بيضة الحمامة، وأنه مثل زر الحجلة وعليه خيلان كأنها الثآليل السود. والحجلة بيت كالقبة يستر بالثياب ويجعل له باب من جنسه فيه زر وعروة تشد إذا أغلقت. وقيل المراد بالحجلة الطائر المعروف، وزرها أى بيضتها، والتفسير الأول هو الصحيح. والخيلان جمع خال وهو الشامة على الخد، والثآليل جمع ثؤلول، وهى حب يعلو ظاهر الجسد، واحدتها كالحمصة فما دونها. وقد جاءت روايات أخرى فى صفة هذا الخاتم، منها ما هو باطل مكذوب، ومنها ما هو ضعيف لا يعول عليه، ومن ذلك ما رواه الترمذى الحكيم - وهو غير الترمذى صاحب السنن - أنه مكتوب فى باطنه، أى ما يلى جسده الشريف - " اللَّه وحده لا شريك له " وفى ظاهره، أى ما يقابل الجهة التى خلفه " توجه حيث كنت فإنك منصور "وهو حديث باطل كما قال ابن حجر فى فتح البارى. ومن هذا يعلم أن ما نشر من صورة هذا الخاتم غير صحيح، وأن ما يترتب على النظر إليه من آثار لا أصل له فى الدين (8/125) ________________________________________ العمل بأحاديث الآحاد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نقرأ فى بعض الكتب عند الاستدلال على بعض الأحكام بحديث نبوى، أن هذا حديث آحاد يفيد القطع، فما هى أحاديث الآحاد، وما هى منزلتها فى الاستدلال على أحكام الدين؟
الجواب أحاديث الآحاد هى التى لم يبلغ رواتها حد التواتر الذى يفيد القطع واليقين، والحديث المتواتر هو الذى رواه جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب، وأحاديث الآحاد أنواع، منها المشهور الذى رواه ثلاثة فأكثر، والعزيز الذى رواه اثنان، والغريب الذى رواه واحد فقط. وهى من أقسام الحديث الصحيح، وهناك الحديث الحسن والحديث الضعيف والحديث الموضوع، وهناك تقسيمات لهذه الأحاديث فى علم مصطلح الحديث، ويهمنا الآن الحديث الصحيح بقسميه الآحاد والمتواتر. يقول علماء الأصول: إن أحاديث الآحاد يجب العمل بها فى الأحكام الشرعية العملية، باعتبارها فروعا، ولا يعمل بها فى العقائد باعتبارها أصولا للدين، وهذا ما يفيده ما نقل عن جمهور الصحابة والتابعين، وأقوال علماء الفقه والأصول، ولم يخالف فى ذلك سوى بعض فقهاء أهل الظاهر وأحمد فى رواية عنه. فأحاديث الآحاد مهما بلغت قوتها كالمشهور منها لا تفيد العلم اليقينى الذى يعتمد عليه فى العقائد، بل تفيد الظن الذى يكفى فى وجوب العمل بها فى الفروع، جاء ذلك فى كثير من المراجع، وصرح به النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 1 ص 20 " وجعل منها ما رواه البخارى ومسلم رادًا به على ابن الصلاح الذى قال: إن ما روياه يفيد العلم النظرى. من هذا يعلم أن أحاديث الآحاد الصحيحة لا تفيد إلا الظن ويجب العمل بها فى الفروع لا فى العقائد، وإفادة الظن أو اليقين فى الأحاديث قد تكون من جهة الرواية، فالمتواتر يفيد اليقين والآحاد لا تفيده، وقد تكون من جهة الدلالة أى دلالة اللفظ على معناه، وذلك مشترك بين جميع الأحاديث وبين القرآن الكريم، فاللفظ إذا لم يحتمل إلا معنى واحدا كان قطعى الدلالة، وإذا احتمل أكثر من معنى كان ظنى الدلالة، كلفظ العين، يطلق على العين الباصرة وعلى عين الماء، وعلى الذهب وعلى الجاسوس. ولفظ الفتنة يطلق على الامتحان وعلى الكفر وعلى العذاب، وعلى الوقيعة بين الناس، والشواهد على ذلك كثيرة. وتفريعا على ذلك لو وقع خلاف فى مسألة فرعية دليلها خبر آحاد وأنكر الإنسان حجية هذا الخبر لا يكون بذلك كافرا أو فاسقا وإلا لحكم بذلك على أئمة الفقه المختلفين فى بعض المسائل، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذا الإنكار له مسوغ شرعى، فإذا تأيد هذا الخبر وما يدل عليه من حكم بالإجماع عليه صار قويا، ومن جحده كان مخطئا، وإن كان لا يحكم عليه بالكفر " فتاوى معاصرة للشيخ جاد الحق على جاد الحق ص 49 - 60 " (8/126) ________________________________________ اللهم أحينى مسكينا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا ربه أن يعيش مسكينا، وهل يتناسب هذا مع قوة الإسلام وعموم رسالته وخلودها الذى لا يتم على يد المساكين؟
الجواب روى ابن ماجه،والحاكم وصححه عن أبى سعيد الخدرى قال: سمعت - رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم أحينى مسكينا، وتوفنى مسكينا، واحشرنى فى زمرة المساكين " ورواه الترمذى عن أنس وقال: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط. وجاء فى حديث للترمذى وحسَّنه قول النبى صلى الله عليه وسلم" اللهم إنى أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين ". وروى البخارى ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال " قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون " والجد هو الغنى. هذه الأحاديث تدل على حب النبى صلى الله عليه وسلم للمساكين، ويعلل ذلك بأمور: أولها: مشاركتهم وجدانيا وتيسير وقع الفقر عليهم، حتى لا يدخل قلوبهم شك أو تطلع إلى الدنيا وافتتان بها عن الآخرة، وبخاصة أن أكثر من آمنوا به من المساكين، وأكثر من قاوموا الدعوة كانوا من الأغنياء الجبارين، وفى ذلك دعوة الأغنياء للعطف عليهم. ثانيها: لفت أنظار الأغنياء إلى عدم الفتنة بالمال، وليس ذلك نهيا عن جمع المال وإنفاقه فى حله، ففى الحديث الذى رواه أحمد بسند جيد عن عمرو بن العاص " نعم المال الصالح للعبد الصالح ". ثالثها: أن المساكين أقل الناس حسابا إذا اتقوا ربهم فى أعمالهم، لأنهم لا يكونون كالأغنياء الذين يحاسبهم اللَّه على نعمه كيف جحدوها وكيف أنفقوها، والمساكين من أجل هذا سيسبقون إلى دخول الجنة، لعدم طول حسابهم على ما في أيديهم. هذا، وليس المراد من هذه الأحاديث دعوة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المسكنة والفقر الماديين، فهناك فرق بين شعور العطف والرحمة على المساكين، والدعوة إلى الفقر، كيف وهو صلى الله عليه وسلم لا يحب الفقر الذى تذل به النفس ويمرض الجسم ويعوق عن أداء الواجبات ويغرى بالسوء؟ ، كما كان يستعيذ من الغنى الذى يبطر ويصرف عن الخير ويدعو إلى الفساد، لقد استعاذ من الكفر والفقر كما رواه أبو داود وقال " اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر " كما رواه مسلم، وقال أيضا " اللهم اكفنى بحلالك عن حرامك، وأغننى بفضلك عمن سواك " كما رواه الترمذى وحسَّنه، وكثيرا ما سأل ربه العفاف والغنى. والغنى وإن كان يقصد به غنى النفس فهو أيضا يقصد به غنى المال الذى يعرف فيه حق الله، ويكون وسيلة للعفة عن الحرام، وعزة المسلمين لا تتوقف على الغنى المادى فقط، فكم من أمم بلغت فى الغنى الذروة فأهلكها الله لمعصيتها وبخلها وشرها. ومقومات العزة الإسلامية فى العصور الأولى كانت تعتمد على القوة فى العقيدة والخلق، كما تعتمد على قوة المال، وكان تفوقهم على الدول المجاورة لهم ليس بالمال ولكن بالدين، والدين لا يمنع من المال ما دام يوجه للخير، لا يقصد بهذه الأحاديث دعوة إلى المسكنة الذليلة، فإن العزة قد تكون مع رقة الحال كعزة المسلمين الأول، والذلة قد تكون مع كثرة المال كذلة اليهود بدناءة نفوسهم ورضاهم بالهوان فى سبيل الحصول على المال. ومع كل هذا لا ننسى أبدا قول اللَّه سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل اللَّه لكم ولا تعتدوا إن اللَّه لا يحب المعتدين. وكلوا مما رزقكم اللَّه حلالا طيبا واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون} المائدة: 87، 88، وقوله {يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. قل من حرم زينة اللَّه التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق} الأعراف: 31،320. وأما حديث " إن كنت تحبنى فأعد للفقر تجفافا، فإن الفقر إلى من يحبنى أسرع من السيل إلى منتهاه " وذلك عندما قال له رجل: إنى أحبك، فقال له: " انظر ما تقول " فقال والله إنى أحبك، " ثلاث مرات " رواه الترمذي وقال: حديث حسن - فالمراد به التنبيه إلى عدم الأمن من غدر الزمان {وتلك الأيام نداولها بين الناس} آل عمران: 140. وأساليب الامتحان كغيرة، قال تعالى {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} الأنبياء:35، والمؤمن الصادق يتقلب فى حياته بين الشكر والصبر، فهو فى خير دائم كما قال النبى صلى الله عليه وسلم " عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم. أو لعل النبى صلى الله عليه وسلم أراد بقوله هذا لمن يحبه أن يكون مثله فى الزهد فى الدنيا وعدم تعلق الآمال العريضة بها، أو يلفت نظره ألا يكون مثل بعض الفقراء الدين رغبوا فى الإسلام طمعا فى خير يعطيه لهم النبى صلى الله عليه وسلم كمن نزل فيهم قوله تعالى {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما بدخل الإيمان فى قلوبكم} الحجرات: 14، هذا، والتجفاف شيء يلبسه الفرس ليتقى به الأذى، وقد يلبسه الإنسان (8/127) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:46 am | |
| كبش إسماعيل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من أين جاء الكبش الذى فدى الله به إسماعيل، ومن الذى أكله بعد الذبح ولِم لَمْ يذبح إبراهيم لابنه جملا أو بقرة؟
الجواب قال تعالى فى قصة إبراهيم عليه السلام عندما شرع فى تنفيذ الرؤيا بذبح ولده إسماعيل {وفديناه بذبح عظيم} الصافات: 107. أغلب أقوال المفسرين أن الذبح كبش من الضأن، واختلفت آراؤهم فى مصدره، فقيل: إنه من الجنة، وذكروا أنه القربان الذى قدمه هابيل بن آدم عليه السلام، فتقبله الله منه ورفعه وأدخله الجنة يرتع فيها، وقيل: إنه كبش من كباش الجبال، هبط على إبراهيم فذبحه وقيل غير ذلك. وكلها أقوال ليس لها دليل يعتمد عليه من كتاب أو سنة، وكونه ذبحا عظيما لا يدل على سمنه وكثرة لحمه، لأن العِظَم قد يطلق على الشرف والأهمية، وبالطبع هذا الكبش له أهميته لأنه فداء لشخصية عظيمة هى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وأما لحم الذبح فلا يدل دليل على أنه رفع وأكلته النار كالقرابين فى العصور السابقة أو أكله سيدنا إبراهيم وأهل بيته، أو أعطاه غيرهم من الناس، أو تركه للوحوش والطيور. وإذا لم يدل دليل على أصل الكبش ولا على أكله فالظاهر - كالمعتاد-أن الكبش من غنم الأرض وأن إبراهيم أكل منه وتصدق على غيره شكرًا لله على فداء إسماعيل، شأن الأضحية فى الإسلام التى قال فيها النبى صلى الله عليه وسلم "سنُّوا بها سنة أبيكم إبراهيم ". وأنبه إلى أن القرآن لا يهتم بذكر التفاصيل الجزئية اهتمامه بموضع العبرة والموعظة وإبراهيم لم يذبح جملا ولا بقرة، لأنه كان لا يعرف فداء ولده، ولكن الله هو الذي نبهه إلى ذلك على ما يفهم من ظاهر التعبير "وفديناه بذبح عظيم " فهو توجيه من الله سبحانه، والواجب هو الاتباع (8/128) ________________________________________ ذو الكفل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هو ذو الكفل الذى ذكره الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم؟
الجواب جاء ذكر "ذى الكفل لما فى عدة مواضع من القرآن الكريم منها قوله تعالى {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين} الأنبياء: 85، جاء فى تفسير القرطبى (ج 11 ص 328) أن الجمهور على أن ذا الكفل ليس بنبى، وقال الحسن: هو نبى قبل إلياس، وقيل هو زكريا، وسمى بذلك لكفالته مريم. وقيل: كان رجلا عفيفا يتكفل بشأن كل إنسان وقع فى بلاء أو تهمة أو مطالبة فينجيه الله على يديه، وقيل: سمى ذا الكفل لأن الله تعالى تكفل له فى سعيه وعمله بضعف عمل غيره من الأنبياء الذين كانوا فى زمانه. وذكر أبو عيسى الترمذى حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن، وكذلك أخرجه الترمذى الحكيم فى كتابه "نوادر الأصول " أنه كان رجلا عاصيا ثم تاب إلى الله وهو فى عصيانه فتاب الله عليه فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: إن الله قد غفر لذى الكفل (8/129) ________________________________________ امتحان سيدنا أيوب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أرجو تفسير قوله تعالى {وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين. فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين} الأنبياء: 83، 84
الجواب امتحن الله أيوب بامتحانات فى بدنه وماله وأهله، فمرض مرضا شديدا ليس بالصورة التى حكيت فى كتب التفسير بدون دليل، والتى لا تليق برسول يعمل لجمع الناس حوله وحبهم له لا لتنفيرهم منه. وضاع ماله وفقد أهله وأفسد الناس بينه وبين زوجته التى واسته بكل ما تملك. وسبب الامتحان غير مذكور بسند صحيح، ولشدة صبره وطول أمله فى رحمة الله دعا ربه فكشف ما به من ضر، وعوضه ما فقد من أهل ومال، بل زاد على ما ضاع منه، وذلك رحمة من الله وعبرة للناس فى وجوب الصبر وفى ثوابه العظيم. وجاء فى آيات أخرى كيف استجاب الله دعاءه. ففى ص: 42-44 قوله تعالى {اركض برجلك هذا مغتسَل بارد وشراب. ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولى الألباب.وخذ بيدك ضِغْثًا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب} . وهناك تفاصيل كثيرة لا يتسع لها المقام، فيرجع إلى كتب التفسير (8/130) ________________________________________ مهر حواء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن سيدنا آدم دفع مهرا للسيدة حواء صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب جاء فى "المواهب اللدنية " للقسطلانى وشرحها للزرقانى "ج 1 ص 25 " أن الله سبحانه لما خلق آدم خلق له حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى وهو نائم فلما استيقظ ورآها سكن إليها ومد يده إليها فمنعته الملائكة حتى يؤدى مهرها، فقال: وما مهرها؟ قالوا: تصلى على محمد- صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات. وذكر ابن الجوزى المتوفى سنة 795 هـ فى كتابه "سلوة الأحزان " أنها لما سمعت كلام الملائكة طلبت مهرها من آدم فسأل ربه كم يعطيها؟ فقال: صل على حبيبى محمد بن عبد الله عشرين مرة، ففعل، وجاء فى بعض الروايات أن الله زوجه إياها وخطب فى ذلك خطبة. ولم يذكر الكتاب سند هذا الكلام ولا درجته من القبول وعدمه، فنحن فى حل أن نصدقه أو لا نصدقه. ولا يضرنا الجهل به (8/131) ________________________________________ استشفاع آدم بمحمد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الله لم يتب على آدم إلا بعد أن استشفع بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
الجواب جاء فى "المواهب اللدنية " للقسطلانى وشرحها للزرقانى "ج 1 ص 62" أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما اقترف آدم الخطيئة - قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لى، فقال الله تعالى: يا آدم وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتنى بيدك ونفخت فىَّ من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا "لا إله إلا الله محمد رسول الله " فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله تعالى: صدقت يا آدم إنه لأخب خلق الله إلى، وإذ سألتنى بحقه قد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك " رواه البيهقى فى "دلائل النبوة " من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال البيهقى: تفرد به عبد الرحمن، أى لم يتابعه عليه غيره فهو غريب مع ضعف راويه، ورواه الحاكم وصححه، وذكره الطبرانى وزاد فى آخره " وهو آخر الأنبياء من ذريتك ". يؤخذ من هذا أن استشفاع سيدنا آدم بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس حديثا صحيحا ولا حسنا، بل هو ضعيف، ولا تثبت به عقيدة، ولا يكفر من يكذب ذلك (8/132) ________________________________________ تحديد الفترة بين الرسل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل تمكن معرفة الفترات التى فصلت بين الرسل؟
الجواب لم يرد تحديد الزمن الذى بين كل رسولين، لا فى القرآن ولا فى السنة، مع العلم بأن عدد الرسل كبير، والذين جاء ذكرهم فى القرآن خمسة وعشرون فقط، قال تعالى: {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك} النساء: 164، وقال {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} غافر: 78. وحاول بعض المؤرخين تحديد الفترات التى بين الرسل، مثل محمد بن سعد فى كتابه "الطبقات " فذكر عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: كان بين موسى بن عمران وعيسى بن مريم عليهما السلام ألف سنة وسبعمائة سنة، ولم يكن بينهما فترة، وأنه أرسل بينهما ألف نبى من بنى إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم، وكان بين ميلاد عيسى والنبى صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وتسع وستون سنة، بعث فى أولها ثلاثة أنبياء، وهم فى قوله تعالى {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث} يس: 14، والذى عزز به "شمعون " وكان من الحواريين، وكانت الفترة التى لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة سنة وأربعا وثلاثين سنة. وذكر الكلبى أن بين عيسى ومحمد عليهما السلام خمسمائة سنة وتسعا وستين، وبينهما أربعة أنبياء، واحد من العرب من بنى عبس، وهو خالد بن سنان. قال القشيرى: ومثل هذا لا يعلم إلا بخبر صادق. وقال قتادة: كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام ستمائة سنة، وقاله مقاتل والضحاك ووهب بن منبه، إلا أن وهبا زاد عشرين سنة، وعن الضحاك أيضا أربعمائة وبضع وثلاثون سنة. وذكر ابن سعد عن عكرمة قال: بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام، قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمرو بن واقد الأسلمى عن غير واحد قالوا: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين إبراهيم وموسى ابن عمران عشرة قرون، والقرن مائة سنة، فهذا ما بين آدم ومحمد عليهما السلام من القرون والسنين "تفسير القرطبى ج 6 ص 121" وهى كلها أخبار لا يسندها دليل معتبر (8/133) ________________________________________ داود عليه السلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فيما نراه فى بعض الكتب أن سيدنا داود عليه السلام أحب امرأة متزوجة فانتزعها من زوجها وتزوجها؟
الجواب إن القرآن تحدث عن سيدنا داود عليه السلام بما يتناسب مع مقام النبوة واصفا له بأنه أواب رجاع إلى الله، آتاه الله الملك والحكمة وفصل الخطاب، وألان له الحديد وعلمه منطق الطير، وعصمه كما عصم جميع الأنبياء مما يخل بقدره وشرفه. وليس من المعقول أن يغتصب امرأة لا تحل له، أو يفكر فى حيلة يتخلص بها من زوجها ليتزوجها هو، إن هذه الحادثة يتنزه أن يتورط فيها واحد من عامة الناس فكيف بالمصطفين الأخيار من رسل الله الذين بُعثوا للدعوة إلى القيم الأخلاقية العالية، وحاول المغرمون بالغرائب والناقلون عن أهل الكتاب دون تحوط لما ينقلون أن يَحْمِلُوا على تلك الحادثة قول الله تعالى {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب. إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط. إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزنى فى الخطاب. قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب. فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب. يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} ص: 21 - 26. إن ظاهر الآيات يدل على خصومة حقيقية بين فريقين فى غنم مشتركة بينهما، وأن داود عليه السلام وقع فى خطأ، استغفر ربه منه وخر راكعا ورجع إلى الله، كما أن أمر الله لداود بالحكم بالحق وعدم اتباع الهوى قد يفهم منه أنه ظلم فى حكمه ومال مع الهوى، فكيف يكون ذلك؟ إن الكلام فى تفسير هذه الآيات كثيرة، وادعى بعض المفسرين أن "النعجة "هى المرأة، وأن القصة درس لداود الذى طمع فى زوجة القائد "أوريا" ولم يقنع بما عنده من النساء. وهو كلام يتنافى مع مقام الأنبياء. ومن أحسن ما قيل فى ذلك أن الخصومة حقيقية فى شركة أغنام، وأن المتخاصمين أرادا التحاكم إلى داود على عَجل حتى يحسم النزاع غير أن داود كان إذ ذاك فى خلوته الخاصة، يعبد ربه كنظام وضعه لنفسه فى توزيع أعماله بين الله والناس، ولم يجد الخصمان وسيلة للوصول إليه إلا تسور المحراب الذى يتعبد فيه، فظن داود أن مجيئهم فى هذا الوقت وبهذه الصورة يراد به شر، فطمأناه وطرحا أمامه الموضوع، وبدأ أحد الخصمين بتوجيه الاتهام إلى الطرف الآخر، فنطق داود بالحكم بإدانة صاحب الغنم الكثيرة قبل أن يدلى بحجته، وهنا أحس داود أنه كان على غير صواب فى ظنه أن هؤلاء يريدون به شرا، وأن الله امتحنه بالخوف منهم، فاستغفره مما حدَّث به نفسه، ومَنَّ الله عليه بقبول استغفاره، وأنزله عنده منزلا كريما. ثم نبهه إلى أن مما يساعد على إصابة الحق والعدل فى الحكم، التأنى، حتى تسمع حجة الطرفين معا، وعدم التأثر بمظاهر الناس، والبعد بالعواطف عن التدخل فى الحكم، فقد يكون المدعى مخطئا وظاهره يوحى بالصدق، كإخوة يوسف الذين رموه فى الجب وجاءوا أباهم عشاء يبكون مدعين أن الذئب أكله. إن الذى وقع من داود عليه السلام هو ظنه أن الخصمين أرادا به سوءا، فندم على هذا الظن واستغفر ربه، وهو ظن له ما يبرره، والأنبياء - وإن كان ما وقع منه لا يؤاخذ عليه - مقامهم يضعهم دائما فى موضع حساس، لا يحبون أن يؤخذ عليهم ما هو فى صورة ما يؤاخذ عليه. ونطقه بالحكم قبل سماع المدعى عليه ربما كان لأنه سكت ولم يتكلم، فكان سكوته إقرارا بما نسب إليه، وتوجيه الله له باتباع الحق وعدم الميل مع الهوى-على الرغم من صواب حكمه - لا يدل على ظلمه أو ميله مع العواطف، فقد يكون توجيها بالاستمرار على اتباع الحق كما قال سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين} الأحزاب: 1، فلم يكن منه عصيان حتى يؤمر بالتقوى. وبعد، فإن مما نتأسى به فى قصة داود عليه السلام الرجوع إلى الله فى كل الأحوال، والصبر على ما يقوله أهل الباطل، وعدم الأنفة من مزاولة أى عمل لكسب عيش شريف، وأن الصوت الحسن نعمة من نعم الله، تلين به القلوب وترتاح إليه الأعصاب، فليكن ترويحنا عن النفس بما شرع الله، وبما يعطيها نقاء وصفاء واستقامة، بعيدا عما يغضب الله (8/134) ________________________________________ يونس عليه السلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال جاء فى الآيات التى تتحدث عن سيدنا يونس عليه السلام، أنه غضب وظن أن الله لا يقدر عليه، فكيف يتناسب ذلك مع مقام الأنبياء؟
الجواب سيدنا يونس عليه السلام هو يونس بن مَتَّى من الأنبياء الذين ورد ذكرهم فى القرآن الكريم باسمه وبوصفه بذى النون وبصاحب الحوت، والنون هو الحوت، وكان رسولا إلى أهل "نينوى" بالعراق، وكرمه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله كما فى الصحيحين "ما ينبغى لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى". ويستفاد من الآيات التى تحدثت عنه أنه دعا قومه وخوَّفهم من عقاب الله إن لم يؤمنوا، ثم تركهم غاضبا من موقفهم منه، وتوجه إلى مكان اخر، فركب سفينة كانت مشحونة كادت تغرق بحملها، وعند الاقتراع على من يتخلصون منه فداء للباقين وقع السهم على يونس، وانتهى الأمر إلى إلقائه فى البحر، فالتقمه حوت ومكث فى بطنه مدة لا يعرف قدرها بالضبط، وسبح ربه داعيا، فنجاه الله وطرحه الحوت على الشاطئ مُتعَبًا، فأنبت له شجرة من يقطين، وهو القرع، أوكل زرع ليس له ساق، وبعد ذلك أرسله إلى قوم عددهم مائة ألف أو يزيدون، يقال: إنهم هم الأولون الذين غضب منهم، ويقال إنهم غيرهم، ومتعهم الله إلى حين آجالهم. والذى يلفت النظر فى قصة يونس، مما يمس عصمة الأنبياء، قوله تعالى {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه} الأنبياء: 87، فمن الذى غاضبه يونس؟ وكيف يظن أن الله لن يقدر عليه؟ كما أن قوله تعالى منه {فالتقمه الحوت وهو مليم} الصافات: 142، يدل على ارتكابه ما يلام عليه، وقول يونس فى دعائه {سبحانك إنى كنت من الظالمين} الأنبياء: 87، يدل على أنه ارتكب شيئا منهيًا عنه، وتحذير الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت} القلم: 48، يدل على أن فى يونس أمرا غير مرضى عنه، فكيف ذلك؟ والجواب: أن يونس لما رأى معارضة قومه تركهم مغاضِبًا لهم لا مغاضبا لله، وليست مغاضبة لهم لأمر شخصى، بل خالصة لله. وليس فى ذلك عيب يؤاخذ عليه. وقد يقال: إذا لم يكن فى المغاضبة بهذه الصورة ما يؤاخذ عليه فكيف يمتحنه الله هذا الامتحان الخطير بابتلاع الحوت له؟ والجواب أن الامتحان كان لتعجله بمفارقتهم وعدم انتظار أمر من الله، وكان الأولى أن ينتظر، وإن كان له العذر فى أنه اجتهد وأداه اجتهاده إلى ذلك، لكن عتاب الله لأوليائه المقربين قد يكون على ما يتسامح فيه مع الأشخاص العاديين. ومما يدل على أن العتاب كان للتعجل بالهجرة- أمْرُ الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله قومه ونهيه أن يكون كيونس فى عدم الصبر. على أن بعض العلماء رأى أن هذه المغاضبة كانت قبل أن يرسله الله، فتركهم إلى جهة أخرى، وكان الأجدر به كمصلح أن يبقى معهم. ويشفع لرأيهم قول ابن عباس رضى الله عنهما: إن رسالة يونس كانت بعد نجاته من البحر. أما ظن يونس أن الله لن يقدر عليه فليس فيه نسبة العجز إلى الله، ولكن القَدْرَ- بسكون الدال - هنا يعنى التضييق، كقوله تعالى {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} الطلاق: 7، وقوله {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} الرعد: 26، فيونس ظن، والظن قد يراد به اليقين كما جاء فى آيات كثيرة، ظن أن الله لن يضيق عليه واسعا، وسيبدله قوما غير قومه، وليس فى ذلك ما يعاب عليه. هذا، وشهادة الله ليونس بقوله {فاجتباه ربه فجعله من الصالحين} القلم: 150 تنبهنا إلى عدم اتهامه بما يتنافى مع هذه الشهادة العظيمة. وفى قصة يونس عليه السلام عبر، منها أن المتصدى للإصلاح يلزمه الصبر والتحمل وسعة الصدر بالأمل، وأن المؤمن إذا صدق فى عبادته ودعائه استجاب الله له ونجاه من أخطر المهالك. وأن لله مع أوليائه تصرفات لا تخضع لقانون الأسباب والمسببات كالمعجزات والكرامات، وأن بعض التسبيح والدعاء خير وأقوى من البعض الآخر، ومنه دعاء يونس فى بطن الحوت {لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين. فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين} الأنبياء: 87، 88، ولذلك قال بعض العلماء استنادا إلى مأثورات نبوية: إن اسم الله الأعظم الذى إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعى به أجاب هو دعاء يونس عليه السلام. وهو ليس خاصا به، بل هو عام لكل مسلم كما قال سبحانه عقبة {وكذلك ننجى المؤمنين} (8/135) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:48 am | |
| إخوة يوسف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هم إخوة يوسف، وهل هم أنبياء، وكيف يجوز منهم أن يدبروا المكيدة لأخيهم ويكذبوا على أبيهم؟
الجواب جاء فى تفسير القرطبى"ج 9 ص 130" أن إخوة يوسف هم: 1 - روبيل وهو أكبرهم. 2 - شمعون. 3 - لاوى. 4 - يهوذا. 5 -زيالون. 6 -يشجر. وأمهم ليَا بنت ليان، وهى بنت خال يعقوب، وولد له من سريتين أربعة نفر هم: 1 - دان. 2 -نفتالى. 3- جاد. 4 - آشر. ثم توفيت ليَا فتزوج يعقوب أختها راحيل، فولدت له يوسف وبنيامين. فكان بنو يعقوب اثنى عشر رجلا. ثم ذكر القرطبى فى ص 133: أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء، لا أولا ولا آخرا، لأن الأنبياء لا يدبرون فى قتل مسلم، بل كانوا مسلمين فارتكبوا معصية ثم تابوا. وقيل: ما كانوا فى ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم الله، وهذا أشبه. هذا، وفى مقال للدكتور كارم السيد غنيم بمجلة الهداية - رمضان 1409 هـ -أن يعقوب تزوج من بنتى خاله "ليا، راحيل " ومنهما ومن أمتيهما أنجب اثنى عشر ولدا ذكرا هم الأسباط، وأسماؤهم: راوبين، شمعون، لاوى، يهوذا، بساكر، زبولون " أمهم ليا " يوسف، بنيامين "أمهما راحيل " جاد، أشير "أمهما زلفة جارية ليا" وداود، نفتالى، "أمهما بلهة جارية راحيل " وولدوا جميعا بالعراق إلا بنيامين ولد فى كنعان، نزل يعقوب وأولاده مصر بدعوة يوسف، وأقاموا بمنطقة "جاسان، أو جاشان " لوجود المراعى بها، أو لإبعادهم عن قوم فرعون الوثنيين. ولما هاجم الهكسوس مصر ومكثوا بها أربعة قرون "من الأسرة 14 - 18" طردهم قائد مصرى من الأسرة الثامنة عشرة هو"أحمس ". ثم جاء ملك تنكر ليوسف وارتاع من تكاثر بنى إسرائيل فى أرضه فأمر بقتل كل ذكر يولد منهم، ثم كان موسى وتربيته بقصر فرعون ثم بعثه الله لابن هذا الفرعون، وانتهى الأمر إلى خروجهم إلى "سينا" ثم دخول الشام (8/136) ________________________________________ آدم وحواء لم يشركا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول الله سبحانه {هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا. فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين. فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} الأعراف: 189 - 190، كيف يشرك آدم وحواء بسبب الذرية؟
الجواب التفسير المناسب لنفى الشرك عن آدم وحواء هو أنه لما تغشاها شعرت بالحمل أول الأمر خفيفا، فاستمرت فى حياتها العادية لا تعانى تعبا، حتى إذا ثقل الحمل دعوا الله أن يشكراه إن ولد لهما نسل صالح، فرزقهما الله ولدين صنفين، ذكرا وأنثى، وباستمرار عملية الإنجاب وتكاثر الذرية وتعاقب الأجيال وتباعد العهد بالرسالات نسى بعض الصنفين فضل ربهما فى الخلق والإنعام، فجعلا له شركاء فيما آتاهما، وعبداها من دون الله، أو لتقربهما إليه زلفى كما فعل كفار مكة عند ظهور الإسلام، وهم المقصودون بهذه الآيات كما قاله أكثر العلماء. وبهذا التفسير الذى يتفق مع أسلوب اللغة العربية التى نزل بها القرآن، من عود الضمائر أحيانا على اللفظ، وأخرى على المعنى، يستقيم معنى الآية ويتلاءم مع ما يجب للأنبياء من عصمة. ذكر السيوطى فى الإتقان "ج 1 ص 90" أن الآية فى آدم وحواء كما جاء مصرحا به فى حديث أخرجه أحمد والترمذى وحسنه، والحاكم وصححه. وقال: كيف نسب الإشراك إليهما وآدم نبى والأنبياء معصومون منه قبل النبوة وبعدها إجماعا؟ وقد جر ذلك إلى أن بعض العلماء حمل الآية على غير آدم وحواء، وتعدى ذلك إلى تعليل الحديث والحكم بنكارته، وذكر أن آخر الآية كان فى العرب وشركهم، حيث عاد الضمير فى أولها على الاثنين، وفى آخرها على الجمع {فتعالى الله عما يشركون} ولابد من حمل التعبيرات المتشابهة على ما لا يطعن فى عصمة الأنبياء (8/137) ________________________________________ شك إبراهيم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال جاء على لسان إبراهيم عليه السلام أنه قال لرب العزة {رب أرنى كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى} البقرة:260 فلماذا سأل إبراهيم هذا السؤال، هل كان شاكا فى قدرة الله، وما هى الصلة بين الإيمان والاطمئنان؟
الجواب قال المفسرون: إن هذا القول لم يصدر عن إبراهيم عليه السلام عن شك فى قدرة الله على إحياء الموتى، وإنما طلب المعاينة، فليس الخبر كالعيان. وقال الأخفش: لم يرد رؤية القلب، وإنما أراد رؤية العين. وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير: سأل ليزداد يقينا إلى يقينه. كل ذلك لاعتقادنا فى عصمة الأنبياء عن كل ما يؤثر على الطاعة لله والإيمان الصادق به. لكن جاء فى حديث البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "نحن أحق بالشك من إبراهيم ... " وأجيب عنه بأن معناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به، ونحن لا نشك فإبراهيم أجدر ألا يشك، لأنه مؤمن بإحياء الله للموتى {ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك اذ قال إبراهيم ربى الذى يحيى ويميت} البقرة: 258. فهو مؤمن بذلك ويطلب رؤية الكيفية ليزداد يقينا، أى يريد الترقى من علم اليقين إلى حق اليقين كما يعبر بعض العلماء (8/138) ________________________________________ البرهان لسيدنا يوسف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما المقصود بالبرهان فى قوله تعالى عن سيدنا يوسف {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} يوسف: 24؟
الجواب قبل الإجابة لابد أن نعلم أن يوسف لم يهم بها بفاحشة، لأنها عرضت نفسها عليه بالمراودة مع تهيئة لكل الأسباب لنيل غرضها وإغرائه وعمل كل ما يطمئنه على عدم مؤاخذته. فقال "معاذ الله " والهم السيىء بها لم يحصل لأنه رأى برهان ربه، وفى هذا البرهان كلام كثير لا يستند إلى دليل صحيح، والأقرب إلى الفهم أن الله ألهمه أنه لو هم بها ضربا لمنع نفسه منها حيث جذبته بقوه لتنال غرضها بعد أن فشلت المحاولة السلمية لأدى ذلك إلى ارتكاب جناية عاقبتها الدنيوية سيئة. فالبرهان إلهام من الله لإدراك العاقبة. ويقرب من هذا المعنى ما روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أن "زليخا" قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت فى زاوية البيت فسترته بثوب فقال: ما تصنعين؟ قالت: أستحى من إلهى هذا أن يرانى فى هذه الصورة، فقال يوسف: أنا أولى أن أستحى من الله. يقول القرطبى: وهذا أحسن ما قيل فيه، لأن فيه إقامة الدليل، ثم ذكر القرطبى آراء أخرى فى البرهان، فقيل: رأى فى سقف البيت مكتوبا "ولا تقربوا الزنى" وقيل: ظهرت كف مكتوب عليها "وإنَّ عليكم لحافظين " وقيل: تذكرعهد الله وميثاقه، وقيل: رأى صورة يعقوب على الجدران عاضًّا على إصبعه يتوعده، فسكن وخرجت شهوته من أنامله، وقيل غير ذلك (8/139) ________________________________________ نوح وابنه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى قصة نوح عليه السلام قول الله له {إنى أعظك أن تكون من الجاهلين} هود: 6، نريد توضيحا لذلك؟
الجواب معروف أن نوحا عليه السلام دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ومع ذلك لم يؤمن معه إلا قليل، وكان ممن كفروا به وزوجته وابن من أبنائه، وبعد صنع السفينة وحمل من آمن فيها وحصول الطوفان وبعد أن نهى الله نوحا أن يتشفع للكافرين مهما كانت صلة القرابة به {ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا أنهم مغرقون} هود: 37، حدث أن رأى نوح ولده يغرق وظن أنه من المؤمنين حيث لم يصرح له بالكفر، فدعاه إلى الركوب فى السفينة {ونادى نوح ابنه وكان فى معزل يابنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} هود: 42 فقد قال {ولا تكن مع للكافرين} ولم يقل من الكافرين. لأنه لو علم بكفره ما ناداه للركوب. وكان رد ولده غير صريح فى إعلان الكفر، بل فيه اعتماد على نفسه وقوته وحيلته التى يمكن أن ينجو بها من الغرق {سآوى إلى جبل يعصمني من الماء} فرد عليه أبوه {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} وكانت النتيجة أن حال بينهما الموج فكان من المغرقين. ولعدم علم نوح يقينا بكفر ولده سأل ربه مستوضحا لماذا أُغرق فقال {رب إن ابنى من أهلى وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} هود: 45، فرد الله عليه بأنه ليس من أهله المؤمنين فى الحقيقة وإن كان يبدو له أنه مؤمن {قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين} والمعنى أن القرابة المنجية من العذاب هى قرابة الإيمان لا قرابة النسب، وكان عليك أن تتحرى حال ولدك وهو يعيش معك أو قريبا منك لتتأكد من إيمانه، فإن مقامك غير مقام عامة الناس، وليس قوله له {إنى أعظك أن تكون من الجاهلين} وصفا له بأنه جاهل، بل تحذير له أن يكون فى المستقبل جاهلا، كما قال الله لسيدنا محمد {فلا تكونن من الجاهلين} الأنعام: 25، وقوله {وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين} القصص: 187، فلم يكن النبى جاهلا ولا مشركا حين خاطبه الله بذلك، وعلى هذه الصورة كان نوح عليه السلام بريئا مما يخالف عصمة الأنبياء (8/140) ________________________________________ اسم حواء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من الذى سمى حواء بهذا الاسم؟
الجواب جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 301" أن آدم عليه السلام هو أول من سمى حواء بهذا الاسم حين خلقت من ضلعه من غير أن يحس آدم عليه السلام بذلك، ولو تألم بذلك لم يعطف رجل على امرأته، فلما انتبه قيل له: من هذه؟ قال امرأة، قيل: وما اسمها؟ قال حواء، قيل ولم سميت امرأة؟ قال: لأنها من المرء أخذت، قال: ولم سميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من حى. ثم يستطرد القرطبى ويقول: روى أن الملائكة سألته عن ذلك لتجرب علمه، وأنهم قالوا له: أتحبها يا آدم؟ قال: نعم: قالوا لحواء: أتحبينه يا حواء؟ قالت: لا، وفى قلّبها أضعاف ما فى قلبه من حبه، قالوا: فلو صدقت امرأة فى حبها لزوجها لصدقت حواء. وهذا كله لا دليل عليه، يحتمل أن يكون وألا يكون، ولا طائل تحت الجدال فيه (8/141) ________________________________________ يوسف وإخوته والكواكب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هم أخوة يوسف الذين سجدوا له وما هى الكواكب التى رآها وكيف كان السجود ليوسف؟
الجواب يقول الله سبحانه {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين} يوسف: 4 ويقول: {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا} يوسف: 100. فى هاتين الآيتين ثلاث نقاط: الأولى أسماء الكواكب وكيف سجدت والثانية. عدد إخوه يوسف وأسماؤهم، والثالثة كيف يسجدون لمخلوق والسجود لا يكون إلا لله؟ . 1- أما أسماء الكواكب فلا يعنينا معرفتها، لأن المقصود هو العبرة والموعظة ومع ذلك قال القرطبى فى تفسيره، إن أسماءها جاء ذكرها مسندا، رواه الحارث بن أبى أمامة قال: جاء بستانة -وهو رجل من أهل الكتاب- فسأل النبى عنها فقال "الحرثان والطارق والذيال وقابس والمصبح والصروح وذو الكنفات وذو القرع والغليق ووثاب والعمودان" والله أعلم بصحة هذا الحديث، كما أن بعض الأسماء مختلف فى نطقها، ولا يهمنا كل ذلك كما أن كيفية سجودها غير معلومة بطريق صحيح، ويكفى أن يكون بأدنى قرب منه. 2- أما إخوة يوسف فأحد عشر، وهم: روبيل وشمعون ولاوى ويهوذا وزبالون ويشجر ودان ونفتالى وجاد وآشر وبنيامين، والنطق مختلف عما فى التوراة وفى كتب أخرى وذلك أيضا غير مهم. 3- أما سجود إخوته له فكان سجود تحية وليس سجود عبادة بالاتفاق عند جميع العلماء، كما سجد الملائكة لآدم، وكان ذلك من عرفهم والأعراف مختلفة، وما زال الانحناء والانبطاح على الأرض إلى حد تقرب فيه الجبهة من الأرض تحية فى بعض الشعوب إلى اليوم ومنها شعوب إسلامية، والإسلام لا يوافق على التحية بالسجود، وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم من أراد أن يسجد له كما يفعل مع الملوك، وذكر القرطبى حديثا خرَّجه أبو عمر فى التمهيد عن أنس قال: قلنا: يا رسول الله أينحنى بعضنا إلى بعض إذا التقينا؟ قال "لا" قلنا: أفيعتنق بعضنا بعضًا؟ قال "لا " قلنا: أيصافح بعضنا بعضا؟ قال "نعم " (8/142) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:49 am | |
| فضل مريم وبنى إسرائيل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ذكر فى القرآن أن الله فضل مريم على نساء العالمين، وفضل بنى إسرائيل كذلك على العالمين. فأين بنات النبى وزوجاته، وأين الأمة الإسلامية؟
الجواب قال الله تعالى {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} آل عمران: 42 وقال {يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين} البقرة: 47 1- قال القرطبى فى تفسيره "ج 4 ص 83" فى اصطفاء مريم: إن الاصطفاء هو على عالمى زمانها، كما قاله الحسن وابن جريج وقيل: إن الاصطفاء هو على نساء العالمين أجمع إلى يوم الصور، وهو قول الزجاج، وهو الصحيح، وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " ومعنى الكمال التناهى والتمام، والكمال المطلق لله خاصة، وأكمل نوع الإنسان الأنبياء ثم يليهم الأولياء من الصديقين والشهداء والصالحين، وإذا تقرر هذا فقد قيل: إن الكمال المذكور فى الحديث يعنى به النبوة، فيلزم أن تكون مريم وآسية نبيتين، وقد قيل بذلك، والصحيح أن مريم نبية، لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين. ولم يرد ما يدل على نبوة آسية دلالة واضحة. ثم ذكر القرطبى أحاديث صحيحة منها "خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد" ومنها "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون" ومنها "سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة وخديجة" وأقول الخيرية أو الأفضلية بالنسبة إلى نساء العالمين تلتقى مع ذلك بالنسبة إلى نساء أهل الجنة، وعطف الأسماء بالواو لمطلق الجمع لا يقتضى ترتيبا كما تفيده الفاء أو ثم، لكن القرطبى رتبهن وجعل أفضلهن مريم للتعبير فى الرواية الأخيرة بلفظ "بعد مريم " والباقى منهن ليس فيه ما ينص على الترتيب بينهن لكنه رتبهن فقال ما نصه: فظاهر القرآن والأحاديث يقتضى أن مريم أفضل من جميع نساء العالم، من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، فإن الملائكة قد بلغتها الوحى عن الله عز وجل بالتكليف والإخبار والبشارة كما بلغت سائر الأنبياء، فهى إذًا نبية، والنبى أفضل من الولى، فهى أفضل كل النساء الأولين والآخرين مطلقا، ثم بعدها فى الفضيلة فاطمة ثم خديجة ثم آسية، وكذلك رواه موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة، ثم آسية" وهذا حديث حسن يرفع الإشكال. وقد خص الله مريم بما لم يؤته أحدا من النساء، وذلك أن روح القدس كلمها وظهر لها ونفخ فى درعها ودنا منها للنفخة فليس هذا لأحد من النساء، وصدَّقت بكلمات ربها ولم تسأل آية عندما بُشرت كما سأل زكريا صلى الله عليه وسلم عن الآية، ولذلك سماها الله فى تنزيله صديقة فقال {وأمه صديقة} المائدة:75 وقال {وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} التحريم: 12 إلى أن قال: ومن لامرأة فى جميع نساء العالمين من بنات آدم ما لها من هذه المناقب، ولذلك روى أنها سبقت السابقين مع الرسل إلى الجنة، جاء فى الخبر عنه صلى الله عليه وسلم "لو أقسمت لبررت، لا يدخل الجنة قبل سابقى أمتى إلا بضعة عشر رجلا، منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى ومريم ابنة عمران ". ثم ذكر أن من قال من العلماء بأنها لم تكن نبية قال: إن رؤيتها للملك كما رؤى جبريل عليه السلام فى صفة دحية الكلبى حين سؤاله عن الإسلام والإيمان، ولم تكن الصحابة بذلك أنبياء والأول أظهر، وعليه الأكثر. هذا ما ذكره القرطبى وأقول: إن كان لبعض الرجال أو النساء فضل، فذلك فضل من الله، ولا ينالنا منه إلا الحث على السير على منهجهم، ولا داعى للبحث فيمن هو أفضل من غيره، فلا يفيدنا ذلك -كما يقول العلماء- إلا فى الأيمان والتعاليق، كمن يحلف أن فلانا أفضل من فلان، أو إن كان فلان أفضل من فلان فعلت كذا. 2- وأما تفضيل بنى إسرائيل على العالمين فقد قال فيه القرطبى "ج 3 ص 376": يريد على عالمى زمانهم، وأهل كل زمان عالم، وقيل: على كل العالمين: بما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم. انتهى. وفى تفسير ابن كثير للآية رقم 47 من سورة البقرة أن الأمة الإسلامية أفضل من أمة بنى إسرائيل لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم} وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله " والأحاديث في هذا كثيرة. وأوردها عند تفسير الآية "كنتم خير أمة أخرجت للناس " وقال: إن الحديث المذكور رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وهو حديث مشهور حسنه الترمذي. وقوله: بما جعل فيهم من الأنبياء يشير إليه قوله تعالى {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين} المائدة: 25 وقوله {ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} الجاثية: 16 فقوله {ولقد اخترناهم على علم على العالمين} الدخان: 32. وإذا كان الله فضلهم على السابقين وأنعم عليهم بهذه النعم فإنهم لم يشكروها، حيث تمردوا على موسى وعبدوا العجل والطاغوت وقتلوا الأنبياء بغير حق، وعصوا الأنبياء الذين أرسلوا إليهم واعتدوا عليهم وعلى غيرهم، فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة أينما وجدوا، وبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، ومسخ بعضهم قردة وخنازير، وفى كل ذلك جاءت آيات القرآن الكريم، وقال تعالى فيهم {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} الإسراء: 7 وقال {وإن عدتم عدنا} الإسراء: 8 ذلك قانون الله الذى يرتب الجزاء على العمل، يبطل زعم القائلين بأنهم أبناء الله وأحباؤه، فهم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} فصلت: 46. وذلك القانون سار علي جميع خلقه من يوم أن خلق آدم إلى يوم الساعة يطبق على كل الأنبياء والرسل، وعلى كل أمة من الأمم، بما فيهم أفضلهم وهو سيدنا محمد، وأفضل الأمم وهى أمته التى جعلها الله خير أمة أخرجت للناس {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات: 13 {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} طه: 123-124 (8/143) ________________________________________
عيسى يسلم على نفسه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا ألقى عيسى عليه السلام السلام على نفسه، حين قال {والسلام على يوم ولدت} ؟
الجواب قال الله تعالى فى شأن يحيى عليه السلام حين بشر به أباه زكريا عليه السلام {وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} مريم:15 وقال على لسان عيسى عليه السلام حين خاطب عيسى قومه {والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} مريم: 33. إن كلا من النبيين العظيمين عليهم سلام وأمان من الله، أو تحية ألقاها الله على كل منهما، لكن السلام على يحيى كان فى مقام بشارة الله لأبيه به، مقدَّما قبل أن يولد، فهو سبحانه يحكى لزكريا صفات يحيى التى يكون عليها، والنعم التى أنعم بها عليه وقدَّرها قبل أن يولد، أو فى مقام إخبار الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقصة زكريا ويحيى كما جاء فى صدر سورة مريم {ذكر رحمة ربك عبده زكريا. إذ نادى ربه نداء خفيا} ومقام الإخبار يناسبه قول الله عن يحيى {وسلام عليه} ويحيى لم يتكلم بذلك حتى يقول: والسلام علىَّ. أما سيدنا عيسى فكان يتحدث عن نفسه، مبينا لقومه ما منَّ الله به عليه حيث قال {إني عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا} والسلام علىَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} مريم: 30-33. هذا أحسن ما قال فى هذا الموضوع، وأما ما يروى أن عيسى عليه السلام قال ليحيى عليه السلام: أنت خير منى، لأن الله سلم عليك. فليس له سند يعتمد عليه، فكلاهما قد سلم الله عليه، وكما قال بعض المفسرين: إن السلام المعرف بأل الذى قاله سيدنا عيسى عليه السلام هو السلام المنكر، أى الخالى من "أل" الذى كان من الله على يحيى، وذلك على حد قولهم: إن المنكر إذا كرر معرَّفا كان هو هو، فَأَلْ للعهد. إن الموضوع يتصل باللفظ أكثر مما يتصل بالمعنى، فإن كلا من يحيى وعيسى قد حياه الله وأمنه وباركه، ونرجو أن نحظى بذلك إذا اتبعنا ما جاء به الله {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} الأنعام: 82 (8/144) ________________________________________ إلياس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هو إلياس المذكور فى القرآن الكريم؟
الجواب قال تعالى {وإن إلياس لمن المرسلين} الصافات: 123 وجاء ذكره أيضا فى الآية الخامسة والثمانين من سورة الأنعام، وذكر اسم "اليسع " فى الآية التى تليها. فقال بعض العلماء: إنهما اسمان لنبى واحد، لكن الحق أنهما نبيان، لأن الله أفرد كل واحد بالذكر، والخلاف فى "إلياس "كبير، فقيل: إنه إدريس وهو خطأ، وقيل: إنه الخَضِر، وقيل غير ذلك، وكان قبل زكريا ويحيى وعيسى قَيِّمًا على بنى إسرائيل بعد موت "حزقيل " (8/145) ________________________________________ سجود مريم وركوعها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا قدَّم الله السجود على الركوع فى قوله تعالى {يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين} آل عمران: 43؟
الجواب قال القرطبى: قدم السجود هاهنا على الركوع لأن الواو لا توجب الترتيب فإذا قلت: قام زيد وعمرو جاز أن يكون عمرو قام قبل زيد، فعلى هذا يكون المعنى واركعى واسجدى. وقيل كان شرعهم السجود قبل الركوع أنتهى. هذا بعض ما قيل وفيه كفاية (8/146) ________________________________________ فتنة سليمان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى قوله تعالى: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب} ص: 34 وما نوع الجسد المذكور، وما سبب فتنة سليمان به؟
الجواب الكلام فى هذا الموضوع كثير، ومكانه كتب التفسير، ومن أحسن ما قيل ما رواه البخارى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله، فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله،فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، وايم الذى نفسى بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا أجمعون ". والمعنى أن الله سبحانه امتحن سليمان عليه السلام وابتلاه، لأنه لم يقل إن شاء الله، وكانت نيته طيبة فى طلب أولاد مجاهدين، وظن أن الله معطيه كل شىء بدون حدود، فأراد سبحانه أن يظهر له أن كل شىء بقدر، وأن الأمل له حدود، فلم تنجب واحدة من نسائه بهذا اللقاء إلا واحدة أتت بجسد هو نصف إنسان، فرجع سليمان إلى ربه وتاب، هذا بعض ما قيل والتأويلات كثيرة، ولا حاجة إلى التعليق على عمل سليمان فى قدرته كإنسان عادى أن يلقح تسعين امرأة فى ليلة واحدة، يجتمع مع كل واحدة حوالى خمس دقائق، وهل كان الجهاز مستعدا بكمية كافية لتلقيح كل واحدة في هذه الدقائق القليلة؟ إن سليمان عليه السلام من واقع ما أعطاه الله من مسخرات القوى اعتقد أن التسخير بدون حدود، وفى غمرة هذا الاعتقاد وهذا التكريم الواسع أراد الله سبحانه أن ينبهه إلى سيطرة إرادة الله على كل شىء فليس سليمان أقوى ولا أكرم من الملائكة الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. هذه خاطرة خطرت لى مع اعتقادى بأن الله على كل شىء قدير، وما المعجزات ولا الكرامات إلا مظهر من مظاهر هذه القدرة التى تغير ما يراد تغييره من النواميس التى وضعها هو سبحانه لتدبير ملكه حسب إرادته، فهو مالك الأمر كله وهو الحكيم الخبير (8/147) ________________________________________ رسل الجن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك رسل أُرسلت إلى الجن وديانات كلفت بها؟
الجواب الجن مكلَّفون كالإنس، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات: 56 والتكليف لا يتم إلا برسالة لئلا يكون للناس على الله حجة، قال تعالى {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا} الأنعا م: 130. ومما يؤكد إرسال رسل إلى الجن قوله تعالى {قل أوحى إلىَّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا. يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} الجن: 1، 2 وقوله {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين} الأحقاف: 29. فالرسل إلى الجن هم من الإنس، ولم يثبت أن الله أوحى بشرع إلى جنَى ليبلغه إلى الجن، بل كانوا يسمعون من الرسول البشر، وهم بدورهم يبلغون ما سمعوه إلى قومهم كما تدل عليه هذه الآية، والمهم أنهم مكلفون، سواء أكان الرسول بشرا أم جنيًّا (8/148) ________________________________________ بين النبى وآدم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "فُضلت على آدم بخصلتين، كانت زوجته عونا له على المعصية وأزواجى أعوان لى على الطاعة، وكان شيطانه كافرا وشيطانى مسلم لا يأمر إلا بالخير"؟
الجواب هذا الحديث رواه الديلمى وابن الجوزى فى الواهيات عن ابن عمر، كما فى الجامع الكبير للسيوطى، فهو حديث ضعيف جدا. وليس هناك نص قاطع فى الثبوت والدلالة على أن حواء هى التى أغرت آدم بالمعصية وصحيح أن شيطان آدم كفر وهو إبليس، وشيطان الرسول وهو القرين أسلم كما ثبت فى حديث رواه مسلم "ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن" قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال "وإياى إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم فلا يأمرنى إلا بخير" (8/149) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:50 am | |
| آدم والأسماء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الأسماء التى علَّمها الله لآدم عليه السلام؟
الجواب قال تعالى: {وعلَّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} البقرة: 31. الأسماء التى علَّمها الله لآدم ليس فيها نص صحيح، وكل ما ورد فهو أقوال اجتهادية ومن أقرب الأقوال فى كيفية التعليم أن الله أعطى آدم القدرة على تسمية أى شىء يعرض عليه، عن طريق العقل والاستنباط والملائكة لا يمكنها أن تستقل بذلك، فما علمته من الله علمته، وما لا فلا {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} البقرة: 32. جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 282" قوله: اختلف أهل التأويل فى معنى الأسماء التى علمها لآدم عليه السلام فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير: علمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها. وروى عاصم بن كليب عن سعد مولى الحسن بن على قال: كنت جالسا عند ابن عباس فذكروا اسم الآنية واسم السوط، قال ابن عباس "وعلَّم آدم الأسماء كلها" قلت -أى القرطبى-: وقد روى هذا المعنى مرفوعا على ما يأتى وهو الذى يقتضيه لفظ "كلها" وذكر حديث البخارى فى الشفاعة العظمى وأن المؤمنين قالوا لآدم: وعلمك أسماء كل شىء. قال ابن عباس: علمه أسماء كل شىء حتى الجفنة والمحذب، وقال الطبرى: علَّمه أسماء الملائكة وذريته، واختار هذا ورجحه بقوله: {ثم عرضهم على الملائكة} وذكر القرطبى أقوالا أخرى، واختار أنه علَّمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها. من هذا نرى أن الأسماء ليس فى المراد منها نص صريح صحيح، والأقوال كلها اجتهادات، ولا داعى لإرهاق أنفسنا فى معرفتها، ولولا أن الأسئلة بشأنها طرحت علينا لما اهتممنا بالإجابة عليها (8/150) ________________________________________ رسالة يوسف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الرسالة التى جاء بها سيدنا يوسف عليه السلام، وكيف نفهمها من القرآن الكريم؟
الجواب كل الرسل جاءت لتؤكد الدعوة إلى توحيد الله تعالى والإيمان بالبعث بعد الموت، والبعد عن المنكرات، قال تعالى {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} الأنبياء:25 وقال {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل: 36. وسيدنا يوسف عليه السلام جاء بما جاءت به الرسل، فقد أمر صاحبى السجن بعبادة الله وحده وتنزيهه عن الشركاء، قال تعالى: {يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يوسف: 39- 40 وذلك بعد أن قال لهما {إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون. واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شىء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} يوسف: 37، 38. ذلك إلى جانب ما قرره من عزوفه عن ارتكاب الفاحشة ومن عدم خيانة من ربَّاه وكفله وأحسن إليه، ومن الإرشاد إلى التخطيط وعمل الاحتياطات للمفاجآت بتأويل الرؤيا وتخزين المحصول للطوارئ، وغير ذلك مما جاء فى الآيات فى هذه السورة، وهى كلها فروع فى التشريع بعد الدعوة إلى التوحيد لله سبحانه (8/151) ________________________________________ مريم عليها السلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل كانت السيدة مريم نبية، ولماذا لم يذكر اسم امرأة غيرها فى القرآن الكريم؟
الجواب قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم} النحل: 43 هذا الحصر فى الرجال قد يكون لإخراج النساء، فلا يكون منهن رسول، وقد يكون لإخراج الملائكة، بمعنى أن الرسل للبشر لا تكون من الملائكة وقرر الله أنه لو أرسل للبشر ملكا لجعله رجلا، قال تعالى: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون} الأنعام: 9 وقال تعالى {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىَّ} الكهف: 110 وقال {قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزَّلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} الإسراء: 90. والرسالة القائمة على التبليغ هى قيادة للخير، بالإرشاد والاتباع، وفيها جهود جبارة لنشر الدعوة ومقاومة الفساد والتغلب على العقبات، وقد يكون فيها حرب وقتال وسفر وترحال، واستعدادات الرجال تتناسب مع هذه المهمة، إلى جانب أن الرجل هو الأصل فى أن يكون خليفة فى الأرض، والمرأة خلقت منه لتساعده على تحقيق هذه الخلافة فيما تستطيعه ويتناسب مع استعداداتها. هذا فى الرسالة التى تستلزم التبليغ، أما النبوة التى تقتصر على مجرد تلقِّى الوحى من الله للعمل به دون الأمر بتبليغه فقد تكون للمرأة، كما قال بعض العلماء عن أم موسى وعن مريم عليهما السلام، والاستدلال والمناقشة لا يتسع لهما المقام. وأما عدم ذكر اسم امرأة فى القرآن إلا مريم، فذلك لأن لها شأنا خطيرا فى عقيدة هى أهم العقائد، وهى عقيدة التوحيد وتنزيه الله سبحانه عن الزوجة والولد، وبيان الوجه الحق فى طبيعة سيدنا عيسى عليه السلام، فقد قبلها الله لخدمة بيته، لأن أمها نذرت ما فى بطنها لذلك وكانت تود أن يكون ذكرا، واشتهرت بالعفة والطهارة، وهى فى محرابها تؤدى واجبها، وحملت بغير الطريق العادى حيث نفخ الله فيها الروح بوساطة جبريل عليه السلام، وكان ولدها عيسى عليه السلام، ممن ظهرت خوارق العادة على أيديهم منذ صغره، حيث تكلم فى المهد صبيًا، إلى غير ذلك من الأمور التى جعلت لعيسى ولُأمه شأنا غير عادى، ولذلك قال بعض العلماء: إن مريم من الأنبياء: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} آل عمران: 42. فلهذه الاعتبارات ذكر اسمها فى القرآن الكريم، وليس معنى هذا أن غيرها من النساء لا فضل له ولا شأن، فالكلام كثير حول أفضل النساء على الإطلاق لا مجال لذكره الآن. ومن هذا الباب ذكر اسم زيد بن حارثة فى القرآن لأهميته فى تقرير الحكمة فى مبدأ التبنى وزواج زينب بنت جحش، ولا يعنى هذا أن زيدًا أفضل من أبى بكر وعمر وغيرهما، حيث لم يذكروا بأسمائهم الصريحة فى القرآن الكريم (8/152) ________________________________________ رسالة الأنبياء إلى الجن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس إن الرسل السابقين لم يبعثوا إلا إلى الإنس فقط، وأما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فمن خصائصه أنه أرسل إلى الإنس والجن فهل هذا صحيح؟
الجواب سبق أن ذكرنا أن الجن مكلَّفون كالإِنس، ولا بد للتكليف من رسالة رسول، ومن المؤكد أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الجن كما أرسل إلى الإِنس، قال تعالى {قل أوحى إلىَّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا} الجن: 1 وقال {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين. قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم. يا قومنا أجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} الأحقاف: 29 - 31 فهل قولهم {إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ... } يدل على أن موسى كان مرسلا إلى الجن، أو لم يكن مرسلا إليهم ولكنهم عرفوا أن كتابا نزل عليه، وهل معرفتهم بموسى تدل على إيمانهم به أو عدم إيمانهم؟ . بعض العلماء يقول: كان الجن الذين لقوا النبى صلى الله عليه وسلم يهودا يعنى آمنوا بموسى. ومنهم عطاء الذى قال: كانوا يهودا فأسلموا وارتضى القرطبى فى تفسيره هذا الرأى "ج 16 ص 217" ويقول ابن عباس: إن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام، وقوله تعالى {مصدقا لما بين يديه} يراد به التوراة لا الإنجيل، فهل هؤلاء الجن كانوا مقيمين بالمنطقة التى أرسل فيها موسى فقط، ولم يدخلوا المنطقة التى أرسل فيها عيسى؟ وهل كان إيمانهم بموسى تكليفا ألزموا به أو كان اختيارا منهم دون تكليف؟ وكل ذلك مع التسليم بأن كل الجن مكلَّفون بعبادة الله ومحاسبون يوم القيامة، ومن الجائز أن يرسل إليهم رسل غير المذكورين فى القرآن وهم خمسة وعشرون، فالله يقول {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك} النساء: 164. ولعدم التأكد من رسالة موسى وعيسى وغيرهما إلى الجن قال بعض العلماء، ومنهم مقاتل بن سليمان من رجال التفسير: لم يبعث الله نبيا إلى الجن والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم " تفسير القرطبى ج 16 ص 217". وارتضى القرطبى هذا القول واستدل عليه بما رواه مسلم فى صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصارى أن للنبى صلى الله عليه وسلم قال " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى، كان كل نبى يبعث إلى قومه خاصة وبُعثت بلى كل أحمر وأسود، وأحلَّت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى، وجُعلت لى الأرض طيبة طهورا ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونُصرت بالرعب بين يدى مسيرة شهر، وأُعطيت الشفاعة" قال مجاهد: الأحمر والأسود هما الجن والإِنس، وفى رواية من حديث أبى هريرة " وبعثت إلى الخلق كافة وختم بى النبيون ". ويفرع القرطبى على ذلك مسألة يقول فيها: إن الجن كالإِنس فى الأمر والنهى والثواب والعقاب. وقال الحسن: ليس لمؤمنى الجن ثواب غير نجاتهم من النار، يدل عليه قوله تعالى {يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} وبه قال أبو حنيفة قال: ليس ثواب الجن إلا أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم: كونوا ترابا مثل البهائم، وقال آخرون: إنهم كما يعاقبون فى الإِساءة يجازون فى الإِحسان مثل الإِنس، وإليه ذهب مالك والشافعى وابن أبى ليلى، وقد قال الضحاك ابن مزاحم: الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون. قال القشيرى: والصحيح أن هذا مما لم يقطع فيه بشىء والعلم عند الله. انتهى ما قاله القرطبى. وجاء فى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 5ص 69 " أن من أدلة مالك على الثواب والعقاب قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} ثم قال {فبأى آلاء ربكما تكذبان} الرحمن: 46، 47 والخطاب للإِنس والجن، فإذا ثبت أن فيهم مؤمنين ومن شأن المؤمن أن يخاف مقام ربه ثبت المطلوب. وجاء فى الرد على أبى حنيفة فى أنهم لا يثابون بأن الثواب مسكوت عنه -أى فى الآية التى استدل بها - وأن ذلك من قول الجن فيجوز أنهم لم يطلعوا على ذلك وخفى عليهم ما أعده الله لهم من الثواب وبعد، فإن الكلام فى ثواب الجن المؤمن من أمور الغيب وقول القشيرى فيه صحيح، وليس ذلك مما يهمنا عمليا فى الدنيا، وما ذكرته إلا للسؤال عنه من جملة الأسئلة الكثيرة التى توجه إلىَّ. ومن أراد الاستزادة فعليه بكتاب "آكام المرجان" للشبلى ص 34-62 (8/153) ________________________________________ اجتهاد الأنبياء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل كان الأنبياء ملتزمين للوحى الذى يأتيهم من عند الله، أو كانت لهم اجتهادات فى بعض الأحيان لا يلتزمون فيها بالوحى؟
الجواب ذكر القرطبى فى تفسيره لقوله تعالى {وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث} الأنبياء: 78 أن العلماء اختلفوا فى جواز الاجتهاد على الأنبياء، فمنعه قوم، وجوزه المحققون، لأنه ليس فيه استحالة عقلية، فالعقل دليل شرعى، وهو يكون إذا لم يوجد نص، وفى بعض الأحيان لا يكون هناك نص فى مسألة، بل لهم الاجتهاد فى النص، وهم معرضون للخطأ فيه، إلا أن الله سبحانه لا يقرهم على خطئهم. وذكر القرطبى أن النبى صلى الله عليه وسلم سألته امرأة عن العدة، فقال لها " اعتدى حيث شئت " ثم قال لها " امكثى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " وقال له رجل: أرأيت لو قتلت صبرا محتسبا أيحجزنى عن الجنة شىء؟ فقال " لا " ثم دعاه فقال " إلا الدين، كذا أخبرنى جبريل عليه السلام " وقد قرر القرآن الكريم أن داود أخطأ فى الحكم فى قضية الغنم التى أكلت زرع الغير، وفهَّم الله الحكم الصحيح لسليمان، فذلك دليل على أن الأنبياء لا يقرون على خطئهم، فحكمهما كان باجتهاد كما رآه الجمهور، وليس حكم داود بوحى نسخه وحى نزل على سليمان. وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم استشار أبا بكر وعمر رضى الله عنهما فى شأن أسرى بدر، ثم اختار رأى أبى بكر، وأقره الله عليه وأباح له فداءهم وأحل له المال الذى أخذه فدية، قال تعالى {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا} الأنفال: 68، 69 كما ثبت أنه قبل اعتذار بعض المنافقين عن تخلفهم عن الغزوة بناء على ما أبدوه من أعذار، فنزل فى ذلك قوله تعالى {عفا الله عنك لمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} التوبة: 43. فالخلاصة أن الأنبياء لهم الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص، وفى فهم المراد من النص، ويجوز عليهم الخطأ على رأى الجمهور، إلا أنهم لا يقرون على خطئهم، وقد وقع الاجتهاد من بعضهم كداود وسليمان ومن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وصوره كثيرة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم استعمل القياس فى اجتهاده، فقد صح فى البخارى أن امرأة من جهينة قالت له: إن أمى نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال "حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا فالله أحق بالقضاء" وروى مسلم أن رجلا قدم من جيشان -باليمن - فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له "المزر" فقال له " أوَمُسكر هو "؟ قال: نعم، فقال "كل مسكر حرام ". وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد فللمسلمين فيه أُسوة حسنة، أى يجوز لهم الاجتهاد، فى حياته وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، فقد أقر سعد ابن معاذ فى بنى قريظة حيث حكم بقتل الرجال وسبى الذرارى والنساء وأخذ أموالهم وقال له " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات " كما رواه البخارى ومسلم، ولما توجه الصحابة إلى بنى قريظة قال لهم " لا يصلينَّ أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة " فوقف بعضهم عند النص احترامًا له ولم يصل العصر إلا فى بنى قريظة وقد فات الوقت. وفهم بعضهم من النص أن المراد هو الإِسراع والمبادرة فصلى العصر قبل الوصول إلى بنى قريظة حفاظا على الوقت، ولما ذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم لم يعنف واحدا منهم، رواه البخارى ومسلم، وإقراره لمعاذ حين بعثه إلى اليمن حين قال فى القضاء: أقضى بالكتاب فإن لم أجد فبالسُّنة، فإن لم أجد أجتهد رأيى ولا آلو، حيث قال له: " الحمد لله الذى وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضى الله ورسوله " رواه أبو داود والترمذى (8/154) ________________________________________ ميراث الأنبياء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يرث ابن النبى أباه فى النبوة، أو أنها هبة من الله سبحانه لمن يصطفيه؟
الجواب يقول الله تعالى عن دعاء زكريا ربه {فهب لى من لدنك وليا. يرثنى ويرث من آل يعقوب} مريم: 5، 6 ويقول: {وورث سليمان داود} النمل: 16 ويقول صلى الله عليه وسلم "إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " رواه البخارى ومسلم "الجامع الكبير للسيوطى ص 1047" ويقول " إن العلماء ورثة الأنبياء " رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان وغيرهم. تحدث القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 81" عن التوارث بين الأنبياء، وذكر أن هناك ثلاثة آراء للعلماء فى النصوص التى تثبت الوراثة، هل هى وراثة نبوة، أو وراثة حكمة، أو وراثة مال؟ وبيَّن أن وراثة النبوة مستحيلة، ولو كانت تورث لقال قائل: الناس ينتسبون إلى نوح عليه السلام وهو نبى مرسل -يعنى يمكن لأى إنسان أن يقول أنا نبى، أو معى قسط من النبوة حتى الكفار- ووراثة العلم والحكمة رأى حسن ولا مانع منه، ومثلها وراثة العلماء لعلم الأنبياء، ووراثة سليمان لداود هى من هذا القبيل، أما وراثة المال فهى غير ممنوعة، لكن كيف ذلك والحديث يمنع؟ وأجاب عن ذلك بأن وراثة زكريا ووراثة داود، لا مانع منها، وما جاء فى الحديث فهو خاص بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم، وعبَّر بصيغة الجمع ويقصد نفسه هو، فهذا التعبير سائغ، ويمكن أن يراد به أن ما تركناه على سبيل الصدقة لا يورث كالتركة. يؤخذ من هذا أن وراثة النبوة ممنوعة، فهى هبة من الله يعطيها من يصطفيه من عباده، يقول ابن عطية: داود من بنى إسرائيل وكان ملكا، وورث سليمان ملكه ومنزلته من النبوة بمعنى صار إليه ذلك بعد موت أبيه، فسمى ميراثا تجوزا، يعنى أن الله هو الذى أعطاه ذلك باصطفائه له، وليس إرثا حتميا من أبيه كما تورث الأموال. ومهما يكن من شىء فإن ذلك أمر لا يعنينا بعد أن ختمت النبوة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد من بعده -وبخاصة ممن ينتسبون إليه، أن يدعيها كميراث، وكان من حكمة الله أنه لم يجعل لنبيه ولدا يعيش من بعده حتى لا يدعى وراثة النبوة وعلينا أن نهتم بميراثه الذى تركه لنا وهو العلم، الذى نبه أحد الصحابة إليه، حيث قال لهم: أنتم هنا وميراث الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم فى المسجد، فلما ذهبوا لم يجدوا إلا حلقة العلم فعرفوا أنها المقصودة بالميراث. وهو شرف كبير أن يكون العلماء هم ورثة هذا الهدى النبوى الذى أوصى بالتمسك به كما جاء فى الحديث " تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدى أبدا، كتاب الله وسنتى " رواه الحاكم وصححه (8/155) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:51 am | |
| أين هبط آدم وأين دفن؟
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الأرض التى هبط عليها أبونا آدم، ومتى وكيف تم ذلك، وهل دفن فى الأرض وفى أى مكان يوجد قبره؟
الجواب القرآن الكريم لم يقص علينا من أخبار السابقين إلا ما فيه العبرة والموعظة فقط، وذلك من أسرار بلاغته التى يراعى فيها مقتضى الحال، ولا حاجة إلى سرد التفاصيل والجزئيات التى لا يضر الجهل بها، ويترك للناس البحث عنها تنشيطا للفكر وازديادا فى الثقافة. وقد ذكر القران بعض قصص الأنبياء، وسلط الأضواء على جوانب منها حتى مع تكرار ذكر القصة الواحدة فى عدة مواضع، اقتضاه نزول القران منجَّما على مدى ثلاثة وعشرين عاما، قال تعالى {وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} هود:125وقال {لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل.كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} يوسف:111 وبخصوص سيدنا آدم ذكر القران أن الله أهبطه إلى الأرض {قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين} الأعراف: 24 وقال من قبل ذلك للملائكة {إنى جاعل فى الأرض خليفة} البقرة: 30 ولم يبين المكان الذى هبط عليه من الأرض، وذلك لعدم الحاجة إليه، وقد استغل بعض الناس هذا الأمر استغلالا سياحيا أو لمصالح أخرى فادَّعوا أنه هبط على أعلى قمة فى جبل بالهند بجزيرة سيريلانكا "سيلان سابقا" وأنَّ قدمه أثرت فى الصخر ومشى هناك خمسمائة سنة يبكى على هابيل وتكونت من دموعه ودموع حواء عين ماء، والناس يتوافدون على المكان لزيارته، كما استغلت مناطق أخرى لهذا الغرض. ومما يشاع أنه هبط فى مكان وحواء فى مكان آخر هو جدة وبعد بحث وتعب التقيا على جبل عرفات فسمى بهذا الاسم لهذا السبب، كما يقال: إنه دفن فى جزيرة العرب وله قبر طوله ستون ذراعا، ولكن كل ذلك لا يدل عليه دليل صحيح، وبخاصة أن اَلاف السنين مرت عليه، والآثار التى مر عليها أقلُّ من ذلك ما زال كثير منها مجهولا، وبالطبع دُفن آدم فى الأرض بعد موته، لأن قابيل لما قتل أخاه هابيل واحتار فى أمره بعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه. فدفنه فى حفرة فى الأرض، وكان ذلك سُنة متبعة فى ذريته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، {إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها} الزلزلة: 1، 2 وهم الموتى فى القبور. هذا، وقد ذكر الزرقانى فى شرحه للمواهب للقسطلانى "ج 1 ص 64" أن آدم مات بمكة يوم الجمعة ودفن فى قبر بغار أبى قبيس كما ذكره الثعلبى وغيره، وعن ابن عباس أن آدم بعد ما حج عاد إلى الهند ومات بها، وعن ثابت البنانى أنهم دفنوه فى " سرنديب " فى الموضع الذى أهبط فيه، وصححه الحافظ ابن كثير. وقيل: دفن بين بيت المقدس ومسجد إبراهيم، وقيل غير ذلك، وعاشت حواء بعده سنة وقيل ثلاثة أيام ودفنت بجنبه. وكل ذلك كلام ليس عليه دليل صحيح. وبعد، فإذا كنت تسأل أيها السائل عن قبر أبينا آدم لتزوره وتترحم عليه فخير من ذلك ألف مرة أن تسير على النهج الذى رسمه له ربه عندما أهبطه إلى الأرض حيث قال تعالى {قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} طه: 123 (8/156) ________________________________________ جنة آدم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الجنة التى كان بها سيدنا آدم، هل هى جنة الخلد أو جنة أخرى؟
الجواب هناك خلاف بين العلماء فى الجنة التى أسكن الله آدم فيها، وأخرجه وأخرج إبليس منها، هل هى الجنة التى أعدها الله ثوابا للمؤمنين بعد البعث والحساب، أو هى جنة فى الدنيا أى بستان من البساتين؟ جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرحها للزرقانى "ج 1 ص 61 " وفى تفسير القرطبى "ج 1 ص 302" أن جمهور الأشاعره قال: هى جنة الخلد، بل حكى إجماع أهل السنة عليه، لأن اللام فى قوله تعالى {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} الأعراف: 19 هى لام العهد، ولا معهود ولا معروف إذ ذاك غيرها، ولقوله تعالى فى وصفها {إنَّ لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحَى} طه: 118،119 وذلك صفة جنة الخلد، ولقوله تعالى: {اهبطوا} والهبوط يكون من علو إلى أسفل، ولا يستقيم ذلك فى بستان مخلوق على الأرض، ولأن موسى لما لقى آدم عليهما السلام، وقال له: "أنت أتعبت ذريتك وأخرجتهم من الجنة، لم ينكر ذلك آدم، وإنما قال: أتلومنى على أمر قدره الله عليَّ قبل أن أخلق " الحديث صحيح، ولو كانت غيرها لرد على موسى. وقيل: هى غير جنة الخلد، حكاه منذر بن سعيد، زاعما كثرة الأدلة عليه، وحكاه الماوردى وابن عقيل والقرطبى والرمانى وغيرهم. واختلف القائلون به، فقال بعضهم: هى بستان بأرض عدن، كما فى القرطبى، أو بأرض فلسطين، أو بين فارس وكرمان كما فى البيضاوى. وقال الرازى وابن عقيل: ويحمل هؤلاء الهبوط على الانتقال من بقعة إلى بقعة، كما فى قوله تعالى {اهبطوا مصرا} البقرة: 61. وقيل: هى جنة أخرى كانت فى السماء السابعة، وهو قول أبى هاشم ورواية عن الجبَّائى. قال ابن عقيل: وهى دعوى بلا دليل، فلم يثبت أن فى السماء غير بساتين جنة الخلد. وقال هؤلاء: إن جنة الدنيا جعلها الله دار ابتلاء لآدم وحواء، لأن جنة الخلد إنما يُدخَل إليها يوم القيامة، وهذه دخلت قبله، ولأن جنة الخلد دار ثواب وجزاء وليست دار تكليف وأمر ونهى، ودار سلامة من الآفات والخوف وليست دار ابتلاء ومحن، ودار قرار لقوله تعالى {وما هم منها نمخرجين} الحجر: 48 وليست دار انتقال، وآدم وحواء وإبليس انتقلوا منها. وأجاب القائلون بأنها جنة الخلد بأن الدخول العارض غير الدائم قد يقع قبل يوم القيامة، بدليل أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة الإسراء ثم خرج منها، وأخبر بما فيها وأنها جنة الخلد حقا، وبأن ما ذكره أهل الرأى الثانى من أن الجنة لا يوجد فيهما وجده آدم من الحزن والنصب والتعب بانكشاف عورته ومحاولة تغطيتها بورق الجنة إنما هو إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة كما يدل عليه سياق الآيات كلها فإنَّ نفى ذلك مقرون بدخول المؤمنين إياها. يقول الزرقانى: ليس الرأيان متساويين، فقد قال القرطبى: هى جنة الخلد ولا التفات إلى ما ذهب إليه المعتزلة والقدرية من أنها جنة دنيوية فى عدن، وذكر أدلتهم وردها بما يطول. ورجح الرمانى فى تفسيره أنها جنة الخلد أيضا، وقال: هو قول الحسن وعمر وواصل. وعليه أهل التفسير. هذه صورة من الخلاف حول الجنة التى سكنها آدم وخرج منها، وهو أمر لا يجب علينا اعتقاده، والذى يهمنا هو العمل الصالح حتى نعود إلى الله ويمتعنا بجنة النعيم (8/157) ________________________________________
آدم والخلافة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى الخلافة التى وصف الله بها آدم عليه السلام ووصف بها الحكام؟
الجواب يقول الله تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة} البقرة:35 جاء فى تفسير القرطبى أن آدم عليه السلام خليفة الله فى إمضاء أحكامه وأوامره، لأنه أول رسول فى الأرض إلى أولاده، ومن هذه الآية كانت مشروعية نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة.1.هـ وقد يطلق اسم الخليفة على من يخلف غيره من الحكام والولاة بعد موتهم أو زوال حكمهم وولايتهم، أو يخلفه عند غيابه كنائب أو وكيل عنه، ومن الأول الخلفاء الراشدون والأمة الإسلامية التى قال الله فيها {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} النور: 55. ومن الثانى نيابة هارون عن موسى عند ذهابه للميقات {وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} الأعراف: 142. وقول الله تعالى: {يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق} ص: 26 يحتمل أن يكون معناه خليفة لتنفيذ أحكام الله كآدم عليه السلام، أو خليفة جاء بعد خلفاء سابقين، يقول الأصفهانى فى المفردات: والخلافة النيابة عن الغير إما لغيبة المنوب عنه وإما لموته وإما لعجزه وإما لتشريف المستخلف، وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه فى الأرض، قال تعالى: {وهو الذى جعلكم خلائف الأرض} الأنعام: 165 والخلائف جمع خليفة. وبهذه المناسبة يقول النووى فى كتابه " الأذكار" ص 358: ينبغى ألا يقال للقائم بأمر المسلمين " خليفة الله " بل يقال: الخليفة: وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين، ولا يسمى أحد خليفة الله تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام، ولم يرض أبو بكر قول رجل له: يا خليفة الله، وقال: أنا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنا راض بذلك يقول الماوردى فى كتابه الأحكام السلطانية " ص 15 ": إن الإمام سمى خليفة لأنه خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمته فيجوز أن يقال: يا خليفة رسول الله، وعلى الإطلاق فيقال: الخليفة، واختلفوا هل يجوز أن يقال: يا خليفة الله؟ فجوزه بعضهم لقيامه بحقوقه فى خلقه، وامتنع جمهور العلماء من جواز ذلك، ونسبوا قائله إلى الفجور (8/158) ________________________________________ أرضى الطوفان وأبناء نوح
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أين مكان الأرض التى وقع بها الطوفان فى عهد سيدنا نوح، وما مدى صحة ما يقال عن أبنائه حام بأنه أب لكل الأفارقة، وسام أب لكل عبرى وعربى، ويافث أب لكل الأتراك؟
الجواب الأرض التى وقع عليها الطوفان فى عهد نوح عليه السلام هى أرض العراق وهناك مكان يزعم الناس أنه المنطقة التى بلعت الماء حين قال الله تعالى {يا أرض ابلعى ماءك} هود: 44. وأما أبناؤه فليس فيهم خبر صحيح فى القرآن والسنة، وقد ذكر القرطبى فى تفسيره "ج 7 ص 233" ما نصه: ذكر النقاش عن سليمان ابن أرقم عن الزهرى أن العرب وفارس والروم وأهل الشام وأهل اليمن من ولد سام بن نوح، والسند والهند والزنج والحبشة والزط والنوبة وكل جلد أسود من ولد حام بن نوح، والترك وبربر ووراء الصين، يأجوج ومأجوج والصقالبة، كلهم من ولد يافث بن نوح، والخلق كلهم ذرية نوح. فهذا الكلام ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وما ذكر ليس عقيدة نحاسب عليها (8/159) ________________________________________ عصمة إبراهيم عليه السلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال صح فى حديث الشفاعة يوم القيامة أن إبراهيم امتنع عنها لأنه كذب على ربه ثلاث مرات، فما هى هذه الكذبات وكيف يتفق ذلك وهو عصمة الأنبياء؟
الجواب روى البخارى ومسلم حديث الشفاعة وطلب الناس من إبراهيم عليه السلام أن يشفع لهم فامتنع وقال" إنى كذبت ثلاث كذبات " وهى قوله عندما سألوه عمن كسر الأصنام {بل فعله كبيرهم هذا} وقوله عندما نظر فى النجوم {إنى سقيم} وقوله عن زوجته سارة إنها أخته. وأجاب العلماء عن الأولى بأن إبراهيم لم يكذب، بل أثبت أنه صادق ولكن بطريقة غير مباشرة، أو كان صدقه قضية تحمل معها دليلها، فلو كنت أنت مثلا خطاطا ماهرا ولا يجيد الكتابة أحد غيرك، ثم سألك شخص أمى غير مجيد للكتابة وقال لك: أأنت كتبت هذا؟ فقلت له باستهزاء: بل أنت الذى كتبته، فالغرض هو إثبات الكتابة لك مع استهزائك بالسائل الذى ما كان ينبغى أن يوجه هذا السؤال الظاهر البطلان. ولذلك لما أجابهم إبراهيم عليه السلام بأن الذى كسر الأصنام هو كبيرهم رجعوا إلى أنفسهم يتهمونها بالغباء. لاعتقادهم ألوهية من لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر، ولا يرد عن نفسه كيدا، ولكن العناد جعلهم يتمادون فى مجادلته وتكذيبه. ولجئوا أخيرا إلى التهديد باستعمال القوة والعنف، وهو سلاح كل عاجز عن الاستمرار فى المحاجة المنطقية. وأجابوا عن الثانية وهى قوله: {إنى سقيم} بأنه كان بالفعل سقيما، وسقمه نفسى، وذلك من تماديهم فى الباطل على الرغم من قوة الحجة، كما قال الله تعالى فى حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} الكهف: 6، فقد أوهمهم إبراهيم أنه سقيم الجسم على ما كانوا يعتقدون من تأثير الكواكب فى الأجسام وهو فى الوقت نفسه سقيم النفس. وهذا الأسلوب من المعاريض التى فيها مندوحة عن الكذب. وأجابوا عن الثالثة وهى وصف زوجته بأنها أخته - بأنه صادق فى هذا الوصف لأنها أخته فى الدين كما جاء فى صحيح الروايات، وذلك ليخلصها من ظلم الجبار روى مسلم "ج 15 ص 123 بشرح النووى" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لم يكذب إبراهيم النبى عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات، ثنتين فى ذات الله: قوله إنى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم، وواحدة فى شأن سارة، فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن الناس، فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتى يغلبنى عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختى، فإنك أختى فى الإسلام، فإنى لا أعلم فى الأرض مسلما غيرى وغيرك، فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار أتاه فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغى لها أن تكون إلا لك. فأرسل إليها فأتى بها، فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة، فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبضت يده قبضة شديدة فقال لها: ادعى الله أن يطلق يدى ولا أضرك ففلعت فعاد فقبضت أشد من القبضة الأولى، فقال لها مثل ذلك ففعلت فعاد فقبضت أشد من القبضتين الأوليين، فقال ادعى الله أن يطلق يدى فلكِ الله ألا أضرك ففعلت وأطلقت يده ودعا الذى جاء بها فقال له: إنما أتينى بشيطان ولم تأتنى بإنسان، فأخرجها من أرضى وأعطها "هاجر " قال: فأقبلت تمشى فلما رآها إبراهيم عليه السلام انصرف، فقال لها "مَهيم "؟ قالت: خيرا، كف الله يد الفاجر وأخدم خادما" قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بنى ماء السماء. اسم هذا الجبار مذكور فى ص 81 من المجلد الثانى من هذه الموسوعة. ومعنى "مهيم " ما شأنك وما خبرك؟ ومعنى "أخدم خادما " أعطانى جارية تخدمنى وهى هاجر، والخادم يقع على الذكر والأنثى، والمراد "بماء السماء" العرب كلهم لخلوص نسبهم وصفائه، وقيل: لأن أكثرهم أصحاب مواش وعيشهم من المرعى والخصب وما ينبت بماء السماء، وقيل: المراد بهم الأنصار نسبة إلى جدهم "الأدد" وكان يعرف بماء السماء. جاء فى شرح النووى لهذا الحديث أن المازرى قال: إن الكذب الذى يعصم منه الأنبياء هو الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله تعالى، أما فى غير ذلك ففى إمكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان المشهوران للسلف والخلف، وذكر أن ما قاله إبراهيم عن سارة تورية وهى جائزة، وليست كذبا، ولو كان كذبا لكان جائزا فى دفع الظالمين، فقد اتفق الفقهاء على أنه لو جاء ظالم يطلب إنسانا مختفيا ليقتله أو يطلب وديعة لإنسان ليأخذها غصبا وسأل عن ذلك وجب على من علم ذلك إخفاؤه وإنكار العلم به، وهذا كذب جائز بل واجب لكونه فى دفع الظالم، ثم نقل عن المازرى قوله: لا مانع من إطلاق الكذب على ما حدث من إبراهيم كما أطلقه النبى صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فالتأويل صحيح لا مانع منه. ثم حمل قوله {إنى سقيم} على أنه سيسقم لأن الإنسان عرضة للسقم، وأراد به الاعتذار عن الخروج معهم إلى عيدهم وشهود باطلهم وكفرهم، وقيل: سقيم بما قدِّر على من الموت، وقيل: كانت تأخذه الحمى فى ذلك الوقت (8/160) ________________________________________ أين مات موسى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يمكن أن نعرف المكان الذى مات فيه سيدنا موسى عليه السلام؟
الجواب مبدئيا نقول: ما هى الفائدة التى تعود علينا من معرفة المكان الذى مات ودفن فيه سيدنا موسى عليه السلام؟ لقد أشرت إلى عدم أهمية ذلك فى صفحة 68 من المجلد السادس من هذه الفتاوى بخصوص المكان الذى دفن فيه آدم عليه السلام، ويستفاد مما ذكره القرطبى فى تفسيره "ج 6 ص 129 " أن هناك خلافا فى كون موسى وهارون كانا مع بنى إسرائيل فى التيه الذى مكثوا فيه أربعين سنة، فقال بعضهم: لم يكونا معهم، لأن التيه عقوبة وهما لا يستحقانها، ويؤيده قول موسى لما قعد بنو إسرائيل عن دخول الأرض المقدسة كما قال تعالى {قال رب إنى لا أملك إلا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} المائدة: 25، وقيل: كانا معهم لكن سهَّل الله الأمر عليهما كما جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم. ثم قال القرطبى: وروى عن ابن عباس أن موسى وهارون ماتا فى التيه. وممن قال بذلك عمرو بن ميمون الأودى، وكانا خرجا فى التيه إلى بعض الكهوف فمات هارون فدفنه موسى وانصرف إلى بنى إسرائيل ولما سألوه عن هارون وأخبرهم بموته شكوا فى قتله. فبرأ الله موسى بنطق هارون فى قبره. وقال الحسن: إن موسى لم يمت بالتيه، وقال الثعلبى: أصح الأقاويل أن موسى فتح أريحا ومكث بها ثم قبضه الله ولا يعلم بقبره أحد من الخلائق، وذكر القرطبى حديث مسلم عن مناقشة موسى لملك الموت، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر فقد علم الرسول قبره ووصف موضعه ورآه فيه قائما يصلى كما فى حديث الإسراء، إلا أنه يحتمل أن يكون أخفاه الله عن الخلق سواه ولم يجعله مشهورا عندهم، ولعل ذلك لئلا يعبد، ويعنى بالطريق طريق بيت المقدس. ووقع فى بعض الروايات إلى جانب الطور مكان الطريق. ثم تحدث القرطبى عن لطم موسى عين ملك الموت وقد مر الحديث عن ذلك. ثم قال: إن عمر موسى كان مائة وعشرين سنة (8/161) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:52 am | |
| موسى وملك الموت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن موسى عليه السلام لطم ملك الموت عندما أراد أن يقبض روحه؟
الجواب إضافة إلى ما تقدم فى صفحة 643 من المجلد الأول من هذه الفتاوى أقول: روى مسلم عن أبى هريرة قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت، قال: فرد الله بليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعره سنة، قال: أى رب ثم مَه؟ قال ثم الموت، قال فالآن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلو كنت ثمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر ". قال القرطبى "ج 6 ص 132 " واختلف العلماء فى تأويل لطم موسى عين الملك وفقئها على أقوال، منها: أنها كانت عينا متخيلة لا حقيقية، وهذا باطل، لأنه يؤدى إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة له، ومنها أنها كانت عينا معنوية، وإنما فقأها بالحجة. وهذا مجاز لا حقيقة، ومنها أنه عليه السلام لم يعرف ملك الموت، وإنما رأى رجلا دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه، فدافع عن نفسه فلطم عينه ففقأها. وتجب المدافعة فى هذا بكل ممكن، وهذا وجه حسن، لأنه حقيقة فى العين والصك. قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة، غير أنه اعترض عليه بما فى الحديث، وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى قال: يا رب أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت، فلو لم يعرفه موسى لما صدق القول من ملك الموت. وأيضا قوله فى الرواية الأخرى: أجب ربك. يدل على تعريفه بنفسه. والله أعلم. ومنها أن موسى عليه الصلاة والسلام كان سريع الغضب، إذا غضب طلع الدخان من قلنسوته ورفع شعر بدنه جبته، وسرعة غضبه كانت سببا لصكه ملك الموت. قال ابن العربى: وهذا كما ترى، فإن الأنبياء معصومون من أن يقع منهم ابتداء مثل هذا فى الرضا والغضب. ومنها -وهو الصحيح من هذه الأقوال -أن موسى عليه الصلاة والسلام عرف ملك الموت، وأنه جاء ليقبض روحه، لكنه جاء مجىء الجازم بأنه قد أمر بقبض روحه من غير تخيير، وعند موسى ما قد نص عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من "أن الله لا يقبض روح نبى حتى يخيره " فلما جاء على غير هذا الوجه الذى أعلم، بادر بشهامته وقوة نفسه إلى أدبه، فلطمه ففقأ عينه امتحانا لملك الموت، إذ لم يصرح له بالتخيير. ومما يدل على صحة هذا أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة والموت اختار الموت واستسلم، والله بنبيه أحكم وأعلم، هذا أصح ما قيل فى وفاة موسى عليه السلام، وقد ذكر المفسرون فى ذلك قصصا وأخبارا الله أعلم بصحتها، وفى الصحيح غنية عنها. وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة، فيروى أن يوشع رآه بعد موته فى المنام فقال له: كيف وجدت الموت؟ فقال: كشاة تسلخ وهى حية، وهذا صحيح معنى. قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح "إن للموت سكرات " انتهى ما قاله القرطبى. وجاء فى "مشارق الأنوار" للعدوى ص 14: اخرج أحمد والبزار وصححه عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كان ملك الموت يأتى الناس عيانا، فأتى موسى عليه السلام فلطمه ففقأ عينه. . . " فكان بعد يأتى الناس خفية وذكر العارف الشعرانى - بعد أن حكى رواية للإمام الترمذى بمثل هذا -إنما فقأ موسى عين ملك الموت بإذن من ربه عز وجل لأنه معصوم، ولذلك لم يعاقبه الله على ذلك. وجاء فى كتاب "تأويل مختلف الحديث " لابن قتيبة الدينورى المتوفى سنة 276 هـ "ص 86" أن الله أعطى الملائكة قوة تتشكل بها كما تشاء، كما أعطى الجن هذه القوة، ثم قال: ولما تمثل ملك الموت لموسى عليه السلام، وهذا ملك الله وهذا نبى الله، وجاذبه لطمه موسى لطمة أذهبت العين التى هى تخييل وتمثيل، وليست حقيقة، وعاد الملك إلى حقيقة خلقته الروحانية كما كان لم ينتقص منه شىء (8/162) ________________________________________ حمل مريم بعيسى عليهما السلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول الله تعالى عن نفخ الروح فى مريم وحملها بعيسى لولادته {فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة. . .} مريم: 22،23، فما هى مدة حمل مريم بعيسى؟
الجواب إضافة إلى ما تقدم فى صفحة 652 من المجلد الأول من هذه الفتاوى أقول: ليس هناك نص صحيح يبين مدة حمل السيدة مريم عليها السلام بسيدنا عيسى عليه السلام،يقول القرطبى فى تفسيره: وهذه القصة تقتضى أنها حملت واستمرت حاملا على عرف النساء وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر، وقيل لتسعة وقيل لسنة، والله أعلم، وجاء فى تفسير ابن كثير لسورة مريم مثل هذه الأقوال وأن الجمهور على إنها حملت به تسعة أشهر، ثم ذكر أن ابن عباس سئل عن حَبَل مريم فقال: لم يكن إلا أن حملت فوضعت، ثم قال: وهذا غريب، وكأنه أخذه من ظاهر قوله تعالى {فحملته فانتبذت به مكانا قصيًّا. فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة} فالفاء وإن كانت للتعقيب -أى عدم التراخى -ولكن تعقيب كل شىء بحسبه، كما قال تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة. فخلقنا العلقة مضغة. فخلقنا المضغة عظاما} المؤمنون: 12 -14، فهذه الفاء للتعقيب بحسبها، وقد ثبت فى الصحيحين أن بين كل صفتين أربعين يوما، وقال تعالى {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} الحج: 63، فالمشهور الظاهر-والله على كل شىء قدير-أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن، ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل عليها، وكان معها فى المسجد رجل صالح من قراباتها يخدم معها البيت المقدس، يقال له يوسف النجار، فلما رأى ثقل بطنها وكبره وأنكر ذلك منها، ثم صرفه ما يعلم عن براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها، ثم تأمل ما هى فيه فجعل أمرها يجوس فى فكره، لا يستطيع صرفه عن نفسه فحمل نفسه على أن عرِّض لها فى القول، فقال: يا مريم إنى سائلك عن أمر فلا تعجلى علىَّ قالت: وما هو؟ قال: هل يكون قط شجر من غير حب؟ وهل يكون زرع من غير بذر؟ وهل يكون ولد من غير أب؟ فقالت نعم -فهمت ما أشار إليه - أما قولك "هل يكون شجر من غير حب، وزرع من غير بذر " فإن الله خلق الشجر والزرع وأول ما خلقهما من غير حب ولا بذر،"وهل خلق ولد من غير أب " فإن الله خلق آدم من غير أب ولا أم، فصدقها وسلم لها حالها، انتهى ما قاله ابن كثير والله أعلم بصحة هذه المحاورة بين مريم ويوسف النجار، ولكن موضوعها صحيح فيما أجابت به مريم على أسئلته. ومهما يكن من شىء فإن هذا لا نكلف به كعقيدة، وهو مدة حملها، والمهم أنها ولدته من غير زواج ولا طريق أخركما نصت عليه آيات القرآن الكريم (8/163) ________________________________________ رؤية النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يمكن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم يقظة بعد وفاته؟
الجواب روى البخارى ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من رآنى فى المنام فسيرانى، فى اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بى ". لقد وضع الحافظ السيوطى رسالة فى روية النبى صلى الله عليه وسلم " مناما ويقظة سماها " تنوير الحلك فى إمكان رؤية النبى جهارا أو الملك " كما تحدث عنها غيره مثل القسطلانى فى المواهب اللدنية بشرح الزرقانى، وقد استخلصت من ذلك ما يأتي: 1 - رؤية النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام جائزة، على خلاف فى رؤية الشخص أو المثال، وما يحتاج إلى تعبير وما لا يحتاج إليه، وذلك كرؤية الإنسان لأى شخص بعد وفاته. 2 -من راَه فى المنام فسيراه، تحقيقا للوعد الذى جاء فى الحديث، على خلاف فى هذه الرؤية إن كانت فى الدنيا أو فى الآخرة، أو كانت لمن راَه حال حياته صلى الله عليه وسلم خاصة، أو عامة لكل إنسان إلى يوم القيامة. 3-رؤيته يقظة بعد موته ليس هناك نص يمنعها، فهى ممكنة، على خلاف فى هذه الرؤية: فإن كانت مثالية أى صورة يستحضرها الإنسان حتى تبدو كأنها الحقيقة فذلك لا مانع منه، ويحمل عليه ما يراه بعض الصالحين، وإن كانت روية شخصية وكان الرائى قد راَه فى قبره فذلك لا مانع منه، كما رأى النبى صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام فى قبره، وهى لأصحاب الكرامات، والكرامات معترف بها كالمعجزات، مع التحفظ على أن هذه الرؤية الشخصية ربما لا تكون تماما كالرؤية بالعين الباصرة المتعارفة عند الناس. 4 - حوادث رؤية النبى صلى الله عليه وسلم بعد موته كثيرة، لكن أسانيد رواياتها ظنية، وهناك مندوحة لعدم تصديقها، والرائى لا بد أن يكون عدلا، وفى الوقت نفسه يكون متثبتا مما رآه، كامل العقل والقدرة على الإخبار به كما حدث، وبدون ذلك تقوى التهمة، وكل راوٍ له استعداده فى التحمل والنقل، والأداء ربما لا يعتبر تماما عن الرؤية. 5 -ما يُدَّعى أنه أمِرَ به أو نهى عنه فى الرؤية الشخصية لا يمكن أن يعارض الثابت فى القرآن والسنة. 6 -ينبغى لمن حصل له ذلك ألا يستغله استغلالا سيئا لمصلحة نفسه أو لغرض آخر لا يتفق مع الدين، وهو حرٌّ فى تصديق ما يراه، لكن لا يفرضه على غيره. 7-يجب الاهتمام بتنفيذ ما جاء فى القرآن والسنة، فالاعتصام بهما سبيل الهدى وحماية من الضلال، والدين واضح وكامل وتام ليس فى حاجة إلى زيادات بعد ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأئمة المجتهدين. وكل ما يقال عن الجديد فلا بد أن يأخذ شرعيته من أصول الدين. 8 -الخلاف فى مسألة الرؤية غير مفيد، والوقت الذى يبذل فيه تأييدا أو إنكارا ينبغى أن يبذل فيما هو أهم، فالقضايا والمشكلات كثيرة، ومن مصلحة العدو أن ننصرف عنها إلى هوامش ليست من صحيح العقيدة الإسلامية وأصول التشريع. 9 - لا يجوز مطلقا أن يرمى أحد بالكفر لتكذيبه دعوى جواز الرؤية الشخصية للرسول صلى الله عليه وسلم أو وقوعها، ولا أن يرمى أحد بالزيغ والضلال لمجرد القول بها، فإذا تجاوزت الحد بأى نوع من التجاوز كان التفاهم بالحسنى لتصحيح الخطأ أو الحد من التعصب. 10 - مسألة الرؤية هذه ليست من العقائد المفروضة التى يترتب على إنكارها الكفر، فالعقائد لا تثبت إلا بما يفيد العلم اليقينى ولا يوجد عليها دليل فى القرآن الكريم، ودليلها من السنة ليس قطعيا فى دلالته، فالاحتمال موجود حتى على فرض قطعية الثبوت بالحديث الصحيح الذى لم يبلغ مبلغ التواتر (8/164) ________________________________________
الصلاة والسلام على غير الرسول
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول الله سبحانه {إن الله وملائكته يصلون على النبى، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب: 56، فهل يجوز أن نصلى ونسلم على غير النبى محمد صلى الله عليه وسلم؟
الجواب جاء فى كتاب " الأذكار " للنووى " ص 120 " أن إجماع من يعتدُّ به على جواز الصلاة واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالا - أى يقال مثلا: موسى عليه الصلاة والسلام، جبريل عليه الصلاة والسلام - وأما غير الأنبياء فالجمهور أنه لا يصلى عليهم ابتداء، فلا يقال: أبو بكر صلى الله عليه وسلم. واختلف فى هذا المنع، فقال بعض أصحابنا -الشافعية- هو حرام، وقال أكثرهم: مكروه كراهة تنزيه -أى لا عقوبة فيه- وذهب كثير منهم إلى أنه خلاف الأولى وليس مكروها، والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهى مقصود. قال أصحابنا: والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة فى لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا "عَزَّ وجل " مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: محمد عز وجل، وإن كان عزيزا جليلا، لا يقال: أبو بكر أو على صلى الله عليه، وإن كان معناه صحيحا. واتفقوا على جعل غير الأنبياء تبَعًا لهم فى الصلاة، فيقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة فى ذلك، وقد أمرنا به فى التشهد ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة. وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجوينى من أصحابنا: هو فى معنى الصلاة فلا يستعمل فى الغائب، فلا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: على عليه السلام، وسواء فى هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به، فيقال: سلام عليك أو سلام عليكم أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مجمع عليه. انتهى كلام النووى. وجاء فى " غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 21 " اختلف العلماء فى الصلاة على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هل تجوز استقلالا أو لا، فقال ابن القيم فى " جلاء الأفهام " هذه المسألة على نوعين، أحدهما أن يقال: اللهم صلى على آل محمد، هذا يجوز، ويكون صلى الله عليه وسلم داخلا فى اله، فالإفراد عنه وقع فى اللفظ لا فى المعنى. والثانى أن يفرد واحدا بالذكر، كقوله: اللهم صلى على علىٍّ أو حسن أو أبى بكر أو غيرهم من الصحابة ومن بعدهم، فكره ذلك مالك، قال: لم يكن ذلك من عمل من مضى، وهو مذهب أبى حنيفة وسفيان بن عيينة وسفيان الثورى، وبه قال طاووس. وقال ابن عباس رضى الله عنهما: لا تنبغى الصلاة إلا على النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز. روى ابن أبى شيبة عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن ناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن من القصَّاص قد أحدثوا فى الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبى صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء كتابى فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة. وهذا مذهب أصحاب الشافعى ولهم ثلاثة أوجه، أنه منع تحريم أو كراهة تنزيه أو من باب ترك الأولى وليس بمكروه، حكاها النووى فى الأذكار. ثم قال: وقالت طائفة من العلماء: تجوز الصلاة على غير النبى استقلالا، قال القاضى أبو حسين الفرَّا من أئمة أصحابنا - فى رؤوس مسائله -: وبذلك قال الحسن البصرى ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان وكثير من أهل التفسير، وهو قول الإمام أحمد رضى الله عنه، مض عليه فى رواية أبى داود، وقد سئل أينبغى أن يصلى على أحد إلا على النبى صلى الله عليه وسلم؟ قال: أليس قال على لعمر: صلى الله عليك؟ قال القاضى: وبه قال إسحاق بن راهويه وأبو ثور ومحمد بن جرير الطبرى، واحتج هؤلاء بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم على جماعة من أصحابه ممن كان يأتيه بالصدقة، واختار ابن القيم الجواز ما لم يتخذه شعارم أو يخص به واحدا إذا ذكَر دون غيره ولو كان أفضل منه، كفعل الرافضة مع على دون غيره من الصحابة فيكره، ولو قيل حينئذ بالتحريم لكان له وجه، هذا ملخص كلامه. ثم تحدث السفارينى عن السلام هل هو كالصلاة خلافا ومذهبا أو ليس إلا الإباحة فيجوز أن يقول: السلام على فلان، وفلان عليه السلام؟ أما مذهبنا - الحنبلى- فقد علمت جوازه من جواز الصلاة على غير النبى صلى الله عليه وسلم استقلالا بالأولى، وأما الشافعية فكرهه منهم أبو محمد الجوينى، فمنع أن يقال: فلان عليه السلام، وفرق آخرون بينه وبين الصلاة فقالوا: السلام يشرع فى حق كل مؤمن حى وميت حاضر وغائب، فإنك تقول: بلغ فلانا منى السلام، وهو تحية أهل الإسلام، بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول المصلى: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ثم ذكر السفارينى أن الصلاة على غير النبى صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والمرسلين والملائكة جائزة بطريق التبعية (8/165) ________________________________________ علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل "؟
الجواب لم أر نصا لهذا الحديث منسوبا إلى النبى صلى الله عليه وسلم بسند صحيح، ومما قرأته فى فضل العلماء وعلو منزلتهم بعد قول الله تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} المجادلة: 11، قرأت فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 1 ص 6 " حديثا يقول " أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد، أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل " وفى تخريج العراقى جاء أن الذى رواه أبو نعيم فى فضل العالم العفيف من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف، كما قرأت حديثا رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه جاء فيه " والعلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم. . . . . ". وكل ذلك إشادة بقدر العلماء وقربهم من درجة النبوة لأنهم ورثة الأنبياء، لكن التصريح بأنهم كأنبياء بنى إسرائيل لم أعثر له على حديث صحيح. بل حكم بعض الباحثين بأنه واه، والواهى فى درجة الموضوع " مجلة الإسلام -المجلد الرابع -العدد 29 ". جاء فى الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 6 ص 158 " أن هذا الخبر قال عنه الحافظ ابن حجر، ومن قبله -الدميرى والزركشى، إنه لا أصل له: زاد بعضهم: ولا يعرف فى كتاب معتبر، وسئل عنه الحافظ العراقى فقال: لا أصل له ولا إسناد بهذا اللفظ، ويغنى عنه "العلماء ورثة الأنبياء " وهو حديث صحيح (8/166) ________________________________________ صلاة لرؤية الرسول
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك صلاة يصليها الإنسان ليرى الرسول صلى الله عليه وسلم فى المنام؟
الجواب وجد فى بعض الكتب عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسى مرة، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، ويقول فى آخر صلاته: اللهم صل على محمد النبى الأمى ألف مرة، فإنه يرآنى فى المنام، ولا تتم له الجمعة الأخرى إلا وقد رآنى، ومن رآنى فله الجنة وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ". معلوم أن الصلاة خير موضوع، وأن قراءة القرآن ثوابها عظيم، وان رؤية النبى صلى الله عليه وسلم يتشوف إليها كل مؤمن، ولكن ورود هذه الكيفية لرؤيته لم يصح بها حديث منسوب إليه صلى الله عليه وسلم. ولو كان ذلك صحيحا لجربه كل الناس واستمتعوا برويته مناما فى كل ليلة أو فى ليال كثيرة. ولا أعرف أثرا آخر يرشد إلى وسيلة يرى بها النبى صلى الله عليه وسلم، وإن كان من الجائز أن من اشتد حبه للرسول عن طريق العمل الخالص بسنته، وكان على ذاكراته كثيرا - من الجائز أن يكرمه الله ويحقق له ما يريد، وهو أمر معروف مع كل من نام وهو مستغرق فى الفكر نحو شىء معين (8/167) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:53 am | |
| حديث " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا وكثير من الناس يصلون ومع ذلك لا ينتهون عن الفحشاء والمنكر فهل نقول لهؤلاء: لا تصلوا ما دامت صلاتكم لا تنفع؟
الجواب يقول اللَّه سبحانه {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} العنكبوت:45، والمعنى أن الصلاة إذا أديت تامة بأركانها وشروطها وبخشوعها قوت الإيمان باللَّه والخوف من معصيته واستقام بها السلوك، أما إذا أديت على غير هذا الوجه فإنها لا تفيد المصلى، لا في عقيدته ولا في سلوكه. وبقدر ما يكون في الصلاة من الإتقان وباطنا يكون الثواب من اللَّه ويكون تأثيرها على المصلي، وقد جاء فى حديث أبي داود والنسائي وابن حبان قوله صلى الله عليه وسلم "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها" وذلك كله حث على أدائها كاملة الأركان والشروط، ومن أهمها الإخلاص والخشوع. والقول المذكور فى السؤال موقوف على ابن مسعود، وليس من كلام النبى صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أحمد فى مسنده، وإن رفعه ابن جرير فهو مرسل من حديث الحسن سقط منه الصحابى، ورواه الطبرانى وابن مردويه بإسناد لين كما فى تخريج العراقى لأحاديث إحياء علوم الدين. وليس معنى هذا الكلام أننا لا نصلى ما دامت الصلاة لا تقوم سلوكنا، أو أننا إذا صليناها كانت صلاة باطلة غير صحيحة ولابد من إعادتها على الوجه المطلوب، كما لا ينبغى أن نجزم بأن اللَّه لم يقبلها فذلك موكول إلى الله سبحانه، والواجب أن نستمر فى أداء الصلاة مع محاولة إتقانها بكل ما يلزم لها، والمجاهدة فى سبيل ذلك قد يفتح اللَّه بها القلوب، والاتصال بالله على أى نحو من الأنحاء خير من الانقطاع عنه "راجع قول ابن عطاء اللَّه السكندرى فى عنوان شرود الذهن فى الصلاة " (8/168) ________________________________________ حديث " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها"؟
الجواب ذكر الإمام الغزالى هذا الحديث في كتابه "الإحياء" عندما تحدث عن اشتراط الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها، وعقب عليه العراقي في تخريجه للأحاديث بقوله: لم أجده مرفوعًا، أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى محمد بن نصر المروزى في كتاب الصلاة من رواية عثمان بن أبي دهرش مرسلا-يعني سقط منه الصحابي -"لا يقبل اللَّه من عبد عملا حتى يشهد قلبه مع بدنه " ورواه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس من حديث أبيّ بن كعب، ولابن المبارك في الزهد موقوفًا على عمار "لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه ". فالمعنى صحيح، ولكن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليست صحيحة، وترجع صحة المعنى إلى أن اللَّه سبحانه وتعالى قد تحدث عن الصلاة التي تؤدي إلى الفلاح فقال {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} المؤمنون: 1، 2،.وقال {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} البقرة: 45، والخشوع يكون يفهم ما يقوله المصلي ويفعله، أما الساهي والغافل فلا خشوع له (8/169) ________________________________________ البشارات بالنبى صلى الله عليه وسلم فى كتب الهند
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل توجد بشارات بالنبى صلى الله عليه وسلم فى الكتب المقدسة عند الهنود؟
الجواب من المعلوم أن الكتب السماوية السابقة بشرت بالنبى صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل} الأعراف: 157، كما أن من المعلوم أن جميع الأنبياء السابقين أخذ الله عليهم العهد أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا أدركوه، قال تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} آل عمران: 181. كما أن من المعلوم أيضا أن الله أرسل رسلا كثيرة، منهم من قص أسماءهم وأخبارهم على النبى صلى الله عليه وسلم ومنهم من لم يقص عليه، ولم تخل أمة من الأمم إلا أرسل الله إليها رسولا، حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، قال تعالى {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل: 36،. وقد أنزل الله كتبا على هؤلاء الرسل، لا نعرف منها إلا ما قصه علينا القرآن الكريم من صحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى وقرآن محمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين. لكن هل أرسل الله رسلا فى الهند، وهل أنزل عليهم كتبا؟ ذلك ما لم يثبت بدليل قاطع، لأن الرسول قد يطلق على النبى الموحى إليه برسالة يبلغها، وقد يطلق على من يرسله النبى إلى جماعة لتبليغهم. كما قيل فى قوله تعالى {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون. إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون} يس: 13، 14، حيث قال المفسرون إنهم موفدون من قِبَلِ سيدنا عيسى عليه السلام، وقد يكون لجماعة من الرسل كتاب واحد يتابعون الدعوة إليه كأنبياء بنى إسرائيل من بعد موسى والتوراة التى نزلت عليه. ومن المعروف تاريخيا أن الهند من قديم الزمان فيها ديانات، من أقدمها البرهمية أو البراهمانية التى نشأت قبل الميلاد بنحو اثنى عشر قرنا، وكذلك البوذية التى نشأت فى القرن السادس قبل الميلاد ومنها الهندوسية التى حاربها الآريون الوافدون على الهند قبل الميلاد، بأكثر من قرن ونصف، وهى أشبه بالمذهب الفلسفى، حيث لا يعرف لها نبى معين ولا كتاب مقدس واحد بالذات. والنصوص المقدسة فى الهند مكتوبة باللغة السنسكريتية القديمة التى من أشهرها: الفيدا والأوبانيشاد. والديانة البرهمية متعددة الآلهة التى يقسمونها إلى ثلاث مجموعات، أقواها: فيشنو وشيفا. وما دامت هذه الديانات وضعية وكتبها كذلك وضعية فكيف يتسنى لها أن تبشر بنبى يبعث آخر الزمان؟ أنا لم أعثر على ما يفيد بشارة هذه الكتب بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانت هناك مشابهة إلى حد كبير بين نصوص فى بعض هذه الكتب الهندية ونصوص فى الكتب السماوية المقدسة عند اليهود والنصارى، لا أعلم أيها أسبق من الأخرى، ونحن نعلم أنها ليست جميعها وحيا صحيح النسبة إلى الله سبحانه كما قرر القرآن الكريم (8/170) ________________________________________ حفظ أربعين حديثا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هذا الحديث صحيح " من حفظ على أمتى أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله فى زمرة الفقهاء والعلماء "؟
الجواب الذى ورد هو "من حفظ على أمتى أربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة" رواه ابن عدى عن ابن عباس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ورواه ابن النجار عن ابن سعد مرفوعا بلفظ "من حفظ على أمتى أربعين حديثا من سنتى أدخلته يوم القيامة فى شفاعتى ". أشار السيوطى فى الجامع الصغير إلى الرواية الأولى بالضعف، وأيده فى ذلك المناوى فى "فيض القدير" وقال: روى من طرق عدة عن بعض الصحابة، ولكن الأسانيد كلها ضعيفة وإن كانت كثرة الطرق تعطيه قوة، قالى ابن عساكر: وأجود طرقه خبر معاذ مع ضعفه. وأشار السيوطى إلى الرواية الثانية بالصحة، ولكن يبدو أن الإشارة خطأ مطبعى، لأن المناوى لم يتعرض لها ولكن قال: إن الحديث ضعيف وعلى هذا فالروايتان ضعيفتان "فيض القدير ج 6 ص 119 " (8/171) ________________________________________ الإثم ما حاك فى الصدر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى الحديث الشريف " الإثم ما حاك فى الصدر وتخشى أن يطلع عليه الناس "؟
الجواب روى أحمد عن وابصة بن معبد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال له "يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى القلب وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " ورواه مسلم بلفظ "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك فى صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس " وروى البغوى مصابيح السنة "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ". تدل هذه الأحاديث على أن هناك قوة باطنة تستطيع أن تميز بين الخير والشر، بالاطمئنان إلى الأول وعدم الارتياح إلى الثاني، وجاء التعبير عن هذه القوة مرة بالنفس وأخرى بالقلب، وثالثة بالصدر، وقد تحدث عنها الإمام الغزالى فى شرح عجائب القلب، وفى المراقبة والمحاسبة، ويعبر عن هذه القوة حديثا باسم الضمير. إن هذه الأحاديث تبين قيمة الضمير الذى تربى تربية دينية. فهو يحس بالخير والشر على ضوء هذه التربية. وذلك ما كان عليه الصحابة والسلف الصالح، الذين لم تلوث ضمائرهم فلسفات ولا نزعات أخرى. والضمير الدينى الحى لا يستسيغ الشر، ويكره أن يطلع الناس عليه لو فعله، فهو يستحى منه، والحياء شعبة من شعب الإيمان. وهذا مقياس لمن تربى ضميره على الخير. أما من تربى ضميره على الشر والمبادئ البعيدة عن الدين فمقياس الخير والشر عنده غير سليم، وأصحاب الضمائر الحية هم أصحاب النفوس الراضية المرضية المطمئنة التى وصلت إلى هذه الدرجة عندما كانت تحس بالسوء وتفعله، فيكون اللوم والعتاب، ويكون الحياء من العود إليه، قال تعالى {ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها} الشمس: 7- 10،. وقد تصل قوة هذا الضمير عند ذوى المروءات والهمم العالية والإحساس المرهف والمراكز الكبيرة إلى درجة أن بعض المباحات التى تستساغ من غيرهم يرونها محرمة عليهم غير لائقة بهم، ويكرهون أن يطلع الناس عليهم وهم يزاولونها. لأنها ستكون موضع نقد لاذع بالنسبة لمقاماتهم، وذلك على حد قولهم: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وأحذر ثم أحذر من أن يتخذ كل إنسان هذا الإحساس مقياسا لكل ما يصدر منه، فذلك خاص بمن تربوا تربية دينية سليمة، ولم يجدوا نصا فى أمر، فيرجعون إلى ضمائرهم الطيبة لاستفتائها فى هذا الأمر، أما أن يتخذه آخرون ممن يجهلون أحكام الدين ولا يبالون بها مقياسا لما يصدر منهم، فذلك اتباع للهوى، وقد يفضلون هذا الإحساس على المنصوص عليه، وفى ذلك يقول الله سبحانه {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله} الجاثية: 23، (8/172) ________________________________________ الإناء يستغفر للاعقه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال " الإناء يستغفر للاعقه " وكيف يصح هذا مع أنه من مستهجنات العصر؟
الجواب يتصل بهذا السؤال سؤال آخر وهو لعق الأصابع، وسيكون الجواب فى نقطتين. النقطة الأولى لعق الأصابع: روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأكل كما يأكل أصحابه بأصابعهم، وكان يلعق أصابعه بعد الأكل. وأوصى أصحابه بذلك قبل أن يمسحوها بمنديل ونحوه، كما رواه مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال "إنكم لا تدرون فى أى طعامكم البركة" وجاء فى رواية لمسلم أيضا عن أنس: وأمرنا أن نسلت القصعة والسَّلْت -كما فسره النووى- هو المسح وتتبع ما بقى فى القصعة من الطعام "ج 13 ص 207". فى هذا الإرشاد نظافة وعدم ضياع شيء من الطعام، فهو هدى صحى واقتصادى. (ا) فلعق الأصابع تنظيف لها قبل أن تمسح بالمنديل ونحوه، وهو يكون بعد الانتهاء من الأكل، وأما فى أثناء تناول الطعام فيكره لعق الأصابع، لأن الريق سيخالط ما فى الإناء، والنفوس تعاف ذلك، وقد يكون وسيلة لنقل بعض الأمراض، "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 2 34 وغذاء الألباب للسفارينى ج اص 9 0 2 ". (ب) أما لعق الصحفة أى الإناء الذى فيه الطعام كالثريد الذى كانوا يأكلونه بأصابعهم، فيصور بصورتين، الأولى أن يكون باللسان، والثانية أن يكون بطريقة السلت أى مسح ما بقى من الطعام فى الإناء ثم لعقه بالإصبع. وإذا كان الآكل شخصا واحدا من إناء خاص وليس طعاما لجماعة، فيمكن أن يلعق الإناء بلسانه، ويمكن أن يمسحه بالإصبع ثم يلعق أصبعه، أى أن اللعق يمكن أن يكون بإحدى الصورتين، ولا عيب فى ذلك ولا ضرر. أما إذا كان الإناء فيه طعام لجماعة يأكلون منه فإن اللعق باللسان لا يتصور منهم جميعا، بل يكون من شخص واحد بعد انتهائهم جميعا من الأكل، وأما السلت بالأصابع فيتصور أن يكون من أكثر من شخص، حيث يتتبع كل آكل بأصبعه ما توارى أو بقى فى جوانب الصحفة أو الإناء، فيأخذه ويأكله، وهذا أمر تعودوا عليه ولا يرون فيه بأسا، وإن كانت تعافه بعض النفوس الأخرى. والمهم هو تنفيذ المطلوب بالوسيلة التى يتواضع عليها الناس، فلا يبقى فى الإناء طعام يلقى ويضيع، أو يترك ليتعفن ويفسد إن لم يغسل بل نلتقطه بالملعقة أو الشوكة أو السكين ونحو ذلك، بل يندب أن يلتقط ما وقع من الطعام وينظف ويؤكل ولا يترك للشيطان كما جاء فى صحيح مسلم. هذا، وقد جاء فى "الأوائل " للسيوطى أن أول من اتخذ الملعقة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام "غذاء الألباب ج 2 ص 83". النقطة الثانية استغفار الإناء: المراد من ذلك هو الحث على النظافة والترغيب فى عدم شيء يسبب القذارة، أو يضيع دون فائدة، وقد جاء فى ذلك حديث رواه الترمذى وابن ماجه وأحمد والبغوى وغيرهم، وقال عنه الترمذى: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط فى سلسلة الرواة-والغريب قد يكون صحيحا وقد يكون حسنا-هذا الراوى الواحد قالوا: إنه هو المعلَّى بن راشد الذى رواه عن أم عاصم نبيشة، ورواه عنه كثيرون كما ذكر فى "تحفة الأحوذى شرح الترمذى" انظر: أسد الغابة فى معرفة الصحابة رقم 5091 والزرقانى على المواهب ج 4 ص 342 - والحديث بلفظ "من أكل طعاما فى آنية ثم لحسها استغفرت له القصعة" قال الزرقانى: حقيقة وشكرًا لفعله. يعنى الاستغفار حقيقى، وحكمته شكر اللاعق على تنظيفه وبُعد الشيطان عن لعقه. ولا مانع شرعا ولا عقلا أن يخلق الله فى الجماد تمييزا ونطقا، ويؤيده رواية الديلمى "استغفرت له القصعة فتقول: اللهم أجره من النار كما أجارنى من لعق الشيطان ". وقيل: إن الاستغفار كناية عن حصول المغفرة له ابتداء، لأنه لما كان حصول المغفرة بواسطة لحسها غفر له، ولما كانت المغفرة بسبب لحسها كأنها تطلب له الغفران. هكذا فسروه. هذا ما ورد، ولا يجوز أن يعلق عليه بالاستنكار، وبخاصة بعد توضيح المعنى، والعرف إذ ذاك كان يقبله، والنتيجة هى الحث على النظافة والاقتصاد. وبهذه المناسبة سئل بعض العلماء عن هذا الحديث وعن حديث "إذا أكلتم فأفضلوا" فقال ما نصه: هذان حديثان لا أصل لهما "مجلة الإسلام - المجلد الرابع - العدد 36" وقد علمت أن حديث لعق الإناء والاستغفار للاعقه ورد بطريق صحيح، أما حديث "إذا أكلتم فأفضلوا "فلم أعثر له على تخريج مقبول حتى الآن (8/173) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:53 am | |
| حديث عن الشباب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "عجب ربك من شاب ليست له صبوة"؟
الجواب روى الإمام أحمد والطبرانى عن عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يعجب ربك من الشباب ليست له صبوة" والصبوة هى الميل والانحراف، أورد الإمام الغزالى هذا الحديث فى كتابه "إحياء علوم الدين " عند كلامه عن التوبة، وقال: إن الناس قسمان، شاب لا صبوة له، نشأ على الخير واجتناب الشر، وقال: إن هذا القسم عزيز نادر. والعراقى فى تخريجه لأحاديث الإحياء قال: إن هذا الحديث فى سنده "ابن لهيعة" ولم يقل: إنه صحيح أو حسن أو ضعيف أو موضوع، ذلك لأن ابن لهيعة اختلف علماء الحديث فى قبول روايته وعدم قبولها. ومن الذين قبلوا روايته مطلقا أحمد بن حنبل والثورى وابن وهب وابن معين، ومن الذين رفضوا روايته مطلقا يحيى بن سعيد والنسائى والترمذى والحاكم، وبعض منهم قبلوا روايته قبل احتراق كتبه، منهم ابن حبان وابن خزيمة، والراجح فى أمره ما ذكره ابن حجر من أنه صدوق يحتج به قبل التخليط وقبل احتراق كتبه، والتخليط مرض يؤثر على الضبط. والحديث على الرغم من الاختلاف فى سنده صحيح المعنى، لأن الشاب المستقيم الذى نشأ فى طاعة الله ولم ينحرف جاء الحديث الصحيح بأنه سيكون من السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذلك أن الشاب فى فترة شبابه تتجاذبه عدة عوامل تغريه بالخطأ فغرائزه قوية قد يضعف العقل أمام سلطانها، وإذا خاف الشاب ربه من تلبية نداء غرائزه بدون حدود عاش فى جهاد وعراك ومغالبة لينتصر على شهواته، وهذا الجهد المبذول يقدره الله حق قدره، ويكافئ عليه صاحبه بما يتناسب مع إيمانه وخوفه من ربه. والتعبير فى الحديث بأن الله يتعجب من الشاب الذى ليست له صبوة يراد به الرضا عنه رضاء كبيرا، ففيه مشاكلة لما يحدث بين الناس من التعجب والدهشة للأمر الغريب الذى يخرج عن المألوف. وقد ينتهى التعجب والاستغراب بعد معرفة الأسباب إلى الإعجاب والإكبار، أو يكون هو المراد من الحديث، ويشبهه ما جاء فى حديث رواه أبو داود والنسائى عن عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يعجب ربك من راعى غنم فى رأس شظية للجبل، يؤذن للصلاة ويصلى، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدى هذا، يؤذن ويقيم الصلاة يخاف منى، قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة". ذلك أن الراعى فى عمله الشاق وفى بعده عن أنظار الناس لا ينسى واجبه نحو ربه الذى لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء، فيؤذِّن للصلاة ويؤديها مخلصا لله وحده راجيا ثوابه خائفا من عقابه، وكثير من الناس فى مثل هذه الحالة لا يهتمون بأداء الواجب، لأن أحدًا لن يؤاخذهم، فهم فى خفاء عنه، ناسين أن الله رقيب عليهم. فالحديث صحيح فى معناه لأن النصوص القوية تشهد له، وهو دعوة إلى الإخلاص والمراقبة فى كل عمل، ومجاهدة السوء مهما كانت مغرياته (8/174) ________________________________________ السنة النبوية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد إلقاء الضوء على الجهود التى قام بها المسلمون للمحافظة على السنة النبوية من جهة السند والمتن، وما يجب علينا نحوها فى هذه الأيام؟
الجواب السنة النبوية لها عدة معان فالسنة فى اللغة: هى الطريقة والمنهج، منها قول النبى صلى الله عليه وسلم "فعليكم بسنتى، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين "رواه الترمذى وغيره وقال: حسن صحيح أى طريقتى- والسنة فى اصطلاح الفقهاء هى ما يثاب المرء على فعله ولا يعاقب على تركه كصلاة الضحى مثلا، والسنة فى اصطلاح المحدِّثين هى ما أضيف إلى النبى صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو وصفا أو تقريرا. وهناك أهل السنة عند المتكلمين فيما يقابل الطوائف الأخرى، وتحقيق هذه السنة أى المحافظة عليها وإخراج الدخيل منها ودفع الشبه عنها، والاحتراس عند روايتها، هذا التحقيق بدأه النبى صلى الله عليه وسلم لأن القرآن كان إذا نزلت منه آيات أو سورة، أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما نزل ونهى أولا عن كتابة الحديث حتى لا يختلط كلامه بكلام الله سبحانه. ثم بعد ذلك رخَّص لبعض الصحابة فى كتابة الأحاديث كعبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه، والصحابة عندما لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى احتاجوا فى بعض الأحيان إلى أحكام فقهية لم يجدوها فى كتاب الله تعالى فكان يسأل بعضهم بعضا هل سمع فى هذه الحادثة شيئا عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وقبل أن يلحق الرسول عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى قال هذا الحديث "من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخارى ومسلم، وهذا هو الأصل فى تحقيق السنة، فكان الصحابة يتحرَّجون كثيرا من رواية السنة، وكان لبعض الخلفاء مواقف شديدة ضد الذين يكثرون من روايتها وموقف عمر رضى الله عنه معروف من أبى هريرة وابن مسعود، وأبى مسعود الأنصارى. استأذن أبو موسى على عمر ثلاث مرات فلم يؤذَن له فولَّى، فناداه عمر وقال: "لم ولَّيت "؟ فذكر له أنه سمع حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم يفيد هذا المعنى "إذا استأذن أحدكم ثلاث مرات فلم يؤذن له فليرجع " رواه البخارى ومسلم فقال: والله لا أتركك حتى تأتى لى بمن يشهد معك أنك سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتركه حتى جاء بمن شهدوا معه أن هذا القول منسوب إلى النبى صلى الله عليه وسلم. وسيدنا أبو بكر رضى الله عنه كما قرأت فى كتاب تاريخ التشريع للشيخ محمد الخضرى، جمع الصحابة أو نادى فى الصحابة وحذرهم من أن يحدثوا عن النبى صلى الله عليه وسلم أحاديث يختلفون فيها فالناس بعدهم أشد اختلافا. وإن عمر بن الخطاب رضى الله عنه عندما أرسل بعض الصحابة إلى الأمصار قال لهم: "إنكم ستأتون قوما عكفوا على كتاب ولهم بقراءته دوى كدوى النحل، لا تشغلوهم بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". مرت الأيام والصحابة والتابعون يعرفون أنهم فى حاجة إلى معرفة بعض الأحكام المأثورة عن النبى صلى الله عليه وسلم ونحن نعلم أن السنة قد جاءت بأمور ليست مذكورة فى القرآن الكريم، كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وتحريم لحوم الحمر الأهلية وغير ذلك، والله سبحانه وتعالى قد أعطى التفويض للرسول عليه الصلاة والسلام فى أن يبين للناس ما نزل إليهم وهذا التفويض مذكور فى عدة آيات منها قوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر: 7، وقوله {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} التغابن: 12، وقوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} النساء: 80، اشتدت الحاجة إلى معرفة ما أُثر عن الرسول عليه الصلاة والسلام كلما تقدم الزمن ففكر بعض الولاة أو بعض الأمراء فى جمع ما يمكن من هذه الأحاديث، وكان ذلك فى أيام عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه. وظهر فى هذا المجال ابن شهاب الزهرى وجمع ما استطاع أن يجمعه من كلام النبى صلى الله عليه وسلم أو من المأثور عنه، وظهر بعد ذلك الإمام مالك رضى الله عنه ودوَّن فى موطئه ما استطاع من الأحاديث وأقوال الصحابة، ثم جاء أحمد بن حنبل رضى الله عنه وعُنِىَ عناية كبيرة بجمع الأحاديث والبحث في فقهها، ثم انتهى الأمر إلى البخارى ومسلم فى تصيد الأحاديث الصحيحة وتدوينها، وقد دوَّنا فى صحيحيهما ما كان فى أعلى درجات الصحة بحسب المقاييس التى وضعت لقبول الحديث، والذى عمل على ذلك أنهم رأوا أن أحاديث كثيرة وضعت على النبى صلى الله عليه وسلم لأغراض سياسية، أو لأغراض مذهبية وبعضها وضع كما يقول المؤرخون لأغراض شرعية بحسن نية كأحاديث الترغيب فى فضائل الأعمال أو فى سور القرآن الكريم، فلما كثرت هذه الأحاديث، كان جهد البخارى ومسلم وأمثالهما لتنقية أو لاصطفاء ما تطمئن إليه قلوبهم من هذه الأحاديث الكثيرة، ومن الظواهر الخطيرة فى التلبيس على الناس ليعتقدوا أن ما يروونه هو منسوب إلى النبى أنهم كانوا يأتون ببعض الأسانيد الموثوق بها ثم يضعون لها حديثا من عند أنفسهم، وفى هذا الجو وضع أو نُظم فن مصطلح الحديث، الذى عُنى بنقد أحوال الرواة، وظهرت كتب الجرح والتعديل بهذه الموازين الدقيقة ذات المراتب التى يعجب الإنسان لها، وما كانوا يحكمون على راو من الرواة بأنه صادق، أو حجة، أو لا بأس به، أو يؤخذ منه ويترك إلا بعد ممارسة ومعايشة ودقة فى معرفة أحوال هؤلاء الناس، وقد سمعنا أن الإمام البخارى كان لا يطمئن لحديث سمعه من أحد إلا إذا عامله أو سأل عنه من يثق به وربما سافر مسافات طويلة حتى يعايش هذا الإنسان، وكان لا يكتب حديثا كما سمعنا فى سيرته إلا إذا استخار الله سبحانه وتعالى وصلى ركعتين حتى يطمئن قلبه إلى ما يكتبه واصطفى ذلك من أحاديث كثيرة صحيحة ولكنه اختار أصح ما يمكن فى نظره. عند هذا القرن الرابع الهجرى وبعده أيضا وجدت كتب أخرى تجمع الأحاديث، بعد هذه الكتب المشهورة المعروفة صحيح البخارى، ومسلم والموطأ ومسند أحمد، والسنن الأربعة، وصحيح ابن حبان، وابن خزيمة وغيره، بعد هذه الكتب أصبح الناس عالة عليها فى رواية حديث النبى صلى الله عليه وسلم. وهناك نقطة هامة جدا هى: ماذا نعمل فى بعض الأحاديث التى يكون ظاهرها متناقضا إما مع القرآن الكريم وإما مع بعض المرويات من السنن وإما مع مقررات العقل والدين؟ هذه نقطة خطيرة هى التى نحتاج إليها فى هذه الأيام، أما السند فقد انتهينا منه والكتب موجودة، هذه النقطة مهمة جدا وهى البحث فى متن الحديث، لأن المتن أحيانا كان يركب على سند موثوق به، والله أعلم بصحة هذا المتن ونسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم. قام ابن قتيبة فى كتابه تأويل مختلف الحديث وبحث فى بعض هذه الأحاديث التى فيها خلاف أو تناقض مع أحاديث أخرى، وقام بجهد مشكور فى هذا المجال، لكننا محتاجون فى هذه الأيام بالذات إلى مقابلة ما يأتى فى بعض الأحاديث مناقضا لبعض الأحاديث الأخرى، وما يأتى من الأحاديث فى ظاهره أنه مناقض لما وجد فى الكتاب والسنة، وفى ظاهر بعضها أنه مناقض للعلم، لأن هناك حملات شرسة كبيرة جدا على السنة، حملة أتت من جهة السند من الذين يشككون فى الرجال بل يشككون فى الصحابة أيضا، وكم أثاروا من خلافات وكتبوا كتبا قد تنزع الثقة من هؤلاء الأبطال الذين نقلوا إلينا الأحاديث والذين نقلوا إلينا القرآن الكريم، وهى خطوة فى الشك أيضا فى الطرق الذى حمل إلينا القرآن الكريم. وهناك من يطعن فى بعض الأحاديث العلمية التى جاءت عن النبى صلى الله عليه وسلم. وأرجو أن يتابع المهتمون هذه الدراسات، حتى تخلص لنا أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وحتى يطمئن المسلمون إليها. راجع مقدمة "المغنى عن الحفظ والكتاب " للموصلى، هدية مجلة الأزهر- ذى القعدة 1403 هـ (8/175) ________________________________________ النبى الأمى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأت فى بعض الكتب الحديثة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب، لأن الله قال له " اقرأ " فلبى أمره، والأمية المنسوبة إليه فى القرآن هى أمية الدين والإيمان فهل هذا صحيح؟
الجواب قال تعالى {وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون} العنكبوت: 48، وقال تعالى {الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل} الأعراف: 157. تدل الآية الأولى، على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول القرآن عليه أميا لا يقرأ ولا يكتب وتدل الآية الثانية على أن أهل الكتاب كانوا يعرفونه فى كتبهم بذلك، وهذا أمر لا يختلف فيه أحد، والحكمة فى أميته بينتها الآية، وهى منع اتهام الكافرين له بأن القرآن أخذه عن غيره من الناس، أو نقله من الكتب السابقة، أما بعد نزول القرآن عليه فاختلف العلماء فى كونه بقى على أميته، أو أنه تعلم القراءة والكتابة، فقال بعضهم: إن الأمية زالت عنه، واستدلوا بأدلة ثلاثة، أولها ما جاء فى البخارى أنه غيَّر فى صحيفة صلح الحديبية عبارة "محمد رسول الله " إلى "محمد بن عبد الله " ولا يحسن أن يكتب، وثانيها أنه قرأ صحيفة لعيينة بن حصن وأخبر بمعناها، وثالثها أنه قال عن المسيح الدجال "مكتوب بين عينيه كافر". وقال الجمهور: إنه صلى الله عليه وسلم بقى أميا حيث تظل حكمة أميته باقية، ولا يوجد مطعن فى رسالته وفى القرآن الذى تلقاه وحيا من الله سبحانه ما زال يتنزل منجما مفرقا إلى آخر حياته. وردوا على الدليل الأول لغيرهم بأن كون النبى صلى الله عليه وسلم كتب بعض كلمات لا يمحو عنه وصف الأمية، فكثير من الأميين اليوم يكتبون أسماءهم ويوقِّعون بها ومع ذلك لا يستطيعون أن يقرؤوا ما وقَّعوا عليه، فهم ما يزالون على الرغم من ذلك أميين. وردوا على الدليل الثانى بأن الحديث غير صحيح، فلا يعارض الصحيح القوىَّ من النصوص، كما ردوا على الدليل الثالث بأن معرفته لبعض الحروف لا تمحو عنه وصف الأمية. هذا، وإذا كانت أمية الرسول صلى الله عليه وسلم وصف كمال له حكمته، فإن الأمية فينا وصف ينبغى أن نتخلى عنه، لأن النصوص كثيرة فى الحث على التعلم والتعليم، والقراءة من أقوى المفاتيح لذلك، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم فى فداء أسرى بدر تعليم بعض أولاد الأنصار القراءة والكتابة. ونحن حين نحمد للكتَّاب غيرتهم ودعوتهم إلى محو الأمية نرجو منهم أن يتحروا الصدق فى الأخبار المنقولة عن النبى صلى الله عليه وسلم وما يساعدهم من النصوص الصحيحة على دعواهم كثير (8/176) ________________________________________ ختان النبى صلى الله عليه وسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم ولد مختونا؟
الجواب ختان الرسول صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أقوال. القول الأول: أنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا مسرورا، أى مقطوع السرة، وروى فى ذلك حديث لا يصح كما ذكره أبو الفرج بن الجوزى فى الموضوعات، وهو "كرامتى على ربى أنى ولدت مختونا ولم ير سوأتى أحد" فليس لهذا القول سند من حديث ثابت، كما أن ولادته مختونا ليست من خواصه، فإن كثيرا من الناس يولدون كذلك كما ذكره ابن القيم فى "زاد المعاد" ج 1 ص 18. والقول الثانى: أنه ختن يوم شق قلبه الملائكة عند حليمة السعدية التى كانت ترضعه، والحديث الوارد فيه أيضا غير صحيح. والقول الثالث: أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعه، وصنع له مأدبة وسمَّاهُ مُحَمَّدًا، قال أبو عمر بن عبد البر فى كتابه "التمهيد لما فى الموطأ من المعانى والأسانيد" إن الوارد فى ذلك حديث مسند غريب، وقد تفرد به ابن أبى السرى كما قال أحد رواته. والراجح أن جده ختنه على عادة العرب فى ذلك. (8/177) ________________________________________ الإبل والشياطين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الإبل خلقت من الشياطين وإن وراء كل بعير شيطانا ومن أجل ذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فى مبارك الإبل؟
الجواب جاء فى كتاب "حياة الحيوان الكبرى " للدميرى المتوفى سنة 808 هـ أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة فى مبارك الإبل فقال "لا تصلوا فى مبارك الإبل فإنها مأوى الشياطين ". وروى النسائى وابن حبان من حديث عبد الله بن مغفل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إن الإبل خلقت من الشياطين ". ولم يعلق على هذا الحديث. وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى (جزء 2 صفحة 142) حديث ابن مغفل عند أحمد بإسناد صحيح بلفظ "لا تصلوا فى أعطان الإبل فإنها خلقت من الجن، ألا ترون إلى عيونها وهيئتها. إذا نفرت ". ولم يبين معنى خلقها من الجن، فقد يكون المراد أن فيها شرا إذا نفرت وهاجت، فالأمر على التشبيه وليس على الحقيقة على ما أراه. (8/178) ________________________________________ إذا التقى المسلمان بسيفيهما
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار" وهل ينطبق على ما حدث بين على ومعاوية؟
الجواب روى البخارى ومسلم عن أبى بكرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار" قلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال "إنه كان حريصا على قتل صاحبه " قال النووى فى شرحه "صحيح مسلم ج 18 ص 11 "كون القاتل والمقتول من أهل النار محمول على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها ... ثم قال: واعلم أن الدماء التى جرت بين الصحابة رضى الله عنهم داخلة فى هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا فى الخطأ، لأنه بالاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وكان علىٌّ رضى الله عنه هو المحق المصيب فى تلك الحروب. هذا مذهب أهل السنة وكانت القضايا مشتبهة، حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا، ولم يتيقنوا الصواب ثم تأخروا عن مساعدته منهم. انتهى. ونقل الشوكانى "نيل الأوطار ج 7 ص 50" عن الحافظ ابن حجر ما يتفق مع ما ذكره النووى، وذكر ما أخرجه البزار فى رواية "إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول فى النار" ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ "لا تذهب الدنيا حتى يأتى على الناس زمان لا يدرى القاتل فيم قَتل ولا يدرى المقتول فيم قُتل " فقيل كيف يكون ذلك؟ قال " الهرج، القاتل والمقتول فى النار" قال القرطبى: فبيَّن هذا الحديث أن القاتل إذا كان على جهل من طلب دنيا أو اتباع هوى فهو الذى أريد بقوله "القاتل والمقتول فى النار" قال الحافظ: ومن ثَم كان الذين توقفوا عن القتال فى الجمل وصفِّين أقل عددا من الذين قاتلوا، وكلهم مأجور إن شاء الله، بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا. هذا، وقد حمل بعض العلماء الحديث على من استحل ذلك، ويؤيد أن الوعيد هو لمن قاتل للدنيا وليس لله حديث رواه مسلم "من قاتل تحت رواية عُمية فغضب لغضبه، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبيته فقتل فقتلة جاهلية" والعمية هى الجهل (8/179) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:54 am | |
| حديث " الأئمة من قريش "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل ورد حديث يحصر الخلافة أو الإمامة فى قريش، وهل له أثر بين المسلمين فى العصر الحاضر؟
الجواب موضوع الخلافة أو الإمامة الكبرى أولاه المسلمون عناية بالغة منذ الساعات الأولى بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وتحدث عنه علماء التوحيد وفقهاء المذاهب، وقرر جمهورهم أن نصب الإمام واجب، بصرف النظر عن كون الوجوب عقليا أو سمعيا، وأوردوا آيات وأحاديث، وقرروا أن المسلمين مجمعون على ذلك، غير آبهين بأقوال شاذة لبعض الفرق، ووضعوا شروطا لمن يصلح للإمامة أشرت إليها فى كتابى "الإسلام هو الحل " الذى طبع مرة ثانية بعنوان "المنهج السليم إلى طريق الله المستقيم " ويهمنا هنا من الشروط ما يتصل بالسؤال وهو حديث "الأئمة من قريش " وخلاصة ما قيل فى ذلك ما يأتى: روى البخارى ومسلم حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم ورد بألفاظ متقاربة جاء فيها أن الناس تبع لقريش، وأن الأئمة يكونون منهم، ويؤخذ من كلام الماوردى المتوفى سنة 450 هـ فى كتابه "الأحكام السلطانية" ومن كلام النووى المتوفى سنة 676 هـ فى شرح صحيح مسلم "ج 12 ص 199 وما بعدها" ومن كلام الإيجى من علماء القرن الثامن الهجرى فى كتابه "المواقف فى علم الكلام " ومن كلام ابن خلدون المتوفى سنة 808 ط فى كتابه "المقدمة" ومن مصادر أخرى: أن الناس فى اشتراط القرشية فى الخليفة فريقان: الفريق الأول: يشترط فى الخليفة -إلى جانب الشروط الأخرى - أن يكون قرشيا، وهو رأى الجمهور الذى قال به أهل السنة، وأكثر الزيدية وأكثر المرجئة، وسائر فرق الشيعة ومن أدلتهم على ذلك: ا - حديث البخارى ومسلم "لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقى من الناس اثنان " ب - حديث مسلم "الناس تبع لقريش فى الخير والشر" ومعناه فى الإسلام والجاهلية كما هو مصرح به فى رواية لمسلم "الناس تبع لقريش فى هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم " لأنهم كانوا فى الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب الحرم، ولما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس ودخلوا فى دين الله أفواجا، وكذلك فى الإسلام هم أصحاب الخلافة والناس تبع لهم. . ي - حديث "قدموا قريشا ولا تَقَدَّموها" أى لا تتقدموا عليها. أخرجه الشافعى فى المسند والبيهقى فى المعرفة، كلاهما عن ابن شهاب الزهرى بلاغا، أى قال: بلغنا عن رسول الله ذلك. وابن عدى فى الكامل عن أبى هريرة وصححه السيوطى. وورد فى حديث ثالث أخرجه البزار فى مسنده عن على وصححه السيوطى "فيض القدير للمناوى على الجامع الصغير ج 4 ص 511". د- الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على عدم مزاحمة قريش فى الخلافة إلى عصر النووى ومن كتبوا فى هذا الموضوع. ويستند الإجماع إلى الحديث القائل "ما بقى من الناس اثنان ". يقول القاضى عياض -كما نقله النووى-: اشتراط كونه قرشيا هو مذهب العلماء كافة، قال: وقد احتج به أبو بكر وعمر رضى الله عنهما على الأنصار يوم السقيفة - سقيفة بنى ساعدة - فلم ينكره أحد، وبيان ذلك أن المسلمين لما اجتمعوا فى السقيفة عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم لاختيار خليفة له، بايع الأنصار سعد بن عبادة، وقالوا للمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير، فاحتجت قريش - المهاجرون - على الأنصار بهذا الحديث وقالوا لهم: إن النبى صلى الله عليه وسلم أوصانا بأن نحسن إلى محسنكم ونتجاوز عن مسيئكم، ولو كانت الإمارة فيكم لم تكن الوصية لكم، فرجع الأنصار عن قولهم. والذين حصروا الخلافة فى قريش اختلفوا فى تعميمها فى كل قريش أو تخصيصها ببعض منهم، كبنى عبد المطلب أو بنى أمية أو غيرهما، وذهب ببعضهم التعصب إلى حد التجاوز عن الشروط الأخرى التى يجب توافرها فى الإمام، فأجازوا عقدها للقرشى ولو كان عاجزا عن القيام بأمور المسلمين. الفريق الثانى: لا يشترط القرشية فى الإمام، وهو قول المعتزلة وجماعة الزيدية، وجميع الخوارج إلا النجدات. وقد حمل عليهم أصحاب الرأى الأول حملة عنيفة، جاء منها قول القاضى عياض -كما نقله النووى-: لا اعتداد بقول النظَّام -من المعتزلة -ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع إنه يجوز كونه من غير قريش، ولا بسخافة ضرار ابن عمرو " الغطفانى " فى قوله: إن غير القرشى من النبط وغيرهم يقدم على القرشى. لهوان خلعه إن عرض منه أمر، وهذا الذى قاله من باطل القول وزخرفته، مع ما هو عليه من مخالفة إجماع المسلمين "النووى على مسلم ج 12 ص 200 ". استند هذا الفريق إلى ما يأتى: ا-أن الله لم ينص على رجل بعينه، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على ذلك، ولا اجتمع المسلمون عندهم على رجل بعينه، فاختيار ذلك مفوض إلى الأمة، ورد عليهم الجمهور بأنه لم ينص على رجل، وإنما نص على النوعية أو الجماعة التى يكون منها، وهى قريش. ب - الحديث الصحيح " اسمعوا وأطيعوا وإن ولِّى عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة" وهذا يدل على أنه يجوز أن يكون الإمام عبدا حبشيا وليس قرشيا، وردَّ عليه بأن الحديث خرج مخرج التمثيل والفرض، وذلك للمبالغة فى وجوب السمع والطاعة. جـ - قول عمر بن الخطاب: لو كان سالم مولى أبى حذيفة حيًا ما جعلتها شورى، أو لوليته، أو لما دخلتنى فيه الظنة ورُدَّ عليه بأن مذهب الصحابى ليس بحجة، أو بأن مولى القوم منهم وعصبية الولاء حاصلة لسالم فى قريش، وعندما استعظم عمر أمر الخلافة ورأى شروطها كأنها مفقودة فى ظنه عدل إلى سالم لتوفر هذه الشروط فيه حتى من النسب المفيد للعصبية. د-الإجماع: فالاختيار جرى فى أمصار، ولم يَبدُ نكير عن عالم على أصل الاختيار، وردَّ عليه بأن الاختيار فى الأمصار لم يكن للخليفة العام بل لأمراء فى الأقاليم أو لحكام فى ولايات استقلت. هذا ملخص ما قيل فى اشتراط القرشية وعدم اشتراطها، والذى رآه كبار المحققين، وهو موافق لروح الشريعة وحكمة الشروط التى اشترطت فى الإمامة، ما يلى: ا - أن الإمام لابد أن تكون فيه الكفاية للقيام بمهمته، من سلامة الجسم وسلامة الفكر واستقامة السلوك، ومن الهيبة التى يحترمه بها الصديق ويخشاه العدو، وهذه الهيبة لها عدة عوامل، قد يكون منها أصالة النسب وقوة العشيرة ووفرة الغنى وكثرة الانتصارات فى ميادين الإصلاح وغير ذلك. 2 - أن اشتراط القرشية التى نص عليها الحديث، ليس المقصود منه التبرك بالانتساب إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعشيرته، فليس ذلك من مقاصد الإمامة، وإنما من مقاصدها قوة النفوذ وهيبة السلطان لتحقيق المصلحة للأمة ودفع الشر عنها، وإذا كان الحديث متفقا مع هذا المقصد فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم وبعدها بقليل، فربما لا يتفق فى وقت آخر، فيكون واقعة حال لا يتعداها، ولا تُلتزم بعد ذلك. 3 - وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم جعل الخلافة فى قريش مؤبدة "ما بقى فى الناس اثنان " فليس ذلك على إطلاقه، بل هو مشروط بتوافر العوامل الأخرى فيهم حتى تكون من حقهم، ويدل على ذلك ما رواه أحمد برواة ثقات والبزار والدارقطنى وهو: أن النبى صلى الله عليه وسلم وقف على باب بيت فيه نفر من قريش وقال "إن هذا الأمر فى قريش ما إذا استُرحموا رحموا وإذا حكموا عدلوا، وإذا قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل " وجاء فى رواية لأحمد عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الأئمة من قريش، إن لى عليكم حقا ولهم عليكم حقا مثل ذلك، ما إن استرُحموا رحموا، وإن عاهدوا وفُّوا، وإن حكموا عدلوا. . . " وهذا ما أميل إليه من أن العبرة بوجود الشروط التى تليق بمقام الإمامة وتساعد على تحقيق المصلحة العامة، ولا يغيب عنا قوله صلى الله عليه وسلم "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فقد ضيعت الأمانة " رواه البخارى، وما جاء من الأحاديث التى تنهى عن تولية من ليس كفؤا للولاية فى أى قطاع من القطاعات، وما فعله صلى الله عليه وسلم من تفضيله تولية القيادة والإمارة من يصلح أكثر من غيره من السابقين فى الإسلام، ومن عدم الاستجابة لأبى ذر عندما طلب منه ولاية، حيث قال له "إنك ضعيف وإنها أمانة" رواه مسلم. ولعل بعض القائلين بعدم اشتراط القرشية فى الإمامة لاحظوا فى أزمانهم ذهاب القوة التى كان يتمتع بها القرشيون. وقد أشار إلى ذلك ابن خلدون فى مقدمته فقال: ومن القائلين بنفى اشتراط القرشية أبو بكر الباقلانى لما أدرك ما عليه عصبية قريش من التلاشى والاضمحلال واستبداد ملوك العجم على الخلفاء، فأسقط القرشية وإن كان موافقا لرأى الخوارج لما رأى عليه حال الخلفاء لعهده (8/180) ________________________________________ نور النبى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يعتقد بعض الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم خلق من نور لقوله تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} نرجو التوضيح؟
الجواب كلمة النور تطلق فى القرآن أحيانا على القرآن الكريم وأحيانا على النبى صلى الله عليه وسلم باعتبار أن كلا منهما ينير للناس طريق الخير، بل تطلق أيضا على الله سبحانه فى قوله {الله نور السماوات والأرض} النور:35. إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُخلق من نور، فهو من ذرية آدم وآدم من طين، وهو القائل "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر". والله سبحانه أمره أن يُبيِّن للناس ذلك فقال {قل إنما أنا بشر مثلكم} الكهف: 110وقال {سبحان ربى هل كنت إلا بشرًا رسولا} الإسراء: 93 وكون الله أخبر عنه بأنه نور، وكون بعض الآثار جاءت تخبر بأن نوره كان موجودا قبل أن يولد، كل ذلك لا ينفى أنه بشر، وهو عليه الصلاة والسلام ليس فى حاجة إلى اختلاق أمور تزيده شرفا وتكريما، فكفى تشريف الله له، بما ثبت من الأخبار، وقد تحملنا شدة حبه على وضعه فوق ما يستحق وهو القائل كما رواه البخارى " لا تطرونى كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله" وبرهان حبنا له جاء فى قوله " من أحبنى فَليَسْتَنَّ بسنتى " رواه أبو يعلى بسند حسن (8/181) ________________________________________ الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فيمن ينادون بعدم ترديد عبارة: "صل على النبى" أثناء الحديث بين اثنين، وهل إجابة الأمر بالصلاة على النبى هنا واجبة؟
الجواب لا بأس أبدا بترديد عبارة " صل على النبى " أثناء الحديث أو فى أية فرصة أخرى، فهى تذكير للناس بالصلاة على الرسول، لأن فضلها عظيم، والله أمرنا بها فى قوله {إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب: 56. والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم واجبة بدليل الأمر بها. لكن قال العلماء، إن وجوبها مرة واحدة فى العمر، وأما ما عدا ذلك فهى سُنة. وأوجبها الشافعية فى التشهد الأخير من كل صلاة. جاء فى تفسير القرطبى للآية المذكورة: لا خلاف فى أن الصلاة عليه فرض فى العمر مرة، وفى كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التى لا يسع المؤمن تركها، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه. قال الزمخشرى: فإن قلت: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة أم مندوب إليها؟ قلت: بل واجبة. وقد اختلفوا فى حال وجوبها. فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره، ومنهم من قال: تجب فى كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره (8/182) ________________________________________ حديث " الأرواح جنود مجندة "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف "؟
الجواب جاء فى الجامع الكبير للسيوطى أن هذا الحديث رواه البخارى عن عائشة مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ورواه أيضا مسلم وأحمد. وجاء فى تخريج العراقى لأحاديث " إحياء علوم الدين " أن البخارى ذكره تعليقا عن عائشة، أى لم يذكر له سندا، وأن مسلما رواه عن أبى هريرة، وأورد الغزالى مناسبته فى حديث أخرجه الحسن بن سفيان فى مسنده فقال: روى أن امرأة بمكة كانت تُضْحِك النساء وكانت بالمدينة أُخرى، فنزلت المكية على المدنية، فدخلت على عائشة فأضحكتها فقالت: أين نزلت؟ فذكرت لها صاحبتها. فقالت عائشة: صدق الله ورسوله، سمعت رسول الله يقول: " الأرواح جنود مجندة ... "ويراجع توضيح ذلك فى الإحياء " ج 2 ص 142 " طبعة عثمان خليفة (8/183) ________________________________________ حديث "عليكم بدين العجائز "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال " عليكم بدين العجائز " وإذا صح فما المراد به؟
الجواب أورد الإمام الغزالى هذا الحديث فى كتابه "الإحياء" ج 3 ص 67 وعلق عليه العراقى بما نصه: قال ابن طاهر فى كتاب التذكرة: هذا اللفظ تداوله العامة ولم أقف له على أصل يرجع إليه من رواية صحيحة ولا سقيمة، حتى رأيت حديثا لمحمد بن عبد الرحمن بن السلمانى عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم" إذا كان فى آخر الزمان واختلفت الأهواء فعليكم بدِين أهل البادية والنساء" وابن السلمانى له عن أبيه عن ابن عمر نسخة كان يُتهم بوضعها، انتهى، وهذا اللفظ من هذا الوجه رواه ابن حبان فى الضعفاء فى ترجمة ابن السلمانى. هذا وقد جاء فى تفسير القرطبى "ج 7 ص 332 " النص على بعض المتكلمين الذين يرفضون إيمان من لم يعرف الله بالطرق والأبحاث التى عينوها، وقال: هذا تضييق لرحمة الله. وأورد حادثة الأعرابى الذى بال فى المسجد فانتهره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم ارحمنى ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فقال عليه الصلاة والسلام "لقد حَجَّرت واسعا" خرّجه البخارى والترمذى وغيرهما، فلم يعرف الأعرابى ربه بالدليل والبرهان، وأن رحمته وسعت كل شىء واكتفى منه الرسول بالنطق بالشهادتين. كما ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل الجارية السوداء " أين الله "؟ فقالت: فى السماء ثم سألها " من أنا "؟ فقالت أنت رسول الله، فقال لسيدها " أعتقها فإنها مؤمنة" ولم يكن هناك نظر ولا استدلال، بل حكم بإيمانهم من أول وهلة، وإن كان هناك عن النظر والمعرفة غفلة (8/184) ________________________________________ حديث " فضل العامل على المتعبد "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتعبد فى المسجد ولما سأله عمن يعوله قال أخوه، فقال: " هو أعبد منك "؟
الجواب جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى فى فضل الكسب والحث عليه ما نصه: وروى أن عيسى عليه السلام رأى رجلا فقال: ما تصنع؟ قال: أتعبد، قال: من يعولك؟ قال: أخى، قال: أخوك أعبد منك. قال الغزالى هذا الكلام ولم يجعله حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك ما روى أن قوما من الأشعريين كانوا فى سفر، فلما قدموا على النبى صلى الله عليه وسلم قالوا: ما رأينا بعدك أفضل من فلان كان يصوم النهار، فإذا نزلنا قام الليل حتى نرتحل، فقال: " ومن كان يكفله ويخدمه "؟ قالوا: كلنا، فقال "كلكم أفضل منه " وهو موجود فى كتاب " العقد الفريد" لابن عبد ربه، وليس فيه سند له. وتحدث الغزالى فى باب التوكل، وفصل أحوال المتوكلين، ثم ذكر أن الرجل المتوكل على الله إذا تعلق قلبه بالدنيا والكسب كان العمل له أفضل من الانقطاع عنه إلى التعبد والانزواء والكسل، أما إذا قوى إيمانه بالله وتوكل عليه، ولم يتعلق قلبه بالدنيا فالانقطاع إلى العبادة أفضل، على ألا يكون لأحد منَّة عليه فى شىء من رزقه. ومع ذلك فالغزالى يتحدث عن عصره وله ظروفه، أما الآن فالواجب هو التنسيق بين عمل الدنيا وعمل الآخرة، فهما أمران لابد منهما، وذلك على نسق ما قال الله تعالى {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} القصص: 77، وقوله تعالى {فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} الجمعة 10، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "إن لربك عليك حقا ولبدنك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذى حق حقه " رواه البخارى. وذلك ما يوحى إليه قوله تعالى فى قيام الليل والاقتصاد فيه {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون فى سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه} المزمل: 20، وتوضيح ذلك فى كتابى " الإسلام دين العمل " (8/185) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 8:57 am | |
| لعن الزمن وغيره
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فيمن يلعن اليوم أو الدهر أو غيرهما؟
الجواب اللعن معناه الطرد من رحمة الله، وهو منهى عنه بوجه عام، فالمؤمن لا يكون لعانا ولا يكون شفيعا ولا شهيدا يوم القيامة كما جاء فى الأحاديث التى رواها مسلم، وروى أبو داود والترمذى حديث " من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه " حتى الدابة لا يجوز لعنها، فقد روى مسلم أن امرأة من الأنصار كانت فى سفر مع النبى فضجرت من ناقتها فلعنتها، فقال الرسول "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" وقال كما رواه مسلم فى رواية أخرى " لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة". جاء فى الأذكار للنووى "ص 350" أنه يجوز لعن أصحاب المعاصى بالعنوان العام كما لعن الرسول آكل الربا والواصلة والنامصة والسارق ومن يلعن والديه، ومن اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ... أما لعن إنسان بعينه ممن اتصف بشىء من المعاصى كزانٍ وسارق وآكل ربا فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام، وأشار الغزالى إلى تحريمه إلا فى حق من علمنا أنه مات على الكفر كأبى لهب وأبى جهل وفرعون وهامان وأشباههم، قال: لأن اللعن هو الإبعاد عن رحمة الله تعالى وما ندرى ما يختم به لهذا الفاسق أو الكافر وأما الذين لعنهم رسول الله بأعيانهم فيجوز إنه علم موتهم على الكفر. انتهى. والذى يلعن الزمان أو المكان خالف هدى الرسول صلى الله عليه وسلم فى النهى عن اللعن. وبخصوص الدهر جاء حديث البخارى ومسلم " قال الله تعالى: يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر، بيدى الليل والنهار" وفى رواية " أقلب ليله ونهاره، وإذا شئت قبضتهما" وفى رواية لمالك " لا يقل أحدكم يا خَيْبَةَ الدهر، فإن الله هو الدهر". يقول الحافظ المنذرى: معنى الحديث أن العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة أو أصابه مصيبة أو مكروه يسب الدهر، اعتقادا منهم أن الذى أصابه هو فعْلُ الدهر، فكان هذا كاللعن للفاعل، ولا فاعل لكل شىء إلا الله تعالى خالق كل شىء، فنهاهم النبى صلى الله عليه وسلم عن سب الدهر، لأنه مدرجة لسب فاعل الأمور وخالقها وهو الله تعالى (8/186) ________________________________________ حديث " أنت ومالك لأبيك "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سافرت إلى بعض البلاد وكنت أرسل لأبى ما أدخره من أجل أن يبنى لى بيتا أو يشترى أرضا أكسب منها عيشا عندما أعود إلى بلدى، فوجدت أبى سجل ما اشتراه باسمه هو وقال إنه شركة بينك وبين إخوتك، ولما قلت له: وأين كسبى؟ قال لى، أما تعرف أن الرسول قال للولد: أنت ومالك لأبيك؟ فهل هذا صحيح؟
الجواب إن الجهل بالدين سبب لكثير من ألوان الانحراف، والطمع كذلك مدرجة للانزلاق، وضعف الروح الأخوية أو تحكم الأثرة والأنانية التى لا يقوم بها مجتمع سليم. قال العلماء فى مظاهر بر الولد بوالديه: لابد من الإنفاق عليهما النفقة المناسبة من طعام وكساء ومسكن وما إلى ذلك من الضروريات، بشرط أن يكون ذلك فى وسع الولد، ولا يضر به ضرراً واضحاً، فإذا استولى الوالدان على مال ولدهما لحاجتهما إليه فلا شىء فيه بشرط عدم الضرر بالولد، كأن يأخذا ما يزيد على كفايتهما، ولا يمكنانه من أداء التزاماته الخاصة، وإلا كان على الولد أن يعطيهما فقط مقدار الكفاية، وهو النفقة الواجبة، ويبقى لنفسه ما يعيش به مع أسرته. أخرج البيهقى عن قيس بن أبى حازم قال: جاء رجل إلى أبى بكر رضى الله عنه فقال: إن أبى يريد أن يأخذ مالى كله يجتاحه، أى لا يُبْقى منه شيئا، فقال لأبيه: إنما لك من ماله ما يكفيك. فقال: يا خليفة رسول الله، أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنت ومالك لأبيك"؟ فقال: نعم، وإنما يعنى بذلك النفقة "تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 66". والحديث المذكور رواه ابن ماجه عن جابر، ورواه الطبرانى عن سمرة وابن مسعود بسند صحيح، جاء فى معجم المغنى لابن قدامة الحنبلى "ص 2" أن للأب دون غيره أن يأخذ من مال ولده ما يشاء ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيراً كان الولد أو كبيراً، بشرطين: ألا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً تعلّقت به حاجته. وألا يأخذ من مال ولده فيعطيه لآخر. وروى البيهقى فى الدلائل والطبرانى فى الصغير والأوسط بسند فيه من لا يعرف عن جابر: أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم يشكو إليه والده بأنه أخذ ماله، فأرسل خلفه -استدعاه- فجاء إلى النبى وسأله عما يقوله ولده فقال: سَلْه، هل أنفقه إلا على إخوته وعماته؟ وبعد أن سمع منه أبياتا "انظر الجزء الخامس من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " قال النبى لابنه "أنت ومالك لأبيك" وجاء فى تفسير الزمخشرى "الكشاف " أن الولد غَنى وأن أباه صار عاجزاً يتوكأ على عصا، وأن النبى صلى الله عليه وسلم بكى لمنظره وأنه قال "ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى" ولكن مخرِّج أحاديث الكشاف قال: لم أجده فالحديث ضعيف. ولما كان بعض الآباء يتحرج من أخذ شىء من مال أولاده، لأنه مال للغير، جاء النص الذى يطيِّب النفس بأخذ ما يحتاج إليه منه، ففى الحديث "إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا كسب أولادكم" رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه. وهو صحيح ذكره السيوطى فى "الجامع الصغير" والبغوى فى "مصابيح السنة " وابن القيم فى "إعلام الموقعين، وفى زاد المعاد "ج 4 ص 164 " (8/187) ________________________________________ من الذى سمى الرسول محمد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من الذى سمى الرسول صلى الله عليه وسلم باسم محمد؟
الجواب ذكر كلام كثير وأخبار لا ترقى إلى درجة الصحة أن الذى سمى الرسول باسم محمد هو الله سبحانه قبل الخلق بآلاف السنين. وأن آدم وجد اسمه مكتوبا على ساق العرش وهو ما يزال بين الروح والطين، ووجد اسمه مكتوبا على أشياء كثيرة فى الجنة. قال ابن قتيبة: من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم أنه لم يسم قبله أحد باسم محمد، صيانة من الله لهذا الاسم كما فعل مع يحيى حيث لم يجعل له من قبل سميًّا، قال تعالى {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًّا} مريم:7، ولما قرب زمنه وبشر أهل الكتاب بقربه سمى قوم أولادهم بذلك رجاء أن يكون هو، وعدَّهم القاضى عياض ستة فقط، وقال ابن حجر الذى جمع أسماء من تَسمَّى باسمه فى جزء مفرد: إنهم حوالى العشرين مع تكرير فى البعض ووَهْمٍ فى البعض، وانتهى منهم إلى خمسة عشر نفسا، ذكر أسماء المشهورين منهم وقال: لم يدرك الإسلام منهم إلا محمد بن عدى التميمى السعدى، ومحمد بن البراء البكرى لأنه صحابى جزما، وذكر ابن خلكان أنه لا يعرف أحد سمى بمحمد فى الجاهلية إلا ثلاثة: محمد بن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق، ومحمد بن أُحَيْحَة بن الجُلاح أخو عبد المطلب لأمه، ومحمد بن حمران بن ربيعة. والذى سمى النبى صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم جده عبد المطلب لرؤيا رآها، وهى سلسلة فضية ذات أطراف فى السماء والأرض والشرق والغرب، وتأويل الكاهنة بأن عَقِبًا يخرج من ظهره يتبعه أهل المشرق والمغرب، أو لرؤيا رأتها أمه حين أخبرت بحمله وأمرها بتسميته محمدا، ولكن ذلك لم يثبت بطريق صحيح (8/188) ________________________________________ أشياء عليها اسم محمد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح ما يذكره بعض الناس انهم رأوا حيوانات أو نباتات أو أشياء مكتوبا عليها اسم الله أو اسم محمد؟
الجواب ذكرنا أن هناك أخبارا بأن اسم الرسول كان مكتوبا على أشياء فى الجنة قبل أن يولد، وهى أخبار لا تثبت بها حقائق، أما بعد ولادته وبعثته فكثرت الأخبار بأن اسمه وجد مكتوبا على أشياء كثيرة، والرسول فى ليلة المعراج بالسماوات وجد اسمه مكتوبا فيها، وأبو بكر من خلفه، وأن موسى بن عمران وقَّع باسمه بالخط العبرانى على حجر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله. وأن فى بعض بلاد خراسان مولودا كتب على أحد جنبيه اسم محمد، وفى بلاد الهند ورد أحمر مكتوب عليه بالأبيض اسمه، وأن بعض الناس شك فى هذا ففتح ورقة ورد لم تفتح فوجد الاسم مكتوبا، وكذلك وجد اسمه على شجرة فى الهند يتبركون بها، وأن صيادا صاد سمكة فوجد الاسم مكتوبا على أحد جنبيها، وأن بطيخة أو حبة عنب عليها هذا الاسم. هذا كله مكتوب فى مؤلفات عن السيرة ليس لها سند صحيح أو تحقيق ثابت، وسمعنا فى أيامنا هذه أن بيضة كتب عليها اسم الله أو اسم محمد، وغير ذلك من الأخبار التى أوردها القسطلانى فى "المواهب اللدنية" ج 1 ص 186، 187. وإذا كنا لا نستبعد عقلا أن يوجد ذلك بقدرة الله. أو يكون بفعل بشر فإن مقام النبى صلى الله عليه وسلم مقام عظيم، ورسالتهُ رسالة حق لا يجهلها أحد اليوم، ونحن فى حل أن نصدق هذه الأخبار أو لا نصدقها مع عقيدتنا القوية فى شرف المصطفى وصدق رسالته. وحُبُّنَا له يكون بنشر دعوته الصحيحة ما أمكن، وبالعمل بها نصا وروحا، وإثبات جدارتها بأنها لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وجدارتنا بأن نحمل هذا الوسام العظيم {كنتم خير أمة أُخرِجَتْ للناس} آل عمران: 110 (8/189) ________________________________________ ظل الرسول صلى الله عليه وسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى فى الشمس لا يكون له ظل على الأرض فهل هذا صحيح؟
الجواب جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرحها للزرقانى "ج 4 ص 220 " عند الكلام على مشى النبى صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن له ظل فى شمس ولا قمر، وعلَّلَه ابن سبع بأنه كان نورا، وعلله رزين بغلبة أنواره، وقيل: إن الحكمة فى ذلك صيانة ظله عن أن يطأه كافر. ونَفْىُ أن يكون له ظل رواه الترمذى الحكيم عن ذكوان مولى عائشة ورواه ابن المبارك وابن الجوزى عن ابن عباس بلفظ: لم يكن للنبى صلى الله عليه وسلم ظل، ولم يقم مع الشمس قط إلا غلب ضوؤُه ضوءَ الشمس، ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوء السراج. وقال ابن سبع: كان صلى الله عليه وسلم نورا، فكان إذا مشى فى الشمس أو القمر لا يظهر له ظل، وقال غيره: ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم فى دعائه لما سأل الله أن يجعل فى جميع أعضائه وجهاته نورا ختم بقوله "واجعلنى نورا" أى والنور لا ظل له، وبه يتم الاستشهاد. هذا ما نقل وليس فيه نص قاطع أو صحيح، ولا مانع أن يكون ذلك تكريما للنبى صلى الله عليه وسلم، وكونه نورا لا يتحتم منه ألا يكون له ظل، فهو نور للعالمين برسالته الخالدة (8/190) ________________________________________
إسلام مارية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل أسلمت مارية قبل زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم أم بعد الزواج منه، وهل أعتقها وهل عقد عليها أم كانت من بين ما ملكت يمينه، ولماذا لم تخاطب بأم المؤمنين كبقية زوجات النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب مارية القبطية المولودة فى "حَفن " المسماة الآن بالشيخ عبادة بالمنيا مقابل الأشمونين، أهداها المقوقس " جريج بن مينا " القبطى سنة سبع من الهجرة إلى النبى صلى الله عليه وسلم هى وأختها "سيرين " عندما عرض عليه حاطب بن أبى بلتعة كتاب النبى صلى الله عليه وسلم بدعوته إلى الإسلام، وفى الطريق إلى المدينة المنورة عرض عليها حاطب الإسلام فأسلمت، وكذلك أسلمت أختها التى وهبها النبى صلى الله عليه وسلم إلى حسان بن ثابت. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتسرى بها، أى يتمتع بها بملك اليمين ولم يعتقها ولم يتزوجها بعقد، وولدت له إبراهيم الذى مات صغيرا، والولد من الأَمة المتمتع بها بملك اليمين يكون حرا، ومع أنها ليست زوجة معقودا عليها كان يحجبها كما يحجب زوجاته، وقد ظلت أمة لكن تحررت بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم كما تُحرر كل أم ولد. ولعدم العقد عليها لا يطلق عليها اسم زوجة، ولا يطلق عليها لقب "أم المؤمنين " لأن الله تعالى قال {وأزواجه أمهاتهم} الأحزاب: 6 (8/191) ________________________________________ حديث " شعر الرجل والمرأة "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: بارك الله فى الرجل المشعر، والمرأة الملساء؟
الجواب لم أعثر على حديث صحيح بهذا اللفظ، وإن كان من السنة إبقاء شعر اللحية ونتف الإبط وحلق العانة للرجل، وفى الحديث نهى المرأة عن النمص وهو إزالة شعر الخدين، وقد حمله ابن الجوزى على التدليس والإغراء، وأباحه للزوج. وذكر أن امرأة سألت عائشة رضى الله عنها عن قشر الوجه، أى وضع دواء عليه ليصفو لونها، فقالت: إن كان شىء وُلدت به فلا يحل لها، لا آمرها ولا أنهاها، وإن كان شىء حدث فلا بأس، تعمد إلى ديباجة كساها فتنحيها عن وجهها، ولا آمرها ولا أنهاها. وجاء فى معجم المغنى لابن قدامة "طبعة الكويت 877" أن المرأة يكره لها حلق شعرها، ويجوز لها حَفُّ وجهها ونتف شعره "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ج 3 ص 305" (8/192) ________________________________________ حديث " أصحابى كالنجوم "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم؟
الجواب هذا حديث ضعيف وقيل موضوع (8/193) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:00 am | |
| المعراج من المسجد الأقصى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا كان المعراج من بيت المقدس ولم يكن من مكة؟
الجواب لقد حدث الإسراء من مكة وانتهى إلى المسجد الأقصى بالشام، كما نص على ذلك القرآن الكريم، وهو معجزة من أنكرها كفر لتكذيبه خبر القرآن، وهو قاطع فى ثبوته ودلالته، والمعراج معجزة أثبتتها السنة، وفى منكرها خلاف بالقول بالكفر أو بالفسق. وجاء فى بعض الروايات أن المعراج كان من مكة وكان على البراق، وإن كانت رواية المعراج من المسجد الأقصى هى الأقوى، وكون المعراج على البراق غريب، لأنه إلى السماوات وليس إلى موضع آخر فى الأرض حيث يكون التناسب بينها وبين الدابة التى هى البراق، ولعل التعبير "بالمعراج " من مكة خطأ بدل "الإسراء". من الطبيعى أن يحدث الإسراء من مكة-كما أخبر القرآن - لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فيها منذ ولد ونشأ وبدأ الدعوة وحدثت له الظروف التى كانت مقدمة للإسراء، وكان هو والمعراج بعيدين عن مكة لحكم جليلة منها: 1 -إثارة التعجب عند المشركين، كيف تم الانتقال والمسافة بعيدة، ولإمكان تصديقه طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم وصف بيت المقدس. 2 -أن المسجد الأقصى كان فيه اجتماع الأنبياء الذين احتفلوا به وكرموا الرسول بإمامته لهم فى الصلاة، وكأن الله يقول له: إن لم يؤمن بك المشركون فقد آمن بك وكرَّمك من هم أفضل منهم، وهم أفضل البشر، أنبياء الله المصطفون الأخيار، وفى ذلك تسلية وعزاء للرسول صلى الله عليه وسلم وتنشيط له ليستمر فى دعوته. 3-وفى حفاوة الأنبياء به إشارة إلى وحدة الأديان، وكما جاء فى الحديث الصحيح " الأنبياء إخوة من عَلاَّت، أمهاتهم شتى ودينهم واحد". 4 - وفى ذلك إشارة إلى أن دين الإسلام سينتشر على الرغم من محاولات أهل مكة للقضاء عليه، وستغطى دعوته العالم كله، لأن فيه خلاصة الدعوات السابقة، مع المبادئ الصالحة لمسايرة البشرية فى تطورها المستمر. لقد كان المعراج من المسجد الأقصى ليكون بعد الاحتفال الأرضى العام بالرسول احتفال خاص فى السماء لم يحظ به نبى من الأنبياء، وكانت صفوة منهم فى طريق عروجه يستقبلونه ويكرمونه فى السماء كما كرموه فى الأرض، وكان كل منهم يمثل مرحلة من حياته صلى الله عليه وسلم أحس فيها بنصر الله لهم على الرغم مما حدث لهم من أقوامهم. هذا بعض ما أحس به من كون المعراج كان من المسجد الأقصى ولم يكن من مكة كالإسراء، ولكلٍّ أن يقرأ ما بين السطور، ويستشف ما يفتح الله به عليه، والأسرار فى التشريعات كثيرة لا يحيط بها إلا من وضعها سبحانه وتعالى (8/194) ________________________________________ ولادة الأمة ربتها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال جاء فى الحديث أن من علامات الساعة أن تلد الأمة ربتها، فما معنى ذلك؟
الجواب صح فى الحديث أن جبريل عليه السلام سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن أمارات الساعة، فقال " أن تلد الأَمة ربتها " يعنى أن المرأة الرقيقة غير الحرة تلد بنتا تكون هذه البنت حرة وسيدة مالكة لأمها. جاء فى شرح صحيح مسلم "ج 1 ص 158" قال الأكثرون من العلماء: هو إخبار عن كثرة السرارى - الإماء - وأولادهن. فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها، لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، وقد يتصرف فيه فى الحال تصرف المالكين إما بتصريح أبيه له بالإذن، وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال. وقيل: معناه أن الإماء يلدن الملوك، فتكون أمة من جملة رعيته، وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته، وهذا قول إبراهيم الحربى. وقيل: معناه أنه تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد فى آخر الزمان - وبيعهن حرام - فيكثر تردادها فى أيدى المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدرى. يقول النووى بعد سرد هذه الأقوال: إن هناك أقوالا أخرى غير ما ذكرناه، ولكنها أقوال ضعيفة جدًّا أو فاسدة فتركتها. اهـ. وهذا القدر كاف فى فهم معنى أن تلد الأمة ربتها، وخلاصته فساد الزمان (8/195) ________________________________________ داعب ولدك سبعا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث " داعب ولدك سبعا، وأدبه سبعا، وآخه سبعا، ثم اترك له الحبل على الغارب "؟
الجواب لم أر هذا حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم، ومثله موجود فى كلام العلماء والمربين، جاء فى "إحياء علوم الدين للإمام الغزالى " فى حقوق الوالدين والأولاد: وقد قيل: ولدك ريحانتك فشمها سبعا، وخادمك سبعا، ثم هو عدوك أو شريكك. والمراد بهذا الكلام أن يعامل الوالد ولده فى تربيته بحكمة، فالأسلوب يختلف فى مراحل العمر، من الطفولة إلى الصبا إلى المراهقة إلى البلاغ، وشرح ذلك يطول "انظر الجزء الرابع من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " (8/196) ________________________________________ ووجدك ضالا فهدى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو الضلال الذى كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يهديه الله، وما صلة ذلك بعصمة الأنبياء؟
الجواب يقول الله سبحانه {ووجدك ضالا فهدى} الضحى: 7، الضلال أنواع، منه ضلال الشرك، وضلال الهوى، وضلال الطريق، الأول فى العقيدة والثانى فى السلوك القولى والعملى، والثالث فى أمور الدنيا، وإن كان فى بعضها تداخل، والدليل العقلى مع إجماع أهل الملل على أن الشرك مستحيل على الأنبياء قبل البعثة وبعدها، فلا يصح أن يكون مقصودا من الآية، والدليل العقلى قام أيضا على استحالة صدور الكبائر من الأنبياء، فلا تصح إرادة ذلك من الآية، بقى النوع الثالث من الضلال وهو ضلال الطريق، سواء منه المادى والمعنوى، وهو الذى يجب حمل الآية عليه، فقد كان صلى الله عليه وسلم فى نشأته بين قومه مطبوعا على التمسك بالكمالات، والبعد عن كل ما يشعر بالخسة والنقص فى الفهم والسلوك، وكانت نفسه تتوق إلى السعى دائما لرفع شأن قومه بما يخلصهم مما ارتكسوا فيه من شرك وسلوك غير مستقيم، ومازال يفكر فى وسيلة تحقق له أمنيته، فلم يجد فى الأديان السائدة، ما يشفى غلته حتى طلعت عليه شمس النبوة، ونزل عليه جبريل يبين له الطريق الذى يسلكه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبهذا هداه الله من حيرته، ويحمل عليه قوله تعالى {ووجدك ضالا فهدى} . وبمثل هذا يفسر قوله تعالى: {ووضعنا عنك وزرك. الذى أنقض ظهرك} الشرح: 2، 3، فالمراد بالوزر الحمل الثقيل الذى أتعب ظهره، وهو حمل معنوى قائم على التفكير الطويل فى تخليص قومه مما هم فيه من كفر وضلال، لأنه صلى الله عليه وسلم، من صغره، لم يكن أنانيا يحب ذاته فقط، ولكنه كان اجتماعيا يشترك مع قومه فى الأمور العظيمة، وبالرسالة خفف الله عنه هذا الحمل، فأنس بجبريل وألف اللقاء به ويسر له أمر الدعوة {فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا} الشرح:5، 6 (8/197) ________________________________________ حديث " سيد القوم خادمهم "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هذه العبارة " سيد القوم خادمهم " حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب هذا القول منسوب إلى النبى صلى الله عليه وسلم بسند ضعيف جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرح الزرقانى "ج 4 ص 117، 118 " أن السُّلمى رواه عن عقبة بن عامر عن الرسول، وفى سنده ضعف أو انقطاع، ورواه غيره أيضا كابن عساكر وأبى نعيم بسند ضعيف جدا مع انقطاعه، ورواه الحاكم والبيهقى والديلمى بألفاظ أخرى مثل "سيد القوم فى السفر خادمهم، فمن سبقهم لخدمة لم يسبقوه بعمل إلا الشهادة" يقول الزرقانى فى شرح المعنى: السيد من يفرغ إليه فى النوائب. فيحمل الأثقال، فلما تحمل الخادم الأمور وكفى المؤنة وما لا يطيقونه كان سيدهم، وأصل العبارة: خادم القوم كسيدهم فبولغ فيه بالقلب المكانى حتى جعل السيد خادما. ومهما يكن من شرح للمعنى فإنه ليس حديثا صحيحا ولا حسنا عن النبى صلى الله عليه وسلم (8/198) ________________________________________ العمل بالعلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم "؟
الجواب ذكر بعض العلماء أن هذا حديث مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ومنهم البيضاوى، وجاء فى "الآداب الكبرى" لابن مفلح أن الإمام أحمد بن حنبل رواه مرفوعا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من طريق أنس بن مالك. وقال أبو نعيم عقب ذلك: ذكر أحمد بن حنبل هذا الكلام عن بعض التابعين عن عيسى بن مريم عليه السلام، فوهم بعض أنه من كلام النبى صلى الله عليه وسلم "غذاء الألباب "ج 1 ص 38 (8/199) ________________________________________ حديث " كل أمر ذى بال "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك فضل لابتداء أى عمل بالبسملة وحمد لله؟
الجواب روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر " وفى رواية "كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع " رواه أبو داود وابن ماجه والنسائى وابن حبان فى صحيحه مرفوعا، قال المناوى: بإسناد حسن وفى رواية عند البغوى "بحمد الله " والكل بلفظ " أقطع " وفى رواية "أجذم " وفى رواية "كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " وفى رواية "بذكر الله " فتكون الروايات ببسم الله الرحمن الرحيم، وبالحمد لله، وبحمد الله، وبذكر الله. ولفظ "أقطع " هو أكثر الروايات. وكذلك لفظا "أبتر وأجذم " ومعنى هذه الألفاظ أنه ناقص البركة. "غذاء الألباب - ج 1 ص 9". هذا، والبسملة بهذه الألفاظ العربية المرتبة من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته، وما جاء فى سورة النمل هو ترجمة لما فى كتاب سليمان لبلقيس لأنه لم يكن عربيا، وفى حديث مرفوع، رواه الطبرانى عن بريدة "أنزل علىَّ آية لم تنزل على نبى بعد سليمان غيرى" بسم الله الرحمن الرحيم "الزرقانى على المواهب ج 1 ص 3 (8/200) ________________________________________ من رحمة النبى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم طلب من الله أن يجعل دعاءه على المؤمن رحمة له؟
الجواب روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإنى قد اتخذت عندك عهدًا لن تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" وفى رواية لمسلم "فأيما أحد دعوت عليه من أمتى بدعوة ليس هو لها بأهل ... " فإن قيل: كيف يدعو بدعوة على من ليس لها بأهل؟ قيل -كما نقله ابن حجر عن المازرى- المراد ليس بأهل لذلك عند الله فى باطن الأمر لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعا عليه، فكأنه يقول: من كان فى باطن أمره عندك ممن ترضى عنه فاجعل دعوتى عليه -التى اقتضاها ما ظهر لى من مقتضى حاله حينئذ-طهورا وزكاة. وهذا صحيح لأن الرسول متعبد بالظواهر وحساب الناس فى البواطن على الله. وما فعله كان اجتهادا، أو لم يكن مقصودا، بل هو مما جرت به عادة العرب فى كلامها بلا نية، كقوله لغير واحد "تربت يمينك " وهذا نادر من النبى فهو لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه "الزرقانى على المواهب ج 5 ص 241" وفى تفسير القرطبى "ج 10 ص 226": أن النبى صلى الله عليه وسلم سَلَّمَ أسيرا إلى أم المؤمنين سودة، فبات يَئنُّ، فسألته فقال: أنينى لشدة القِدَ والأسر، فأرخت من كتافه، فلما نامت هرب، فأخبرت النبى صلى الله عليه وسلم فقال "قطع الله يديك " فلما أصبحت كانت تتوقع الآفة، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنى سألت الله أن يجعل دعائى على من لا يستحق من أهلى رحمة، لأنى أغضب كما يغضب البشر" ونزلت الآية {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا} الإسراء: 110، ذكره القشيرى أبو نصر رحمه الله. انتهى ولم يبين درجة هذه الرواية، وهى خاصة بدعائه على أهله، أما رواية مسلم فهى عامة فى كل من يدعو عليه النبى صلى الله عليه وسلم، وهى أليق بما وصف به من الرحمة الشاملة لأهل بيته وغيرهم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} التوبة: 128، بل الشاملة لمن آمن به ومن لم يؤمن {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء: 107، بل الشاملة للحيوانات أيضا، والأخبار فى ذلك كثيرة (8/201) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:03 am | |
| حديث " فى كرامة العلم "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تعلموا أولاد السفلة العلم، فان علمتموهم فلا تولوهم القضاء والولاية "؟
الجواب لم أجد فى كتب الصحاح هذا الحديث، وجاء فى كتاب "إحياء علوم الدين " للإمام الغزالى "ج 1 ص 49 " وفى بيان وظائف المرشد المعلم فى الوظيفة السادسة: أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه، لحديث "نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم "وجاء من أقوال عيسى عليه السلام "لا تعلقوا الجواهر فى أعناق الخنازير" فإن الحكمة خير من الجوهر، ومن كرهها فهو شر من الخنازير، وقال تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} تنبيها على أن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى، وليس الظلم فى إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم فى منع المستحق، يقول الشاعر: أأنثر درًّا بين سارحة النعم * فأصبح مخزونا براعية الغنم؟ فمن منح الجهال علما أضاعه * ومن منع المستوجبين فقد ظلم وجاء فى "أدب الدنيا والدين " للماوردى "ص 73" روى عن النبى صلى الله عليه وسلم "أنه قال "لا تمنعوا أهله فتظلموا، ولا تضعوه فى غير أهله فتأثموا" ولم يخرج هذا الحديث، كما جاء فيه حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم "واضع العلم فى غير أهله كمقلد الخنازير اللؤلؤ والجوهر والذهب " ولم يخرجه أيضا، وذكر قول عيسى "لا تلقوا الجوهر للخنزير " فالعلم أفضل من اللؤلؤ، ومن لا يستحقه شرعا خنزير. وجاء أيضا فى " إحياء علوم الدين للغزالى ج 1 ص 11 " قول عكرمة: إن لهذا العلم ثمنا، قيل: وما هو؟ قال: أن تضعه فيمن يحسن حمله ولا يضيعه. ثم جاءت أخبار تحذر من تعلم العلم لغير وجه الله منها "لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولتماروا به السفهاء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو فى النار " وهو حديث رواه ابن ماجه بسند صحيح، ولا شك أن السفلة هم الذين يتعلمون من أجل ذلك. وعلى هذا فالحديث المذكور لم يرد نصه بطريق صحيح ولا حسن، ولكن ورد معناه كحديث ابن ماجه المذكور (8/202) ________________________________________ من أمر الرسول بقتلهم فى فتح مكة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هم الذين أمر الرسول بقتلهم فى فتح مكة حتى لو تعلقوا بأستار الكعبة؟
الجواب جاء فى " الأحكام السلطانية" للماوردى " ص 132 " أنهم ستة، هم: 1 -عبد الله بن سعد بن أبى سرح، كان من كتاب الوحى، فكان يغير ما أمره الرسول بكتابته ثم ارتد ولحق بقريش. 2 -عبد الله بن خطل، كانت له جاريتان تغنيان بسب الرسول صلى الله عليه وسلم. 3-الحويرث بن نفيل، كان يؤذى الرسول. 4 - مقيس بن حبابة، كان بعض الأنصار قتل أخاه خطأ فأخذ ديته ثم اغتال القاتل وعاد إلى مكة مرتدا. 5 -سارة مولاة لبعض بنى عبد المطلب كانت تسب وتؤذى. 6 -عكرمة بن أبى جهل، كان يكثر التأليب على الرسول، طلبا لثأر أبيه. فأما ابن أبى سرح فاستأمن له عثمان الرسول فأعرض عنه، وكان يتمنى أن يقتل وأما ابن خطل فقتله سعد بن حريث المخزومى وأبو برزة الأسلمى. وأما مقيس فقتله رجل من قومه اسمه نميلة بن عبد الله، وأما الحويرث فقتله على بن أبى طالب وأما سارة فتغيبت حتى استؤمن لها من الرسول فأمنها ثم تغيبت فداسها فرس لمسلم وماتت أيام عمر. وأما عكرمة بن أبى جهل فهرب إلى البحر، ونصحه صاحب السفينة بالإخلاص فمال قلبه إلى الإيمان فرجع، وكانت زوجته بنت الحارث قد أسلمت وهى أم حليم فأخذت له من الرسول أمانا، فلما رآه الرسول قال " مرحبا بالراكب المهاجر" فأسلم، فقال له الرسول " لا تسألنى اليوم شيئا إلا أعطيتك " فقال: أسألك أن تسأل الله أن يغفر لى كل نفقة صددت بها عن سبيل الله، وكل موقف وقفته لذلك فقال الرسول صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر له ما سأل " فقال: والله لا أدع درهما أنفقته فى الشرك إلا أنفقت مكانه فى الإسلام درهمين، ولا موقفا وقفته فى الشرك إلا وقفت مكانه فى الإسلام موقفين، فقتل يوم اليرموك (8/203) ________________________________________ بين النبى وزوجاته
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما تفسير قوله تعالى {يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم. قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم. وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنباك هذا قال نبأنى العليم الخبير} التحريم: 3- 1؟
الجواب أصح ما ورد فى سبب نزول هذه الآيات أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلا عند بعض زوجاته -زينب بنت جحش، أو حفصة بنت عمر-وكان يمكث عندها طويلا فدبت الغيرة فى قلب بعض زوجاته، وهن بشر يتمنين أن يمكث عندهن كما يمكث عندها، لأن من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يطوف عليهن جميعا كل يوم يسأل عنهن ويقضى حاجتهن، ثم يبيت عند صاحبة النوبة. فقال بعض الزوجات: إذا دخل النبى علينا نقول: إن فى فمك رائحة كريهة-والنبى كان يكره الرائحة الكريهة- فقلن له ذلك. وذكرن أن سببه من الطعام الذى أكله، فقال: أكلت عسلا، فقلن: لعل نحله قد جنت العرفط، يعنى امتصت زهره ورائحته كريهة، فحلف النبى ألا يأكله مرة أخرى، وقد أطلع الله نبيه على ما فعله زوجاته، وبين له كيف يخرج من يمينه، وذلك بكفارة من عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم على ما جاء فى سورة المائدة. وثبت فى صحيح مسلم أن عائشة وحفصة هما اللتان اتفقتا على هذه الحيلة، والذى أسره لهما هو عدم عودته إلى شرب العسل، فأفشيا السر فاخبره الله. وقيل: إن السر هو قوله لهما إن أبويهما سيكونان خليفتين من بعده. وقيل: إن سبب نزول الآيات خلوة الرسول بمارية فى بيت حفصة وكانت غائبة عنه فلما رأت أن ذلك هوان من شأنها قال لها: إنى حرمتها على نفسى ولا تخبرى أحدا، فأخبرت به عائشة، فغضب وحلف ألا يدخل على نسائه شهرا، ولكن سند هذه الرواية ضعيف، أو لا يقف أمام رواية مسلم. ومعنى "عرَّف بعضه وأعرض عن بعض " عرف حفصة أنها أفشت السر لعائشة فى تحريم العسل أو تحريم مارية، وأعرض عن بعض وهو تولى أبى بكر وعمر بعده، حتى لا يفشو الخبر أكثر وأكثر، وجازاها على ذلك بتطليقها ثم أمره الله بمراجعتها (8/204) ________________________________________ الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما المقصود بالصلاة على النبى، وما مدى مشروعيتها، وكيف تُؤَدّى، وما فضلها؟
الجواب يقول الله سبحانه {إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب: 56، يقول العلماء: الصلاة على النبى من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن المؤمنين دعاء، فالمطلوب منا أن ندعو الله أن يزيد من تعظيمه وإكرامه للنبى صلى الله عليه وسلم. وإذا كانت النصوص قد أكدت أن الله سبحانه أعطى لنبيه صلى الله عليه وسلم من المكرمات ما لا يمكن حصره إلا أن طلبنا هذا من الله لنبيه يعد تعبيرا عن مدى حبنا له، وحبنا للرسول علامة من علامات صدق الإيمان، فقد ورد فى الحديث " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ومن الناس أجمعين " كما جاءت روايات أخرى فى هذا المعنى. قال ابن عبد السلام: ليست صلاتنا على النبى صلى الله عليه وسلم شفاعة له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا، فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا - إلى الصلاة عليه. وفى مدى مشروعية هذه الصلاة أقوال: أحدها أنها تجب فى الجملة بغير حصر، لكن أقل ما يحصل به الإجزاء مرة، والثانى أنه يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد، والثالث تجب كلما ذُكر، والرابع تجب فى كل مجلس، والخامس تجب فى كل دعاء، والسادس تجب فى العمر مرة، فى الصلاة أو فى غيرها، ككلمة التوحيد، والسابع تجب فى الصلاة من غير تعيين المحل، والثامن تجب بعد التشهد، إلى غير ذلك من الأقوال. وقال جماعة: إنها مستحبة وليست واجبة. والبحث فى أدلة هذه الأقوال وترجيحها يمكن الرجوع إليه فى كتب السيرة والحديث. وهذه الصلاة تؤدى بأية صيغة كانت، وأفضلها -كما قال كثير من العلماء هى الصلاة الإبراهمية التى تقال بعد التشهد الأخير فى الصلاة، لأن الأحاديث الصحيحة وردت فى أنها هى التى علمها النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه عندما سألوه عقب نزول الآية المذكورة، وفى ألفاظ هذه الصلاة الإبراهمية خلاف يسير جاءت به الروايات. والفوائد التى نجنيها من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم أكثرها فوائد دينية تتعلق بمضاعفة الأجر والثواب، والأحاديث المرغبة فيها كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم "من صلى علىَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا" رواه مسلم، وقوله "ما من أحد يسلم علىَّ إلا رد الله علىَّ روحى حتى أرد عليه السلام " رواه أبو داود، وقوله " أولى الناس بى يوم القيامة أكثرهم علىَّ صلاة" رواه الترمذى وقال: حديث حسن. وقوله "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل على " رواه الترمذى وقال: حسن صحيح. هذا، وقد قال النووى " الأذكار ص 120 ": إذا صلى أحد على النبى صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما، فلا يقل: صلى الله عليه فقط ولا عليه السلام فقط. ويسن عند الدعاء أن يبدأ بالحمد لله أو بتمجيده والثناء عليه ثم يصلى على النبى ثم يدعو ثم يختم بالصلاة عليه، والآثار فى ذلك كثيرة (8/205) ________________________________________ حديث الذبابة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى الحديث المشهور عن غمس الذبابة فى الشراب إذا وقعت فيه؟
الجواب روى البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن فى أحد جناحيه داء وفى الآخر شفاء" وجاء فى روايات لغير البخارى التعبير بإناء بدل شراب، والتعبير بقوله "فامقلوه " بدل "فليغمسه " وأن الذباب يقدم الجناح الذى فيه الداء ويؤخر الجناح الذى فيه الدواء، والحديث يأمر بنزع الذبابة بعد غمسها وعدم تركها فى الإناء. حول هذا الحديث قامت معركة كبيرة بين الأطباء أنفسهم، وأدلى كل فريق بوجهة نظره، وتبين من كلامهم - وهم أهل الذكر فى الناحية الطبية - أن الطب ما زالت فيه أسرار لم يصل العلم إلى كشفها حتى الآن، وقام بعض خبراء التحليل ببحوث أثبت فيها أن الذباب - وبخاصة النوع الذى يعرف بالزنبور- فى جسمه سم وترياق، أو مرض ودواء، ومعروف لدى الجميع أن سم العقرب يعالج بسم العقرب بعد إجراءات خاصة، والتحصين من بعض الأمراض يكون بمسبب هذه الأمراض بعد ترويض الميكروبات أو الفيروسات - حسب مصطلحهم - بعمليات معينة. وأكد علماؤنا الأجلاء أن الحديث ما دام قد ثبت بطريق صحيح فلا ينبغى أن نسارع بتكذيبه إذا خالف شيئا مألوفا لم يصل إلى درجة الحقيقة القاطعة، ولا أن نسارع بتأويله ليناسب ما عهدناه، إلا إذا ثبت بالقطع الذى لا يعتريه شك، فهنا يكون التأويل مسموحا به، ووجوه هذا التأويل كثيرة. والتعارض بين النص والحقيقة هو تعارض فى ظاهر النص لا فى حقيقته، لأن الحقيقتين لا تتعارضان أبدا تعارضا كاملا من كل الوجوه، لأنهما من صنع الله الحكيم. ومن العلماء المرموقين فى التوفيق بين الروايات التى يتعارض بعضها مع بعض: ابن قتيبة الدينورى المتوفى سنة 276 هـ، وأشار إلى حديث الذباب فى كتابه "تأويل مختلف الحديث " وأورد كلام الأطباء فى منافع الحيات والعقارب والذباب. والمرحوم الشيخ يوسف الدجوى أجاب عن هذا الحديث بما لا يخرج عما تقدم وأيده بمحاضرة ألقاها السيد / إبراهيم مصطفى عبده - معيد فى الصيدلة وتركيب العقاقير الطبية - فى جمعية الهداية الإسلامية بالقاهرة بتاريخ 19 / 3/ 1931 م، ونشر ذلك بمجلة الإسلام فى 30/12/1932 م، أيدها بتجارب ونُقُول عن كبار الأطباء العالميين، كما نشر بمجلة الأزهر " عدد رجب 1378 ط " وكان هذا الحديث ضمن الرسالة التى قدمها المرحوم الشيخ محمد محمد أبو شهبة لنيل درجة الأستاذية سنة 1946 م وفيه نُقُول طبية عن كبار الأطباء، ويمكن الرجوع فى هذا الموضوع إلى كتابه "دفاع عن السنة" صفحة 199. وجاء فى محاضرة الأستاذ إبراهيم مصطفى أن الذباب يقع على العفونات وما فيها من جراثيم، ويتحول ما يأكله فى داخل جسمه إلى ما سماه علماء الطب "البكتريوفاج " الذى ينتصر على كثير من الجراثيم، وأثبت ذلك بما نقله عن مجلة التجارب الطبية الإنجليزية "عدد 1037 عام 1927م ". وبرهن على ذلك أيضا الدكتور "دريل " مندوب الصحة البحرية فى الهند للبحث عن ظهور الكوليرا فيها، وقدم تقريرا عن بحوثه فى ديسمبر 1927 م، وأكد فاعلية البكتريوفاج الذى ينقله الذباب من براز الناقهين إلى آبار الماء، فيشربه الأهالى، فسرعان ما تخف عنهم وطأة الكوليرا ثم تزول. وأجريت مثل تجارب الدكتور "دريل " فى البرازيل عن الدوسنتاريا الحادة، واستعمل البكتريوفاج فى علاج الحمى التيفودية، وضد جراثيم أخرى. ويقول الأستاذ إبراهيم مصطفى، اطلعت على تفصيل قوة البكتريوفاج فى مقاومة وإبادة الجراثيم فى كتاب باللغة الإنجليزية اسمه "تمهيد البكتريولوجى العملى " الذى يدرس فى كلية الطب المصرية، يكاد يذكر أنها غير محدودة. ثم يقول الشيخ يوسف الدجوى بعد استشهاده بهذه المحاضرة: ومع ذلك نقول بالاحتياط من الذباب، وغاية ما يريده الحديث أنك إذا فرطت فى الوقاية فلا تفرط فى العلاج بغمس الذبابة كلها (8/206) ________________________________________ حديث المتطوع أمير نفسه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا شرع الإنسان فى عبادة نافلة أى غير مفروضة، كصلاة الضحى وصيام يوم عرفة، وحج التطوع، هل له أن يخرج من هذه العبادة، أو لا بد من إتمامها، وإذا خرج منها هل يجب عليه أن يقضيها أو لا يجب؟
الجواب يقول الله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} محمد: 33. روى البخارى وغيره أن سلمان أمر أبا الدرداء بأن يفطر من صوم كان متطوعا فيه -وذلك عند ما زاره فصنع له طعاما ولم يأكل معه لأنه صائم - ولما ذكرا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم (صلى الله عليه وسلم) قال: " صدق سلمان ". وروى مسلم وأبو داود والنسائى عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال " هل عندكم شئ "؟ فقلت: لا، قال "فإنى صائم " ثم مر بعد ذلك اليوم وقد أهدى إلى حيس، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس، قلت: يا رسول الله إنه أهدى لنا حيس فخبأت لك منه، قال " أدنيه، أما إنى قد أصبحت وأنا صائم " فأكل منه ثم قال لنا "إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها" هذا لفظ رواية النسائى وهو أتم من غيره، وروت أم هانى قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بشراب فناولنيه فشربت منه، ثم قلت: يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة، فقال لها "أكنت تقضين شيئا"؟ قالت: لا، قال " فلا يضرك إن كان تطوعا" رواه سعيد وأبو داود. وفى رواية لأحمد والدارقطنى والبيهقى أنه صلى الله عليه وسلم قال لها "إن المتطوع أمير نفسه، فإن شئت فصومى وإن شئت فأفطرى" وروى الحاكم مثله وصححه. وروى عن عائشة أنها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين فأهدى لنا حيس فأفطرنا. ثم سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "اقضيا يوما مكانه ". من شرع فى عبادة مفروضة حرم عليه أن يفسدها أو يبطلها، بناء على ما ورد فى مبطلات الصلاة والصيام والحج من النصوص، وعليه أن يعيد هذه العبادة على وجهها الصحيح أو يقضيها إن فات وقتها، وإلى جانب النصوص الخاصة بكل عبادة تنهى الآية المذكورة عن إبطال الأعمال، وهو يشمل الإبطال المادى والمعنوى، ومن المعنوى الرياء الذى يبطل الثواب وإن لم يبطل مادة العمل، وعدم الخشوع فى الصلاة، والكذب والزور والغيبة فى الصيام، والرفث والفسوق والجدال فى الحج فى بعض معانى هذه الأمور، فهى تبطل الثواب ولا تبطل الصحة فلا تلزم الإعادة أو القضاء. أما من شرع فى عبادة غير مفروضة كالأمثلة المذكورة فى السؤال فإن الخروج منها وإبطالها ماديا اختلف العلماء فى جوازه ومنعه، ففريق قال بجواز الخروج وعدم وجوب الإتمام، بناء على الحديث الأول عن عائشة والحديث الثانى عن أم هانى إلى جانب حديث سلمان وأبى الدرداء وأجابوا على الآية باحتمال، أن يكون النهى عن إبطال الثواب، فهو ليس نصا فى الإبطال المادى. كما أجابوا على الحديث الثالث الوارد فى عائشة وحفصة بالضعف، قال عنه أبو داود: لا يثبت، وقال الترمذى: فيه مقال، وضعفه الجوزجانى وغيره، وإن قبل هذا الحديث فأمر الرسول لهما بالقضاء للاستحباب لا للوجوب. وقالوا: يستحب إتمام النفل ويستحب قضاؤه إن أبطله وذلك للخروج من الخلاف. وهذا الرأى مروى عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود. وبه أخذ أحمد والشافعى. وفريق قال بحرمة الخروج من التطوع وبوجوب إتمامه، ودليلهم فى ذلك الآية الناهية عن إبطال الأعمال، والحديث الثالث الوارد فى عائشة وحفصة، ورد عليهم الأولون بما سبق ذكره. وعلى هذا الرأى أبو حنيفة ومالك، فالنفل يلزم بالشروع فيه ولا يخرج منه إلا لعذر، فإن خرج وجب القضاء عند أبى حنيفة، ولا يجب عند مالك هكذا قال ابن قدامة، لكن جاء فى فقه المذاهب الأربعة أن المالكية قالوا: يجب قضاء النفل إذا أفسده، فيبدو أن ما قاله ابن قدامة رواية أخرى عن مالك. هذا، وإذا كانت الأحاديث واردة فى الصوم فإن سائر النوافل من الأعمال حكمها حكم الصوم، فى أنها تلزم بالشروع فيها أو لا تلزم، وفى أنها تقضى أو لا تقضى. لكن الحج والعمرة لهما حكم آخر إذا كانا غير واجبين، فإنهما يخالفان سائر العبادات فى هذا، فيجب إتمامهما بالشروع فيهما، ولا يخرج منهما بإفسادهما، وذلك لتأكد إحرامهما كما يقول ابن قدامة فى كتابه "المغنى" انظر صفحة 89، 90، 112 من الجزء الثالث وانظر ص 255 من الجزء السادس عشر من تفسير القرطبى ونيل الأوطار ج 4 ص 209 هذا ما قاله العلماء فى إتمام النفل، وللقارىء اختيار ما يراه فدين الله يسر (8/207) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:05 am | |
| الأشهر الثلاثة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "رجب شهر الله وشعبان شهرى ورمضان شهر أمتى "؟
الجواب ألف ابن حجر العسقلانى رسالة بعنوان "تبيين العجب بما ورد فى فضل رجب " أورد فيها أحاديث ما بين ضعيف وموضوع، وذكر أنه لا يوجد حديث صحيح خاص بفضل الصيام أو الصلاة فى شهر رجب بالذات، ونص عبارته: لم يرد فى فضل رجب ولا فى صيامه ولا فى صيام شىء منه معين، ولا فى قيام ليلة مخصوصة فيه. .. حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقنى إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروى الحافظ. وذكر حديث "رجب شهر الله وشعبان شهرى، ورمضان شهر أمتى" كما ذكر حديث "خيرة الله من الشهور شهر رجب وهو شهر الله من عظم شهر رجب فقد عظم أمر الله، ومن عظم أمر الله أدخله الله جنات النعيم، وأوجب له رضوانه الأكبر، وشعبان شهرى، فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمرى، ومن عظم أمرى كنت له فرطا وذخرا يوم القيامة، وشهر رمضان شهر أمتى، فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته ولم ينتهكه وصام نهاره وقام ليله وحفظ جوارحه -خرج من رمضان وليس عليه دين يطلبه الله تعالى به ". قال البيهقى: هذا حديث منكر "قلت " أى قال ابن حجر: بل هو موضوع ظاهر الوضع، بل هو من وضع "نوح الجامع " وهو أبو عصمة الذى قال عنه ابن المبارك لما ذكره لوكيع: عندنا شيخ يقال له أبو عصمة كان يضع الحديث، وهو الذى كانوا يقولون فيه "نوح الجامع " جمع كل شىء إلا الصدق، وقال الحنبلى: أجمعوا على ضعفه "الإسلام - العدد 30، 31 من السنة الثالثة" (8/208) ________________________________________ حديث اختلاف أمتى رحمة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اختلاف أمتى رحمة" وكيف يكون الاختلاف رحمة، والدين بقرآنه وحديثه يدعو إلى الوحدة؟
الجواب هذا الحديث ذكره البيهقى تعليقا فى رسالته، وأسنده فى المدخل من حديث ابن عباس بلفظ "اختلاف أصحابى لكم رحمة" وإسناده ضيف كما قال العراقى فى تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين " ج1 ص 25 ". وسبب هذا القول كما ذكره بعض الكتاب أن أعرابيا حلف ألا يقرب زوجته حينا من الدهر، ولم يعرف هذا الأعرابى مدة ذلك الحين الذى أقسم عليه، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليسأله فلم يجده، فسأل أبا بكر رضى الله عنه فقال: اذهب فطلق امرأتك، فالحين هو العمر كله، وسأل عمر رضى الله عنه فقال: إن عشت أربعين سنة يمكنك أن ترجع إلى امرأتك، فالحين أربعون سنة، وسأل عثمان رضى الله عنه فقال: امكث عاما ثم ارجع إلى امرأتك، فالحين عام فقط، وسأل عليا رضى الله عنه فقال له: متى حلفت؟ قال: بالأمس، فقال: ارجع إلى امرأتك فالحين هو نصف يوم. ثم قص الأعرابى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل كلا من الصحابة الأربعة على مستندهم فى آرائهم، فقال أبو بكر: قال الله تعالى فى قوم يونس {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} يونس: 98، وقد سبق أن فسر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بأن الله تركهم بلا عذاب طول عمرهم. وقال عمر: قال الله تعالى {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} الإنسان: 1، وقد سبق أن فسر الرسول ذلك بأن آدم أتى عليه أربعون سنة مخلوقا مصورا لا يدرى ما هو وما اسمه وما يراد به. وقال عثمان. قال الله تعالى فى شجرة النخل الطيبة {تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها} إبراهيم:25، وثمار النخلة تأتى كل عام. وقال على: قال تعالى {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} الروم: 17، فالحين نصف يوم. وقيل: إن هذه القصة هى فى قول النبى صلى الله عليه وسلم "أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وهو أيضا ضعيف وقيل موضوع، رواه الدارمى. وغيره، وأسانيده ضعيفة، وعلى فرض ورود هذا الحديث بأية درجة فهو ليس مدحا من النبى صلى الله عليه وسلم " لأى اختلاف، بل للاختلاف فى الرأى الاجتهادى الذى ليس فيه نص قاطع، وكل واحد من هؤلاء استند فى رأيه إلى نص فى القرآن. فهو معذور إن أخطأ، ومن المعلوم أن الاختلاف. فى الآراء الاجتهادية يعطى فرصة للإنسان أن يختار منها ما يتناسب مع ظروفه، ومن هنا جاءت المذاهب الفقهية المعروفة، وتقليد أى منها جائز لا حرج فيه (8/209) ________________________________________
البطيخ والقرى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث: ربيع أمتى البطيخ، وخير بقاع الأرضى القرى وشرها المدن؟
الجواب ليس هناك حديث صحيح فى مدح البطيخ، وليس هناك حديث يفضل أهل القرى على أهل المدن. وأسماء الأمكنة لا قيمة لها، وقيمتها فى سلوك أهلها (8/210) ________________________________________ فضل المتصدق والمتصدق عليه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال " ما المعطى عن سعة بأعظم أجرا من الذى يُصَدَّق عليه "؟
الجواب هذا الحديث ضعيف رواه ابن حبان فى الضعفاء والطبرانى فى المعجم الأوسط، كما رواه فى المعجم الكبير بسند ضعيف، فهو ليس بحديث صحيح ولا حسن. ذكره العراقى فى تخريج أحاديث "إحياء علوم الدين " للغزالى الذى وضحه بأن الذى يتفرغ للعبادة ويقبل الصدقة لحاجته إليها لا يقل فضلا عن الغنى الذى أعطاه الصدقة. وهو على إطلاقه دعوة للتفرغ للعبادة، ولكنى لا أرى تشجيع التفرغ لها للقادرين على الكسب، وقد يفيد الحديث فى مساعدة من يحتاجون لطلب العلم والجهاد فى سبيل الله ولا يمكنهم التفرغ للسعى وطلب الرزق،وكذلك للعجزة عن الكسب (8/211) ________________________________________ حديث " حزام الجوع "
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشد الحجر على بطنه من الجوع؟
الجواب روى البخارى ومسلم عن أنس رضى الله عنه أنه وجد الرسول صلى الله عليه وسلم يوما قد عصب بطنه بعصابة، وذلك من الجوع. وكان المسلمون الأولون يشدون الأحجار على بطونهم ليقيموا أصلابهم وذلك من الجوع. ويروى أحمد بسند صحيح عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: لقد رأيتنا وما لنا ثياب الا البُرُد المتفتقة، وإنه ليأتى على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه، حتى إن أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه ثم يشده بثوبه ليقيم صلبه (8/212) ________________________________________ غزوة ذات الرقاع
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا سميت غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم، وما اسم الرجل الذى حدثت معه واقعة السيف الذى أراد به قتل النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب جاء فى "المواهب اللدنية " للقسطلانى وشرحها للزرقانى أن غزوة ذات الرقاع سميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم، أو باسم شجرة.فى ذلك الموضع كانت العرب تعبدها وتربط بها خرقا لقضاء مصالحهم. وقيل: لأن الأرض التى نزلوا بها كان بها بقع سود وبقع بيض كأنها ثوب مرقع، وقيل: لأن خيلهم كان بها سواد وبياض. وأصح الأقوال ما رواه البخارى ومسلم أن قلة الجِمال كانت تضطر بعضهم إلى المشى فيعصبون على أرجلهم رقاعا تخفف عنهم ألم المشى على الأرض الصعبة. والرجل الذي أراد قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نائم تحت الشجرة وسقط السيف من يده كما فى البخارى-اسمه غَوْرَث بن الحارث، وقيل " غَوْرِث " وقيل " غُوَيْرث " بالتصغير. وحدث مثل ذلك فى غزوة غطفان "ذى أمر" بناحية نجد، والرجل اسمة "دُعْثُور" فهناك قصتان لرجلين. وقيل: هى قصة واحدة والأسماء تطلق على الرجل كألقاب (8/213) ________________________________________ حديث: فى العشق والشهادة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد"؟
الجواب تقدم الحديث عن الحب بين الجنسين وهو غالب ما يسأل عنه الناس، وهو أمر طبيعى فى حياة البشر، وإذا انتهى إلى غاية شريفة ولم يصاحبه محرم فلا بأس به، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب زوجاته ويخص عائشة منه بنصيب أوفر، لأنه لا يمكن العدل فيه، وروى أصحاب السنن أنه قال فى ذلك " اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك ". وحديث " من عشق فعف فمات فهو شهيد " وفى رواية "من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة" هو حديث موضوع مكذوب على النبى صلى الله عليه وسلم. ولا يجوز أن يكون من كلامه، فإن الشهادة درجة عالية عند الله مقرونة بدرجة الصديقية، ولها أعمال وأحوال هى شروط فى حصولها، والشهادة الخاصة هى ما كانت فى سبيل الله، والشهادة العامة خمس مذكورة فى الصحيح وليس العشق واحدا منها. ونعى ابن القيم على من نسب هذا الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر أن لفظ العشق لم يحفظ عنه فى حديث صحيح ألبتة، ثم إن العشق منه حلال ومنه حرام، فكيف يظن بالنبى صلى الله عليه وسلم أنه يحكم على كل عاشق يكتم ويعف بأنه شهيد؟ "راجع زاد المعاد لابن القيم ج 3 ص 154 " ففيه كلام كثير عن العشق وعن هذا الحديث (8/214) ________________________________________ حديث: الشفاء فى ثلاث
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "الشفاء فى ثلاث،شربة عسل، أو شرطة محجم أو كية نار، وأكره أن يكتوى " وهل الأخذ بغير هذه الوسائل فى علاج الأمراض يُعد خروجا على ما جاء بالسنة؟
الجواب هذا الحديث رواه البخارى بعدة روايات كما جاء فى كتاب "زاد المعاد " لابن القيم، ووضح معناه بما نقله عن المازرى من أن الأمراض الامتلائية إما أن تكون دموية أو صفراوية أو بلغمية أو سوداوية، فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم، وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإسهال الذى يليق بكل خلط منها، وكأنه صلى الله عليه وسلم نبه بالعسل على المسهلات، وبالحجامة على الفصد. وقد قال بعض الناس: إن الفصد يدخل فى قوله "شرطة محجم " فإذا أعيا الدواء فآخر الطب الكى، فذكره صلى الله عليه وسلم فى الأدوية لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية وحيث لا ينفع الدواء المشروب، إلى آخر ما قاله ابن القيم عن المازرى. ومنه نرى أن العلاج ليس مقصورا على هذه الأشياء المذكورة فى الحديث، فهى وسائل لعلاج أنواع من المرض وليس لكل الأمراض، وفى الوقت نفسه هى أمثلة ونماذج لغيرها من الأدوية، وليس المقصود حصرها ومنع غيرها، وهذا واضح من تعبير المازرى: وكأنه نبه بالعسل على المسهلات، وبالحجامة على الفصد. فأى دواء يفيد فى هذا المجال ويؤدى إلى النتيجة المطلوبة فهو جائز الاستعمال، وليست الأمراض محصورة فيما جاء فى الحديث، وكذلك ليست الأدوية محصورة أيضا، فالعالم يتغير والكون فيه أسرار يكتشفها العلم الذى يتطور. ولا يجوز أبدا تحريم العلاج بغير ما ذكر فى الحديث فذلك حكم على الدين بالعقم والتخلف، وكيف لا وهو صالح لكل زمان ومكان، وجاء فى الحديث الأمر بالتداوى، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء كما رواه الترمذى، وكما فى الصحيحين " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء" (8/215) ________________________________________ النبى بين حياة وموت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما مدى صحة القول بأن النبى صلى الله عليه وسلم حى يرزق، وهل يتعارض مع قوله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30؟
الجواب إذا كان الحديث قد ورد فى أن الأنبياء أحياء فى قبورهم ولا تأكل الأرض أجسادهم، كما نصت الآية على حياة الشهداء - فلا نعلم نحن كيفية هذه الحياة التى للأنبياء، حيث لم ينص عليها فى خبر كما نص فى الحديث على حياة الشهداء. وحياتهم حياة برزخية -أى فاصلة بين الحياة فى الدنيا والحياة يوم القيامة- لا تكليف فيها، فقد انقطع التكليف بمفارقة الروح للجسد، وكل من عليها فان، وكل نفس ذائفة الموت، أى تنتهى به حياتها الدنيوية الى حياة برزخية نترك تفصيلها الى الله. فهى من الغيب الذى لا يقبل فيه إلا خبر صادق لا يتطرق إليه الشك ثبوتا ودلالة (8/216) ________________________________________ رؤى الإسراء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى رحلة الإسراء أناسا يعذبون ويحاسبون على أعمالهم رغم أن يوم القيامة لم يأت بعد؟
الجواب ما رآه النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء هو صور ونماذج لما يكون عليه الحال يوم القيامة، أو هو تعبير عن الواقع لهؤلاء الناس فى القبور، ففى القبر نعيم وعذاب، وذلك غير ما يكون يوم القيامة، من نعيم فى الجنة وعذاب فى النار، فالصور التى رآها الرسول فى ليلة الإسراء، ومثلا ما رآه مناما ... ورؤيا الأنبياء حق -من أن ملكين أخذاه ومرا به على صور وأشكال لمن ينامون عن الصلاة ومن يأكلون الربا ومن يزنون وخطباء الفتنة، ومن ينفقون للجهاد فى سبيل الله -هذه الصور إما رموز لما سيكون عليه الحال يوم القيامة، وإما حقيقة لما يكون عليه هؤلاء فى القبور (8/217) ________________________________________ حديث: قص الأظافر يوم الجمعة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "من قص أظافره فى يوم الجمعة أخرج الله منه مرضا وزاده شفاءا؟
الجواب لم أجد حديثا صحيحا بهذا المعنى، والذى وجدته هو ما ذكره الشعرانى فى كتابه "كشف الغمة" ج 1 ص 180 "من قلم أظفاره يوم الجمعة وقى من السوء إلى مثلها" وقال عنه الزرقانى فى شرح المواهب "ج 4 ص 215": إنه حديث ضعيف رواه الطبرانى فى الأوسط والبزار عن أبى هريرة. وروى البغوى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعة، ونقل السفارينى فى كتابه "غذاء الألباب " ج 1 ص 381 عن "الآداب الكبرى" حديثا رواه ابن بطة بإسناده "من قص أظفاره يوم الجمعة دخل فيه شفاء وخرج منه داء" وذكر الغزالى فى كتابه "الإحياء" ج 1 ص 162 أنه من قول ابن مسعود بلفظ "من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله عز وجل منه داء وأدخل فيه شفاء". فالحديث ليس صحيحا بهذا اللفظ، وإن كانت النظافة مطلوبة لصلاة الجمعة، فى الجسم والثياب، ومن ذلك قص الأظافر الطويلة (8/218) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:07 am | |
| عبادة النبى قبل البعثة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كان النبى صلى الله عليه وسلم يتعبد فى غار حراء قبل البعثة، فبماذا كان يتعبد؟
الجواب ذكر القرطبى فى تفسيره "ج 16 ص 57" أن العلماء تكلموا فى النبى صلى الله عليه وسلم هل كان متعبدا بدين قبل الوحى أم لا، فمنهم من منع ذلك مطلقا وأحاله عقلا، قالوا لأنه يبعد أنه يكون متبوعا من عُرف تابعا، وبنوا هذا على التحسين والتقبيح، وقالت فرقة أخرى بالتوقف وترك قطع الحكم عليه بشىء فى ذلك، حيث لا دليل على شىء بالعقل أو النقل، وهذا مذهب أبى المعالى، وقالت فرقة ثالثة: إنه كان متعبدا بشرع من قبله وعاملا به، ثم اختلف هؤلاء فى التعيين، فذهبت طائفة إلى أنه كان على دين عيسى، فإنه ناسخ لجميع الأديان والملل قبله فلا يجوز أن يكون النبى على دين منسوخ، وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين إبراهيم، لأنه من ولده وهو أبو الأنبياء، وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين موسى، لأنه أقدم الأديان (هكذا) وذهبت المعتزلة إلى أنه لابد أن يكون على دين، ولكن عين الدين غير معلومة عندنا. وقد أبطل هذه الأقوال كلها أئمتنا، إذ هى أقوال متعارضة وليس فيها دلالة قاطعة وإن كان العقل يجوَّز ذلك كله، والذى يقطع به أنه عليه السلام لم يكن منسوبا إلى واحد من الأنبياء نسبة تقتضى أن يكون واحدا من أمته ومخاطبا بكل شريعته، بل شريعته مستقلة بنفسها مفتتحة من عند الله الحاكم جل وعز وأنه صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا بالله عز وجل، ولا سجد لصنم ولا أشرك بالله، ولا زنى ولا شرب الخمر، ولا شهد السامر- الموضع الذى يجتمعون للسمر فيه، ولا حضر حلف المطر (هكذا) ولا حلف المطيبين - القائم على نصرة المظلوم وصلة الأرحام - بل نزهه لله وصانه عن ذلك. ولا يعترض على ذلك بقوله تعالى {قل بل ملة إبراهيم حنيفا} البقرة: 135 وبقوله {أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا} النحل:123، وبقوله {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} الشورى: 13، فهذا يقتضى أنه كان متعبدا بشرع - فالجواب أن ذلك فيما لا تختلف فيه الشرائع من التوحيد وإقامة الدين، أما تفاصيل الشرائع فلم يعرفها حتى جاء الإسلام (8/219) ________________________________________ وما ينطق عن الهوى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد توضيحا لمعنى قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى. أن هو إلا وحى يوحى} النجم: 3، وهل منه الحديث النبوى؟
الجواب يقول المفسرون: إن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينطق عن الهوى والغرض فى القرآن الذى يبلغه للناس، فهو وحى من الله تعالى، بمعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا قاله: قال الله كذا، فإن ذلك عن صدق، وأن الكلام هو كلام الله، وليس كلام محمد نسبه إلى ربه ليكسب قداسة، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يكتم شيئا مما أمر بتبليغه حتى لو كان على غير ما يحبه هو؟ ولذلك لما نزل قوله تعالى فى حقه {عبس وتولى. أن جاءه الأعمى} بلغ ذلك ولم ينقص منه شيئا مع أنه ضد هواه وميله، لكن الحق لابد أن يتبع ويبلغ. وهذا يلتقى مع قوله تعالى {تنزيل من رب العالمين. ولو نقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين.فما منكم من أحد عنه حاجزين} الحاقة: 43 -47، ومع قوله {قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم} يونس: 15. فالقرآن هو الوحى الذى يبلغه الرسول دون تغيير أو تبديل، ودون تدخل هواه فيه، أما ما يحكم به بين الناس فهو نطقه هو وكلامه هو، إن كان حقا أيده الله فيه وسكت عنه، وإن كان غير ذلك أرشده، كما فى قوله تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} التوبة: 84 بعد أن صلى على قبر عبد الله بن أبى كبير المنافقين. والحديث النبوى معناه من الله ولفظه من النبى صلى الله عليه وسلم فهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى، وإذا بلغه الرسول صحيحا فبها، وإلا صححه رب العزة، وإذا لم يكن معنى الحديث من الله بل كان اجتهادا، التزم فيه الرسول المصلحة العامة، وبخاصة فيما يمس الناس، ويظهر ذلك فى عرض مشروع الصلح فى غزوة الخندق على السعدين، وقالا: هل هو أمر من الله فنتبعه، أو شىء تحبه فنوافقك عليه، أو هو لمصلحتنا؟ فقال "بل لمصلحتكم " فلم يوافقوا عليه "انظر كتب السيرة" (8/220) ________________________________________
الكوثر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الكوثر نهر فى الجنة أعطاه الله للنبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب يقول الله سبحانه {إنا أعطيناك الكوثر} وللعلماء كلام كثير فى المراد بالكوثر، فقيل هو الخير الكثير، وقيل هو النبوة، وقيل غير ذلك، وأقوى ما فسر به ما جاء فى صحيح مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه السورة قال "أتدرون ما الكوثر"؟ قلنا: الله ورسوله أعلم،فقال "نهر وعدنيه ربى، عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيُختلجُ العبد منهم فأقول: رب إنه من أمتى، فيقول: ما تدرى ما أحدث بعدك "ومعنى يختلج ينزع ويبعد، وروى أحمد فى مسنده أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم ما الكوثر؟ فقال "نهر فى الجنة يسيل فى حوضه، لهو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل " وجاء فى صحيح البخارى أنه "نهر فى الجنة يسيل فى حوضه، مجراه على الدر والياقوت " وفى سنن النسائى "ترابه المسك وحصاه اللؤلؤ والياقوت، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأبرد من الثلج ". وحوض النبى صلى الله عليه وسلم أكبر الحياض وأكثرها واردة، ففى حديث الترمذى "إن لكل نبى حوضا، وإنهم يتباهون بأكثرهم واردة، وإنى أرجو أن أكون أكثرهم واردة" وجاء فى روايات البخارى ومسلم "أن حوض الرسول صلى الله عليه وسلم مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه لا يظمأ أبدا" وفى رواية "حوضى مسيرة شهر وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الوَرِق " أى الفضة، وفى رواية لهما أيضا ما يفيد أن بعض من يردون الحوض من أمته يمنعون عنه ويذهب بهم إلى النار لأنهم ارتدوا على أدبارهم فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم، أى ضوالها. ومعناه الناجى قليل كقلة الضالة من الغنم بالنسبة إلى جملتها "الزرقانى على المواهب ج 5 ص 34، الترغيب ج 4 ص 144- 147 ". تلك بعض الأحاديث التى فسرت الكوثر بأنه نهر فى الجنة بهذه الأوصاف الطيبة، وهو يصب فى حوض الرسول الذى يكون فى المحشر قبل دخول الجنة، وأن الذى سيشرب منه هم الثابتون على الإيمان والتقوى حتى الموت، وأن مقدار ما يشربه المؤمن من الحوض يقدر بدرجة حبه للنبى صلى الله عليه وسلم والحب له آثار فى السلوك على هدى الأسوة الحسنة (8/221) ________________________________________ تحريم ما أحل الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قال الله تعالى: {يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك} ما هو الشىء الذى حرمه الرسول على نفسه، وكيف يخلف أمر الله فيحرم ما أحله الله له؟
الجواب أصح ما ورد فى سبب نزول هذه الآية من أول سورة التحريم كما رواه مسلم، أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلا عند بعض نسائه - زينب بنت جحش أو حفصة بنت عمر-وكان يمكث عندها طويلا، فدبت الغيرة فى قلب بعض زوجاته، وهن بشر، كن يتمنين أن يمكث عندهن كما يمكث هناك، لأن من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يطوف عليهن جميعا كل يوم، يسأل عنهن ويقضى حاجاتهن، ثم يبيت عند صاحبة النوبة، فقال بعض الزوجات: إذا وصل النبى إلينا نقول له: إن فى فمك رائحة كريهة وهو يكره الرائحة الكريهة فقلن له ذلك، وذكر أنه من الطعام الذى أكله، فقال "أكلت عسلا" فقلن: لعل نحله قد جنت العُزفُط، يعنى امتص زهر شجر العرفط وهو ذو رائحة كريهة. ومن هنا حلف الرسول ألا يأكله مرة أخرى، وبالفعل عندما زار من عندها عسل رفض أن يأكل منه، وقد أطلع الله نبيه على ما فعلته أزواجه، - زوجاته - وبيَّن له المخرج من يمينه، وهو كفارة بعتق رقبة أو أطعام عشر مساكين أو كسوتهم على ما جاء في سورة المائدة. وقد نزلت هذه الآية عتابا رقيقا من الله لنبيه فى أنه كان فى الذروة من حسن معاشرة أزواجه، لدرجة أنه امتنع عما أحله الله له لإدخال السرور على قلوبهن وبين له أن سمو الخلق لا يصل إلى الدرجة التي يتعب فيها نفسه ويحرمها من الحلال الطيب الذى يحبه، فالامتناع عن أكل شىء إرضاء لمن يحبه ليس تحريما شرعيا لشيء أحله الله وليس معصية، بل هو تصرف شخص فى معاملة أزواجه، كما امتنع عن أكل الثوم والبصل وهما مباحان، لأن وضعه من لقاء الملائكة وغيره ليس كوضع سائر الناس، وقد امتنع من قبله سيدنا يعقوب عن لحوم الإبل وألبانها لأمر يخصه، ولم يعاتبه الله على ذلك كما قال سبحانه {كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة} آل عمران: 93. والسبب المذكور لنزول الآية أصح من رواية الدارقطنى أنه امتنع عن مارية إرضاء لحفصة عندما اختلى بها فى بيتها "راجع تفسير القرطبى لهذه الآية" (8/222) ________________________________________ رؤية النبى بالنهار والليل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يرى فى الظلام كما يرى فى النور؟
الجواب جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بالليل في الظلمة كما يرى فى النهار فى الضوء. رواه البخارى. وروى البيهقى عن عائشة رضى الله عنها قالت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى فى الظلماء كما يرى فى الضوء. وقد علق الزرقانى فى شرحه على إسناد الحديث للبخارى فقال: لم أجده فيه، وإنما عزاه السيوطى وغيره للبيهقى فى الدلائل، وقال: إنه حسن. قال شارحه: ولعله -أى الحكم بالحسن - لاعتقاده، وإلا فقد قال السهيلى: ليس بقوى، ونقل ابن دحية تضعيفه فى كتاب "الآيات البينات " عن ابن بشكوال، لأن فى سنده ضعفا فكيف يكون فى البخارى. وحديث البيهقى رواه أيضا ابن عدى وبقى بن مخلد-كما فى الشفاء - وضعفه ابن الجوزى والذهبى. لكنه يعتضد بشواهده فهو حسن كما قال السيوطى. فالخلاصة أن روية النبى صلى الله عليه وسلم فى الظلام كالنهار سندها ضعيف أو حسن وذكر الزرقانى أنه صلى الله عليه وسلم قام ليلة فوطئ على زينب بنت أم سلمة بقدمه وهى نائمة، فبكت، وقد يكون ذلك لبيان أن رويته فى الليل كالنهار ليست فى كل الأحوال، وأجاب عنه الزرقانى بجواب آخر من وجهة نظره "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 83" (8/223) ________________________________________ حديث: شفاعة زائر القبر الشريف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال " من زار قبرى وجبت له شفاعتى " وهل تتحقق هذه الشفاعة إن كان الزائر من غير أهل التقوى والإيمان؟
الجواب هذا الحديث رواه الدارقطنى وابن أبي الدنيا وغيرهما، ورواه عبد الحق فى أحكامه وسكت عنه، وسكوته دليل على قبوله. قال الذهنى: طرقه كلها لينة، لكن يقوى بعضها ببعض، وهناك روايات أخرى بهذا المعنى. يقول الزرقانى فى شرح المواهب "ج 8 ص 298": معنى "وجبت له شفاعتى" أخصه بشفاعة ليست لغيره تناسب عظيم عمله، إما بزيادة نعيم أو تخفيف هول ذلك اليوم عنه، أو دخول الجنة بلا حساب، أو رفع درجاته بها، أو بزيادة شهود الحق والنظر إليه، أو بغير ذلك، أو المراد البشرى بموته على الإسلام (8/224) ________________________________________ حديث: العلماء ورثة الأنبياء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هذا حديث صحيح " العلماء ويرثه الأنبياء"؟
الجواب روى أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه وغيرهم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ضمن حديث طويل "أن العلماء ورثه الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر". هذا الحديث يبين فضل العلماء، توضيحا لقوله تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} المجادلة: 11، فهم الوارثون لما تركه الرسول، لأنه القائل "بلغوا عنى ولو آية" رواه البخارى والقائل فى طلاب العلم، "من سلك طريقا يبتغى فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجهة" كما رواه مسلم، والقائل "أن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع " كما رواه أحمد وابن حبان والحاكم، والقائل "يا أبا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعة ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم، عمل به أو لم بعمل خير لك من أن تصلى ألف ركعة" كما رواه ابن ماجه بإسناد حسن. وأشرف العلم ما كان متصلا بالقرآن ففى حديث البخارى ومسلم "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " لأنه يرشد إلى كل العلوم النافعة فى الدين والدنيا، ففى آياته قوله تعالى {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماءُ} فاطر: 27، فالذين يخشون الله هم علماء الفلك والطبيعة الكيمياء والنبات وطبقات الأرض، وعلماء الإنسان تاريخا ونفسا وطبا وكل ما يتصل به، وعلماء الحيوان كذلك بكل ما يتصل به، وذلك إذا درسوا بتعمق، وإنصاف وقصد حسن، إنهم بوصولهم إلى سر الخلق سيؤمنون أو يزادون إيمانا، وسيفيدون أنفسهم والناس جميعا بجهودهم. ومن أراد أن ينشرح صدره بمعرفة موقف الإسلام من العلم بفروعه المختلفة فليرجع إلى "إحياء علوم الدين " للأمام الغزالى، وسيهتف من أعماق قلبه أن هذا الدين هو دين الحضارة الصحيحة، الصالح لكل زمان ومكان، وذلك بالفهم الواعى والتطبيق الصحيح (8/225) ________________________________________ حديث: الجار السابع
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم أوصى على سابع جاركما يقول بعض الناس؟
الجواب معلوم أن الإسلام أوصى على رعاية حق الجوار، والنصوص فى ذلك كثيرة يكفى منها قوله " تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار فى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} النساء: 36، والجار ذو القربى من له صلة قرابة، والجنب من لا يربطه به قرابة، والصاحب بالجنب قيل هو الزوجة، وقوله صلى الله عليه وسلم "ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " رواه البخارى ومسلم، وقوله:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره " رواه البخارى ومسلم وقوله: "والذى نفسى بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره " أو قال لأخيه -ما يحبط لنفسه " رواه مسلم. والجار هو من جاور فى المسكن أو المتجر أو المصنع أو الحقل أو حلقة الدرس أو الفصل، وفى أى مكان يطول به زمن الجوار، لكن هل الوصية بالإحسان إلى الجار خاصة بمن يجاور مباشرة لا يتعداه إلى البعيد؟ إن الناظر إلى روح الإسلام يرى أن الأخوة يمتد ظلها حتى يشمل أكثر من شخص، وإن كان هناك تفاوت فى الأولوية بحسب القرب والبعد، ويشهد لهذا الامتداد حديث روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أن رجلا جاء يشكو إليه جاره فأمره أن ينادى على باب المسجد "ألا إن أربعين دارا جار" يقول الزهرى راوى هذا الحديث مفسرا له: أربعون هكذا، وأومأ إلى أربع جهات. هذا هو الحديث الذى روى فى اتساع مجال الجوار وإن كان فى سنده مقال، لكن روح الشريعة لا تعارضه. أما قول بعض الناس: إن النبى صلى الله عليه وسلم أوصى على سابع جار فلم أره حديثا منسوبا إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وهو من مبالغة الناس واستعمالهم عدد السبع وعدد السبعين كثيرا فى المبالغة، ولا ننسى فى هذا المقام قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الأخوة الجامعة كما رواه البخارى ومسلم " مثل المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تدامى له سائر الجسد بالسهر والحمى " (8/226) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:09 am | |
| حديث: الهرة بارة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هذا من الحديث الشريف "اتقوا الهرة فإنها من المارة"؟
الجواب لم أعثر على حديث بهذا اللفظ، والذى رواه أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عن الهرة فى طهارتها وعدم نجاستها "إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات " يقول الدميرى فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى" والطوافون الخدم، والطوافات الخادمات، جعلها بمنزلة المماليك فى قوله تعالى {يطوف عليهم ولدان مخلدون} الواقعة: 17، قد يستدل على ذلك بقوله تعالى فى آية الاستئذان {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض} النور: 58. وفى سنن ابن ماجه "الهرة لا تقطع الصلاة، إنما هى من متاع البيت " ولعل كلمة "الطوافين " يقصد بها ما جاء فى السؤال "المارة" أى التى تمر أمام الناس. هناك مثل يقول: فلان أبَر من هرة. أرادوا بذلك أنها تأكل أولادها من شدة الحب لهم، فهى بهذا بارة وليست مارة (8/227) ________________________________________ حديث: القابض على دينه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "سيأتى زمن على أمتى القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر " وهل ينطبق هذا الحديث على الزمن الذى نعيشه الآن؟
الجواب روى ابن ماجه والترمذى حديثا قالا عنه: حسن غريب، أى رواه راو واحد فقط، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ضمن حديث "فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله ". وجاء فى الجامع الكبير للسيوطى حديث "يأتى على الناس زمان التمسك فيه بسنتى عند اختلاف أمتى كالقابض على الجمر" رواه الترمذى الحكيم عن ابن مسعود فى كتابه "نوادر الأصول " وهو ضعيف ". ومعلوم أنه لا يمر زمان إلا والذى بعده شر منه، وقد كثرت فى أيامنا الفتن المغريات والانحرافات، لكن لم تصل إلى الذروة، وما يخبئه المستقبل لا علم لنا به، ونرجو أن يقينا الله شر الفتن (8/228) ________________________________________ حديث: ليس الإيمان بالتمنى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد توضيح معنى القول المأثور، ليس الإيمان بالتمنى، وهل هو حديث صحيح؟
الجواب أثر عن الحسن البصرى أنه قال: ليس الإيمان بالتمنى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل، وإن قوما خرجوا من الدنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحن نحسن الظن بالله وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. إن هذا الأثر ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم كما قال المحققون، وإنما هو من كلام الحسن البصرى، ومعناه صحيح، وهو أن الإيمان الذى يكرم الله به المؤمن وينجيه من النار ليس مجرد كلمة يقولها بلسانه دون عمل، وليس أمنية يتمناها ترفع بها درجته عند ربه، فما أهون الكلام المجرد عن عمل يصدقه، وما أكثر الأمانى عند المفلسين من كنز العمل الصالح وهذا يلتقى مع الحديث "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى" رواه الطبرانى وأحمد والترمذى وقال: حسن "الجامع الصغير للسيوطى". لو أحسن هؤلاء الظن بالله لاستعدوا للقائه بالعمل الصالح الذى أمرهم به، فهو القائل {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} التوبة:105، وقد حدث أن بعض أهل الكتاب تناقشوا مع بعض المؤمنين،كل يدعى أن الفضل له دون الأخر، فنزل قوله تعالى {ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا. ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} النساء: 123،124. فالمدار كله على العمل المبنى على الإيمان وحسن الظن بالله، ولا يغتر أحد بما يقول بعض الشعراء: لخدمت على الكريم بنير زاد * سوى الإخلاص والقلب السليم فحمل الزاد أقبح ما يكون * إذا كان القدوم على كريم فالإفراط فى الرجاء الذى ينفى الخوف يسلم إلى الكسل ويهود الحيلة، وعلماء التوحيد يقولون: وغلب الخوف على الرجاء * وسر لمولاك بلا تناء "انظر: فيض القدير على الجامع الصغير للمناوى رقم 7570 وتفسير القرطبى ج 10 ص 600" (8/229) ________________________________________
حديث: الجنة تحت أقدام الأمهات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى الحديث أن الجنة تحت أقدام الأمهات، فكيف يكون ذلك وفيهن كافرات وعاصيات؟
الجواب روى ابن ماجه والنسائى والحاكم وصححه أن رجلا قال: يا رسول الله أردت أن أغزو، فقال له "هل لك من أم "؟ قال نعم: قال "فالزمها فإن الجنة تحت رجلها" وعبر فى بعض الروايات عن هذا بقوله "الجنة تحت أقدام الأمهات ". وردت النصوص فى القرآن والسنة بالأمر ببر الوالدين، وتخصيص الأم، بزيادة فى ذلك، فإن برهما من أسباب دخول الجنة، والمراد بعبارة "الجنة تحت أقدام الأمهات " أن خدمة الأم خدمة خالصة، وعدم الأنفة أو التكبر عن أساء هذه الخدمة-حتى لو كانت الأم كافرة على ما جاء فى قوله تعالى {وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا} لقمان: 15. من أقوى الأسباب فى دخول الجنة وبالأولى لو كانت الأم المؤمنة عاصية لربها بمثل التقصير فى الصلاة. وليس المراد أن كل الأمهات يدخلن الجنة حتما، ويكن متمكنات منها كما يتمكن الإنسان من الشىء الذى تحت قدمه، فإن شرط دخول الجنة الإيمان، فلا تدخلها الكافرة، كما قال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48، والمؤمنة وإن عصت ربها فقد يغفر الله لها ولا تعذب، وقد تعذب ولكن مصيرها الجنة ما دام فى قلبها ذرة من إيمان تمنع الخلود فى النار. وهنا يكون المطلوب أمرين: الأول أن تجتهد الأم لتدخل الجنة، وذلك بالإيمان والعمل الصالح، والثانى أن يجتهد الولد المؤمن ليدخل الجنة بالعمل الصالح، ومنه بر الوالدين وبخاصة الأم، وليجتمع شمل الأسرة فى الجنة كما كان فى الدنيا، قال تعالى {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} الرعد: 23،240، وقال {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شىء} الطور: 21 (8/230) ________________________________________ فى التأنى السلامة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا حديثا يقول "فى التأنى السلامة" وسمعنا حديثا آخر يقول "أفضل الصلاة فى أول وقتها فكيف نوفق بين التأنى والمبادرة؟
الجواب "فى التأنى السلامة" ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول جار على الألسنة، قد قصد به إتقان العمل وأداؤه على الوجه الأكمل، كما قد يقصد به عدم المبادرة بالتنفيذ، وإعطاء مهلة لأدائه. ولا شك أن إتقان العمل مطلوب كما فى الحديث "إن الله يحب إذا عمل العبد عملا أن يحكمه " رواه ابن أبى داود فى المصاحف، وابن النجار عن عائشة، وفيه مصعب بن ثابت ضيف "الجامع الصغير للسيوطى". والتأخير قد يكون مستحبا إذا لم يدرس المشروع دراسة كافية، فمن الخير أن يؤجل حتى تستكمل دراسته فإن كملت الدراسة كانت المبادرة بالتنفيذ أفضل، فظروف المستقبل غيب ربما لا يساعد على التنفيذ، وجاء فى ذلك حديث مرسل، "إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته، فإن كان خيرا فأمضه، وإن كان شرا فانته " رواه ابن المبارك فى الزهد عن أبى جعفر عبد الله بن مسعود الهاشمى مرسلا "الجامع الصغير للسيوطى". وهذا كله فى أمور الدنيا التى تحتاج إلى دراسة كاملة، أما أمور الآخرة التى وضح الصواب فيها فمن الخير المبادرة بأدائها كالصلاة إذا حضر وقتها، والحج إذا توفرت أسبابه، وجاء فى ذلك حديث "التؤدة فى كل شىء خير إلا فى عمل الآخرة" رواه أبو داود والحاكم فى المستدرك والبيهقى فى الشعب وحديث "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك " رواه ابن أبى الدنيا بإسناد حسن. وبهذا يظهر عدم التعارض بين القول المأثور "فى التأنى السلامة" وحديث الترغيب فى أداء الصلاة فى أول وقتها (8/231) ________________________________________ حديث: فى علامات الموت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: ارقبوا الميت عند موته ثلاثا، إن رشح جبينه وذرفت عيناه وانتشر منخراه فهى رحمة من الله قد نزلت به، وإن غط غطيط البكر المختنق واحمر لونه وأزبد شدقاه فهو عذاب من الله قد حل به؟
الجواب هذا الحديث ذكره الترمذى الحكيم فى كتابه "نوادر الأصول " عن سلمان الفارسى، وقد نقله السيوطى فى كتابه "شفاء الصدور". وأخرج البيهقى فى الشعب عن ابن مسعود رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم "المؤمن يموت برشح الجبين" ولم أعثر على حكم عليه. انظر " مشارق الأنوار " للعدوى ص 20 وقد علق العراقى عليه بقوله: ولا يصح " الإحياء ج 4 ص 395" (8/232) ________________________________________ حديث: فى القيامة الخاصة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أن من مات فقد قامت قيامته؟
الجواب هذا حديث ضعيف كما ذكره العراقى فى تخريجه لأحاديث "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالى "ج 4 ص 421" والمعنى أن من مات فقد انتهت حياته الشخصية، كما ستنتهى الحياة العامة للمخلوقات جميعا يوم ينفخ فى الصور، وانتهى التكليف وبدأ الحساب (8/233) ________________________________________ سبب وفاة النبى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم مات متأثرا بالسم وكيف يحدث ذلك له؟
الجواب ثبت فى الصحيحين أن يهودية سمَّت النبى صلى الله عليه وسلم فى شاة، فأكل منها لقمة ثم لفظها وأكل معه ثلاثة منهم بشر بن البراء، والتى قامت بذلك زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم، وقد احتجم على كاهله، وأمر من أكل منها فاحتجم فمات بعضهم. وهناك خلاف فى الاقتصاص منها، كما أن هناك خلافا فى كيفية أكل النبى منها، هل مضغها ثم لفظها، أو ابتلعها، وبقى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة ثلاث سنوات حتى قال فى وجعه الذى مات فيه "ما زلت أجد من الأكلة التى أكلت من الشاة يوم خيبر، فهذا أوان انقطاع الأبهر منى". قال الزهرى: فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا (زاد المعاد - خيبر) والأبهر عرق مستبطن بالصلب متصل بالقلب، إذا انقطع مات صاحبه فكان ابن مسعود وغيره يرون أنه صلى الله عليه وسلم مات شهيدا من السم الذى تناوله فى خيبر. يقول الزرقانى فى شرج المواهب اللدنية "ج 8 ص 260": ومن المعجزة أنه لم يؤثر فيه فى وقته، لأنهم قالوا: إن كان نبيا لم يضره، وإن كان ملكا استرحنا منه فلما لم يؤثر فيه تيقنوا نبوته حتى قيل: إن اليهودية أسلمت، ثم نقض عليه بعد ثلاث سنوات لإكرامه بالشهادة. وحادث السم رواه البخارى بطوله فى الجزية فى باب "إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم " وذكره فى الطب بطوله أيضا فى باب "ما يذكر فى سم النبى صلى الله عليه وسلم " واختصره فى غزوة خيبر فى باب "الشاة التى سُمَّت للنبى" وقيل إنها أخبرته بأنها مسمومة، فقال لأصحابه: ارفعوا أيديكم، وكان الذي حجمه هو أبو هند أو أبو طيبة. هذا مجمل ما جاء فى هذه الحادثة من الروايات عن وضع السم للرسول، وأنه مات متأثرا به فمات شهيدا أو غير شهيد فمقام النبوة لا يعدله مقام، ويكفى أن الله نجاه من السم القاتل لساعته، فكان معجزة تصدق رسالته، والموت مكتوب عليه كما هو مكتوب على غيره {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30 (8/234) ________________________________________ حديث: فراسة المؤمن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث "اتقوا فراسة المؤمن"؟
الجواب جاء فى تفسير القرطبى "ج 10 ص 42" روى أبو عيسى الترمذى عن أبى سعيد الخدرى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ {إن فى ذلك لآيات للمتوسمين} الحجر:75 قال: هذا حديث غريب. وروى الترمذى الحكيم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله عز وجل عبادا يعرفون الناس بالتوسم " وزعمت الصوفية أنها كرامة، وقيل: بل هى استدلال بالعلامات، ومن العلامات ما يبدو ظاهرا لكل أحد وبأول نظرة، ومنها ما يخفى فلا يبدو لكل أحد ولا يدرك ببادئ النظر، ومنه قول ابن عباس: ما سألنى أحد عن شىء إلا عرفت: أفقيه هو أو غير فقيه. وروى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن أنس بن مالك رضى الله عنه دخل عليه وكان قد مر بالسوق فنظر إلى امرأة فلما نظر إليه قال عثمان: يدخل أحدكم علىَّ وفى عينيه أثر الزنى؟ فقال له أنس: أوحيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، ولكن برهان وفراسة، وصدق، ومثله كثير عن الصحابة والتابعين. يقول ابن الأثير فى النهاية "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" يقال بمعنيين أحدهما ما دل ظاهر هذا الحديث عليه، وهو ما يوقعه الله تعالى فى قلوب أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس، والثانى نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق، فتعرف به أحوال الناس، ومنه حديث أفرس الناس ثلاثة، أى أصدقهم فراسة، وأنا أفرس بالرجال منك أى أبصر وأعرف. إن الوصول إلى الحكم على الشىء بعد النظر أو السماع قد يكون لذكاء حاد يسرع به الربط بين المقدمة والنتيجة أو بين السبب والمسبب، غير أن هذا الذكاء لا يصدق أحيانا، ولا يقلل من شأنه أن يخطئ قليلا، فالإنسان بشر، ولكن قد يؤيد هذا الذكاء إلهام من الله للصالحين من عباده فيوفقون فى الحكم والاستنتاج، وهذا ما يفيده تعبير "فإنه ينظر بنور الله " وبالطبع لا يكون هذا الصدق فى الفراسة إلا للمؤمن. ومن غير المؤمنين من تكون عندهم الفراسة وتصدق إلى حد كبير، كأولاد نزار الذين عرفوا أوصاف بعير من رؤيتهم له يرعى جانبا ويترك جانبا وأثر قدميه مختلف وروثه غير مفرق فقالوا: إنه أعور وأزور وأبتر وشرود "الوسيط فى الأدب العربى ص 40 ". وفى كتاب "مفتاح دار السعادة لابن القيم ج 2 ص 234 " أمثلة كثيرة من فراسة الإمام الشافعى، وفى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 2 ص 59" حديث عنها، وذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات " رواه أحمد وذكر السيوطى فى كتابه "تاريخ الخلفاء ص 56" قول ابن مسعود أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر حين استخلف عمر، وصاحبة موسى حين قالت: يا أبت استأجره، والعزيز حين تفرس فى يوسف فقال لامرأته، أكرمى مثواه. وذكر ابن القيم فى زاد المعاد "التسمية" قول سيدنا عمر لمن سأله عن اسمه واسم أبيه وداره فقال: جمرة بن شهاب، والمنزل حرة النار فى مسكن ذات لظى، قال له: اذهب فقد احترق بيتك، وذكر فى كتاب الروح الفرق بين الفراسة والظن، والموضوع طويل يرجع إليه فى هذه المظان وفى تذكرة داود، وتفسير القرطبى لسورة الحجر، ومجلة الضياء التى تصدر فى دبى عدد ذى الحجة 1403 هـ وغيرها. والمهم أن حديث الفراسة مقبول، والوقائع المذكورة تؤيده (8/235) ________________________________________ حديث: السؤال بالجاه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "اسألوا الله بجاهى، فإن جاهى عند الله عظيم "؟
الجواب حديث "اسألوا الله بجاهى فإن جاهي عند الله عظيم " قال عنه ابن تيمية فى كتابه الوسيلة "ص 129 " إنه كذب. ومن يدعو ويقول: اللهم إنى أسألك بجاه نبيك أو بجاه أحد من الصالحين قال العلماء: إن عبارته تحتمل القسم، أى الحلف بجاه النبى، والقسم بغير الله ممنوع، وتحتمل أن تكون الباء للسببية، أى بسبب نبيك، فإن كان المراد بسبب حبى لنبيك والإيمان به فلا غبار عليه، لأن حب النبى والإيمان به عمل صالح تقرب به الداعى إلى الله، فهو وسيلة لثوابه ورضاه، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} المائدة:35 كما دعا المحبوسون فى الغار ربهم بصالح أعمالهم فاستجاب دعاءهم ونجاهم، وإن كان المراد بسبب ذاته أو منزلته من الله ووجاهته عنده فقد احتدم الخلاف بين العلماء فى جوازه ومنعه. ففريق ينكره لأن مجرد الجاه لا يعطى الشفاعة، وعلى رأس هؤلاء ابن تيمية، وفريق يجيزه بالنسبة للنبى دون غيره، ومنهم العز بن عبد السلام، واستدلوا بحديث الأعمى الضرير الذى أمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله بقوله "اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة" فرد الله عليه بصره، رواه الترمذى والنسائى والبيهقى والطبرانى بأسانيد صحيحة. ومناقشة الأدلة تطول،. ويمكن الرجوع إليها فى الجزء الثانى من كتاب "بيان من الأزهر الشريف " (8/236) ________________________________________ والدا الرسول
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال إن النبى صلى الله عليه وسلم استأذن ربه فى أن يستغفر لأمه فلم يأذن له؟
الجواب مع التنبيه على أن مثل هذا السؤال ليست به فائدة عملية، لكن كثرة الإلحاح تحتم علىَّ أن أجيب ولو باختصار. روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "استأذنت ربى أن أستغفر لأمى فلم يأذن لى، واستأذنته فى أن أزور قبرها فأذن لى" وقد تحدث العلماء عن والدى النبى صلى الله عليه وسلم وقد ماتا قبل بعثته، فقال جماعة: هما ناجيان كأهل الفترة، لقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء:15 وقال آخرون إنهما ليسا مؤمنين، واستدلوا بأدلة منها الحديث المذكور الذى يعززه قول الله تعالى {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} التوبة: 113. ورد عليهم الأولون بأن عدم الإذن فى الاستغفار لا يدل على الكفر، كما لم يصلِّ النبى صلى الله عليه وسلم على الميت الذى عليه دَيْن مع أنه غير كافر، وعدم الاستغفار للمشركين مبنى على تبين أنهم من أصحاب الجحيم، وذلك بعد تبليغ الدعوة والكفر بها، ووالدا الرسول صلى الله عليه وسلم لم تبلغهما الدعوة الإسلامية لأنهما ماتا قبل البعثة. والموضوع مبسوط فى الكتب وقد لخصته فى الجزء الخامس من موسوعة "الأسرة تحت رعاية الإسلام " ولا داعى للإفاضة فيه فقد ذهبا إلى ربهما وهو أعلم بحالهما ولا ينبغي أن يحملنا حسن الظن وحبنا للرسول على إيراد أخبار ينقصها الدليل القوى كإحيائهما بعد الموت للإيمان بالرسول. والزرقانى حذَّر من ذكرهما بما فيه نقصر، لأن ذكر الأموات بما فيه نقص يؤذى الأحياء، وفى الحديث "لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات " كما رواه الطبرانى، ولا ريب أن إيذاءه عليه الصلاة والسلام كفر يُقتل فاعله إن لم يتب "ج 1 ص 185 " وهو رأى طيب (8/237) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:11 am | |
| كحل العيون
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الكحل فى العين جائز للرجال؟
الجواب جاء فى الطب النبوى لابن القيم أن النبى صلى الله عليه وسلم "كانت له مكحلة يكتحل منها ثلاثا فى كل عين، وفى الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اكتحل يجعل فى اليمنى ثلاثا يبتدئ بها ويختم بها، وفى اليسرى ثنتين، وروى أبو عاود عنه صلى الله عليه وسلم "من اكتحل فليوتر" ثم قال ابن القيم: وفى الكحل حفظ لصحة العين وتقوية للنور الباصر وجلاء لها، وتلطيف للمادة الرديئة واستخراج لها، مع الزينة فى بعض أنواعه، وله عند النوم مزيد فضل لاشتمالها على الكحل وسكونها عقيبه عن الحركة المضرة بها، وخدمة الطبيعة لها، وللإثمد من ذلك خاصية، وفى سنن ابن ماجه مرفوعا "عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر". فالكحل كان من مادة مفيدة وهو دواء وعلاج ومن هنا كان اكتحال الرجال به ولم يكن أصلا للجمال، فذلك أليق بالنساء (8/238) ________________________________________ حديث: إياكم وسجع الكهان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هذا من الحديث "إياكم وسجع الكهان"؟
الجواب ورد النهى عن السجع فى الدعاء، وحمل عليه بعض العلماء قوله تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} الأعراف:55 يقول الإمام الغزالى فى الإحياء "ج 1 ص 275" قيل: معناه التكلف للأسجاع، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إياكم والسجع فى الدعاء، حسب أحدكم أن يقول: اللهم إنى أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ". يقول العراقى عن هذا الحديث: إنه غريب بهذا السياق. وللبخارى عن ابن عباس: وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإنى عهدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلون ذلك. يقول الغزالى: واعلم أن المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام، فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة، وإلا ففى الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة، لكنها غير متكلفة، كقوله: "أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود، مع المقربين الشهود والركع السجود، الموفين بالعهود، إنك رحيم ودود، وإنك تفعل ما تريد" رواه الترمذى وقال: حديث غريب، وهو ضمن دعاء سمعه ابن عباس من النبى صلى الله عليه وسلم ليلة، حين فرغ من صلاته (8/239) ________________________________________ حديث: بين الأولين والآخرين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: "إنكم فى زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك، ثم يأتى زمان من عمل منهم بعشر ما أمرتم به نجا"؟
الجواب روى الترمذى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إنكم فى زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك، ثم يأتى زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا" قال: هذا حديث غريب، والحديث الغريب فى اصطلاح رجال الحديث هو الذى رواه راو واحد فقط، ولكن لم يحكم عليه بصحة أو حسن "تفسير القرطبى ج 6 ص 343". وقريب من هذا الحديث موجود فى مسند أحمد "إنكم فى زمان علماؤه كثيرون وخطباؤه قليلون، من ترك فيه عشير ما تعلم هلك، وسيأتى زمان علماؤه قليلون وخطباؤه كثيرون، من أخذ فيه عشير ما تعلم نجا". وهذا يدل على سهولة التمسك بالدين فى الزمن الأول، وصعوبته فى الزمن الآخر، تبعا لتغير الظروف، ولذلك جاء فى الحديث أن العمل فى الزمن الأخير له ثواب فوق ثواب العمل فى الزمن الأول، فقد روى أبو داود والترمذى وغيرهما أن أبا ثعلبة الخشنى سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} المائدة: 105 فقال "ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك نفسك ودع عنك العامة، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم "وفى رواية قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال "بل خمسين منكم " قال أبو عيسى الترمذى: هذا حديث حسن غريب قال ابن عبد البر: قوله "بل منكم" هذه اللفظة قد سكت عنها بعض الرواة فلم يذكرها "المرجع السابق " (8/240) ________________________________________ غسل النبى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أين غُسِّل جسد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الذى قام بغسله وأين ذهب ماء الغسل؟
الجواب الرسول صلى الله عليه وسلم غسل فى المكان الذى توفى فيه، وهو حجرة السيدة عائشة رضى الله عنها، والذى غسله على والعباس والفضل بن العباس، وقُثَم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشُقران مولاه صلى الله عليه وسلم يصبون الماء وأعينهم معصوبة من وراء الستر، وعلىّ فقط هو الذى لم يعصب عينيه. لحديث رواه البزار والبيهقى عن على رضى الله عنه: أوصانى النبى صلى الله عليه وسلم ألا يغسلنى إلا أنت، فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه يقول الزرقانى: هو تعليل لمقدر هو: فإنى أخشى على غيرك أن تحين منه لفتة فتطمس عينه. وأما أنت يا على فأعرف تحرزك من ذلك فلا أخشى عليك. وروى ابن ماجه بسند جيد عن على يرفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم "إذا أنا مت فاغسلونى بسبع قرب من بئرى "بئر غرس بقباء" وغسل ثلاث غسلات الأولى بالماء القراح والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور. وذكر ابن الجوزى أنه روى عن جعفر الصادق أن الماء كان يجتمع فى جفون النبى صلى الله عليه وسلم فكان على يشربه بفمه، وأما ما روى أن عليًّا لما غسله امتص ماء من محاجر عينيه فشربه، وأنه قد ورث بذلك علم الأولين والأخرين فقال النووي: ليس بصحيح وأقره البخارى وغيره. هذا ما جاء فى المواهب اللدنية وشرحها للزرقانى"ج 8 ص 289" ولم أر غيره (8/241) ________________________________________ من آداب الدعوة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما مدى صحة هذا القول: عن أبى مسعود رضى الله عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة فى الأيام كراهة السآمة علينا؟
الجواب هذا حديث رواه البخاري ومسلم، فعبد الله بن مسعود رضى الله عنه كان يذكر الناس فى كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم قال: أما إنه يمنعنى من ذلك أنى أكره أن أملَّكم، وإنى أتخولكم بالموعظة. كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا (8/242) ________________________________________ صلاة النبى فى طريق الإسراء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقال إن النبى صلى الله عليه وسلم نزل أرضا وصلى بها ليلة الإسراء قبل أن يصل إلى المسجد الأقصى، فما هذه الصلاة، مع أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء بعد العروج إلى السماء؟
الجواب من الآيات التى رآها النبى صلى الله عليه وسلم فى ليلة الإسراء ما رواه البزار والطبرانى والبيهقى وصححه فى كتابه "دلائل النبوة" من حديث شداد ابن أوس أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أسرى به مرَّ بأرض ذات نخل، فأمره جبريل أن ينزل من فوق البراق ليصلى، فصلى ثم أخبره أن المكان الذى صلى فيه هو يثرب أو طيبة، وإليها المهاجر، ثم أمره أن يصلى عندما مر بمدين عند شجرة موسى، وهى التى استظل بها بعد أن سقى الغنم للمرأتين قبل أن يلتقى بأبيهما-كما قال بعض الشراح -ولما مر الركب بطور سيناء أمره أن يصلى أيضا، وذلك حيث كلم الله موسى، وعند المرور ببيت لحم صلى أيضا، وذلك حيث ولد عيسى ابن مريم. هذا هو ما ورد بطريق صحيح كما ذكره البيهقى، ولم أر حديثا صحيحا عن صلاته فى غير هذه الأماكن. وما رآه الرسول بهذه المناسبة بعضه ورد بطريق صحيح وبعضه الآخر بطريق غير صحيح، من ذلك ما رواه الطبرانى والبزار والبيهقى وابن جرير وأبو يعلى أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى على واد فوجد فيه ريحا طيبة باردة كريح المسك، وسمع صوتا وأخبره جبريل بأنه صوت الجنة تبشر أهلها، ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا ووجد ريحا منتنة، فأخبره جبريل بأنه صوت النار، ولكن لم يحكم على هذه الرواية بالصحة أو الحسن أو الضعف. ومهما يكن من شىء فإن ذلك إذا كان ممكنا عقلا فإننا لا نكلف بالإيمان به، حيث لم يرد نص صريح قاطع يثبته، ورحلة الإسراء فى حد ذاتها رحلة غريبة، ولها فضلها وشرفها، وليست فى حاجة إلى إضافة شىء يزيدها شرفا بعد ما ورد من آثار صحيحة وأكرر التنبيه على عدم نسبة شىء إلى النبى صلى الله عليه وسلم هو منه برىء فقد قال "من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخارى ومسلم. أما الصلاة التى صلاها فقد تكون ركعتين، لأن الصلاة كانت قبل الإسراء ركعتين أول النهار وركعتين آخره، وقد تكون تطوعا لله وقد مر ذلك عند صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بالأنبياء فى المسجد الأقصى، فليراجع "المجلد الأول ص 425 " (8/243) ________________________________________ حديث: تغيير منار الأرض
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا حديثا يقول لعن الله من غيَّر منار الأرض، فهل هذا صحيح وما معناه؟
الجواب روى مسلم وأحمد والنسائى عن على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من غيَّر منار الأرض" وفى رواية "من سرق منار الأرض " وفى رواية "من غير تخوم الأرض " وفى رواية "ينتقص منار الأرض ". منار الأرض هو العلامة التى تهدى الناس حتى لا يضلوا، والتخوم هى الحدود، والتعدى على الحدود حرام. قيل: ذلك خاص بحدود الحرم، وقيل: عام فى كل الحدود للتعدى على أراضى الغير. والمحدث هو من أحدث أمرا منكرا والنهى هو عن الدفاع عنه أو إيوائه أو منع المظلوم أن يقتص منه (8/244) ________________________________________ حديث: التمارض عن العمل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى العامل الذى يتكاسل فى أداء واجبه، ويحصل على إجازات مرضية ليس فى حاجة إليها، وذلك فى مقابل مبلغ من المال؟
الجواب العمل فى مقابل أجر يجب أن يؤدى على الوجه المطلوب، وإلا كان الأجر من غير مقابل له، فيكون حراما، والله يحب إذا عمل الإنسان عملا أن يتقنه كما روى فى الحديث، والتحايل على الحصول على إجازة بادعاء المرض حرام فى حد ذاته لأنه كذب، وإذا كان هذا التحايل بمساعده إنسان آخر فى مقابل مال أو خدمة مع علمه بأنه غير مريض كان هذا العمل رشوة قد توصل بها الشخص إلى غير ما يستحقه، وأذكِّر هؤلاء جميعا بقول الله تعالى {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} الكهف: 30 وقوله {ولكلٍّ درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون} الأحقاف: 19 وقوله {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة: 2 وقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم "والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقى الله تعالى يحمله يوم القيامة" وما قاله فى الرشوة وكل الأطراف المتعلقة بها. فهل بعد كلام الله ورسوله ما يحفز هممنا إلى النشاط والإخلاص فى العمل؟ أحب أن أذكِّر كل العاملين بسلوك الشعوب الناهضة التى لا تدين بالإسلام فى حرصها على العمل ونفورها من الكسل والإجازات (8/245) ________________________________________ دعاء الناس للرسول
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى قوله تعالى {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} ؟
الجواب هذه الآية رقمها 63 من سورة النور، وهى تدل على إكرام الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم الذى من مظاهره أنه خاطب جميع الأنبياء فى القرآن بأسمائهم، فقال {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} الأعراف: 19 {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات} هود: 48 {يا إبراهيم أعرض عن هذا} هود: 76 {وما تلك بيمينك يا موسى} طه: 17 {يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض} ص: 26 {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} مريم: 70 {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} مريم: 17 {يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلىَّ} آل عمران: 55 ولم يخاطبه صلى الله عليه وسلم إلا بمثل {يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك} المائدة: 67 {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا} الأحزاب:45. {يا أيها المزمل. قم الليل إلا قليلا} المزمل: 1، 2 {يا أيها المدثِّر. قم فأنذر} المدثر: 1، 2 وأما ذكره بلا نداء فقد يكون باسمه صلى الله عليه وسلم {محمد رسول الله} الفتح: 29، {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} الأحزاب: 40. ومن أجل هذا حرم الله على الأمة نداءه باسمه مجردا عن صيغة التكريم فقال {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} أى لا تجعلوا نداءكم له وتسميتكم إياه كما يكون لبعضكم مع بعض، ولكن قولوا: يا رسول الله أو يا نبى الله مع التوقير والتواضع وخفض الصوت لحرمة ذلك بقوله تعالى {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} الحجرات: 2 وهذا أدب معه حال حياته وبعد وفاته. وهذا الأدب ينبغى التزامه، فهو صلى الله عليه وسلم ليس أقل ممن يحترمون بكثرة الألقاب والأوصاف التى يعلم الله ما هو الباعث عليها (8/246) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:12 am | |
| إسراء الرسول ليلا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا أسرى الله برسوله ليلا وليس نهارا؟
الجواب أجاب القسطلانى فى المواهب اللدنية مع شرح الزرقانى "ج 6 ص 8" عن هذا السؤال بقوله: إنما جعل الإسراء ليلا تمكينا للتخصيص بمقام المحبة، لأنه تعالى اتخذه عليه السلام حبيبا وخليلا، والليل أخص زمان للمحبين لجمعهما فيه، والخلوة بالحبيب متحققة بالليل. وقال ابن المنير: لعل تخصيص الإسراء بالليل ليزداد الذين آمنوا إيمانا بالغيب، وليفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم، إذ الليل أخفى حالا من النهار، فما وقع منه لا يطلع عليه غالبا، فكان من الغيب، فإذا أخبر الرسول عما وقع له ليلا صدَّقه المؤمنون فزادوا إيمانا، ولعله لو عرج به نهارا لفات المؤمن فضيلة الإيمان بالغيب. وهناك حكمة على طريق أهل الإشارات، وهم المحققون من الصوفية، أن الله تعالى لمَّا مَحَا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة انكسر الليل فجبر بأن أسرى فيه محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: افتخر النهار على الليل بالشمس فقيل له: لا تفتخر فإن كانت شمس الدنيا تشرق فيك. فسيعرج شمس الوجود فى الليل إلى السماء. هذا بعض ما قيل: ولكلٍّ ذوقه وإحساسه (8/247) ________________________________________ حكمة وفاة أبناء الرسول قبله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك حكمة فى أن الله سبحانه كتب على أبناء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الوفاة فى حياته؟
الجواب يقال إن إبراهيم عليه السلام رزقه الله بعد سِنِّ الشيخوخة بولدين، هما إسماعيل وإسحاق، وجعل النبوة فى أبناء إسحاق، الذى أنجب يعقوب وجعل من ذريته أنبياء بنى إسرائيل، وكانت النبوة موضع الرجاء فى توارث الأبناء لها، ومن ذلك قول الله تعالى {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء إن هذا لهو الفضل المبين} النمل: 16 وقوله عن زكريا الذى أعطاه الله يحيى بعد أن بلغ من الكبر عتيا {فهب لى من لدنك وليا. يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا} مريم: 5، 6 فبشره الله {بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} آل عمران: 39 وشاء الله ألا ينجب يحيى، وكان عيسى عليه السلام آخر الأنبياء من ولد إسحاق، وكانت ولادته خارقة للعادة حيث لم يكن له أب، وقد رفعه الله إليه ولم يتزوج ولم ينجب، وكان هذا التدبير من الله سبحانه تمهيدًا لولادة خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وبعثه الله للعرب استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حين أسكن إسماعيل وأمه مكة وعمرت بالعرب وبعث فيهم إسماعيل ولم يبعث فيهم أحدا من ولده حتى كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمَين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} البقرة: 127 -129. فبرفع سيدنا عيسى انتهت النبوة من فرع إسحاق، وبرسالة سيدنا محمد انتقلت النبوة إلى فرع إسماعيل عليه السلام. وشاء الله أن يموت أبناء سيدنا محمد فى حياته وهم صغار حتى لا يفتن بهم بعض المحبين، ويظنوا أن النبوة سيرثها أحد أبنائه كما كانت تورث فى بنى إسرائيل ولذلك أكدت النصوص أن الرسالة ختمت ولا نبى بعده صلى الله عليه وسلم وبهذين الأمرين لم يكن هناك طمع فى نبوة بعده، وظهر خطأ من تنبئوا فى حياته وبعد مماته. والسيدة فاطمة رضى الله عنها هى التى أنجبت من سيدنا على رضى الله عنه سيدىِّ شباب أهل الجنة: الحسن والحسين، ولم يزعم أحد أنهما ادعيا النبوة أو طمعا فيها وإذا كان صلى الله عليه وسلم أوصى بأهل بيته خيرا فى نصوص سجل بعضها فى القرآن {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى، الشورى: 23 فإن حب الناس لآل البيت وإن تغالى بعضهم فيه لكن لم يقبل أحد أن يكون منهم نبى، إلى جانب أن ميراث النبوة كان عن طريق الأبناء لا البنات. ولعل فيما ذكرته تظهر الحكمة فى أن أبناء النبى صلى الله عليه وسلم ماتوا صغارا وفى حياته وأما حديث "لو عاش إبراهيم لكان نبيًّا" فهو باطل (8/248) ________________________________________ حديث: اتق شر من أحسنت إليه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نسمع كثيرا هذا القول: اتق شر من أحسنت إليه، فهل هو حديث وهل معناه صحيح؟
الجواب قال العجلونى فى كتابه "كشف الخفا ومزيل الإلباس" قال السخاوى: لا أعرفه، ويشبه أن يكون من كلام بعض السلف، قال: وليس على إطلاقه، بل هو محمول على اللئام دون الكرام، ويشهد له ما فى "المجالسة للدينورى" عن على كرم الله وجهه: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف -يعنى إذا أعطى تحفة- وعن عمر رضى الله عنه: ما وجدت لئيما قط إلا قليل المروءة وفى التنزيل {وما نقموا منهم إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} التوبة: 74. وسبب نزولها كما ذكره الطبرى: أن كبير المنافقين عبد الله بن أُبى ابن سلول كانت له دية فأعطاها له الرسول، فلما اغتنى بطر النعمة ولم يؤمن إيمانا خالصا بالرسول، وقال عقب ذلك فى حادثة الرجلين اللذين اقتتلا وأحدهما من حلفاء الأنصار: انصروا أخاكم فو الله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سَمِّن كلبك يأكلك، وقال أيضا {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} المنافقون: 8 يريد بالأعز قومه، وبالأذل المسلمين. وفى الإسرائيليات يقول الله عز وجل "من أساء إلى من أحسن إليه فقد بدَّل نعمتى كفرا، ومن أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لى شكرا" وعند البيهقى فى شعب الإيمان عن محمد بن حاتم المظفرى قال: اتق شر من يصحبك لنائلة. "مجلة الإسلام -المجلد الرابع - العدد 13 " (8/249) ________________________________________ حديث: خلق الإبل من الشياطين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأت فى بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "إن الإبل خلقت من الشياطين" فهل هذا صحيح ولماذا؟
الجواب جاء فى كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميرى المتوفى سنة 808 هـ أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة فى مبارك الإبل فقال "لا تصلوا فى مبارك الإبل فإنها مأوى الشياطين" رواه أبو داود وروى النسائى وابن حبان من حديث عبد الله بن مغفل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن الإبل خلقت من الشياطين " ولم يعلق على هذا الحديث. وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 2 ص 142" حديث ابن مغفل عند أحمد بإسناد صحيح بلفظ "لا تصلوا فى أعطان الإبل، فإنها خلقت من الجن، ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت" ولم يبين معنى خلقها من الجن، فقد يكون المراد أن فيها شرا إذا نفرت وهاجت، فالأمر على التشبيه وليس على الحقيقة كما أراه. وفى المغنى لابن قدامة "ج 1 ص 721" عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنصلى فى مرابض الغنم؟ قال "نعم " قال أنصلى فى مرابض الإبل "؟ قال "لا" رواه مسلم. ولم يذكر السبب فى النهى. وجاء فى ص 722 قول القاضى: إن المنع تعبد لا لعلة معقولة، وقال غيره: إن معاطن الإبل والمقبرة والمجزرة والمزبلة وغيرها تكره فيها الصلاة لأنها مظنة النجاسات "انظر ص 398 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى" (8/250) ----------------------------------------------------------------- حديث: لا تجتمع أمتى على ضلالة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث "لا تجتمع أمتى على ضلالة"؟ وهل يعنى أن الإجماع حجة؟
الجواب ذكر القسطلانى فى "المواهب اللدنية" وشارحه الزرقانى "ج 5 ص 388" أن من خصائص الأمة المحمدية أنهم لا يجتمعون على ضلالة أى إذا اجتمعوا على حكم كان عند الله كذلك، رواه أحمد فى مسنده، والطبرانى فى الكبير وابن أبى خيثمة فى تاريخه عن أبى بصرة مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ "سألت ربى ألا تجتمع أمتى على ضلالة فأعطانيها" والمراد بالأمة أمة الإجابة التى آمنت به، وليست أمة الدعوة التى أُرسل إليها فقد كفر منها الكثيرون.، ورواه ابن أبى عاصم، والطبرانى أيضا من حديث أبى مالك الأشعرى "إن الله تعالى أجاركم من ثلاث خلال، ألا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا، وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وألا تجتمعوا على ضلالة". قال السخاوى فى "المقاصد الحسنة" إنه حديث مشهور المتن وأسانيده كثيرة، أى متعددة الطرق والمخارج، وذلك علامة القوة، فلا ينزل عن الحسن فقد أخرجه أبو نعيم والحاكم وابن منده عن ابن عمر مرفوعا بلفظ "إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا، وإن يد الله مع الجماعة، فاتبعوا السواد الأعظم، فإنه من شذ شذ فى النار" وكذا أخرجه الترمذى، وأخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطنى عن أنس مرفوعا، والحاكم عن ابن عباس ورفعه، وابن أبى عاصم وغيره مرفوعا عن عقبة ابن عمرو الأنصارى، وله شواهد متعددة فى المرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم كقوله "أنتم شهداء الله فى الأرض" وفى غير المرفوع إليه وهو الموقوف، كقول ابن مسعود: إذا سئل أحدكم فلينظر كتاب الله، فإن لم يجد ففى سنة رسول الله، فإن لم يجد فلينظر ما اجتمع عليه المسلمون، وإلا فليجتهد. يقول الزرقانى: هذا، والاختلاف شامل لما كان فى أمر الدين كالعقائد أو الدنيا. كالإمامة العظمى، ومعنى "فعليكم بالسواد الأعظم" الزموا متابعة جماهير المسلمين الذين يجتمعون على طاعة السلطان وسلوك المنهج القويم، فهو الحق الواجب والفرض الثابت الذى يحرم خلافه، فمن خالفه مات ميتة جاهلية. ثم ذكر القسطلانى عقب ذلك من فضائل الأمة المحمدية أن إجماعهم حجة قاطعة، وأن اختلافهم -أى اختلاف المجتهدين- رحمة أى توسعة على الناس، وذلك فى الفروع، أما الاختلاف فى الأصول فهو ضلال. انتهى. وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى {وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله} الأنعام: 116 لأن المراد هنا أمة الدعوة، وكثير منهم لم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} يوسف: 103. وحجِّية الإجماع أشار إليها القسطلانى بأنها من دعائم الاجتهاد لمعرفة الأحكام الشرعية، وسيأتى الكلام عنها فيما بعد (8/251) ________________________________________ حديث: لا غيبة فى فاسق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك حديث يقول "لا غيبة فى فاسق"؟
الجواب جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 3 ص 132 " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أترغبون عن ذكر الفاجر؟ اهتكوه حتى يعرفه الناس، اذكروه بما فيه حتى يحذره الناس" قال العراقى فى تخريجه: رواه الطبرانى وابن حبان فى الضعفاء ورواه ابن عدى من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، دون قوله "حتى يعرفه الناس" ورواه بهذه الزيادة ابن أبى الدنيا فى الصمت. وبعد أن ذكر الغزالى هذا الحديث قال: وكانوا يقولون: ثلاثة لا غيبة لهم، الإمام الجائر والمبتدع والمجاهر بفسقه، ثم قال فيمن يرخص فى غيبتهم: أن يكون مجاهرا بالفسق كالمخنث وصاحب الماخور والمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس، وكان ممن يتظاهر به بحيث لا يستنكف من أن يذكر له، ولا يكره أن يذكر به، فإذا ذكرت فيه ما يتظاهر به فلا إثم عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له "-هذا الحديث ضعيف كما قال العراقى- ثم قال الغزالى: وقال عمر رضى الله عنه: ليس لفاجر حرمة، وأراد به المجاهر بفسقه دون المستتر،، إذ المستتر لابد من مراعاة حرمته. وقال الحسن: ثلاثة لا غيبة لهم، صاحب الهوى والفاسق المعلن بفسقه والإمام الجائر، فهؤلاء الثلاثة يجمعهم أنهم يتظاهرون به، وربما يتفاخرون به، فكيف يكرهون ذلك وهم يقصدون إظهاره؟ نعم، لو ذكره بغير ما يتظاهر به أثم. من هذا يعرف أن الفاسق المعلن بفسقه ولا يستحى أو يتألم من ذكر الناس له بما فيه جائز وليس بحرام، وإن كانت الأحاديث الواردة فى ذلك فيها مقال. والصيغة المذكورة فى السؤال قيل إنها منكرة، ولكن المعنى الذى تحمله حسن لورود حديث بمعناه وإن كان ضعيفا، وما قاله الغزالى وما نقله من الأقوال يرجح الحكم بعدم الحرمة على الوجه المذكور (8/252) ________________________________________ حديث: طلب العلم والنافلة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك حديث يقول "طلب العلم أفضل من صلاة النافلة"؟
الجواب هذا القول ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول الإمام الشافعى رضى الله عنه، فقد أثر عنه أنه قال: ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، قيل: ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد فى سبيل الله " الهداية جمادى الآخرة سنة1415 هـ" وهذا فى الجهاد المندوب، أما المفروض فهو داخل فى الفرائض لا يقدم عليها النفل كطلب العلم (8/253) ________________________________________ حديث: الحياء والإيمان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى الحديث الشريف " الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان" فإذا كان الحياء غريزة من الغرائز فكيف يكون شعبة من شعب الإيمان؟
الجواب الغرائز ليست شعبة من الإِيمان، وإنما هى قوى تدعو للإِيمان والكفر والطاعة والعصيان، والدين جاء ليهذبها ويوجهها إلى الدعوة إلى الإِيمان والطاعة. ثم من قال: إن الحياء كله غريزة؟ فمن الحياء خلق مكتسب أساسه البعد عما يضر النفس والغير، وهذا البعد فيه جهاد للنفس بغرائزها التى تريد لها كل ما تريد، بصرف النظر عن كونه حلالا أو حراما. فالقناعة بالحلال وعدم التطلع إلى الحرام من صفات الأخيار الأبرار، التى جاءت بها الأديان، وساعد عليها الإيمان بالحساب أمام الله على ما قدمت يد الإِنسان. جاء فى شرح النووى لصحيح مسلم "ج 2 ص 5 " بعد ذكر روايات الحديث التى منها: الحياء من الإِيمان، الحياء لا يأتى إلا بخير، الحياء خير كله - أن القشيرى نقل عن الجنيد أنه قال: الحياء رؤيا الآلاء -النعم- ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء. وقال القاضى عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإِيمان -وإن كان غريزة- لأنه قد يكون تخلقا واكتسابا كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، فهو من الإِيمان بهذا وبكونه باعثا على أفعال البر ومانعا من المعاصى. وأما كون الحياء خيرا كله ولا يأتى إلا بخير فقد يشكل على بعض الناس، من حيث إن صاحب الحياء قد يستحى أن يواجه بالحق من يُجِلُّه فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإِخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف فى العادة -وجواب هذا- أن هذا المانع ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز وخور ومهانة، وتسميته حياء من إطلاق أهل العرف، أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقى، وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير فى حق ذى الحق ونحو هذا. هذا وقد روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" والمعنى إذا لم يخف الإِنسان من الله ولا من الناس صار كالبهائم يصنع ما يشاء، وليس هذا إغراء، ولكنه بيان للواقع المذموم (8/254) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:17 am | |
| الاحتفال بالمولد النبوى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن الاحتفال بمولد النبى صلى الله عليه وسلم بدعة لم تكن فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى أيام الصحابة والسلف الصالح، ويقولون إنها بدعة منكرة وضلالة تؤدى إلى النار، فما هو الرأى الصحيح فى ذلك، وكذلك فى الاحتفال بموالد الأولياء؟
الجواب لا يعرف المؤرخون أن أحدا قبل الفاطميين احتفل بذكرى المولد النبوى -كما قال الأستاذ حسن السندوبى - فكانوا يحتفلون بالذكرى فى مصر احتفالا عظيما ويكثرون من عمل الحلوى وتوزيعها كما قال القلقشندى فى كتابه " صبح الأعشى". وكان الفاطميون يحتفلون بعدة موالد لآل البيت، كما احتفلوا بعيد الميلاد المسيحى كما قال المقريزى، ثم توقف الاحتفال بالمولد النبوى سنة 488 هـ وكذلك الموالد كلها، لأن الخليفة المستعلى بالله استوزر الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالى، وكان رجلا قويا لا يعارض أهل السنة كما قال ابن الأثير فى كتابه " الكامل "ج 8 ص 302 واستمر الأمر كذلك حتى ولى الوزارة المأمون البطائحى، فأصدر مرسوما بإطلاق الصدقات فى 13 من ربيع الأول سنة 517 هـ وتولى توزيعها " سناء الملك ". ولما جاءت الدولة الأيوبية أبطلت كل ما كان من آثار الفاطميين، ولكن الأسر كانت تقيم حفلات خاصة بمناسبة المولد النبوى، ثم صارت، رسمية فى مفتتح القرن السابع فى مدينة " إربل " على يد أميرها مظفر الدين أبى سعيد كوكبرى بن زين الدين على بن تبكتكين، وهو سنِّى اهتم بالمولد فعمل قبابا من أول شهر صفر، وزينها أجمل زينة، فى كل منها الأغانى والقرقوز والملاهى، ويعطى الناس إجازة للتفرج على هذه المظاهر. وكانت القباب الخشبية منصوبة من باب القلعة إلي، باب الخانقاه، وكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر، ويقف على كل قبة ويسمع الغناء ويرى ما فيها، وكان يعمل المولد سنة فى ثامن الشهر، وسنة فى ثانى عشره، وقبل المولد بيومين يخرج الإِبل والبقر والغنم، ويزفها بالطبول لتنحر فى الميدان وتطبخ للناس. ويقول ابن الحاج أبو عبد الله العبدرى: إن الاحتفال كان منتشرا بمصر فى عهده، ويعيب ما فيه من البدع " المدخل ج 2 ص 11، 12 ". وأَلفت كتب كثيرة فى المولد النبوى فى القرن السابع، مثل قصة ابن دحية المتوفى بمصر سنة 633 هـ، ومحيى الدين بن العربى المتوفى بدمشق سنة 638 هـ، وابن طغربك المتوفى بمصر سنة 670 هـ، وأحمد العزلى مع ابنه محمد المتوفى بسبته سنة 677 هـ. ولانتشار البدع فى الموالد أنكرها العلماء، حتى أنكروا أصل إقامة المولد، ومنهم الفقيه المالكى تاج الدين عمر بن على اللخمى الإِسكندرى المعروف بالفاكهانى، المتوفى سنة 731 هـ، فكتب فى ذلك رسالته " المورد فى الكلام على المولد" أوردها السيوطى بنصها فى كتابه " حسن المقصد". ثم قال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: وقد أتى القرن التاسع والناس بين مجيز ومانع، واستحسنه السيوطى وابن حجر العسقلانى، وابن حجر الهيتمى، مع إنكارهم لما لصق به من البدع، ورأيهم مستمد من آية {وذكِّرهم بأيام الله} إبراهيم: 5. أخرج النسائى وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند، والبيهقى فى شعب الإِيمان عن أبى بن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه فسر الأيام بنعم الله وآلائه "روح المعانى للآلوسى" وولادة النبى نعمة كبرى. اهـ. وفى صحيح مسلم عن أبى قتادة الأنصارى قال: وسئل - النبى صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الاثنين فقال " ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أُنزل علىَّ فيه " روى عن جابر وابن عباس: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول، وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات أى فى شهر ربيع الأول، فالرسول صلى الله عليه وسلم نص على أن يوم ولادته له مزية على بقية الأيام، وللمؤمن أن يطمع فى تعظيم أجره بموافقته ليوم فيه بركة، وتفضيل العمل بمصادفته لأوقات الامتنان الإِلهى معلوم قطعا من الشريعة، ولذا يكون الاحتفال بذلك اليوم، وشكر الله على نعمته علينا بولادة النبى وهدايتنا لشريعته مما تقره الأصول، لكن بشرط ألا يتخذ له رسم مخصوص، بل ينشر المسلم البشر فيما حوله، ويتقرب إلى الله بما شرعه، ويعرِّف الناس بما فيه من فضل، ولا يخرج بذلك إلى ما هو محرم شرعا. أما عادات الأكل فهى مما يدخل تحت قوله تعالى {كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله} البقرة: 172 انتهى. ورأيى أنه لا بأس بذلك فى هذا العصر الذى كاد الشباب ينسى فيه دينه وأمجاده، فى غمرة الاحتفالات الأخرى التى كادت تطغى على المناسبات الدينية، على أن يكون ذلك بالتفقه فى السيرة، وعمل آثار تخلد ذكرى المولد، كبناء مسجد أو معهد أو أى عمل خيرى يربط من يشاهده برسول الله وسيرته. ومن هذا المنطلق يجوز الاحتفال بموالد الأولياء، حبًّا لهم واقتداء بسيرهم، مع البعد عن كل المحرمات من مثل الاختلاط المريب بين الرجال والنساء، وانتهاز الفرص لمزاولة أعمال غير مشروعة من أكل أو شرب أو مسابقة أو لهو، ومن عدم احترام بيوت الله ومن بدع زيارة القبور والتوسل بها، ومن كل ما لا يتفق مع الدين ويتنافى مع الآداب. فإذا غلبت هذه المخالفات كان من الخير منع الاحتفالات درءًا للمفسدة كما تدل عليه أصول التشريع. وإذا زادت الإِيجابيات والمنافع المشروعة فلا مانع من إقامة هذه الاحتفالات مع التوعية والمراقبة لمنع السلبيات أو الحد منها بقدر المستطاع، ذلك أن كثيرا من أعمال الخير تشوبها مخالفات ولو إلى حد ما، والكل مطالب بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالوسائل المشروعة " انظر الجزء الرابع من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ". يقول الزرقانى فى شرح المواهب للقسطلانى: إن ابن الجزرى الإمام فى القراءات والمتوفى سنة 833 هـ علَّق على خبر أبى لهب الذى رواه البخارى وغيره عندما فرح بمولد الرسول وأعتق " ثويبة" جاريته لتبشيرها له، فخفف الله عقابه وهو فى جهنم فقال: إذا كان هذا الكافر الذى نزل القرآن بذمه جوزى فى النار بفرحه ليلة المولد فما حال المسلم الموحد من أمته حين يُسرُّ بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته فى محبته. يقول الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر: إذا كان هذا كافرا جاء ذمه * وتبَّت يداه فى الجحيم مخلدا أتى أنه فى يوم الاثنين دائما * يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذى كان عمره * بأحمد مسرورا ومات موحدا؟ رجح ابن إسحاق أن ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم كان فى ثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من عام الفيل وروى ابن أبى شيبة ذلك عن جابر وابن عباس وغيرهما، وحكوا شهرته عند الجمهور. وقد حقق صاحب كتاب " تقويم العرب قبل الإسلام " بالحساب الفلكى الدقيق أن الميلاد كان فى يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول الموافق للعشرين من شهر أبريل سنة 571 م. "انظر الحاوى للفتاوى للسيوطى ومجلة الهداية الصادرة بتونس فى ربيع الأول 1394هـ " (8/255) ________________________________________ النظافة من الإيمان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال النظافة من الإيمان " وهل الذين لا يعنون بالنظافة على خطا أم على صواب؟
الجواب جاء فى إحياء علوم الدين للإِمام الغزالى "ج 1 ص 111 " فى أول كتاب أسرار الطهارة قوله: قال النبى صلى الله عليه وسلم "بنى الدين على النظافة" وقال " الطهور نصف الإِيمان " وعلق العراقى على الأول فقال: لم أجده هكذا، وفى الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة " تنظفوا فإن الإسلام نظيف " والطبرانى فى الأوسط بسند ضعيف جدا من حديث ابن مسعود " النظافة تدعو إلى الإِيمان " وعلق على الثانى بقوله بالرمز: رواه الترمذى من حديث رجل من بنى سليم وقال: حسن. ورواه مسلم من حديث أبى مالك الأشعرى بلفظ " شطر". فاللفظ المذكور فى السؤال والجارى على الألسنة ليس واردا عن النبى صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد عنه تقدير النظافة بعبارات أخرى. ولا شك أن النظافة لها تقديرها الكبير فى التشريع الإِسلامى، لأنها من العوامل الأساسية فى المحافظة على الصحة التى هى من أكبر نعم الله على الإنسان كما صح فى الحديث " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ " رواه البخارى. وللنظافة مجالات كثيرة. ففى نظافة البدن شرع الوضوء للصلوات الخمس فى اليوم والليلة، بما فيه من تعهد للأعضاء التى يكثر تعرضها للتلوث، وبما فيه من حث على العناية بالاستنشاق والمضمضة مع استعمال السواك وتأكيد استحبابه، وشرع الغسل لأسبابه المعينة، وندبه فى مناسبات عدة، وبخاصة عند الاجتماع والازدحام، كما فى صلاة الجمعة والعيدين، وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "حق على كل مسلم أن يغتسل فى كل سبعة أيام يوما، يغسل فيه رأسه وجسده " وروى مسلم حديث. " إن الله جميل يحب الجمال " وندب إلى التزين والتعطر وحسن الهندام وتسوية الشعر وقص الأظافر وإزالة شعر الإبطين والعانة وما إلى ذلك من ضروب النظافة. وشرع غسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده، وعدم غمسهما فى الماء قبل غسلهما إذا استيقظ من نومه فإنه لا يدرى أين باتت يده - وبخاصة من ينامون فى العراء ويفترشون الرمال بجوار الإِبل والحيوانات الأخرى - وحذر من النوم قبل غسل اليدين من أثر الطعام وبخاصة إذا كان فيه دسم تجذب رائحته الهوام والحشرات فتضره، وكل ذلك وردت به الأحاديث. وفى نظافة الملبس والمسكن والشارع والأمكنة العامة يقول سبحانه {وثيابك فطهِّر} المدثر: 4 وباب النجاسات وإزالتها واشتراط طهارة الثوب والمكان فى الصلاة واضح ومفصَّل فى كتب الفقه. وفى الحديث " أصلحوا رِحالكم ولباسكم حتى تكونوا فى الناس كأنكم شامة" رواه أحمد. وفى مسند البزار أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود. فنظفوا أفناءكم وساحاتكم، ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكب فى دورهم " الأكب الزبالة، وإصلاح الرحال أى المساكن عام يشمل كنسها وتهويتها وتعريضها للشمس وتطهيرها من الحشرات المؤذية وما إلى ذلك. وحث الإِسلام على إماطة الأذى عن الطريق وعدها صدقة كما رواه البخارى ومسلم، وفى الحديث " اتقوا الملاعن الثلاث، البراز على قارعة الطريق وموارد المياه ومواقع الظل " رواه ابن ماجه وأبو داود، وندب إلى تغطية أوانى الطعام والشراب، حفظا لها من التلوث أو الفساد بما ينقله الريح أو الذباب مثلا كما رواه مسلم. هذه بعض التشريعات التى تدل على عناية الإِسلام بالنظافة فى كل شىء وليست النظافة فى الماديات فقط بل فى المعنويات أيضًا من العقائد والأفكار والأقوال والأفعال والضمائر والنيات وما إليها. والذين يهملون فيها مخطئون، لا نحب أن يكونوا كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ولا ننسى فى هذا المجال حرمة تلويث البيئة بأى ملوث حتى بالرائحة الكريهة، كالدخان والثوم والبصل والعرق، وحتى بالأصوات المزعجة المقلقة للراحة ولو كانت بذكر الله، وكل ذلك وردت به الآثار والمقصِّرون مخطئون (8/256) ________________________________________ حديث: غمز الشيطان للمولود
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن عيسى أفضل من محمد عليهما السلام، لأن الشيطان لم يغمزه حين ولد، فهل هذا صحيح؟
الجواب سبق القول بأن الله سبحانه فضَّل بعض الأنبياء على بعض "المجلد الثانى ص 569 " وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين، وقلنا: إذا كان واحد منهم له مزية فإن المزية لا تقتضى الأفضلية، وأوردنا النصوص الدالة على ذلك. ويتصل بهذا الموضوع ما جاء فى السؤال، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما من بنى آدم من مولود إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسته إياه، إلا مريم وابنها" وفى رواية قال أبو هريرة -راوى الحديث- اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى {وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} آل عمران: 36 وفى لفظ عند البخارى " كل بنى آدم يطعن الشيطان فى عينيه بإصبعه حين يولد، إلا عيسى بن مريم، ذهب يطعن فطعن فى الحجاب.... ". يقول السهيلى: ولأن عيسى عليه السلام لم يخلق من منِى الرجال فأعيذ من مغمزه، وإنما خلق من نفخة روح القدس، قال: ولا يدل هذا على فضل عيسى عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم، لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نزغ منه ذلك المغمز وملىء قلبه حكمة وإيمانا بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد، وإنما كان ذلك المغمز فيه لموضع الشهوة المحركة للمنى، والشهوات يحضرها الشيطان، لا سيما شهوة من ليس بمؤمن، فكان ذلك المغمز فيه راجعا إلى الأب، لا إلى الابن المطهر صلى الله عليه وسلم ولهذا قال: شق صدره فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم، فتبين أن الذى التمس فيه هو الذى يغمزه الشيطان من كل مولود " آكام المرجان للشبلى ص 178 ". وأرجو التنبه إلى أساليب المغرضين المثيرين للفتنة، وإلى قول الله تعالى {ومن يبتغ غير الإِسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران: 85 (8/257) ________________________________________ الأحاديث النبوية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى الحديث المتواتر وما حكم من ينكره، وهل كل ما فى البخارى ومسلم يجب تصديقه ويحرم عدم الأخذ به؟
الجواب الحديث المتواتر هو ما يرويه جمع يحيل العقل فى العادة تواطؤهم على الكذب، وذلك فى كل طبقة من ابتداء الرواية إلى من تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عرفوه عنه فعلا أو وصفا أو تقريرا، وقد يكون متواترا لفظيا إذا اتحدت الرواة فى الألفاظ التى يقولونها، أو متواترا معنويا إذا اتفقوا فى رواية المعنى مع اختلاف الألفاظ، والتواتر المعنوى كثير، أما اللفظى فقليل، ومنه أحاديث "من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" "نزل القرآن على سبعة أحرف". ومن المتواتر المعنوى حديث رفع اليدين فى الدعاء، فقد روى فيه أكثر من مائة حديث، لكنها فى وقائع مختلفة، والذى ينكر الحديث المتواتر بالإِجماع يكون كافرا، وكذلك يكفر من أنكر ما أجمع عليه المسلمون كعدد الصلوات الخمس وركعاتها، ومناسك الحج. والأحاديث غير المتواترة تسمى أحاديث آحاد منها المشهور والعزيز والغريب، ويحكم عليها بالصحة أو الحسن أو الضعف. ومنكرها لا يكفر، وإذا كان الإنكار عن هوى أو تعصب كان فسقا يأثم صاحبه. والأحاديث الموجودة فى البخارى ومسلم قال ابن الصلاح: إنها صحيحة قطعا، لاتفاق الأمة على تلقيها بالقبول، والأمة لا تتفق على خطأ، وأما ما روى فيهما معلقا، وهو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر فلا يبلغ مرتبة القطع عنده، واستثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته مائتين وعشرين حديثا، والحافظ العراقى أفردها بكتاب تصدى فيه للجواب عنها، وتعرض الحافظ ابن حجر فى مقدمة فتح البارى لما طعن فيه من أحاديث البخارى، ودفع ما وجه إليها من مآخذ بالتفصيل. والإِمام النووى خالف ابن الصلاح فى دعوى القطع بصحة ما فى الصحيحين -إلا ما استثنى- وقال: إن المحققين والأكثرين يذهبون إلى أن صحة ما روياه صحة مظنونة إلا أن يكون متواترا، وأما تلقى الأمة لهما بالقبول فلأن ما روياه يفيد الظن، والظن يكفى فى تقرير الأحكام العملية، وأما قوله تعالى: {وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} النجم: 28 فمحمول على ما يرجع إلى أصول الدين كالعقائد، لأنه يقصد منها العلم واليقين. ومَزِيَّة ما فى البخارى ومسلم على رأي النووى تظهر فى أن ما روى فيهما صحيح لا يحتاج إلى البحث والنظر، بل يؤخذ بالتسليم، أما ما يروى فى غيرهما فيحتاج إلى نظر لمعرفة رتبته من القبول. فالخلاصة أن ما رواه الشيخان - البخارى ومسلم - وكان متصل الإِسناد من طريقين فأكثر وتلقاه رجال الحديث بالقبول يفيد العلم بصحة نسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم، كخبر الآحاد الذى تحتف به قرائن الصدق فلا تبقى لمن يتلقاه شيئا من التردد فى صحته "مجلة الأزهر-المجلد الأول ص 546 - 549" (8/258) ________________________________________ البينة واليمين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "البينة على من ادَّعى واليمين على من أنكر"؟
الجواب روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدَّعى عليه" وروى البيهقى والطبرانى بإسناد صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وتفصيل إجراءات التقاضى يرجع إليها فى كتب الفقه (8/259) ________________________________________ الأحباب فى الحشر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: من أحب قوما حشر معهم؟
الجواب وردت عدة أحاديث تدل على ذلك، منها ما جاء فى البخاري ومسلم عن أنس رضى الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال " وما أعددت لها "؟ قال: لا شىء إلا أننى أحب الله ورسوله، قال "أنت مع من أحببت " قال أنس: فما فرحنا بشىء فرحنا بقول النبى صلى الله عليه وسلم " أنت مع من أحببت " قال أنس: فأنا أحب النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبى إياهم. وروى البخارى ومسلم أيضا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف ترى فى رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرء مع من أحب ". وروى الطبرانى بإسناد جيد حديثًا جاء فيه " ولا يحب رجل قوما إلا حُشر معهم " وروى أحمد مثله. ويجب أن يراعى أن هذا الحب يكون لله لا لأغراض أخرى، فالحب لله من صفات الذين يجدون حلاوة الإِيمان كما صح فى الحديث (8/260) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:20 am | |
| النبى صلى الله عليه وسلم وحب النساء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "حُبِّب إلىَّ من دنياكم ثلاث: النساء والطيب، وجعلت قرة عينى فى الصلاة"؟
الجواب هذا حديث رواه النسائى عن أنس والطبرانى فى معجمه الأوسط، والحاكم فى المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ: إسناده حسن عن أنس. وحب الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء ليس حبا شهوانيا بمعنى الاهتمام الزائد بالمتعة الجنسية على شاكلة المترفين اللاهين، فنحن نعلم رقة حاله وشغله الدائم ليل نهار بالدعوة ومشكلاتها، واهتمامه بقيام الليل حتى تتورم قدماه، فهو حب طبيعى كحب أى رجل لامرأة، لأنه مكتمل الرجولة لا عيب فيه، ولكنه حب بقدر، لا يطغى على الناحية الروحية عنده، ولذلك جاء فى الحديث " وجعلت قرة عينى فى الصلاة" فالصلاة أعظم محبوب عنده، ومن كان كذلك فهمه فى النساء لم يكن بالدرجة التى تصرفه عن قرة عينه وهى الصلاة والعبادة. وقد يكون الحديث ردًّا على بعض من يرون أن مقياس التدين هو الرهبانية والتبتل والامتناع عما أحل الله من الطيبات، فهو صلى الله عليه وسلم أخشى الناس لله وأتقاهم له، ولكنه يصوم ويفطر ويقوم ويرقد ويتزوج النساء كما صح فى الحديث المتفق عليه الذى قال فى نهايته "ومن رغب عن سنتى فليس منى". وذلك إلى جانب عطفه ورحمته بالنساء عامة، وقد أوصى بهن كثيرا، والنصوص فى ذلك كثيرة. " انظر الجزء السادس من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإِسلام ص 168 " (8/261) ________________________________________ حديث: من فضائل الأعمال
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرجو شرح الحديث الذى يقول " ثلاثة يضحك الله إليهم، الرجل إذا قام من الليل يصلى، والقوم إذا صفوا للصلاة، والقوم،إذا صَفُّوا للقتال "؟
الجواب هذا الحديث رواه أحمد، وفيه ثلاث فضائل يرضى الله عنها رضاء عظيما. وقد جاء التفسيرعن هذا الرضا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام " ثلاثة يضحك الله إليهم " والضحك إذا عدى بمن كان فى مقام الذم غالبا كقوله تعالى {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون} المطففين: 29 وإذا عدى بإلى كان فى مقام المدح، كما فى هذا الحديث. والضحك بالمعنى المتعارف عند الناس لا ينسب إلى الله، فالمراد لازمه وهو الرضا. فالله يرضى عن هذه الفضائل رضاء عظيما، والتعبير بالضحك عن ذلك يدل على أهميتها وزيادة فضلها. الفضيلة الأولى: قيام الليل بالصلاة، ومن الأمور التى تعطى قيام الليل أهميته أن الصلاة فى الليل أقرب إلى الخشوع، وذلك لسكون الأصوات وعدم الصوارف التى تشتت ذهن الإنسان وتشوش فكره، وهنا يكون الاتصال بالله أتم والمناجاة معه أمتع واحسن، كما أن الليل يقل فيه أو ينعدم الرقيب الذى قد يرائى الإنسان بعمله من أجله، وهنا تكون العبادة أخلص لله وابعد عن تهمة الشرك والنفاق، وكذلك مما يجعل لقيام الليل أهميته أن فيه إيثارا لرضاء الله على رضاء النفس، فإن النفس تميل إلى الراحة وبخاصة فى الليل، فإذا جاهدها الإنسان ونزعها عن هواها وقام يصلى كان معنى حب الله واضحا، وابتغاء مرضاته ظاهرا. ويوضح ذلك حديث أبى الدرداء عن النبى صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يحبهم الله، ويضحك إليهم، ويستبشر بهم " وعدَّ منهم " والذى له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل، فيقول الله: يَذَرُ شهوته ويذكرنى، ولو شاء رقد" رواه الطبرانى بإسناد حسن. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة فى فضل قيام الليل نكتفى منها بقوله صلى الله عليه وسلم" إن فى الجنة غرفا برى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام " رواه ابن حبان فى صحيحه. والفضيلة الثانية: صلاة الجماعة وتسوية صفوفها، والذى يعطيها هذه المنزلة أنها تدل على شعور الإنسان بالروح الاجتماعية، وحاجته إلى الصلة بإخوانه، والتعاون معهم على الخير، وكان بإمكانه أن يؤدى الصلاة فى بيته منفردا فالأرض كلها مسجد، لكنه لم يخلد إلى الراحة وآثر الانتقال إلى مكان الاجتماع مع إخوانه وممارسة نشاطه الدينى معهم، وكذلك يعطيها هذه الأهمية أن فيها خضوعًا لنظام القيادة، وتناسيًا للفردية فى سبيل مصلحة الجماعة، وإذا كانوا خاضعين لقائدهم وهو إمام الصلاة فى توجههم إلى الله بالعبادة، فإنهم يحرصون على احترام هذه القيادة والحرص عليها فى أمور دنياهم، وفى ذلك كله قوة للمجتمع، تتماسك بها أركانه، ويرهب بها جانبه، كما أن نظام الصفوف وتسويتها يدرب على احترام النظام فى كل شئون الحياة، ويدرب على مقابلة العدو صفا واحد متماسكا كالبنيان المرصوص. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة مرغبة فى صلاة الجماعة من أجل هذه المعانى الكريمة وغيرها، وجعلتها تفوق صلاة الانفراد بسبع وعشرين درجة. وكان النبى صلى الله عليه وسلم يهتم اهتماما كبيرا بنظام الصفوف وتسويتها، روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما: كان النبى يمسح مناكبنا فى الصلاة ويقول " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم " وبلغ من شدة اهتمامه بتسوية الصفوف أنه كان يترك مكانه من الإمامة ويخترق الصفوف إذا رأى رجلا خارجا عن الصف، فيقيمه ويرشده ويقول " لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " رواه البخارى ومسلم. الفضيلة الثالثة: صفوف القتال، أى الاستعداد لمواجهة العدو، فى وحدة كاملة ونظام قوى، وهذا المعنى له أهميته، وذلك لأمور، منها استعداد المسلمين لحماية عقيدتهم وشرفهم والدفاع عن وطنهم، وتعاونهم فى ذلك تعاونا قويا لعلمهم أن هذه المهمة جماعية لا فردية، والضرر الناتج عن التقصير لا يقتصر على المقصر، يقول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الانفال:25 ومنها التضحية بأعز ما يملك الناس وهو الروح، فداء لدينهم وشرفهم، والنفس من طبيعتها حب السلامة، ولكن النفوس المؤمنة الأبية لا ترضى السلامة مع الذلة والهوان، وترخص أرواحها فى سبيل العزة والكرامة. وهكذا يكون المؤمنون الذين جعلهم الله خير أمة أخرجت للناس، وانتدبهم لنشر رسالة الحق والسلام. إن الله يعجب بهذه الصفوف ويضحك إليها لأنها صفوف لم تخرج لتحصيل مغنم أو كسب مادى، ولكنها خرجت للموت ضاحكة مستبشرة. ولما كان هذا الاستهداف يحتاج إلى إيمان قوى يتغلب على هوى النفس جاء الترغيب فى الجهاد قويا بأساليب مؤثرة، وكثرت الأحاديث التى تبين فضل المجاهدين على القاعدين، وتعد المقاتلين بإحدى الحسنيين، إما الفوز والنصر، وإما الشهادة والأجر {ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} النساء: 74 وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن ذروة سنام الإسلام هى الجهاد كما رواه الطبرانى. وبعد، فهذه فضائل ثلاثة، ينبغى أن نحرص عليها: الأولى فضيلة فردية لخاصة النفس وهى قيام الليل، يجاهد فيها نفسه ويتعرض لنفحات ربه، ورد فى حديث مسلم " إن فى الليل ساعة لا يوفقها رجل مسلم يسأل الله فيها خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا-أعطاه إياه، وذلك فى كل ليلة". والثانية فضيلة اجتماعية يظهر أثرها المباشر فى وقت السلم ويدرب بها لوقت الحرب، وهى صلاة الجماعة التى توحى بالتعاون والوحدة وحب النظام واحترام القيادة وعدم الشذوذ عن الجماعة. والثالثة فضيلة اجتماعية أيضا يظهر أثرها وقت الحرب، وهى التعبئة العامة المنظمة لرد العدوان وحماية الأوطان، جاء فيها قول النبى صلى الله عليه وسلم "مقام الرجل فى الصف فى سبيل الله تعالى أفضل من صلاته فى بيته سبعين عاما " رواه الترمذى بسند صحيح (8/262) ________________________________________ حديث فى قسمة الأرزاق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرجو شرح الحديث الشريف الذى يقول: " إذا نظر أحدكم إلى هن فضل عليه بالمال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه "؟
الجواب هذا الحديث رواه البخارى ومسلم، ويجب أن نعلم أن حظوظ الناس فى الحياة متفاوتة، والله وحده مالك الأمر كله، يعطى من يشاء، ويمنع ما يشاء عمن يشاء، قال تعالى {قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزمن تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير} [آل عمران:: 26] وقال {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} [الزخرف: 32] وهذا التفاوت فى الحظوظ لحكمة جاء بيانها فى مثل قوله تعالى: {وهو الذى جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم} [الأنعام:165] ولا يشترط أن يكون هذا التفضيل تكريما من الله لهم، فكم من كفار وعصاة يتقلبون فى االثراء ليزدادوا به كفرا وطغيانا، قال تعالى {لا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد. متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} [آل عمران: 196،،197] . ومنح الله لعباده قد تكون بمحض قدرته واختياره دون أن يكون لأحد فيها تدخل بوجه من الوجوه كالجمال الذى يولد به الإنسان ولا يد له فيه، وكالثراء الوارد عن طريق الميراث أو طريق لم يبذل فيه صاحبه أى جهد، وقد تكون هذه المنح نتيجة جهد وعمل كالتى تأتى عن طريق الكسب التجارى والصناعى وما شاكله. والطبيعة البشرية نزَّاعة إلى جب المال والجمال ومتع الحياة، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، وكثير من الناس ينظرون إلى ما فضل الله به الآخرين عليهم نظرة الحسرة والألم، ويتمنى بعضهم أن تزول هذه النعمة عن أصحابها ليتساووا جميعا فى الفقر والضعف والحاجة، وهذا هو الحسد المذموم الذى يورث صاحبه همًّا لا يفارقه، وقلقا لا يترك له فرصة يستريح فيها باله وتهدأ أعصابه، وقد يتورط فى أعمال غير كريمة لينال بها من هذا الذى فضله الله عليه، وقد ذم الدين هذا الخلق، وجاء فى الحديث أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقى. وقد يكون هناك بعض الناس الذين لم ينالوا حظا من متع الحياة يتمنون أن يكون لهم مثل ما لغيرهم، ويسعى بعضهم جاهدا لإدراك ما يتمنى. وقد يرتكب بعضهم فى سبيل ذلك ما لا يوافق عليه شرع ولا خلق. والحديث الذى نحن بصدده يرسم لنا الدواء الذى به تستريح النفس إزاء هذه الفوارق التى فضَّل بها الله بعض الناس على بعض، فيرشد كل عاقل إلى أنه لو تطلعت نفسه إلى ما منح غيره من مال وخلق، أى غنى وجمال وقوة أو غير ذلك من متع الدنيا، فجدير به أن ينظر إلى من هو أقل منه فى هذه الأمور، حتى يحس بأن الله أنعم عليه بما لم ينعم به على غيره، وهنا تهدأ نفسه، ويقنع بما عنده، ويكون هنا مجال لشكنر الله عليها، وهذا ما يشير إليه قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم " انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ". والإحساس بنعمة الله مهما صغرت وشكره عليها وسيلة من وسائل رضوان الله وحفظ النعمة وزيادتها، وعلى النقيض من ذلك يكون ازدراؤها والاستهانة بها موجبا لغضب الله وانتقامه فى العاجل أو الآجل، قال تعالى {وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد} [إبراهيم: 7] وقد جاء فى الهدى الإسلامى أن الإنسان إذا أراد أن يتنافس مع غيره فليكن التنافس فى مجال الخير والفضائل والكمالات، مستخدما فى ذلك ما منحه الله من مال وصحة ولو كان بقدر ضئيل، وهو ما يشير إليه قول النبى صلى الله عليه وسلم " لا حسد إلا فى اثنتين " والمراد لا ينبغى أن تكون هناك غبطة وتنافس واهتمام إلا فى هاتين الخصلتين " رجل آتاه الله مالا فسلَّطه على هلكته فى الحق، ورجل آتاه الله للحكمة فهو يقضى بها ويعلمها للناس " رواه البخارى ومسلم. أما التنافس الدنيوى المحض فهو مذموم، ذلك أن متاع الحياة الدنيا لا تشبع منه النفس الإنسانية، وهى حقيقة مقررة أشار إليها قول النبى صلى الله عليه وسلم " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا لهما، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب " رواه البخارى ومسلم. وقد وجه الله نبيه، وهو توجيه لأمته أيضا أن يكون الاهتمام بالكمال الأدبى والدينى أشد من الاهتمام بالكمال المادى الدنيوى الذى يلهى ويضر، قال تعالى: {ولا تمدَّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} [طه: 131] وقال تعالى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} [الكهف: 46] وقال {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى} [النساء: 77] . والإيمان بقدر الله والرضا بعطائه يهون على النفس متاعبها وآلامها، جاء فى الحديث الشريف " إن روح القُدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته " رواه ابن حبان وابن ماجه والحاكم وغيرهم بألفاظ متقاربة. والنبى صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من الاهتمام بالدنيا الذى يصرف عن الآخرة فقال " من كانت الآخرة أكبر همه جعل الله غناه فى قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهى راغمة، ومن كانت الدنيا أكبر همه جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له " رواه الترمذى وابن حبان وابن ماجه وغيرهم. وقد كان السلف الصالح يتنافسون فى البر، كما حدث من عثمان وأبى بكر وعمر فى تمويل جيش العسرة، وكما حدث من عبد الرحمن ابن عوف وغيره من الأعمال الخيرية الكثيرة، التى لم يلههم عنها ما جمعوه من مال. لكن ليس معنى هذا أن الله يصرف الناس عن الكسب ويحرمهم متع الدنيا، فهو القائل {يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} [المائدة: 87] وقال النبى صلى الله عليه وسلم " نعم المال الصالح للعبد الصالح " رواه أحمد بسند جيد وقال " الدنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقها بارك الله له فيها "رواه الطبرانى بإسناد حسن. فلنملأ قلوبنا بالإيمان، ولنجعل المعانى الأدبية أكبر همنا، ولنعمل جاهدين لرفع مستوانا، ولنوجه طاقاتنا إلى خير الدين والدنيا (8/263) ________________________________________ حديث فى فضل القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد شرح الحديث الشريف الذى يقول " خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه "؟
الجواب هذا الحديث رواه البخارى ومسلم، وتوضيح معناه يقتضينا أن نتحدث عن معنى الخيرية، وعن السبب الذى من أجله كان تعلم القرآن وتعليمه بهذه المنزلة العالية، وعن الآثار الواردة فى فضل التعلم والتعليم، وعن واجبنا نحو القرآن الكريم. فمعنى " خيركم من تعلم القران وعلَّمه " أفضلكم من انتسب إلى القرآن عن هذه الصلة، وهل هو أفضل الناس على الإطلاق، أو أفضل جماعة معينة منهم؟ لقد ورد مثلا قوله صلى الله عليه وسلم " خيركم خيركم لأهله " رواه الترمذى والنسائى والحاكم فهل الرجل الذى هو خير لأهله أفضل الناس جميعا؟ توفيقا بين التعبيرات الواردة في بيان الأفضلية قال العلماء: إن الأفضلية هنا نسبية، أو بالإضافة إلى جماعة معينة من الناس. فأفضل المشتغلين بالعلم هم المشتغلون بالقرآن، وأفضل المتعاملين مع الناس بالخير هم المتعاملون بالخير مع أهلهم. فكلٌّ فى بابه افضل وبالنسبة لجماعته ونوعه أشرف. ولماذا كانت أشرف مهمة علمية هى ما كانت متصلة بالقرآن الكريم؟ الجواب أن القرآن كلام الله، وكل ما كان متصلا بالله كان أشرف شئ فى الوجود، وأن القرآن دستور الحياة المثالية دنيا وأخرى وكل ما كان كذلك كانت الصلة به أشرف، والانتساب إليه أكرم. وكلام الله عند تلاوتنا له وتفقهنا فيه يزيدنا إيمانا بالله وإدراكا لعظمته. ودستور الحياة السعيدة كلما تعمقنا فى حفظه ودراسته قويت الرغبة فى احترامه والعمل على الإفادة من هدايته. والمعرفة عق طريق القرآن معرفة صادقة، والتطبيق على أساسها مضمون النتيجة، قال تعالى {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} [طه: 123] وقال {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} [إبراهيم: 2] . وتعليمنا للقرآن نشر لهدايته، وتوعية للناس بدستورهم، وأساس لمعرفة حقوقهم وواجباتهم، والمعرفة هى طريق العمل، والثقافة داعية النهوض بالمجتمع. والقرآن بالذات جماع الثقافات الصحيحة والمعرفة الصادقة، ودعوته دعوة للحضارة الأصيلة الشاملة، فهو ليس كتابا روحانيا محضا يرتل للعبادة فحسب، بل هو نظام حياة كاملة فى جميع قطاعاتها المادية والروحية، إنه يدعو إلى العلم والعمل والتطور والنهوض، ويربى جيلا قوى العقيدة، مستقيم الفكر، صافى النفس، متين الخلق، جديرا بحياة كلها قوة ورخاء وازدهار. ولأهمية القرآن وضرورته للحياة السعيدة جاءت النصوص الكثيرة مرِّغبة فى الإقبال عليه، محذرة من التجافى عنه. ففى مجال تعلمه وقراءته وتدبره ودراسته والتفقه فيه جاء قول النبى صلى الله عليه وسلم " إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله المتين، والنور المبين، والشفاء الناجع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوَّم، ولاتنقضى عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد. اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته، كل حرف عشر حسنات. أما إنى لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف، وميم حرف " رواه الحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود. وقال عقبة بن عامر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فى الصفة،فقال " أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق، فيأتى منه بناقتين كوماوين فى غير إثم ولا قطع رحم "؟ فقلنا: يا رسول الله كلنا يحب ذلك. قال " أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع وأعدادهن من الإبل " رواه مسلم. وفى الحديث الشريف " يا ألا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلِّى مائة ركعة " رواه ابن ماجه بإسناد حسن. وفيه أيضا "ومن سلك طريقا يبتغى به علما سهَّل الله به طريقا إلى الجنة " رواد مسلم "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع " رواه الترمذى وصححه. وفى جانب تعليم القرآن ونشر هدايته جاءت نصوص كثيرة مرغِّبة فيه، منها قوله صلى الله عليه وسلم " بلِّغوا عنى ولو آية " رواه البخارى. وهو نفسه كان معلما ومرشدا كبقية الأنبياء والمرسلين. وكفى بذلك شرفا. قال تعالى {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا.وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} [الأحزاب: 45، 46] وجاء فى حديث أبى ذر "ولأن تغدو فتعلِّم بابا من العلم، عمل به أو لم يعمل، خير من أن تصلى ألف ركعة " رواه ابن ماجه وحسنه وجاء فى الاجتماع على طلب العلم وتعليمه " ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، غشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده " رواه مسلم. وجاء فى معلم الناس الخير بوجه عام قوله صلى الله عليه وسلم " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص من أجهدهم شيئا " رواه مسلم. وبعد، فإننا نهيب بالمسلمين جميعا فى مشارق الأرض ومغاربها أن يعنوا بالقرآن الكريم تلاوة وحفظا وتدبرا ودراسة وتطبيقا وتنفيذا، فبالقرآن تستقيم الألسنة باللغة، وتقوى العقيدة بالإيمان، وتتسع المدارك بالثقافة، وتزكو النفوس بالأخلاق، ويقوى المجتمع بالعمل، وتنهض الأمة بالنظام. عليهم أن يعنوا بالقرآن الكريم ليسدوا منافذ العدو إلى العقائد والأخلاق، ولتبطل محاولات الاستعمار فى الاعتداء على الأوطان، ولينهض المجتمع بما يدعو إليه من عمل على أساس العلم والإيمان. لقد عنى به السلف الصالح فعزوا، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. اقرءوا القرآن فإنه يأتى شفيعا لأصحابه يوم القيامة، ويقال لقارئ القرآن: اقرأ فارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها، علموه أولادكم حتى يلبسكم الله تاجا من نور يوم القيامة، كما وردت بذلك الأحاديث ولا تتخذوه مهجورا، بل طبقوا مبادئه تسعدوا فى دنياكم وأخراكم، قال تعالى {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} [المائدة: 15، 16] (8/264) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:23 am | |
| من صفات النبى صلى الله علية وسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنا قول النبى صلى الله عليه وسلم لست فاحشا ولا متفحشا؟
الجواب النبى صلى الله عليه وسلم على أعلى درجة من الكمال فى فكره وسلوكه، وكذلك الأنبياء والمرسلون قد اصطف من خلقه ليكونوا دعاة لهم إلى الخير ومبلَّغين عن الله رسالته، وقد مدح الله سبحانه نبيه محمدا صلى الل {وإنك لعلى خلق عظيم} وقد دعا ربه بقوله: اللهم كما حسَّنت خَلقى فحسن خُلقى. ومن أخلاقه الحسنة عفة اللسان ونزاهة القول وطهارته، وبخاصة فى مخاطبته للناس وتعامله معهم وذلك نابع من صفاء قلبه وامتلائه بالرحمة، وحسن ذوقه وأدبه، وقد التزم ذلك السلوك حتى مع أعدائه، وفى أحرج الأوقات، فلما شج وجهه فى غزوة أحد وشق على أصحابه ذلك وقالوا: لو دعوت عليهم، قال " لم أُبعث لعانا، ولكنى بعثت داعيا ورحمة، اللهم اغفر لقوس فإنهم لا يعلمون ". وقد صح فى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا، وفى رواية: لم يكن سبابا ولا فاح والفحش هو كل ما خرج عن حده حتى يستقبح، وهو يدخل فى القول والعمل والصفة، لكن استعماله فى القول أكثر والمتفحش هو الذى يتعمد ذلك ويكثر منه ويتكلفه. واللعن هو الطرد من رحمة الله. وقد حدث كما فى رواية البخارى أن رجلا استأذن عليه صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال " بئس أخو العشير ابن العشيرة، فلما جلس تطلق فى وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل سألت عائشة رسول الله صلى الله علي ذمه ثم الانبساط إليه، فقال " متى عهدتنى فحاشا، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه ال وذلك الرجل هو عيينة بن حصن الفزارى الذى يطلق عليه الأحمق المطاع، ولم يكن قد أسلم، أو كان إسلامه ضع وتألفه بهذه المعاملة ليسلم قومه. وهذا القول من النبى صلى الله عليه وسلم ليس غيبة، بل هو بيان لحقيقة الرجل حتى يعامل على أساسها، فهو للناس وإرشادهم إلى الخير، وفعله هذا يعد من باب المداراة فى معاملة الناس، وهى بذل الدنيا لصلاح الدين أو الدنيا، ولا شىء فى ذلك، بخلاف المداهنة وهى بذل الدين لصلاح الدنيا فهى مذمومة لأنها صفة المنافقين أو الكافرين (8/265) ________________________________________ معجزات فى الهجرة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إن الله أعمى أبصار المشركين الواقفين حول بيت النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة حتى خرج من بينهم نسجت عل الغار فلم يستطيعوا رؤيته؟ فهل هذا صحيح؟
الجواب من الثابت المقرر أن الله سبحانه وتعالى نجَّى رسوله صلى الله عليه وسلم من كيد المشركين الذين صمموا نفيه من مكة كما قال تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك، أى يحبسوك، أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} [الأنفال: 30] والمراد بالمكر المنسوب إلى وعبر به مشاكلة لما هو عند الكافرين. ومن هذا التدبير المحكم أنه خرج سليما من وسط الملتفين حول بيته ليلة الهجرة كما أجمعت على ذلك كتب السيرة، وكذلك لم يمكنهم الله من رؤيته وهو فى الغار كما نص على ذلك القرآن الكريم {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40] . لكن هل نجاته من المتربصين له حول بيته كانت بذكاء النبى صلى الله عليه وسلم والتماسه مخرجا من وراء اأو كان بِذَرِّ التراب على رء وسهم فأعمى الله عيونهم عنه؟ الأمران محتملان، والتماسه مخرجا خلفيا من بالأسباب، وربما لم يجد هذا المخرج الآمن، فتداركه الله بعنايته وأخرجه من بينهم سليما، والله قادر ع القائل " والله يعصمك من الناس " ورواية نثر الحصا على رءوسهم أقوى من رواية صعوده على الحائط من الجهة فقد أثبتها ابن إسحاق ورواها ابن أبى حاتم وصححها الحاكم. والأمر كما قلنا ممكن ولم يرد ما ينفيه. ونسج العنكبوت والشجرة والحمامتان عند الغار وردت فى مسند البزار وفى مسند أحمد، وبصرف النظر عن صحة الروايتين أو ضعفهما فإن ذلك ممكن وليس بمستحيل على قدرة الله، والمهم أن الله صرف أبصار المشركين عنه سواء أكان بواسطة أو غير واسطة، وكم لله من معجزات وخوارق عادات أكرم بها أنبياءه والمصطفين من عباده، ولا داعى للإنكار على من يصدق ما نقلته كتب السنة والسيرة، فليس فيه مساس بكرامة النبى صلى الله عليه وسلم، كما أن الذين ينفون ذلك لا خوف على إيمانهم، والمهم أن نت الرسول من هداية (8/266) ________________________________________ الرسول والصدقة والهدية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، فهل هذا صحيح وما الفرق بينهما؟
الجواب الصدقة مال ونحوه يملَّك لمحتاج دون مقابل مشروط تدفع إليه الرحمة والشفقة، ويقصد بها أول ما يقصد ثواب الله تعالى والهبة أو الهدية مال ونحوه يملك دون مقابل مشروط فى بعض الأحيان، ولكن لغير محتاج ولا يقصد منه ثواب الله بقدر ما يقصد منه التكريم، ولا تدفع إليه الرحمة والشفقة بقدر ما تدفع إليه المودة والمحبة. وقد قال العلماء: إن كانت الهدية إلى صغير فلا ينتظر لها مقابل، ولا يجب على المهدى إليه شىء، وإن كانت إلى كبير فالغالب قصد المقابل، والمكافأة عليها واجبة، وإن كانت إلى نظير مماثل كان فيها احتمال للمقابل وللمكافأة عليها. وإن كانت هذه المكافأة مطلوبة فى جميع الحالات ولو بالثناء والشكر، ففى حديث أبى داود والنسائى وغيرهما "من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ". والهدية مشروعة بل مستحبة إن لم تكن لغرض غير مشروع، وذلك لحديث البيهقى بإسناد حسن "تهادوا تحابوا" حتى لو كانت بين المسلم وغيره، كما قبل النبى هدية المقوقس وأهدى بعض الكفار ويسن قبولها حتى لو كانت بسيطة، ففى حديث البخارى "لو أهدى إلىَّ كراع أو ذراع لقبلت " فكان يقبل الهدية ويثيب عليها كما رواه البخارى. أما الصدقة فلم يكن يقبلها لأنها أوساخ الناس ويصحبها فى الغالب ذلة ومهانة ومنة. فكان إذا أتى إليه بطعام من غير أهله سأل عنه، فإن كان صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل، وإن كان هدية أكل معهم،وقد يكون الطعام فى أوله صدقة فيحرم عليه أكله ثم يصير هدية فيحل له أن يأكله، ثبت فى البخارى ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم تصدق بشاة على نُسيبة أم عطية الأنصارية فأهدت إلى السيدة عائشة رضى الله عنها منها شيئا، ولما سألها الغداء قالت ما عندنا إلا شىء مما تصدقت به أنت على نسيبة، فقال "إنها بلغت محلَّها " أى زال عنها حكم الحرمة وصارت حلالا بالهدية، كما ثبت فيهما أيضا مثل ذلك فى طعام تصدق به على بريرة ثم أعطت منه عائشة فأكل منه النبى صلى الله عليه وسلم وقال "هو عليها صدقة ولنا هدية". قال العلماء: المعنى أن الصدقة إذا أخذها الإنسان صارت ملكا له يتصرف فيها بالبيع والهبة وغيرها فيزول عنها وصف الصدقة، والتحريم على الصفة لا على العين، وقال الأبى فى شرح مسلم، كون الصدقة أوساخ الناس ليس وصفا ذاتيا بل هو وصف حكمى، جعل بالشرع وزال بالشرع (8/267) ________________________________________ خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كثيرا ما نقرا فى الكتب عن حكم من الأحكام فيقال إنه من خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم فلماذا كانت هذه الخصوصيات، وهل يمكن أن تعرف؟
الجواب الخصوصيات لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك لسائر الأنبياء أمر تقتضيه طبيعة مهمتهم، فالقادة والزعماء والحكام فى كل مجتمع وفى كل عصر لهم مميزات ليست فى غيرهم، وهذه المميزات ليست كلها تيسيرا أو زيادة فى التمتع بطيبات الحياة، بل منها ما هو شديد يفرض سلوكا معينا فيه معاناة نفسية فى مقابل التكريم والتشريف الذى رفع الله به منازلهم على غيرهم من عامة الناس، فالشىء الغالى والثمين يبذل فى الحصول عليه اكبر مما يبذل فى غيره، فمن طلب الحسناء لم يُغله المهر، ولابد دون الشهد من إبر النحل، ويكفى فى الاستدلال على ذلك قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة،يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون} التوبة: 111، وقول النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها: " أفلا أكون عبدا شكورا"عندما وجدته يقوم الليل حتى تورمت قدماه مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه. رواه البخارى ومسلم. ومعرفة خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم قال بعض العلماء لا فائدة فيها"الزرقانى على المواهب ج 5ص 1206 " لكن النووى قال: إن معرفتها جائزة بل مستحبة بل قد تكون واجبة، لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتا فى الحديث الصحيح فعمل به أخذًا بأصل التأسى والاقتداء، فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها وقد تكون هناك خصائص لا حاجة لمعرفتها فى السلوك ولكن مجرد المعرفة لا يخلو من فائدة. وقد وردت أحاديث كثيرة نص فيها على بعض الخصوصيات. وهى كثيرة حاول بعض المؤلفين حصرها كابن سبع والنووى وابن الملقن وغيرهم وقام القسطلانى فى المواهب بجعلها فى مجموعات أربعة: الأولى فى الواجبات والثانية فى المحرمات والثالثة فى المباحات والرابعة فى الفضائل والكرامات. فمن الواجبات التى تتناسب مع قدرته لم يعظم بها أجره والتى اختلف فى وجوبها بعض العلماء، صلاة الضحى والوتر وركعتى الفجر وصلاه الليل والسواك والأضحية والمشاورة ومصابرة العدو وتغير المنكر فى كل الأحوال، وقضاء الدين عمن مات مسلما معسرا، وتخيير نسائه فى فراقه أو البقاء معه، وإمساكهن بعد اختيارهن له وعدم التبدل بهن مكافأة لهن. ومما اختص به من المحرمات: تحريم الزكاة والصدقة عليه، وتحريم أكل ما له رائحة كريهة كالثوم والبصل لتوقع مجئ الملائكة والوحى له، وتحريم الكتابة والشعر أى التوصل إليهما، وتحريم نزع لأْمته - عدة الحرب - إذا لبسها حتى يقاتل، والمن ليستكثر أى إعطاء شىء طالبا أكثر منه، ومد الأعين لما متَّع الله به الناس، ونكاح من لم تهاجر إلى المدينة، وتحريم إمساك من كرهته، ونكاح الكتابية لأن زوجاته أمهات المؤمنين وزوجات له فى الآخرة ومعه فى درجته فى الجنة، وكذلك نكاح الأمة المسلمة بخلاف التسرى بها فهو حلال. ومما اختص به من المباحات وإن لم يفعل أكثرها: عدم نقض وضوئه بالنوم، وعدم نقضه بلمس المرأة الأجنبية على الأصح، وإباحة الصلاة بعد العصر، والصلاة على الميت الغائب عند بعض الأئمة، وتقبيل زوجاته فى الصيام، وجواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها كما فى قصة أم حرام بنت ملحان، ونكاح أكثر من أربع نسوة، والنكاح بلفظ الهبة من جهة المرأة، والنكاح فى حال الإحرام، والنكاح بلا ولى ولا شهود كنكاحه لزينب بنت جحش -والقتال بمكة ودخولها من غير إحرام، والقضاء بعلمه دون حاجة إلى شهود. وأما ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات فكثير جدًّا لا يتسع لبعضه المقام ويمكن الاطلاع على المواهب اللدنية للقسطلانى مع شرح الزرقانى "ج 5ص 242 " لتعرف الأدلة على الخصوصيات كلها وما كان منها محل اتفاق وما كان محل اختلاف (8/268) ________________________________________ حديث: كما تكونوا يولَّ عليكم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "كما تكونوا يولَّ عليكم " وما معناه؟
الجواب هذا الحديث رواه الديلمى فى مسند الفردوس عن أبى بكرة، ورواه البيهقى عن أبى إسحاق السبيعى مرسلا-أى سقط منه الصحابى - وهو حديث ضعيف، والمضى الذى يفهم منه أن الناس إذا كانوا صالحين جعل الله عليهم أميرا صالحا، وإذا كانوا فاسدين جعل أميرهم فاسدا، وإذا كان الأمير أو الوالى منتخبا منهم ليس متسلطا ولا غريبا عنهم فإن كانوا صالحين اختاروه من الصالحين، وإن كانوا فاسدين اختاروه من الفاسدين. فالمعنى الأول تكون التولية من الله إما نعمة للصالحين وإما نقمة للعاصين المفسدين، والمعنى الثانى تكون التولية بالاختيار منهم، والصالح يختار الصالح، والفاسد يختار الفاسد، والطيور على أشكالها تقع، ومن هنا تكون التبعة جسيمة على الشعب أو الجماعة التى تنتخب من يرشح للولاية عليها، فإن قدروا فيه القيم الدينية والسلوك السوى واختاروه لذلك كان خيرا وبركة عليهم، وإن قدروا فيه القرابة أو الوجاهة أو غير ذلك من الاعتبارات دون اهتمام بعامل الدين والخلق كان نكبة عليهم، ولا يجوز لهم الشكوى منه فهم سبب الشكوى والله يقول {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرة} الشورى: 30. هذا، والحديث روى بهذا اللفظ وفيه حذف النون من "تكونوا" وحذف الألف من "يول " علامة الجزم، لتضمين "كما" معنى "حيثما أو معنى إن " وهما من الأدوات التى تجزم فعلين، وقيل غير ذلك، ولا داعى للتطويل فى الإعراب فالحديث ضعيف السند (8/269) ________________________________________ عرض الحديث على القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: لا نأخذ أحكام الدين إلا من القرآن، وإذا كانت هناك أحاديث نبوية فلا نأخذ بها إلا إذا كانت موافقة للقرآن، ولابد من عرضها عليه فما مدى صحة هذا القول؟
الجواب الاعتماد فى التشريع على السنة النبوية مأمور به كالاعتماد على القرآن والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء: 59، وقوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر: 7، وقوله صلى الله عليه وسلم "فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين "رواه أبو داود وابن ماجه وابن حيان والترمذى وقال: حسن صحيح. وغير ذلك من الأدلة كثير يمكن الرجوع إليه فى الجزء الأول من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف " ص 67. ومن الشبه التى أخذ بها من يرفضون أخذ الأحكام من الأحاديث النبوية ما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا جاءكم عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق فخذوه وما خالف فاتركوه " وقد بين أئمة الحديث أن هذا الحديث موضوع ومختلق على النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن نفسه يكذب هذا الحديث، فلو عرضناه على القرآن لوجدنا فيه ما يعارضه ويكذبه وهو قوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فالدعوى لَحمل معها دليل بطلانها، وقد وضح بطلان هذا الحديث البيهقى فى كتابه ""حرفة السنن والآثار"ج 1 ص 23 [انظر مجلة الأزهر عدد شعبان 1415] وقد ألهم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن قوما سيأتون لا يعتمدون إلا على القرآن ويرفضون الأخذ بما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "ألا إنى أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه، ألا، لا يحل لكم الحمار الأهلى ولا كل ذى ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فعليه أن يعقبهم بمثل قراه " رواه أبو داود، فقد وضح الرسول فى الحديث أن تحريم الأشياء المذكورة ليس فى القرآن،. وهو تشريع واجب أن يعتمد عليه، والقرى هو الضيافة. هذا، وفى" مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة للسيوطى ص 30". عن الحديث الوارد فى السؤال - أن الشافعى ذكر أن هذه الرواية منقطعة عن رجل مجهول. قال البيهقى: أشار الشافعى إلى ما رواه خالد بن أبى كريمة عن أبى جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى، فصعد المنبر وخطب وقال " إن الحديث سيفشو عنى، وما أتاكم يخالف القرآن فليس منى " قال البيهقى: خالد مجهول، وأبو جعفر ليس بصحابى، فالحديث منقطع. ثم ذكر البيهقى روايات أخرى لهذا الحديث، وكلها مطعون فيها (8/270) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:25 am | |
| الرسول ورقة حاله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يطوى الأيام جوعا، فكيف ذلك مع ما ثبت من وفرة الخير عنده وادخاره لما يكفى سنة؟
الجواب النصوص كثيرة فى رقة حال النبى صلى الله عليه وسلم " واكتفائه من العيش بالضرورى منه، فمما رواه البخارى وغيره عن عائشة رضى الله عنها قولها: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُر ثلاث ليال تباعا حتى قُبض، وما أكل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين فى يوم إلا إحداهما تمر، وقولها: كان يأتى علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللُّحيم. وقولها: إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة فى شهرين وما أوقدت فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قيل لها: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا انه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح - حيوانات ذات لبن - وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه، وقولها: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم -جلد-وحشوه ليف. ذلك فى الوقت الذى ثبت فيه أنه ادخر لأهله قوت سنة، وقسم بين أربعة أشخاص ألف بعير مما أفاء الله عليه، وساق فى عمرته مائة بدنة، نحرها وأطعمها المساكين. وأمر لأعرابى بقطيع من الغنم، وأن بعض أصحابه كانوا أغنياء بذلوا أنفسهم وأموالهم بين يديه فعندما أمر بالصدقة جاء أبو بكر بجميع ماله وجاء عمر بنصفه، وجهز عثمان جيش العسرة بألف بعير. فكيف نوفَق بين رِقة حاله وبين ما أتيح له من نعيم، وكذلك الحال مع أصحابه؟ والجواب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختار لنفسه العيش الكفاف مع إمكان أن يعيش أفضل وذلك ليضرب المثل لأمته حتى لا يعتنوا بالدنيا وبخاصة ما وقع فى قلبه أن الله سيفتح عليهم أبواب الغنى، فهو يعدهم لعدم الفتنة، وقد صح أنه قال "فوالله ما الفقر أخشى عليكم: ولكنى أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " وهو صلى الله عليه وسلم كانت له بعض الأحوال يأخذ فيها حظه من متعة الحياة، ولكن ليس بصفة دائمة، للمعنى الذى ذكرته، وكان أصحابه المهاجرون فى أول أيامهم فى أشد الحاجة إلى ما يقيم أودهم، فقد تركوا أموالهم فى مكة وقاسمهم إخوانهم الأنصار أموالهم، ثم بعد ذلك أفاء الله عليهم من نعمه الكثيرة بالفئ والغنيمة. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختار رقة الحال مع إمكان حصول التوسع والتبسط فى الدنيا له: ففى حديث رواه الترمذى " عرض علىَّ ربى ليجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يارب، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما، فإنا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت شكرتك ". فالخلاصة أن الرسول وأصحابه كانوا فى حاجة عند الهجرة فاضطروا إلى العيش المتواضع، ولما فتح الله عليهم تمتعوا بنعمة الله وكان منهم الأغنياء، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان كذلك لكنه كان يؤثر رقة العيش عند توفر الإمكانات ليضرب المثل لأصحابه وبخاصة عندما يفتح الله عليهم كنوز الخيرات، ذلك إلى أن القناعة بالقليل مع وجود الكثير فيها تمرين للنفس على مواجهة الاحتمالات، فليست الحياة كلها رخاء وليست الأيام كلها راحة، وفى تشريع الصيام ما يؤكد الحاجة إلى هذا التمرين العملى (8/271) ________________________________________ حديث: الطائفة التى على حق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأنا فى بعض الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين عل الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر الله، فمن كل هذه الطائفة؟
الجواب هذا الحديث رواه البخارى وعنون له بما يفيد أن هذه الطائفة هى أهل العلم، وذكر بعد هذا الحديث حديثا يقول "من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين، وإنما أنا قاسم ويعطى الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتى أمر الله ". فالعلماء هم الطائفة الظاهرة على الحق، وفى بعض الأقوال أنهم أهل الحديث خاصة، والحق أنهم العلماء بالدين عامة. ومعنى ظهورهم أنهم غالبون، ويؤيده حديث رواه مسلم "لن يبرح هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة " وفى رواية له " لا تزال عصابة من أمتى يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة". وإذا صح الحديث بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس، فإن الله يبعث ريحا كريح المسك، لا تترك نفسا فى قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة، وقيل: إن شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة يكونون بموضع مخصوص. وأن موضعا آخر يكون به طائفة يقاتلون على الحق لا يضرهم من خالفهم. وقال النووى: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدّث ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين فى بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم فى قطر واحد وافتراقهم فى أقطار الأرض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا، إلى ألا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله. "فتح البارى ج13 ص 306 - 308" (8/272) ________________________________________ حديث: عمر الدنيا سبعة آلاف سنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الدنيا سبعة آلاف سنة، وأنا بعثت فى نصف السادس منها"؟
الجواب روى البخارى وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "بُعثت أنا والساعة كهاتين " وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى. والمراد بذلك قرب الساعة وأنه لا نبى بعده ولا منافاة بينه وبين الحديث الآخر "ما المسئول عنها بأعلم من السائل) لأن الحديث الأول يعنى أنه ليس بينه وبين الساعة نبى، كما أنه ليس بين السبابة والوسطى إصبع أخرى، ولا يلزم من ذلك علم وقتها بعينه، ولكن سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة، وبعثة النبى صلى الله عليه وسلم نفسها أول أشراطها. قال عياض: حاول بعضهم فى تأويله أن نسبة ما بين الإصبعين كنسبة ما بقى من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى وأن جملتها سبعة آلاف سنة، واستند إلى أخبار لا تصح، وذكر ما أخرجه أبو داود فى تأخير هذه الأمة نصف يوم وفسره بخمسمائة سنة، فيؤخذ من ذلك أن الذى بقى نصف سبع، وهو قريب مما بين السبابة والوسطى فى الطول قال: وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار، ولو كان ذلك ثابتا لم يقع خلافه. يقول ابن حجر: وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد عياض إلى هذا الحين ثلثمائة سنة. وقال إن ابن جرير الطبرى أورد فى مقدمة تاريخه عن ابن عباس أن الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، وقد مض ستة آلاف ومائة سنة وأورده من طريق يحبى بن يعقوب الذى قال عنه البخارى: منكر الحديث. وفى الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا لاما أجلكم فى أجل من كان قبلكم إلا من صلاة العصر إلى مغرب الشمس " وفسر بأن مدة هذه الأمة قدر خمس النهار تقريبا. والطبرى ارتض أن الدنيا سبعة آلاف سنة، وأيده السهيلى بحديث عن ابن زمل، "الدنيا سبعة آلاف سنة بُعثت فى آخرها" لكن هذا الحديث ضعيف جدا، وإسناده مجهول. وأورده ابن الجوزى فى الموضوعات وقال ابن الأثير: ألفاظه مصنوعة. إن قول النبى صلى الله عليه وسلم "بُعثت أنا والساعة كهاتين " ليس فيه ما يقطع بصحة هذا التحديد بل غايته بيان قرب الساعة، وليس بينها وبين النبى نبى آخر، وحاول جماعة أن يحددوا موعد القيامة أو عمر الدنيا عن طريق الحروف المقطَّعة أوائل السور فتضاربت أقوالهم. وكلها ظنون والظن لا يغنى من الحق شيئا، فلنكل علم ذلك إلى الله سبحانه، ولنستعد للقائه بالعمل الصالح، ولنوفر جهدنا لنبحث عما يحل مشكلاتنا الضاغطة. وما أكثرها فى هذه الأيام التى كثرت فيها النذر بقرب قيام الساعة، انظر " فتح البارى لابن حجر ج 11 ص 355- 359" لترى صورة الجدال الذى شغل به الأولون. وأنظر " الروض الأنف للسهيلى ج 2 ص 36 " (8/273) ________________________________________ المؤمن مصيره الجنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك نص يقول: إن المؤمن العاصى سيكون مصيره الجنة؟
الجواب روى البخارى ومسلم عن أبى ذر رضى الله عنه قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقط فقال " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال " وإن زنى وإن سرق " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: " وإن زنى وإن سرق " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال " وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبى ذر " فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبى ذر. وفى رواية للبخارى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " أتانى جبريل فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت وإن زنى وإن سرق ". يؤخذ من هذا أن الإنسان ما دام مؤمنا ومات على إيمانه سيدخل الجنة، فإن كانت عليه ذنوب ومات ولم يتب منها فقد يغفر الله له إن شاء، وقد يغفر له بشفاعة من تقبل شفاعته وقد يعذبه فى النار بمقدار عصيانه وفى النهاية يخرج منها ولا يخلد فيها، أى ينتهى مصيره إلى الجنة، قال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 148. وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغى بذلك وجه الله " أى حرم خلوده فيها. أما الأحاديث التى تنفى الإيمان عن الزانى والسارق ومرتكبى المعاصى فيراد بها نفى الإيمان الكامل، وليس نفى الإيمان أصلا، مثل " لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن " فالمعصية لا تنفى الإيمان، ولا تخرج العاصى إلى الكفر كما يقول الخوارج، اللهم إلا إذا اعتقد أن المعصية حلال، أى ارتكب الزنى مثلا على أنه حلال غير حرام فهنا يكون كافرا، وينطبق عليه ظاهر الحديث وإطلاقه دون تقييد (8/274) ________________________________________ الدابة من علامات الساعة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الدابة التى جاء فيها {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} النمل: 82؟
الجواب أولا: اختلف المفسرون فى معنى " وقع القول عليهم " فقيل معناه وجب غضب الله، أو حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون، أو سخط الله عليهم بموت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن. وقيل غير ذلك، ويجمعها البعد عن الدين بدليل آخر الآية. جاء فى صحيح مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا - طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض ". وثانيا: فى تعيين الدابة خلاف أيضا، فقيل: إنها فصيل ناقة صالح - ويقول القرطبى: هو أصح الأقوال، وساق حديثا طويلا فى ذلك، وقيل: إنها الجساسة وهى دابة طولها ستون ذراعا، وعلى خلقة الآدميين، وقيل: جمعت من خلق كل حيوان، وقيل غير ذلك. وخروجها مختلف فى مكانه أيضا، فقيل: تخرج من جبل الصفا بمكة، وقيل: تخرج ثلاث مرات: فى بعض البوادى ثم فى القرى ثم من أعظم المساجد، وقيل: من مسجد الكوفة حيث فار تنُّور نوح، وقيل من الطائف، وقيل غير ذلك. أما كونها إنسانا متكلما يناظر أهل البدع والكفر فقول مردود كما قال القرطبى. والدابة تسم الناس على خراطيمهم أى أنوفهم، وتكلمهم ببطلان الأديان غير الإسلام وبالرد على من كان يزعم عدم خروجها لأنها من آيات الله. وكل ذلك قرب قيام الساعة، وفى كتب التفسير كلام كثير يكفى منه هذا القدر (8/275) ________________________________________ ما يخرج من الميت قبل الصلاة عليه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يحدث أن الميت بعد الانتهاء من غسله وتكفينه يخرج منه شىء مما ينقض الوضوء قبل الصلاة عليه، فهل نعيد غسله أو نغسل موضع النجاسة فقط؟
الجواب جاء فى فقه المذاهب الأربعة - نشر وزارة الأوقاف المصرية - ما نصه: إذا خرج من الميت بعد غسله نجاسة علقت ببدنه أو بكفنه فإنها تجب إزالتها، ولا يعاد الغسل مرة أخرى. وجاء فيه أن الحنفية قالوا: النجاسة الخارجة من الميت لا تضر، سواء أصابت بدنه أو كفنه، إلا أنها تغسل قبل التكفين تنظيفا لا شرطا فى صحة الصلاة عليه، أما بعد التكفين فإنها لا تغسل، لأن فى غسلها مشقة وحرجا، بخلاف النجاسة الطارئة عليه كأن كفن بنجس فإنها تمنع من صحة الصلاة عليه. والحنابلة قالوا: إذا خرج من الميت نجاسة بعد غسله وجبت إزالتها وإعادة غسله إلى سبع مرات، فإن خرج شىء بعد السبع وجب غسل الخارج فقط ولا يعاد الغسل، هذا إذا كان خروج النجاسة قبل وضعه فى الكفن، أما بعده فلا ينتقض الغسل ولا يعاد. هذه هى الآراء، وللإنسان أن يختار ما يشاء (8/276) ________________________________________ الصلاة على المنتحر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الصلاة على المنتحر؟
الجواب صلاة الجنازة فرض كفاية على كل من مات مسلما حتى لو كان عاصيا، ولا تجوز على الكافر ولا على المرتد، ومن الردة استحلال ما حرمه الله تحريما قاطعا، والانتحار محرم قطعا، بالقرآن والسنة، قال تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء: 29، وبيَّن النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح أن من قتل نفسه بحديدة أو سمٍّ أو إلقاء من مكان عال فهو يعذب فى النار خالدا فيها أبدا على الطريقة التى قتل بها نفسه. وإذا علمنا من المنتحر بكلامه أو بورقة مكتوبة بخطه مثلا أنه يستحل الانتحار كان مرتدا، ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين. وإن لم نعلم فنحمل أمره على الظاهر وهو الإسلام، ونصلى عليه وندفنه فى مقابر المسلين. والحديث المذكور محمول على من استحل الانتحار، فهو مخلد فى النار، أو محمول على التغليظ والتنفير كما جاء فيمن قتل مؤمنا متعمدا {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاب عظيما} النساء: 93، ومما يدل على أن المنتحر الذى لم يستحل الانتحار مؤمن وإن كان عاصيا ما رواه مسلم أن رجلا هاجر إلى المدينة فمرض لعدم ملاءمة جوها له فجزع فقطع مفاصل أصابعه فسال دمه بقوة ومات، فراه الطفيل الدوسى فى المنام فى هيئة حسنة مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ قال: غفر لى بهجرتى إلى نبيه، فقال: ما لى أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لى لن نصلح منك ما أفسدت، فقصَّ الرؤيا على الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا له وقال " اللهم وَلِيَدَيْه فاغفر ". يقول النووى فى التعليق على هذا الحديث: فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار، بل هو فى حكم المشيئة، أى فى حكم قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48. يؤخذ من هذا أن المنتحر الذى لم يعلم استحلاله للانتحار مؤمن، فيصلى عليه صلاة الجنازة. لكن ورد نص يمنع الصلاة عليه، ففى مسلم عن جابر بن سمرة قال: أُتِىَ النبى صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص - سهام عريضة -فلم يصل عليه، قال العلماء: هذا الحديث محمول على التنفير من الانتحار، كعدم صلاته الجنازة على من عليه دين، وقد صلت الصحابة على المدين بأمر النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك للتنفير من الدين وليس لأنه كافر، وتكره عند مالك الصلاة على المرجوم بحد، والفساق، وذلك زجرًا لهم " صحيح مسلم -شرح النووى ج 7 ص 47 " (8/277) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:26 am | |
| الكتابة على القبر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرى بعضى المقابر مكتوبا عليها آيات قرآنية وأسماء من بنوها، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب روى الترمذى وصححه عن جابر رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ، أى تداس. وفى لفظ النسائى: أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه. الظاهر من هذا الحديث النهى عن الكتابة على القبور. دون تفرقة بين كتابة اسم الميت وكتابة غيره. قال الحاكم: مع صحة الحديث فالعمل ليس عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم، وهو شىء أخذه الخلف عن السلف. لكن الذهبى قال: إن هذا شىء محدث ولم يبلغهم النهى. ورأى المذاهب الفقهية فى ذلك على ما يأتى: أ - قال الحنفية: يكره تحريما كتابه أى شىء على القبر، إلا إذا خيف ذهاب أثره فلا يكره. 2 - وقال المالكية: إن كانت الكتابة قرآنا حرمت، وإن كانت لبيان اسم المتوفى أو تاريخ موته فهى مكروهة. 3-وقال الشافعية: إن النهى عن الكتابة للكراهة، سواء أكانت قرآنا أم كانت اسم الميت، لكن إذا كان القبر لعالم أو صالح ندب كتابة اسمه عليه وما يميز ليعرف. 4 -والحنابلة قالت: إن النهى عن الكتابة للكراهة، سواء كانت قرآنا أم غير ذلك، دون تفرقة بين قبر عالم أو صالح وقبر غيره. وابن حزم، يرى أن نقش اسم الميت على القبر لا كراهة فيه، وكل ذلك يعتمد فيه إلى حد كبير على النية الباعثة للكتابة، فإن كانت لمجرد التعرف على صاحب القبر فلا بأس بذلك مطلقا. فقد روى ابن ماجه عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم وضع صخرة على قبر عثمان بن مظعون وجاء فى رواية أبى داود أنه قال: " أتعلَّم بها قبر أخى، وأدفن إليه من مات من أهلى " وإن كانت الكتابة للفخر والمباهاة فهى مذمومة قطعا (8/278) ________________________________________ وضع الجريد على القبر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرى كثيرا من زوار القبور يضعون عليها الزهور والجريد، فهل هذا مشروع؟
الجواب روى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: " إنهما ليعذبان، وما يعذبان فى كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشى بين الناس بالنميمة) ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا وقال: " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ". العسيب - الجريدة التى لم ينبت فيها خوص، فإن نبت فهى السعفة. وفى حديث مسلم عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أن يقطع غصنين من شجرتين كان النبى صلى الله عليه وسلم يستتر بهما عند قضاء حاجته، ثم أمره أن يلقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبى صلى الله عليه وسلم جالسا ولما سأله عن ذلك قال: (انى مررت بقبرين يعذبان فاحببت بشفاعتى أن يرفعه عنهما ما دام الغصنان رطبين) " شرح النووى ج 18 ص 4 " وهناك قصة ثالثة رواها ابن حبان فى صحيحه عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال: (ايتونى بجريدتين) فجعل أحداهما عند رأسه، والآخرى عند رجليه. وأكثر من قصة وردت فى وضع الجريد على القبر، والعلماء فى مشروعيته فريقان، فريق يقول: إنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم وليس مشروعا لغيره، وفريق يقول: إنه عام لكل المسلمين فالخطابى فى شرح سنن أبى داود "ج اص 42 " يستنكر وضع الجريد على القبر لغير النبى صلى الله عليه وسلم، والطرطوشى يعلم ذلك بأنه خاص ببركة يده عليه الصلاة والسلام، ويد غيره لا يجزم ببركتها، وابن رشيد يستنتج أن البخارى مع هذا الفريق، وذلك حيث عقب الحديث بقول ابن عمر: إنما يظله عمله. وذلك فى فسطاط - بيت من الشعر أو غيره -وضع على قبر عبد الرحمن بن أبى بكر، حيث قال: انزعه يا غلام فإنما يظله عمله، والقاضى عياض ينضم إلى هذا الفريق ويقول: إن غرزهما على القبر سببه أمر مغيب. وهو قوله (ليعذبان) ، وليس هنالك من الناس من يعلم الغيب، كما أن بعض العلماء من هذا الفريق قال: لم يثبت أن أحدا من الصحابة فعل ذلك إلا بريدة بن الخصيب الأشلمى، ولو كان جائزا ما تركوه وتفرد به واحد منهم. والفريق المجيز لوضع الجريد على القبر لعامة المسلمين قال: لم يرد ما يدل على خصوصية النبى صلى الله عليه وسلم بذلك، فيبقى فعله عاما له ولأمته على التأسى به فيما لا يخص به، كما أنه لم يرد ما يدل على أن الصحابة اعترضوا على ابن الخصيب الذى أوصى أن يوضع على قبره جريدتان، بل روى الأكثرون أنه أوصى أن يوضع فى قبره لا على قبره، وقد فعل هو ذلك تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم. وعدم نقل أن الصحابة وضعوا الجريد على القبور، لعله لعدم علمهم بأن صاحب القبر يعذب، أو رجاء صلاحه واستغنائه عن ذلك. وابن حجر رد على تعليل القاضى عياض غرز الجريد بأن العذاب مغيب لا يعلمه إلا النبى صلى الله عليه وسلم، فقال لا يلزم من كوننا لا نعلم: أيعذب أم لا، إلا نتسبب له فى أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب، كما لا يمنع كوننا لا ندرى: أَرُحِمَ أم لا، ألا ندعو له بالرحمة، وليس فى السياق ما يقطع على أنه - النبى- باشر الوضع بيده الكريمة، بل يحتمل أن يكون أمر به، وقد تأسى بريدة بذلك وهو أولى أن يتبع من غيره. " فتح البارى لابن حجر-ج 1 ص 33، ج 2 ص 66 4 ". والحكمة فى تخفيف العذاب ما دامت الرطوبة فى الغصن قيل: أنها غير معلومة كالحكمة فى كون عدد الزبانية تسعة عشر، وقيل: إن الغصن يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح، وعلى هذا فهو مطرد فى كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها، وقال الخطابى: انتفاع الميت بالجريدة محمول على أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا لصاحبى القبرين بالتخفيف مدة بقاء النداوة، لا أن فى الجريدة معنى يخصه، ولا أن فى الرطب معنى ليس فى اليابس. هذه هى المسألة بين المجيزين والمانعين، وأرى أنه ليس فيها ما يدل على المنع، وما دام هناك إيمان بأن النافع والضار هو الله وحده، وأن ما نقدمه للميت من دعاء وصدقة وغيرهما هو من باب الأسباب التى تستمطر رحمة الله سبحانه، فلا داعى للإنكار، والله أعلم (8/279) ________________________________________ التاريخ وذكر مساوئ الموتى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذكروا محاسن موتاكم " فلماذا يدرس التاريخ وفيه كشف لمساوئ السابقين؟
الجواب روى البخارى وغيره عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ". وروى أحمد والنسائى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا " وروى البخارى ومسلم أن جنازة مرت على النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأثنوا عليها خيرا فقال " وجبت " ثم مرت جنازة أخرى فقالو عنها شرا فقال " وجبت " ولما سألوه عن معنى ما قال قال " ما أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن قلتم عنه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرض ". ومن المشاهد أنه عندما يموت إنسان له شأن فى الدنيا يتحدث الناس عنه إما بالخير وإما بالشر، والحديث بالخير إشادة بذكره وتكريم له، وتعزية لأهله أن الناس راضون عنه، والحديث بالشر تشويه لسمعته وإهانة له، وزيادة ألم على أهله، وقد يقصد به التشفى الذى يورث الأحقاد التى ربما تؤدى إلى نزاع يحتدم ويشتد وتكون له آثاره السيئة. والحديث عن الميت لا أثر له عند الله سبحانه فهو العليم بما - يستحقه من تكريم أو إهانة، وقد يكون حديث الناس عنه دليلا ولو ظنيا على منزلته عند ربه، لكن ذلك لا يكون إلا من أناس على طراز معين من الصلاح والإنصاف والتقوى وقول الحق لوجه الحق كالصحابة الذين قال النبى فيهم " أنتم شهداء الله فى الأرض ". ومع ذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يذكر الأموات بالسوء إذا كان ذلك للتشفى من أهله، فذلك يغيظهم ويؤذيهم، والإسلام ينهى عن الإيذاء لغير ذنب جناه الإنسان، ولا يؤثر على منزلته عند الله الذى يحاسبه على عمله. وقد قال صلى الله عليه وسلم فى قتلى بدر من المشركين " لا تسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شىء مما تقولون، وتؤذون الأحياء " وعندما سب رجل أبًا للعباس كان فى الجاهلية كادت تقوم فتنة، فنهى عن ذلك. ودراسة التاريخ إن كانت لغرض الاعتبار والإقتداء بالصالحين - وللتحذير من تقليد غير الصالحين، دون قصد للتشهير والتعيير الذى - يظهر أثره على ذويهم من الأحياء فلا مانع منها أبدا، بدليل أن الله سبحانه قص علينا فى القرآن الكريم أخبار المكذبين كما قص أخبار الرسل والصالحين. وقال فى حكمة ذلك {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} هود: 125، وقال تعالى {لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} يوسف: 111. يقول بعض العلماء: إن سب الموتى يكون فى حق الكافر وفى حق المسلم، أما فى حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحى المسلم - أو ترتب عليه ضرر- وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك، كأن يصير مات قبيل الشهادة عليه، وقد يجب فى بعض المواضع. وقد تكون مصلحة للميت كمن علم أنه أخذ مالاً بشهادة زور ومات الشاهد، فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن من بيده المال يرده إلى صاحبه، والثناء على الميت بالخير والشر من باب الشهادة لا من باب السب. ومن الجائز تجريح الرواة للحديث أحياء وأمواتا، وذلك لإجماع العلماء على جوازه، وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم. قال ابن بطال: سب الأموات يجرى مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير، وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له، وكذلك الميت، ومع ذلك فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. والأولى أن ينشغل المرء بعيوب نفسه، ولا يتورط فى سب إنسان قد يكون بريئا عند الله، إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة أو ضرورة، وهى تقدر بقدرها، والأعمال بالنيات، ولنقبل على عمل الخير حتى يكون لنا ذكر حسن على ألسن الناس بعد أن نفارقهم فيدعوا لنا بخير (8/280) ________________________________________
الانتفاع بالمقبرة الدارسة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى الصلاة فى مسجد بنا فوق قبور قديمة لم يدفن فيها أموات منذ سنوات، وقد سويت بالأرض وأقيمت عمارات فوق جزء منها؟
الجواب صدرت فتوى رسمية على مذهب الأحناف من مفتى مصر الشيخ البرديسى بتاريخ 14 من يوليه سنة 1920 م بحرمة استغلال المقبرة القديمة لبناء أو زراعة أو غيرهما، حتى لو لم يبق فيها أثر للموتى من عظم أو غيره، ووضحها هو بتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1920 م بأن الحكم بالحرمة إذا كانت موقوفة، أما إذا كانت مملوكة للحكومة فلا حرمة " الفتاوى الإسلامية مجلد 4 صفحة 1169، 1173، 1559 ". وجاء فى " مشارق الأنوار " للعدوى " ص 26 " أن علماء المالكية منعوا الانتفاع بالمقبرة التى درست ومر عليها سنوات طويلة، لأن القبر - حَبْسٌ على من دفن فيه. والشيخ يوسف الدجوى المالكى نقل عن الحطاب فى شرح متن خليل حرمة الانتفاع بالمقبرة الدارسة إلا لمصلحة المسلمين. وجاء فى الرهونى أن بناء المساجد للصلاة فيها على المقبرة العافية- الدارسة - لا كراهة فيه، لأن المقبرة والمسجد حَبْسَانِ، أى وقفان على المسلمين لصلاتهم ودفن موتاهم، فما كان لله لا بأس أن يستعان بعضه فى بعض، على ما كان النفع فيه أكثر والناس إليه أحوج. وبعد أن نقل الشيخ الدجوى ذلك قال: يتضح من ذلك أن نبش القبور ونقل ما فيها من العظام لا يجوز إلا لمصلحة ضرورية كإجراء نهر فيها، ومثل ذلك ما إذا احتيج لها لتوسيع الطريق، وأن بناء المسجد على المقبرة التى درست جائز من غير كراهة متى اقتضت المصلحة " مجلة الإسلام المجلد الثالث - العدد السادس ص 20 ". وفى فتوى للشيخ يوسف المرصفى الشافعى والشيخ الحسينى سلطان الشافعى " مجلة الأزهر- المجلد الخامس ص 336 " بشأن المقابر المهجورة لا يجوز نبش القبر وجعل مكانه مزرعة أو غيرها، وجاز لمالك الأنقاض الانتفاع بها والتصرف فيها بسائر أنواع التصرفات الشرعية، والشافعية قالوا ذلك فى المقبرة المملوكة غير المحبوسة والموقوفة. بعد هذه النقول من المذاهب يمكنا أن يقال: إذا كانت أرض المقبرة مملوكة لأصحابها جاز نقل العظام منها والانتفاع بها فى بناء أو زراعة أو بيع التراب للتسميد وغير ذلك، لأن المالك للأرض يجوز له الانتفاع بباطنها وظاهرها. أما إذا كانت المقبرة موقوفة أو مسبلة، أى اعتاد الناس الدفن فيها وليس لها مالك خاص، فلا يجوز التعدى عليها، ويحرم نقل رفات الموتى من تربتهم، حيث لا يوجد عذر ولا ضرورة، فإن وجدت الضرورة فالضرورات تبيح المحظورات. وإذا لم تكن المقبرة مملوكة لأحد ولا موقوفة ولا مسبلة كان لأهل البلد أن يشتروها أو يتملكوها من الحكومة، ويتصرفوا فيها بكل أنواع التصرفات بعد نقل ما فيها من العظام ووضعها فى مكان آخر على الطريقة الشرعية، بتمييز كل من أصحابها بمكان معين إن أمكن وعدم انتهاك حرمتها عند النقل " مجلة الإسلام مجلد 3 عدد 8 صفحة 20 " (8/281) ________________________________________ الموت يوم الجمعة والظروف الأخرى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا أن من مات يوم الجمعة لا يعذب في القبر، فهل هذا صحيح؟
الجواب روى أبو نعيم فى " الحلية " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء ". قد تكون هناك ظروف يكون الموت فيها بشيرا بالخير، كظروف الجهاد فى سبيل الله وما أعده الله للشهداء،وما جاء فى حديث مسلم "ومن مات فى الطاعون فهو شهيد، ومن مات فى البطن - أى بسبب مرض البطن أو الولادة فهو شهيد، والغريق شهيد" وجاءت روايات أخرى تدل على فضل الموت فى الغربة والهدم ودوار البحر، والدفاع عن النفس والمال والدين. وقد صح أن الميت فى الحج له منزلة عند الله، فقد روى البخارى ومسلم أن رجلا كان مع النبى صلى الله عليه وسلم فى عرفة فوقع عن راحلته ومات، فأمر الرسول بغسله وتكفينه مع عدم تغطية رأسه وعدم تعطيره، وقال "إنه يبعث يوم القيامة ملبيا" أى على هيئة المحرم بالحج، وجاءت روايات ضعيفة أن الذى يخرج للحج أو العمرة ومات فإنه لا يحاسب ومنها حديث أبى نعيم فيمن مات يوم الجمعة أو ليلتها. والروايات الضعيفة لا تبنى عليها عقائد، ولا نعرف أمور الغيب منها بيقين، والذى ينفع الإنسان فى قبره هو عمله، وكثير من أفاضل الصحابة لم يموتوا يوم الجمعة ولا فى ظروف كالتى مرت، كما أن كثيرا من الكفار ومن ظاهر سلوكهم غير مستقيم ماتوا يوم الجمعة فلنترك الأمر لله، ولنهتم بالعمل الصالح فهو مناط الثواب والتكريم (8/282) ________________________________________ نداء الإنسان باسم أبية أو أمة يوم القيامة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الإنسان ينادى يوم القيامة باسم أمه سترا على من ولد بطريق غير شرعى؟
الجواب الذى ورد فى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فحسنوا أسماءكم " رواه أبو داود وابن حبان فى صحيحه عن أبى الدرداء. ولكن جاء فى حديث تلقين الميت أن الملقن يناديه بقوله: يا فلان ابن فلانة، وأن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: كيف ينسبه إذا لم يعرف أمه؟ قال " ينسبه إلى حواء ". فكيف نوفق بين الحديثين؟ المعروف أن أقوى الحديثين هو الذى يقدم إذا لم يمكن التوفيق بينهما، وقال النووى عن هذا الحديث إنه ضعيف فيقدم عليه الحديث الأول. وعليه فيكون النداء يوم القيامة باسم الأب. وقد يقال: إن حديث التلقين وإن كان ضعيفا يراد بذكر أم الميت أنها هى المعروفة بيقين أنها أمه، أما أبوه فقد يكون غير ما اشتهر به الميت فيعتمد على المتيقن وهيا نسبه إلى الأم. أما فى يوم القيامة فالله والملائكة هم الذين ينادون الميت بالقيام من القبر وبالحشر وبالحساب وغير ذلك والأب الحقيقى معروف فيعتمد عليه فى الانتساب، لأن الانتساب شرعا هو للأب أصلا، والله أعلم بحقيقة الحال (8/283) ________________________________________ عذاب إبليس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف يعذب إبليس بالنار وهو مخلوق منها؟
الجواب من المعلوم أن الله سبحانه خلق إبليس والجن من النار كما قال تعالى حكاية عن إبليس {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين} الأعراف: 2، وقال تعالى {والجان خلقناه من قبل من نار السموم} الحجر: 27. ومن المعلوم أيضا أن الله سيعذب إبليس ومن اتبعه بالنار، قال تعالى {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} ص: 85. ومعلوم أن العذاب: ألَمٌ يؤثر فى الجسم، وذلك يظهر فى المخالفة بين طبيعة الجسم والأداة التى يكون بها العذاب، فكيف يحس الشيطان بعذاب النار، وطبيعته لا تختلف عن طبيعتها لأنه مخلوق منها؟ . ويجاب عن ذلك بما يأتى. 1 - أن الله سبحانه قادر على أن يحول طبيعة الشيطان حتى يحس بعذاب النار، ذلك أن الشيطان قد يتشكل بأشكال تحكم عليه طبيعتها لا طبيعته، فهو يسكن فى أماكن وينام ويجلس ويلبس الملابس التى لم يذكر اسم الله عليها، ويدخل البيوت إذا لم يسم صاحبها وهو داخل، كما جاءت بذلك الأحاديث، ومع ذلك لم تحرق هذه الأشياء التى يتصل بها. وقد ثبت أن الشيطان تفلَّت على النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته يريد أن يفسدها، فخنقه النبى وأحس ببرد لسانه على يده كما جاء فى بعض الروايات، فلو بقى الشيطان على طبيعته النارية لا حرقت ما مسته يده. وسيدنا آدم عليه السلام، مع أنه خلق من طين، جعلت لطبيعته خصائص ليست كخصائص الطين ما دامت روحه فيه، فلا يمكن غرس شجرة فى جسم الإنسان كما تغرس فى الطين وهكذا. 2 -يجوز أن يجعل الله من النار نفسها نوعا أقوى من النار التى خلق منها إبليس فيحس بعذابها إذا دخلها، والنار نفسها درجات بعضها أشد من بعض. 3 - ليس كل العذاب فى النار إحراقا للجسم وإيلاما له بسببها، ففيها حيات وعقارب ومقامع من حديد يضرب بها المعذبون، وفيها سلاسل وقيود، وفيها شجرة الزقوم التى قال الله تعالى فيها {إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم. كالمهل يغلى فى البطون. كغلى الحميم} الدخان: 43 - 46، وقال تعالى {إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم. طلعها كأنه رءوس الشياطين. فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون} الصافات: 64 -66، وقال تعالى {ليس لهم طعام إلا من ضريع. لا يسمن ولا يغنى من جوع} الغاشية: 6،7. فألوان العذاب متعددة، يجوز أن يجعل الله منها للشيطان ما يحقق الغرض من تعذيبه. ومهما يكن من شىء فإن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا، وما دام الله سبحانه قد حكم بالعذاب على الشيطان فسيتحقق العذاب بالصورة التى يراها هو، والمهم أن نعمل جاهدين حتى لا نكون من أعوانه (8/284) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:30 am | |
| الزواج فى الجنة والمساواة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا كانت الحور العين جزاء للمؤمنين فى الجنة فماذا يكون جزاء المؤمنات؟
الجواب للإجابة على السؤال لابد من ذكر هذه المقدمة حيث تثار الآن قضية المساواة بين الجنسين. 1 - المساواة فى مفهومها الصحيح هى إتاحة الفرصة لكل من الرجل والمرأة أن يكمل نفسه ماديا وأدبيا، وبهذه الإتاحة تكون المساواة، بصرف النظر عن حجمها ونوعها، قال تعالى {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} النساء: 32، وقال {لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} آل عمران: 195، وذكر حديث وافدة النساء أن حسن قيام المرأة بواجبها نحو زوجها وأولادها يعدل ما يقوم به الرجل من مهام. 2 - وقد جعل الله لكل من الرجل والمرأة خصائص واستعدادات تتناسب مع الدور الحيوى الذى يؤديه فى الدنيا، فى جو من التعاون على تحقيق الخلافة فى الأرض، فالخصائص البيولوجية مختلفة فيهما، وليست متساوية تماما، ولها تأثير على الفكر والعاطفة، وبالتالى على السلوك. وعلى أساسها كان توزيع الاختصاص فى هذه الشركة التعاونية. قال تعالى {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء: 34، ومن هنا لا يصح أن يقول واحد منهما: لماذا لا يعطينى الله مثل ما أعطى الآخر، وإلا لما كان هناك داع إلى خلق نوعين. وقد جاءت الأديان كلها مقررة لهذه الحقيقة، وعلى أساسها وضعت التشريعات السماوية، بل الوضعية أيضا. 3-من المعلوم أن الرجل صالح فى كل وقت -إذا لم يكن هناك موانع - لإتمام عملية الإخصاب من أجل التناسل الذى هو المهمة الأولى لخلق الذكر والأنثى من كل صنف من المخلوقات، قال تعالى {ومن كل شىء خلقنا زوجين} الذاريات: 49، أما الأنثى فهى غير مستعدة لذلك إلا بنسبة ضئيلة، وهى يوم أو يومان فى كل شهر عند نضج البويضة، ولا يكون هناك فى الأعم الأغلب إلا حمل واحد فى كل عام، فإذا شغلت بحمل فلا يمكن لحمل آخر أن يزاحمه أو يفسح له المجال 0 ولأجل أن الغرض من هذا التكوين هو تنظيم التناسل والشهوة أباحت الأديان كلها تعدد الزوجات لرجل واحد، وحرمت تعدد الأزواج لامرأة واحدة، لأنه سيكون لمجرد إرضاء الشهوة لا غير. وما يقال عن عدم التعدد فى ديانات غير الإسلام فهو تعاليم كنسية ليست من الشريعة الموحى بها. 4 - ليكن معلوم أن قوانين الآخرة لا توافق دائما قوانين الدنيا، فالأكل هنا هو للشبع وتتبعه فضلات قذرة، وليس الأمر كذلك فى الجنة، والزواج هنا للحاجة إلى النسل ولا حاجة إليه فى الجنة، وإن كانت للبعض رغبة فى الولد فلا يتحتم أن يكون عن طريق الولادة، كما قال بعض العلماء " مشارق الأنوار للعدوى ص 186 ". وما يجىء من التشابه فى النصوص المتصلة بالأكل والشرب والمتع فى الجنة فهو أسلوب يقرب المعنى إلى الأذهان بالمعهود عند الناس، ذلك لأن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وهناك عبارة مشهورة تقول: كل ما خطر ببالك فالجنة على خلاف ذلك. ويظهر ذلك الاختلاف فى القوانين فى الخمر التى جاء فيها "لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون " وفى الحور العين اللاتى وصفهن اللَّه بقاصرات الطرف، أى لا يحببن غير أزواجهن، ولا يشتهين غيرهم، ولا توجد غيرة بينهن إذا تعددن لرجل واحد، وهذا أمر يتناقض مع الطبيعة البشرية فى الدنيا. 5 -تحدث القرآن عن نعيم الجنة فى الناحية الجنسية، وركز على الرجل بالذات، وأغراه بالعمل لدخول الجنة لينعم بزوجات فيهن كل الأوصاف المغرية، وجاء فى الحديث المتفق عليه بين البخارى ومسلم أن الرجل الواحد سيكون له أكثر من زوجة، فقد أخرجا عن أبى هريرة رضى الله عنه أن الصحابة تذاكروا: الرجال أكثر فى الجنة أم النساء؟ فقال: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما فى الجنة رجل إلا وله زوجتان، إنه يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة، ما فيها عزب " وجاء فى أحاديث أخرجها الترمذى وصححها أن العبد يزوج فى الجنة سبعين زوجة، وفى حديث لأحمد والترمذى وابن حبان أن أدنى أهل الجنة منزلة له ثنتان وسبعون زوجة. فأين الحديث عن المتعة الجنسية للمرأة، وهل لها أن تتمتع بأكثر من رجل كما يتمتع الرجل بأكثر من امرأة؟ وإذا كانت مع زوجها فى الجنة كما قال تعالى {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} الرعد: 23، فكيف تحس بالنعيم مع أن الغيرة تملأ قلبها من ضرائرها الحسناوات؟ أ-التركيز على نعيم الرجل لأن شهوته طاغية، فهو طالب لا مطلوب، فوعده الله بما يحقق رغبته فى هذه اللذة إن جاهد نفسه وعف عن الحرام. أما المرأة فشهوتها ليست طاغية كما يقول المختصون، وإن اشتدت فى فترة نضج البويضة يوما أو يومين فى الشهر فهى فى غالب أيامها مطلوبة لا طالبة. وما قيل من أن شهوتها أقوى من شهوة الرجل بنسبة كبيرة فليس عليه دليل صحيح، والواقع خير دليل. ومع ذلك فلا تحرم المرأة من هذه اللذة فى الجنة، وستكون مع زوجها ذلك {إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون * هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون} يس: 55، 56، ومن لم تتزوج إما أن يزوجها الله -حيث لا يوجد عزب فى الجنة كما فى الحديث السابق الذى رواه الشيخان، وإما أن يمتعها بلذة أخرى تقنع بها. ب - قد يكون هناك تعويض عن هذه اللذة بالقناعة بمنزلتها عند زوجها وبمتع أخرى يعلمها الله وحده {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} الزخرف: 71. وقد قيل: إن الله يكسوها جمالا لا تحس معه نقصا بالنسبة للحور العين، وأن لها السيادة عليهن، وهى لن تحب رجلا غير زوجها كالحور العين قاصرات الطرف. ج - ليس فى الجنة غيرة بين الزوجات -كما فى الدنيا- لأنها تنغص النعيم، وليس فيها حسد ولا حقد ولا حزن ولا أى ألم أبدا، حتى تتم اللذة لأهل الجنة كما قال تعالى: {ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين * لا يمسهم فيها نصب} الحجر: 47،48، وقال على لسان أهل الجنة {الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن، إن ربنا لغفور شكور * الذى أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} فاطر: 34، 35 (8/285) ________________________________________ نعيم القبر وعذابه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ينكر بعض الناس أن هناك نعيما وعذابا فى القبر، فما هو رأى الدين فى ذلك؟
الجواب الكلام هنا فى ثلاث نقط، الأولى فى ثبوته، الثانية فى دوامه، الثالثة فى كونه للروح والجسد أو للروح فقط. النقطة الأولى: نعيم القبر وعذابه ثابتان بأدلة كثيرة منها: 1 -روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المسلم إذا سئل فى قبره فشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه " فذلك قول الله {يثبت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} . وفى لفظ: نزلت فى عذاب القبر، يقال له: مَنْ ربك؟ فيقول: اللَّه ربى ومحمد نبيى، قذلك قول اللَّه {يثبت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} إبراهيم: 27،. 2 -روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن العبد اذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول فى هذا الرجل؟ - لمحمد - فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد اللَّه ورسوله، فيقولان: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، وأما الكافر والمنافق فيقال له: ما كنت تقول فى هذا الرجل؟ فيقول: لا أدرى، كنت أقول، ما يقول الناس، فيقولان: لا دريت ولا تليت، ويضرب بطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة فيسمعها من يليه غير الثقلين " وقوله: لا دريت ولا تليت، دعاء عليه بألا يكون داريا ولا تاليا، أو إخبار بحاله فإنه لم يكن قد علم بنفسه ولا سأل غيره من العلماء. 3-روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبور ثم قال " إن هذه الأمة تبتلى فى قبورها، فلولا ألا تدافنوا لدعوت اللَّه أن يسمعكم من عذاب القبر الذى أسمع منه " ثم قال " تعوذوا بالله من عذاب القبر". 4 - روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى المنام أن ملكين أخذا بيده، ومرا به على أناس يعذبون فى قبورهم بصور مختلفة لارتكابهم الكبائر، وجاء فيه أن العذاب الذى ينزل بهم يستمر إلى يوم القيامة، يقول ابن القيم: وهذا نص فى عذاب البرزخ، فإن رؤيا الأنبياء وحى مطابق لما فى نفس الأمر. 5 -وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى سعد بن معاذ " هذا الذى تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفا من الملائكة، لقد ضُمَّ - هى ضمة القبر - ثم فرج عنه ". 6 - روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرين فقال " إنهما يعذبان وما يعذبان فى كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ". 7 - يقول اللَّه تعالى " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} غافر: 46، فالعرض يكون فى القبر قبل يوم القيامة. هذه بعض الأدلة القوية على ثبوت النعيم والعذاب فى القبر، فذلك ثابت بالسنة وظاهر الآية، وأهل السنة مجمعون عليه، والإِجماع حجة عند أكثر الأصوليين، وأنكره جماعة من المعتزلة، ومهما يكن من شىء فإن العقائد لا تثبت إلا بالنص القطعى فى ثبوته ودلالته، والحديث الصحيح الذى دل على نعيم القبر وعذابه اعتبره بعض العلماء من قطعى الثبوت الذى يفيد العلم اليقينى، واعتبره آخرون ظنى الثبوت الذى لا يفيد العلم اليقينى، ومن هنا كان الخلاف فى الحكم على من أنكر نعيم القبر- وعذابه، هل هو كافر أو غير كافر. النقطة الثانية: جاء فى كتاب " مشارق الأنوار " للعدوى (ص 36) . بعد أن ساق، عدة نصوص - لا ترقى إلى درجة تؤخذ منها عقيدة قوله: فتحصَل مما سبق أن النعيم لا يكون إلا دائما، وأما التعذيب فإما أن يكون دائما أيضا وهو عذاب الكفار وبعض العصاة، ومنقطعا وهو لبعض العصاة، ولذلك قال العلامة الدردير فى " خريدته ": العذاب قسمان إما دائم وهو للكفار وبعض العصاة، أو منقطع وهو لبعض العصاة ممن خفت جرائمه، وانقطاعه إما بسبب كصدقة أو دعاء، أو بلا سبب أى بمجرد العفو. ثم قال فى صفحة 37: ويرتفع العذاب عن سائر الخلق ليلة الجمعة ولو كفارا ثم يعود على الصحيح، قال العلامة النفراوى: وقيل إنه بعد ارتفاعه عن المؤمن ليلة الجمعة لا يعود أبدا، قال: وحينئذ من مات قبل يوم الجمعة بيوم لا يكون عذابه إلا يوما، وبه قال بعضهم، انتهى قال العدوى: وهو مردود بما أفاده الإمام السيوطى حيث قال فى " شفاء الصدور " إن عدم العود لا دليل عليه، فلم يرد فى هذا حديث صحيح ولا حسن. ثم قال: وما قاله الإِمام السيوطى فهو فى غاية الظهور، لما تقدم لك من حديث البخارى ومسلم السابق فى الجريدتين بقوله " لعل اللَّه يخفف عنهما ما لم ييبسا" وفى رواية لأبى داود " يهون عليهما ما دام من بلواتهما شىء " فهذا القيد منه صلى الله عليه وسلم ظاهر فيما قاله السيوطى ولا يلتفت لغيره، لا سيما فى مجالس الفجرة المتجاهرين بالفسق. النقطة الثالثة: قال ابن القيم: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون فى نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا، ويحصل لها معه النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين. ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى. قال الحافظ ابن حجر فى " الفتح ": وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى ان السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد، وخالفهم الجمهور فقالوا: تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت فى الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه، لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه. والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد فى قبره حال المسألة لا أثر فيه، من إقعاد ولا غيره ولا ضيق فى قبره ولا سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب. وجوابهم أن ذلك غير ممتنع فى القدرة، بل له نظير فى العادة وهو النائم، فإنه يجد لذة وألما لا يدركه جليسه، بل اليقظان قد يدرك ألما ولذة لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يدرك ذلك جليسه. وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر أن اللَّه تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستر عليهم، إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله، وقد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور، كقوله " إنه ليسمع خفق نعالهم " وقوله " تختلف أضلاعه " لضمة القبر، وقوله " يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق؟ وقوله "يضرب بين أذنيه " وقوله " فيقعدانه " وكل ذلك من صفات الأجساد. وقال الدردير فى كتابه " الخريدة ": والتعذيب للروح مع البدن ولو لم يقبر، فالتعبير بالقبر جرى على الغالب، إذ لا مانع من أن يخلق الله تعالى فى جميع الأجزاء أو بعضها نوعا من الحياة قدر ما يدرك ألم العذاب ولذة النعيم، وهذا لا يستلزم أن يتحرك ويضطرب أو يرى أثر العذاب عليه، حتى إن من أكلته السباع أو صلب فى الهواء يعذب وإن لم نطلع عل ذلك. ثم قال: ومن عذاب القبر ضغطته، وهى التقاء حافتيه حتى تختلف أضلاع الميت، وتختلف باختلاف العمل، حتى إن الصالح تضمه ضمة الأم الشفوقة على ولدها. انتهى (8/286) ________________________________________ غسل الميت مع اختلاف الجنس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز لأحد الزوجين أن يغسل الآخر عند الموت؟
الجواب غسل الوفاة بين الجنسين إما أن يكون بين الزوجين وإما أن يكون بين غيرهما، ولكل حكمه. 1 - غسل الزوج لزوجته: وردت فى ذلك عدة أحاديث منها: أ-عن عائشة رضى الله عنها قالت: رجع إلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا فى رأسى وأقول: وارأساه، فقال " بل أنا وارأساه، ما ضرك لو مت قبلى فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك " رواه أحمد وابن ماجه وأصل الحديث عند البخارى وليس فيه " غسلتك " نيل الأوطار ج 4 ص 29. ب - روى الدارقطنى والبيهقى بإسناد حسن أن عليا رضى اللَّه عنه غسل فاطمة رضى الله عنها. وأخرجه الشافعى " كشف الغمة للشعرانى " ج 1 ص 206. ج -أوصت فاطمة بنت عُمَيْسٍ أن يغسلها على بن أبى طالب وأسماء، فغسلاها ولم ينكر أحد من الصحابة عليهما ذلك فكان إجماعا، كما ذكره الشوكانى فى " نيل الأوطار ج 4 ص 29 " أخرجه الشافعى وابن عبد اللَّه كما فى شرح الزرقانى على المواهب "ج 3 ص 206" د-وجاء فى " كشف الغمة " للشعرانى أن عبد الله بن مسعود غسل زوجته حين ماتت. 2 - غسل الزوجة لزوجها: ورد فى ذلك آثار منها: أ- قالت عائشة رضى اللَّه عنها: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل النبى صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه. ب -أوصى أبو بكر رضى الله عنه أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس فغسلته ولم يخالف ذلك أحد من الصحابة، أخرجه البيهقى "نيل الأوطار ج 1 ص 260 ". وروى مالك فى " الموطأ" أنها غسلته وكان اليوم شديد البرودة وهى صائمة فلم تغتسل من غسله. " المرجع السابق ". بعد هذه المرويات قال الشوكانى "ج 4 ص 29 ": قال أحمد: لا تغسله، لبطلان النكاح، ويجوز العكس عنده كالجمهور، وقال أبو حنيفة وأصحابه والشعبى والثورى: لا يجوز أن يغسلها، لمثل ما ذكر أحمد، ويجوز العكس عندهم كالجمهور، قالوا: لأنه لا عدة عليه بخلافها. وجاء فى كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة "أن الزوج لو مات فإن للزوجة أن تغسله، وذلك بالاتفاق حتى لو كانت مطلقة، لكن أبا حنيفة وأحمد قالا: إذا كانت بائنا فليس لها أن تغسله ولو كانت فى العدة. وإذا ماتت الزوجة غسلها زوجها، إلا أن أبا حنيفة منع ذلك لأنها صارت أجنبية عنه. 3 - الغسل بين غير الزوجين: جاء فى كتاب " الفقه على المذاهب الأربعة " قال المالكية: إذا ماتت المرأة وليس معها زوجها ولا أحد من النساء، فإن كان معها محرم لها غسلها وجوبا، ولف على يديه خرقة غليظة مع ستارة بينه وبينها، فإن لم يوجد محرم يمَّمها واحد لكوعيها فقط. وإذا مات رجل ولم توجد زوجته غسلته محرمة بخرقة مع ستر عورته، فإن لم توجد محرم يممته الأجنبية إلى المرفقين. وقال الحنفية: إذا ماتت المرأة ولم تكن هناك نساء يممها المحرم. إلى المرفق، ويممها الأجنبى مع وضع خرقة على يده وغض بصره، والزوج كالأجنبى إلا أنه لا يكلف غض البصر، وإذا مات الرجل بين نساء ليس فيهم زوجته غسلته القاصرة، فإن لم توجد يممته إلى المرفقين مع غض البصر. وقال الشافعية: إذا ماتت بين رجال ليس فيهم زوج ولا محرم يممها الأجنبى إلى المرفقين، مع غض البصر وعدم اللمس، أما الزوج فيغسلها، وكذلك المحرم إن لم يوجد الزوج، وإذا مات الرجل بين نساء ليس فيهن زوجته ولا محرم يممته الأجنبية بحائل يمنع اللمس مع غض البصر، أما الزوجة فتغسله وجوبا، وكذلك المحرم عند عدم الزوجة. وقال الحنابلة: إذا ماتت المرأة ولم يوجد زوج يممها المحرم، وإلا يممها الأجنبى بحائل، وإذا مات الرجل ولم توجد زوجته يممته الأجنبية بحائل، أما المحرم فلا يشترط الحائل فى تيمم الرجل أو االمرأة (8/287) ________________________________________
دفن الميت فى صندوق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم دفن الميت فى صندوق؟
الجواب جاء فى تفسيرالقرطبى " ج 0 1 ص 1 38 " أن الدفن فى التابوت جائز، لا سيما فى الأرض الرخوة، وروى أن دانيال صلوات الله عليه كان فى تابوت من حجر، وأن يوسف عليه السلام أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقى فى رَكِيَّة - بئر- مخافة أن يعبد، وبقى كذلك إلى زمان موسى صلوات اللَّه عليهم أجمعين، فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه فى حظيرة إسحاق عليه السلام. كلام ليس عليه دليل معتمد، ثم قال القرطبى: وفى الصحيح عن سعد بن أبى وقاص أنه قال فى مرضه الذى هلك فيه: اتخذوا لى لحدا وانصبوا عليه اللبن نصبا كما صنع برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وحكى عن الشيخ الإِمام أبى بكر محمد بن الفضل الحنفى أنه جوز اتخاذ التابوت فى بلادهم لرخاوة الأرض وقال: لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به، لكن ينبغى أن يفرش فيه التراب وتُطيَّن الطبقة العليا مما يلى الميت، ويجعل اللَّبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد-ثم قال القرطبى: ومن هذا المعنى جَعْل القطيفة فى قبر النبى صلى الله عليه وسلم فإن المدينة سبخة، قال شُقرآن: أنا واللَّه طرحت القطيفة تحت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى القبر. قال أبو عيسى الترمذى: حديث شقران حديث حسن صحيح غريب، أى رواه راو واحد فقط. وجاء فى الفتاوى الإِسلامية " المجلد الرابع ص 1264 " باسم الشيخ عبد المجيد سليم كراهة اتخاذ التابوت إلا إذا كانت الأرض رخوة أو نَدِيَّة يسرع فيها بلى الميت فلا بأس باتخاذه واستحسانه للمرأة مطلقا سواء أكانت الأرض رخوة أم لا، لأنه أقرب إلى الستر والتحرز عن مسها عند الدفن. وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة الذى نشرته وزارة الأوقاف المصرية: أن دفن الميت فى صندوق ونحوه مكروه مطلقا عند الحنابلة، وخلاف الأولى عند المالكية، أما الشافعية والأحناف فقالوا: مكروه إلا لحاجة -كرخاوة الأرض - وقال الفقهاء: يكره وضع وسادة أو فراش أو نحو ذلك معه فى قبره، ولو كان فى ذلك تكريم لكان أولى به النبى صلى الله عليه وسلم فقد بنى فى قبره تسع لبنات، ووضع القطيفة تحته ورد بها الحديث المذكور وكانت قطيفة نجرانية كان يتغطى بها، فأريد ألا يلبسها أحد بعده لكن البعض قال إن الصحابة نزعوها وفى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 8 ص 292" توضيح لذلك فيراجع، هذا وعمل التابوت لا يغنى عن وضعه فى الأرض ليتحقق معنى الدفن، وإذا كان القصد منه مجرد التكريم دون حاجة أخرى هو مكروه، وهو لا يفيد الميت في نعيم ولا عقاب، والبساطة فى مثل هذه الحالة مطلوبة (8/288) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:37 am | |
| دفن اثنين فى قبر واحد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز دفن شخصين فى قبر واحد؟
الجواب الأصل فى الدفن أن يكون لكل ميت قبر خاص به، أما دفن أكثر من واحد فى قبر واحد فهو حرام عند جمهور الفقهاء، ومكروه فقط عند أبى حنيفة، ومحل ذلك إذا لم تكن هناك ضرورة أو حاجة، فإن وجدت ضرورة ككثرة الموتى وتعَسُّر إفراد كل بقبر، أو وجدت حاجة كالمشقة فى حفر قبر لكل ميت جاز جمع أكثر من واحد فى قبر، سواء أكانوا من جنس واحد أم من جنسين، على أن يقدم الذكر على الأنثى فى دفنه جهة القبلة. والدليل على ذلك ما رواه أحمد والترمذى وصححه: أن الأنصار جاءوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقالوا: يا رسول اللَّه أصابنا جرح وجهد فكيف تأمرنا؟ قال " احفروا وأوسعوا تعمقوا، واجعلوا الرجلين والثلاثة فى قبر قالوا: فأيهم نقدم؟ قال " أكثرهم قرآنا ". وروى عبد الرزاق بسند حسن عن واثلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة فى القبر الواحد، فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه. ذكره ابن حجر فى الفتح "ج 3 ص 251 ". وجاء فى كتاب " الإقناع " للخطيب فى فقه الشافعية ما يأتى: ولا يجمع رجل وامرأة فى قبر إلا لضرورة، فيحرم عند عدمها-يعنى عدم الضرورة-كما فى الحياة -يعنى كما لو كانوا أحياء - قال ابن الصلاح: محله إذا لم يكن بينهما محرمية أو زوجية، وإلا فيجوز الجمع، قال الأسنوى: وهو متجه - يعنى كلام وجيه -والذى فى المجموع -كتاب للنووى- لا فرق، فقال إنه حرام حتى فى الآًم مع ولدها، وهذا هو الظاهر، إذ العلة فى منع الجمع هى الإِيذاء، لأن الشهوة قد انقطعت فلا فرق بين المحرم وغيره، ولا بين أن يكون من جنس، واحد أم لا، ويحجز بينهما بتراب حيث جمع بينهما، وذلك على سبيل الندب - حتى لو اتحد الجنس - انتهى. وجاء فى " الفتاوى الإِسلامية " مجلد 7 ص 1426: يجوز دفن الرجل مع المرأة فى قبر واحد عند الضرورة بشرط الحيلولة بينهما بحائل من التراب. وخلاصة الكلام أن دفن الرجل مع المرأة حتى لو كانت أمه أو زوجته لا يجوز إلا عند الضرورة (8/289) ________________________________________ الأحياء والأموات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هناك كلام كثير حول العلاقة بين الأحياء والأموات،من حيث الإحساس بهم واطلاعهم على أحوالهم ووصول الثواب لهم نريد توضيحا لهذه العلاقة على ضوء القرآن والسنة؟
الجواب هناك مسائل كثر الكلام فيها بما يتصل بالعلاقة بين الأحياء والأموات نذكر أهمها فيما يلى: 1 - عرض الأعمال على الرسول والأموات: روى البزار بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن مسعود رضى الله عنه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم: " حياتى خير لكم تحدثون ويحدث لكم، فإذا أنا مت كانت وفاتى خيرا لكم، تعرض علىَّ أعمالكم، فإن رأيت خيرا حمدت الله، وإن رأيت شرا استغفرت لكم ". وأخرج أحمد والحكيم الترمذى فى " نوادر الأصول " وابن منده حديث " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشايركم من الأموات، فإن رأوا خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا ". وأخرج مثله الطيالسى فى مسنده. وجاء عن الحكيم الترمذى فى نوادره " إن الأعمال تعرض على الله يومى الإثنين والخميس، وعلى الأنبياء والأولياء يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم " وروى البيهقى فى " شعب الإيمان " حديث " اتقوا الله فى إخوانكم من أهل القبور، فان أعمالكم تعرض عليهم " وأورد ابن القيم فى كتابه "الروح " أثرا يدل على علم الميت بما يحصل من الحى. وكل ذلك لا يثبت عقيدة، فمن لم يصدق فلا يكفر، كما أنه لا يوجد دليل قوى يمنع تصديق هذه الأخبار. 2 - سماع الموتى للأحياء: إن سماع الأنبياء والشهداء لمن يسلِّم عليهم فى قبورهم أمر-يسهل التصديق به مادامت الحياة قد ثبتت لمم، وبخاصة أن هذا السماع ممكن لغيرهم، بل دل الدليل عليه، ويستوى فى ذلك المؤمنون وغير المؤمنين، لما يأتى: 1 - جاء فى الصحيح أن الميت إذا دفن وتولى عنه أصحابه وهو يسمع قرع نعالهم يجيئه الملكان ليسألاه. 2 - وجاء فى الصحيح أيضا نداء النبى صلى الله عليه وسلم لقتلى المشركين فى بدر بعد إلقائهم فى القليب، وقوله لهم: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ... فقال عمر رضى الله عنه: يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال " والذى بعثنى بالحق ما أنتم بأسمع منهم لما أقول، ولكنهم لا يستطيعون جوابا ". 3 - وفى الصحيح أيضا " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " قال النووى فى شرح صحيح مسلم: معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم. وإلى هذا ذهب الطبرى، قال القاضى عياض: وهو أولى الأقوال، واحتجوا له بأن النبى صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على ابنها وقال: " إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم ". 4 - شرع النبى صلى الله عليه وسلم لأمته السلام على أهل القبور بمثل " السلام عليكم دار قوم مؤمنين " وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على ذلك. 5 - حديث " إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلَّم عليه رد عليه السلام وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام ". ويأتى حكمه فى المسألة التالية: بهذا وبغيره من الآثار الكثيرة التى ذكرها ابن القيم فى كتاب الروح يكون سماع الأموات للأحياء ممكنا، وقد أنكرت السيدة عائشة رضى الله عنها سماع أهل القليب لنداء النبى صلى الله عليه وسلم، وظن جماعة أن ذلك ينسحب على كل الموتى من الكفار وغيرهم، ورد هذا بأن إنكارها لسماع الكفار هو الإنكار الوارد فى قوله تعالى: {فإنك لا تسمع الموتى} الروم: 52، وقوله: {وما أنت بمسمع من فى القبور} فاطر: 22،. فالمراد به سماع القبول والإيمان، حيث شبه الله الكفار الأحياء بالأموات، لا من حيث انعدام الإدراك والحواس، بل من حيث عدم قبولهم الهدى والإيمان. لأن الميت حين يبلغ حد الغرغرة لا ينفعه الأيمان لو آمن، فالسماع الثابت فى الأحاديث الصحيحة سماع الحاسة، والسماع المنفى فى الآيتين سماع القبول، ولذلك جاء بعد قوله تعالى: {فإنك لا تسمع الموتى} قوله تعالى {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا} فأثبت للمؤمنين سماع القبول. ومما يؤكد أن عائشة رضى الله عنها نفت سماع القبول عن الكفار لا سماع الحس أنها هى التى روت حديث النبى صلى الله عليه وسلم " ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد السلام عليه حتى يقوم " وقيل إنها نفت سماع الكفار لنداء النبى صلى الله عليه وسلم وأثبتت علمهم به فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنهم الآن ليعلمون أن ما قلت حق، والعلم يستلزم السماع ولا ينافيه. لكن قد يرد بأن علمهم بما قال الرسول لا يستلزم سماعهم له، لأنهم علموا ذلك بمعاينة العقاب المعد لهم. ولا يرد على سماع الميت ما قاله الأحناف من أن الميت لا يسمع: لو حلف الإنسان لا يكلم شخصا فمات هذا الشخص وكلمه ميتا لا يحنث، لا يرد هذا لأن الإيمان مبنية على العرف، فلا يلزم منه نفى حقيقة السماع، كما قالوا فيمن حلف لا يأكل اللحم فأكل السمك لا يحنث، مع أن الله سماه لحما طريا فى قوله: {وهو الذى سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا} النحل: 14، وذلك جريا على العرف. وقد يقال: إن سماع الموتى للأحياء من خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم، لكن يرد هذا بعدم وجود الدليل على الاختصاص. وقال ابن تيمية فى كتاب " الانتصار للإمام أحمد ": إنكار عائشة سماع أهل القليب معذورة فيه لعدم بلوغها النص، وغيرها لا يكون معذورا مثلها، لأن هذه المسألة صارت معلومة من الدين بالضرورة. 3 - إحساس الميت بالزائر وعلمه بمن يموت: قال ابن تيمية فى الفتاوى: مسألة فى الأحياء إذا زاروا الأموات هل يعلم الأموات بزيارتهم، وهل يعلمون بالميت إذا مات من أقاربهم أو غيره أم لا؟ الجواب، نعم، قد جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات، كما روى ابن المبارك عن أبى أيوب الأنصارى قال: إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير فى الدنيا، فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض: انظروا أخاكم يستريح فإنه كان فى كرب شديد، قال فيقبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان، ما فعلت فلانة، هل تزوجت. الحديث. وأما علم الميت بالحى إذا زاره ففى حديث ابن عباس رضى الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم " ما من أحد يحمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام " قال ابن عبد البر: ثبت ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم، وصححه عبد الحق صاحب الأحكام. وقال ابن تيمية أيضا فى موضع آخر من فتاويه: إن الميت يسمع خفق نعال المشيعين حين يولون عنه كما ثبت فى الصحيحين،وبعد سياق عدة أحاديث قال: تبين من هذه النصوص أن الميت يسمع فى الجملة كلام الحى، ولا يجب أن يكون السمع له دائما، وذكر أن روحه تعاد إلى بدنه فى ذلك الوقت، وتعاد فى غير ذلك أيضا، وجاء فى عدة آثار أن الأرواح تكون فى أفنية القبور انتهى. ورويت أخبار تدل على أن روح الميت تكون فى يد الملك ينظر إلى جسده كيف يغسل، وكيف يكفن، وكيف يشيَّع، ويقال له على سريره: اسمع ثناء الناس عليك. وأخرج أحمد والحاكم عن عائشة رضى الله عنها قالت: كنت أدخل البيت فأضع ثوبى وأقول: إنما هو أبى وزوجى، فلما دفن عمر ما دخلته إلا وأنا مشدودة على ثيابى حياء من عمر. وجاء فى صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه قال فى مرض موته: إذا دفنتمونى فشنوا على التراب شنا، وأقيموا عند قبرى قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، اَنس بكم؟ أنظر ماذا أراجع رسل ربى. 4 - تزاور الموتى: فى صحيح مسلم " إذا وَلِي أحدكم أخاه فليحسن كفنه " قيل: إن العفة فيه تزاور الموتى وتباهيهم بالأكفان، كما نص عليه فى أحاديث أخرى منها ما أخرجه الترمذىَ وابن ماجه والبيهقى "إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه فانهم يتزاورون فى قبورهم " وقال: ابن تيمية فى فتاويه إنهم يتزاورون، سواء أكانت المدائن، متقاربة فى الدنيا أم متباعدة. وقال الفقهاء بتحسين الأكفان لهذه العلة، وللسيوطى كتاب فى ذلك عنوانه " شرح الصدور " وقال ابن القيم فى كتاب الروح: إن الحى يرى الميت فى منامه فيستخبره، ويخبره الميت بما لا يعلمه الحى فيصادف خبره كما أخبر فى الماضى والمستقبل. 5 - تصرف الموتى بأمر الله: قال السيوطى فى شرح الصدور: قال الحافظ ابن حجر فى فتاواه إن أرواح المؤمنين فى عليين، وأرواح الكفار- فى سجين، ولكل روح بجسدها اتصال معنوى لا يشبه الاتصال فى الحياة الدنيا، بل أشبه شىء به حال النائم وإن كان هو أشد حالا من حال النائم اتصالا فالأرواح مأذون لها فى التصرف وتأوى إلى محلها من عليين أو سجين وإن قيل إنها عند أفنية القبور. وأورد السيوطى ما أخرجه ابن عساكر عن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجعفر بن أبى طالب بعد استشهاده، وما أخرجه الحاكم عن رده السلام على جعفر حيث رآه فى مجلسه مع أسماء بنت عميس ومعه جبريل وميكائيل يسلمون على النبى صلى الله عليه وسلم، وحكى له جعفر ما حدث فى يوم استشهاده، وأن النبى صلى الله عليه وسلم أعلن ما رآه للناس على المنبر. 6 - اطلاع الأحياء على حال أهل القبور: أورد صاحب المنحة الوهبية حكايات عن رؤية بعض الناس أمواتا يصلون فى قبورهم، وأن بعضهم سمع قراءة القرآن من قبر ثابت البنانى، وسمع بعضهم من أحد القبور قراءة سورة " الملك " ولما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بذلك قال " هى المانعة، هى المنجية تنجى من عذاب القبر" هذا الحديث رواه الترمذى عن ابن عباس وقال إنه حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط -. وثبت فى الصحيحين قول النبى صلى الله عليه وسلم " لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع " كما صح أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذَّب من فيهما بسبب النميمة وعدم الاستبراء من البول، وأنه وضع جريدا على القبرين عسى. أن يخفف الله عنهما العذاب. وجاء فى " الروح " لابن القيم وفى " شرح الصدور " للسيوطى، وفى " أهوال القبور " لابن رجب ما يفيد أن رجلا رأى رجلا عند " بدر " يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب فى الأرض، وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ذاك أبو جهل يعذب إلى يوم القيامة ". وبعد: فكل ما ذكر عن أحوال القبور جر إليه الكلام عن الوسيلة والتوسل، وهو عرض لما قيل عنها، ونحن لا نلزم بتصديق شىء منها إلا ما يثبت بطريق قوى. ولا داعى للجدال فيها، فإن ما لدينا من الثابت القوى كثير، وأحوال الدنيا التى يجب أن نستعد بها إلى الآخرة كثيرة، فلنهتم بمعرفتها وتطبيقها فذلك خير وأجدى. وهل يسمع أو يشعر الميت بما يسور حوله أثناء الجنازة؟ . جاء فى كتاب " مشارق الأنوار " للعدوى ص 21: أن الميت يعرف من يغسله ويحمله ومن يكفنه ومن يدليه فى حفرته، وأن روح الميت فى يد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل وكيف يكفن، ويقال له - وهو على سريره -اسمع ثناء الناس عليك.وجاء فيه أن الميت يرى ما يصنع أهله، ولو قدر على الكلام لنهاهم عن العويل والصراخ. وكل ذلك وردت به أحاديث أخرجها أحمد وابن أبى الدنيا والطبرانى وابن منده وأبو نعيم وأبو داود، وقد حكم على بعض منها بالضعف. ومعلوم أن العقائد لا تثبت إلا بالدليل القطعى من الكتاب والسنة. وأحوال الموتى من الغيب الذى يعلمه الله وحده، ولا يطلعُ عليه أحدا إلا من ارتضاه، ولا يجب علينا الإيمان إلا بما ورد من طريق صحيح. والأخبار المروية فى سماع الميت كلام المشيعين لم ترق إلى هذه الدرجة. فلا نجزم بالنفى ولا بالإثبات، حيث إن ذلك ممكن ولم يرد ما يمنعه، وحيث إن ما أثبتته لم يكن بطريق الجزم. فمن صدق ذلك فهو حر، ولا يجوز أن يفرض رأيه على غيره، ومن كذب فلا يكفر (8/290) ________________________________________ زيارة الأضرحة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل زيارة للأضرحة مشروعة أو ممنوعة؟
الجواب الأضرحة جمع ضريح، والضريح هو الشق وسط القبر. وتعارف الناس عليه إذا دفن فيه شخص له قيمة دينية أو غيرها من القيم التى تحتل من نفوس الناس مكانة كبيرة، واتخذت الأضرحة شكلا معينا من البناء تعلوه قبة تفنن الناس فى شكلها وفى زخرفتها. وكثرت هذه الأضرحة فى مصر منذ عهد الفاطميين الذين أقاموا كثيرا منها لآل البيت وكبار رجال الدولة، وعرفت بالمشاهد أسوة بما أطلق على أضرحة الأئمة من العلويين. ثم جاءت الدولة الأيوبية وأقامت مثلها لكبار رجال السنة. ومن أكبرها ضريح الإمام الشافعى. والأضرحة شأنها شأن سائر القبور فى أن زيارتها سنة لما فيها من فوائد للزائر والمزور، ففيها للزائر عبرة وعظة، كما فى قوال النبى صلى الله عليه وسلم: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور، فإنها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة ". وقوله: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر أمه، فزوروها فإنها تذكر الآخرة " وقد صح فى مسلم أذن الله لنبيه بزيارة قبر أمه، وعدم إذنه فى الاستغفار لها. وفى الزيارة نفع للمزور بالسلام عليه والدعاء له، وبما تقدم ذكره من أنس الميت بمن يزوره. وقد علمنا النبى صلى الله عليه وسلم آداب الزيارة التى منها أن نقول ما علمه السيدة عائشة رضى الله عنها: " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ". وجاء فى إحدى الروايات لهذا الحديث " نسأل الله لنا ولكم العافية " (8/291) ________________________________________ الجنة والنار مخلوقتان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الجنة والنار من خلق الدنيا أم الآخرة، فإن كانت الأولى فأين فراغهما والجنة وحدها عرض السموت والأرض، وما عملهما في الدنيا وهما حصادها في للآخرة، وإن كانت الثانية فكيف إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار كما يقول الحديث الشريف؟
الجواب موضوع خلق الجنة والنار ثار فيه الجدل قديما، فذهب جمهور المسلمين إلى أنهما مخلوقتان الآن، وذهبت طائفة من المعتزلة والخوارج إلى أنهما لا يخلقان قبل يوم القيامة، فهما ليستا موجودتين الآن. وقد ساق كل من الفريقين أدلته، ونوقشت الأدلة ورجح القول بأنهما مخلوقتان بالفعل، وذلك لكثرة النصوص فى القراَن والسنة بأن الجنة أعدت للمتقين، وأن النار أعدت للكافرين، وهذا الإعداد المعبر عنه بصيغة الماضي يدل وضعًا على وجودهما بالفعل، وأما القول بأن التعبير بالماضي هو لمجرد التأكيد بأنهما سيوجدان في المستقبل فهو عدول عن الظاهر بدون مبرر، وإن كان يمكن أن يقال: إن التعيير بالماضي فى الإعداد هو بمعنى أنه تقرر في علم اللَّه على وجه التأكيد فالإخبار بوجودهما وإعدادهما إخبار عن علم الله لا عن وجودهما بالفعل، وبهذا لا يكون الدليل قطعي الدلالة على وجودهما الفعلي الواقعي. وقول من قال إن وجودهما الآن عبث لأنهما للجزاء، والجزاء لا يكون إلا يوم القيامة قول مردود، فإن الفائدة من وجودهما الفعلي ليست محصورة في الجزاء، فكم من أفعال تخْفى حكمتها على العقول {واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون} . وقد يؤكد هذا أن الشهداء ينتقلون من الدنيا لحياة أفصل عند ربهم يرزقون، ومن ضمن الرزق والنعيم أن أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة تأوى إلى قناديل تحت العرش كما رواه مسلم وغيره فالجنة الآن موجودة يتنعم فيها الشهداء لأنهم أحياء وليسوا بأموات كما قال اللَّه تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: 169، ويؤكده أيضًا ما ثبت فى النصوص من نعيم القبر وعذابه، وهو أثر من أثار وجود الجنة والنار قال تعالى {النار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} غافر: 46، فهذا نص على أن النار موجودة ويعرض عليها الكافرون قبل أن يدخلوها يوم القيامة. ومهما يكن من شيء فإنه لابد من الإيمان بأن هناك جنة ونار كما نص القرآن الكريم، أما اعتقاد أنهما موجودتان الآن، أو ستوجدان يوم القيامة فليس مما كلف به المسلمون، والنتيجة هي أنهما دارا ثواب وعقاب، وعلى المؤمن أن يستعد بعمله الصالح حتى يدخل الجنة وينجو من النار. وكذلك مكان وجودهما لسنا مكلَّفين بمعرفته، واستبعاد أن تكونا موجودتين في الدنيا لأن الجنة وحدها عرض السموت والأرض أجاب عنه النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية {وجنة عرضها السموات والأرض} بقوله "فأين الليل إذا جاء النهار"؟ فالكون واسع لا يعلم سعته إلا اللَّه سبحانه، والجنة عرضها ليس هو عرض السموات والأرض الموجودة أمامنا بل هو مثله كما يفيد التعبير عن ذلك في آية {عرضها كعرض السموات والأرض} الحديد: 31، وهو كناية عن السعة. ومعنى فتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب جهنم في رمضان فسره العلماء بأنه كناية عن سعة رحمة اللَّه في هذا الشهر، أو عن كثرة الطاعة والقربات التي توصل إلى الجنة، كأن أصحابها يدخلون الآن بما يقدمون من عمل، وعن قلة المعاصي التي توصل إلى النار، كأنه لا يوجد في رمضان من يعصي اللَّه ويستحق دخولها، وذلك بالنسبة للمؤمنين الطائعين، أما الكافرون - وما أكثرهم - فإن أبواب جهنم مفتوحة لهم، استعدادًا لدخولهم في كل وقت من الأوقات، بسبب ما هم فيه من كفر وعصيان، ذلك بعض ما قيل في الموضوع، ولعله يكفي في الإجابة على السؤال (8/292) ________________________________________
|
|
| |
| فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس | |
|