طلاق الغضبان
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
رمضان 1399 هجرية - 2 أغسطس 1979 م
المبادئ
لا يقع طلاق الغضبان إذا بلغ الغضب به نهايته بحيث لا يعلم ما يقول ولا ما يريده أو يغلب عليه الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله - ومعيار الغضب شخصى
السؤال
من السيد / ع ع أوزوجته السيدة ر م ح بالطلب المتضمن أولا أن الزوج المذكور قال لزوجته عقب مشاجرات كثرت بينه وبينها إنه قرر طلاق زوجته المذكورة بقوله لها (أى طالق.
أى طالق. أى طالق. وتحرم وتحل لمن يريدها) ثانيا أن الزوجة المذكورة قررت أنه حدثت مشادة بينها وبين زوجها المذكور عقب عودتهما من العمل عند الغداء مما جعلها تطالبه بالطلاق وبإلحاح شديد منها.
ونظرا لحالتها النفسية طلقها.
وطلب كل منهما بيان الحكم الشرعى فى ذلك
الجواب
1 - الغضب الذى لا يقع معه الطلاق على ما اختاره ابن عابدين من فقهاء المذهب الحنفى فى حاشية رد المحتار.
وحققه ابن القيم فى كتابه إغاثة اللهفان يتمثل فى حالتين الأولى إذا بلغ الغضب بالزوج نهايته وقت الطلاق فلا يعلم ما يقوله ولا ما يريده.
الثانية ألا يبلغ هذه الغاية.
ولكن يغلب عليه الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله، وذلك عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا طلاق فى إغلاق والمراد بالإغلاق.
أن يغلق على الرجل وقت الطلاق باب الإرادة ويفقد الوعى.
فإذا لم يبلغ الغضب بالزوج وقت الطلاق واحدة من هاتين الحالتين بأن كان غضبه دونهما.
فإن الطلاق يكون واقعا والمعيار هنا شخصى.
بمعنى أن الشخص المتلفظ بصيغة الطلاق هو بالدرجة الأولى الذى يحدد درجة الغضب التى كان عليها وقت الواقعة.
وهل تندرج فيه إحدى هاتين الحالتين فلا يقع الطلاق.
أولا تندرج فيقع الطلاق. فليتق الله فيما فوض إليه، لأن الأمر يتعلق بحل معاشرته زوجته أو حرمتها عليه.
وعلى ذلك فإذا كانت حالة الغضب التى كان بها الزوج السائل واحدة من هاتين الحالتين فلا يقع معها الطلاق إذا كان بهذه الدرجة من الغضب.
أما إذا لم تبلغ درجة غضبه واحدة من هاتين الحالتين بل كان متمكنا من إرادته ووعيه وضبط نفسه وألفاظه.
وقد نطق بألفاظ الطلاق الصريحة بقوله لها (أى طالق أى طالق أى طالق وتحرم على وتحل لمن يريدها) وكان هذه الألفاظ فى مجلس واحد فى نفس واحد فإنه يقع بها جميعا طلقة واحدة رجعية، باعتبار أن هذا التكرار فى نفس واحد يعتبر اقتران عدد إشارة عملا بالمادة الثالثة من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعمول به فى بعض أحكام الأحوال الشخصية.
والمأخوذة أحكامه من بعض المذاهب الفقهية الإسلامية والتى تنص على أن الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدا وله مراجعتها مادامت فى عدتها - وعدة المطلقة ثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة أشهر إن لم تكن من ذوات الحيض.
ووضع الحمل إن كانت حاملا.
وله أن يعيدها إلى عصمته إن كانت قد خرجت من عدته لأحد هذه الأسباب الشرعية بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها.
ومما ذكر يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم
(2/66)
________________________________________
ما يترتب على الطلاق قبل الدخول والخلوة
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
صفر 1400 هجرية - 24 ديسمبر 1979 م
المبادئ
1 - الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة يقع بائنا لا إلى عدة وتستحق المرأة به نصف جميع المهر.
كما تستحق النفقة من تاريخ العقد إلى تاريخ الطلاق فى نطاق سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى عملا بالقانون 44 لسنة 1979.
2 - الشبكة إن كانت جزءا من المهر باتفاقهما أو جرى العرف باعتبارها كذلك أخذت حكم المهر فتنصف.
أما إذا لم تكن كذلك وقدمت قبل العقد فإنها تأخذ حكم الهبة والهدية فترد إن كانت قائمة بذاتها وإلا فلا أما إن قدمت بعد العقد على أنها هبة أو هدية امتنع على الزوج الرجوع فيها لمانع الزوجية.
3 - ليس للمرأة الرجوع فيما أهدته إلى الرجل إن كان ذلك بعد العقد - أما قبله فلها الرجوع إن كان قائما بذاته وإلا فلا
السؤال
بالطلب المتضمن أن بنت السائل قد عقد قرانها منذ سنة ونصف ودفع لها مهر مقدمه 300 جنيه ومؤخره (100) جنيه كما دفعت لها شبكة تقدر بمبلغ (80) جنيها وكذلك دفع لها الزوج مبلغ 100 جنيه - جمعية وهدايا.
وبعد هذا أراد الزوج طلاقها تعسفا دون ذنب ولم يدفع لها نفقة عن هذه المدة - ولم يدخل الزوج ببنت السائل ولم يختل بها خلوة صحيحة، وقد طلقها غيابيا بتاريخ 28/7/1978 وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى استحقاق هذه الزوجة للمهر مقدمه ومؤخره، والشبكة والنفقة عن مدة السنة والنصف والجمعية التى وصلت الزوجة وكذلك الهدايا التى وصلت إليها من هذا الزوج
الجواب
المنصوص عليه فقها أن الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة يقع بائنا لا إلى عدة.
وتستحق المطلقة فى هذه الحالة نصف جميع المهر المسمى معجله ومؤجله، كما تستحق النفقة على زوجها اعتبارا من تاريخ عقد الزواج إلى تاريخ الطلاق فى نطاق سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى عملا بالقانون رقم 44 سنة 1979.
أما الشبكة فان كانت جزءا من المهر باتفاقهما أو جرى العرف باعتبارها كذلك فإنها تأخذ حكم المهر، وبذلك يكون من حق الزوجة نصفها كالمهر فى هذه الحالة.
أما إذا لم تكن جزءا من المهر اتفاقا أو عرفا وكانت قد قدمت لها قبل عقد القران فإنها تأخذ حكم الهبة والهدية فى فقه المذهب الحنفى الذى ينص على أن الهبة والهدية ترد إن كانت قائمة بذاتها، فإن هلكت أو استهلكت امتنع الرجوع فيها ولا يضمنها الموهوب له.
وإن كانت الشبكة قد قدمت على أنها هبة أو هدية بعد عقد الزواج امتنع كذلك على الزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة فى الفقه الحنفى والشأن كذلك فيما أهدته هى إليه.
فإن كان بعد عقد الزواج لم يحق لها الرجوع فيه، وإن كان قبل العقد فلها الرجوع فى الهبة إن كانت قائمة بذاتها ولا يضمن قيمتها بالهلاك أو الاستهلاك.
أما المبلغ المؤدى بوصفه جمعية فيعتبر قرضا له استرداده، إذ العرف يقضى بذلك لأن الجمعيات التى يتعاون فيها الناس لتوفير النقود تدخل فى باب القروض والقرض دين يتحتم أداؤه على المقترض شرعا وقانونا.
ومن هذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم
(2/67)
________________________________________
الطلاق فى حالة المغضب والاكراه الأدبى
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
صفر 1400 هجرية - 10 يناير 1980 م
المبادئ
1 - لا يقع طلاق الغضبان إذا بلغ الغضب به نهايته بحيث لا يدرى ما يقوله ولا يقصده أو يصل إلى حالة الهذيان فيغلب الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله.
2 - إقراره بطلاقها رسميا فى إشهاد الطلاق وهو فى حالة من حالتى الغضب السابقتين لا يرفع أثره نظاما وتوثيقا إلا حكم من المحكمة المختصة.
3 - طلاق المكره غير واقع قانونا
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائل متزوج من نحو ستة عشر عاما وله ابن سنه أربعة عشر عاما، وقد حدثت خلافات بينه وبين زوجته كان من نتيجتها أن أثبت طلاقها رسميا لدى المأذون فى إشهاد قرر فيه أنه طلقها مرتين، مع أن إحدى هاتين المرتين كان الطلاق فيها فى حالة غضب شديد، والأخرى التى كانت بتاريخ الإشهاد كانت فى حالة عادية، ثم حدث بعد هذا أن قامت أزمة خلاف شديد احتدم بينهما، وتألمت منه الزوجة ألما نفسيا شديدا دفعها إلى تهديده بالانتحار إن لم يطلقها، ولعله لظروفها النفسية وظرفه الاجتماعى ورغبة فى تهدئة خاطرها ومنعا لها من إتمام تنفيذ تهديدها حيث كان نصفها خارج البلكونة من الدور الثامن نطق بالطلاق بقوله أنت طالق فى مواجهتها.
فهل الطلاق الذى نطق به السائل وقت غضبه والطلاق الذى نطق به فى حال محاولتها الانتحار بإلقاء جسدها من البلكونة فى الدور الثامن، هل هذان الطلاقان واقعان شرعا مع هذه الظروف أم لا
الجواب
نص الفقهاء على أن طلاق الغضبان لا يقع فى حالتين الحالة الأولى أن يبلغ به الغضب نهايته فلا يدرى ما يقوله ولا ما يقصده.
الحالة الثانية ألا يبلغ به من الغضب هذه الحالة ولكنه يصل به إلى حالة الهذيان فيغلب الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله، أما إذا كان الغضب أخف من ذلك وكان لا يحول دون إدراك ما يصدر منه ولم يستتبع خللا فى أقواله وأفعاله وكان يعى ما يقول.
فإن الطلاق فى هذه الحالة يقع من غير شبهة. واختلف فقهاء الشريعة فى وقوع طلاق المكره أو عدم وقوعه فذهب الفقه الحنفى إلى وقوع الطلاق مع الإكراه، وذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن طلاق المكره غير واقع.
لحديث (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وبهذا النظر جاء حكم المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 حيث قررت أن طلاق السكران والمكره لا يقع، واختلف أصحاب هذا الرأى فى مدى الإكراه وشروطه، ففى الفقه المالكى أن الإكراه على إيقاع الطلاق بالقول لا يلزم به شىء لا قضاء ولا ديانة بشرط أن لا ينوى حل عقدة الزواج باطنا.
ثم إن الإكراه الذى لا يقع به الطلاق هو أن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يكن الطلاق يلحقه أذى مؤلم من قتل أو ضرب كثيرا أو قليلا أو سجن وإن لم يكن طويلا أو يغلب على ظنه أنه إن لم يطلق يقتل ولده أو يلحقه أذى ومثل الولد الوالد.
ففى هذه الأحوال إذا طلق لا يقع الطلاق.
ومثل التهديد بما سلف، التهديد بإتلاف المال أو أخذه ولو كان يسيرا على المعتمد فى المذهب (حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج - 2 ص 415 وما بعدها) .
وفى الفقه الشافعى أن الإكراه يحصل بالتخويف فى نظر المكره كالتهديد بالضرب الشديد أو الحبس أو إتلاف المال.
وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم، فالوجيه الذى يهدد بالتشهير به أو الاستهزاء به أمام الملأ يعتبر ذلك فى حقه إكراها.
والشتم فى حق رجل ذى مروءة إكراه. ومثل ذلك التهديد بقتل الولد أو الفجور به أو الزنا بامرأته، إذ لا شك فى أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب والشتم.
ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه أو أحد عصبيته وإن علا أو سفل أو إيذاء بجرح وكذلك التهديد بقتل قريبه من ذوى أرحامه أو جرحه أو فجور به كل ذلك يعتبر إكراها.
وقال الفقهاء الشافعيون إن طلاق المكره لا يقع بشروط أن يقع التهديد بالإيذاء من شخص قادر على تنفيذ ما هدد به عادلا، وأن يعجز المكره عن دفع التهديد.
وأن يظن المكره أنه إن امتنع عن الطلاق يقع الإيذاء الذى هدد به، وأن لا يكون الإكراه بحق وأن لا يظهر من المكره نوع اختيار وأن لا ينوى الطلاق (تحفة المحتاج وحواشيها بشرح المنهاج ج - 8 ص 36 فى كتاب الطلاق) .
ويشترط الفقه الحنبلى لعدم وقوع طلاق المكره أن يكون الإكراه بغير حق، وأن يكون بما يؤلم كالقتل أو قطع اليد أو الضرب الشديد أو ضرب يسير لذى مروءة، أو أخذ مال كثير أو إخراج من الديار، أو تعذيب لولده بخلاف باقى الأقارب، وأن يكون المهدد قادرا على تنفيذ ما هدد به، وأن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع به الإيذاء المهدد به.
وأن يعجز عن دفع ما هدد به (المغنى لابن قدامه الحنبلى ج - 7 ص 315 فى كتاب الطلاق) .
ومن هذا العرض الموجز لأقوال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة فى الإكراه الذى لا يقع معه الطلاق وشروطه يظهر أن الفقه الشافعى هو الذى اتسعت فيه دائرة الإكراه، حيث يتضح من الأمثلة المضروبة فيما سبق أنهم لا يقصرون الإيذاء الواقع بالإكراه على ذات المكره فقط، بل إذا كان الإكراه بايذاء بقتل أو فجور أو قطع أو ضرب أحد عصبته أو ذوى رحمه كما مثلوا بالزنا بامرأة المكره.
وأن تلك الأمثلة بوجه عام تعنى أن فقهاء هذا المهذب قد راعوا ما نسميه الآن بالإكراه الأدبى.
لما كان ذلك وكان السائل قد قرر فى طلبه أنه أوقع الطلاق الأخير بلفظ صريح نزولا على طلب زوجته التى أقدمت على الانتحار بإلقاء نفسها من شرفة المسكن بالدور الثامن، وكان نصف جسدها فى الهواء خارج الشرفة دخل هذا الفعل منها فى باب الإكراه الأدبى لزوجها السائل.
تخريجا على الأمثلة التى ذكرها فقهاء الشافعية، لكن يلزم توافر الشروط التى اشترطها هؤلاء الفقهاء لعدم وقوع الطلاق.
وموجزها أن تكون هذه الزوجة وقت التهديد قادرة على فعل ما هددت به وأقدمت عليه فعلا وأن يكون السائل فى حالة عجز بنفسه أو باستغاثة عن منعها من الانتحار بهذا الطريق.
وأن يغلب على ظنه إصرارها على الانتحار إن لم يوقع الطلاق فى الحال.
وأن لا يظهر منه نوع اختيار كما إذا أكره على الطلاق بلفظ محدد فنطق بلفظ آخر.
وأخيرا أن لا ينوى الطلاق وقت التلفظ به حال الإكراه، بمعنى أن لا يوافق لفظه نية مستقرة فى قلبه بالطلاق.
فإذا توافرت هذه الشروط فى حال السائل فإنه يكون مكرها إكراها أدبيا، فلا يقع باللفظ الذى صدر منه فى حال إقدام زوجته على الانتحار بالكيفية الموضحة بالسؤال طلاق.
وأمر التحقق من توفر هذه الشروط متروك له شخصيا.
وعليه الإثم إن لم تكن الشروط متحققة.
أما عن الطلاق الذى قال إنه أوقعه فى حال غضب شديد، فإنه إذا كان الغضب قد بلغ به واحدا من الحالتين الموصوفتين فإن طلاقه الذى نطق به حال الغضب غير واقع، وإذ أقر به فى ورقة رسمية هى إشهاد الطلاق فلا يرفع أثره نظاما وتوثيقا إلا حكم من المحكمة المختصة.
أما إذا كانت حالة الغضب ليست فى نطاق واحدة من تلك الحالتين بل كانت فى نطاق الحالة الثالثة من حالات الغضب فإن الطلاق فيها واقع، وعليه أيضا عبء تقدير درجة غضبه بنفسه، أو بمن شاهده حال الغضب ممن يوثق بدينهم فليتق الله السائل فى تقدير ظروف الإكراه والغضب، وانطباقها فعلا على ما تقدم من بيان.
لأن الأمر متعلق بحل وحرمة عشرته لزوجته. والله سبحانه وتعالى أعلم
(2/68)
________________________________________