| فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 02 يناير 2024, 10:05 pm | |
| تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
الكتاب: فتاوى دار الإفتاء المصرية المؤلف: دار الإفتاء المصرية
المجلد: السادس [الكتاب مرقم آلياً] رؤية الله يوم القيامة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا حديثا يقول "إنكم ترون ربكم يوم القيامة " فهل هذا حديث صحيح؟
الجواب ذكرنا فى إجابة سابقة خلاف الناس فى رؤية الله فى الدنيا، وأشرنا إلى أن هناك أخبارا تؤكد جواز رؤيته فى الآخرة، وزيادة فى التأكيد نقول: جاءت فى ذلك أحاديث متفق عليها، منها حديث رواه البخارى ومسلم عن أكثر من عشرين من أكابر الصحابة منهم أبو سعيد الخدرى الذى سأل النبى صلى الله عليه وسلم " هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال "هل تضارون فى رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا" قلنا لا، قال "فإنكم لا تضارون فى رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون فى رؤيتهما، ثم ينادى مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أهل الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات -بقايا - من أهل الكتاب، وبعد إلقاء اليهود والنصارى فى جهنم يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر ينتظرون رؤية الله، فيأتيهم على غير الصورة التى رأوه أول مرة. . . . . . وعند رؤيته يسجد له كل مؤمن،ولا يستطيع من كان يسجد له رياء وسمعة. . . إلى آخر الحديث. وفى حديث آخر للبخارى ومسلم "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ". يؤخذ من هذا أن أهل الموقف جميعا يرون الله، وتكون الرؤية للمؤمنين نعيما ولغيرهم شقاء، يوضحه قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة. ووجوه يومئذ باسرة. تظن أن يفعل بها فاقرة} القيامة: 22 - 25، فإذا فرغ من الكافرين وألقى بهم فى جهنم يرى المؤمنون ربهم مرة ثانية، فقد ورد فى صحيح مسلم "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم " ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} يونس: 26، فرؤية الله فى الآخرة واقعة ولا ينبغى الجدال فيها، وعلينا أن نستعد للقائه فى جنة النعيم فذلك أولى (7/389) ________________________________________ السجود لغير الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا كان السجود لله وحده فلماذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، وكيف سجد أخوة يوسف له؟
الجواب أولا: سجود الملائكة لآدم ليس سجود عبادة، بل سجود تحية، ثانيا الذى أمر بذلك هو الله، ولابد من امتثال أمره، لكن لو أمر أحد غير الله بالسجود لغير الله حرم الأمر وحرم الامتثال، جاء فى الحديث النبوى "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" رواه الترمذى وصححه. وقال المفسرون بعد اتفاقهم على أن سجود الملائكة لآدم لم يكن سجود عبادة: إن الله أمرهم أن يضعوا جباههم على الأرض، وذلك تكريما لآدم، أو كان السجود لله ولكن القبلة هى آدم، كما يقال: صلى الإنسان للقبلة، أى إليها، وقيل: إن السجود لم يكن سجودا ماديا بأية هيئة ولكنه سجود معنوى وهو الإقرار والاعتراف بفضل آدم. ومهما يكن من شىء فإن السجود للتحية- لا للعبادة-ظل معروفا من قديم الزمان حتى زمن يعقوب عليه السلام قال تعالى عن يوسف {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجَّدا} يوسف: 100، بل بقى إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولما رأى الصحابة سجود الشجر والجمل له قالوا: نحن أولى بالسجود لك فقال: "لا ينبغى أن يُسجد إلا لله رب العالمين " وروى ابن ماجه فى سننه والبستى فى صحيحه أن معاذ بن جبل لما قدم من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ما هذا"؟ قال: يا رسول الله قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأباطرتهم وأساقفتهم، أردت أن أفعل ذلك بك، فقال "فلا تفعل فإنى لو أمرت شيئا أن يسجد لشىء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لا تؤدى المرأة حق ربها حتى تؤدى حق زوجها، حتى لو سألها نفسها وهى على قتب لم تمنعه "والقتب رحل صغير على قدر سنام الجمل. من هذا يعرف أن سجود العبادة ممنوع، وأن سجود التحية لآدم كان بأمر من الله، وسجود إخوة يوسف كان للتحية أيضا، ونهى عنه الإسلام مطلقا، حتى لو كان للتحية (7/390) ________________________________________ التنبؤات الفلكية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما موقف الإسلام من أقوال الفلكيين فى أول كل سنة عن الأحداث التى ستحصل فى الكون؟
الجواب من المعروف فى العقائد أن المستقبل غيب لا يعلمه إلا الله تعالى، كما قال سبحانه {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام: 59، وقال {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان: 34، وقال {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن: 26، 27،. وعلم الله يتميز بأمرين، أولهما الصدق واليقين بحيث لا يعتريه شك، والثانى الإحاطة والشمول فلا يغيب عن علمه شيء، وكل ما ينشر عن الفلكيين أو غيرهم أكثره استنتاج وفراسة وظن وتخمين وبراعة فى الربط بين حركات النجوم وتأثيرها على الجو حرارة وبرودة ورطوبة وجفافا وعواصف وأمطارا، وما ينتج عن ذلك من رخاء أو قحط أو قلاقل وفتن نتيجة للحالة الاقتصادية وما تؤثر فيه من الناحية السياسية والحربية والاجتماعية وما إلى ذلك. ولا شك أن الآثار والنتائج هى محصلة عدة عوامل يتفاعل بعضها مع بعض، وتنتج بشكل طبيعى نتائج مختلفة يمكن إدراكها قبل وقوعها لمن عندهم فراسة وحسن تقدير وربط بين الأسباب والمسببات. ومع ذلك فكله من باب الظنون التى لا يقطع بها، فقدرة الله وإرادته فى تصريف هذه الأسباب وفى إنتاجها للمسببات فوق كل تدبير وتقدير وحساب من البشر، قال تعالى {ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء} النور: 43،. وقال تعالى {الله الذى أرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه فى السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون. وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين} الروم: 48، 49. فالخلاصة أن هذه التنبؤات ظنية وليست قطيعة، ومن ادعى أنها قطعية فقد خالف قول الله فى علمه للغيب، وتعيين أشخاص يموتون أو يتولون مناصب أو يعزلون، كل ذلك إفراط فى التخمين يكذبه الواقع كثيرًا، ويبقى الأمر كله لله وحده، والأمثلة على ذلك كثيرة فى التاريخ "انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم، تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 282 -300" يقول الدميرى "742-808 هـ " فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى": روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابى فأمسكوا" رواه الطبرانى وأبو نعيم فى الحلية، وحسنه بعض أصحاب الأمالى عن ابن مسعود، وقال "أخاف على أمتى بعدى ثلاثا، حيف الأئمة والإيمان بالنجوم والتكذيب بالقدر" رواه ابن عبد البر وابن عساكر وهو ضعيف وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: تعلموا من النجوم ما تهتدوا به فى البحر والبر ثم أمسكوا. ويبين الدميرى سر النهى عن ذلك بعدم فتنة الناس بالنجوم، حتى لا يربطوا بينها وبين الأحداث فينسوا ربهم الذى خلق كل شيء، وبأن نتائجها ظنية لا يجوز الحكم بالظن، وبأن الاشتغال بالنجوم من هذه الناحية فضول ليست فيه فائدة تذكر، وهناك ما هو أهم منه. هكذا يقول الدميرى، وقال كثيرا غير ذلك "ج اص 15، 16 مادة الأسد " وجاء فى ذلك قول محمد بن عبد الله بن محمود الحسينى: لا شىء أجهل ممن يدعى ثقة * بحدسه ويرى فيما يرى ريبا قد يجهل المرء ما فى بيته نظرا * فكيف عنه بما فى عينه احتجبا وقول سيدنا على، أو يوسف بن عبد البر: أمنتحلى النجوم أحلتمونا * على علم أرق من الهباء علوم الأرض ما أحكمتموها * فكيف بكم إلى علم السماء وأنا أقول: إذا كان الاشتغال بعلم النجوم من أجل معرفة أسرار الكون وحسن استخدامها كما يحصل الآن من الجهود فى غزو الفضاء -كما يعبرون -فلا بأس به، بل الدين يشجعه ما دام ذلك من أجل الخير، أما سوء استخدام هذا العلم أو ادعاء معرفة الغيب على وجه اليقين فذلك ضلال لا يوافق عليه الدين (7/391) ________________________________________ القضاء والقدر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأنا فى الكتب أن محاجة حدثت بين آدم وموسى وأن آدم غلبه لأنه اعترض على قضاء الله فكيف يصح ذلك؟
الجواب روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده، أتلومنى على أمر قدر الله على قبل أن يخلقنى بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى" وجاء هذا الحديث بروايات أخرى. المراد بقوله: خط لك بيده، ألواح التوراة، والأربعون سنة هى ما بين قوله تعالى: {أنى جاعل فى الأرض خليفة} إلى نفخ الروح فيه، أو هى مدة لبثه طينا إلى أن نفخت فيه الروح. وقد تحدث شراح الحديث وكثرت أقوالهم لتوضيح الصلة بين قدر الله ومسئولية العبد وخلاصة أقوالهم ما يأتى: أنكر القدرية هذا الحديث لأنه يثبت القدر وهم لا يقولون به، إذ لو صح لاحتج كل مخالف بالقدر السابق، ولو ساغ ذلك لانسدَّ باب القصاص والحدود ولاحتج به كل أحد على ما يرتكب من الفواحش، والمثبتون للحديث ردوا عليهم، ووضحوا كيف كانت الغلبة لآدم على موسى بقولهم: (ا) إن موسى كان له مثل حال آدم حيث قتل نفسا لم يؤمر بقتلها وتاب الله عليه كما تاب على آدم، قال تعالى {وعصى آدم ربه فغوى. ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} وقال فى شأن موسى: {قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له} وليس من اللائق أن يلوم أحد غيره على حال وقع مثلها له. (ب) إن اللوم على المخالفة يكون مشروعا إذا كان قبل التوبة، أما بعدها فلا فائدة تذكر منه. (ي) إن لوم موسى لآدم كان بعد موته وانتقاله من دار التكليف إلى دار الجزاء، حيث كان لقاؤهما على أرجح الأقوال فى البرزخ بعد موت موسى، فالتقت أرواحهما فى السماء كما جزم بذلك ابن عبد البر والقابسى، وإذا كان الله قد لام آدم فى الدنيا بقوله: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} وهو أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده كما ورد، فلا يسوغ لموسى أن يؤنب آدم، والله سبحانه بكرمه لا يؤنبه بعد موته، وقد ورد أيضا النهى عن التثريب على الأَمة التى زنت وأقيم عليها الحد. هذا، ولا يجوز أن يكون هذا الحديث متكأ لمن يقترف معصية، فإذا وجه إليه اللوم يقول: هذا قدر الله، كما قال آدم، وذلك لأن من كان باقيا فى الدنيا دار التكليف تجرى عليه الأحكام من لوم وعقوبة ونحوهما. قال النووى: فى ضمن كلامه على هذا الحديث (شرح صحيح مسلم ج 16 ص 202) : ولأن اللوم على الذنب شرعى لا عقلى، وإذا تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم، فمن لامه كان محجوجا بالشرع، فإن قيل: فالعاصى منا لو قال: هذه المعصية قدرها الله عليَّ لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقا فيما قاله، فالجواب أن هذا العاصى باق فى دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفى لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن فى القول المذكور له فائدة، بل فيه إيذاء وتخجيل. والله أعلم (7/392) ________________________________________ من لم تبلغه الدعوة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال 1- ما حكم الذى ينشأ فى مجتمع كافر ولم تبلغه الدعوة الإسلامية، ولم يسمع عن شىء اسمه الإسلام،أو بلغه الإسلام ولكن بصورة مشوهة ثم مات ولم يسلم؟ . 2- ما حكم الذى يعيش فى مجتمع مسلم، ولكنه لا يعمل بالإسلام، أو يعمل بخلاف ما يريده الإسلام من الاعتقادات، وذلك عن جهل ولم يجد من يعرفه الإسلام الصحيح، وما حكم إرثه؟
الجواب لقد تحدث العلماء عمن لم تبلغهم الدعوة وعن الذين لم يدركوا نبيا سابقا أو لاحقا وهم أهل الفترة، وأطنب فى بيان حكمهم كثيرون من العلماء كإمام الحرمين فى البرهان والغزالى فى المستصفى والمنخول والرازى فى المحصول والباقلانى فى التقريب وغيرهم. وتناول حكمهم رجال الفقه والأصول والكلام، بناء على القاعدة الأساسية فى الحسن والقبح هل هما عقليان أم شرعيان، كما تحدثوا عن المؤاخذة وعدمها هل هى فى الدنيا فقط أم الدنيا والآخرة إلى آخر ما تحدثوا فيه. ومما استشهدوا به قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء:15، أى أن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا بعد الرسالة إليهم، كما قال الجمهور، وقالت فرقة: هذا عامٌّ فى الدنيا والآخرة لقوله تعالى: {كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا} الملك: 8، 9. وورد فى أهل الفترة أحاديث فى أنهم موقوفون إلى أن يمتحنوا يوم القيامة، والصحيح من هذه الأحاديث ثلاثة. إن الذى لم تبلغه الدعوة فى عصرنا هذا أمثال سكان الكهوف والأدغال والجزر النائية الذين لا يعرفون وسائل الاتصال بالعالم من حولهم، وهم قلة فى هذا الزمان الذى كثرت فيه وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها، وكثرت الرحلات وتنافس الاستعمار فى استغلال مناطق الأرض. ومن سمع بأن هناك رسولا جاء بدين اسمه الإسلام وجب عليه أن يبحث عنه إن استطاع، فإن لم يسمع أو سمع ولم يستطع البحث كان معذورا، كما قال العلماء. وقد اشترط العلماء فى لزوم الدعوة لمن بلغتهم أن تبلغهم صحيحة غير مشوهة، فإذا وصلت مشوهة كانوا معذورين فى عدم الإيمان بها، وقد نص على ذلك الإمام الغزالى فى كتابه "فيصل التفرقة" فبعد أن ذكر أن أكثر النصارى من الروم والترك فى زمانه ناجون لعدم بلوغ الدعوة إليهم، قال: بل أقول: حتى الذين بلغتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم مشوهة فعلمهم أهلوهم منذ الصبا أن كذابا مدلسا اسمه محمد ادعى النبوة كذبا فهؤلاء عندى كالصنف الأول، أى ناجون، وأما سائر الأمم الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بالتواتر ظهوره وصفاته ومعجزاته الخارقة، وعلى رأسها القرآن، وأعرضوا عنه ولم ينظروا فيما جاء فيه فهم كفار. اهـ ملخصا. وعلى هذا نقول: إن من لم تبلغه الدعوة أصلا، أو بلغته مشوهة أو بلغته صحيحة ولم يقصر فى البحث والتحرى فهو معذور، أى يرجى له عدم الخلود فى النار. أما المسلم الذى يعيش بين المسلمين ولا يعمل بالإسلام لجهله فله حالتان: الأولى: جهله بالعقيدة كوحدانية الله والبعث، أو جهله بما يعلم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والصوم وحرمة القتل والخمر، وهذا لا يعذر فى جهله، فلو ترك شيئا مما وجب عليه أو ارتكب محرما إن كان منكرا جاحدا فهو كافر، وإن كان غير منكر ولكنه متكاسل مثلا فهو غير كافر، بل مؤمن عاص. ومن حكم بكفره انقطع التوارث بينه وبين غيره من المسلمين إذا مات على ذلك، أما العاصى فإن تاب ترجى له المغفرة، وإن مات ولم يتب فأمره مفوض إلى ربه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48. أما من قصر فى غير ما علم من الدين بالضرورة لجهله به، وذلك كالمسائل الفرعية فى الفقه وبخاصة الدقيقة منها فهو معذور، وعليه أن يسعى ليتعلم. والحاصل أن الجهل نوعان: جهل لا يعذر به المسلم الذى نشأ فى مجتمع مسلم، وجهل يعذر به، الأول كالجهل بالأركان الأساسية للدين، والثانى كالجهل بالفروع التى تكون محلا لاختلاف الآراء، ومنكر الأمور الأساسية كافر، والمقصر فيها دون إنكار مؤمن عاص، ومنكر الأمور الثانية أو المقصر فيها معذور. والله أعلم (7/393) ________________________________________ مولانا وسيدنا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى قول بعض الناس للعالم يا مولانا، أو لحامل القرآن يا سيدنا؟
الجواب 1 -تحدث النووى فى كتابه "الأذكار ص 360" عن لقب المولى، فقال: يكره أن يقول المملوك لمالكه: ربى، بل يقول: سيدى. وإن شاء قال: مولاى ففى صحيحى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وَضِّئْ ربك اسق ربك، وليقل: سيدى ومولاى. .. " وفى رواية لمسلم "لا يقل أحدكم: ربى، وليقل: سيدى ومولاى". ثم قال فى ص " 361": قال الإمام أبو جعفر النحاس فى كتابه "صناعة الكتاب ": أما المولى فلا نعلم اختلافا بين العلماء أنه لا ينبغى لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاى. قلت: وقد تقدم جواز إطلاق مولاى، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فإن النحاس تكلم فى المولى- بالألف واللام - وكذا قال النحاس: يقال سيد لغير الفاسق، ولا يقال السيد - بالألف واللام - لغير الله تعالى - والأظهر أنه لا بأس بقوله: المولى والسيد: لغير الفاسق. 2 - وقال النووى فى الكتاب المذكور "ص 359" اعلم أن "السيد يطلق على الذى يفوق قومه ويرتفع قدره عليهم، يطلق على الزعيم والفاضل ويطلق على الحليم الذى لا يستفزه غضبه، ويطلق على الكريم، وعلى المالك، وعلى الزوج. وقد جاءت أحاديث كثيرة بإطلاق "سيد" على أهل الفضل، فمن ذلك ما رويناه فى صحيح البخارى عن أبى بكر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صعد بالحسن بن على رضى الله عنهما المنبر فقال "إن ابنى هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين من المسلمين " وروينا فى صحيحى البخارى ومسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضى الله عنه "قوموا إلى سيدكم أو خيركم " كذا فى-بعض الروايات "سيدكم أو خيركم " وفى بعضها "سيدكم " بغير شك وروينا فى صحيح مسلم أن سعد بن عبادة رضى الله عنه قال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله. . . الحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظروا إلى ما يقول سيدكم ". وأما ما ورد فى النهى فما رويناه بالإسناد الصحيح فى سنن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل " قال النووى: والجمع بين هذه الأحاديث: أنه لا بأس بالإطلاق: فلان سيد ويا سيدى وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلا خيِّرا، إما بعلم وإما بصلاح وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقا أو متهما فى دينه أو نحو ذلك كره أن يقال سيد، وجمع بين الأحاديث أبو سليمان الخطابى "فى معالم السنن " بنحو ذلك. والخلاصة أنه لا مانع أن يطلق الإنسان لقب مولاى أو سيدى، أو المولى أو السيد على من يستحق ذلك دينا، كالعالم والصالح ومعلم القرآن وزعيم الجماعة وغيرهم ممن ذكروا فى إطلاقات السيد. أما وصف الفاسق بذلك فمكروه، إلا إن خيف شر، أو حصول فتنة فيجوز بمعنى من المعانى البعيدة عن الدين قياسا على ما قيل فى كراهة السلام - التحية - على المبتدعين والعصاة الفاسقين، الذين روى البخارى فيهم عن عبد الله بن عمرو قوله: لا تسلموا على شربة الخمر، وقال النووى فى الأذكار ص " 354": إن اضطر إلى السلام على الظَّلمة بأن دخل عليهم، وخاف ترتب مفسدة فى دينه أو دنياه أو غيرهما إن لم يسلم -سلَّم عليهم، قال الإمام أبو بكر بن العربى: قال العلماء: يسلم وينوى أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، المعنى الله عليكم رقيب (7/394) ________________________________________
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 02 يناير 2024, 10:12 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 02 يناير 2024, 10:05 pm | |
| الوصول إلى القمر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الناس وصلوا إلى القمر، أرجو الاستدلال بآية من القرآن على أن فى مقدور الإنسان الوصول إلى القمر وإن كانت الإجابة " لا " أرجو كذلك الاستدلال بآية من القرآن، لأن القرآن به كل شيء موضح فيه؟
الجواب أقول للسيد السائل: إن الوصول إلى القمر تم بالفعل ولا مجال للشك فيه، وعلى المسلم أن يكون على صلة بالأحداث التى تجرى حوله، وألا يعيش بعقله وفكره منزويا عن العالم باستكشافاته الحديثة وإنجازاته العلمية الواسعة. والوصول إلى القمر أو إلى أى كوكب آخر من الكواكب التى يحاولون اختبار ظروفها ليس فيه ما يعارض الدين أو يكذب القرآن، فإن الله سبحانه أمر بالبحث والنظر فى ملكوت السماوات والأرض، قال تعالى: {أولم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء} الأعراف: 185. والبحث العميق يوصل إلى الإيمان القوى بالله إذا كان بحثا منصفا بعيدا عن التعصب والأهواء، ولا توجد آية ولا حديث يمنع محاولة الوصول إلى القمر. وليس فى الوصول إليه خرق للسماوات، فهو وغيره من النجوم والكواكب موجود فى السماء الأولى قال تعالى {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} الصافات: 6، ولو قرأت أقوال المختصين عن سعة الكون لعرفت أن القمر، كما عبر بعض المحدثين، ضاحية من ضواحى الأرض ليس بعيدا عنها كما يظن الناس. وقد حاول بعض الناس أن يستدل بقوله تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء} الأعراف: 40، على أنه لا يمكن اختراق السموات، وقد علمت أن القمر وما سواه موجود فى السماء الدنيا ولا يحتاج إلى اختراق، على أن المراد بعدم فتح الأبواب عدم قبول الدعاء والأعمال وعدم رفع أرواحهم إلى عليين. والقرآن يكتفى فى النواحى العلمية بتوسيع المجال للنظر والتشجيع على البحث فى الكون كله أرضه وسمائه، ولا حاجة بعد ذلك للنص على جزئيات معينة، فهى كثيرة، والقرآن دستور فقط للباحثين والعاملين فى مختلف المجالات (7/395) ________________________________________ اسم الله الأعظم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو اسم الله الأعظم الذى إذا دعى به أجاب؟
الجواب يقول الله سبحانه {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف: 180 ويقول {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} الإسراء: 110. الإنسان مخير فى أن يدعو ربه بأى اسم من أسمائه التى ذكرت فى القرآن الكريم، ويزيد عددها على التسعة والتسعين التى ذكرت فى الحديث الذى رواه الترمذى، وجاء فى فضلها حديث البخارى ومسلم " من أحصاها دخل الجنة" أى من حفظها وعمل بما فيها. وهناك من الأسماء ما هو أقرب للاستجابة عند الدعاء به، وهو اسم الله الأعظم، الذى إذا دُعى به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، والراجح من أقوال العلماء أنه مؤلف من عدة أسماء، بناء على الأحاديث الواردة فيه، فقد روى أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو ويقول: اللهم إنى أسألك بأنى أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال والذى نفسى بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذى إذا دُعِىَ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، كما رووا أيضا أنه سمع رجلا يدعو بقوله: اللهم لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام. فقال النبى صلى الله عليه وسلم لقد دعا الله باسمه الأعظم " وفى بعض الروايات أن اسم الله الأعظم موجود فى آية {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} وفى فاتحة سورة آل عمران {الله لا إله إلا هو الحى القيوم} رواه أبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح والظاهر من تعدد الروايات أن القاسم المشترك بينها هو توحيد الله سبحانه، والدعاء بالتوحيد فيه إخلاص وثقة بالله، ونفى للشريك عنه، وتقرير أنه لا يستحق أحد سواه أن يُلجأ إليه فلابد لكل دعاء أن يصحبه هذا الشعور حتى يكون فى موضع الرجاء للقبول. من هذا نرى أن اسم الله الأعظم موجود فى القرآن الكريم. على أن هناك أسماء لله لم ينزل بها قرآن ولم يثبت بها حديث، فقد جاء فى بعض أدعية النبى صلى الله عليه وسلم " أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب غمى " رواه ابن السنى عن أبى موسى الأشعرى، وذكره النووى فى كتابه " الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" (7/396) ________________________________________ وضع قدم الله فى جهنم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الله سبحانه يضع قدمه فى جهنم، وكيف يفهم هذا؟
الجواب يقول الله سبحانه {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} ق: 30 المفسرون فريقان فى قول جهنم " هل من مزيد " ففريق يقول: المعنى ليس هناك مكان لزيادة أحد على من هم فيها، فقد امتلأت، كقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه " هل ترك لنا عقيل من ربع أو منزل "يعنى ما ترك. فمعنى الكلام النفى. وفريق يقول: المعنى هل هناك أحد يزاد على من فيها، ففيها متسع لمن يلقى فيها؟ وعلى كلا المعنيين يصح أن يُنطق الله النار فتقول هذا الكلام، ويصح أن يراد بذلك التشبيه فقط، يعنى كأنها تقول ذلك. والمعنى الأول أصح. ثم جاء فى صحيحى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوى بعضها إلى بعض وتقول: قَطْ قَطْ، بعزتك وكرمك، ولا يزال فى الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة " وفى رواية " وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها، قَطْ قَطْ، فهناك تمتلئ وينزوى بعضها إلى بعض، فلا يظلم الله من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا ". فقول" قط قط " فى الرواية الأولى من جهنم، وفى الرواية الثانية من الله. يقول القرطبى: القدم هنا قوم يقدمهم الله إلى النار، وقد سبق فى علمه أنهم من أهل النار، وكذلك الرِّجل وهو العدد الكبير من الناس وغيرهم، ويبين هذا المعنى ما روى عن ابن مسعود أنه قال: ما فى النار بيت ولا سلسلة ولا مِقْمَعٌ ولا تابوت - وهى أدوات التعذيب -إلا وعليه اسم صاحبه، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذى قد عرف اسمه وصفته، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة: قط قط، حسبنا حسبنا. أى اكتفينا اكتفينا. وحينئذ تنزوى جهنم على من فيها وتنطبق، إذ لم يبق أحد ينْتظر، فعبَّر عن ذلك الجمع المنتظر بالرِّجل والقدم. لكن قال بعض العلماء: إن معنى وضع الله رجله أو قدمه فى النار إخضاعها وإسكاتها، حتى لا تطلب زيادة على من فيها، كمن يريد أن يعبر عن قهره وانتصاره على عدوه فيقول: وضعته تحت قدمى، وليس لله سبحانه قدم ولا رجل كما هو معهود للمخلوقات، فليس كمثله شىء، وإذا سكتت النار عن طلب المزيد بعث الله بخلف ليسكنهم المنازل فى الجنة، وهذا دليل على سعة رحمة الله تعالى. وخلاصة الكلام فى القدم أنه من المتشابه الذى يؤمن به السلف، فالله له قدم ورجل ويد وعين وإصبع كما ورد فى القرآن والسنة، لكن هذه الأشياء ليست كالمعهودة فى المخلوقات، أما الخلف فينفون أن لله أعضاء بالمعنى الحقيقى، والمراد منها لازمها، فالتعبير مجازى والمراد القوة والعناية والرعاية والعلم (7/397) ________________________________________ أبراج المواليد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فيما ينشر فى الصحف عن أبراج المواليد وتوقعات الأحداث لهم؟
الجواب هذه التوقعات ظنون تتخلف كثيرا، والله وحده له العلم الشامل الكامل والصادق الدقيق، كما قال سبحانه {وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان: 34. وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من التصديق والتشجيع لهذه الوسائل الكاذبة لمعرفة المستقبل، وتقدم الكلام كثيرا عن ذلك فى عنوان "علم الغيب ". وفى الحديث الذى رواه مسلم " من أتى عرافا فسأله عن شىء فصدقه لم تُقبل له صلاة أربعين يوما " والعراف كما قال البغوى: هو الذى يدَّعى معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها، وقيل: هو الكاهن الذى يخبر عن بعض المضمرات فيصيب بعضها ويخطئ أكثرها ويزعم أن الجن تخبره بذلك، وقد جاء فى الكاهن حديث "من أتى كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أُنزل على محمد " رواه البزار بإسناد جيد قوى، والذى أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو حصر علم الغيب فى الله تعالى. وما ينشر فى الصحف من الطوالع وحظوظ أصحابها يطلق عليه اسم التنجيم، وجاء فيه حديث أبى داود وابن ماجه وغيرهما " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد" قال الحافظ: والمنهى عنه من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية فى مستقبل الزمن كمجىء المطر وهبوب الريح وتغير الأسعار ونحو ذلك، ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها فى بعض الأزمان، وهذا علم استأثر الله به، لا يعلمه أحد غيره، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم والذى يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى من الليل والنهار وكم بقى فإنه غير داخل فى النهى. قال العلماء: من صدَّق هذه الطوالع واعتقد أنها تضر وتنفع بدون إذن الله، أو أن غير الله يعلم الغيب فهو كافر. ومن آمن بأنها ظنية ولم يعتقد أنها تضر وتنفع فهو مؤمن عاص ينقص ذلك من حسناته. وفى ذلك يقول الحديث الذى رواه الطبرانى " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أُنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدق له لم تُقبل نه صلاه أربعين ليلة" والمداومة على قراءه هذه الطوالع قد تجر إلى أنها اطلاع حقيقى على الغيب الخاص بالله تعالى، وهو حرام (7/398) ________________________________________ داروين وأصل الإنسان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى قول بعض الناس: إن أصل الإنسان قرد؟
الجواب جاء " شارل داروين" الإنجليزى المتوفى سنة 1882 م بعد "لامارك " الفرنسى المتوفى سنة 1829 م بمذهبه فى أصل الخليقة الذى أثار ضجة فى الأوساط العلمية عندما ظهر كتابه " أصل الأنواع " سنة 1859م وكتابه " تسلسل الأنواع " سنة 1871م وهو يشتمل على ثلاث مسائل، خلاصتها أن العالم نشأ بالترقى والتطور، والإنسان كذلك حدث بهذه الطريقة، وأنه لمشابهته للقرد لا يمنع أن يكون قد اشتق هو والإنسان من أصل واحد، وكذلك قال: إن العقل والحياة ظاهرتان ترجعان إلى المادة. إن " داروين " لم يقم دليلا كافيا على كلامه، وإنما هو مجرد افتراض واحتمال، واعتمد فى افتراضه على تطوير نوع من الزهور والنباتات، غير شكلها ولم يغير جوهرها، ولم ينجح فى شىء من عالم الحيوان. يقول " س. فان هو فنسفيلت " فى تفنيد هذه النظرية: إن النتائج التى وصل إليها الباحثون فى الأحياء المتحجرة لم تساعد على إقامة أى دليل على التسلسل أو التطور التدريجى، بل ثبت على عكس ذلك أن الفروق الدقيقة بين صفوف الأجناس التى نعرفها بقيت على الدوام فاغرة ولم تتلاش أو تقرب من ذلك. إن الأجدر بالإنسان ألا يجهد نفسه كثيرا فى محاولة الوصول إلى معرفة خلق الإنسان، إذ أن الصانع وحده هو الذى يعرف حقيقة ما صنع، وأما المصنوع فلا يصل ولن يصل إلى إدراك كيفية وجوده وخلقه، وما يعرفه من ذلك قليل. إن الكلام فى هذا الموضوع طويل، وما قاله " داروين " مجرد احتمال، فإن أنكر أن الله هو الخالق الحقيقى فهو ملحد من ملاحدة الماديين، وقد رد عليه كثيرون من علماء الطبيعة، ونحن كمسلمين نؤمن بأن الله خلق آدم من طين ومن حمأ مسنون ومن صلصال كالفخار ومن ماء. وورد أن الله خلق الإنسان نوعا مستقلا، لا بطريق النشوء والاشتقاق من نوع آخر، وإن كان كلا الأمرين من الجائز العقلى الذى يدخل تحت قدرة الله تعالى، قال بعض العلماء: إنه لا يوجد فى النصوص أن الله خلق الإنسان الأول من تراب دفعة واحدة، أو بتكوين متمهل على انفراده، فسبيل ذلك التوقف وعدم الجزم بأحد الأمرين، حتى يقوم الدليل القاطع عليه، فنعتقده ما دام أن الذى فعل ذلك كله هو الله تعالى، ثم إن النواميس المذكورة فى مذهب " داروين " ظواهر واضحة فى الكون، ولا حرج فى اعتقادها ما دام أن الله هو الذى خلقها ووجهها، فهى لا تحقق وجودها من نفسها {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شىء} الأنعام: 102، فهو خالق المادة والنواميس. هذا، وقد سبق شرح الحديث الشريف: "إن الله خلق آدم على صورته" رواه البخارى ومسلم، وذكرنا أن بعض الأقوال تفسره بأن الله خلق آدم على صورته التى هو عليها لم ينتقل فى النشأة أحوالا، ولا تردد فى الأرحام أطوارا كذريته، بل خلقه رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح، وكان على أحسن صورة كما قال سبحانه: {لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم} التين: 4، فيرجع إليه لتكتمل الصورة فى فهم هذا الحديث (المجلد الأول صفحة 650) ويمكن الرجوع إلى " مجلة الأزهر- المجلد الثانى - صفحة 749، وكتابى دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة، وكتاب الجواب الإلهى أو الإسلام أمام العلم والفلسفة للشيخ نديم الجسر " (7/399) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 02 يناير 2024, 10:08 pm | |
| إله واحد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قال الله تعالى {وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله} الزخرف: 84، فهل يفيد ظاهر الآية تعدد الآلهة؟
الجواب ليس المعنى أن هناك إلهين، واحدا فى السماء وواحدا فى الأرض، لأن تعدد الآلهة ممنوع، والإسلام دين التوحيد الخالص، والنصوص فى ذلك كثيرة، وهو سبحانه القائل {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} المؤمنون: 91، والقائل {قل هو الله أحد} الإخلاص: اوإنما المعنى فى الآية الواردة فى السؤال أن الألوهية ثابتة لله فى السماوات وفى الأرض، أى فى الكون كله. ونفى التعدد مصحوب بالدليل وهو فساد الكون، بسبب تنازع الآلهة، كلٌّ يزعم أنه الأحق بالألوهية، وحتى لو اتفقا فما هو الداعى إلى الإله الثانى المعطل عن مجال تصرف الإله الأول، والاستدلال المنطقى موجود فى كتب التوحيد (7/400) ________________________________________ ليس كمثله شىء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال وردت بعض النصوص التى تثبت أن لله يدا ورجلا، نريد بيانا للمراد منها؟
الجواب وردت نصوص فى الكتاب والسنة تثبت أن لله عينا ويدا ورجلا، مثل قوله تعالى {ولتصنع على عينى} طه: 39، وقوله {يد الله فوق أيديهم} الفتح: 10، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد. حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط قط ". وقوله " الحجر الأسود يمين الله تعالى فى الأرض يصافح بها من شاء من خلقه " رواه الطبرانى وابن خزيمة فى صحيحه، وقوله " رأيت ربى فى أحسن صورة ووضع يده بين كتفى حتى وجدت برد أنامله بين ثندوتى" أى ثديى رواه الطبرانى والترمذى وقال: حسن غريب. وقوله فى الحديث القدسى عن الله سبحانه "ومن أتانى يمشى أتيته هرولة" رواه البخارى. والعلماء إزاء هذه النصوص فريقان مع اتفاقهم على أن الله سبحانه ليس كمثله شىء، فريق يطلق عليه اسم السلف وفريق يطلق عليه اسم الخلف، والسلف يؤمنون بدلالة هذه الألفاظ على معانيها الحقيقية الموضوعة لها فى اللغة العربية، فيثبتون لله عينا ويدا ورجلا ولكنها ليست كأعيننا وأيدينا وأرجلنا لاستحالة التشابه بينه وبين المخلوقات، والخلف يؤولون هذه الألفاظ التى جاءت على أصول اللغة العربية بما فيها من حقيقة ومجاز، فيريدون بالعيون لازمها وهو العناية والعلم، وباليد لازمها وهو القدرة والإنعام، وبالرجل والقدم القدرة والسرعة وزيادة الفضل والكرم. وهذه الألفاظ من المتشابه الذى نزل به القرآن وقال عنه {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} آل عمران: 7، فالسلف يقفون على {الله} والخلف يصلون ولا يقفون: أى يعطفون {الراسخون} على لفظ {الله} أما السلف فيجعلون الواو للاستئتاف لا للعطف. وفى هذين الموقفين جاءت العبارة: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم (7/401) ________________________________________ المشيئة الربانية والعقل والهدى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى قوله تعالى: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} السجدة: 13؟
الجواب أبسط تفسير لهذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قادر مريد لو شاء أن يجعل كل الأنفس الحية من إنس وجن وغيرهما مؤمنة مطيعة لفعل. وذلك بأن يخلقهم من مادة أو عنصر لا يكون منه الكفر والعصيان،كالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لأنهم خلقوا من نور، ولكنه سبحانه وتعالى قدر أن تكون هناك مخلوقات قابلة للإيمان والكفر، يصدر منها الطاعة والعصيان وذلك بمحض إرادتها واختيارها، دون تدخل من الله سبحانه، إلا بمجرد الأمر والنهى وبيان الخير والشر. فمن آمن وأطاع أدخله الجنة، ومن كفر وعصى أدخله النار، وذلك بعد الحساب الدقيق على ما قدموا فى دنياهم، وهذه المخلوقات الحرة المختارة لما تفعل هى الإنس والجن. ولا يجوز أن نفهم من هذه الآية أن الله هو الذى تحكم فينا فجعل منا المؤمن والكافر وقد أراد لنا ذلك فكيف يعذبنا على ما اقترفنا. نعم إن الله هو الذى خلقنا على هذا الطراز وبالاستعداد للإيمان والكفر، ولكن بمحض إرادتنا نحن واختيارنا لما وقع منا: {هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} التغابن: 2، {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} الإنسان: 2، {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الكهف: 29. ولو فرض أن الله هدى كل نفس للإيمان ما كان هناك معنى لاستحقاق الجنة حيث لا يكون عمل من هذه النفس بل هو عمل الله وما كان هناك معنى لإرسال الرسل لهداية الناس إلى الخير، فنظام الحياة الدنيا لا يصلح له إلا من يتأتى منه أن يقول: نعم وأن يقول: لا، وذلك هو الإنس والجن بما منحوا من عقل وحرية واختيار، وبما جاءهم من وحى يرشد إلى الصواب. والموضوع فيه كلام طويل للعلماء عن مذهب الجبرية والقدرية، فيرجع إليه فى كتب التوحيد (7/402) ________________________________________ سب الديك
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فيمن يسبون الديك أو أى شىء آخر بدل أن يسبوا الدين؟
الجواب يجرى على ألسنة بعض الفساق عبارة سب الدين، وذلك رِدة وكفر لها حكمها، وأحيانا يقول الشخص "يلعن ديك أمك " وحكمه أنه إذا كانت نيتة سب الدين ولكن يتستر بلفظ الديك حتى لا يؤاخذه أحد عليه فهو مرتد عند الله سبحانه، لأن الإنسان يحاسب عند ربه بحسب نيته، أما بالنسبة لنا فلا نحكم عليه بالردة، لأننا مأمورون بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر. وأحذر هؤلاء من هذه العبارة التى لو تعودوها فقد يصرحون بسب الدين وهنا يكون الكفر، مع أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الديك فقال: "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة" وفى لفظ "فإنه يدعو إلى الصلاة" رواه أحمد وابو داود وابن ماجه باسناد جيد (7/403) ________________________________________ ويعلم ما فى الأرحام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال استطاع العلم الحديث أن يعرف نوع الجنين إن كان ذكرا أو أنثى، فهل يتعارض ذلك مع قول الله تعالى {ويعلم ما فى الأرحام}
الجواب يقول الله تعالى {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شىء عنده بمقدار، الرعد: 8، ويقول {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام} لقمان: 34. لا يتنافى علم البشر بنوع الجنين فى بطن أمه مع علم الله بما فى الأرحام، وذلك لأربعة أمور، أولها أن الله يعلم ذلك قبل أن يتخلق الجنين، أى قبل أن تتلقح بويضة الأنثى بماء الذكر، إلى أن يولد، بل قبل أن يكون هناك الزواج بين الرجل والمرأة، والطب لا يعرف ذلك إلا بعد إخصاب البويضة بزمن يمكنهم فيه الفحص والاستدلال، وما يقال: انهم يعرفون ذلك قبل الإخصاب بفحص ماء الرجل ومعرفة الكروموسومات الغالبة فيه، فإن هناك عوامل أخرى لا يستطيع العلم التحكم فيها، وكلها تحت إرادة الله سبحانه، وما يستنبطونه مقدما فهو لا يعدو مرحلة الظن والتخمين. ثانيها: أن علم الله بنوع الجنين علم حقيقى لا يتخلف، وعلم العلماء بذلك علم ظنى قد يتخلف، وبخاصة فى الأيام الأولى للحمل. ثالثها: أن علم الله بالجنين علم شامل لنوعه ورزقه وأجله وسعادته وشقائه، وذلك غير مستطاع إلا لله سبحانه تعالى، الذى قدر كل شىء قبل أن يخلقه. رابعها: أن علم الله لا يسبقه جهل، وعلم غيره مسبوق بالجهل. وبهذه الأمور وغيرها يظل علم الله سبحانه فى قدسيته وشموله وصدقه لا يدانيه فيه مخلوق من مخلوقاته. قال تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام: 59 وقد بين الحديث هذه المفاتح بقوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة ... } كما رواه البخارى فعلمها قاصر عليه وحده "لا يعلمها إلا هو وذلك على الوجه الميين فيما تقدم (7/404) ________________________________________ إنزال المطر الصناعى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال توصل بعض العلماء إلى إنزال مطر صناعى، فهل يتنافى ذلك مع قول الله تعالى "وينزل الغيث "؟
الجواب كلنا يعلم أن تكاثف بخار الماء الموجود فى السحاب أو فى الجو عامة يحدث لعوامل، فينزل المطر أو الندى، وليس فى ذلك مشاركة لقوله تعالى: {وينزل الغيث} لقمان: 34، لأن تكوُّن السحاب وامتلاء الجو ببخار الماء على هذا النطاق الواسع هو صنع الله بالوسائط الذى خلقها، فهو الخالق للبخار ولحرارة الشمس والمتحكم فى برودة الجو، وكذلك فى الرياح وسوقها للسحاب وبقدرته أن يتحكم فيها فلا تنتج أثرا، كما قال سبحانه {ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء} النور: 43. إن العمليات التى يحاول بها بعض الناس إسقاط المطر من السحاب لها نظائر فى نطاق ضيق، فى عمليات فصل الملح عن الماء ليصير عذبا، فهى تدور على التبخير والتكثيف، كما يحدث فى الأنبيق الذى تستخرج به العطور، وليس عملهم هذا تدخلا فى صنع الله، بل هو تصرف واستخدام للمادة التى خلقها الله، ولا يمكن لأحد أن يخلق الحرارة أو البرودة أو الماء بوسائط أو مواد غير ما أوجده الله فى الكون. ومع ذلك فالمحاولات لا تغنى، لأن كثيرا من بلاد هؤلاء العلماء تشكو الجفاف وقلة الماء وهلاك الزرع والحيوان، فلو أمكنهم التحكم فى المطر والماء والريح كما يتحكم الله ليغاثوا من القحط ما سكتوا، فقدرة الله فوق قدرتهم، وإرادة الله فوق إرادتهم، كما أن مداواة المريض بمواد خلقها الله لا تبرر إسناد الشفاء الحقيقى إلى غير الله. وإلى جانب عجزهم عن الإغاثة من القحط، عجزوا عن دفع ما يقع من العواصف والصواعق والسيول والزلازل والبراكين على بلاد المتحضرين المزهوين بعلومهم واختراعاتهم، كل ذلك يزيدنا إيمانا بقوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد.وما ذلك على الله بعزيز} فاطر: 15 -17 (7/405) ________________________________________ من أيام الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك تعارض بين الآيتين الكريمتين قال تعالى {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} الحج: 47 وقال تعالى {تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} المعارج: 4؟
الجواب أما الآية الأولى ففى تفسير اليوم رأيان: 1 - أنه من الأيام التى خلق الله فيها السموات والأرض، كما روى عن ابن عباس ومجاهد. 2 -أنه من أيام الآخرة، بمعنى أن يوما من الخوف والشدة فى الآخرة أو فى النعيم كألف سنة عن سنى الدنيا. وأما الآية الثانية ففى تفسير المعارج ثلاثة أقوال: 1 - المعارج هى الرتب الخاصة بعظمة الله وعلوه ومراتب نعمه كما قال ابن عباس وقتادة. 2 -معارج السماء هى درجاتها أو مصاعدها، لأن الملائكة تعرج إلى السماء كما قال مجاهد. 3-المعارج هى الغرف التى جعلها الله لأوليائه فى الجنة. والملائكة تعرج إلى أمكنتها فى السماء، أو إلى عرش الله فى وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة قال وهب: ما بين أسفل الأرض إلى العرش مسيرة خمسين ألف سنة وهو قول مجاهد، وجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى {فى يوم كان مقداره ألف سنة} السجدة: 5، فقال: قوله فى سورة المعارج هو من منتهى أمره من أسفل الأرض إلى منتهى أمره من فوق السموات خمسون ألف سنة، وقوله فى سورة السجدة، يعنى بذلك نزول الأمر من السماء الدنيا إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء فى يوم واحد، فذلك مقدار ألف سنة، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فالصعود والهبوط يساوى ألف سنة. وقيل المراد يوم القيامة، أى مقدار الحكم فيه لو تولاه مخلوق خمسون ألف سنة، قال عكرمة. وقيل يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ثم يدخلون النار للاستقرار كما قال ابن عباس. يقول القرطبى: وهذا القول أحسن ما قيل فى الآية، واستدل بحديث قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم عنه "والذي نفسى بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا" رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان فى صحيحه كما استدل بحديث "ما من رجل لم يؤد زكاة ماله إلا جعل الله شجاعا من نار تكوى به جبهته وظهره وجنباه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقض الله بين الناس " رواه البخارى ومسلم ويؤيده ما قيل -وروى مرفوعا -أن زمن حساب المؤمن ما بين الظهر والعصر ليكون فى الجنة مستقرا وأحسن مقيلا. وعن ابن عباس: هى أيام سماها الله وهو أعلم بها كيف تكون. وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم. وقيل: المراد بالخمسين التمثيل لبيان طول المدة فى الموقف، كعادة العرب فى وصف أيام الشدة بالطول وأيام الفرح بالقصر. هذا، وقد جاء فى تعليق اللجنة العلمية بالمنتخب فى تفسير القراَن الكريم الذى أصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية "ص 495 " ما نصه. يسبق القرآن بهذه الآية الكريمة -كألف سنة - ركب العلم بتقرير أن الزمن نسبى، وأن فكرة الزمن العالمى المطلق الذى كان يسلم به الأقدمون قبل ظهور النسبية هى فكرة خاطئة. وبعد فهذا بعض ما قيل فى التوفيق بين المدد المختلفة لليوم الذى عند الله، والآراء مختلفة، وما نسب إلى ابن عباس، من أنه يكل علمها إلى الله هو فى رأيى أحسن، لأنه ترف ذهنى وانشغال بما لا طائل تحته في حياتنا الحاضرة وإن كنا نعمل الحساب ليوم القيامة لما فيه من الشدة والهول (7/406) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 02 يناير 2024, 10:08 pm | |
| الإيمان كسبى أو وهبى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الإيمان كسبى للإنسان دخل فيه أم وهبى لا دخل للإنسان فيه؟
الجواب الإيمان هو التصديق بالقلب بما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم وهذا التصديق أو الاعتقاد إن صدق دفع الإنسان إلى العمل واستقام سلوكه، وكل عمل بدون إيمان لا قيمة له عند الله، كعمل المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا. والإيمان المجرد من العمل إيمان ناقص، كجذر الشجرة التى ليس لها فروع ولا ثمار، أما الإيمان الذى يتبعه عمل فهو إيمان كامل مع التفاوت فى الكمال، كالشجرة المورقة المثمرة {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} الأنفال: 2-4. والإسلام يحب من المؤمن أن يكون إيمانه كاملا بالطاعات ليسعد فى دنياه وأخراه ولا يحب منه أن يكون ناقص الإيمان لتعرضه لعقاب الله على المعاصى إن لم يتب عليه ويغفر له. والهداية إلى الإيمان التصديقى والإيمان العملى القائم عليه هى توفيق من الله سبحانه، لكن لكل شىء سبب، فعلى الإنسان أن يسعى إليه ويجتهد فى تحصيله، والله يهديه إلى ما يريد، أما بدون سعى ورغبة فلا يستحق من الله هداية، فإذا قال الله تعالى {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص: 56 فالمعنى أن التوفيق للإيمان والطاعة لا يملكه إلا الله، يعطيه لمن سلك السبيل إليه، والرسول لا يعطى هذا التوفيق، فما عليه إلا الدلالة عليه، وهى المرادة بالهدى إذا نسب إليه فى مثل قوله تعالى {ولكل قوم هاد} الرعد: 7 والله يهدى الناس السبيل ببيان طريق الخير وطريق الشر، ومن أخذ الأسباب لسلوك طريق الخير هداه الله أى وفقه، ومن أخذ الأسباب لسلوك طريق الشر أضله الله، كما قال سبحانه {وما يضل به إلا الفاسقين} البقرة: 26. فالإيمان كسبى ووهبى، كسبى بسلوك السبيل إليه، ووهبي بتوفيق الله له،إن صدقت نيته، وقانون الحياة قائم على الأسباب والمسببات، تحت مشيئة الله سبحانه {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} التكوير: 29 {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل} يونس: 108 (7/407) ________________________________________ أسماء الله الحسنى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن من حفظ أسماء الله الحسنى دخل الجنة حتى لو كان عاصيا وكم عددها، وما الفرق بينها وبين الصفات؟
الجواب جاء فى كتاب "الأذكار" للإمام النووى "ص 104 " أن الله سبحانه قال {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف: 180 وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن لله تسعة وتسعين اسما "مائة إلا واحدا" من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر" ثم ذكر الأسماء. وقال إن الحديث رواه البخارى ومسلم، أما الأسماء فرواها الترمذى وغيره بسند حسن. ومعنى أحصاها حفظها كما فسره البخارى والأكثرون، ويؤيده أن فى رواية فى الصحيح "من حفظها دخل الجنة" وقيل: معناه من عرف معانيها وآمن بها، وقيل معناه: من أطاقها بحسن الرعاية لها، وتخلق بما يمكنه من العمل بمعانيها. وجاء فى شرحه لصحيح مسلم "ج 17 ص 5" أن العلماء اتفقواعلى أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بأحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء فى الحديث الآخر: "أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك " وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربى المالكى عن بعضهم أنه قال: لله تعالى ألف اسم. قال ابن العربى، وهذا قليل فيها. وجاء فى تفسير القرطبى للآية المذكورة الإشارة إلى العلاقة بين الاسم والمسمى والفرق بين الاسم والصفة، وأحال توضيح ذلك إلى تأليفه الخاص عن شرح أسماء الله الحسنى ثم قال: الذى يذهب إليه أهل الحق أن الاسم هو المسمى أو صفة له تتعلق به، وذكر أن الأسماء فى الآية تعنى التسميات، لأن الله واحد والأسماء جمع، وقال القاضى أبو بكر فى كتاب التمهيد عن أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين: إنها عبارات عن كون الله تعالى على أوصاف شتى، منها ما يستحقه لنفسه، ومنها ما يستحقه لصفة تتعلق به، وأسماؤه العائدة إلى نفسه هى هو، وما تعلق بصفة له فهى أسماء له، ومنها صفات لذاته، ومنها صفات أفعال، وهذا تأويل قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} أى التسميات الحسنى. هذا، وعلماء الكلام قالوا: تسمية الله بالأسماء توقيفية، أى يتوقف إطلاقها على الإذن فيه، وذلك للاحتياط،احترازا عما يوهم باطلا، لعظم الخطر فى ذلك، جاء ذلك فى كتاب "المواقف" للإيجى وشرح معانى هذه الأسماء، فيرجع إليه. لعل فى هذه الكلمة الموجزة ما يكفى للإجابة على السؤال، وكتب التوحيد والتفسير فيها متسع لمن أراد الاستزادة والمهم هو العمل بمقتضى الإيمان بهذه الأسماء وليس الاكتفاء بحفظها أو حصر عددها، فالعلم للعمل وليس لمجرد الحفظ (7/408) ________________________________________ كلام الله للبشر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل كلَّم الله تعالى عبد الله بن حرام بدون حجاب، وهل يتناقض ذلك مع قوله تعالى {وما كان لبشر أن يكلِّمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} الشورى: 51؟
الجواب عبد الله هذا هو عبد الله بن عمرو بن حرام، استشهد يوم أحد. وروى البخارى أن ابنه جابرا بكاه شديدا، ونهاه الصحابة ولكن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن البكاء، ولكن قال "ما تبكيه وما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع". وروى أبو بكر بن مردويه البيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما استشهد عبد الله قال لابنه جابر "مالى أراك مهتما"؟ قال: يا رسول الله استشهد أبى وترك دَيْنا وعيالا، فقال "ألا أخبرك؟ ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كِفاحا -قال عليُّ: الكفاح: المواجهة- فقال: سلنى أعطك، قال: أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال الرب عز وجل: إنه سبق القول منى أنهم إليها لا يرجعون. قال: أى رب فأبلغ من ورائى، فأنزل الله {ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: 169. وفى رواية للبيهقى قال النبى صلى الله عليه وسلم لجابر "شعرت أن الله أحيا أباك فقال: تمن علىَّ عبدى أعطكه " "أسد الغابة مجلد 3 ص 347، تفسير ابن كثير مجلد 2 ص 140، 141 ". وآية {وما كان لبشر أن يكلِّمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء} سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم "إن موسى لم ينظر إليه ". ومعنى "وحيا" نفثا فى القلب فيكون إلهاما، ومنه حديث "إن روح القدس نفث فى رُوعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب " جاء بعبارات متقاربة رواها الحاكم وغيره، ومن وراء حجاب كما كلم موسى، وإرسال الرسول هو جبريل يكلم الأنبياء. وحصر كلام الله لغيره فى هذه الأحوال الثلاثة هو فى كلامه فى الدنيا للبشر، أما فى الآخرة فلا مانع أن يكون كلامه لهم مباشرة وكفاحا أى مواجهة، كما حصل مع عبد الله بن عمرو بن حرام، وكما يحصل من كلام الله سبحانه لأهل الجنة حين يقول لهم: "أرضيتم عنى"؟ فليس هناك تناقض بين الآية وكلام ابن حرام (7/409) ________________________________________ الأجل محدود
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا قتل الإنسان فهل يعتبر موته قبل استيفاء العمر الذى قدره الله له؟
الجواب فى كتب التوحيد هذه العبارة "والمقتول ميت بأجله" فالله سبحانه قدَّر له هذا الأجل وعلم أن سبب موته هو القتل، فالعمر محدود غير متغير فى علم الله تعالى، وما يظهر للملائكة هو أن الإنسان لو وصل رحمه مثلا طال عمره كما جاء فى الحديث، ولا يعلمون إن كان سيصل رحمه أو لا، والذى يعلم ذلك يقينا هو الله وحده (7/410) ________________________________________ أحسن الخالقين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول الله تعالى {فتبارك الله أحسن الخالقين} المؤمنون: 14 فهل هناك خالقون غير الله وهو أحسنهم؟
الجواب كان المشركون يزعمون أن الأصنام شركاء لله فى الخلق وفى كل شىء، فتحداهم الله بآيات كثيرة بينت أنهم عاجزون لا يضرون ولا ينفعون، وعبر عنهم بصيغة العقلاء على زعمهم. ومع اعترافهم بأنه لا يقدر على خلق السماوات والأرض وعلى خلق الإنسان إلا الله كما قال سبحانه {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} الزمر: 38. وكما قال: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} الزخرف: 9 وكما قال {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون} الزخرف: 87 مع اعترافهم بهذا كانوا ينسبون إلى الأصنام بعض الأعمال ويتقربون إليها بالقرابين لتستجيب لما يطلبون. وذكر الله الآية التى فى السؤال بعد ذكر خلق الإنسان فى الأطوار المعروفة، وعبر بأحسن الخالقين، وهذه الصيغة المفيدة للتفضيل تبدو منها مشاركة الأصنام لله فى الخلق وهو سبحانه يزيد عليهم ويفضلهم، لكن صيغة التفضيل تأتى أحيانا من غير أن تفيد مشاركة بين المفضل والمفضل عليه، وقد مثَّل علماء النحو لذلك بقولهم: العسل أحلى من البصل، فهما لا يشتركان أصلا فى الحلاوة حتى يكون العسل أحلى، وإنما المعنى: العسل فى بابه ونوعه أحلى من البصل فى بابه ونوعه. وتفيد صيغة أحسن الخالقين أيضا أنه يوجد خالق غير الله، أى فاعل أى شىء ومبتكر لأى شىء ليس له مثال سابق، لكن خلق الله وإبداع صنعته وانفراده بأشياء لا يقدر عليها غيره تجعله أفضل الخالقين. وبعد، فإن فى مرونة اللغة العربية من حيث معانى الألفاظ ودلالة الأساليب ما يجعل هذا التعبير مستساغا ومقبولا بالمعنى اللائق لكل من يوصف به، فكما يقال مثلا: الله رب العالمين، يقال للمالك للعبد رب العبد، وللمالك لأى شىء ربه، كما يطلق الرب على المربى (7/411) ________________________________________ دارون وأصل الإنسان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى النظرية التى تقول: إن الإنسان أصله قرد ترقَّى وتطور حتى صار على الشكل الذى نعرفه الآن؟
الجواب فى القرن التاسع عشر الميلادى، الذى ظهرت فيه نزعة الثورة على الكنيسة والأفكار والآراء الدينية السائدة، برز جماعة منهم "لا مارك" الفرنسى المتوفى سنة 1829 م "واغوست ايرينوس" المتوفى سنة 1927 م و "تشارلس دارون" الإنجليزى المتوفى سنة 1882 م والذى أثار ضجة فى العالم عندما ظهر كتابه "أصل الأنواع" سنة 1859 م وكتابه "تسلسل الأنواع" سنة 1871 م، وهو يشتمل على ثلاث مسائل: أ- أن طريق حدوث تنوعات العالم هو النشوء، أى أن أجزاء الأثير تكون منها السديم ثم الشمس، ثم انفصلت عنها الكواكب، ومنه أرضنا، ثم تكونت العناصر ثم المعادن ثم المكون الأول الحى "البروتوبلازم" الذى أخذ فى التوالد والترقى حتى بلغ أدنى نبات أو حيوان، ولم يزل هذان يترقيان بالنواميس الأربعة "التباينات، الوراثة، تنازع البقاء، الانتخاب الطبيعى" ويشتق من الأنواع أنواع حتى تكونت جميع الأنواع التى نراها اليوم. ب- أن الإنسان ما هو إلا حيوان من جملة الحيوانات، حادث بطريق النشوء والارتقاء،وأنه لمشابهته القرد لا يمنع أن يكون قد اشتق هو وإياه من أصل واحد. ج- أن الحياة وعقل الإنسان ما هما إلا ظاهرتان من ظواهر تفاعل أجزاء المادة، وإن يكن أصل المادة خاليا من الحياة والإدراك، وأن عقل الإنسان لا يختلف عن عقول الحيوانات إلا بالكم، ولا يخالفها فى الذات والحقيقة. إن هذه الدعاوى لم يستطع "دارون" ومن ساروا فى ركابه أن يبرهنوا عليها بالأدلة الكافية، فهى ما تزال افتراضات قابلة للصدق والكذب، وأكثر اعتمادهم فى ذلك على تطوير نوع من الزهور والنباتات، غيَّروا شكلها ولم يغيروا جوهرها، ولم ينجحوا فى شىء من عالم الحيوان، ولكنهم قالوا: يجوز أن يكون الإنسان متطورا عن حيوان قبله وهو القرد. ويشرح "لا مارك" ذلك بقوله: إن الكائن الحى يشعر من تغير الأحوال عليه بضرورة حدوث عضو جديد له، فيفعل للحصول على ذلك، فيحدث فى آحاده يسيرا يسيرا، كالزرافة، فقد كانت فى زعمه كسائر الحيوانات - ذات عنق قصير، ولكنها لما احتاجت إلى أكل الأشجار العالية صارت تتفعل لذلك وتشرئب لتنال الورق العالى، فطالت عنقها يسيرا يسيرا، حتى وصلت إلى ما هى عليه الآن، فالحاجة هى التى تنشىء الأعضاء الجديدة عند لا مارك ولكن دارون يقول: إن الصدفة أو الاتفاق هو الذى ينشئها. لقد قام جماعة من المفكرين بالرد على نظرية دارون فقال "س. فان هو فنسفيلت" إن النتائج التى وصل إليها الباحثون فى الأحياء المتحجرة لم تساعد على إقامة أى دليل على التسلسل أو التطور التدريجى بل ثبت على عكس ذلك أن الفروق الدقيقة بين صفوف الأجناس. التى نعرفها بقيت على الدوام فاغرة ولم تتلاش أو تقرب من ذلك. وقال "جوستاف جوليه" الأستاذ فى السوربون: إن العقبات التى يرتطم بها مذهب النشوء والارتقاء تنحصر فى خمسة أمور: ا- أن العوامل التى يقوم عليها هذا المذهب قد ظهر عجزها فى تعليل أصل الأنواع. ب- تبين عدم كفايتها لتعليل وجود الحشرات. ج- تبين عدم غنائها فى تفسير التحولات الفجائية المولدة لأنواع جديدة. د- اتضح قصورها عن تعليل تولد طبائع الأنواع الجديدة وثبوتها نهائيا، وقد ثبت أنها متى تولدت فيها بسرعة تبقى ثابتة لا تتغير. هـ- ثبت عجزها عن تفسير عوامل التطور الذى تدخل فيه الكائنات فتحولها من حالة ساذجة إلى حالة مركبة، وتدفعها من النقص إلى الكمال. هذه هى نظرية دارون الافتراضية، وذلك بعض ما ردَّها به علماؤهم، أما رأى الدين فيها فيتضح مما يلى: 1- قولهم إن المخلوقات خلقت عشوائيا بغير تدبير سابق وعلم محكم يرده قول الله سبحانه: {إنا كل شىء خلقناه بقدر} القمر: 49 وقوله {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل شىء موزون} الحجر: 19. 2 - قولهم إن الإنسان ليس له خالق، يرده قول الله تعالى: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} النحل: 4 وقوله {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} ق: 16 وقوله: {هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه} لقمان: 11 وغير ذلك من الآيات الكثيرة. 3- قولهم إن البقاء للأقوى والكوارث هى سبب هلاك المخلوقات الضيفة، مردود بأن الله يهلك الأقوياء كما يهلك الضعفاء {إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا} آل عمران: 10 {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد} آل عمران: 12. 4- ادِّعاؤهم معرفة كيف نشأت الأحياء على الأرض، يرده قول الله تعالى: {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم} الكهف: 51. 5- ادعاؤهم أن الطيور والحشرات لا تفهم يرده قول الله سبحانه {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير} النمل: 16. 6- ادعاؤهم أن الطير أقل تطورا من الثدييات والإنسان يرده قول الله تعالى {فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه} الأنعام: 38. 7-زعمهم أن الإنسان متطور عن كائنات حية سابقة يرده قول الله تعالى {الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علَّمه البيان} الرحمن: 1 - 4 وقوله {خلق الإنسان من صلصال كالفخار} الرحمن: 14 وحديث "إن الله خلق آدم على صورته" رواه البخارى ومسلم. 8 - ادعاوهم أن القرآن يقر نظرية التطور، كقوله تعالى {وقد خلقكم أطوارا} نوح: 14 مردود بأن الأطوار فى الآية ليست التطور الذى يزعمون فالمعنى أن الإنسان خلق على النحو الذى قال فيه رب العزة {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} المؤمنون: 12 - 14. 9- قولهم إن الموت يأتى صدفة للضعيف ويترك القوى ليتطور، يرده قول الله تعالى {خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} الملك: 2 وقوله {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} البقرة: 28 هذا بعض ما تفند به نظرية دارون، ويمكن الرجوع إلى مجلة الأزهر "المجلد الثانى ص 749" ودراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة ومجلة الهداية التى تصدر فى البحرين عدد مارس 1993، ومراجع أخرى (7/412) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 02 يناير 2024, 10:09 pm | |
| ابن الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض المؤرخين إن إطلاق لفظ ابن الله على بعض الناس موجود قبل ميلاد المسيح عليه السلام فهل هذا صحيح؟
الجواب جاء فى كتاب "التثليث فى المرآة" تأليف: كوثر نيازى وزير الإعلام والحج فى باكستان سنة 1974 م أن قسطنطين هو الذى روَّج أن عيسى عليه السلام "ابن الله" عندما اعتنق المسيحية وهو حاكم لليونان واليونان يعتقدون أن أفلاطون هو ابن الإله "أبولو" لأن خطيب أمه "باركشين" وجدها حبلى فناداه "أبولو" لا تقربها فهى حبلى بولد منى، فصاروا يطلقون على أفلاطون "ابن الله" وقد ولد سنة 29 قبل الميلاد "من كتاب التناقض بين الدين والعلم. تأليف: درابر". وكثير فى اليونان من أشيع أنهم ولدوا من غير أب، ومنهم فيثاغورس المولود سنة 575 قبل الميلاد، وسموه ابن الله، ويقول: أبوة الله أطلقت بالمعنى المجازى على كثيرين منهم، أى العباد المخلصون (7/413) ________________________________________ ما شاء الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أنه لا يجوز أن يقول الإنسان: ما شاء الله وما شاء فلان؟
الجواب روى أبو داود بإسناد صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تقولوا: ما شاء الله وما شاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان ". قال الخطابى وغيره: هذا إرشاد إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، وثم للعطف مع الترتيب والتراخى، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه. وجاء عن إبراهيم النخعى أنه كان يكره أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك. ويجوز أن يقول: أعوذ بالله ثم بك. قالوا: ويقول: لولا الله ثم فلان لفعلت كذا، ولا نقل: لولا الله وفلان. هذا وقد جاءت روايات أخرى أخرجها النسائي وابن ماجه وأحمد فى هذا الموضوع، تحدث عنها ابن حجر، فيمكن الرجوع إليها فى "فتح البارى ج 11 ص 548 " (7/414) ________________________________________ من ألفاظ الكفر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم من يحلف ويقول: أكون على غير دين الإسلام إن فعلت كذا؟
الجواب قال النووى فى كتابه "الأذكار" ص 356: يحرم أن يقول الإنسان: إن فعلت كذا فأنا يهودى أو نصرانى أو برئ من الإسلام ونحو ذلك. فإن قاله وأراد حقيقة تعليق خروجه عن الإسلام بذلك صار كافرا فى الحال، وجرت عليه أحكام المرتدين. وإن لم يرد ذلك لم يكفر، لكن ارتكب محرما، فيجب عليه التوبة، بأن يقلع فى الحال عن معصيته، ويندم على ما فعل، ويعزم على ألا يعود إليه أبدا، ويستغفر الله تعالى ويقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله (7/415) ________________________________________ تكفير المسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم من قال لمسلم يا كافر؟
الجواب روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه " وفى رواية لهما "من دعا رجلا بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه" ومعنى حار رجع (7/416) ________________________________________ الرحمن الرحيم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك فرق بين الرحمن والرحيم؟
الجواب الصفتان مشتقتان من الرحمة، والرحمن هو البالغ الذروة فى الرحمة، والرحيم هو صاحب الرحمة الكثيرة، فالرحمن أبلغ منه، والرحمن خاص بالله تعالى، لأنه لا يمكن لأحد سواه أن يبلغ الذروة فيها، أما الرحيم فيمكن أن يوصف به غير الله سبحانه، ومن هنا قال الأكثرون: إن الرحمن علم على الله وليس صفة، لا يطلق على أحد سوى الله، وما جاء عن البعض من وصف مسيلمة بأنه رحمن اليمامة، وقول بعض الشعراء: * وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا * فمن المبالغة فى الكفر والضلال، وقيل: إن ما كان فيه أل "الرحمن والرحيم " فهو خاص بالله تعالى، وما ليس فيه " أل " بأن كان نكرة مثل " رحمن ورحيم " أو مضافا مثل " رحمن اليمامة ورحيم بنى فلان " فليس خاصا بالله. ورحمة الله صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تقتضى التفضل والإِنعام، وأما الرحمة بالنسبة لما سوى الله فمعناها رقة فى القلب تقتضى الإِنعام (7/417) ________________________________________ حمد الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن أحسن صيغة لحمد الله هى: الحمد لله حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده، فهل هذا صحيح؟
الجواب الحمد فى اللغة هو الثناء باللسان على الجميل الاختيارى على جهة التعظيم والتبجيل، وهو فى العرف يدل على تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد وغيره، والشكر فى اللغة هو الحمد العرفى، وفى العرف هو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله، فبين الحمد اللغوى والعرفى عموم وخصوص من وجه، فيجتمعان فيما إذا كان باللسان فى مقابل نعمة، وينفرد اللغوى فيما إذا كان باللسان لا فى مقابل نعمة، وينفرد العرفى بصدقه بغير اللسان فى مقابل نعمة، فمورد الحمد العرفى أعم وهو اللسان والأركان أى الجوارح، ومتعلقه أخص وهو كونه فى مقابلة نعمة - والحمد اللغوى عكسه، والحمد اللغوى مع الشكر اللغوى كذلك، إذ الشكر اللغوى هو الحمد العرفى كما علم. إن حمد الله وشكره باللسان يحصل بأية صيغة، وهو مندوب إليه، وجاءت فى فضله أحاديث منها: ما رواه أصحاب السنن عن رفاعة بن رافع رضى الله عنه قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من المتكلم فى الصلاة"؟ فلم يجبه أحد، ثم قالها الثانية " من المتكلم فى الصلاة"؟ فقال رفاعة بن رافع: أنا يا رسول الله، قال " كيف قلت "؟ قال: قلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، فقال " والذى نفسى بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعدها" قال الترمذى: حديث حسن. وفى رواية أبى داود أن الرسول قال له " ما تناهت دون عرش الرحمن جل ذكره " وفى مسند أحمد أن الرسول قال له " لقد فتحت لها أبواب السماء فلم ينهها شىء دون العرش". يقول السفارينى فى غذاء الألباب "ج 1 ص 11 " إن بعض الناس ذكر أن أفضل صيغ الحمد: الحمد لله رب العالمين حمدا يوافى نعمه، ويكافئ مزيده. وأن ابن القيم أنكر على قائله غاية الإِنكار لأنه لم يرد فى الصحاح ولا السنن ولا يعرف فى شىء من كتب الحديث المعتمدة ولا له إسناد معروف، وإنما يروى عن أبى نصر التمار عن سيدنا آدم أبى البشر عليه الصلاة والسلام، قال: ولا يدرى كم بين آدم وأبى نصر إلا الله تعالى. قال أبو نصر: قال آدم: يا رب شغلتنى بكسب يدى، فعلمنى شيئا من مجامع الحمد والتسبيح، فأوحى الله إليه: يا آدم، إذا أصبحت فقل ثلاثا، وإذا أمسيت فقل ثلاثا "الحمد لله رب العالمين حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده " فذلك مجامع الحمد والتسبيح. قال ابن القيم: فهذا لو رواه أبو نصر التمار عن سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم لما قبلت روايته، لانقطاع الحديث فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بروايته له عن آدم. قال: وبنى على هذا بعض الناس مسألة فقهية فقال: لو حلف إنسان ليحمدن الله تعالى بمجامع الحمد وأجل المحامد فطريقه فى بر يمينه أن يقول: الحمد لله حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده. وردَّ هذا بما يطول، والحاصل أن العبد لا يحصى ثناء على ربه ولو اجتهد فى الثناء طول عمره. ثم ذكر أن الإِمام أحمد بن حنبل روى فى الزهد عن الحسن قال: قال داود: إلهى لو أن لكل شعرة منى لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر كله ما قضيت حق نعمة واحدة. وروى فيه أيضا عن المغيرة بن عتبة قال: لما أنزل الله على داود {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور} سبأ: 13 قال: يارب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تنعم علىَّ ترزقنى على النعمة الشكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة، فالنعمة منك يا رب فكيف أطيق شكرك؟ قال: الآن عرفتنى يا داود (7/418) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الثلاثاء 02 يناير 2024, 10:10 pm | |
| الخوارج
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نسمع عن فرقة دينية تسمى بالخوارج، فكيف ظهرت وما هى مبادئها، وحكم الدين فيها؟
الجواب الخوارج فرقة دينية ظهرت على أثر الخلاف بين على ومعاوية، حيث انفصلت عن شيعة على رضى الله عنه جماعة خرجوا عليه بعد أن رضى بالتحكيم، حين اختار أبا موسى حَكما، واختار معاوية عمرو ابن العاص حكما، وأطلق عليهم اسم الخوارج أو الحرورية باسم المكان الذى انحازوا إليه، فكانوا أول فرقة منظمة شذت بفكرها القائم على تكفير مرتكب الكبيرة ومن يرفض حكم الله من أجل حكم البشر، رافعين شعار" لا حكم إلا لله " ونبه على رضى الله عنه على زيف هذا الشعار الذى اتخذوه ستارًا لأغراض ليست فى مصلحة الدين فقال "كلمة حق أريد بها باطل " وحدث أن أرسل إليهم عبد الله بن عباس رضى الله عنهما لمناظرتهم فرجع كثير معه، ثم تمردوا وراسلهم، وفى النهاية قاتلهم بعد قتلهم عامله عليهم عبد الله بن خباب بن الأرت، وأوقع بهم فى " النهروان " سنة 38 هـ، ولم ينج منهم إلا قليل، ثم ظهروا بعد ذلك بمعتقداتهم وتوسعوا فيها وكثرت فرقهم، وما زالت منهم بقية إلى الآن فى بلاد المغرب، يقول عنهم ابن حزم: إنهم أعدل هذه الفرق، وهى الإِباضية " نيل الأوطار للشوكانى ج 7 ص 168 ". امتد شذوذ الخوارج فى فكرهم إلى شذوذهم فى السلوك، فدبروا المؤامرات التى راح ضحيتها على رضى الله عنه حيث طعنه عبد الرحمن بن مُلجم وهو يصلى الصبح، يقول الشيخ محمد أبو زهرة فى كتابه "تاريخ المذاهب الفلسفية" لعل موقفهم المتشدد نحو الحكم والمجتمع يرجع إلى أن أكثرهم كانوا من قبائل ربيعة التى تنافس قبائل مُضر منذ زمن بعيد، فهم ينفسون على قريش المضرية التى تريد أن تحصر الخلافة فيهم، ونادوا بأن تكون حقا لكل من عنده أهلية لها من أية قبيلة، ليسهل عزل الخليفة حيث لا تكون له عصبية تحميه. . . ثم يقول: كما أن من أسباب سخطهم على المجتمع أن أكثرهم كان يعيش فى البادية بخشونتها وصلابة رأيها، ولما جاء الإِسلام لم يغير من حالهم كثيرا، لأنهم لزموا عيشة البدو ولم يتأثروا بعيشة الحضر، فاعتنقوا المذهب بقوة امتزجت بما ورثوه من سذاجة فكر وضيق صدر، فكان لذلك أثره فى الحكم على المجتمع الذى انصرفوا عنه إلى العبادة التى تؤهلهم إلى الحياة الطيبة فى الآخرة. انتهى ما قاله وإن حدث تغير فى الفكر والسلوك عند بعضهم. يقول صاحب كتاب المواقف فى علم التوحيد " الإيجى" إن الخوارج سبع فرق لكن اندثر أكثرها، وما يعرف منها الآن فرقة الإِباضية التى تنسب إلى زعيمهم "عبد الله بن إباض ". وهم فى عقيدتهم على رأى الخوارج الأصليين الذين يكفِّرون مرتكب الكبيرة، لكنهم ينفون عن أنفسهم هذه التهمة ويقولون: إن المراد بالكفر كفر النعمة، ويعترفون بالقرآن والحديث مصدرين للعلم، ويصرون على أن القدوة الحسنة بعد النبى صلى الله عليه وسلم فى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، ويكفِّرون عليا وأكثر الصحابة، ويوجبون على المسلمين إقامة الإمامة عند القدرة والعلم، ويرون أن العزلة أفضل من الاختلاط بالمجتمع، وهم أعدل فرق الخوارج كالزيدية فى الشيعة، وقد ألف أحد الكتاب من ليبيا كتابا فى ثلاثة أجزاء بعنوان " الإِباضية فى موكب التاريخ " حاول أن يقطع صلتهم بالخوارج، ويجعل لهم مذهبا مستقلا أساسه حرية الرأى. وقال " الإيجى " صاحب كتاب المواقف: إن الإِباضية من الخوارج افترقوا أربع فرق، وعدَّ منها " اليزيدية " أصحاب " يزيد بن أنيسة " الذين قالوا: سيبعث نبى من العجم بكتاب يكتب فى السماء، ويترك شريعة محمد إلى ملة الصابئة، وكل ذنب عندهم شرك. هذا، وقد سبق فى بعض الإِجابات شرح قول الله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} والنهى عن تكفير من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا بارتكاب ما يوجب الحكم عليه بذلك. والواجب هو محاورتهم لتصحيح أفكارهم، فإن لم يستجيبوا وجب اتخاذ موقف منهم. وقد وضح الماوردى فى كتابه " الأحكام السلطانية" ص 58ما يتخذ من الإِجراءات نحوهم، ويمكن الرجوع فيها إلى المصدر المذكور أو إلى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " ويمكن تلخيصه فيما يلى: إذا كان هناك أهل فكر معين ينشقون به عن فكر الجماعة، إن تستروا بفكرهم ولم يدعوا إليه ولم ينحرفوا فى سلوكهم فليس للسلطة يد عليهم، فإن دعوا إلى فكرهم وجب على المسئولين أن يصححوا أفكارهم بالحوار أو بالتوعية أو أية وسيلة أخرى، وفى الوقت نفسه يجوز للسلطة أن تعاقب من يروجون لأفكارهم بما تراه من عقوبة لاتصل إلى القتل أو إلى حد من حدود الجرائم المعروفة. ولو انفصلت هذه الجماعة وتميزت بدار أو محلة وكانت ملتزمة بالقوانين الجارية دون عدوان ولا فساد فلا شأن للسلطة بهم إلا ما يكون من توعية لتصحيح الفكر، فإن تمردت على القوانين وكونت لنفسها دولة داخل الدولة كان للسلطة أن تحاربهم لينزعوا عن المباينة ويفيئوا إلى الطاعة (7/419) ________________________________________ التوكل على الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إنسان تواكل على الله فى أمر ما ولم يأخذ بما يكفى من الأسباب لكنه دعا الله بكل ما يعرف من أدعية مستجابة ليقضى الله له أمره، لكن الله لم يوفقه فى ذلك على الرغم من دعائه فلماذا؟
الجواب التوكل على الله لا يفيد إلا بعد اتخاذ الأسباب، وبدون ذلك يكون تواكلا وهو مذموم، ويشير إليه قول عمر: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقنى، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة. والذى لا يتخذ الأسباب لا يقبل دعاؤه، والرسول نفسه نبه بعض الصحابة إلى ذلك حيث طلب واحد منهم مرافقته فى الجنة، فقال له: " فأعنِّى على ذلك بكثرة السجود " أى الصلاة. مع العلم بأن الدعاء لا يقبل إلا بشروط، منها طاعة الداعى لله وعدم عصيانه، والتعفف عن أكل الحرام، وكون الدعاء بخشوع وحضور الذهن والقلب، على نسق ما جاء فى قبول الله دعاء أيوب وذى النون وزكريا، حيث قال الله تعالى: {إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} الأنبياء: 90 وعدم الاستعجال حيث يقول: دعوت فلم يستجب لى. وعلى فرض أن الداعى فيه هذه المواصفات، فإن الاستجابة تكون بصور مختلفة، إعطاء الداعى ما سأله أو صرف سوء عنه يكون أحسن من نيل المطلوب أو ادخار الإجابة إلى الآخرة فهى أفضل من الدنيا، والله يختار ما هو خير للداعى المؤمن المطيع الخاشع، فقد يكون منع الإجابة أفضل، قال تعالى {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض ولكن ينزِّل بقدر ما يشاء} الشورى: 27 وفى المأثور: "إن من عبادى من لا يصلحه إلا الفقر". وقد يكون عدم الاستجابة امتحانا لإيمان الإنسان، هل يرضى بقضاء الله ويصبر على البلاء الذى يشكو منه، أو يجزع ويعترض، {ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} البقرة: 155 - 157 (7/420) ________________________________________ الحسد بالعين حقيقة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إنسان أصابته عين نظرًا لتفوقه بين أقرانه وبخاصة الكبير فى حياته الدراسية. وكعادته دعا الله كثيرا أن ينجح ويتفوق ولكن عند ظهور النتيجة كان أقل زملائه نجاحًا. فهل يتغلب الحسد على دعاء الإنسان الخالص إلى ربه؟ وما التفسير الصحيح؟
الجواب الحسد بالعين حقيقة واقعة وجاء فيها الحديث "العين حق، ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين". وكذلك الحسد وهو تمنى زوال نعمة الغير موجود بين الناس، وهو مذموم. والذى يحسد غيره بمعنى من المعنيين السابقين إنسان ارتكب محرما، وعليه أن يعوِّد نفسه الدعاء بالبركة لمن رأى فيه شيئا طيبا، وأن يحب للناس ما يحب لنفسه والمؤمن معرض لأن يحسده إنسان آخر، وما عليه إلا أن يتحصن بقوة الإيمان والثقة بالله وقراءة القرآن، وبخاصة آية الكرسى وأواخر سورة البقرة وسورة يس، ويدعو الله أن يقيه شر الحاسدين "قل هو الله أحد، قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس" مهمة فى هذا المجال. عليك أيها السائل أن تستمر فى نشاطك ولا تبال بما يقول أو يفعله أو يضمره لك غيرك، وأن تقوى إيمانك بالله، والرضا بقضائه، وألا تيأس عند حلول نقمة أو فشل فى مشروع، فذلك امتحان من الله، والله تعالى يقول: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} البقرة: 214. لا تيأس من رحمة الله أبدا، فكم فى السابقين من توالت عليه المحن فصبر وصابر فكان النجاح الباهر، ولك فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم} الأحقاف:35. وقد قال الرسول لخَبَّاب بن الأرَتِّ حينما شكا له اضطهاد قريش له وللضعفاء من المؤمنين وطلب الدعاء بالنصر "والذى نفس محمد بيده ليتمَّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" (7/421) ________________________________________ أول خلق الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو أول ما خلق الله سبحانه وتعالى في الوجود؟
الجواب سبق فى ص 31 من المجلد الأول من هذه الفتاوى الكلام على أول خلق الله، وأن بعض الناس يقولون إنه نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الأحاديث الواردة فى ذلك أحاديث آحاد ولم يتفق على صحتها، فلا تصلح لبناء عقيدة عليها. وإضافة لما ذكر هناك أقول: روى عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصارى قال: قلت: يا رسول الله بأبى أنت وأمى أخبرنى عن أول شىء خلقه الله تعالى قبل الأشياء، قال " يا جابر فإن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره -فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن فى ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثانى اللوح، ومن الثالث العرش. ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثانى الكرسى، ومن الثالث الملائكة. ثم قسم الجز الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول السماوات ومن الثانى الأرضين ومن الثالث الجنة والنار. ثم قسم الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثانى نور قلوبهم، وهى المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ... إلى آخر الحديث. وقد اختلف: هل القلم أول المخلوقات بعد النور المحمدى؟ فقال الحافظ أبو يعلى الهمدانى: الأصح أن العرش قبل القلم لما ثبت فى الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء" فهذا صريح فى أن التقدير وقع بعد خلق العرش، ووقع عند أول خلق القلم، لحديث عبادة بن الصامت مرفوعا "أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شىء" رواه أحمد والترمذى وصححه. ورويا أيضا من حديث أبى رزين العقيلى مرفوعا "إن الماء خلق قبل العرش" وروى السُّدِّى بأسانيد متعددة أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء، فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا النور المحمدى والماء والعرش. انتهى. هذا ما ذكره القسطلانى فى كتاب " المواهب اللدنية "ج 1 ص 9، 10 ولم يعلق هو ولا شارحه الزرقانى على هذه الأحاديث، إلا حديث عبد الله بن عمرو، فقد رواه مسلم، وحديث عبادة الذى رواه أحمد، بل ذكر الزرقانى بسند واهٍ أن القلم طوله خمسمائة عام، وعرضه كذلك، وسنُّه مشقوقة ينبع منه المداد. وفى خبر مرسل أنه من لؤلؤ، وطوله سبعمائة عام. إن كل هذه الأخبار لا تثبت بها عقيدة ولا يضرنا الجهل بها، ولا نسأل عنها أمام الله إلا بمقدار ما أفدنا من هذه المخلوقات لتحقيق الخلافة فى الأرض. فلنترك ما وراء ذلك لعلم الله تعالى، ونضع أمام أعيننا قوله سبحانه {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم} الكهف: 51 وقوله {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهِدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} الزخرف: 19 (7/422) ________________________________________ الله تعالى جميل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من أسماء الله تعالى الجميل؟
الجواب روى مسلم فى صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر " فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال " إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس " ورواه الترمذى وقال: حسن غريب. معنى قوله " إن الله جميل " أن كل أمره سبحانه حسن وجميل، فله الأسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال، قال أبو القاسم القشيرى: معناه جليل، وقيل معناه: جميل الأفعال بكم والنظر إليكم، يكلفكم اليسير ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل. يقول النووى: هذا الاسم ورد فى الحديث الصحيح، وورد فى الأسماء الحسنى وفى إسناده مقال، والمختار جواز إطلاقه على الله تعالى. ومن العلماء من منعه وقال إمام الحرمين أبو المعالى: ما ورد به الشرع جوزنا إطلاقه، وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقض فيه بتجويز ولا منع، فإن الأحكام الشرعية تتلقى من موارد الشرع، ولو قضينا بتحريم أو تحليل لكنا مثبتين حكما بغير الشرع. ثم لا يشترط فى جواز الإِطلاق ورود ما نقطع به فى الشرع، ولكن ما يقتضى العمل وإن لم يوجب العمل فإنه كاف، إلا أن الأقيسة الشرعية من مقتضيات العمل، ولا يجوز التمسك بها فى تسمية الله تعالى وصفته، قال النووى: وقد اختلف أهل السنة فى تسميته تعالى ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به الشرع ولا منعه، فأجازه طائفة ومنعه آخرون إلا أن يرد به شرع مقطوع به من نص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع على إطلاقه، فإن ورد به خبر واحد فقد اختلفوا فيه، فأجازه طائفة، وقالوا: الدعاء به والثناء من باب العمل، وذلك جائز بخبر الواحد، ومنعه آخرون لكونه راجعا إلى اعتقاد ما يجوز أن يستحيل على الله تعالى، وطريق هذا القطع، قال القاضى: والصواب جوازه، لاشتماله على العمل ولقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وهو كما قال. هذا ما ورد عن كمال الدين الدميرى المتوفى سنة 808 هـ فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى "ج 1 ص 457 عند كلامه عن الذر. وخلاصته أن إطلاق اسم " الجميل " على الله فيه خلاف، وفى اختلاف الآراء سعة (7/423) ________________________________________ كتاب داود
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا كان الزبور هو كتاب سيدنا داود، والذكر هو القرآن، فما المقصود بقوله تعالى {ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون} الأنبياء: 105؟
الجواب الزبور ليس هو فقط الكتاب الذى نزل على داود عليه السلام، وإنما يطلق على كل ما أنزله الله تعالى من الكتب حتى القرآن الكريم، والذكر قيل: هو توراة موسى عليه السلام، وقيل: هو كتب الأنبياء، وقيل: هو أم الكتاب الذى عند الله فى السماء. والمعنى أن الله سبحانه قرر فى اللوح المحفوظ وفى الكتب المنزلة على الأنبياء أن الجنة لعباده الصالحين، كميراث أتاهم من غير جهد، لأن طاعتهم لا تتساوى مع عظمتها وقيمتها، وقال بعض المفسرين المحدثين: المعنى أن البقاء هو للأصلح فى الدنيا، فمن انحرف من الملوك أو الدول أو الأمم عن الصراط المستقيم سلب الله منهم سلطانهم وأعطاه للصالحين الذين يستحقونه، وكل ذلك تتحمله الآية (7/424) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 6:56 am | |
| خلق الإنسان من علق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى المناسبة بين خلق الإِنسان من علق والتعليم بالقلم فى قوله تعالى: {خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم.الذى علَّم بالقلم} ؟
الجواب سورة {اقرأ باسم ربك} هى أول ما نزل من القرآن الكريم كما ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها، ووجه المناسبة بين الخلق من علق والتعليم بالقلم وتعليم العلم أن أدنى مراتب خلق الإِنسان كونه علقة، وأعلاها كونه عالما، فهو سبحانه امتن على الإِنسان بنقله من أدنى المراتب وهى العلقة إلى أعلاها وهى العلم، قال الزمخشرى: فإن قلت: لم قال " من علق " وإنما خلق من علقة واحدة كقوله تعالى {من نطفة ثم من علقة} قلت: لأن الإِنسان فى معنى الجمع كقوله تعالى {إن الإِنسان لفى خسر} أى الناس والأكرم هو الذى له الكمال فى زيادة تكرمه على كل كريم، ينعم على عباده النعم التى لا تحصى، ويحلم عليهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وركوبهم المناهى وإطراحهم الأوامر، ويقبل توبتهم ويتجاوز عنهم بعد اقترافهم العظام، فما لكرمه غاية ولا أمد، وكأنه ليس وراء التكريم بإفادة الفوائد العظيمة تكرُّم، حيث قال {الأكرم الذى علَّم بالقلم علم الإِنسان ما لم يعلم} فدل على كمال كرمه بأنه علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم. ونبه على فضل الكتابة لما فيها من المنافع العظيمة التى لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم الأول، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزَّلة إلا بالكتابة، ولولا هى ما استقامت أمور الدين والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به. ويتصل بهذا سؤال عن العلقة السوداء التى أخرجت من قلب النبى صلى الله عليه وسلم فى صغره حين شق فؤاده، وعن قول الملك: هذا حظ الشيطان منك، وقد أجاب الشيخ تقى الدين السبكى بقوله: تلك العلقة التى خلقها الله تعالى فى قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها، فأزيلت من قلبه عليه الصلاة والسلام، فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقى الشيطان فيه شيئا. هذا معنى الحديث، ولم يكن للشيطان فيه صلى الله عليه وسلم حظ قط، وإنما الذى نفاه الملك أمر هو فى الجبلات البشرية، فأزيل القابل الذى لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف فى قلبه عليه الصلاة والسلام. فقيل له: لمَ خلق الله هذا القابل فى هذه الذات الشريفة وكان يمكنه ألا يخلقه فيها؟ فقال: لأنه من جملة الأجزاء الإِنسانية، فخلقه تكملة للخلق الإِنسانى فلا بد منه، ونزعه كرامة ربانية طرأت بعده. انتهى "الدميرى - العلق - حياة الحيوان الكبرى" (7/425) ________________________________________ عرض الأعمال على الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن أعمال الناس ترفع إلى السماء يوم الإثنين والخميس؟
الجواب روى الترمذى حديثا قال: إنه حسن، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملى وأنا صائم " وفى هذا دليل على ندب الصوم فى هذين اليومين، وكان صلى الله عليه وسلم يصومهما، كما جاء التصريح بذلك فى رواية ابن ماجه عن أبى هريرة. وعرض الملائكة أعمال العباد على الله فى هذين اليومين أمر تنظيمى وضعه الله سبحانه لحكمة يعلمها هو، وإن كان هو يعلم كل ما فى الكون دون حاجة إلى كتابة الملائكة ورفع ذلك إليه سبحانه، وهناك حديث رواه النسائى يدل على أن الأعمال ترفع فى شهر شعبان، وكان الرسول يحرص على صيامه كله أو صيام أكثره لأنه يحب أن يرفع عمله وهو صائم، فما هى الصلة بين رفع الأعمال فى شعبان ورفعها فى كل أسبوع مرتين فى يومى الاثنين والخميس؟ إن رفع الأعمال مرتين كل أسبوع ربما لا يقصد به إخبار الله بها فهو كما قلت -غنى عن هذه الوسائل ولعل القصد منه حث العباد على الطاعة وتحذيرهم من المعصية، فالمتابعة مستمرة حاضرة غير غائبة، وقد يوضح ذلك عمل امتحانات للمتعلمين فى أثناء السنة الدراسية، حتى لا يتكاسلوا عن المذاكرة إلى أن يقرب امتحان اَخر العام فهناك يكون الجد والتعب، لأن نتيجته هى المهمة. وعلى هذا الضوء يمكن فهم المقصود من عرض الأعمال فى الأسبوع مرتين، تمهيدًا للعرض العام فى كل سنة فى شهر شعبان، ثم العرض الأكبر يوم القيامة ليقرأ كل إنسان ما كتب عليه، ويعرف النتيجة النهائية للنشاط الذى باشره طول حياته فى الدنيا. الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية عن الصيام فى شهر شعبان ورفع الأعمال أشار إلى أن هذا الرفع هو رفع خاص ولم يوضح الخصوصية التى فيه، فلنترك الأمر لله ولنقبل على الطاعة ولنبادر بالتوبة من المعصية، حتى تبيض وجوهنا يوم العرض على الله سبحانه (7/426) ________________________________________ الكفر والشرك
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك فرق بين الكفر والشرك؟
الجواب الكفر فيه معنى الستر، وقد يكون سترا ماديا وسترا معنويا، ومن الستر المعنوى جحود النعمة وعدم الاعتراف بالجميل، يقول الراغب الأصفهانى فى "المفردات " وأعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة، والكفران فى جحود النعمة أكثر استعمالا، ثم يقول: والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها. وقد يقال: كفر، لمن أخل بالشريعة وترك ما لزمه من شكر الله عليه. قال تعالى {من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون} الروم: 44، والشرك يقول عنه الراغب الأصفهانى فيه معنى الاشتراك فى شىء مادى أو معنوى، وهو فى الدين ضربان، أحدهما الشرك العظيم، وهو إثبات شريك لله تعالى، وهو أعظم كفر لأنه جحد الوحدانية، والثانى الشرك الصغير، وهو مراعاة غير الله معه فى بعض الأمور وهو الرياء والنفاق، ومنه قوله تعالى {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} يوسف: 106، وقوله تعالى {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} الكهف: 110، محمول على الشركين. وأما قوله تعالى {فاقتلوا المشركين} التوبة:5، فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفار جميعا، وقيل هم غير أهل الكتاب. والخلاصة: أن الشرك كفر بوحدانية الله وعدم إخلاص العبادة لله، والكفر يطلق على الشرك لأنه جحود بالوحدانية، ويطلق على من يكذب بالنبوة وعلى من يكذب الشريعة فالكافر أعم من المشرك والكفار والمشركون مصيرهم النار خالدين فيها أبدا. ومن أراد الاستزادة من المعرفة فليرجع إلى الجزء الأول من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف " ص 138 ففيه بيان الفروق بين الكفر والفسوق والعصيان والنفاق (7/427) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 6:57 am | |
| من مظاهر فضل الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن من صلَّى الصبح ثم جلس حتى تطلع الشمس يكون له ثواب عمرة؟
الجواب عن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى الصبح فى جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تامة تامة تامة " رواه الترمذى وقال: حديث حسن غريب أى رواه راوٍ واحد فقط، وجاءت رواية أخرى عن أبى أمامة بإسناد جيد للطبرانى بهذا الثواب، كما جاءت روايات فيها مقال لكن تقبل فى فضائل الأعمال بهذا الثواب وبغيره، والثابت كما رواه مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس. من هنا نعلم فضل صلاة الصبح جماعة فى المسجد والمكث فيه مع الاشتغال بذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلاة الضحى التى أقلها ركعتان. ولا يستبعد أحد أن يكون ثواب ذلك كثواب حجة وعمرة، ففضل الله واسع، يقبل القليل ويعطى الجزيل ولذلك نظائر كثيرة منها: 1- فضل ليلة القدر، فإن قيامها خير من ألف شهر كما نص عليه القرآن الكريم. 2- فضل أداء الفرض فى رمضان.، فثوابه كثواب سبعين فرضا فى غيره، كما جاء فى حديث سلمان الذى رواه ابن خزيمة فى صحيحه. 3- قراءة {قل هو الله أحد.} تعدل قراءة ثلث القرآن كما رواه مسلم وغيره. 4- النفقة فى سبيل الله يضاعفها الله {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} البقرة: 216. 5- روى البخارى ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ". 6- روى البخارى ومسلم وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " وغير ذلك كثير فى الشريعة الإسلامية، يكون العمل قليلا ويكون ثوابه كبيرا ما دام مستكملا لأركانه وشروطه مع الإخلاص لله سبحانه. وهذا تشجيع على الإقبال على طاعة الله بالفعل أو العزم عليه كما جاء فى الصحيح أن من همَّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات. وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن العمرة فى رمضان تعدل حجة معه كما رواه مسلم فليس معنى ذلك أنها تكفئ عن الحج إذا كان قادرا عليه، بل لابد من أدائه، وكذلك إذا كانت صلاة الفريضة فى رمضان تعدل سبعين فريضة فيما سواه فليس معنى ذلك أن من ترك سبعين صلاة تكفى عنها صلاة واحدة فى رمضان، بل لا بد من قضاء كل ما فات، وكذلك إذا صح الحديث كما رواه مسلم أن الصلاة فى مسجد المدينة أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فليس المراد أن الصلاة الواحدة تكفى عن ألف صلاة تركها، ومثل ذلك ما رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين أن الصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه - لا يعنى أن يهمل الإنسان فى الصلاة سنوات طويلة ثم يعوض كل ما فات بصلاة واحدة أو اكثر قليلا فى المسجد الحرام (7/428) ________________________________________ التوكل والتواكل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما الفرق بين التوكل والتواكل؟
الجواب حقيقة التوكل من الصعب تعريفها كما تُعرَّف الأمور الأخرى بماهياتها، وإنما يعرف التوكل بآثاره. كما قال العلماء فى التيار الكهربائى، وقد قال الإمام الغزالى - وهو الفيلسوف الصوفى الفقيه الأصولى فى حديث التوكل: إنه غامض من حيث العلم. ثم هو شاهد من حيث العمل، ووجه غموضه من حيث الفهم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك فى التوحيد، والتثاقل عنها بالكلية طعن فى السنة وقدح فى الشرع، والاعتماد على الأسباب من غير أن ترى أسباب تغيير فى وجه العقل وانغماس فى غمرة الجهل، وتحقيق معنى التوكل على وجه يتوافق مع مقتضى التوحيد والنقل والشرع فى غاية الغموض والعسر، ولا يقوى على كشف هذا الغطاء مع شدة الخفاء إلا سماسرة العلماء. وقد أطال الغزالى فى توضيح ذلك، ولكن بعبارة بسيطة يمكن أن أقول: إن التوكل هو الإيمان بأن الله سبحانه هو الواحد المتفرد بالخلق، ومنه كل النعم، وإليه المرجع والمصير، مع إظهار مسحة هذا الإيمان على السلوك فى القول والعمل، وامتثال أمر الله والسير على منهجه الذى أوحى به إلى الرسل. ولو طبقنا هذا المعنى فى طلب الرزق مثلا فلابد فى التوكل من الإيمان بأن السعى والجد فى العمل وحده لا يمكن أن يوصل إلى النتيجة إلا بإرادة الله سبحانه، فقد يكون هناك سعى وجد وعمل ولا يكون من وراء ذلك تحقيق ما يريده الإنسان، فلا بد من الأمرين: الأخذ فى الأسباب ثم تفويض الأمر إلى الله سبحانه وانفراد واحد منهما عن الأخر خطأ. فالأخذ بالأسباب دون التفويض لله يناقض الإيمان، وربما لا يوصل إلى المطلوب، والتفويض لله فقط دون الأخذ بالأسباب تعطيل لقانون الله وعدم امتثال لأمره بالسعى والعمل، وهذا ما يعرف بالتواكل. وعلى ضوء ذلك من يقتصر على الإيمان بقوله تعالى {وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها} هود: 6، دون تنفيذ لقوله تعالى {هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} الملك:15، يكون مخطئا ويطلق عليه اسم المتواكل، يوضح ذلك ما حدث أن رجلا ترك ناقته على باب المسجد النبوى وقال للرسول صلى الله عليه وسلم هل أتركها بدون عقل -قيد- وأتوكل على الله ليحفظها أو أعقلها - أقيدها بالعقال؟ فقال له "قيدها وتوكل " رواه ابن خزيمة والطبرانى بإسناد جيد. وقد يوضح هذا أيضا قول النبى صلى الله عليه وسلم " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " رواه الترمذى وقال: حسن صحيح فالطير تبارح الأعشاش لتطلب رزقها ولا تنتظر وتفتح أفواهها لينزل لها الرزق من السماء وهى راقدة فى الأغشاش. يقول أبو الفتوح الرازى الواعظ المفسر الفارسى المولود بالرى فى أواخر القرن الخامس الهجرى: توكل على الرحمن فى كل حاجة * ولا تتركن الجد فى شدة الطلب ألم تر أن الله قال لمريم * وهزى إليك الجذع يسَّاقط الرطب ولو شاء أن تجنيه من غير هزه * جنته ولكن كل شىء له سبب [مجلة الإخاء العدد 193 فى إبريل 1971 م بقلم محمد على رزم آشين] والموضوع طويل يراجع فى "إحياء علوم الدين " للأمام الغزالى ج 4 ص 210 (7/429) ________________________________________ لماذا خلق الله الدنيا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا خلق الله الدنيا؟
الجواب الدنيا جزء من العالم الذى خلقه الله، والعالم كل ما سوى الله من حيوان ونبات وجماد، وملائكة وأرواح وجنة ونار، وغير ذلك وهذا الخلق أثر من آثار صفاته التى تحقق له الألوهية، خلقه بقدرته وبإرادته وأبدعه بعلمه وبحكمته، وبسط سلطانه عليه بالأمر والنهى والثواب والعقاب. {لا يُسئل عما يفعل وهم يسئلون} الأنبياء: 23، والدنيا هى الحياة الأولى قبل الحياة الآخرة، وهى حياة فانية كما قال سبحانه عندما أهبط آدم إلى الأرض: {قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين} الأعراف: 24، وهى دنيا فى المكانة والمنزلة بالنسبة للأخرى التى فيها النعيم الدائم الخالد للمؤمنين، والعذاب الدائم الخالد للكافرين. {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا} النساء: 77، والدنيا مزرعة للآخرة، وهى دار تكليف يجازى على العمل فيها بالثواب والعقاب، وهى ليست مذمومة على كل حال إلا فيما نهى الله عنه كما فى الحديث "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم " رواه الترمذى وغيره وقال حسن صحيح. وفى كلام الإمام على: "الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلَّى ملائكته ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة" 000 (انظر المحاسن والمساوى للبيهقى ج 2 ص 44) هذا بعض تفسير للسر فى خلق الله للدنيا، وهو سبحانه أعلم بالحقيقة ولا معنى للانشغال بذلك فالمهم هو العمل الصالح فيها لنسعد به فى حياتنا الآخرة التى هى المصير الحتمى لكل من يعيش فى هذا العالم (7/430) ________________________________________ نزول جبريل بعد النبى صلى الله عليه وسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل نزل جبريل إلى الأرض بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب جاء فى " الحاوى للفتاوى " للسيوطى أن إنكار الناس لنزول جبريل بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم لا أصل له، ثم استدل على ذلك بما أخرجه الطبرانى فى معجمه الكبير عن ميمونة بنت سعد قالت: قلت: يا رسول اللَّه هل يرقد الجنب؟ قال " ما أحب أن يرقد حتى يتوضأ، فأنى أخاف أن يتوفى فلا يحضره جبريل ". فدل هذا على أن جبريل يحضر موتة المؤمن المتطهر. وكذا استدل بما أخرجه الطبرانى عن ابن مسعود مرفوعا فى وصف الدجال الذى جاء فيه: ويمر بالمدينة فإذا هو بخلق عظيم، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا جبريل، بعثنى اللَّه لأمنعه من حرمه. كما استدل بقوله تعالى في ليلة القدر {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم} القدر: 4، حيث قال الضحاك: إن الروح هنا جبريل، وأنه ينزل هو والملائكة فى ليلة القدر ويسلمون على المسلمين وذلك فى كل سنة أنتهى. والذى جر إلى الاعتقاد بعدم نزوله حديث " لا وحى بعدى " فالذى ينزل بالوحى جبريل، والجواب أن الحديث موضوع، ولو فرضت صحته فالمنفى نزوله للوحى إلى الأنبياء بشرع، لكن قد ينزل لغير ذلك كتبليغ خبر لا يتعلق بتشريع، ففى مسلم " أوحى اللَّه تعالى إلى عيسى أنى أخرجت عبادا لى لا يد لأحد بقتالهم فحول عبادى إلى الطور- وهم يأجوج ومأجوج، (مذكرات التوحيد ج 3 ص 150) . ومهما كانت قيمة الاستدلال بهذه الأدلة على نزول جبريل فإن ذلك أمر ليس من أصول العقيدة الإسلامية، والبحث فيه ينبغى أن يحملنا على ما احتوته هذه الأدلة من الحرص على الطهارة، ومن إحياء ليلة القدر (7/431) ________________________________________ التفاضل بين الملائكة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال عرفنا أن الله سبحانه قال " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض " فهل هناك تفضيل لبعض الملائكة على بعض؟
الجواب ذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية " ج 2 ص 46 " أن الملائكة بعضهم أفضل من بعض وأن أفضلهم جبريل الروح الأمين المزكى من رب العالمين، المقول فيه من ذى العزة {إنه لقول رسول كريم. ذى قوة عند ذى العرش مكين. مطاع ثَمَّ أمين} التكوير: 19 - 21، فوصفه بسبع صفات، فهو أفضل الملائكة الثلاثة الذين هم أفضل الملائكة على الإطلاق، وهم ميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. انتهى. وجاء فى شرح المواهب للزرقانى (ج 6 ص 44 ا) أن أعلى الملائكة درجة: حملة العرش الحافون حوله، فأكابرهم أربعة، فملائكة الجنة والنار فالموكلون ببنى آدم، فالموكلون بأطراف هذا العالم، كذا ذكره الرازى. انتهى. وإذا كان جبريل أفضل الملائكة الموكلين ببنى آدم، لما سبق من وصف الله له فى القرآن، فإن هناك خلافا فى التفاضل بينه وبين إسرافيل، ولم يصح فى ذلك شىء كما قال السيوطى فى " الحبائك " والآثار متعارضة، وذكر الزرقانى روايات متعددة رأيت الإعراض عنها لعدم جدواها فى حياتنا العملية، ولسنا مكلفين باعتقاد ذلك، ومن كان عنده نهم للمعرفة فليرجع إليه (7/432) ________________________________________ التفاضل بين الملائكة والبشر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الملائكة أفضل من البشر، أم البشر أفضل منهم لأنهم أمروا بالسجود لأبيهم آدم؟
الجواب يقول الله سبحانه {الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس} الحج: 75. تدل الآية على أن الملائكة والناس يصطفى الله منهم رسلا، لكن هل الاصطفاء بصورة واحدة وعلى مستوى واحد، أم أن هناك امتيازًا لنوع منهما على نوع آخر؟ ليس فى ذلك نص من قرآن أو سنة صحيحة، والخوض فى ذلك قد يؤدى إلى تنقيص بعضهم أو الغَضَ منه، ولا توجد له أهمية بالنسبة لحياتنا العملية، لكن العلماء القدامى أثاروا هذه المسألة وهذا طرف من ذلك: ذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية " ج 2 ص 45 " أن هناك اختلافا فى التفاضل بين الملائكة والبشر، فقال جمهور أهل السنة والجماعة: خواص بنى آدم وهم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والمقربون والكروبيون والروحانيون [الكروبيون ملائكة العذاب والروحانيون ملائكة الرحمة فى بعض الأقوال] . وخواص الملائكة أفضل من عوام بنى آدم وهم من عدا الأنبياء من الصالحين. وذلك بالإجماع كما قال التفتازانى بل بالضرورة، وعوام بنى آدم أفضل من عوام الملائكة، ولذلك عدة مبررات: منها، أن مجموع الملائكة أمروا بالسجود لمجموع البشر الممثلين فى آدم، والمسجود له أفضل من الساجد، فإذا ثبت تفضيل الخواص من البشر وهم الأنبياء على الخواص من الملائكة بالسجود لآدم ثبت تفضيل العوام على العوام. فعوام الملائكة خدم عمال الخير وهم صلحاء المؤمنين، والمخدوم له فضل على الخادم، ومنها أن المؤمنين ركب فيهم الهوى والعقل مع تسليط الشيطان عليهم بوسوسته، والملائكة ركب فيهم العقل دون الهوى أى الشهوة ولا سبيل للشيطان عليهم، فالإنسان - كما قاله التفتازانى فى شرح العقائد النسفية -يحصل الفوائد والكمالات العلمية والعملية مع وجود العوائق والموانع من الشهوة وشواغل الأمور الضرورية عن اكتساب الكمالات. ولا شك أن العبادة واكتساب الكمال مع الشواغل والصوارف أشق وأدخل فى الإخلاص فيكون الإنسان أفضل. وذهب المعتزلة والفلاسفة وبعض الأشاعرة من أهل السنة إلى تفضيل الملائكة، وتمسكوا بنحو عشرين وجها، ذكر القسطلانى منها أربعة لا داعى لذكرهما، فهى ترف عقلى لمن أراد، فليرجع إليه، وقد وضح هذه النقطة أيضا القرطبى فى تفسير "ج 1 ص 289 " وكذلك فى الجزء العاشر " ص 294 " قائلا: وعلى الجملة فالكلام لا ينتهى فى هذه المسألة إلى القطع، وقد تحاشى قوم من الكلام فى هذا، كما تحاشوا من الكلام فى تفضيل بعض الأنبياء على بعض، إذ فى الخبر "لا تخايروا بين الأنبياء، ولا تفضلونى على يونس بن متى " وهذا ليس بشىء لوجود النص فى القرآن فى التفضيل بين الأنبياء. ولعل النهى عن التفضيل يقصد به ما يثير فتنة وتعصبا، فالمقطوع به تفضيل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. حتى على الملائكة كما قاله المحققون (7/433) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 6:58 am | |
| قتال الملائكة يوم بدر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يشكك بعض الناس فى قتال الملائكة يوم بدر، قائلين إن المسلمين انتصروا بجهودهم، ولو كان الانتصار بسبب قتال الملائكة ما كان لهم فضل، فما مدى صحة هذا الكلام؟
الجواب تحدَّث القرطبى فى تفسير قولة تعالى {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مُسوِّمين} آل عمران: 123 - 125، وقال: إن الله أمَدَّ بملائكته نبيه والمؤمنين فى قول جماعة العلماء. وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت. ومن ذلك قول أبى أسيد مالك بن ربيعة وكان شهيد بدر: لو كنت معكم الآن ببدر ومعى بصرى لأرينكم الشعب الذى خرجت منه الملائكة، لا أشك ولا أمترى - وأبو أسيد يقال إنه اَخر من مات من أهل بدر. ثم ذكر القرطبى حديثا رواه مسلم عن عمر بن الخطاب جاء فيه دعاء النبى صلى الله عليه وسلم ربه لما رأى كثرة المشركين قائلا " اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم آت ما وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة - الجماعة - من أهل الإسلام لا تعبد فى الأرض " وما زال يهتف وأبو بكر يقول له:كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين " فأمده الله تعالى بالملائكة. ثم قال القرطبى: فتظاهرت السنة والقرآن على ما قاله الجمهور والحمد لله. ولم تكن مهمة الملائكة هى التثبيت فقط لقلوب المؤمنين بل باشروا القتال بالفعل كما قال رب العزة {إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا، سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " الأنفال: 12، وكان منهم ملكان عن يمين الرسول ويساره وعليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال، يقول سعد بن أبى وقاص: ما رأيتهما قبل ولا بعد " القرطبى ج 4 ص 190 ". وفى حديث مسلم عن غزوة بدر قول ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد فى أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدِمْ حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخرَّ مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشق وجهه فاخضرَّ ذلك أجمع. فجاء الأنصارى فحدَث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة" فقتلوا يؤمئذ سبعين وأسروا سبعين "القرطبى ج 4 ص 193 "وفى ص 194 عن سهل بن حنيف قال: لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا يشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه، وعن الربيع بن أنس قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به ذكره البيهقى. يؤخذ من هذا ومن غيره أن الملائكة باشرت القتال بالفعل ولم يكن دورهم هو التثبيت فقط، وهذا ما يدل عليه ظاهر النصوص ولا حاجة لتأويلها، كما زعم بعض الناس أنهم حضروا فى بدر للدعاء بالتثبيت لا غير. والمهم أن نأخذ العبرة من ذلك بأن الله سبحانه يمد المؤمنين الصادقين بوسائل النصر إن استغاثوه ولم يعتمدوا على أنفسهم وقوتهم ناسين ربهم، فالله سبحانه بيده كل شىء {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} آل عمران: 126، {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} محمد: 7، {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} الروم: 47 (7/434) ________________________________________ قياس سرعة الملائكة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأنا فى الصحف أن هناك محاولة لقياس سرعة الملائكة بسرعة الضوء والسرعات المعروفة لنا، فهل يصح هذا أم لا يصح؟
الجواب الإسلام حث على النظر والتفكر فى ملكوت السموات والأرض، وشجع على ذلك تشجيعا ورد فى كثير من آيات القرآن الكريم، وذكر الحكمة منه بأن فيه اَيات وعلامات لذوى العقول النيرة يدركون بها من أسرار الكون ما يحملهم على الإيمان بخالقه، أو تعميق الإيمان به لمن سبق له الإيمان كما أن من أهداف الحث على النظر الشامل: الانتفاع بما سخر اللَّه فى الكون انتفاعا يساعد على أداء رسالة الإنسان فى الحياة وتحقيق الخلافة فى الأرض. غير أن عقل الإنسان له حدود لا يستطيع معها أن يدرك كل الأسرار، وحواسه التى تقدم له التصورات مجالاتها محدودة كما ثبت علميا، وبالتالى تكون النتائج والمعطيات العقلية محدودة أيضًا، وهناك من الأمور الغيبية التى يتوقف العلم بها على الخبر الصادق من الرسل المبلغين عن الله ما لا مجال للعقل فيه، ضرورة أنه لا يدرك بالحواس، والخبر إذا صدق كان مجال العقل فيه بعيدا عن النفى والإثبات، وإن كانت، له صولات وجولات فى ببان حكمته مثلا. وعلى فرض عدم وصوله إلى إدراك الحكمة فإن ذلك لا يؤثر على وجوده، فلا تلازم بينهما. والملائكة من عالم الغيب الذى يجب الإِيمان به كما ورد وفى هذا النطاق فحسب، وللملائكة خواص ليست للبشر ولا للعالم المادى المعروف، {جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع} فاطر: ا، {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم: 9، {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون} الأنبياء: 19، 25، {تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} المعارج: 4، إلى غير ذلك من النصوص الواردة فى القرآن والسنة. وما دامت لهم خواص غير خواص سائر المخلوقات، فإن محاولة قياس أحوالهم فى السرعة وغيرها على السرعة المعروفة لنا محاولة غير كافية للوصول إلى نتيحة صحيحة، ذلك لأن القياس، كما هو معروف، قياس مع الفارق. وما تصل إليه هذه الأبحاث لا يلزمنا تصديقها فهى لم تصل بعد إلى درجة الحقائق العلمية المسلمة، والفروض والظنون لا يجوز أبدا أن نحمل عليها آيات القرآن، أو نفسرها على ضوئها. ونحث الباحثين - مع تسليمنا بموقف الإسلام من النطر فى الكون وهو التشجيع - على أن يكون نشاطهم فى النطاق الذى يمس مشاكلنا مسًّا قويا فى المجال الفكرى والاجتماعى والأخلاقى الذى نصل به إلى المستوى اللائق بنا، وإذا صدقت النية فى البحث كانت معونة الله بالتوفيق (7/435) ________________________________________ هاروت وماروت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن هاروت وماروت كانا من الملائكة وعاقبهما الله على معصيته؟
الجواب قال تعالى {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله. . .} البقرة: 102،. جاء فى كتب التفسير أنهما ملكان هبطا إلى الأرض وفتنا، فعاقبهما الله بتعليقهما من أرجلهما، وكلام المفسرين - على جلالة قدرهم - ليس حجة فى هذا المقام، فهو منقول عن تراث البابليين وشروح اليهود وكتب النصارى، وأقرب الأقوال عنهما أن الناس كانوا قد فتنوا بالسحرة حتى رفعوهم إلى مقام الأنبياء، فأنزل الله ملكين يعلمان الناس السحر، ليفرقوا بينه وبين النبوة، ويحذروهم من الفتنة به وبهما. أو أنهما شخصان كانا يتمتعان بمنزلة كبيرة فى العلم والسلوك، فتن الناس بهما، فأطلقوا عليهما اسم الملكين، من باب التشبيه والمجاز، وهو إطلاق معروف قديما وحديثا، حيث يطلق الآن على الشخص الممتاز اسم "ملاك ". وفى الأساطير البابلية شخصان باسمين مقاربين لهاروت وماروت، أعجب الناس بهما فأطلقوا عليهما اسم ملكين، بل زاد الإعجاب بهما فاعتقدوا أنهما من الألهة. وقد أقبل اليهود على تعلم ما تركاه من حكمة وسحر، وشغلوا به عن كتاب الله الذى نبذوه وراء ظهورهم. هذا، ولا يجوز أن نلتفت إلى ما يقال عن الملائكة مما يتنافى مع عصمتهم، فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، قال تعالى {بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} الأنبياء: 26، 127، وقال {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون} الأنبياء: 19، 20 (7/436) ________________________________________ سؤال الملائكة عن خلق آدم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سئل: عندما أخبر الله سبحانه الملائكة بأنه سيخلق بشرا قالوا له: إنه سيكون مفسدا، فكيف عرفوا ذلك؟
الجواب قال الله تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إنى أعلم ما لا تعلمون} البقرة:35، جاء في كتب التفسير: أن الأرض كانت مسكونة بخلق لم يصلحوا لعمارتها كما أراد اللَّه سبحانه فأهلكهم، ثم قال سبحانه للملائكة: إنى سأجعل بعد هؤلاء خليفة لإدارة الأرض إدارة صالحة، فخافوا أن يكون كمن سبقوه من الذين ارتكبوا الجرائم وأفسدوا بالقتل وغيره، وقالوا: نحن خلق جُبلنا على الطاعة لك، نحمدك بكل كمال هو فيك، وننزهك عن كل نقص لا يليق بجلالك، فأخبرهم اللَّه أنه يعلم أن الخليفة الجديد سيصلح ولا يفسد. فالملائكة ظنت بالقياس على الخلق السابق على آدم أنه سيقتل ويسفك الدماء، ولم يعلموا أنه سيكون من لحم ودم، وأن الملائكة لم تكن تعلم الغيب المستقبل لآدم. وليس في هذا الظن علم بالغيب، ولذلك قال اللَّه {إنى أعلم ما لا تعلمون} وقال {ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} البقرة: 33، فعلمهم ظن أساسه القياس، وعلم الله حق أساسه الكشف واليقين. وقيل: إن الملائكة تعرف أن الخليفة لن يكون له من علم اللَّه وإرادته المطلقة ما يستطيع أن يحيط بكل شيء علما، أو يعلم علما يقينيا كاملا مرة واحدة بل على التدريج، وعلى هذا يكون تصرفه غير حكيم، وبالتالى يكثر الفساد وقيل غير ذلك (7/437) ________________________________________ هل إبليس من الملائكة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل إبليس من الملائكة لأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم فلم يسجد، أو هو من الجن؟
الجواب معرفة جنس إبليس متوقفة على الخلاف في كونه من الملائكة أولا، وهو قبل معصيته لأمر الله لا يعرف حاله بطريق ثابت، وكل ما قيل في ذلك منسوب إلى بعض الصحابة. أما بعد الإخبار عن معصيته ففي معرفة جنسه رأيان. الرأي الأول: أنه من الملائكة، واستدل أصحاب هذا الرأي بأدلة منها: أ-ظاهر الاستثناء فى قوله تعالى {فسجدوا إلا إبليس} وهو استثناء مفصل يدل على أنه من الملائكة. ب -أنه لو لم يكن من الملائكة ما كان أمر الله لهم بالسجود متناولاً له، ولو لم يكن متناولا له استحال أن يكون تركه للسجود إباء معصية، ولما استحق العذاب، وحيث حصل ذلك علمنا أن الخطاب بالسجود يتناوله، فهو من الملائكة. والرأي الثاني أنه ليس من الملائكة، واستدل أصحاب هذا الرأي بأدلة مها: ا - قوله تعالى {فسجدوا إلا إبليس كان من الجن} الكهف: 50. ب -أن الملائكة معصومون من العصيان لقوله تعالى {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم: 6، وإبليس عصى واستكبر عن السجود فهو ليس من الملائكة 0 وأدلة الطرفين محتملة، ومناقشة وبيان ذلك باختصار: 1 -أن الاستثناء قد يكون منقطعًا فالمستثنى إبليس وليس من جنس المستثنى منه وهم الملائكة. 21 - أن الأمر بالسجود أصلا هو للملائكة، وإبليس ملصق بهم لكثرة عبادته، فلا يوجه إليه أمر خاص، لأن الأمر العام يكون للكثرة الغالبة. 31-كون إبليس من الجن قد يراد به أنه من العالم المستتر، والملائكة من العالم المستتر أيضًا، قال تعالى {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} الصافات: 158، حيث قال الكفار: الملائكة بنات الله. والدليل الذي جىء له لإثبات أنه ليس من الملائكة بأنهم معصومون، وإبليس أخطأ دليل قوى، فإن الثابت أن الجن منهم مؤمنون ومنهم كافرون، والآيات في ذلك كثيرة وليس في الملائكة كافرون. ومن أجل أن أغلب أدلة الطرفين مناقشة فلا يمكن القطع برأى في الموضوع، ولهذا قيل: إن إبليس ليس من الملائكة-ولا من الجن بل هو خلق مفرد من نار، وإبليس يطلق عليه شيطان، لأن الشياطين هم شرار الجن. فإن منهم أخيارا، كما يطلق لفظ الشيطان على من تمرد من الإنس والجن والدواب. ومن أراد تفصيلاً أوضح فليرجع إلى كتاب " آكام المرجان " للمحدث الشبلى، وإلى مجلة الأزهر- المجلد الثامن، صفحة 566 وما بعدها، وإلى بحث الجن في هذه الفتاوى (7/438) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 6:59 am | |
| رؤية الحيوانات للملائكة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن بعض الحيوانات ترى ملك الموت عند نزوله إلى الأرض؟
الجواب الثابت فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا اللَّه من فضله، فإنها رأت ملكا، وإذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا باللَّه من الشيطان، فإنها رأت شيطانا". والثابت أيضا أن فرس أسيد بن حضير أحست بالملائكة التى نزلت تستمع إلى القراَن، فاضطربت وكادت تؤذى الولد النائم، كما رواه البخارى ومسلم. وروى النسائى والحاكم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير فى الليل فتعوذوا باللَّه من الشيطان الرجيم، فإنها ترى ما لا ترون، وأقلوا الخروج إذا هدأت الرِّجل، فان اللَّه يبث فى الليل من خلقه ما شاء " وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم. يؤخذ من هذا أن الحيوانات ترى من مخلوقات الله المغيبة عنا ما لا يراه الإنسان، لكن الربط بين حيوان بعينه وما يراه إن كان ملكا أو شيطانا يقتصر فيه على ما أخبرنا به النبى صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح، ولم أعثر. على حديث يعتمد عليه فى الاعتقاد بأن الكلب يرى ملك الموت كما هو شائع بين العامة (7/439) ________________________________________ مصير الملكين بعد موت الإنسان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل وكّل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله فإذا مات قالا: أتأذن لنا أن نصعد إلى السماء؟ قال: فيقول الله تعالى: إن سمائى مملوءة بملائكتى يسبحونى. فيقولان فتأذن لنا فنقيم فى الأرض؟ فيقول الله تعالى: إن أرضى مملوءة من خلقى يسبحونى، فيقولان: فأين نقيم؟ فيقول: قوما على قبر عبدى، فسبحانى واحمدانى وكبرانى وهللانى، واكتبا ذلك لعبدى إلى يوم القيامة"
الجواب يقول الله سبحانه {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللَّه} الرعد: 11، ويقول {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد. إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ق: 16 -18، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار". إن ملائكة اللَّه من عالم الغيب، لا يعلم عددهم إلا اللَّه، ولهم أعمال كلفهم اللَّه بها {لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم: 6، تفاصيل أحوالهم وأعمالهم لا تقبل إلا عن طريق صحيح، والاعتقاد لا يقوم إلا على الدليل القاطع فى ثبوته ودلالته. وقد أخبرت الآية أن لله ملائكة مكلفين بحفظ غيرهم من البشر، مع اختلاف المفسرين فيمن يحفظه المعقبات: هل هو محمد صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره فى آية سابقة " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" أو كل الرسل كما قي دل عليه "ولكل قوم هاد" أو الناس عامة تحفظهم من الوحوش والهوام لطفا من اللَّه، حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينهم، كما قاله ابن عباس وعلى رضى اللَّه عنهما، وقيل الحفظ هو كتابة الأقوال والأفعال، ونقل القرطبى عن الثعلبى كلاما أن الملائكة الموكلة بكل عبد يبلغون عشرين ومعهم إبليس وولده، وليس لهذا الكلام دليل يعتمد عليه فى العقائد "ج 9 ص 292- 294 ". وذكر فى سورة (ق) رقيبا وعتيدا، وهما الموكلان بكتابة الأعمال، اثنان بالنهار واثنان بالليل وأن لكاتب الحسنات سلطانا على كاتب السيئات، يأمره بعدم الإسراع فى الكتابة لعل الإنسان يستغفر فى ظرف سبع ساعات، كما ذكر الحديث المذكور فى السؤال، ولم يسنده إلى ثقات المحدثين، بل رواه بصيغة التمريض التى تدل على عدم الصحة فى اصطلاح المحدثين، وهى (روى) فالأولى أن نكل العلم إلى اللَّه فيما تقوم به الملائكة مادام لم ينص عليه فى القرآن والسنة الصحيحة (7/440) ________________________________________ ملك الموت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو اسم ملك الموت، وكيف يقبض أرواح الكثيرين فى وقت واحد، ومن الذى يقبض روحه هو، وهل صحيح أنه كان يظهر للناس، وأنه استأذن النبى ليقبض روحه وأن موسى لطمه؟
الجواب نحن مكلفون بالإيمان بالملائكة إجمالا، ولا نكلف بمعرفة أسمائهم إلا ما نص عليه القراَن أو الحديث الصحيح لأن عددهم كبير كما قال اللَّه سبحانه {وما يعلم جنود ربك إلا هو} المدثر: 31، والنص إما على الإسم الشخصى مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل، ومنكر ونكير، ورضوان خازن الجنة ومالك خازن النار. وعزرائيل مشهور بأنه هو ملك الموت وإن كان اسمه لم يرد فى القراَن الكريم. وإما أن يكون النص على النوع مثل حملة العرش والكتبة الذين يحصون أعمال العباد. والحفظة وغيرهم. وعزرائيل هو الملك الموكل بقبض الأرواح، قال تعالى {قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} السجدة: 11، ويقال إن اللَّه اختاره لذلك لأنه هو الذى تجرأ وأخذ من تراب الأرض ليخلق الله منه آدم على الرغم من أنها استعاذت من الملائكة الذين حاولوا قبله أن يأخذوا منها التراب، وهذا كلام وهب بن منبه والزهرى وليس له سند صحيح " مشارق الأنوار للعدوى ص 16" وملك الموت ككل نفس سيموت والذى يقبض روحه هو اللَّه سبحانه. وجاء فى مشارق الأنوار أيضا "ص 13 " أن له أعوانا بعدد من يموتون، وأخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما عن نفسين اتفق موتهما فى طرفة عين، واحد بالمشرق والآخر بالمغرب كيف قدرة الملك عليهما؟ قال: ما قدرة ملك الموت على أهل المشارق والمغارب والظلمات والهواء والبحور إلا كرجل بين يديه مائدة يتناول من أيها شاء. وأخرج ابن أبى حاتم عن زهير بن محمد قال: قيل: يا رسول الله، ملك الموت واحد والزحفان يجتمعان بين المشرق والمغرب وما بين ذلك من السخط والهلاك، فقال "إن اللَّه حوى الدنيا لملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدى أحدكم، فهل يفوته منها شىء ". وأخرج أحمد والبزار وصححه عن أبي هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كان ملك الموت يأتى الناس عيانا، فأتى موسى عليه السلام فلطمه ففقأ عينه، فأتى ربه فقال: يا رب عبدك موسى فقأ عينى ولولا كرامته عليك لشققت عينه، قال له: اذهب إلى عبدى موسى فقل له: فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة، فأتاه فقال له: ما بعد هذا؟ قال: الموت. قال: فالآن. قال: فشمه شمة فقبض روحه ورد اللَّه عليه عينه، فكان بعد يأتى الناس خفية. وذكر الشعرانى بعد أن حكى رواية للإمام الترمذى بمثل هذا - أن موسى فقأ عين ملك الموت بإذن من ربه عز وجل، لأنه معصوم. ولذلك لم يعاتبه الله على ذلك "مشارق الأنوار ص 15 ". كما أورد حديثا عن أحمد عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم وفيه دخول ملك الموت بيت داود عليه السلام - وكانت فيه غيرة - فقبض روحه. كما نقل أن الطبرانى أخرج عن الحسين أن جبريل هبط على النبى صلى الله عليه وسلم "يوم موته وأخبره أن ملك الموت استأذن على الباب، وما استأذن على أحد قبلك، وأن الملك قال: إن الله أرسلنى إليك وأمرنى أن أطيعك، إن أمرتنى أن أقبض نفسك قبضتها وإن كرهت تركتها، وقد أذن له النبى صلى الله عليه وسلم فى قبضها "المرجع السابق ". وجاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرح الزرقانى "ج 8 ص 285" أن جعفر الصادق بن محمد الباقر أخبر عن أبيه محمد بن على ابن الحسين أنه قال: لما بقى من أجل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث نزل عليه جبريل وساق الكلام المذكور، وجاء فيه أن جبريل قال للنبى: يا رسول الله هذا آخر موطئ من الأرض، إنما كنت "حاجتى من الدنيا. وذكر الزرقانى أن عدم نزول جبريل بعد ذلك إنما هو النزول بالوحى المتجدد، فلا ينافى ما ورد فى أحاديث أنه ينزل ليلة القدر ويحضر قتال المسلمين مع الكفار، ويحضر من مات على طهارة من المسلمين، ويأتى مكة بعد خروج الدجال ليمنعه من دخولها وفى زمن عيسى عليه السلام ليس بشرع جديد. وخلاصة الإجابة على السؤال: أن ملك الموت اسمه عزرائيل ولم يرد ذكر اسمه فى القراَن، وأنه رئيس الملائكة المكلفة بقبض الأرواح فله أعوان فى هذه المهمة وأن الذى يقبض روحه هو الله بحكم أن كل نفس ذائقة الموت. وأنه كان يظهر للناس. وحادثته مع موسى عليه السلام وردت فى حديث غير متواتر. كما أن حديث استئذانه الرسول فى قبض روحه فيه كلام. -وليس ذلك عقيدة يجب اعتقادها، وللاجتهاد فيه نصيب (7/441) ________________________________________ تصوير الملائكة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى بعض الرسوم الكاريكاتيرية التى تظهر فى الصحف ويسخر فيها أصحابها من عالم الآخرة، حيث يصورون ملائكة الرحمة أو زبانية الجحيم فى صورة مهرجين أو مستهترين؟
الجواب الملائكة أجسام نورانية قادرون على التشكل بالأشكال الحسنة المختلفة، وصفهم الله سبحانه وتعالى فى القران الكريم بأنهم مطهرون كرام بررة، عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، أى لا يتعبون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وناط بهم أعمالا فى مملكته الواسعة، يؤدونها بأمانة وصدق كما أمرهم الله سبحانه، وكما تقض به طبيعتهم الخيرة التى لا تعرف الشر، ولا العصيان. وقد أمرنا الله سبحانه أن نؤمن بهم على هذه الصورة الكريمة كما أمرنا أن نؤمن برسله وكتبه، وحرم الاستهزاء والاستخفاف بهم أو تحقيرهم بأية صورة من الصور كما حرم ذلك بالنسبة للرسل، قال تعالى {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} البقرة: 98 وقد كان اليهود يَعُدُّون جبريل عليه السلام عدوا لأنه ينزل بالوحى الذى يفضح أحوالهم، وبما يتعارض مع مصالحهم كما يتصورون. ومن هنا يحرم أى شىء لا يصور الملائكة بصورتهم التى صورها القران الكريم، سواء أكان ذلك قولا أم فعلا: برسم أو ت! مثيل أو كلام أو غيره، فذلك كذب لأنه لا يمثل الحقيقة، والكذب حرام، كما حرم الكذب على الرسل الذى جاء فيه الحديث المتفق عليه " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " وهو وإن كان فى شأن النبى صلى الله عليه وسلم فهو يشمل كل الرسل {لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة: 285 بل الكذب حرام حتى على غيرهم ممن ليست لهم مكانتهم العالية ومنزلتهم الرفيعة. كما يحرم الاستهزاء والاستخفاف بالملائكة وكل من لهم قداسة وتقدير، فإن ذلك يؤدى إلى الكفر، لمنافاته لتشريف الله لهم بأنهم عباد مكرمون، ويقول سبحانه {الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس} الحج: 75. وإذا فقدنا ثقتنا بهذه الصفوة الممتازة من خلق الله فبمن نثق بعد ذلك وهم ليسوا فى درجتهم، إن مثل هذه الاستهانة بالملائكة والرسل وكرام الناس من الأولياء والعلماء الذين جعل الله لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة، وقال فيهم {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} المجادلة: 11. إن هذه الاستهانة مدرجة إلى التحلل من كل القيم الرفيعة، والواجب علينا جميعا أن نقف بحزم وشدة أمام هذا التسيب فى العقيدة والأخلاق، {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: 25 (7/442) ________________________________________ التلمود
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نسمع أن لليهود كتابا يسمى التلمود، فهل هو من الكتب المنزلة من عند الله كالتوراة؟
الجواب كلمة التلمود عبرية معناها العلم أو الثقافة، وعرف بهذا الاسم كتابان: التلمود الفلسطينى والتلمود البابلى. وموضوعهما واحد، الأول جمعه اليهود الذين بقوا فى فلسطين بعد أن دمر الملك البابلى أورشليم سنة 586 قبل الميلاد، والثانى جمعه اليهود الذين أسرهم هذا الملك فى بابل. ولما وجد اليهود أنفسهم منعزلين عن المجتمع لتعصبهم: حاولوا التوفيق بين يهودية التوراة والمجتمع، فوضعوا شروحا للتوراة مزجت بالثقافات المختلفة وجمعت فى كتاب اسمه "المشنا" ثم قام زعيم لهم بنشره فى المدارس والمجامع التى عرفت باسم "الكنيست " واعتبروا هذا الزعيم نبيا كموسى. وطغت الشروح على أصل التوراة، منذ القرن الخامس قبل الميلاد حتى جاء سيدنا عيسى عليه السلام، وبعده انقسم الكتبة إلى فئات تحاول كسب ود الحاكم الرومانى على حساب الدين. وحوالى سنة 70 ميلادية غزا "تيطوس" الرومانى فلسطين وخرَّب أورشليم، وجاء كاتب يهودى اسمه "يهوذا بن سمعان " فى أواخر القرن الثانى وأوائل القرن الثالث، فجمع كل هذه الأعمال وقسمها ستة أجزاء، تشمل قواعد العبادة والأعياد والنساء والمعاملات والقرابين والطهارة ثم أضيفت شروح مكملة، ولما كبرت الشروح جمعها اثنان من الكتبة هما "آشى ورابين" فى القرن الخامس الميلادى، وسمياها "التلمود" وطبع بأصليه: الفلسطينى والبابلى فى البندقية. هذا، وقد جاء الإسلام وقرر أن اليهود حرفوا التوراة وكتبوا كتبا من عندهم يشترون بها ثمنا قليلا، وبسبب تقديسهم لما كتبوه وتركهم ما أنزل الله وقفوا من الدعوة الإسلامية مواقفهم المعروفة، بل وقفوا من العالم مواقف لتحقيق ما سطره قدماؤهم فى التلمود وما وضعوه من بروتوكولات، وتنصح بعدم قراءة هذه الكتب إلا للمتمكن فى دينه القادر على تمييز الحق من الباطل (7/443) ________________________________________ القرآن: {سيماهم فى وجوههم}
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى قوله تعالى {سيماهم فى وجوههم من أثر السجود} ؟
الجواب السيما هى العلامة وقد جاء فى المراد منها أقوال عدة، بعضها يجعلها فى الدنيا وبعضها يجعلها فى الآخرة، ومن الأولى قول ابن عباس: هى السمت الحسن، وقال بعض السلف: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " روى هذا على أنه حديث مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه موقوف على جابر. وقد رواه ابن ماجه، وقال ابن العربى: إنه غير مرفوع. وقال بعضهم عن السيما: إن للحسنة نورا فى القلب وضياء فى الوجه وسعة فى الرزق ومحبة فى قلوب الناس. ومنه قول عثمان: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه. وقال عمر: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ونقل عن مالك أن السيما هى ما يعلق بجباههم من الأرض عند السجود. وأما ما يقال أنها هى الأثر الطاهر فى الوجه على الجبين فقد سئل عنه مجاهد، وهو من كبار التابعين المفسرين، فقال منكرا لذلك: ربما يكون بين عينى الرجل مثل ركبة العنز، وهى أقسى قلبا من الحجارة، ولكنه نور فى وجوههم من الخشوع. ومن الثانى: أى كون السيما فى الآخرة، ما قاله الحسن: إنها بياض يكون فى الوجه يوم القيامة. ففى الصحيح " أن الله يأمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، فمن أراد الله أن يرحمه ممن يقول: لا إله إلا الله، فيعرفونهم فى النار بأثر السجود، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ". ذكر هذه الأقوال ابن كثير والقرطبى فى التفسير (7/444) ________________________________________ مكر الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى قوله تعالى {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} مع أننا نعرف أن المكر صفة مذمومة لا تليق بالله سبحانه؟
الجواب فى مفردات الراغب الأصفهانى أن المكر هو صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان، مكر محمود، وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قال {والله خير الماكرين} ومذموم، وهو أن يتحرى به فعل قبيح، قال تعالى {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} فاطر: 43، وقال تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} الأنفال: 30، وقال تعالى {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} النمل: 51، وقال فى المحمود والمذموم {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون} النمل: 50، وقال تعالى {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} آل عمران: 54، ومن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم " اللهم امكر لى ولا تمكر على " يعنى أن كفار بنى إسرائيل دبروا حيلة لقتل سيدنا عيسى عليه السلام، ودبر الله أمرا آخر لحمايته فألقى شبه عيسى على غيره، ورفع عيسى إليه، والله خير من يدبر الأمور ولا يغلبه أحد. هذا ما نقلته عن مفردات الأصفهانى بتصرف بسيط فى تكميل بعض الآيات، وما يوضح معنى الآية الواردة فى السؤال، أما التفسير الوافى فيرجع فيه إلى كتب التفسير، ومن هنا نعرف أن المكر هو التدبير، فإن كان فى شر فهو مذموم، وإن كان فى خير فهو محمود (7/445) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 6:59 am | |
| عدية يس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك فضل لسورة يس، وما رأى الدين فيما يسمى " عدية يس " لقراءتها على الظالم؟
الجواب جاء فى فضل سورة يس قول النبى صلى الله عليه وسلم " قلب القرآن يس، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله له، أقرءوها على موتاكم " رواه أحمد والنسائى وأبو داود والحاكم وصححه. وقولة " من قرأ يس كتب الله بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات دون يس " رواه الترمذى وقال: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط، وقوله " من قرأ يس فى ليلة ابتغاء وجه الله غفر له " رواه مالك وابن السنى وابن حبان فى صحيحه 0 وجاء فى تفسير القرطبى نقلا عن مسند الدارمى عن ابن عباس وليس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم هذا الحديث " من قرأ يس حين يصبح أعطى يُسْرَ يومه حتى يمسى، ومن قرأها فى صدر ليلة أعطى يسر ليلته حتى يصبح " وقال القرطبى: رفع الماوردى هذا الخبر إلى النبى صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس بلفظ: " إن لكل شىء قلبا وإن قلب القرآن يس، ومن قرأها فى ليلة أعطى يسر تلك الليلة، ومن قرأها فى يوم أعطى يسر ذلك اليوم " ولم يبين درجة هذا الحديث. من مجموع ما ورد فى شأنها نعلم أن لها فضلا كما أن لبعض سور القرآن فضلا يزيد على الفضل العام للقرآن وذلك من أجل الترغيب فى قراءتها، ويمكن الأخذ بهذه الأحاديث فى فضائل الأعمال. هذا، وما يقال عن " عدية يس" فلا أعرف له أصلا فى الدين، فإن لها نظاما فى القراءة - كما يقال - لا يوافق عليه الدين، مع التسليم بأن قراءة يس أو شىء من القرآن عمل صالح يمكن التقرب به إلى الله عند الدعاء، فيقال بعد القراءة: " اللهم إنى أسألك بحق ما قرأت من القرآن الكريم أن تحفظنى من السوء، وترفع عنى ظلم الظالمين " فيرجى أن يستجيب الله الدعاء كما دعا من انطبق عليهم الغار بصالح أعمالهم فنجاهم الله. مع العلم بأن الله سينتصف من الظالم للمظلوم، فدعوته - كما صح فى الحديث -يرفعها الله فوق الغمام ويقول: وعزتى وجلالى لانصرنك ولو بعد حين. ولكننا نوصى بالصبر والعفو، قال تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله} الشورى: 40 (7/446) ________________________________________ إحراق أوراق المصحف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال بعض أوراق المصحف تآكلت فهل يجوز أن أتخلص منها بإحراقها أو برميها فى مكان غير نظيف؟
الجواب لا مانع من إحراق أوراق المصحف للمحافظة عليها من التعرض للإهانة، وقد أمر عثمان بن عفان رضى الله عنه بإحراق ما عدا مصحفه، من المصاحف التى كانت عند بعض الصحابة، وذلك من أجل المحافظة على القرآن ولم ينكر عليه. ولا يجوز أن تلقى أية ورقة من المصحف على الأرض أو فى مكان قذر ما دام فيها حرف من كلام الله تعالى، ولو حدث ذلك على سبيل الإهانة والاحتقار كان كفرا. جاء فى " الاتقان " للسيوطى "ج 2 ص 172 " ما نصه: إذا احتيج إلى تعطيل بعض أوراق المصحف لبلاء ونحوه فلا يجوز وضعها فى شق أو غيره، لأنه قد يسقط ويوطأ، ولا يجوز تمزيقها، لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم، وفى ذلك إزراء بالمكتوب، كذا قاله الحليمى. قال: وله غسلها بالماء، وإن أحرقها بالنار فلا بأس. أحرق عثمان مصاحف كان فيها آيات وقراءات منسوخة ولم ينكر عليه. وذكر غيره أن الإحراق أولى من الغسل، لأن الغسالة قد تقع على الأرض. وجزم القاضى حسين فى تعليقه بامتناع الإحراق، لأنه خلاف الاحترام، والنووى جزم بالكراهة، وفى بعض كتب الحنفية أن المصحف إذا بلى لا يحرق، بل يحفر له فى الأرض ويدفن، وفيه وقفه، لتعرضه للوطء بالأقدام. هذا ما قالة العلماء فى التخلص من أوراق المصحف التى تمزقت أو تآكلت، وقد يكون الإحراق أخف طريقة لذلك مع توفر النية الصالحة فى أن ذلك لصيانة القرآن وعدم احتقاره وتعريضه للإهانة، والأعمال بالنيات (7/447) ________________________________________ الاستماع إلى القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الاستماع إلى القرآن واجب يأثم من ينشغل عنه، مع أن الإنسان قد يكون فى عمل هام يحتاج إلى التركيز فى التفكير كالمذاكرة والامتحان؟
الجواب قال الله تعالى {وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} الأعراف: 204. حكى ابن المنذر الإجماع على أن استماع القرآن والإنصات إليه واجب فى الصلاة وخطبة الجمعة، وليس واجبا فى غير هاتين الحالتين، بل هو سنة، وذلك لأن وجوب الاستماع فيه حرج كبير على القائمين بأعمال ضرورية تحتاج إلى يقظة وعدم انشغال، وبخاصة أن القرآن يتلى ويذاع من جهات متعددة، إن لم يكن من البيت أو محل العمل فمن البيوت أو المحال الأخرى. ولكن إذا كان الإنسان فى مجلس قرآن ولا يوجد عمل يشغله ينبغى أو يجب أن يتأدب فى المجلس ولا ينشغل عن الاستماع إليه بحديث أو غيره، وبخاصة مع رفع الصوت بالحديث، وتعظم المسئولية إذا كان قاصدا برفع الصوت التشويش على القرآن وإذا كان الله تعالى قال {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} الحجرات: 2، فإن النهى عن رفع الصوت على صوت القرآن أولى، والأدب مع الله وكلامه فوق الأدب مع الرسول وكلامه. " الفتاوى الإسلامية. ج 5 ص 1666 ". والمراد بسماع القران فى الصلاة هو سماع المأموم لقراءة الإمام، فلا يجوز أن يشغل المأموم عن قراءة الإمام بأن يقرأ هو، وقد مر حكم ذلك، والإنصات إلى خطبة الجمعة واجب لأن فيها قرانا، والنصوص ثابتة فى الأمر بالإنصات للخطبة، وأن من لغا أو انصرف عنها فلا جمعة له. والخلاصة أن الاستماع إلى القرآن واجب فى الصلاة عند قراءة الإمام وفى خطبة الجمعة، ومندوب فى غير ذلك، فقد روى أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلا آية من كتاب الله كانت له نورا يوم القيامة " ذكره ابن كثير عند تفسير الآية المذكورة " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له " (7/448) ________________________________________ الظلمات الثلاث
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الظلمات الواردة فى قوله تعالى {يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق فى ظلمات ثلاث} الزمر: 6؟
الجواب الكلام فى تفسير هذه الظلمات كثير، وأحسن ما قيل فيها أنها ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة. وهو المنقول عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك. وقيل: ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم، وهذا مذهب أبى عبيدة، يقول القرطبى: أى لا تمنعه الظلمة كما تمنع المخلوقين، أى أن الله سبحانه يخلق الإنسان فى بطن أمه طورا بعد طور، من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام إلى لحم، وقيل فى معنى " خلقا من بعد خلق " خلقا فى بطون أمهاتكم من بعد خلقكم فى ظهور آبائكم، ثم خلقا بعد الوضع، كما ذكره الماوردى (7/449) ________________________________________ الدخان المبين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أرجو تفسير الآيتين 10، 11 من سورة الدخان؟
الجواب الآيتان هما قوله تعالى {فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين. يغشى الناس هذا عذاب أليم} . الدخان هنا فيه ثلاثة أقوال: الأول: أنه من علامات الساعة، ولم يجىء بعد، وفى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم " ذكر من علامات الساعة الدخان. وهذا الدخان يمكث أربعين يوما، أما المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام، وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران، يخرج الدخان من فمه ومنخره وعينيه وأذنيه ودبره ". والقول الثانى: أنه ما أصاب قريشا من الجوع بسبب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم، حتى كان الرجل يرى السماء والأرض دخانا. ذكره البخارى ومسلم. والقول الثالث: أنه يوم فتح مكة، لما حجبت الغبرة السماء. وكتب التفسير فيها توضيح لذلك فيرجع إليها من أراد (7/450) ________________________________________ موسى والآيات التسع
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الآيات التسع التى آتاها الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام؟
الجواب قال تعالى {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بنى إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إنى لأظنك يا موسى مسحورا} الإسراء: 101، اختلف المفسرون فى المراد بهذه الآيات، فقيل: هى بمعنى آيات الكتاب كما روى الترمذى والنسائى أن يهوديين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال " لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسخروا، ولا تمشو ببرىء إلى السلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفروا من الزحف ". وقيل: إن الآيات بمعنى المعجزات والدلالات، وهى: 1 -العصا: قال تعالى {فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين} الشعراء: 32. 2-اليد: قال تعالى {ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين} الشعراء: 33. 3- اللسان: قال تعالى {واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى} طه: 27، 28. 4 - البحر: قال تعالى {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} الشعراء: 63. 5 - الطوفان. 6- الجراد. 7 - القمل. 8 - الضفادع. 9 - الدم: قال تعالى {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات} الأعراف: 133. وقيل غير ذلك " انظر تفسير القرطبى ج 10 ص 335 " (7/451) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 7:00 am | |
| أصحاب الرس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هم أصحاب الرس، ومن هو النبى الذى أرسل إليهم؟
الجواب قال تعالى {كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود} ق: 12، جاء فى تفسير القرطبى لسورة الفرقان: أن الرس فى كلام العرب هو البئر التى تكون غير مطوية أى غير مبنية، والكلام كثير فى بيان أصحاب الرس، ولا يوجد مستند صحيح لهذه الأقوال، فقيل: هم أهل أنطاكية الذين قتلوا حبيبا النجار مؤمن آل يس وطرحوه فى البئر، وقيل قوم من ولد يهوذا كانوا يعبدون شجرة صنوبر قتلوا نبيهم ورسُّوه فى البئر. وقال وهب بن منبه: أرسل الله شعيبا إلى قوم حول بئر فكذبوه، وقال قتادة: أصحاب الرس وأصحاب الأيكة أمتان أرسل الله إليهما شعيبا، وقيل أصحابها قوم باليمامة، وقيل هم أصحاب الأخدود، وقد يكون رسولهم ممن لم يقصهم الله على نبيه، وقيل هم قوم حنظلة بن صفوان. وعلى كل حال لا يضر الجهل بهم فليس فيهم خبر صحيح (7/452) ________________________________________ يا أيها النبى اتق الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف يأمر الله نبيه بقوله تعالى {اتق الله} فهل وقع منه خطأ أو تقصير حتى يقول الله ذلك؟
الجواب قال تعالى {يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما} الأحزاب: 1. المراد بالأمر هنا هو المداومة على التقوى، ولا يقصد بها أن الرسول كان غير متق لله فأمره الله بالتقوى. ومثل ذلك كثير فى القرآن الكريم (7/453) ________________________________________ السبع المثانى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى السبع المثانى؟
الجواب يقول اللَّه تعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم} الحجر: 87، اختلف العلماء فى المراد بالسبع المثانى، فقيل هى: الفاتحة، وهو أصح الآراء، لورود الحديث بذلك، فقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى قال: مَرَّ بى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا أصلى، فدعانى فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: " ما منعك أن تاتينى"؟ فقلت: كنت أصلى، فقال ألم يقل الله: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للَّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ؟ الأنفال: 24، ألا أعلمك أعظم سورة فى القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ فذهب النبى صلى الله عليه وسلم ليخرج فذكرته فقال: "الحمد لله رب العالمين، هى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى أوتيته " وجاء فى البخارى أيضا عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "أم القرآن هى السبع المثانى والقراَن العظيم " وأم القرآن هى الفاتحة كما جاء فى الحديث " الحمد لله أم القران وأم الكتاب والسبع المثانى " رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح، وهذا نص يغنى عن الأقوال الأخرى فى المراد بالسبع المثانى، ومن هذه الأقوال أنها السور السبعة الطُول أى الطويلة: وهى البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال مع التوبة لعدم وجود التسمية بينهما، وهذا هو رأى ابن عباس كما رواه النسائى عن سعيد بن جبير عنه، وقيل: المراد بالسبع المثانى أقسام القرآن من الأمر والنهى والتبشير والإنذار وضرب الأمثال وتعديد النعم وأنباء القرون، وهناك أقوال أخرى لا تستند إلى نص، فالصحيح هو الأول. ووصف الفاتحة بأنها المثانى لأنها تثنى وتكرر فى ركعات الصلاة والقرآن كذلك يوصف بالمثانى كما قال سبحانه {اللَّه نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللَّه} الزمر: 22، لأبها تثنى وتتكرر على مر الزمان، كذلك تتثنى فوائدها وتتضاعف، على ما يفيده قول النبى صلى الله عليه وسلم " ولا تنقضى عجائبه " رواه الترمذى، وهى أيضا مأخوذة من الثناء والمدح والشرف، لأن القرآن مجلبة لذلك كله، فى نظمه وهدايته وقراءته وتعلمه ونشره وتعليمه والتخلق بأخلاقه وتطبيق أحكامه، والقرآن كذلك مثانى لما يلاحظ فيه من الثنائية، بمعنى الاقتران، أى اقتران آية الرحمة بآية العذاب، والوعد بالوعيد والجنة بالنار، والهدى بالضلال، وهكذا (7/454) ________________________________________ المشرق والمغرب والمشارق والمغارب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى قوله تعالى {ولله المشرق والمغرب} وكيف نوفق بينه وبين الآيات التى فيها مشرقان ومغربان ومشارق ومغارب؟
الجواب قال تعالى {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} المزمل: 9، وقال تعالى {رب المشرقين ورب المغربين} الرحمن: 17، وقال {فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون} المعارج: 40، خلاصة كلام المفسرين أن المقصود بالمشرق والمغرب فى الآية الأولى مشرق الشمس ومغربها، أى الجهة التى تشرق منها والجهة التى تغرب فيها، والمراد الجهات كلها، فليس هناك فى الوجود كله إله يستحق العبادة إلا الله سبحانه، ويلتقى هذا مع قوله تعالى {وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله} الزخرف: 84، أى مالك الكون كله. والمقصود بالمشرقين والمغربين فى الآية الثانية مشرق الشمس ومشرق القمر، ومغرب الشمس ومغرب القمر، فلكل منهما مشرق ومغرب، وقيل: المراد من المشرقين والمغربين مشرقا الشمس ومغرباها، وذلك صيفا وشتاء، حيث يكون شروقها من أقص منزلة فى الشمال ومن أقصى منزلة فى الجنوب، وكذلك غروبها فى أقصى منزلة فى الشمال وفى الجنوب، وهذا مشاهد لكل عين، حيث يختلف مطلع الشمس ومغربها صيفا وشتاء. والله سبحانه هو الذى يقدر حركات الكون، فتأخذ أجزاء الأرض أوضاعا من الشمس يكون منها الصيف والشتاء وبقية الفصول، وتتراءى لنا الشمس كأنها هى التى تعلو وتنخفض عند الشروق والغروب، وتجرى فى مسارات مختلفة باختلاف الفصول، ولا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه. والمقصود بالمشارق والمغارب فى الآية الثالثة، إما مشارق الشمس ومغاربها، وإما مشارق جميع النجوم ومغاربها، فإن كان المقصود الأول فإن الشمس - فى المسافة التى بين أقصى ارتفاع وأقصى انخفاض لها بحسب رؤية العين صيفا وشتاء - تشرق كل يوم من منزلة وتغرب فى منزلة، أى مشرق جديد ومغرب جديد. ولا تتكرر المنزلة فى الشروق والغروب إلا مرتين فى السنة الشمسية حين تمر عليها الشمس شمالا وجنوبا وإن كان المراد الثانى وهو مشارق جميع النجوم ومغاربها فالأمر واضح فى الكثرة، لأن لكل منها مشرقا ومغربا، بل مشارق ومغارب. هذا ولا تتنافى كثرة المشارق والمغارب للشمس مثلا كما تدل عليه الآية الثالثة - مع الإخبار بمشرقين ومغارب كثيرة بتعدد المنازل كما ذكرنا، كما لا تتنافى الآيتان الأخيرتان مع الآية الأولى التى ذكر فيها مشرق واحد ومغرب واحد، لأن المراد - كما قال المفسرون - جهة الشروق وجهة الغروب وفى كل من الجهتين منزلة لشروق الشمس وغروبها إجمالا ومنازل تفصيلا. وقال بعض المفسرين. المراد بالمشرق والمغرب فى هذه الآية الجنس لا الوحدة والجنس يصدق بالواحد والاثنين والثلاثة وما بعدها، فلا تنافى بين الاَية والآيتين الأخريين. والمراد بالمشرقين والمغربين فى الآية الثانية جنس المشرقين للشمس والقمر وجنس المغربين لهما، وهو يصدق بالواحد والمتعدد. وبهذا يعلم أنه لا تضارب بين آيات القران الكريم مطلقا، لأن القرآن كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ولو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وإذا كان هناك تضارب فهو بحسب الظاهر لا بحسب الحقيقة. فلا يجوز أن يوجه الطعن إليه قبل التدبر والفهم فكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم (7/455) ________________________________________ الأرضون السبع
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الأرض سبع كما أن السموات سبع؟
الجواب روى الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الإسناد، وروى البيهقى فى شعب الإيمان وقال: إسناد صحيح عن أبى الضحى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال فى قوله تعالى {اللَّه الذى خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} الطلاق: 12، قال: سبع أرضين. فى كل أرض نبى كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم. قال البيهقى: إسناد هذا الحديث إلى ابن عباس صحيح، إلا أنى لا أعلم لأبى الضحى متابعا، فهو شاذ، لأنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما تقرر فى علوم الحديث، لاحتمال أن يكون فى المتن شذوذ أو علة تمنع صحته. وما دام الحديث ضعيفًا فلا داعى للقول بأن سكان هذه الأرضين من البشر أم من غيرهم، وهل الرسل فيها كانوا مقارنين لرسل هذه الأرض التى يسكنها بنو آدم. هذا، ومثلية الأرضين للسموات قد تكون مثلية كم أو كيف، أى مثلية فى العدد، أو مثلية فى إبداع الخلق ودقة الصنع والاحتواء على الآيات والدلائل الشاهدة على عظمة الخلق والخالق. وندع العقل يجول فى الكشف.وفى الاستنتاج، وإذا وصل إلى حقيقة مقررة ثابتة فإنها لا تتعارض أبدا مع كلام الله سبحانه، وكلام اللَّه هو الأصل، وغيره يقاس عليه ويحاكم إليه،.إذا اتضح معنى النص ولم يحتمل عدة معان وتأويلات. والاحتياط واجب فى عدم حمل آيات القرآن على ما يقال من كشوف لم تتعد حدود النظريات والافتراضات. وقد تكون من الأراضى المريخ وزهرة وعطارد لتشابه العناصر المكونة لها مع عناصر الأرض (7/456) ________________________________________ الصلب والترائب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو الصلب والترائب التى خلق منها الإنسان؟
الجواب هذه الآية من الآيات العلمية التي ما كان العرب يعرفون عنها شيئا، وبالتالى لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم ليعلم عنها شيئا لولا نزول القرآن عليه من اللَّه " واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون " وذلك من أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم فى دعواه الرسالة. وقد ظل الناس قرونا طويلة يجهلون كيف يتخلق الجنين فى بطن أمه حتى نزل القرآن فبين ذلك بدقة في سورة " المؤمنون " ووضحه النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، وبين أن الإنسان يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة. . . والمفسرون للقرآن والشارحون للأحاديث كانوا يوضحون ذلك حسب المعلومات التى كانت عندهم مع استعانتهم بمعانى الألفاط العربية التى نزل بها القرآن. والترائب هى عظام الصدر، وهل المراد صدر الرجل، أو صدر المرأة الذى يقابله الصلب فى الرجل؟ رأيان. وإليك نموذجا من التفاسير: (أ) جاء فى تفسير القرطبى أن الانسان يخلق من ماء الرجل الذى يخرج من صلبه العظم والعصب، ومن ماء المرأة الذى يخرج من ترائبها اللحم والدم، وقيل من صلب الرجل وترائبه، ومن صلب المرأة وترائبها. ولم يوضح كيف تم الخلق بهذه الصورة. (ب) جاء فى تفسير الجواهر للشيخ طنطاوى جوهرى معتمدا فيه على ما فى تفسير الفخر الرازى: أن الدماغ مركز الأدراك وخليفته فى الجسم النخاع الشوكى المخزون فى الصلب، والنخاع له شعب كثيرة تصل إلى جميع أجزاء الجسم. . . ولن يتم اجتماع الرجل بالمرأة إلا بقوة الحس عن طريق الدماغ والنخاع الذى فى الصلب، وكذلك بوجود زينة المرأة التى يغلب أن تكون على ترائبها، أى على صدرها، ولذا عبر عن الرجل بالصلب وعن المرأة بالترائب وهذا فحوى كلام الرازى وجوهرى، وهو تفسير سطحى لعملية تكوين الجنين. (ج) .وجاء فى تفسير القاسمى: أن المنى باعتبار أصله وهو الدم يخرج من شىء ممتد بين الصلب - فقرات الظهر فى الرجل - والترائب أى عظام صدره، وذلك الشىء الممتد بينهما هو الأبهر " الأورطى " وهو أكبر شريان فى الجسم يخرج من القلب خلف الترائب ويمتد إلى آخر الصلب تقريبا، ومنه تخرج عدة شرايين عظيمة، ومنها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شريانى الكليتين وينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين فيغذياهما، ومن دمهما يتكون المنى فى الخصيتين ويسميان بشريانى الخصيتين أو الشريانين المنويين، فلذا قال تعالى عن المنى {يخرج من بين الصلب والترائب} لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطى أو الأبهر. (د) هذا بعض ما جاء فى كتب التفسير، وهى محاولات لتقريب المعنى المعهود الآن مما وصل إليه العلم، ولا شك أن الكشوف العلمية تتقدم يوما بعد يوم، ثم قرأنا للمختصين أن الغدد التناسلية فى الجنين تكون أصلا فى المنطقة الواقعة بين عظام الظهر " الصلب " وعظام الصدر " الترائب " وهذا ما يدل عليه قوله تعالى {يخرح من بين الصلب والترائب} سواء منه الذكر والأنثى، فهى تخلق فى نفس المكان، ولعل مما يؤكد ذلك قوله تعالى {وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم فريتهم} فكلمة: " بنى آدم " تشمل الذكر والأنثى. وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى المختصين، وبخاصة فى علم الأجنة. هذه صور من محاولات تفسير ما ورد فى القراَن من الأمور العلمية. ولعل فى الكشوف المستقبلة ما يوضح ذلك أكثر وأكثر، مصداقا لقوله تعالى {سنريهم آياتنا فى الاَفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} (7/457) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 7:01 am | |
| أخذ الأجر على قراءة القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل تجوز قراءة القرآن بأجر؟
الجواب قارىء القرآن لا خلو من حالات أربعة: الأولى: أن يقرأه تقربا إلى اللَّه كما يتقرب بالذكر والتسبيح وسائر أنواع القرب. الثانية: أن يقرأه من أجل إفادة غيره بتعليمه إياه حفظا أو تجويدا، أو بوعظه وإرشاده به. الثالثة: أن يقرأه من أجل إفادة غيره بحسن صوته وتطريبه وتلحينه، أو من أجل العلاج به. الرابعة: أن يقرأه ليهب ثوابه إلى الميت. والأجر على هذه القراءة إما أخروى وإما دنيوى، ولكل حالة حكمها. 1 -أما القراءة تقربا إلى الله سبحانه فلها ثواب أخروى إذا خلت من الرياء، وقد جاءت نصوص كثيرة ترغب فى قراءته، فالحرف الواحد بعشر حسنات، ويرقى القارئ فى درجات الجنة بمقدار ما يقرأ، والقرآن شافع مشفع، ويلبسه اللَّه تاج الكرامة وحلة الكًرامة ويرضى اللَّه عنه، ويأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة، إلى غير ذلك من أنواع الثواب الذى جعله لقراءته بوجه عام إلى جانب ما جعله لسور واَيات مخصوصة. ولا يجوز مطلقا أن يتعاقد على أجر فى مقابل هذه القراءة، كالصلاة، وإلا حُرِمَ ثواب الله، حيث قصد بالقراءة غير وجه الله. لكن لو قدمت له هدية من أجل تكريمه وتشجيعه على الطاعة فلا مانع من قبول الهدية، للترغيب فى قبولها، على شرط ألا يكون متطلَّعا لها عند قراءته. وفى مثل هؤلاء المتاجرين بالقراءة والمرائين والمتسولين به يقول الحديث الذى رواه أحمد " اقرءوا القراَن ولا تغْلُوا فيه ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به " والغلُوُّ فيه والجفوة عنه هو فى التطبيق، مغالاة فى التمسك أو تقصيرا وجفوة له، والأكل به هو أخذ المقابل له كسلعة تباع، والاستكثار به يكون بالرياء والتفاخر والتعالى، وذلك على بعض ما شرح به الحديث، وكذلك فى مثل هؤلاء يقول الحديث الذى رواه أحمد والترمذى " اقرءوا القراَن واسألوا اللَّه به، فإن من بعدكم قوما يقرءون القراَن يسألون به الناس " وكذلك أحاديث أخرى تقبل فى فضائل الأعمال، هذا وقد جاء فى كتاب " الحاوى للفتاوى" للسيوطى: لو قال شخص لاَخر: اقرأ لى كل يوم ما تيسر من القراَن واجعل ثوابه لى أو لفلان الميت، وجعل له على ذلك مالا معلوما ففعل، فهل يكون ثواب القراءة لهذا الشخص أو يكون له مثل الثواب، وهل يبقى للقارىء ثواب أم لا، وما الحكم لو كانت القراءة بدون مقابل، بل كانت تبرعا؟ جاء فى الجواب: أن هذه القراءة جائزة إذا شرط الدعاء بعدها والمال الذى أخذه القارى هو من باب الجعالة، والجعالة هنا على الدعاء لا على القراءة، فإن ثواب القراءة للقارئ ولا يمكن نقله للمدعو له، وإنما يقال: له مثل ثوابه فيدعو بذلك ويحصل له إن استجاب اللَّه الدعاء، وكذلك حكم القارئ بدون مقابل. ثم قال السيوطى: من يقرأ ختمات من القران بأجرة هل يحل له ذلك؟ وهل يكون ما يأخذه من الأجرة من باب التكسب أو الصدقة؟ وأجاب بقوله: نعم يحل له أخذ المال على القراءة والدعاء بعدها، وليس ذلك من باب الأجرة ولا الصدقة، بل من باب الجعالة، فإن القراءة لا يجوز الاستئجار عليها، لأن منفعتها لا تعود إلى المستأجر. لما تقرر فى مذهبنا - الشافعية - من أن ثواب القراءة للقارىء لا للمقروء له، وتجوز الجعالة عليها إن شرط الدعاء بعدها، وإلا فلا، وتكون الجعالة على الدعاء لا على القراءة، هذا مقتضى قواعد الفقه. انتهى. 2 - أما الذى يعلِّم القرآن للحفظ والتجويد أو للوعظ والتعليم للدين، فله أجر من اللَّه إن قصد به وجهه دون رياء أو طلب مقابل دنيوى، والنصوص كثيرة فى الترغيب فى التعليم، منها حديث "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخارى ومسلم وحديث " يا أبا ذر، لأن تغدو فتعلم آية من كتاب اللَّه خير لك من أن تصلى مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلِّم بابا من العلم، عمل به أو لم يعمل خير لك من أن تصلى ألف ركعة" رواه ابن ماجه بإسناد حسن. وحديث الثلاثة الذين هم أول من تُسَعَر بهم النار يوم القيامة، ومنهم رجل تعلم العلم وقرأ القرآن من أجل أن يقال إنه عالم وقارئ، وقد استوفى بذلك ما أراد فى الدنيا ولم يَعُدْ له ثواب عند الله، فيؤمر به ويسحب على وجهه ويلقى فى النار رواه مسلم وغيره، وينظبق عليهم قول اللَّه تعالى {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوَفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} هود: 15، 16،. أما أجر الدنيا على تعليم القرآن والوعظ به، فينظر فيه، فإن كان واجبا على القائم به لحاجة المتعلم إليه لمعرفة ما يجب عليه ولا يوجد غير هذا المعلم فأختار ألا يستحق عليه أجرا وألا يساوم على هنا الأجر، لأن الواجب الدينى ثوابه وأجره عند الله فقط، والتقصير فيه يستوجب العقوبة، أما إن كان التعليم غير واجب فلا مانع من أخذ الأجر عليه، لأنه أمر اختيارى لا عقوبة فى التقصير فيه. وفى كلتا الحالتين - وجوب التعليم وعدم وجوبه - لو أعطيت للمعلم هدية غير مشروطة وغير مساوم عليها فلا مانع من قبولها، بل يُسنُّ قبولها كأية هدية أخرى وكذلك لو خصص بيت المال أو جهة ما مبلغا من المال يدفع للقائمين بذلك تشجيعا لهم على التفرغ لهذا العمل وعدم انشغالهم عنه بواجب كسب عيشهم بزراعة أو تجارة مثلا، وعملهم هذا جهاد فى سبيل الله بمعناه الواسع غير القاصر على حمل السلاح لمواجهة العدو. وقد ورد فى ذلك حديث أُبَىَّ بن كعب قال: علَّمت رجلا القرآن فأهدى لى قوسا، فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " إن أخذتها أخذت قوسا من نار " فرددتها. رواه ابن ماجه، ورواه غيره بألفاظ أخرى جاء فيها أنه كان يأكل أيضا من طعام من علَّمه، وأن الرسول أجازه إن كان طعاما عاديا لأهل هذا الرجل وليس خاصا به. وفى هذا الحديث كلام يضعف الاحتجاج به، وبخاصة على الحرمة، وتوضيح ذلك يرجع، إليه فى نيل الأوطار للشوكانى " ج 5 ص 303". ويستدل على جواز أخذ مقابل لتعليم القرآن فى حالة عدم وجوبه بما أخرجه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم أجاز أن يكون الصداق فى الزواج تعليم الزوجة شيئا من القرآن. يقول الشوكانى بعد ذكر أحاديث النهى عن الأكل بالقرآن والسؤال به وعن أخذ القوس وتناول الطعام عند صاحبه: إنه قد استدل بها من قال: لا تحل الأجرة على تعليم القرآن وهو أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة والهادوية، وظاهره عدم الفرق بين أخذها على تعليم من كان صغيرا أو كبيرا، وقالت الهادوية: إنما يحرم أخذها على تعليم الكبير، لأجل وجوب تعليمه القدر الواجب وهو غير متعين، ولا يحرم على تعليم الصغير لعدم الوجوب عليه. وقال: وذهب الجمهور إلى أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن، وأجابوا كل عن أحاديث المنع بأجوبة منها -إلى جانب الضعف - أن الرسول علم من أُبي بن كعب أنه فعل ذلك خالصا لوجه اللَّه فكره أخذ العوض عليه، وأما من علَّم القرآن على أنه لله وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفس فلا بأس به، وأن حديث تحريم السؤال به غير أخذ الأجر على تعليمه، وحديث منع الأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من قبول ما يدفعه المتعلم بطيب نفس. وحاول الشوكانى ردَّ هذه الأجوبة بأسلوب يدل عل تحمسه لمذهب من حرم أخذ الأجرة، كما حاول الرد على حديث البخارى فى جواز أن يكون تعليم القرآن صداقا فى الزواج وهو أجر، بعدة ردود منها أنه خاص بهذين الزوجين وليس عاما، بناء على حديث سعيد بن منصور الذى جاء فيه " لا يكون لأحد بعدك مهرا ". هذا، وما دام الجمهور قد أجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وبخاصة إذا كانت بسخاء نفس تشبه الهدية فلا مانع من أخذ هذا المقابل، مع الوصية بعدم الحرص الشديد عليه وإيثار ثواب الله على أجر الدنيا، هذا وقد جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 334 " لقوله تعالى {ولا تشتروا باَياتى ثمنا قليلا} البقرة: 41، أن الأحبار كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك. ثم قال: وهذه الآية وإن كانت خاصة ببنى إسرائيل فهى تتناول من فعل فعلهم، فمن أخذ رشوة على تغيير حق أو إبطاله أو امتنع من تعليم ما وجب عليه أو أداء ما علمه وقد تعين عليه حتى يأخذ عليه أجرا فقد دخل فى مقتضى الاَية. وقد روى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة " يعنى ريحها. ثم قال القرطبى: وقد اختلف العلماء فى أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم لهذه الآية وما كان فى معناها، فمنع ذلك الزهرى وأصحاب الرأى فقالوا: لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، لأن تعليمه واجب من الواجبات التى يحتاج فيها إلى نية التقرب والإِخلاص، فلا يؤخذ عليها أجرة كالصلاة والصيام، وقد قال تعالى {ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا} وروى ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة باليتيم وأغلظهم على المسكين (1) " وعن أبى هريرة فى المعلمين " درهمهم حرام وثوبهم سحت وكلامهم رياء" وروى عبادة بن الصامت أنه علَّم ناسا من أهل الصفة القرآن والكتابة، فأهدى إليه رجل منهم قوسا رأى أنها ليست بمال وأنه يرمى بها فى سبيل اللَّه، فسأل الرسول عن ذلك فقال " إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها". وأجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن مالك والشافعى وأحمد وأبو ثور وأكثر العلماء، لحديث البخارى " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللَّه " وهو نص يرفع الخلاف فينبغى أن يعول عليه. ثم قال القرطبى: وأما ما احتج به المخالف، من القياس على الصلاة والصيام ففاسد لأنه فى مقابل النص، ثم إن بينهما فرقانا، وهو أن الصلاة والصيام عبادات مختصة بالفاعل، وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المعلم، فتجوز الأجرة على محاولته النقل، كتعليم كتابة القرآن. قان ابن المنذر: وأبو حنيفة يكره تعليم القرآن بأجرة، ويجوِّز أن يستأجر الرجل يكتب له لوحا أو شعرا أو غناء معلوما بأجر معلوم، فيجوز الإِجارة فيما هو معصية ويبطلها فيما هو طاعة. وأما الجواب عن الآية فالمراد بها بنو إسرائيل، وشرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟ فيه خلاف، وهو لا يقول به. وجواب ثان وهو أن تكون الآية فيمن تعيَّن عليه التعليم فأبى حتى يأخذ عليه أجرا، فأما إذا لم يتعين فيجوز له أخذ الأجرة بدليل السنة فى ذلك، وقد يتعين عليه إلا أنه ليس عنده ما ينفقه على نفسه ولا على عياله فلا يجب عليه التعليم وله أن يقبل على صنعته وحرفته، ويجب على الإِمام أن يعين لإِقامة الدين إعانته، وإلا فعلى المسلمين، لأن الصدِّيق رضى الله عنه لما ولى الخلافة وعُيِّن لها لم يكن عنده ما يقيم به أهله فأخذ ثيابا وخرج إلى السوق، فقيل له فى ذلك، فقال: ومن أين أنفق على عيالى؟ فردوه وفرضوا له كفايته. وأما الأحاديث فليس شىء منها يقوم على ساق، ولا يصح منها شىء عند أهل العلم بالنقل، أما حديث ابن عباس فرواه سعد بن طريف عن عكرمة عنه، وسعيد متروك. وأما حديث أبى هريرة فرواه على بن عاصم عن حماد بن سلمة عن أبى جرهم عنه، وأبو جرهم مجهول لا يعرف، ولم يرو حماد بن سلمة عن أحد يقال له أبو جرهم. وإنما رواه عن أبى المهزِّم وهو متروك الحديث أيضا، وهو حديث لا أصل له، وأما حديث عبادة بن الصامت فرواه أبو داود من حديث المغيرة بن زياد الموصلى عن عبادة بن نُسىِّ عن الأسود بن ثعلبة عنه، والمغيرة معروف عند أهل العلم ولكن له مناكير، هذا منها، قاله أبو عمر. ثم قال: وأما حديث القوس فمعروف عند أهل العلم، لأنه روى عن عبادة من وجهين، وروى عن أُبى بن كعب من حديث موسى بن على عن أبيه عن أبى، وهو منقطع. وليس في الباب حديث يجب العمل به من جهة النقل، وحديث عبادة وأبى يحتمل التأويل لأنه جائز أن يكون علَّمه لله ثم أخذ عليه أجرا، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " خير الناس وخير من يمشى على جديد الأرض المعلمون، كلما خلق الدين - صار قديما - جددوه، أعطوهم ولا تستأجروهم فتحرجوهم، فإن المعلم إذا قال للصبى: قل بسم الله الرحمن الرحيم، فقال الصبى بسم الله الرحمن الرحيم كتب اللَّه براءه للصبى وبراءة للمعلم وبراءة لأبويه من النار". انتهى ما قاله القرطبى، لكنه لم يذكر درجة هذا الحديث، وهو إن كان ضعيفا يعمل به فى فضائل، الأعمال. يتلخص من هذا، أن الأجر على تعليم القرآن جائز إن لم يتعين عليه، وكذلك إن تعين عليه لكنه مشغول بتحصيل قوته فيجعل له بيت المال أو المسلمون ما يجعله متفرغا للتعليم، ثم قال القرطبى " ص 337": واختلف العلماء فى حكم المصلى بأجرة، فروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة خلف من استؤجر فى رمضان يقوم للناس - صلاة التراويح وقيام الليل - فقال: أرجو ألا يكون به بأس، وهو أشد كراهة له فى الفريضة. وقال الشافعى وأصحابه وأبو ثور: لا بأس بذلك ولا بالصلاة خلفه. وقال الأوزاعى: لا صلاة له، وكرهه أبو حنيفة وأصحابه. 3- أما أصحاب الأصوات الحسنة الذين يقصدون من قراءتهم إدخال السرور على السامعين، سواء كانت المناسبة أفراحا وأعيادا أم عزاء مثلا، مع التزام كل الآداب المطلوبة من القراء والسامعين، إن كانت هناك مساومة على الأجر يمكن أن ينطبق عليه حديث النهى عن الأكل والتسول به، وعن الاستكثار والتفاخر بالصوت الجميل، لأن العمل ليس تعليما للقرآن ولا تعليما للدين به، بل مجرد قراءة لا يقصد بها وجه اللَّه عند بعضهم، فهى قربة كالصلاة لا تطلب بها الدنيا ماديا ولا أدبيا، أما إذا لم تكن مساومة وأعطيت كهدية فلا مانع من قبولها، وقد يثاب دافعها إن قصد بها تكريم القرآن وحامله إن كان غنيا، أو مساعدته إن كان محتاجا للمساعدة. وإن قصد بقراءة القرآن علاج مريض، كالرقى التى أجازها النبى صلى الله عليه وسلم، فلا مانع من اشتراط الأجر وقبوله. وقد جاء النص على هذه الحالة فى حديث رواه البخارى عن ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم من راق فإن فى الماء رجلا لديغا أو سليما؟ فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شياه - أى في مقابل شياه - فجاء بالشاه إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب اللَّه أجرا؟ حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول اللَّه أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللَّه " وجاء فى رواية اخرى أن الراقى طلب أجرا لأن القوم أبوا أن يضيفوهم وكانوا فى حاجة إلى الضيافة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه " قد أصبتم، اقتسموا واضربوا لى معكم سهما، وضحك، وذلك مبالغة فى تأنيسهم، واللديغ يطلق عليه أيضا السليم من باب التفاؤل، وحاول المانعون من أخذ الأجرة الرد على هذا الحديث بأنه منسوخ، لكن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال، بل لابد له من دليل، كما ردوا بأن الأجر فيه هو على الرقية لا على التلاوة والتعليم، أما الأجر على التعليم فهو ممنوع. ولا يخفى ما فى هذا من تعسف لا داعى له، فكل منفعة تقدم للغير يجوز أخذ مقابل لها ما دامت مشروعة وغير تمتعينه أما أتمتعينه كالزكاة فليس لها مقابل مادى ممن أخذها، لأنها حقه كما قال سبحانه {وفى أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات: 19،. هذا هو خلاصة ما أخذته من الأحاديث الواردة فى أخذ الأجر على القرآن، تلاوة أو تعليما أو إفادة بطريق مشروع، وقد رأينا خلاف الفقهاء فى جواز الأخذ ومنعه، وما دام الأمر خلافيا فلا يجوز التعصب لرأى، مع التوصية بالمحافظة على جلال القرآن والاهتمام بثواب الله سبحانه. ويعجبنى ما ختم به صاحب " منتقى الأخبار " الذى شرحه الشوكانى، الأحاديث الواردة فى الموضوع، وهو يميل إلى المنع، فقال بعد ذكر حديث رقية الرجل اللديغ، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم زوج امرأة رجلا على أن يعلمها سورا من القرآن. ومن ذهب إلى الرخصة لهذه الأحاديث حمل حديث أبى وعبادة - المانعين - على أن التعليم كان قد تعين عليهما، وحمل فيما سواهما من الأمر والنهى على الندب والكراهة، يعنى على عدم الوجوب والحرمة. هذا، وأما قراءة القرآن من أجل نفع الميت بها، ففيها خلاف للعلماء بين المنع من استفادته بها بناء على أنها عبادة بدنية لا تقبل النيابة، وبين الجواز بناء على رجاء رحمة اللَّه وما ورد من بعض النصوص، ومن تتبع أقوال الكثيرين يمكن استنتاج ما يلى: 4- 1 -إذا قرى القرآن بحضرة الميت فانتفاعه بالقراءة مرجو، سواء أكان معها إهداء أم لم يكن، وذلك بحكم المجاورة، فإن القرآن إذا تلى، وبخاصة إذا كان فى اجتماع، حفت القارئين الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، روى مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم: " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللَّه يقرءون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة " والقرآن ذكر بل أفضل الذكر، وقد روى مسلم وغيره حديث " لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده " بل لا يشترط لنزول الملائكة وغيرهم أن تكون القراءة أو الذكر فى جماعة، فيحصل ذلك للشخص الواحد. روى البخارى ومسلم حديث أسيد بن حضير الذى كان يقرأ القرآن فى مربده وبجواره ولده وفرسه، وجاء فيه: فإذا مثل الظلة فوق رأسى، فيها أمثال السرج عرجت فى الجو حتى ما أراها، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (تلك الملائكة تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم) . على أن النص قد جاء بقراءة " يسو~ " عند الميت، روى أحمد وأبو داود والنسائى، واللفظ له، وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " قلب القرآن يس، ولا يقرؤها رجل يريد اللَّه والدار الآخرة إلا غفر الله له، اقرأوها على موتاكم ". وقد أعل الدارقطنى وابن القطان هذا الحديث، لكن صححه ابن حبان والحاكم، وحمله المصححون له على القراءة على الميت حال الاحتضار، بناء على حديث فى مسند الفردوس " ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون الله عليه ". لكن بعض العلماء قال: إن لفظ الميت عام لا يختص بالمحتضر، فلا مانع من استفادته بالقراءة عنده إذا انتهت حياته، سواء دفن أم لم يدفن، روى البيهقى بسند حسن أن ابن عمر استحب قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن. فابن حبان الذى قال فى صحيحه معلقا على حديث " اقرءوا على موتاكم يس " أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه، رد عليه المحب الطبرى بأن ذلك غير مسلم له وإن سلم أن يكون التلقين حال الاحتضار. قال الشوكانى: واللفظ نص فى الأموات، وتناوله للحى المحتضر مجاز فلا يصار إليه إلا لقرينة " نيل الأوطار ج 4 ص 52 ". والنووى ذكر فى رياض الصالحين تحت عنوان: الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة " الباب الحادى والستون بعد المائة " ذكر أن الشافعى قال: يستحب أن يقرأ عنده شىء من القرآن، وإن ختموا القرآن كان حسنا. وجاء فى المغنى لابن قدامة " ص 758": تسن قراءة القرآن عند القبر وهبة ثوابها، وروى أحمد أنه بدعة، ثم رجع عنه. وكره مالك وأبو حنيفة القراءة عند القبر حيث لم ترد بها السنة. لكن القرافى المالكى قال: الذى يتجه أن يحصل للموتى بركة القراءة، كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده. 2 -إذا قرىء القرآن بعيدا عن الميت أو عن القبر وامتنع انتفاعه به بحكم المجاورة وحضور الملائكة، اختلف الفقهاء فى جواز انتفاع الميت به، وهناك ثلاث حالات دار الخلاف حولها بين الجواز وعدمه: الحالة الأولى: إذا قرأ القارئ ثم دعا الله بما قرأ أن يرحم الميت أو يغفر له، فقد توسل القارئ إلى اللَّه بعمله الصالح وهو القراءة، ودعا للميت بالرحمة، والدعاء له متفق على جوازه وعلى رجاء انتفاعه به إن قبله اللَّه، كمن توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فانفرجت عنهم الصخرة التى سدت فم الغار. وفى هذه الحالة لا ينبغى أن يكون هناك خلاف يذكر فى عدم نفع الميت بالدعاء بعد القراءة. الحالة الثانية: إذا قرأ القارىء ثم دعا الله أن يهدى مثل ثواب قراءته إلى الميت. قال ابن الصلاح: وينبغى الجزم بنفع: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه، أى مثله، فهو المراد، وأن يصرح به لفلان، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعى فما له أولى، ويجرى ذلك فى سائر الأعمال. ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعى يدعو الله أن يرحم الميت: والرحمة ليست ملكا له بل للَّه، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهى ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب القراءة أو مثلها. وكذلك يجوز فى كل قربة يفعلها الحى من صلاة وصيام وصدقة، ثم يدعو بعدها أن يوصل اللَّه مثل ثوابها إلى الميت. وقد تقدم كلام ابن قدامة في المغنى عن ذلك. والدعاء بإهداء مثل ثواب القارئ إلى الميت هو المراد من قول المجيزين: اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان. الحالة الثالثة: إذا نوى القارئ أن يكون الثواب، أى مثله، للميت ابتداء أي قبل قراءته أو فى أثنائها يصل ذلك إن شاء الله، قال أبو عبد اللَّه الأبى: إن قرأ ابتداء بنية الميت وصل إليه ثوابه كالصدقة والدعاء، وإن قرأ ثم وهبه لم يصل، لأن ثواب القراءة للقارىء لا ينتقل عنه إلى غيره. وقال الإِمام ابن رشد فى نوازله: إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز وحصل للميت أجره، ووصل إليه نفعه، ولم يفصل بين كون الهبة قبل القراءة أو معها أو بعدها، ولعله يريد ما قاله الأبى. هذا، وانتفاع الميت بالقراءة مع الإِهداء أو النية هو ما رآه المحققون من متأخرى مذهب الشافعى، وأولوا المنع على معنى وصول عين الثواب الذى للقارىء أو على قراءته لا بحضرة الميت ولا بنية ثواب قراءته له، أو نيته ولم يدع له، وفد رجح الانتفاع به أحمد وابن تيمية وابن القيم. وقد مر كلامهم فى ذلك. قال الشوكانى " نيل الأوطار ج 4 ص 142 ": المشهور من مذهب الشافعى وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعى إلى أنه يصل، كذا ذكره النووى فى الأذكار. وفى شرح المنهاج: لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور، والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته، وينبغى الجزم به لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء. وهذا المعنى لا يختص بالقراءة، بل يجرى فى سائر الأعمال. والظاهر أن الدعاء متفق عليه أن ينفع الميت والحى، والقريب والبعيد، بوصية وغيرها، وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب. انتهى. هذا، وقد قال الأبى: والقراءة للميت، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغى إهمالها، فلعل الحق الوصول، فإن هذه الأمور مغيبة عنا، وليس الخلاف فى حكم شرعى إنما هو فى أمر هل يقع كذلك أم لا. وأنا مع الأبى فى هذا الكلام، فإن القراءة للميت إن لم تنفع الميت فهى للقارئ، فالمستفيد منها واحد منهما، ولا ضرر منها على أحد. مع تغليب الرجاء فى رحمة الله وفضله أن يفيد بها الميت كالشفاعة والدعاء وغيرهما. وهذا الخلاف محله إذا قرئ القرآن بغير أجر، أما إن قرى بأجر الجمهور على عدم انتفاع الميت به، لأن القارئ أخذ ثوابه الدنيوى عليها فلم يبق لديه ما يهديه أو يهدى مثل ثوابه إلى الميت، ولم تكن قراءته لوجه اللَّه حتى يدعوه بصالح عمله أن ينفع بها الميت، بل كانت القراءة للدنيا. ويتأكد ذلك إذا كانت هناك مساومة أو اتفاق سابق على الأجر أو معلوم متعارف عليه، أما الهدية بعد القراءة إذا لم تكن نفس القارئ متعلقة بها فقد يرجى من القراءة النفع للميت والأعمال بالنيات، وأحذر قارئ القرآن من هذا الحديث الذى رواه أحمد والطبرانى والبيهقى عن عبد الرحمن بن شبل (اقرأوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به) قال الهيثمى: رجال أحمد ثقات، وقال ابن حجر فى الفتح: سنده قوى. وفسر الأكل به بأخذ الاجرة عليه، كما فسره بالاستجداء به والتسول. وقد قال الشيخ حسنين محمد مخلوف فى أخذ الأجرة على قراءة القرآن: مذهب الحنفية لا يجوز أخذها على فعل القرب والطاعات كالصلاة والصوم وتعليم القرآن وقراءته، ولكن المتأخرين من فقهاء الحنفية استثنوا من ذلك أمورا، منها تعليم القرآن، فقالوا بجواز أخذ الأجرة عليه استحسانا، خشية ضياعه، ولكن بقى حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن على ما تقرر فى أصل المذهب من عدم الجواز. ومذهب الحنابلة لا يجوز أخد الأجرة على تعليم القرآن ولا على قراءته، استنادا إلى حديث " اقرءوا القرآن. . . " الذى تقدم.. ومذهب المالكية لا يجوز أخذ الأجرة على ما لا يقبل النيابة من المطلوب شرعا كالصلاة والصيام، ولكن يجوز أخذ الأجرة على ما يقبل النيابة، ومنه تعليم القرآن وقراءته، ومذهب الشافعية يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه، سواء أكانت القراءة عند القبر أو بعيدة عنه، مع الدعاء بوصول الثواب إلى الميت. انتهى "الزرقانى ج 5 ص 406 " (7/458) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 7:01 am | |
| اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قال تعالى عن أهل الكتاب {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} فهل كانوا يعبدونهم ويتقربون إليهم؟
الجواب قال تعالى {وقالت اليهود عزير ابن اللَّه وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اللَّه أنى يؤفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} التوبة: 30، 31. فى هاتين الآيتين نعى على اليهود والنصارى الذين نسبوا إلى الله ولدا كما قال الكفار: الملائكة بنات اللَّه، ونعى عليهم أنهم اتخذوا رؤساءهم الروحيين أربابا من دون اللَّه، فما معنى اتخاذهم أربابا؟ جاء فى تفسير القرطبى "ج 8 ص 120 " قال أهل المعانى: جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم فى كل شىء، ومنه قوله تعالى {قال انفخوا حتى إذا جعله نارا} أى كالنار. وقد سئل حذيفة عن معنى هذه الآية هل عبدوهم؟ فقال: لا، ولكن أحلوا لهم الحرام فاستحلوه، وحرموا عليهم الحلال فحرموه، وروى الترمذى عن عدى ابن حاتم قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وفى عنقى صليب من ذهب، فقال " ما هذا يا عدى اطرح عنك هذا الوثن " وسمعته يقرأ فى سورة براءة {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللَّه والمسيح ابن مريم} ثم قال " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه " قال: هذا حديث غريب لا يعرف إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعْيَن ليس بمعروف فى الحديث. . يؤخذ من هذا أن تفسير اتخاذهم أربابا بطاعتهم فى التحليل والتحريم ليس فيه نص صحيح يعتمد عليه، وإنما هو اجتهاد غير ملزم، فغاية ما يمكن أخذه من الآية أن طاعة الأحبار والرهبان طاعة مطلقة كطاعة الله خطأ، لأن هؤلاء الرؤساء غير معصومين، فقد تجر طاعتهم إلى العصيان أو الكفر. والإِسلام إذا كان يأمر بطاعة أولى الأمر فذلك محله فى غير المعصية، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، وقد صح فى حديث المبايعة الذى رواه البخارى ومسلم أن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازعَ الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان. والبواح -بضم الباء هو الصراح - بضم الصاد - الذى جاء فى رواية الطبرانى، وهو أيضا البراح - بضم الباء وبالراء بدل الواو - الذى جاء فى بعض الروايات، والوراد به الظاهر البيِّن الذى تشهد له النصوص ولا يقبل التأويل. ومع عدم الطاعة فى المعصية هل يجوز الخروج على ولى الأمر وعزله؟ إن حديث عبادة يدل على أنه لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر الواضح الذى ليس فيه شبهة، ومنه الطعن فى صلاحية حكم الله، واعتقاد ما أجمع على حرمته كالزنى والربا أنه حلال، أما ارتكاب المحرمات بغير اعتقاد حلها فهو عصيان لا يخرج به إلى الكفر ولا يجيز الخروج عليه، لكن النووى حمل الكفر فى الحديث على المعصية، وابن حجر فصل فى الموضوع فقال: والذى يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة فى الولاية فلا ينازعه بما يقدح فى الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يقدح فى الولاية نازعه فى المعصية، بأن ينكر عليه برفق، ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادرا. وعلى ضوء ما قاله ابن حجر: إن فسق الإِمام ولم يكفر وجب نصحه بالأسلوب الذى يرجى منه الخير ولا يؤدى إلى فتنة. ووضع قوانين تحليل الحرام كالربا والخمر حرام دون شك، لكن لا يحكم بالكفر على واضعها والحاكم بها بناء على قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل اللَّه فأولئك هم الكافرون} إلا إذا كان هناك اعتقاد بأن حكم اللَّه غير صحيح، وأن القانون الوضعى هو الصحيح، والطاعة لهذه القوانين غير جائزة، سواء كانت من منطلق كفر من وضعوها أو عصيانهم وفسقهم، لأن طاعتها تدخل تحت الاية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} ولابد من تغيير هذا المنكر، لكن بالطرق المشروعة التى لا تؤدى إلى فتنة، ويمكن الرجوع إلى كتابنا " نعم، الإِسلام هو الحل ولكن أين الطريق " الذى أعيد نشره بعنوان " المنهج السليم إلى صراط اللَّه المستقيم " أو إلى كتابنا: الإِسلام ومشاكل الحياة أو إلى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " (7/459) ________________________________________ كل يوم هو فى شأن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما تفسير قوله تعالى فى سورة الرحمن {كل يوم هو فى شأن} ؟
الجواب يقول الله تعالى {يسأله من فى السموات والأرض كل يوم هو فى شأن} الرحمن: 29،هذه الآية فيها جملتان، الأولى " يسأله من فى السموات والأرض " ومعناها أن كل المخلوقات محتاجة إليه، تطلب منه بلسان حالها أو مقالها كل ما تريده من رزق ورحمة ومغفرة وما إلى ذلك، والجملة الثانية هى {كل يوم هو فى شأن} والكلام فى تفسيرها كثير، ولكن يجب أن نعلم أن الله سبحانه علم كل شيء قبل أن يخلقه، وكتب فى اللوح المحفوظ ما سيكون عليه كل مخلوق وما يجرى على العالم كله، فعلمه سبحانه لا يتغير فى أى يوم من الأيام، أى مطلقا، سواء أردنا بالأيام أيام الدنيا، أو أردنا أنها يومان، يوم للدنيا ويوم للآخرة، وهو بقدرته سبحانه ينفذ مضمون علمه، وذلك يقتضى إشرافه الدائم على شئون خلقه، لا يشغله شأن عن شأن، فهو ليس مثلنا إذا شغلنا بشيء شغلنا عن الآخر فى اللحظة الواحدة، على حد قوله تعالى {ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه} الأحزاب: 4،وهو بوجوده الدائم وألوهيته المستمرة حاضر لا يغيب، مسيطر على الكون كله، ومنصرف فيه بقدرته حسب علمه وإرادته، يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل، ويخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويشفى سقيما ويسقم سليما، ويبتلى معافى ويعافى مبتلى ويعز ذليلا ويذل عزيزا، ويفقر غنيا ويغنى فقيرا إلى غير ذلك من سائر التصرفات، وهى كلها -كما عبر بعض الكاتبين - أمور يبديها ولا يبتديها، أى يظهرها للناس وهى معلومة له من قبل، فلا يبدأ عملها عند وجودها. والإله الذى بهذا الوصف لا يمكن حصر أفعاله ولا أوامره التى ينفذ بها مقاديره، قال تعالى {ولو أنما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} لقمان: 27،وقال {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا} الكهف: 109،وهو وحده القادر على السيطرة على العالم كله، كما قال سبحانه: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعد5} فاطر: 41. وبعد، فإن قوله تعالى {يسأله من فى السموات والأرض كل يوم هو فى شأن} يقوى فينا الإيمان بالحاجة الدائمة إليه، فلا نرجو أحدا سواه، لأنه حاضر لا يغيب، يجيب المضطر إذا دعاه، ويستجيب لمن ناداه {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد} فاطر:15، {فسبحان الذى بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} يس 83 (7/460) ________________________________________ تكرار الآيات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرى فى القرآن الكريم تكرارا لبعض الآيات بمعنى واحد، فما هى حكمة ذلك؟
الجواب ذكر الله سبحانه قوله تعالى فى سورة الرحمن {فبأى آلاء ربكما تكذبان} إحدى وثلاثين مرة والآلاء هى النعم، ومفرد الآلاء إلى مثل معى وأمعاء على بعض الأقوال اللغوية، والخطاب هنا للأنس والجن. وهما المرادان بالأنام فى قوله تعالى فى السورة نفسها، {والأرض وضعها للأنام} كما أنهما المرادان بالثقلين فى قوله تعالى {سنفرغ لكم أيها الثقلان} وقد صرح بذلك فى قوله تعالى {يا معشر الجن والإنس} وفى قوله تعالى {خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار} والله سبحانه عَدَّد فى هذه السورة نعما كثيرة، وهذه النعم أثر من آثار قدرة الله ورحمته، وحق من له هذه القدرة ومنه هذه الرحمة أن يُعْبَد وحده ولا يُشْرَك به سواه من خلقه. وبعض هذه النعم لا يظهر لأول وهلة وجه النعمة فيها مثل {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} ولكن بالإمعان فى النظر نجد أن فناء الخلق عند نهاية الدنيا وبقاء الله وحده من أكبر النعم، حيث يكون بعد المموت بعث وحساب وجزاء وينال أجره العادل من حرم منه فى الدنيا، ويقع العقاب على من أفلت منه فى الدنيا، قال تعالى {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا} الأنبياء: 47،والمؤمن بهذه الحقيقة لا تضيق نفسه إن ظلم من العباد فى الدنيا فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولا يتحسر إن وجد العاصين الظالمين ينعمون فى الدنيا أكثر مما يتنعم به المؤمنون الصالحون، لأن الله سيقول لهم يوم القيامة {أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون} الأحقاف: 20. وتكرار هذه الجملة بعد كل نعمة، وعدم الاكتفاء بها مرة واحدة أسلوب من الأساليب البلاغية فى لغة العرب، وهو دليل على أن كل نعمة بذاتها كافية للإيمان بالله وتوكيد للحجة، وذلك كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو ينكره ويكفره، ألم تكن فقيرا فأغنيتك، أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملا فعززتك، أفتنكر هذا؟ ألم تكن ماشيا فأركبتكُ، أفتنكر هذا؟ ذكره القرطبى فى تفسيره، وروى الحاكم عن جابر قال: قرأ علينا رسول الله سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال "ما لى أراكم سكوتا، للجن كانوا أحسن منكم ردا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة {فبأى آلاء ربكما تكذبان} إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد (7/461) ________________________________________ حكمة تكرار القصة فى القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ذكرت قصة سيدنا موسى فى القرآن أكثر من مرة وموضوعها واحد، مع تشابه النصوص فى كل موضع، والتكرار فى النص الأدبى يضعفه فكيف يتناسب ذلك مع إعجاز القرآن وبلاغته؟
الجواب قص القرآن الكريم هو أحسن القصص صدقا وبلاغة، قال تعالى {نحن نقص عليك نبأهم بالحق} الكهف: 13،وقال {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا} هود: 49، وتتضح حكمة هذا القصص من قوله تعالى {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} هود:125. وإذا كان هناك تكرار فى القرآن للقصة الواحدة فلا ينبغى أن يغيب عن أذهاننا أن القراَن لم ينزل مرة واحدة حتى يعاب التكرار، ولكنه نزل منجما مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة، تنزل الجملة منه بحسب الظروف الطارئة، والقصة الواحدة قد تصلح لكل هذه الظروف، متسقة معها مراعاة لمقتضى الحال، وذلك هو سر البلاغة التى نزل بها القرآن فى أعلى درجاتها. والنظرة العابرة إلى القصة التى نزلت عدة مرات قد يفهم منها أنها متشابهة متماثلة تماما، لكن النظرة الدقيقة ترينا أن الحكمة فى موضع يركز فيها على جانب منها وتكون الجوانب الأخرى تابعة ومكملة، لأن المقام يقتضى إبراز هذا الجانب، بينما تراها هى فى موضع آخر يركَّز فيها على جانب معين منها كان فى غيرها من التوابع المكملة، وذلك لاقتضاء المقام له أيضا، ولذلك قد يهمل فى بعضها لفظ أو يترك تعيين اسم يوجد له داع للذكر، أو التعيين فى مقام آخر، ومن هنا كانت متغايرة وليست متشابهة، بالنظر إلى الجانب الذى كان عليه التركيز فى كل منها. وليست قصة موسى هى وحدها التى تكررت فى القرآن، فإلى نجانبها قصص لرسل آخرين، تحمل هذه الحكمة التى فى قصة موسى، وقد يرشح للاهتمام بها تشابه ظروف الدعوة أكثر بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وبخاصة أن عددا كبيرا من اليهود كانت موجودا فى المدينة وكان لهم دور كبير فى مقاومة الدعوة على أن قضية ضعف النص الأدبى بتكراره ليست دائمة مسلَّمة، فقد يكون لتكراره ما يجعله بليغا حتى لو كان متشابها تمام التشابه فى تركيبه، سواء منه المفردات والجمل، وكان من البلاغة العربية تكرار اسم الحبيب فى البيت الواحد من الشعر تعميقا لحبه وإيذانا بشرفه. ألا حبذا هند وأرض بها هند * وهند أتى من دونها النأى والبعد وتكرار قوله تعالى فى سورة الرحمن {فبأى آلاء ربكما تكذبان} إحدى وثلاثين مرة تنبيه على أن كل نعمة من النعم التى احتوتها تستحق أن يذكر بها حتى لا تنسى وحتى يعرف فضل المنعم بها وتكرار قوله تعالى فى سورهَ المرسلات {ويل يومئذ للمكذبين} عشر مرات، وهى قصيرة أيضا كسورة الرحمن، دليل على أن المقام يقتضى التنبيه والتحذير عند كل ما يذكر من موجبات هذا التحذير. وبهذا لا مجال للطعن فى بلاغة القرآن الكريم، الذى تحدى الله به الجن والإنس وما يزال يتحدى، ومن تعمق فى المعوقة والتدبر أدرك أنه ما يزال على الشاطئ ولم ينزل بَعْدُ إلى البحر بأعماقه المليئة بالأسرار، فهو صنع الله الذى أتقن كل شىء {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} فصلت: 42 (7/462) ________________________________________ أخذ الفأل من المصحف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز أخذ الفأل من المصحف؟
الجواب الفأل -كما يقول الماوردى فى كتابه " أدب الدنيا والدين " فيه تقوية للعزم وباعث على الخير، ومعونة على الظفر. وقد جاء فى السنن والآثار أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن، ويسأل عن اسم الرجل والبلد، فإن كان حسنا استبشر وفرح، وإلا رؤيت الكراهة فى وجهه. وحوادثه فى ذلك كثيرة، فقد تفاءل عندما جاءه سهيل بن عمرو فى الحديبية وقال " سهل لكم من أمركم " وتفاءل يوم خيبر لما رأى مكاتلهم فى مساحيهم، كما ذكره ابن القيم فى " زاد المعاد " وحسَّنه، ويمكن الاطلاع على كتاب " مفتاح دار السعادة " لابن القيم ففيه معلومات كثيرة 0 وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يرتاح للاسم الحسن فليس معنى ذلك أنه يربط هذا السبب بنتيجة محققة دون تدخل لإرادة الله سبحانه، فقد نهى عن ذلك فيما كان عليه العرب من التطير والرقى والتمائم والعدوى وغيرها ولهذا روى عنه أن الذى يتطير أو يتشاءم يُسَنُّ له أن يقول: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، اللهم لا يأتى بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك. ثم يذهب لحاجته فلن يضره شىء. وذلك تذكير للإنسان بوحدانية الله سبحانه، وأنه هو وحده الذى يملك الخير والشر، ولا تأثير لهذه الأمور بذاتها. ومن هنا حرم الإسلام محاولة معرفة المستقبل عن طريق الكهانة والعرافة والتنجيم وضرب الرمل والورق وغيرها. ووردت فى ذلك أحاديث كثيرة وقال العلماء: لا يجوز أخذ الفأل من المصحف مع هذا الاعتقاد، وجاء فى كتاب "أدب الدنيا والدين " للماوردى أن الوليد ابن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما فى المصحف، فخرج قوله تعالى {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد} إبراهيم: 51، فمزق المصحف وأنشأ يقول: أتوعدنى بجبار عنيد * فها أنذاك جبار عنيد. إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل: يا رب مزقنى الوليد. فلم يلبث أياما حتى قتل شر قتلة، وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده. هذا، وقد يحدث أن بعض الناس يعملون استخارة بالمصحف، بأن يربطوه على مسمار، ثم يحمله المسمار على أحدى الأصابع، ويقولوا كلاما فيتحرك المصحف ويدور يمينا أو يسارا، ومن هنا يعرفون إن كان الموضوع الذىَ عملت له الاستخارة خيرا أو شرا. وهذا كله لم يأت خبر صحيح بجوازه، والاستخارة الشرعية معروفة وهى صلاة ركعتين، ثم الدعاء بعدهما بالدعاء المعروف الوارد عن النبى صلى الله عليه وسلم وسنفصلها فى موضع آخر إن شاء الله (7/463) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 7:02 am | |
| الطهارة لحمل المصحف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد تفسير قوله تعللى {إنه لقرآن كريم. فى كتاب مكنون.لا يمسه إلا المطهرون} ؟
الجواب اتفق الأئمة على حرمة حمل المصحف ومسه للحائض والنفساء والجنب، ولم يخالف فى ذلك واحد من الصحابة، لكن جوزه داود وابن حزم الظاهرى. ومما استدل به الأئمة قول الله تعالى {إنه لقرآن كريم * فى كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 77-79، بناء على أن المراد بالكتاب هو المصحف، وأن المس هو اللمس الحسى المعروف. وقد نوقش هذا الدليل بأن الكتاب المكنون فسره بعضهم باللوح المحفوظ، والمطهرون هم الملائكة. أو أن الكتاب لو أريد به المصحف فالمطهرون هم المطهرون من الشرك، لأن المشركين نجس وصحح ابن القيم فى كتابه " التبيان فى أقسام القرآن ص 141 " أن المراد بالكتاب هو الذى بأيدى الملائكة، وأورد فى ذلك عشرة وجوه ذكرتها فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة. كما استدل الأئمة بحديث عمرو بن حزم فى الكتاب الذى أرسله النبى معه إلى اليمن وفيه " لا يمس القرآن إلا طاهر " رواه النسائى والدارقطنى، وقال ابن عبد البر: إنه أشبه بالمتواتر، لتلقى الناس له بالقبول، وقال بعض العلماء: إن إسناده حسن، لكن النووى حكم بضعفه، لأن فى إسناده راويا ضعيفا. واستدلوا أيضا بحديث ابن عمر مرفوعا " لا تمسَّ القرآن إلا وأنت طاهر " ذكره الهيثمى فى " مجمع الزوائد " وقال: رجاله موثقون. وقال الحافظ: إسناده لا بأس به لكن فيه راو مختلف فيه. ودليل داود وابن حزم على عدم حرمة حمله ومسه ما ثبت فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث كتابا إلى هرقل فيه آية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ... } وهو وغيره ممن أرسلت إليهم الكتب لا يتطهرون من الجنابة، وأجاب الأئمة على ذلك بأن الرسالة لا تسمى مصحفا ولا مانع من ذلك مثل حمل كتب الدين التى فيها قرآن. من هنا نرى أن حمل المصحف أو مسه للحائض والجنب أدلة تحريمه لم تسلم من المناقشة، واحتراما للمصحف يكون حمله أو مسه لغير المتطهر مكروها على الأقل، هذا فى حال الجنابة، أما إذا كان هناك حدث أصغر فالحكم كما يلى: 1 - جمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله، وذهب إليه مالك والشافعى وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه، وأدلتهم هى الأدلة السابقة بالنسبة للجنب. 2 - جوز بعض العلماء ذلك، وذهب إليه أبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه، كما جوزه داود بن على. وقد استشنى بعض المحرمين لحمل المصحف ومسه مع الحدث الأصغر- الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم، لحاجتهم إلى حفظ القرآن وتيسيره عليهم، على أن الصبى لو تطهر فطهارته ناقضة لعدم صحة النية منه، ويقاس عليهم الكبار المحتاجون لحفظ القرآن، أما من أجل التعبد فلا بد من الطهارة. هذا، وقراءة القرآن بدون مس للمصحف أو حمله جائزة لمن عليه حدث أصغر، وذلك باتفاق الفقهاء، وإن كان الأفضل الطهارة، وبخاصة إذا كان يقصد التعبد، فالعبادة مع الطهارة أكمل وأرجى للقبول. "راجع الجز الثانى من كتابى: موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " ففيها توضيح أكبر (7/464) ________________________________________ البكاء عند تلاوة القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال رأت حديثا يقول "إذا قرأتم القرآن فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن لم تتباكوا فتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا "فهل هذا حديث صحيح؟
الجواب هذا الحديث في سنن ابن ماجه، وهو مروى عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الحافظ المنذرى في كتابه "الترغيب والترهيب " بصيغة "رُوى" مما يدل على أنه غير صحيح، وإن كان بعض أجزائه صحيحًا، فقد روى مسلم "من لم يتغن بالقرآن فليس منا" والمراد بالتغنى والتحزن والخشوع، لا التطريب المعروف الذى يخرج اللفظ عن قواعد النطق الصحيح، قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث " الإحياء" حديث "اقرءوا القرآن فابكوا فان لم تبكوا فتباكوا" إسناده جيد. والخلاصة أنه إن لم يكن صحيحًا فهو حسن يقبل في فضائل الأعمال (7/465) ________________________________________ الإسرائيليات فى الكتب الدينية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الإسرائيات التي وضعت في الكتب الدينية، وهل يجوز الاستشهاد بها، وهل هناك كتب مليئة بها يجب تجنب الاطلاع عليها؟
الجواب الإسرائيليات منسوبة إلى بني إسرائيل، وهم اليهود. وكانت لهم مكائدهم وطرقهم في معارضة الإسلام، ولبس بعضهم مسوح المسلمين ومارسوا نشاطهم الكيدي كعبد اللَّه بن سبأ. وانخدع بهم بعض المسلمين فساروا في هذا الطريق، ومنهم أبو عصمه نوح ابن مريم الذي وضع أحاديث في فضل سور القرآن لا أصل لها بالمرة، وبرر عمله هذا بأنه رأى الناس أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازى ابن إسحاق، فوضع الأحاديث حسبة لترغيب الناس في القرآن. واقترح مجمع البحوث الإسلامية في يناير 1968 م تقديم بحوث تسهم في إحياء ذكرى مرور أربعة عشر قرنًا على القراَن، فوضع المرحوم الشيخ محمد الذهبي كتابًا عن الإسرائيليات في التفسير والحديث. وذكر حكم روايتها وأشهر رواتها، وذكر أن لليهود ضلعًا كبيرًا فيها، لأنهم حرفوا التوراة وحاولوا أن يحرفوا القراَن في لفظه أو معناه، وأن العرب تأثروا بثقافة أهل الكتاب، ودخلت الإسرائيليات إلى التفسير والحديث عند ما بدئ تدوينهما، فملئت الكتب بالغرائب والأكاذيب. وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الاعتماد على أكاذيبهم، ففي البخاري حديث " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ... " وأخرج أحمد وغيره أن عمر رضي اللَّه عنه أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فغضب الرسول وقال " أمتهوكون - شاكون متحيرون - فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتسقوه، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعنى" وروى البخاري نهى ابن عباس عن سؤال أهل الكتاب فالقرآن فيه الكفاية، ولا يجوز أخذ شيء عنهم إلا ما كان موافقا للدين، كما تدل عليه النصوص بالآخذ عنهم مثل، {فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك} يونس: 94، ومثل " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري. والوصية قوية بالحذر عند الرواية عن كعب الأحبار ووهب بن منبه ومحمد بن السائب الكلبي ومقاتل بن سليمان وغيرهم، وكذلك الكتب التى تنقل الإسرائيليات ولا تبين صدقها أو كذبها، كتفسير الثعلبي، وكتابه "العرائس " وتفسير الخازن (7/466) ________________________________________ زينة السماء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما تفسير قوله تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين} الملك: 5، وبأى شكل ثبت الله الكواكب في السماء وهي جرم غير قابل للخرق والالتئام، وكيف أمكن وصول الإنسان إلى القمر وهو في السماء ذات الجرم الصلب كما وصفها حكماء اليونان؟
الجواب ورد هذا السؤال من طالب من البلاد الإسلامية مقيم في مدينة البعوث بالأزهر سنة 1972 م وكانت الإجابة: إن الآية واضحة المعنى، فاللَّه سبحانه قد جعل في السماء الدنيا نجومًا مضيئة وكواكب سيارة تزينها، وجعلها رجوما للشياطين إذا حاولوا أن يسترقوا السمع، على ما جاء في قوله تعالى {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدًا وشهبا. وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} الجن: 8، 9،. والسماء الدنيا إحدى السموات السبع التي قال الله فيها {ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات} البقرة: 29، وقال تعالى {اللَّه الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} الطلاق: 12، وإذا كانت السماء سقفًا للأرض كما قال تعالى {وجعلنا السماء سقفا محفوظا} الأنبياء: 32، وإذا كانت الأرض كروية فالسموات أيضًا كروية والسماء الدنيا أي القريبة من الأرض أصغرها، وما بعدها أكبر منها وهكذا. وكل هذه المصابيح الإلهية في السماء الدنيا أي الأولى، ووجودها محفوظ بقدرة اللَّه كما رفع السماء بغير عمد، فلله تعالى قوانين، بها وضع كلا في موضعه، وجعل له مدارا معينا لا يتعداه: {كل في فلك يسبحون} الأنبياء: 33، وتثبيت هذه المصابيح في أماكنها لا يلزم أن يكون بحبل أو سلاسل مادية، فقدرة اللَّه أكبر من ذلك، فلا تتصور تثبيتها كما تتصور ثريات المنازل وهي معلقة في السقف، ولا تنزل عمل الله وقدرته على ما تعهده في عالمك الناقص العاجز، وحقيقة السموات ومادتها لا يعلمها إلا الله سبحانه، وكل ما قاله الباحثون ظنون لا تعتمد على دليل صحيح، وقد آمن كثير من الباحثين المتعمقين بوجود اللَّه عندما عجزوا عن متابعة الكشف عن هذا الكون الواسع ذي الأبعاد التي تعجز عن تحديدها أساليب العلم البشري الحديث. ومهما يكن من شيء أيها الطالب العزيز فإن اللَّه لم يكلفنا بمعرفة كيفية تثبيت الكواكب والنجوم ولا بمادة السماء، وهي ليست من العقائد التي تسأل عنها. والبحث فيها متروك لكل إنسان حسب طاقته واستعداده وسيصل عند تعميق النظر إلى الإيمان الراسخ بوجود الله وقدرته، وكل حقيقة ثابتة فالقرآن متفق معها، ولا يجوز أن نقارن بين ما في القرآن وبين الظنون والافتراضات والنظريات التي لم يثبتها الدليل الصحيح (7/467) ________________________________________ الأمانة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى قوله {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض} الأحزاب: 72، وهل كان العرضى تخييرًا أو إلزامًا وكيف كان الإنسان ظلومًا جهولاً؟
الجواب في تفسير الأمانة في هذه الآية أقوال كثيرة، وأرجح منها أنها هي التكاليف الإلهية التي لا تؤدي إلا عن إيمان بالله الذي أمر بها ويجازي عليها ثوابًا وعقابًا، ويقرب من هذا أنها هي الإيمان الذي يدفع إلى أداء التكاليف الإلهية. ولعل مما يؤيد هذا القول حديث حذيفة بن اليمان، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ... حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القراَن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة" رواه البخاري ومسلم وكما يؤيده حديث "الصلاة أمانة والوضوء أمانة والوزن أمانة" رواه أحمد والبيهقى موقوفًا على ابن مسعود. وعرض الله الأمانة على السموات والأرض والجبال: إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيمًا لدين الله عز وجل ألا يقوموا به. ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها، قال النحاس: وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير. ولعل إباء السموات والأرض والجبال للأمانة أساسه - كما قال ابن عباس - خشية التقصير فيها، لأنها مفطورة على الطاعة، راضية بما هيئت له من رسالة في الحياة ويوضحه قوله تعالى {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين} فصلت: 11، وهذا يلتقى مع الرأى القائل بأن العرض معناه مقايسة التكاليف بجهد السموات والأرض والجبال وطبيعتها، فلم يكن هناك تناسب. أما الإنسان ففي طبيعته تناسب لحمل الأمانة مع ما بلزمها من ثواب على الطاعة وعتاب على المعصية. وقد قبل الإنسان هذه الأمانة دون أن تعرض عليه، فلم يصرح القرآن بذلك كما قاله بعض المفسرين، ولعل مبادرته للقبول كانت تفاؤلا بالتوفيق لأدائها وأملا في عدم التقصير فيها، ولأن طبيعته التي خلقه اللَّه عليها تتناسب مع قبول هذه التكاليف. ثم قال العلماء: إن عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال كان عرض تخيير أما عرضها على الإنسان فكان عرض إلزام، وعبرت الآية عن الإنسان الذي حمل الأمانة بأنه ظلوم جهول، لأنه كان ظلومًا لنفسه بالتقصير الذي آل إليه أمر الكثيرين، وجهول حين خاطر بحمل الأمانة ولم يدر ما سيكون عليه مستقبل حاله من التقصير الذي يعرض له كل إنسان بدافع من الغرائز التي فطر عليها (7/468) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 7:03 am | |
| تنزلات القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف ينزل القرآن فى رمضان وفى ليلة القدر، مع أنه نزل على فترات طوال حياة النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب للعلماء فى كيفية نزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ أقوال: 1 -أنه نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجما طوال حياة النبى صلى الله عليه وسلم بعد بعثته فى مكة والمدينة، وقال الكثيرون إن هذا القول هو أصح الأقوال، واستندوا فى ذلك إلى ما ورد بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما، فقد أخرج عنه الحاكم والبيهقى وغيرهما أنه قال: أنزل القرآن فى ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، وكان بمواقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه فى إثربعض. وأخرجا عنه أيضا وكذلك النسائى أنه قال: أنزل القرآن فى ليلة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك فى عشرين سنة ثم قرأ: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا} الفرقان: 33، {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} الإسراء: 106. وأخرج الحاكم وابن أبي شيبة عنه أيضا: قال فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبى صلى الله عليه وسلم. كما جاءت رايات أخرى عن ابن عباس بأسانيد لا بأس بها تؤكد هذا المعنى ومعنى: " مواقع النجوم " أنه نزل على مثل مساقطها، مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق. 2 -أنه نزل إلى السماء الدنيا فى عشرين ليلة قدر، أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين -حسب الاختلاف فى مدة مكث النبى صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة-فى كل ليلة قدر ينزل ما يقدر الله إنزاله فى كل السنة، ثم نزل بعد ذلك منجما فى جميع السنة، وقد حكى الفخر الرازى هذا القول، وتوقف فى الأخذ به، هل هو أولى أو القول الأول. 3-أنه ابتدئ نزوله فى ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجما فى أوقات مختلفة. وهذا القول مروى عن الشعبى. 4 - حكى الماوردى قولا مؤداه: أنه أنزل من اللوح المحفوظ جمله واحدة، وأن الحفظة نجمته على جبريل فى عشرين ليلة، وأن جبريل نجمه على النبى صلى الله عليه وسلم فى عشرين سنة. وهذا القول غريب، والمعتمد أن جبريل كان يعارضه فى رمضان بما ينزل به عليه طوال السنة، وهو مروى عن ابن عباس. هذه جملة من الأقوال صحح ابن حجر فى " فتح البارى " أولها وقال: إنه المعتمد، ثم قال ابن حجر: أخرج أحمد والبيهقى فى الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه، والزبور لثمان عشرة خلت منه، والقرآن لأربع وعشرين خلت منه) وفى رواية "وصحف إبراهيم لأول ليلة " قال: وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى: {شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن} وقوله: {إنا أنزلناه فى ليلة القدر} فيحتمل أن تكون ليلة القدر فى تلك السنة كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا: ثم أنزل فى اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول: {اقرأ باسم ربك الذى خلق} . بعد سرد هذه الأقوال التى روى أكثرها عن ابن عباس يمكن فهم الآيات التى تتحدث عن نزول القرآن أو عن تنزيله، ويهمنا من كل ذلك أن نقبل على القرآن حفظا وتدبرا، ثم عملا وتطبيقا. وأن يطل متوارثا بيننا بأخذه جيل عن جيل تحقيقا لقوله تعالى ع: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر: 9 (7/469) ________________________________________ سر نزول القرآن منجما
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لما أنزل القرآن مجزأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل جملة واحدة؟
الجواب نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم منجما أى مجزأ أو مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة لحكمة جاءت فى قوله تعالى {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القراَن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا} الفرقان: 32، وفى قوله {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} الإسراء: 106. فالحكمة فى نزوله منجما هى تثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم على المضى في تبليغ الدعوة وعدم اليأس من تأييد الله له ونصره عندما يواجهه المشركون بأنواع العنف. وفى كل وقت كان يتعرض لمثل هذه الأزمة فيفرج اللَّه عنه بجرعة من القرآن الكريم، فيها التأسى بأولى العزم من الرسل والوعد بالمثوبة والنصر المؤزر، وكذلك لقاؤه مع جبريل يعطيه قوة وطمأنينة. ومن الحكمة تيسير حفظ القراَن على الرسول والمؤمنين، لأنهم أميون لا يقرءون ولا يكتبون، وكل اعتمادهم أو أكثره على الحفظ والرواية، فإذا نزل على فترات كان ذلك أيسر عليهم فى حفظه واستيعابه، وفى تدبره أيضا. وفى تفريقه إعطاء فرصة للكفار أن يتدبروا كل جملة تنزل من آياته، لعلهم يؤمنون بأنه معجزة، ومن عند اللَّه وحده. فكل مجموعة تنزل بمثابة دليل جديد على صدق الرسالة. ومن الحكم ملاحقة الأحداث الجارية والإجابة على الأسئلة المتنوعة والطارئة. وكذلك من الحكم التدرج فى التشريع والتربية، صح فى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما أنزل أول ما أنزل من القرآن سور من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول ما نزل {لا تشربوا الخمر} لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل " لا تزنوا " لقالوا: لا ندع الزنا أبدا (7/470) ________________________________________ أحاديث فى فضل سور القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: من قرأ سورة الواقعة فى كل ليلة، لم تصبه فاقة أبدا؟
الجواب ذكر القرطبى هذا الحديث فى أول تفسير سورة الواقعة، نقلا عن الثعلبى وغيره، ولم يحكم عليه بصحة ولا حسن ولا ضعف، ولم أجده فى الكتب التى تعنى بتخريج الأحاديث. ومهما يكن من شيء فقراءة سورة الواقعة أو أية سورة لها ثواب عظيم نترك تقديره للَّه سبحانه وتعالى، وقد جاء التصريح ببعض ذلك فى فضل آية الكرسى وأواخر البقرة، وسورة الكهف وقل هو اللَّه أحد وغيرها، وتقدير الثواب على القراءة من أى موضع من القراَن جاء فى حديث رواه الترمذى عن عبد الله بن مسعود " من قرأ حرفا من كتاب اللَّه فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: " ألم " حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " قال الترمذى: حديث حسن صحيح غريب، أى رواه راو واحد فقط. غير أن هناك أخبارا ليست صحيحة النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما هو ضعيف ومنها ما هو موضوع مكذوب، على الرغم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " رواه البخاري ومسلم. وقام بوضع هذه الأحاديث جماعة منهم أبو عصمة نوح بن أبى مريم المروزى ومحمد بن عكاشة الكرمانى وأحمد بن عبد اللَّه الجو يبارى. قيل لأبى عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس فى فضل سور القراَن سورة سورة؟ فقال: إنى رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبى حنيفة ومغازى محمد بن إسحاق، فوضعت الحديث حسبة، أى أرجو بذلك الثواب من الله على سبيل التطوع. يقول ابن الصلاح فى كتابه " علوم الحديث ": إن من ذلك الحديث الطويل الذى يروى عن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم فى فضل سور القرآن سورة سورة. وقد أخطأ الواحدى المفسر ومن ذكره من المفسرين فى إيداعهم تفاسيرهم (7/471) ________________________________________ قراءة القرآن بدون تجويد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لم أتعلم أحكام قراءة القرآن، فأنا أقرأ مع مراعاة ضبط الحروف كما هى فى المصحف، ولكنى لا أعرف القواعد الأخرى لقراءته فما حكم ذلك؟
الجواب قال علماء التجويد، تجويد القرآن الكريم واجب وجوبا شرعيا يثاب القارئ على فعله ويعاقب على تركه، وهو فرض عين على من يريد قراءة القراَن، لأنه نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم مجودا، ووصل إلينا كذلك بالتواتر. وقد أخرج ابن خزيمة فى صحيحه عن زيد بن ثابت قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " إن اللَّه يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل ". قال تعالى {ورتل القرآن ترتيلا} المزمل: 4، وقال {ورتلناه ترتيلا} الفرقان: 32، والترتيل مأخوذ من قولهم: رتل فلان كلامه إذا أتبع بعضه بعضا على مكث وتفهم من غير عجلة، وقد سئل الإمام على رضى الله عنه عن معنى الترتيل فقال: هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. وقال ابن عباس فى تفسير الآية الأولى: معنى (رتل القرآن) بينه. وقال مجاهد تأن فيه. وقال الضحاك: انبذه حرفا حرفا وتلبث فى قراءته وتمهل فيها وافصل الحرف من الحرف الذى بعده. وقال الإمام الغزالى فى كتابه " الإحياء ": تلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب. فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعانى، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر. وقال ابن الجزرى: والأخذ بالتجويد حتم لازم * من لم يجود القرآن آثم لأنه به الإله أنزلا * وهكذا منه إلينا وصلا قال صاحب النشر فى تفسير ما قاله الإمام على فى معنى الترتيل: التجويد هو حلية القراءة، ويكون بإعطاء كل حرف من حروف الهجاء حقه ومستحقه، أى أنه يجب أن تكون حروفه مرتبة، ويرد كل حرف إلى مخرجه وأصله، ويلطف النطق على كمال هيئته من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلف. والوقف: هو قطع الصوت على آخر كلمة زمنا يتنفس فيه القارئ أنتهى. وهذا التجويد يتنافى مع اللحن، الذى هو الميل عن الصواب، وهو قسمان: لحن جلى واضح إذا كان فيه إبدال، حرف بحرف أو حركة بحركة بحيث يكون هناك إخلال بالمعنى، كالذى ينطق التاء فى (يقنت) طاء (يقنط) وكالذى يضم تاء (أنعمت عليهم) . والقسم الثانى من اللحن لحن خفى لا يدركه إلا المختصون من العارفين بأحكام القراءة، وهو يخل بالأداء ولا يخل بالمعنى، كقصر الممدود وإظهار المدغم وتفخيم المرقق وهكذا. والتجويد الذى يحفظ من هذا اللحن الخفى مستحب، ولا يأثم تاركه، وقيل يأثم عند تعمد هذا اللحن. والتجويد وبخاصة ما يراعى فيه إعطاء المدود والغنات حقها وما يماثل ذلك يصعب أو يتعذر الاستقلال بمعرفته من الكتب، بل لابد له من التلقى والمشافهة عن العارفين به (7/472) ________________________________________ مد الظل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قال تعالى {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا. ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا} الفرقان: 45، 46، نريد توضيحا لذلك على ضوء العلم الحديث؟
الجواب المراد بالظل هو الجزء من الليل من طلوع الفجر إلى شروق الشمس على أصح الأقوال عند المفسرين كما قال القرطبى، وذلك نعمة من اللَّه سبحانه، لأنها ساعة طيبة كما قالوا. ولو شاء اللَّه لأبقى هذه المدة ومنع الشمس من الطلوع، لكنه سبحانه أذن للشمس أن تنسخ هذا الظل، ونستدل بها على أنها نعمة، فبضدها تتميز الأشياء، ثم قبض اللَّه هذا الظل بسهولة، لأن كل أمر سهل ويسير على الله. يقول القرطبى: فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضا وخلفه فى هذا الجو شعاع الشمس فأشرق على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها. واتجاه المفسرين فى ذلك اتجاه امتنان من اللَّه بالنعمة على عباده، واتجه بعض المحدثين من العلماء فى ذلك اتجاها يبين قدرة اللَّه سبحانه وسيطرته على الوجود كله يخلق الليل والنهار، ويسير الكواكب والشموس والأقمار بنظام بديع لا يقدر عليه غيره سبحانه وتعالى. والآيتان تحتملان كل ذلك، فكل ما فى الكون دليل على قدرة اللَّه، وكل ما نتمتع به هو نعمة منه سبحانه، يشدنا هذا كله إلى الإيمان به وإلى شكره وطاعته. يقول الخبراء المشرفون على " منتخب التفسير" الذى نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: هذه الآية تظهر عناية الخالق وقدرته. فمد الظل يدل على دوران الأرض وعلى ميل محور دورانها، ولو أن الأرض سكنت بحيث إنها ظلت غير متحركة حول الشمس وكذلك انعدم دورانها حول محورها لسكن الظل ولظلت أشعة الشمس مسلطة على نصف الأرض، بينما يظل النصف الآخر ليلا، مما يحدث اختلاف التوازن الحرارى، ويؤدى إلى انعدام الحياة على الأرض، وكذلك إذا كان هذا هو حال الأرض فإن الظل يظل ساكنا. وهذا يحدث إذا كانت فترة دورن الأرض حول محورها هى نفسها فترة دورانها من حول الشمس، أى أن اليوم يصبح سنة كاملة ولكن لا يمكن أن يفعل ذلك غير الله. هذا فضلا عن أن الظل ذاته نعمة من نعم اللَّه، ولو أن الله خلق الأشياء كلها شفافة لما وجد الظل ولا نعدمت فرص الحياة أمام الكائنات التى تحتاج إليه انتهى (7/473) ________________________________________ نقصان أطراف الأرض
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أرجو تفسير قوله تعالا: {أولم يروا أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها} وكيف يكون هذا النقص؟
الجواب هذه الآية من سورة الرعد: 41 وقيل فى تفسيرها: إن المراد بالنقص من أطرافها هو موت العلماء والصالحين، فالأطراف هم الأشراف، كما قال ابن عباس والقشيرى. وقيل المراد ما يغلب عليه المسلمون مما فى أيدى المشركين كما فى رواية عن ابن عباس، وعنه أيضا هو خراب الأرض حتى يكون العمران فى ناحية منها. وقال عطاء بن أبى رباح: المراد ذهاب الفقهاء وخيار أهلها، وهو موافق لرأى لابن عباس. وارتضاه كثير من المفسرين. ومعنى الآية: أو لم تر قريش هلاك من قبلهم وخراب أرضهم بعدهم، أفلا يخافون أن يحل بهم مثل ذلك. وقيل المراد نقص بركات الأرض وثمارها، وذلك بجور أهلها، والقرطبى صحح هذا القول، لأن الظلم يخرب البلاد بقتل أهلها وانجلائهم عنها ورفع البركة من الأرض. وما يقال الآن: إنه دليل على أن كروية الأرض لست تامة، بل هى مفرطحة من الجانبين فهو غير قطعى. وليس مناسبا للمقام حيث تتحدث الآيات عن وعيد الله للكافرين، وعما حدث للماكرين الكافرين من قبلهم فأولى أن يفسر النقص من أطراف الأرض بإهلاك الكفار والجبابرة فى أية بقعة من بقاع الأرض (7/474) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 7:05 am | |
| الصلب والترائب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول الله تعالى فى سورة الطارق {فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب} فكيف يتفق هذا مع ما هو معروف إن الماء الدافق هو ذا الخصية؟
الجواب هذه الآية من الآيات العلمية التى ما كان العرب يعرفون عنها شيئا، وبالتالى لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم " ليعلم عنها شيئا لولا نزول القراَن عليه من الله " واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون " وذلك من أدلة صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعواه الرسالة. وقد ظل الناس قرونا طويلة يجهلون كيف يتخلق الجنين فى بطن أمه حتى نزل القرآن فبين ذلك بدقة فى سورة " المؤمنون " ووضحه النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى. وبين أن الإنسان يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة. والمفسرون للقرآن والشارحون للأحاديث كانوا يوضحون ذلك حسب المعلومات التى كانت عندهم مع استعانتهم بمعانى الألفاظ العربية التى نزل بها القرآن والترائب هى عظام الصدر، وهل المراد صدر الرجل، أو صدر المرأة الذى يقابله الصلب فى الرجل؟ رأيان وإليك نموذجا من التفاسير: (أ) جاء فى تفسير القرطبى أن الإنسان يخلق من ماء الرجل الذى يخرج من صلبه العظم والعصب، ومن ماء المرأة الذى يخرج من ترائبها اللحم والدم، وقيل من صلب الرجل وترائبه، ومن صلب المرأة وترائبها. ولم يوضح كيف تم الخلق بهذه الصورة. (ب) جاء فى تفسير الجواهر للشيخ طنطاوى جوهرى معتمدا فيه على ما فى تفسير الفخر الرازى: أن الدماغ مركز الإدراك وخليفته فى الجسم النخاع الشوكى المخزون فى الصلب، والنخاع له شعب كثيرة تصل إلى جميع أجزاء الجسم. ولن يتم اجتماع الرجل بالمرأة إلا بقوة الحس عن طريق الدماغ والنخاع الذى فى الصلب، وكذلك بوجود زينة المرأة التى يغلب أن تكون على ترائبها، أى على صدرها، ولذا عبر عن الرجل بالصلب وعن المرأة بالترائب وهذا فحوى كلام الرازى وجوهرى، وهو تفسير سطحى لعملية تكوين الجنين. (ج) وجاء فى تفسير القاسمى: أن المنى باعتبار أصله وهو الدم يخرج من شىء ممتد بين الصلب -فقرات الظهر فى الرجل -والترائب أى عظام صدره، وذلك الشىء الممتد بينهما هو الأبهر " الأورطى " وهو أكبر شريان فى الجسم يخرج من القلب خلف الترائب ويمتد إلى آخر الصلب تقريبا. ومنه تخرج عدة شرايين عظيمة، ومنها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شريانى الكليتين وينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين فيغذيانهما، ومن دمهما يتكون المنى فى الخصيتين ويسميان بشريانى الخصيتين أو الشريانين المنويين، فلذا قال تعالى عن المنى {يخرج من بين الصلب والترائب} لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطى أو الأبهر. (د) هذا بعض ما جاء فى كتب التفسير، وهى محاولات لتقريب المعنى إلى المعهود الآن مما وصل إليه العلم، ولا شك أن الكشوف العلمية تتقدم يوما بعد يوم، ثم رأينا فى أبحاث للمتخصصين أن الغدد التناسلية فى الجنين تكون أصلا فى المنطقة الواقعة بين عصام الظهر "الصلب " وعظام الصدر " الترائب " وهذا ما يدل عليه قوله تعالى {يخرج من بين الصلب والترائب} سواء منه الذكر والأنثى، فهى تخلق فى نفس المكان، ولعل مما يؤكد ذلك قوله تعالى {واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم} فكلمة " بنى آدم " تشمل الذكر والأنثى، وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى المختصين، وبخاصة فى علم الأجنة (7/475) ________________________________________ رسم المصحف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نجد فى القرآن الكريم كلمات مكتوبة على خلاف الرسم الإملائى ويصعب علينا قراءتها بالرسم الحالى، فهل تجوز كتابته بالرسم الإملائى لتيسير قراءتها وفهمها؟ وهل تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية؟
الجواب عقد الإمام السيوطى فصلا فى الجزء الثانى "ص 166 " من كتابه "الإتقان " خاصا برسم الخط وآداب كتابته، وذكر بعض من أفردوا ذلك بالتصنيف، منهم أبو عمرو لدانى وأبو عباس المراكشى واستطرد فذكر أول من وضع الكتاب العربى ثم قال: القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به والوقف عليه. وقد مهد النحاة له أصولا وقواعد، وخالفها فى بعض الحروف خط المصحف الإمام، وقال أشهب: سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى، رواه الدانى فى المقنع، ثم قال: ولا مخالف له من علماء الأمة وقال أبو عمرو الدانى موضحا ذلك: يعنى الواو والألف المزيدتين، فى الرسم المعدومتين فى اللفظ نحو أولوا وقال الإمام أحمد: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان فى واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك، ورأى البيهقى فى " شعب الإيمان " هذا الرأى لأن الذين كتبوا المصحف كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة منا، فلا ينبغى أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم. ثم ذكر السيوطى أن أمر الرسم ينحصر فى ست قواعد، الحذف والزيادة والهمز والبدل والوصل والفصل وما فيه قراءات، ومثل لذلك باستفاضة، وذكر السر فى حذف الحرف الأخير من بعض الكلمات مثل "يوم يدع الداع " "سندع الزبانية " أن المراكشى قال: السر فى حذفها: التنبيه على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل وشدة قبول المتأثر به فى الوجود. وهكذا ذكر مبررات لكل قواعد الرسم وقد سئلت لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1355 و (1936 م) فأجابت بما ملخصه، أن عثمان بن عفان رضى الله عنه أمر بأن تنسخ عدة نسخ من المصحف الذى كان موجودا عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى الله عنها وعن أبيها. وكان هذا المصحف عند عمر ومن قبله كان عند أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنهما. وكان المصحف مأخوذا من القطع المتعددة التى كان مكتوبا عليها قى زمن النبى @ ووزع عثمان هذه النسخ على الأمصار واستبقى واحدة منها بالمدينة. وكل مصحف من هذه المصاحف يسمى "المصحف الإمام " وقد رسمت بعض الكلمات فيها رسما يخالف قواعد الإملاء المعروفة الآن. وجرى المسلمون من عهد عثمان إلى الآن على اتباع العثمانى. ثم قالت اللجنة: إن الجمهور من العلماء على التزام. الرسم العثمانى وحرمة مخالفته واستدلوا على ذلك بإجماع الصحابة على الصفة التى كتب عليها عثمان ولم يرو عن واحد منهم أنه كتب القرآن على غير هذه الصفة. وذكرت اللجنة ما نقل عن مالك وأحمد والبيهقى مما سبق ذكره هنا نقلا عن السيوطى فى "الإتقان ". ثم قالت اللجنة: إن بعض العلماء ذهبوا إلى جواز كتابته بأى رسم كان ولو خالف الرسم العثمانى، فكل رسم حصلت به الدلالة فهو جائز،، ولم يتعرض للكيفية التى كتب بها، وإجماع الصحابة لا يدل على أكثر من جواز رسمه على نحو ما كتب الصحابة، أما رسمه على غير هذه الطريقة فلم تتعرض له الصحابة لا بحظر ولا بإباحة وذكرت ما قاله القاضى أبو بكر الباقلانى فى كتابه "الانتصار" موضحا لهذا الرأى الذى لا يحتم التزام الرسم العثمانى. ولكن اللجنة اختارت بقاء المصحف على الرسم الذى كان عليه فى عهد عثمان رضى الله عنه. وعدم كتابته على الرسم الإملائى الحديث، فإن الرسم الحديث ما يزال موضع الشكوى لعدم تيسر القراءة به، حيث توجد به أحرف لا تنطق، وتنقص منه حروف تنطق، ولا تتيسر القراءة والفهم إلا بعد التمرن الطويل والإتقان لمعرفة قواعد الإملاء. ثم من قواعد الإملاء عرضة للتعديل، فهل يكتب القرآن على القواعد الإملائية المعدلة أو القديمة؟ وقد توجد عدة نسخ مختلفة الرسم، وهنا تكون البلبلة والتعرض لتحريف القرآن وضعف الثقة فيه. ثم قالت اللجنة: إن تلاوة القرآن لا تؤخذ أبدا من الرسم، بل من التلقى لأن هناك أحكاما لتجويد القرآن وإخراج الحروف من مخارجها الحقيقية لا يمكن للشكل الإملائى أن يدل عليها، ولذلك أرسل عثمان مع المصاحف قراء، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدينة، والمغيرة بن شهاب أن يقرئ بالشام، وعامر بن عبد قيس أن يقرئ بالبصرة، وأبا عبد الرحمن السلمى أن يقرئ بالكوفة فاللائق بقدسية القرآن بقاء كتابته على الرسم العثمانى. انتهى تلخيص الفتوى. وعلى ضوء ما جاء عن السيوطى فى "الإتقان " وما اختارته لجنة الفتوى عملت بحوث ونشرت مقالات وصدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية سنة 1956 م وقرر مجمع البحوث الإسلامية فى دور انعقاده الرابع 1968 م الالتزام بالرسم العثمانى ومنها البحث الذى قدمه الدكتور محمد محمد أبو شهبة، مشيرا إلى بعض التآليف فى ذلك. كالمقنع لأبى عمرو الدانى، عنوان الدليل فى مرسوم خط التنزيل لأبى العباس المراكشى المتوفى سنة 721هـ والمعروف بابن البناء والأرجوزة للشيخ محمد بن أحمد المتولى، وشرحها للشيخ محمد على خلف الحسينى شيخ المقارئ المصرية فى عهده، مع تذيل الشرح بكتاب سماه "مرشد الحيران إلى معرفة ما يجب اتباعه فى رسم القرآن " وإيقاظ الأعلام إلى اتباع رسم المصحف الإمام للشيخ محمد حبيب اللَّه بن عبد الله بن أحمد بن مايابى الجكنى الشنقيطى ومناهل العرفان للشيخ الزرقانى، المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبى شهبة، وهذا الحكم موجود فى كتب الأئمة وعلماء التفسير، وجاء فى الشفا للقاضى عياض: من غير حرفا بزيادة أو نقص أو بدَّله بحرف غيره فهو كافر، ووافقه على ذلك شارحه الخفاجى وشارحه ملاَّ على القارى. "منبر الإسلام - ذو الحجة 1402 هـ ". 2- وأما كتابة المصحف بغير الحروف العربية. فقد ذكر السيوطى فى " الإتقان "ج 2 ص 171 ما نصه: وهل تجوز كتابته بقلم غير العربى؟ قال الزركشى: لم لأجد فيه كلاما لأحد من العلماء. قال: ويحتمل الجواز لأنه قد يحسنه من يقرؤه بالعربية والأقرب المنع كما تحرم قراءته بغير لسان العرب، ولقولهم: القلم أحد اللسانين، والعرب لا تعرف قلما غير العربى، وقد قال الله تعالى {بلسان عربى مبين} الشعراء:195،. وقال الشيخ محمود أبو دقيقة من كبار علماء الأزهر: أجمع الأئمة الأربعة على أنه لا يجوز كتابة القرن بغير اللغة العربية، لأن كتابته بغيرها تخرجه عن الرسم الوارد الذى قام الإجماع على أنه يجب التزامه، بل قد تؤدى كتابته بغير العربية إلى التغيير فى اللفظ لأن بعض الحروف العربية لا نظير له فى بعض اللغات الأخرى، والتغيير فى اللفظ يؤدى إلى التغيير فى المعنى، وحيث كانت الكتابة بغير العربية تؤدى إلى هذا فلا يجوز. وقال بعض علماء الحنفية: إن من تعمد كتابة القرآن بغير العربية يكون مجنونا أو زنديقا، فالمجنون يداوى والزنديق يقتل "مجلة الأزهر-المجلد الثالث ص 31 -34 " (7/476) ________________________________________ وضع المصحف تحت الوسادة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال عندما أنام أضع المصحف تحت الوسادة لمنع الشياطين والأحلام المفزعة، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب قال الله تعالى {إنه لقرآن كريم. فى كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 77 - 79. تحدث العلماء عن مظاهر تكريم القرآن والمصحف الذى يحويه فأمروا بالطهارة عند مسه وحمله، وذلك له موضع لتفصيله، ومن مظاهر التكريم عدم وضعه تحت الوسادة عند النوم، أو وضع أمتعة أو كتب فوقه، أو عمل أى شيء يعتبر عرفا إهانة له، بل جاء فى كتاب "المصاحف " لابن أبى داود أن وضع المصحف على الأرض غير لائق، وأورد فى ذلك أثرًا لم يبين درجته من القبول والرفض، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال فيمن وضع كتابا من ذكر اللَّه فى الأرض "لعن اللَّه من فعل هذا، لا تضعوا ذكر اللَّه فى غير موضعه ". وهذا فى وضع المصحف بغير نية الاحتقار والإهانة، أما عند هذه النية فهو محرم بالإجماع بل قال أكثر العلماء:: إن من احتقر أو استهزأ بكتاب اللَّه فهو كافر. وقد تكون لغير ذلك، ولا نستطيع أن نجزم برأى فيه. جاء فى "الإتقان " للسيوطى ج 2 ص 172 ما نصه: يستحب تطييب المصحف وجعله على كرسى، ويحرم توسده، لأن فيه إذلالاً له وامتهانا، كذا مد الرجلين إليه. وقد يصور التوسد بالاتكاء عليه كالوسادة وبجعله وسادة للنوم كالمخدة، وكلاهما ممنوع (7/477) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 8:50 am | |
| الحلف بغير الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز الحلف بغير الله؟
الجواب روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال حين سمع عمر يحلف بأبيه " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " وروى أبو داود والترمذى وقال: حسن، قوله صلى الله عليه وسلم " من حلف بغير الله فقد كفر" وفى بعض الروايات " فقد أشرك " وفى بعضها " فقد كفر وأشرك ". قال العلماء: إن الحلف الذى يجوز وتترتب عليه آثاره هو ما كان بالله أو بصفة من صفاته، أما الحلف بغير ذلك فهو غير ملزم ولا تترتب آثار على عدم البر به، ومع ذلك فهو ممنوع كما نص عليه الحديث، وجاء التغليظ بأنه خروج عن الإسلام عن طريق الكفر بالله وعدم الإيمان به، أو عن طريق الشرك، أى ضم غير الله إليه فى الألوهية وما يتبعها، ودرجة المنع من الحلف بغير الله مختلف فيها بين الحرمة والكراهة، يقول الشوكانى فى " نيل الأوطار ج 8 ص 236 ": للمالكية والحنابلة قولان -أى قول بالحرمة وقول بالكراهة التنزيهية - وجمهور الشافعية على أنه مكروه تنزيها، وجزم ابن حزم بالتحريم، وقال إمام الحرمين: المذهب القطع بالكراهة، وجزم غيره بالتفصيل: فإن اعتقد فى المحلوف به ما يعتقد فى الله تعالى كان بذلك الاعتقاد كافرا. ويثار هنا سؤالان، الأول لماذا يحلف الله بالمخلوقات كالشمس والقمر والليل، والثانى كيف يحلف الرسول صلى الله عليه وسلم بغير الله وقد نهى عنه؟ . أثار ذلك الحافظ ابن حجر فى فتح البارى " وخلاصة ما جاء فيه: أن لله أن يحلف بما شاء من خلقه لا يسأل عما يفعل " وذلك لتعظيم المحلوف به وهو سبحانه صاحب الأمر فى خلقه، وفيه لفت لأنظارنا أن نتدبر وجه العظمة فى هذا المحلوف به. أما حلف الرسول بغير الله فقد جاء فى الصحيح أنه قال للأعرابى الذى أقسم ألا يزيد ولا ينقص عما تعلمه من الرسول من الواجبات (أفلح وأبيه إن صدق " وأجيب عنه بأجوبة: أ-الطعن فى صحة هذه اللفظة-وأبيه -كما قال ابن عبد البر: إنها غير محفوظة، وزعم أن اصل الرواية " أفلح والله " فصحفها بعضهم. ب - أن ذلك كان يقع من العرب ويجرى على ألسنتهم من دون قصد للقسم أى الحلف، والنهى أنتا ورد في حق من قصد حقيقة الحلف، قاله البيهقى، وقال النووى: إنه الجواب المرضى. ج -أنه كان يقع فى كلامهم على وجهين للتعظيم وللتأكيد، والنهى إنما ورد عن الأول وهو التعظيم. د-أن الحلف بغير الله كان جائزا، وما صدر من النبى كان على الجواز، ثم نسخ، قاله الماوردى، وقال السهيلى: أكثر الشراح عليه، قال المنذرى: دعوى النسخ ضعيفة، لإمكان الجمع بين الأمرين المختلفين، ولعدم تحقق التاريخ حتى يعرف السابق من اللاحق. هـ - أنه كان فى ذلك حذف، والتقدير " أفلح ورب أبيه " قاله البيهقى. و أنه للتعجيب، وليس قسما، قاله السهيلى. ز-أنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم، لكن يرد على هذا بأن الخصوصيات لا تثبت بالاحتمال، بل لا بد لها من دليل، فيبقى الأمر عاما للرسول وغيره. ثم يقول الشوكانى: وأحاديث الباب تدل على أن الحلف بغير الله لا ينعقد- أى لا تترتب عليه آثاره - لأن النهى يدل على فساد المنهى عنه، وإليه ذهب الجمهور. وقال بعض الحنابلة: إن الحلف بنبينا صلى الله عليه وسلم ينعقد وتجب الكفارة. بعد هذا العرض نرجو ممن لم يطلعوا على ما قاله العلماء فى الحلف بغير الله ألا يسرعوا فى تجريم من حلف بالنبى أو بغير الله بوجه عام، فقد قال بعض الفقهاء بعدم الحرمة وبأنه مكروه كراهة تنزيه بمعنى عدم العقوبة فيه، وأخطر ما يكون التجريم هو الحكم بالكفر أو الشرك على من حلف بغير الله وهو لا يريد تعظيمه كتعظيم الله، فإن من كفر مسلما بدون وجه حق كان كافرا، والحديث معروف فى ذلك وهو " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه " رواه البخارى ومسلم. وفى رواية لأبى داود والنسائى والترمذى وصححه " ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله " والحاكم على الحالف بغير الله بالكفر لم يطلع على نيته، وقد أمر الله بالتبيُّن، وقال فى ذلك {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} النساء: 94، وسبب نزولها معروف فى سرية كان قائدها أسامة بن زيد (7/373) ________________________________________ علم الغيب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل أطلع الله أحدا على علم الغيب؟
الجواب مما يتصل بالعقيدة الإيمان بالغيب، كما قال تعالى فى وصف المتقين {الذين يؤمنون بالغيب} البقرة: 3، وقد وردت نصوص تتحدث عن الغيب منها: قوله تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام: 59، وصح فى الحديث الذى رواه البخارى أنها خمس، وهى التى جاءت فى قوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان: 34، وقوله تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن: 26، 27، وقوله تعالى {قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} الأعراف: 188، والغيب ما قابل الشفاعة، أى ما يغيب على الإنسان العلم به ومنه ما يمكن التوصل إليه بالوسائل المختلفة، كالمسروق يعرف بالبحث عنه، والمجهول يعرف بالتعلم، كالكهرباء والفيروسات وما إليها، ومنه ما لا يمكن التوصل إلى معرفته بالوسائل العادية بل لا بد فيه من خبر صادق، كأحوال الآخرة، التى يجب أن نؤمن بها لورودها فى القرآن والسنة. ومن الغيب قيام الساعة وما ذكر فى مفاتح الغيب، وقد يعرف شئ ع منها بإطلاع الله سبحانه عليها من يرتضيه من الرسل، كما نصت على ذلك الآية. والإيمان باختصاص الله بعلم مفاتح العيب واجب بدليل الحصر فى قوله: {لا يعلمها إلا هو. ومن ادعى عَدم اختصاصه بذلك كفر، لأنه كذب القرآن الكريم الصريح فى الدلالة عليه، ومن حاول معرفة هذه المفاتح ليشارك الله فيها كفر أيضا، أما من يحوم حولها مؤمنا بأنه لن يصل إلى العلم اليقينى به فلا يكفر، ومعلوماته التى يصل إليها من وراء هذه المحاولة معلومات ظنية لا يقينية، والفرق بين علم الله تعالى ومعارف البشر يتركز فى نقطتين أساسيتين، أولاهما أن علم الله عن أى شىء شامل لجميع ما يتصل بهذا الشىء، والثانية أن علمه سبحانه يقينى لا ظنى. أما علم غيره من البشر فلن يجمع الأمرين معا، لا فى الكم ولا فى الكيف، قال تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء: 85، وقال: {وما لهم به من علم. إن يتبعون إلا الظن. وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} النجم: 28، ولئن حصل علم بشىء عن شىء فهو علم قاصر. وقد حاول الإنسان أن يبحث عن المجهول المستقبل منذ خلق وفيه غريزة حب الاستطلاع، وبذل فى ذلك جهودا كبيرة، واتخذ وسائل متعددة، وكان من هذه الوسائل ما عرف باسم الكهانة والتنجيم والعرافة والطيرة والطرق وضرب الرمل وقراءة الفنجان وقياس الأثر وما يبتكر غير ذلك. وفيما يلى تعريف بكل منها: 1 - الكهانة، هى ادعاء علم الغيب، بالإخبار عن المضمرات، أو عن المغيبات فى مستقبل الزمان بأية وسيلة من الوسائل، وقد تختص بما كان فيه اتصال بالجن (يراجع شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 22) . 2 -التنجيم: وهو الاستدلال بالنجوم فى مواقعها وتحركاتها على ما سيكون فى المستقبل من مطر أو حر أو برد أو مرض أو موت وغير ذلك، وقيل هو الكهانة (يراجع شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 22) .. 3 -العرافة: هى ادعاء معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها علَّى مواقعها كالمسروق من الذى سرقه، والضالة أين مكانها، وقيل هى السحر " (يراجع شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 22) . 4- الطيرة: بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن -وهى مصدر تطير، مثل تخير خيرة، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما-ومعناها التشاؤم بالشىء، أو الاستدلال من طيران الطائر، أو من رؤية شئ أو سماع صوت على ما سيحصل للإنسان، وقد كان العرب يزجرون الطير من أماكنها. فإن طارت يمينا استبشرت، وإن طارت شمالا تشاءمت، ويقال لها أيضا " العيافة" من عاف عيفا، وسيجىء حديث عن الفرق بين الطيرة والفأل. 5 - الطرق: وهو الضرب بالحصا أو الودع، وقيل: هو الطيرة وقيل: ضرب الرمل. 6-ضرب الرمل: وهو وضع خطوط وعلامات على الرمل، لمعرفة ما يخبأ للإنسان ويعرف أيضا بالخط، روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عنه فقال: " كان نبى من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك " وكذب ابن القيم نسبة الخط إلى إدريس عليه السلام، وجاء فى تفسيره: أن "الحازى " أى المحترف لذلك يأتيه الرجل ليعرف حظه، فيخط على أرض رخوة خطوطا كثيرة بالعجلة، ومعه غلام، ثم يمحو منها على مهل خطين خطين والعلام يقول: ابنى عيان، أسرعا البيان، فإن بقى خطان فهما علامة النجح، وإن بقى خط واحد فهو علامة الخيبة، ويقول ابن الأثير فى " النهاية ": إنه علم معروف فيه تصانيف، ويعمل به الآن، ولهم فيه اصطلاحات، يستخرجون به الضمير وغيره، وكثيرا ما يصيبون فيه (هكذا يقول) ويرجع فيه إلى شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 23، 7 -قراءة الفنجان: وهى الاستدلال بآثار القهوة على الفنجان على ما يفكر فيه شاربه، ويزعم بعض المعاصرين أن أثر الزفير على القهوة يعطى مؤشرات صادقة، لكن إذا كان ذلك من الناحية الطبية أو العضوية فهل تمكن معرفة المستقبل؟ فيه كلام. 8 - قياس الأثر: وهو أخذ قطعة من ثياب الإنسان أو متعلقاته وقياسها بالشبر والأصابع، والاستدلال بذلك على ما يكون لصاحبه. وهذه الأشياء وأمثالها نهى الإسلام عنها، لأنة تتنافى مع اختصاص علم الله بالغيب يقول النبى صلى الله عليه وسلم " ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " (رواه البزار بإسناد جيد والطبرانى بإسناد حسن دون قوله " ومن أتى كاهنا ") ويقول " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برىء مما أنزله الله على محمد، ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " (رواه الطبرانى) ، ويقول " من أتى عرافا فسأله عن شىء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما" (رواه مسلم) ويقول " من أتى عرافا أو كاهنا فصدق بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " (رواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه) ويقول " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من للسحر زاد ما زاد " (رواه أبو داود وابن ماجه) ويقول: " العيافة والطير والطرق من الجبت " (رواه أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه) والجبت ما عبد من دون الله 0 وقد ذكر الله تعالى فى القرآن الكريم أن الجن لا يعلمون الغيب، فكيف يصدقها من يعتمد على أخبارها؟ قال تعالى {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين} سبأ: 14، والاتصال بالجن ممكن، وكذلك استخدامهم فى بعض الأغراض، فقد سخرهم الله لسليمان كمعجزة، فلا مانع من تسخيرهم لغيره، ولم يرد نص يمنع ذلك، وقد حدث لبعض الناس بطرق يعرفونها، ووضح ذلك المحدث الشبلى فى كتابه "آكام المرجان". يتبين من هذه النصوص أن الاعتقاد بان غير الله يعلم الغيب علما يقينيا شاملا كفر بما جاء فى القرآن الكريم خاصا بذلك، ومن مارس هذه الأعمال ينسحب حكمه على من يلجأون إليه لمعرفة الغيب، فمن صدقه فقد كفر، ومن لم يصدقه فقد ارتكب إثما عظيما ينقص من إيمانه، ولا يقبل الله صلاته أربعين يوما. روى الشيخان أن ناسا سألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن الكاهن أو الكهان فقال " لا ليسوا بشىء " فقالوا: يا رسول الله انهم يحدثونا أحيانا بشىء أو بالشىء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تلك الكلمة من الوحى يخطفها الجنى فيقرها - أى يلقيها - فى أذن وليه، فيخلط معها مائة كذبة " وجاء فى البخارى " إن الملائكة تنزل فى العنان، وهو السحاب، فتذكر الأمر قضى فى السماء، فيسترق الشيطان السمع فيسمعه، فيوجه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم ". هذا وقد أبدلنا بهذه الأمور وسيلة يمكن بها أن نطمئن لما نقدم عليه من عمل، وهى صلاة الاستخارة مع دعائها المعروف الذى جاء به الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ولنسمع قول الله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} الإسراء: 36. تنبيهات التنبيه الأول عن علم الساعة: سبق بيان أن علم الساعة من مفاتح الغيب التى استأثر الله بعلمها، والآيات القرآنية كثيرة فى ذلك، وكذلك الأحاديث النبوية الصحيحة، التى من أقواها حديث جبريل حين سأل النبى صلى الله عليه وسلم عنها، فقال " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " ثم ذكر له بعض علاماتها. ومع ذلك حاول بعض الناس قديما وحديثا معرفة موعدها، وأثبت الواقع خطأهم، ثم جاءت نحلة البهائية أخيرا وزعمت أنها تعرف موعد قيام الساعة بناء على أمرين، أولهما سر العدد 19 والثانى بعض آيات من القرآن الكريم، وفيما يلى تفصيل ذلك والرد عليه. أولا: العدد 19 المذكور فى قوله تعالى فى وصف جهنم: {عليها تسعة عشر} المدثر: 30، زعموا أن له سرا حاولوا أن يثبتوه بحصر الحروف الموجودة فى بعض السور، أو فى فواتحها من الحروف المقطعة أو فى بعض الكلمات، وبطريق التعويض عن الحروف بأرقام على النظام اليهودى فى الأبجدية حددوا وقت قيام الساعة. ويرد على هذا بأن القرآن فيه أعداد أخرى كالعشرة والمائة والألف وغيرها، فلماذا اختاروا هذا العدد بالذات؟ وبأنهم لم يتبعوا المنهج العلمى عند حصر الحروف، فأسقطوا بعضها ليتم لهم ما يريدون، كما كشف عن ذلك المتبعون للحصر الذى أعلنوه، وبأن أية مجموعة كبيرة من الأعداد يمكن التوصل منها إلى مجموعات تقبل القسمة على أى عدد من الأعداد، وليس شرطا أن يكون العدد 19، وذلك من البدهيات عند علماء الرياضة (بحث الدكتور على موسى أستاذ الفيزياء الرياضية بكلية العلوم جامعة عين شمس، المنشور بجريدة اللواء الإسلامى: عدد 116، فى 7 رجب 1405 هجريه 28/3/1985 م) كما زعموا أن اليهود أخبروا النبى صلى الله عليه وسلم بأن حروف " الم " تدل على. عدد السنوات التى تعيشها دعوته ولم ينكر عليهم ذلك. وهذا خبر مدسوس ليس له سند يعتمد عليه. ثانيا: استدلوا من القرآن الكريم بآيتين، أولهما قول الله تعالى {يسألونك عن الساعة أيان مرساها، قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت فى السموات والأرض، لا تأتيكم إلا بغتة، يسألونك كأنك حفى عنها، قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الأعراف: 187، قالوا: إن قوله {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يفيد أن بعضا قليلا من الناس يعلمون موعد الساعة، وهم من هذا القليل. ويرد عليهم بان نفى العلم عن أكثر الناس منصب على الإيمان بما سبق فى الآية، من اختصاص علم الله بها، وبأنها ثقيلة ولا تأتى إلا بغتة، فأكثر الناس وهم الكافرون يجهلون هذه الحقيقة المقررة فى الآية، ولا معنى لما فهموه من أن أكثر الناس جاهلون بموعد الساعة والقليل بعلمه، ففى فهمهم لأول الآية وآخرها تضارب، والقرآن الكريم منزه عن ذلك. ومع احتمال فهمهم هذا فالاستدلال به ساقط، لأنه ليس هو الفهم الوحيد المتعين لها، ومعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال. والآية تدل بصراحة على نفى علم أحد بالساعة، أى بوقت حدوثها، فَذلك من اختصاص الله وحده، وذلك واضح فى قصر علمها عليه سبحانه بأكثر من أسلوب، وفى أنها تأتى بغتة، وفى عدم علم النبى صلى الله عليه وسلم بذلك. فلا بد من توافق آخر الآية مع هذه المقررات الصريحة فيها. ونفى علم أحد بموعدها يستوى فيه القليل والكثير من الناس. والآية الثانية التى استدلوا بها هى قوله تعالى {إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى} طه: 15، قالوا إن فعل " كاد " إذا كان مثبتا يدل على نفى ما بعده، فمن يقول: كدت أقع يدل على أنه لم يقع؟ وعلى هذا فمعنى " أكاد أخفيها " أنه لم يخفها، فتمكن معرفتها بطريق أو بآخر، وليس حتما أن يكون ذلك عن طريق الوحى فقط كما قال تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتض من رسول} الجن: 26، 27، بل يمكن أن يكون بطريق الحساب أو بغيره. ويرد على ذلك بأن الفعل " خفى " يستعمل فى اللغة للستر وللإظهار، فهو من الأضداد، يقال: خفاه يخفيه خفيا، من باب رمى. وخفيا أيضا-بضم الخاء وكسر الفاء-وفى بعض القراءات " أخفيها " بفتح الهمزة، وكما أن الخفى الثلاثى يفيد الستر والإظهار كذلك يفيدهما الإخفاء وهو مصدر الفعل الرباعى أخفاه. وعلى هذا فالآية ليست دليلا قاطعا على مدعاهم، فقد يكون معناها: أكاد أظهرها، بل يجب المصير إلى هذا المعنى لتتوافق الآيات بعضها مع بعض، والمتشابه يرد إلى المحكم كما قال تعالى {هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} آل عمران: 7، وهؤلاء فى قلوبهم زيغ يبتغون الفتنة، حيث تمسكوا بالمتشابه ولم يأبهوا بالمحكم الذى يجب رده إليه، وليسوا من الراسخين فى العلم على أى وجه يكون الوقف فى الآية " مذهب السلف ومذهب الخلف " لأنهم فى محاولتهم لتقديس العدد 19 خالفوا المنهج العلمى وزيفوا، وفى عدم رد المتشابه إلى المحكم ظهر جهلهم بأصول البحث، ولم يؤمنوا بما جاء فى القرآن الكريم نصا فى عدم علم أحد بالساعة إلا الله سبحانه. وبهذا يظهر أن استدلال هؤلاء استدلال واه ضعيف أو فاسد لا يثبت مدعاهم، ولم يعتبروا بمن سبقهم ممن زعموا علم الساعة وحددوا موعدها فافتضح أمرهم، وليس المهم هو معرفة وقت قيامها بل المهم هو الاستعداد لها، وقيامة كل إنسان موته أو عقب موته، فمن مات فقد قامت قيامته، لأنه لا عمل بعد الموت، بل جزاء وحساب، كما فى القيامة الكبرى. وقد نبه النبى صلى الله عليه وسلم من سأله عنها إلى الاستعداد لها، فكل من الموت والقيامة يأتى بغتة، روى البخارى ومسلم عن أنس رضى الله عنه أن إعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ فقال " ما أعددت لها "؟ قال: حب الله ورسوله، قال " أنت مع من أحببت ". التنبيه الثانى عن العلم بما فى الأرحام: مما اختص الله بعلمه: ما فى الأرحام، كما سبق فى الآية، وكما قال تعالى أيضا: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شىء عنده بمقدار} الرعد: 8، ولا ينافى ذلك ما يقال: إن بعض الناس توصلوا إلى معرفة نوع الجنين قبل أن يولد من بطن أمه، وهو ما يزال فى الرحم حتى أيامه الأولى، ذلك أن علم الله بما فى الأرحام علم شامل، وفى الوقت نفسه علم يقينى لا ظنى، فالله يعلم المولود قبل أن يولد، بل قبل أن يتكون أصلا، يعلمه علما شاملا، ويخبر الملائكة ببعض ما يعلمه عنه، وهم لا يعلمون عنه شيئا قبل أن يخبرهم الله به، كما قال سبحانه عنهم: {قالوا سبحانك لا علم لنا آلا ما علمتنا} البقرة: 32، جاء فى الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم " إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقه مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد، فوالذى لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" (رواه البخارى) ، وفى بعض الروايات " ذكر أم أنثى " بدل "عمله ". فلو فرضنا أن الإنسان عرف نوع الجنين فهل يعرف ما بقى من رزقه وأجله وما تنتهى إليه حياته من سعادة أو شقاء، على أن معرفة نوع الجنين لا تتيسر فى كل الحالات، بل فى فترة معينة، أما الله سبحانه وتعالى فيعلم ذلك كل وقت، بل قبل أن يتكون الجنين كما قلنا، وعلم الله بذلك علم يقينى لا يتطرق إليه الشك، وعلم الإنسان ظن وأحيانا يتخلف، ولبعض الناس شواهد لمعرفة نوع الجنين لا تعدو أني تكون ظنونا (انظر كتاب منهج الإسلام فى تربية الأولاد) . التنبيه الثالث عن التنجيم: ينبغى الفرق بين التنجيم وعلم النجوم أو الفلك، فالتنجيم حدس واستنباط لا يقوم على أسس علمية صحيحة لا تخطئ، أما علم النجوم فهو علم يدعو إليه الدين لمعرفة أسرار الكون والإيمان بالله أو تعميق الإيمان به، وقد جاءت الآيات الكثيرة تدعو إلى التفكر فى خلق - السموات والأرض، والإفادة من مسخرات الكون ماديا وأدبيا. يقول ابن حجر الهيتمى (الزواجر: ج 2 ص 110) : والمنهى عنه من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية فى مستقبل الزمان، لمجىء المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح وتغير الأسعار ونحو ذلك، يزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب لاقترانها وافتراقها وظهورها فى بعض الأزمان، وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه أحد غيره، فمن ادعى علمه بذلك فهو فاسق، بل ربما يؤدى به إلى الكفر. أما من يقول: إن الاقتران والافتراق الذى هو كذا جعله الله علامة، بمقتضى ما اطردت به عادته الإلهية، على وقوع كذا وقد يتخلف فإنه لا إثم عليه بذلك، وكذا الأخبار عما يدرك بطريق المشاهدة من علم النجوم الذى يعرف بها الزوال وجهة القبلة، وكم مضى وكم بقى من الوقت، فإنه لا إثم فيه، بل هو فرض كفاية. وفى حديث الصحيحين عن زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فى أثر سماء - أى مطر- كانت فى الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: " أتدرون ماذا قال ربكم "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: " قال: أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى، كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا- أى وقت النجم الفلانى - فذلك كافر بى، مؤمن بالكوكب ". قال العلماء: من قال ذلك مريدا أن النوء هو المحدث والموجد فهو كافر، أو أنه علامة على نزول المطر، والذى ينزله هو الله وحده، لم يكفر، ويكره قول ذلك، لأنه من ألفاظ الكفرة، والمهم أن يكون الاعتقاد صحيحا فى أن الله هو فاعل كل شىء، وأنه وراء الأسباب جميعا، ولا يقع فى ملكه إلا ما يريد، وما يصل إليه الباحثون ويستنتجونه هو ظن قد يصدق بعضه ويتخلف البعض الآخر. التنبيه الرابع عن الطيرة والفأل: سبق القول بأن الطيرة أو التطير يقوم على الربط بين ما يحصل للإنسان فى المستقبل وبين رؤية شىء أو سماع صوت، والتشاؤم نوع من التطير إذا كان رد الفعل مكروها، ويقابله التفاؤل والفأل إذا كان رد الفعل مقبولا، وقد تستعمل هذه الألفاظ بعضها مكان البعض الآخر. وللباعث عليه هو رغبة الإنسان فى معرفة ما يغيب له، وهو قديم تحدث عنه القرآن الكريم، فقال عن ثمود قوم صالح عليه السلام {قالوا اطيرنا بك وبمن معك. قال طائركم عند الله} النمل: 47، وعن قوم موسى عليه السلام {وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه. ألا إنما طائرهم عند الله} الأعراف: 131، وعن أصحاب القرية التى بعث إليها أصحاب عيسى عليه السلام {قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمساكم منا عذاب أليم. قالوا طائركم معكم} يس: 18، 19. وكان معروفا عند العرب فى الجاهلية، وبخاصة فى طيران الطير أو زجره أو زجر الوحوش وإثارتها، فما تيامن منها سموه " السانح " وما تياسر سموه " البارح " وما استقبلهم سموه " الناطح " وما جاءهم من الخلف سموه " القعيد أو القاعد ". ومن اشتهر عندهم بمعرفة ذلك يسمونه " العائف أو العراف " ومنهم عراف اليمامة والأبلق الأسيدى وعروة بن زيد. ومنهم من كان يقدح فيه ولا يعترف به، كالمرقش السدوسى وجهم الهذلى، وجاء فى ذلك قول المرقش: ولقد غدوت وكنت لا لم أغدو على واق وحائم * فإذا الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم * وكذاك لا خير ولا شر على أحد بدائم * لا ينعنك من بغاء الخير تعقاد التمائم* قد خط ذلك فى السطور الأوليات القدائم * والواقى هو الصرد - نوع من الطيور - والحائم هو الغراب. يقول ابن القيم: من اهتم بذلك أسرع إليه التأثر، وكثر وساوسه فيما يسمعه ويراه ويعطاه، فإذا أهدى إليه سفرجل أو سمع اسمه تشاءم وقال: سفر وجلاء، وهكذا، وذكر عدة حوادث فى ذلك. وقد ذم الله التطير وحكاه عن قوم هم أعداء الرسل، ومعنى طائركم وطائرهم ما قض وقدره عليهم بسبب كفرهم وتكذيبهم، وهو راجع عليهم، وذمه النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث الصحيحين عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب بقوله " ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " وفى غير ذلك من الأحاديث التى سبق ذكرها. وجاء فى مسلم أن معاوية بن الحكم السلمى قال: يا رسول الله، ومنا أناس يتطيرون، فقال " ذلك شىء يجده أحدكم فى نفسه فلا يصدنه ". فبين أن تأثيرها ليس من ذاتها، بل من الإنسان نفسه الذى يعتقد فيها. ومع نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الطيرة كان يحب الفأل الحسن، ففى الصحيحين " لا عدوى ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح " وفى لفظ "وخيرها الفأل " وفى لفت " وأصدقها الفأل " ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " إذا أبردتم إلى بريدا فاجعلوه حسن الاسم حسن الوجه " وله فى الفأل حوادث، منها اختيار من اسمه "يعيش " ليحلب الناقة ورفض من اسمه " حرب "، وأخبر عمر عن سبب ذلك ونفى أنه تطير فقال " ظننت يا عمر أنها طيرة، ولا طير إلا طيره، ولا خير إلا خيره، ولكن أحب الفال " وكره المرور يوم بدر بطريق فيه جبلان لم يعجبه اسمهما ولا اسم الساكنين فيه. وفى الصحيحين أنه قال " الشؤم فى ثلاث، فى المرأة والدار والدابة " وفى الموطأ أنه أمر امرأة بالتحول من دارها لما أصابهم فيها من مكروه. وقد علق ابن القيم على ذلك بأن الفال ليس فيه شرك بل فيه تقرير لطبيعة الإنسان فى حب الخير وكراهية الشر، كما يحب الصوت الحسن والرائحة الطيبة والأخبار السارة عن الخصب والصحة والانتصار، مع اعتقاد أن هذه الأمور لا تؤثر أبدا إلا بإذن الله كما فى التشاوم بالدار، والتشاؤم قد يؤدى الى الشرك وترك التوكل على الله. أما الفأل فيفضى إلى الأمل والطاعة وتوحيد الله. وقال بعضهم فى الفرق بين التطير والفأل: إن الفأل فيه إبانة عن شىء حاصل فى النفس وهو الارتياح الذى ظهر بسماع الاسم الحسن مثلا، أما التطير ففيه استدلال على شىء غير حاصل. وحديث الشؤم روى بوجهين، أحدهما بالجزم والثانى بالشرط. فالأول " الشؤم فى الدار والمرأة والفرس " والثانى " إن يكن من الشؤم شىء حقا ففى الفرس والمسكن والمرأة " فقالت طائفة: لم يجزم النبى صلى الله عليه وسلم بالشؤم فى هذه الثلاثة، بل علقه على الشرط ولا يلزم من صدق الشرطية صدق كل واحد من طرفيها. وقالت طائفة أخرى: إضافة الشؤم إليها مجاز واتساع، أى قد يحصل مقارنا لها لأنها هى نفسها مما يوجب الشؤم، فقد تكون الدار قد قض الله أن يميت فيها بعضا من خلقه، فمن كتب الله عليه الموت فى تلك الدار حسن إليه سكناها حتى يقبض فيها. سئل مالك رضى الله عنه عن الشؤم فى الدار فقال: إن ذلك كذب فيما نرى، كم من دار سكنها ناس فهلكوا، ثم سكنها آخرون فملكوا. وقال آخرون: إنما يلحق الشؤم من تشاءم منها، أما من توكل على الله فلا يلحقه ضرر منها، ولذلك نصح النبى صلى الله عليه وسلم المرأة أن تتحول عن هذه الدار ما دامت تتشاءم منها، وهو من باب الرحمة والتيسير، بدل أن يرغمها على سكناها ونفسها لم تتهيا لترك الشؤم وللاتكال على الله بعد، فقد يزيدها ذلك أعتقادا فى التطير وهو شرك، أو يسلمها إلى الحزن بكراهة الدار، ولو أرغم من ضاق رزقه فى بلد على عدم مفارقتها لكان ذلك هو الحرج الذى لا يرضاه الله لعباده. ثم يجيب ابن القيم إجابة جامعة عن كل ما نسب إلى الرسول وغيره من الفال بقوله: إن بين الأسماء والمسميات ارتباطا بقدرة الله. وألهمه الله للعباد، وليس ارتباط العلة بمعلولها، بل ارتباط تناسب وتشاكل، ولكل شىء من اسمه نصيب بقدر ما، ووقوع حوادث مرتبطة بأشياء أخرى هو مصادفة واتفاق وليس على سبيل التسبب والتأثير. ثم يقول: تعطيل الأسباب تعطيل للشرع ومصالح الدنيا، والاعتماد عليها كلية شرك بالله تعالى، فالمقامات ثلاثة: أحدها تجريد التوحيد وإثبات الأسباب، وهو ما جاء به الشرع، والثانى الشرك فى الأسباب بالمعبود، والثالث إنكار الأسباب بالكلية محافظة من منكرها على التوحيد. فالمنحرفون طرفان مذمومان، إما قادح فى التوحيد بالأسباب، وإما منكر للأسباب بالتوحيد، والحق غير ذلك، وهو إثبات التوحيد والأسباب وربط أحدهما بالآخر، فالأسباب محل حكمه الدينى والكونى، والحكمان عليها يجريان بل عليها يترتب الأمر والنهى والثواب والعقاب، والتوحيد تجريد الربوبية والإلهية عن كل شرك. وذكر فى التوفيق بين النهى عن الاقتراب من المجذوم وبين أكل النبى معه، أن النبى صلى الله عليه وسلم أثبت السبب وأمر بالفرار، وأثبت المانع وهو التوكل فأجاز المؤاكلة، لكن لا يقدر كل أحد على المانع وهو التوكل، فأرشد إلى مجانبة المجذوم تشريعا للفرار من أسباب الأذى، ووضع يده معه تعليم للأمة بدفع الأسباب بما هو أقوى منها، وإعلام بأن الضرر والنفع بيد الله عز وجل. فالمؤمن إذا وثق بالله لا يضره السبب، كما قيل عند الطيرة (اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، اللهم لا يأتى بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات آلا أنت، ولا حول ولا قوة آلا بك " ثم يمض لحاجته. هذا الأثر ذكره ابن القيم فى بحثه عن الطيرة والتشاؤم، روى أبو عمرو فى " التمهيد" بسند فيه ابن لهيعة عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من أرجعته الطيرة من حاجته فقد أشرك " قال: وما كفارة ذلك؟ قال " أن يقول أحدهم. . . " وذكر الحديث، وأورد عن كعب الأحبار مثل ذلك وأنه فى التوراة (7/374) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 8:52 am | |
| قراءة الكف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى قراءة الكف؟
الجواب الإسلام أمرنا بالعلم والبحث والنظر، ووجهنا إلى عدم الظن فى كل الأحوال، وإلى أن تكون معلوماتنا مبنية على الحقائق ما أمكننا ذلك، والآيات والأحاديث فى ذلك كثيرة. والناس من قديم الزمان لهم طرق فى الاستنتاج قد تصح نتائجها وقد تبطل، ولكنهم مع ذلك مغرمون بحب الاستطلاع، والوصول إلى معلومات تهمهم عن طريق شواهد ومقدمات، وسمعنا فى ذلك عما يسمى بالكهانة والعرافة والتنجيم وضرب الحصا. . . وشاع فى أيامنا ما يعرف بقراءة الفنجان وقراءة الكف. وقد عكف جماعة على دراسة خطوط الكف عندما رأوا صدق دلالتها فى بعض الأحوال فنرى مثلا الدكتورة إكرام عبد السلام أحمد أستاذ طب الأطفال بقصر العينى تقول: هناك نوعان من خطوط اليد، خطوط ثنايا الكف، وهى واضحة عند النظر إليها وأساسها ثلاثة خطوط، اثنان عرضيان تحت الأصابع الأربع، والثالث بحد منطفة الإبهام وهو منحن وهى متشابهة فى جميع الناس، وإذا تغيرت يكون هناك شذوذ، أما خطوط الأصابع فهى عكس ذلك لا تكاد تتشابه أو لا تتشابه مطلقا من شخص لآخر، وعليها الاعتماد فى البصمات، وهى ترى إما بالعدسة المكبرة وإما بالطبع بالحبر. واكتشفت أن تغير الخطوط الثلاثة فى الكف يدل على تأخر عقلى أو اختلاف فى الكروموسومات التى تنشا عنها تشوهات خلقية. وسبب ارتباط ذلك باليد أن اليد يبدأ تكوينها فى الأشهر الثلاثة الأولى مع تكوين أعضاء الجسم، فأى اختلال فى التكوين يظهر فيها. وقد بحثت ارتباط الخطوط ببعض الأمراض كالتأخر العقلى وروماتيزم القلب وأمراض الجهاز العصبى، كما يمكن دراسة بعض الإمراض أو التكهن بها من خلال بصمات الأصابع " الأهرام 26 / 8 ". وواضح من هذا الكلام أن هذه الخطوط لها ارتباط بالتكوين العضوى لجسم الإنسان وما ينشأ عنه من تأثير فى القوى العقلية، لكن التنبؤ بالمستقبل من النظر فى هذه الخطوط هو الذى ما يزال رجما بالغيب لم تقم له قواعد ثابتة يقينية. هذا، وقارئ الكف العالمى (دافيد براندون جونز) حاول أن يربط بين خطوط الكف وبين المستقبل بوجه عام، وله فى ذلك بحوث واطلاعات واستنتاجات كثيرة (القبس 4 / 6 / 979 1) ولكن كل ذلك لا يتعدى مرحلة الظن، ولا ينبغى الاعتماد على أقوال هؤلاء فى رسم الخطوط لحياتنا المستقبلة، فإن المقدمات غير اليقينية لا تلزم عنها نتائج يقينية. وقد علمنا النبى صلى الله عليه وسلم دعاء الاستخارة فى كل ما يهمنا من الأمور، والأولى الالتجاء إلى الله بها، فهو وحده مالك الأمر كله، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ويثار هنا سؤال: هل أطلع الله رسوله على ما يكون فى غد؟ والجواب ما جاء فى قوله تعالى {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السؤ} الأعراف: 188، وصح فى مسلم أن عائشة رضى الله عنها قالت: من زعم أن رسول الله يخبر بما يكون فى غد فقد أعظم الفرية على الله. وتلت قوله تعالى {قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله} النمل: 65 (7/375) ________________________________________ الرقى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى الرقى؟
الجواب الرقى جمع رقية، وهى كلمات يقولها الناس لدفع شر أو رفعه، أى يحصنون بها أنفسهم حتى لا يصيبهم مكروه، أو يعالجون بها مريضا حتى يبرأ من مرضه، وكان العرب قبل الإسلام يعتقدون أنها مؤثرة بنفسها دون تدخل لقدرة أخرى غيرها، واختيار- كلماتها مبنى على اعتقادات قد يرفضها الدين، ولذلك كان موقف الإسلام منها هو تصحيح الخطأ فى الاعتقاد، وتقرير أنه لا تأثير لها إلا بإرادة اللَّه تعالى، وكذلك رفض الكلمات التى تتنافى مع العقيدة الإسلامية الصحيحة. فإن كانت كلماتها مقبولة مع اعتقاد أن أثرها هو بإرادة اللَّه سبحانه كان مسموحا بها، مثلها مثل الدعاء أو الدواء، وبهذا يمكن أن نفهم ما جاء من نصوص رافضة أو مجيزة لها. فمما ورد فى رفضها حديث البخارى ومسلم عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب الذى جاء فيه " هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " وفى رواية لمسلم زيادة " ولا يرقون ". فالراقى وطالب الرقية مذمومان، وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه أنه دخل على امرأته وفى عنقها شىء معقود، فجذبه فقطعه ثم قال: لقد أصبح آل عبد الله أغنياء أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذه الرقى والتمائم قد عرفناها.. فما التولة؟ قال: شىء تصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن " (رواه ابن حبان فى صحيحه، والحاكم وصححه) . والتولة بكسر التاء وفتح الواو. ومما ورد فى إجازتها: (أ) حديث الصحيحين من رقية بعض الصحابة بفاتحة الكتاب لسيد الحى الذى لدغ فشفاه اللَّه، ثم أقرهم النبى صلى الله عليه وسلمِ " على فعلهم وما أعطاه إياهم هذا السيد، وبين أن العلاج بكتاب اللَّه أحق أن يؤخذ عليه الأجر. (ب) حديث الصحيحين عن عائشة رضى اللَّه عنها: أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن نسترقى من العين. (جما حديث الصحيحين: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث فى كفيه بقل هو اللَّه أحد والمعوذتين، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده. (د) حديث الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله، يمسح عليه بيده اليمنى ويقول " اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافى لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما ". (هـ) ما رواه مسلم أن جبريل عليه السلام أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اشتكيت؟ قال " نعم " فقال جبريل: باسم اللَّه أرقيك من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، اللَّه يشفيك، باسم اللَّه أرقيك. (و) ما رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: " من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات اللَّه التامة من شر ما خلق لم يضره شىء حتى يرتحل من منزله ذلك ". (ز) ما رواه مسلم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص فى الرقية من الحمة والعين والنملة. (ج) ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبى العاص لما اشتكى إليه وجعا يجده فى جسده منذ أسلم " ضع يدك على الذى تألم من جسدك وقل: بسم الله " ثلاثا " وقل سبع مرات: أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد وأحاذر". (د) ما رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أذن للشفاء بنت عبد اللَّه أن ترقى من النملة بعد أن عرضت عليه، وقال " لا باس بها " النملة بكسر الميم بثور فى الجنبين، اللحمة ضرر ذوات السموم. (ى) ما رواه ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم أذن لعمارة بن حزم فى الرقية من الحية بعد أن عرضت عليه، وقال " لا بأس بها ". قال النووي فى شرح صحيح مسلم فى الجمع بين الأحاديث الناهية عن الرقى والمجيزة لها: أن المنهى عنه هو الرقية بكلام الكفار، والرقى المجهولة والتى بغير العربية وما لا يعرف معناها، فهى مذمومة لاحتمال أن معناها كفر أو قريب منه أو مكروه، وأما الرقى بآيات القرآن والأذكار المعروفة فلا نهى عنها بل هى سنة (ج 14 ص 196) وقد روى مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم "اعرضوا علىَّ رقاكم، لا باس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ". وقال ابن حجر فى فتح البارى: أجمع العلماء على جواز الرقية عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام اللَّه أو بأسمائه أو صفاته، وباللسان العربى أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير اللَّه (نفثات صدر المكمد لسفارينى: ج 2 ص 642) (7/376) ________________________________________ التمائم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى التمائم؟
الجواب التمائم جمع تميمة، قال الحافظ المنذرى: يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها، يرون أنها تدفع عنهم الآفات. واعتقاد هذا الرأى جهل وضلالة، إذ لا مانع إلا اللَّه، ولا دافع غيره. ذكره الخطابى (الترغيب والترهيب: ج 4 ص 96) . فالنهى عنها عند اعتقاد أنها تؤثر بنفسها، فذلك شرك وبدون هذا الاعتقاد جهالة، جاء فى الحديث " من علق تميمة فلا أتم اللَّه له، ومن علق ودعة فلا أودع اللَّه له " (رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد جيد والحاكم وصححه) . وفى حديث آخر (من علق فقد أشرك " (رواه أحمد برواة ثقات) وعن عائشة رضى الله عنها قالت: ليست التميمة ما يعلق به بعد البلاء، إنما التميمة ما يعلق به قبل البلاء (رواه الحاكم وصححه) . ويؤخذ من كلام المنذرى أن التميمة خرزة، وفى الحديث ذكر التميمة والودعة، فهل هما شىء واحد؟ وإذا كان ذلك فلملذا التكرار والعطف يقتضى المغايرة؟ وقد يجاب على ذلك بان الودعة هى الخرزة الصدفية المعروفة التى تتكون فى البحار، والتميمة كل شىء يعلق من أية مادة تكون، كقطعة خشب أو خرقة أو غيرهما، مما يعتقد الجهلة منفعته. وتفسير عائشة يدل على أنها كانت للحفظ من الإصابة ودفع الشر، وليست للاستشفاء من مرض واقع. ومهما يكن من شىء فإن أعتقاد أن هذه الأشياء تؤثر بنفسها دون توقف على إرادة الله تعالى يتنافى مع الإيمان. ومثل التمائم ما يعرف بالأحجبة، وهى كتابات تعلق بقصد دفع الشر أو رفعه، فإن كانت كلمات من القرآن الكريم أو ذكر اللَّه تعالى، مع اعتقاد أنها لا تؤثر إلا بإرادته سبحانه فلا يؤثر ذلك على الإيمان، مع التنبيه على صيانة كلام اللَّه تعالى من كل ما يخل بتوقيره، ومع التوصية بطلب العلاج عند المختصين. وجاء فى زاد المعاد لابن القيم (ج 4 ص 119) أن جماعة من السلف أجازوا كتابة شىء من القرآن ثم إذابته بالماء والتداوى به سقيا أو غسلا، روى ذلكُ عن مجاهد ومثله عن أبى قلابة، ويذكر عن ابن عباس أنه أمر أن يكتب لامرأة يعسر عليها ولادها أثر من القرآن ثم يغسل ويسقى. وجاء فى " الفتاوى الإسلامية " (ج 10 ص 3567) : اختلف العلماء فى جواز كتابة بعض آيات من القراَن أو أسماء لتكون تمائم، فقالت طائفة بجوازه، ونسبوا هذا إلى عمرو بن العاص وأبى جعفر الباقر، رواية عن الإمام أحمد، وقالت طائفة بمنعه لحديث أحمد " من علق تميمة. . . " وجزم كثير من العلماء بقول الطائفة الأخيرة، لعموم هذا النص، وسدا للذريعة حتى لا يكبر الصغار وهم يعتقدون أن التمائم هى التى تشفى وتحفظ دون إرادة اللَّه. ولا يحل لمسلم أن يأخذ أجرا على كتابة هذه الآيات، وليس هناك حديث يقول " خذ من القرآن ما شئت لما شئت ". ويراجع فى ذلك تفسير القرطبى (ج 10 ص 318) (7/377) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 8:53 am | |
| العدوى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى العدوى؟
الجواب العدوى انتقال المرض من المصاب به إلى آخر، بطريق مباشر أو غير مباشر، وكان العرب يعتقدون أن الجسم المريض يؤثر حتما فى الجسم السليم عند وجود الفرصة، وذلك دون حساب أو تقدير لإرادة اللَّه تعالى. ولما كانت العدوى حقيقة واقعة لم ينكرها الإسلام، وإنما أنكر الاعتقاد الشائع حولها، ولهذا جاءت نصوص تثبتها كحقيقة طبية، ونصوص تنفيها كمؤثر حتمى بعيد عن إرادة الله. فمما جاء فى إثباتها حديث " إذا سمعتم بالطاعون فى أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه " ولما سمعه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه رجع من الشام. ولما قيل له: أفرارا من قدر اللَّه قال؟ : أفر من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه (رواه البخارى) . وحديث (لا يورد ممرض على مصح " (رواه مسلم) . وحديث " فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" (رواه البخارى تعليقا) . وعدم مبايعة النبى صلى الله عليه وسلم لرجل مجدوم كان فى وفد ثقيف (رواه مسلم) . ومما جاء فى نفى العدوى حديث " لا عدوى ولاطيرة ولا هامة ولا صفر " (رواه البخارى) . وحديث " فمن أعدى الأول "؟ (رواه أحمد والبيهقى والطبرانى) وذلك فى معرض الحديث عن الإبل يدخل فى وسطها بعير أجرب. وحديث: وضع النبى صلى الله عليه وسلم يد مجذوم معه فى الطعام وقوله: " كل باسم اللَّه توكلا على اللَّه وثقة باللَّه " (رواه الترمذى) . وقد وضح ابن القيم هذا الموضوع فى كتابه " زاد المعاد " وذكر أنه لا تعارض بين الأحاديث القوية، فالإثبات على أنها سبب عادى، والنفى يحمل على أنها لا تؤثر بنفسها. والهامة: طائر يزعم العرب أن عظام الميت تصير طائرا يطير من قبره ينادى بأخذ الثأر له وتقول: اسقونى اسقونى، فإذا اخذ بثأره سكتت. والصفر: حية فى البطن تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه كما كان يزعم العرب. وقيل: أراد بالصفر الشهر الذى كانوا يؤخرون به حرمة المحرم إلى صفر (7/378) ________________________________________ الحسد بالعين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى الحسد بالعين؟
الجواب الحسد بالعين حقيقة ملموسة لا ينكرها أحد. وهى طاهرة موجودة من قديم الزمان. وأن عجز بعض الناس عن تفسيرها تفسيرا علميا، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العين حق، ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين " رواه مسلم. وقد اتخذ النبى صلى الله عليه وسلم لها إجراء وقائيا وإجراء علاجيا، فقد ورد عن أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان. كما روى الترمذى وصححه أن أسماء بنت عميس قالت: يا رسول اللَّه، إن بنى جعفر تصيبهم العين، فأسترقى لهم؟ فقال: " نعم، ولو كان شىء يسبق الفضاء لسبقته العين ". وجاء فى مسند أبى داود عن عائشة قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين، وروى مالك أن عامر بن ربيعة رأى سهل بن حنيف يغتسل، فقال: واللَّه ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة. قال: فلَبِط سهل، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه وقال " علام يقتل أحدكم أخاه، إلا بركت، اغتسل له " فغسل له عامر وجهه ويده ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه داخلة إزاره فى قدح، ثم صب عليه، فراح مع الناس، وقد ذكر ابن القيم فى كتابه " زاد المعاد ج 3 ص 116 " عدة أحاديث فى هذا الموضوع، وعلق عليها بقوله: أبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها. وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابا، وأكثفهم طباعا، وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها. وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره وإن اختلفوا فى سببه ووجهة تأثير العين. ثم ذكر ابن القيم وجهات نظر مختلفة وتفسيرات لكيفية الإصابة بالعين، منها قوله: أن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين، فيتضرر. قالوا: ولا يستنكر هذا، كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان فيهلك. وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعى أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك، فكذلك العائن. ثم قال: وهو يلتقى مع قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الأبتروذى الطفيتين من الحيات أنهم ليلتمسان البصر ويسقطان الحبل ويؤمن ابن القيم بذلك حتى قال: إن نفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له شىء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره. وذكر ابن القيم علاج الإصابة بالعين مستوحى من الأحاديث النبوية، مع أدعية واردة تفيد فى هذا الموضوع، وأفاض فى بيان تأثير العلاج النبوى بالاغتسال بالماء الذى اغتسل به العائن بما لا يدع مجالا للشك فى أهميته، فارجع إليه إن شئت. هذا، والأبحاث النفسية الحديثة لا تنكر أثر العين، بل أثر القوى الأخرى، وهى تثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله، وأثر الاستعاذة والتحصن فى تقوية الروح لتدفع خطر العين (7/379) ________________________________________ معنى نزول الله إلى السماء الدنيا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال وردت أحاديث تقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ليسمع دعاء التائبين والمسترزقين، فكيف يكون هذا النزول، وهل الله فى مكان ينزل منه؟
الجواب روى البخاري ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعونى فأستجيب له، من يسألنى فأعطيه من يستغفرنى فأغفر له ". هذا الحديث من المتشابه الذى يوجد فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية، والمسلمون حياله فريقان، فريق يطلق عليهم اسم السلف، وفريق يطلق عليهم اسم الخلف، فالأولون يؤمنون بأن الله سبحانه ينزل من عرشه إلى سماء الدنيا نزولا يليق بجلاله وكماله، بعيدا عن المشابهة للحوادث كما قال سبحانه {ليس كمثله شىء} الشورى: 11، والآخرون يصرفونها عن ظاهرها ويريدون بها لازمها، بمعنى القرب والرحمة وسرعة الاستجابة كما يجىء فى كلام العرب تعبيرا عن الرجل الكريم بأنه لا تطفأ له نار. وعلى شاكلة ذلك كان تفسيرهم لليد والعين فى قوله تعالى {يد الله فوق أيديهم} الفتح:10، وقوله {ولتصنع على عينى} طه: 39. ومن موقف السلف والخلف من الإيمان بالظاهر ومن التأويل كان الوقف فى قوله تعالى {فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} آل عمران: 7، فالأولون يقفون عند قوله تعالى {وما يعلم تأويله إلا الله} ويكون قوله: " والراسخون " كلاما مستأنفا، أو مبتدأ خبره " يقولون آمنا به " والآخرون لا يقفون عند قوله {الله} وأنما يصلون به على العطف " والراسخون فى العلم " فالذى يعلم التأويل عند الأولين هو الله فقط، والذى يعلمه عند الآخرين الله والراسخون فى العلم. " راجع موضوع: الرحمن على العرش استوى " (7/380) ________________________________________ القضاء والدعاء وعمل البر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال وردت نصوص يؤخذ منها أن الدعاء يرد القضاء وأن صلة الرحم تزيد فى العمر، فكيف يكون ذلك مع أن قضاء الله واحد وعلمه لا يتغير؟
الجواب روى الحاكم وصححه وابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم فى قال " لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد فى العمر إلا البر. . . " ورواه الترمذى وقال: حسن غريب، أى رواه راو واحد فقط - وجاء فى حديث البزار والطبرانى والحاكم " لا يغنى حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء ينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة " ومعنى يعتلجان: يتصارعان ويتدافعان. قال العلماء فى هذا: إن القضاء نوع من علم الله تعالى بما سيكون عليه حال العبد قبل خلقه، ومنه قضاء مبرم لابد من وقوعه لا يدفعه ولا يرفعه شىء، ومنه قضاء معلق فى وقوعه أو رفعه على شىء، فالموت مثلا قضاء مبرم لابد منه ولا يدفعه شىء " وطول العمر قضاء معلق على فعل، مثل صلة الرحم وعمل خير آخر، كما فى حديث " من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه " رواه أحمد وغيره. ومن هذا النوع المعلق أن يعلم الله سبحانه أن شيئا سيحصل للعبد عند دعائه، وأن مرضا سيصيبه لا يبرأ منه إلا بالدعاء والعلاج، فكل حركات العبد والكون معلومة مكشوفة لله تعالى، ولكنها مغيبة عنا، ولذلك أمرنا بطاعته، ومن الطاعة الدعاء الذى يؤكد الإنسان شيه إيمانه بضعفه وحاجته إلى الله، وقد عبر عن هذا فى الحديث بأنه العبادة أو مخ العبادة، فإذا حصل الدعاء وتم ما أراد الله كانت إرادته مرتبطة بدعاء العبد كما علمها من قبل، وما دام القضاء مغيبا علينا فعلينا امتثال أمر الله فى الدعاء وغيره، ولو علمنا ما قدر لنا ما كان هناك معنى للتكليف ولركدت حركة الحياة (7/381) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 8:55 am | |
| سجود الشمس تحت العرش المفتي عطية صقر. مايو 1997 المبادئ القرآن والسنة السؤال يقال إن الشمس عند الغروب تسجد تحت العرش،فهل هذا صحيح؟ الجواب قال تعالى {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوما} الكهف: 86، المعروف أن الأرض كروية، ولها دورتان، دورة حول نفسها ينتج عنها الليل والنهار ودورة حول الشمس ينتج عنها الفصول الأربعة، والشمس هى أيضا لها دوران حول نفسها، على ما يفيده قوله تعالى {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فى أحد التفاسير، وكانت هذه الحقيقة مجهولة إلى وقت قريب، سبق بها القرآن المنزل من عند اللَّه. ومشرق الشمس ومغربها هو فى حقيقته ظهور جزء من الأرض فى مقابلها واختفاؤه عنها، فحركه الشروق والغروب حركة ظاهرية فى رأى العين للشمس، وهى فى الحقيقة لنا، وعندما تغيب الشمس عنا أو نغيب عنها يراها الناظر إليها وهو على شاطئ البحر أو المحيط أنها تغوص فى الماء كأن عينا ابتلعتها أو سقطت هى فيها. ووصف العين فى الآية بأنها حمئة، قال بعض المفسرين: إنها ذات حمأة وطين، وفى قراءة ... حامية أى حارة ساخنة، وذلك كله تخيل وتصور للناظر يعطيه لون الماء فى زرقته التى تميل،من بعد إلى السواد، أو توهج الشمس عن طريق تفرق أشعتها عند الغروب كأن نارا توقد فى هذا الماء، فالتصوير كله بحسب ما يراه الناظر بصرف النظر عن الحقيقة. ذلك ما يعطيه لنا العلم الحديث، الذى يقول إن نصف الكرة الأرضية يكون نهارا حين يقابل الشمس، والنصف المقابل يكون ليلا حين تغيب عنه. لكن ورد فى البخارى حديث عن أبى ذر يقول فيه: كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد عند غروب الشمس، فقال " يا أبا ذر تدرى أين تغرب الشمس "؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش "، فذلك قوله تعالى {والشمس تجرى لمستقر لها} . وأخرجه النسائى بلفظ فإنها تذهب حتى تنتهى تحت العرش عند ربها ثم تستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها، وتطلب، فإذا كان ذلك قيل لها: اطلعى من مكانك، فذلك قول اللَّه {والشمس تجرى لمستقر لها} . فكيف يستقيم الإخبار عن سجودها تحت العرش عند مغيبها، ومع قول القرآن إنها تغرب فى عين حمئة؟ ولم يفت شراح الحديث القدامى هذا السؤال، فقد قال الحافظ ابن حجر فى شرح البخارى " فتح البارى " لا تخالف بين الحديث والقرآن، فإن المراد بالآية نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب. وقال الخطابى: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر استقرارا لا نحيط به نحن، وليس فى سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعوقها عن دورانها فى سيرها، وهناك أقوال أخرى لا يوجد لها سند صحيح. وقال بعض العلماء: إن المراد بسجودها تحت العرش خضوعها لله وانقيادها للنظام الذى وضعه لها. وهذا أمر يجرى على كل كائن فى الوجود مهما تصور الإنسان عظمته وفتن بقوته وأثره، فهو تحت حكم الله يتصرف فيه كيف يشاء، وكل حركة فى الكون فهى بأمره سبحانه. وعند نهاية العالم سيغير اللَّه نظام الكون المشاهد لنا، فتشرق الشمس من حيث غربت. والله على كل شىء قدير. وبهذا لا يوجد تعارض بين مقررات العلم وبين القرآن والحديث، فالكل من اللَّه سبحانه واللَّه حكيم خبير (7/382) ________________________________________ الشرك الخفى المفتي عطية صقر. مايو 1997 المبادئ القرآن والسنة السؤال ما هو الشرك الخفى؟ الجواب عن أبي سعيد الخدرى رضي اللَّه عَنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن نتذكر المسيخ الدجال فقال "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيخ الدجال "؟ فقلنا: بلى يا رسول اللَّه فقال "الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل " رواه ابن ماجه والبيهقى. وجاءت فيه روايات بألفاظ متقاربة كلها تفيد أن الرياء مذموم، كأن الإنسان يشرك مع اللَّه غيره في أداء العبادة، قال تعالى في ذم المرائين {إن المنافقين يخادعون اللَّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون اللَّه إلا قليلا} النساء: 142، وقال تعالى {فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون. الذين هم يراءون ويمنعون الماعون} الماعون: 4 - 7. والأحاديث في ذم الرياء كثيرة، منها حديث مسلم في الثلاثة الذين يكونون أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة، المجاهد والعالم والجواد، كانوا يحرصون على ثناء الناس عليهم.، وحديث البخاري ومسلم "من سمَّع سمَّع اللَّه به، ومن يراء يراء اللَّه به " أي من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة يوم القيامة وفضحه على رءوس الأشهاد. وحديث ابن خزيمة في صحيحه "يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر" قالوا وما هو؟ . قال "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا، لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر" وجاء في حديث أحمد والطبرانى أن النبي حذَرهم من هذا الشرك الخفي فسألوه كيف يتقونه؟ فقال "قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه " وفي بعض الروايات: يقال ذلك ثلاث مرات كل يوم (7/383) ________________________________________ أهل الفطرة المفتي عطية صقر. مايو 1997 المبادئ القرآن والسنة السؤال ما حساب الذين ماتوا قبل الإسلام، هل يدخلون الجنة أم يدخلون النار؟ الجواب أهل الفطرة هم الذين لم يروا نبيًّا سابقًا ولا نبيًّا لاحقًا، عاشوا وماتوا في فترة ليس فيها نبي، ومنهم العرب الذين ماتوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يأتهم نبي بعد إسماعيل فمن أمن من هؤلاء بالرسل الذين أرسلوا إليهم فهم في الجنة، ومن لم يؤمن فهو في النار، وهناك جماعة لم تبلغهم دعوة أي نبي من الأنبياء، وقد اختلف فيهم العلماء، فقال أى بعضهم، كان الواجب عليهم أن يعرفوا ربهم بعقولهم عن طريق النظر في مخلوقاته ليؤمنوا به، فمن توصل منهم إلى معرفته وآمن به نجا، ومن لم يفعل ذلك فهو في النار. وقال آخرون: لا يكلف هؤلاء بالإيمان إلا بحسب شرع يأتى إليهم،فإذا لم يجئ فلا مسئولية عليهم، قال تعالى {وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولاً} الإسراء: 15. وحجة كل فريق مبسوطة فى الكتب المتخصصة، راجع كتاب: الملل والنحل للشهرستاني، المواهب للقسطلانى مع شرح الزرقانى، وسترى الحديث عن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم له نصيب كبير من البحث. ومهما يكن من شيء فإن معرفة ذلك ليست فرضًا علينا، وليست عقيدة نسأل عنها، والبحث شهوة عقلية لا تغير من واقع هؤلاء الناس شيئًا، فربهم أعلم بهم وقد أفضوا إليه بما قدموا (7/384) ________________________________________ الرب والإله المفتي عطية صقر. مايو 1997 المبادئ القرآن والسنة السؤال ما الفرق بين الرب والإله؟ الجواب الرب فى اللغة هو المالك للشيء، ويطلق على السيد المالك للعبد، وعلى المربى، ولا يقال "الرب " مطلقا بغير إضافة لشيء إلا لله تعالى، المتكفل بمصالح الخلق، أما بالإضافة فيطلق على غير الله، كرب الدار ورب الفرس، ذكره الأصفهانى فى " المفردات ". والإله بالتعريف اسم للمعبود بحق، وهو اللَّه سبحانه، وإذا ذكر بدون التعريف " إله " كان اسما لكل معبود ولو باطلا. ويقول الراغب الأصفهانى فى " المفردات " الإله حقه ألا يجمع، إذ لا معبود سواه، لكن العرب - لاعتقادهم أن ههنا معبودات -جمعوه فقالوا: الآلهة. قال اللَّه تعالى {أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا} الأنبياء: 43، وقال {أجعل الآلهة إلها واحدا} ص: 5 (7/385) ________________________________________ اقتران صفات الله بلفظ "كان" المفتي عطية صقر. مايو 1997 المبادئ القرآن والسنة السؤال تأنى فى بعض الآيات صفات الله تعالا فيها عبارة " كان " مثل " كان الله غفورًا " فهل هذه الصفات، كانت فى الماضى وزالت عنه وتغيرت أم باقية؟ الجواب إذا وصف اللَّه نفسه فى القرآن الكريم لم يأت هذا الوصف دائما مقرونا بلفظ " كان " فكثيرا ما يأتى الوصف بدون ذلك قال تعالى {إن اللَّه على كل شيء قدير} البقرة: 109، {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} البقرة: 222، {واستغفروا اللَّه إن الله غفور رحيم} المزمل: 20. وفى بعض الآيات يأتى الوصف مع لفظ " كان " كقوله تعالى {وكان الله غفورا رحيما} الأحزاب: 59، وقوله {وكان الله بكل شىء عليما} الفتح: 26، وقوله تعالى {وكان اللَّه سميعا بصيرا} النساء: 134. وليس المراد بذلك أن اللَّه سبحانه كان متصفا بالمغفرة والرحمة والعلم والسمع والبصر فى زمن مضى، ثم زالت عنه هذه الصفات فى الزمن الحاضر ولا يتصف بها فى المستقبل، ذلك لأن تقسيم الزمن إلى ماض وحاضر ومستقبل هو بالنسبة لنا نحن، حين نتحدث ونحدد ما يقع من أحداث قبل زمن الحديث عنها أو فى أثناء الحديث أو بعده، أما اللَّه سبحانه فهو منزه عن الزمان. وما كان مخلوقا لا يتحكم فيمن خلقه. وكأن اللَّه سبحانه حين يقرن صفاته بلفظ " كان " يبين لنا أنه موصوف بذلك قبل أن يخبرنا، بل قبل أن يخلقنا، فهى صفات أصيلة فيه وجبت له لذاته لا لعلة أوجدتها فيه. فقد كان اللَّه بصفاته ولا شيء معه وقد نبه المفسرون على ذلك، فجاء مثلا فى تفسير الجلالين لقوله تعالى فى أول سورة النساء {إن اللَّه كان عليكم رقيبا} قوله: أى لم يزل متصفا بذلك. وقال الجمل فى الحاشية: نبه به على أن " كان " قد استعملت هنا فى الدوام، لقيام الدليل القاطع على ذلك (7/386) ________________________________________ تخلقوا بأخلاق الله المفتي عطية صقر. مايو 1997 المبادئ القرآن والسنة السؤال هل هناك حديث يقول: تخلقوا بأخلاق الله، وكيف يقال عن صفات الله أنها أخلاق؟ الجواب لا يوجد حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، ذلك أن الخُلق كما عبر عنه العلماء ملكة راسخة فى النفس تصدر عنها الأفعال بيسر وسهولة من غير فكر ولا روية، ولا يمكن أن يعبر عن صفات اللَّه مثل الرحمة والعدل بأنها آثار لملكة راسخة فى النفس. والذى ورد أن السيدة عائشة رضى الله عنها سئلت عن أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن رواه مسلم وغيره، وجاء فى زيادة: يغضب لغضبه ويرضى لرضاه. وقد علق العارف باللَّه عمر شهاب الدين بن محمد بن عمر السهروردى المتوفى ببغداد فى المحرم سنة 632 هجريه - فى كتابة عوارف المعارف على قول السيدة عائشة بقوله: ولا يبعد أن قول عائشة رضي اللَّه عنها: كان خلقه القراَن فيه رمز غامض وإيماء إلى الأخلاق الربانية، فاحتشمت الحضرة الإلهية أن تقول: كان متخلقا بأخلاق اللَّه تعالى، فعبرت عن المعنى بقولها: كان خلقه القرآن، استحياء من سُبُحات الجلال، وسترًا للحال بلطيف المقال، وهذا من وفرة عقلها وكمال أدبها. " الزرقانى على المواهب اللدنية ج 4 ص 246 ". فإذا جاء التعبير على لسان بعض رجال التصوف بلفظ " أخلاق الله " فلم يجىء هذا التعبير عن النبى صلى الله عليه وسلم. وإن كانت صفات اللَّه سبحانه معروفة (7/387) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 8:58 am | |
| الوجودية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الوجودية وما موقف الإسلام منها؟
الجواب الوجودية مذهب أو اتجاه فكرى يعنى بالبحث فى الوجود الإنسانى، ويصورها "ريجيس جوليفييه " فى كتابه "مذاهب الوجودية" بأنها اعتقاد أن أساس وجود الإنسان هو ما يفعله بمعنى أن أفعاله هى التى تحدد وجوده، كما قال سارتر: أنا موجود فأنا أفكر، على عكس ما قال ديكارت: أنا أفكر فأنا موجود. إن هذا المذهب ليس جديدا، فقد اهتم به كثيرون من الفلاسفة والأدباء والمتصوفين وغيرهم من قديم الزمان، وإن كان أبرزهم حديثا هو "كير كجارد" الدانمركى المتوفى سنة 1855 م وآخرهم "جان بول ساتر" الفرنسى المولود فى 21 من يونيو سنة 1905 م والمتوفى فى يوم الثلاثاء 15 من إبريل 1980 م. وبعض المعتنقين لهذا المذهب يؤمنون بوجود اللَّه الذى خلق الإنسان، لكن يرون أنه مى به فى تيه يعيش فيه بين الألم والخوف والقلق، ومن هؤلاء: كير كجارد، جبرييل مارسيل، وبعضهم لا يؤمنون بأن الله خلق الإنسان، بل هو الذى خلق نفسه بنفسه، وذلك لعدم اليقين بمصدر وجوده الحقيقى، ومنهم: هيدجر، سارتر. والذين درسوا تاريخ هؤلاء تبين له أن ظروف حياتهم هى التى أملت عليهم هذا الاتجاه فى التفكير، فقد كان "كير كجارد" منطويا على نفسه منعزلا، ولذلك حلل الوجود البشرى تحليلا يعيش فى جو الحصر النفسى والتمزق الداخلى والشعور بالخطيئة، وكذلك "سارتر" حيث اهتم اهتماما كبيرا بفكرة العدم باعتباره داخلا فى نسيج الوجود، فالفرد عنده يعيش فى مواقف تتصف بالتميع، ويحاول أن يتخطى حدود نفسه ويخدعها، ومن أجل أن وجوده مرتبط بوجود الآخرين يرى تصارع إرادتهم مع إرادته فى جو كله غثيان، والفرد يسعى جاهدا إلى تحقيق رغباته لكن ذلك غير ممكن، لأن إمكاناته لا تسعفه. ويمكن أن نحدد أهم الصفات المميزة للوجوديين فيما يلى: 1- الإيمان بأن التجربة الفردية هى أساس المعرفة، وليس العقل أو غيره موصلا إلى معرفة الحقيقة. 2- الإغراق فى تقديس الحرية الشخصية فكرا وسلوكا، وعدم الاهتمام بالآخرين بقدر الاهتمام بالنفس، ولذلك كثر فيهم الشذوذ والتطرف والآراء الغريبة والإنسان هو صانع وجوده بنفسه، لأنه رب أفعاله. 3- التشاؤم والقلق والتمزق، فالوجودى يحاول أن يخلع نفسه من نفسه ليعيش نفسا أخرى، لأنه إما أن يكون قد قذف به فى الكون وترك مع الطوفان بلا مدد أو وقاية، كما يقول الملحدون، وإما أن يكون اللَّه قد ترك له حرية الاختيار، وإن كان الاختيار نفسه محدودا بحواجز خارجة عن إرادته وهو يشعر بها عند الفشل والمقاومة، فالوجود عندهم يتأرجح دائما بين الوجود والعدم أو بين الاختيار والجبر. وهى تجرد الإنسان من كل ثقة فى الحياة، وتهدم كل أساس ينطلق منه العمل. يقول "هيدجر" إننا قد ألقى بنا إلى هذا العالم ولست أعرف لماذا ولا كيف، والشيء الوحيد الذى أعرفه حق المعرفة هو أننى سأموت يوما من الأيام، فالإنسان مستقبله محدود ومتناه، وأنا أعرف ذلك. إن لهم تعبيرات غريبة عن التجربة الفردية التى يعيشونها، يقول عنها "كارل ياسبرز" إنها الإحساس بمدى هشاشة الوجود الإنسانى، ويقول عنها "هيدجر" هى المضى نحو الموت، ويقول عنها "سارتر": الإحساس بالغثيان والتقزز بل إن كثيرا منهم لا يرضى أن يقال عنه: إنه فيلسوف، وإنما يقال: كاتب أو أديب، لأن الفيلسوف الوجودى يقصر بحثه على الوجود الخاص به، وهو يرى أن فلسفة البحث عن الوجود هى العدم، وذلك ما قاله هيدجر. ومن هنا اعتبر كبار النقاد أن سارتر أديب أولا، ثم فيلسوف ثانيا. 3- تقوم الوجودية على إنكار وجود الله، وبالتالى إنكار حياة بعد الموت،أو على عدم الرضا بقضاء الله وحكمته فى هذا الوجود، وأنه بقدرته يمكن أن يغير أى حال إلى حال آخر، الأمر الذى جعلهم يعيشون حياة القلق والتشاؤم والاهتمام بالذات وانتهاز الفرص التى ربما لا تتاح بعد. إن الناظر إلى هذا الفكر يراه مخالفا للإسلام، وذلك لما يأتى: (ا) أن الإسلام يقوم على الإيمان بوجود اللَّه وبالحياة الآخرة، فالوجود الزمنى فى الدنيا معه وجود آخر دائم بعد الموت، فالعدم ليس نهاية الوجود كله، بل إن الحياة الآخرة خير لمن اتقى واستقام أمره. (ب) ليست وسائل المعرفة الصحيحة قاصرة على إحساس الفرد نفسه بما يعانيه من تجربة، فهناك العقل وميدان التفكير واسع غير محدود، وهناك الوحى المنزل من عند اللَّه على رسله. (ج) ليست الحرية الشخصية فى الإسلام أو فى أى دين آخر، بل فى أى تشريع أو عرف، حرية مطلقة بغير حدود، فهناك ضوابط موضوعة لاستقامة السلوك وللمحافظة على حقوق الآخرين، ضرورة أن الإنسان مدنى بطبعه، لابد أن يعيش فى مجتمع له حقوقه، ومعلوم أن الأهواء الشخصية مختلفة، وفى بعضها تضارب كبير، والإنسان ليس كالحيوانات التى تسيرها غرائزها فى أكثر أحوالها. (د) الإسلام لا يرضى عن التشاؤم المطلق، أو اليأس المقنط بل فتح باب الأمل ودعا إلى النشاط والعمل، ووعد بالعفو عن المسيء إذا أناب إليه، وباليسر والفرج لمن توكل عليه، وآمن برحمته وحكمته وهو يباشر نشاطه المأمور به. وكل ذلك له أدلته من الكتاب والسنة وآثار السلف وواقع التاريخ الذى أثبت أن المسلمين انطلقوا بإيمانهم العميق بالله وبالحياة الآخرة، وبالأمل الواسع فى نصره وتأييده وبالتزامهم الصادق للحدود التى وضعها اللَّه للسلوك - انطلقوا إلى الآفاق الواسعة، ينشرون كلمة الحق ويعمرون الدنيا بالخير. ولا حاجة بالمسلمين اليوم إلى استيراد أفكار وفلسفات وأنماط سلوك وضيعة هى نتاج عقول تخطىء وتصيب، وهى نضح لمعاناة شخصية فى ظروف خاصة {ومن أحسن من اللَّه حكما لقوم يوقنون} المائدة: 50، يقول "بول فولكييه "فى كتابه "هذه هى الوجودية" إن غموض شخصيات من اعتنقوا هذا المذهب جعل تعبيراتهم غامضة وليس من السهل فهمها أو تحديد المعانى المرادة منها، ولذلك لما اعترض على سارتر بهذا الغموض قال "لا عجب فى عدم فهم ما أكتب، لأن الواقع محال ولا يدركه الفهم " أمثل هؤلاء يتخذون زعماء؟ يمكن الرجوع إلى ما يأتى: 1 - دائرة معارف الشعب، المجلد 3 ص 569. 2 -دراسات قى الوجودية، للدكتور عبد الرحمن بدوى. 3 - الفلسفة الوجودية، للدكتور زكريا إبراهيم. 4 - المذاهب الهدامة، لعباس العقاد. 5 - الوجودية، للدكتور محمد الفيومى. 6 - قضايا العصر، من مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية. 7 - الأهرام 1 / 0 1 / 1983، 26/ 4 / 1985. 8 -اللواء الإسلامى 11/ 4/ 1985. 9 - الوجودية فى الميزان، للدكتور مصطفى غلوش. 10 - الوجودية فى الميزان، للشيخ محمد أبو المكارم (7/388) ________________________________________ رؤية الله يوم القيامة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا حديثا يقول "إنكم ترون ربكم يوم القيامة " فهل هذا حديث صحيح؟
الجواب ذكرنا فى إجابة سابقة خلاف الناس فى رؤية الله فى الدنيا، وأشرنا إلى أن هناك أخبارا تؤكد جواز رؤيته فى الآخرة، وزيادة فى التأكيد نقول: جاءت فى ذلك أحاديث متفق عليها، منها حديث رواه البخارى ومسلم عن أكثر من عشرين من أكابر الصحابة منهم أبو سعيد الخدرى الذى سأل النبى صلى الله عليه وسلم " هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال "هل تضارون فى رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا" قلنا لا، قال "فإنكم لا تضارون فى رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون فى رؤيتهما، ثم ينادى مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أهل الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات -بقايا - من أهل الكتاب، وبعد إلقاء اليهود والنصارى فى جهنم يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر ينتظرون رؤية الله، فيأتيهم على غير الصورة التى رأوه أول مرة. . . . . . وعند رؤيته يسجد له كل مؤمن،ولا يستطيع من كان يسجد له رياء وسمعة. . . إلى آخر الحديث. وفى حديث آخر للبخارى ومسلم "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ". يؤخذ من هذا أن أهل الموقف جميعا يرون الله، وتكون الرؤية للمؤمنين نعيما ولغيرهم شقاء، يوضحه قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة. ووجوه يومئذ باسرة. تظن أن يفعل بها فاقرة} القيامة: 22 - 25، فإذا فرغ من الكافرين وألقى بهم فى جهنم يرى المؤمنون ربهم مرة ثانية، فقد ورد فى صحيح مسلم "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم " ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} يونس: 26، فرؤية الله فى الآخرة واقعة ولا ينبغى الجدال فيها، وعلينا أن نستعد للقائه فى جنة النعيم فذلك أولى (7/389) ________________________________________ السجود لغير الله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا كان السجود لله وحده فلماذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، وكيف سجد أخوة يوسف له؟
الجواب أولا: سجود الملائكة لآدم ليس سجود عبادة، بل سجود تحية، ثانيا الذى أمر بذلك هو الله، ولابد من امتثال أمره، لكن لو أمر أحد غير الله بالسجود لغير الله حرم الأمر وحرم الامتثال، جاء فى الحديث النبوى "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" رواه الترمذى وصححه. وقال المفسرون بعد اتفاقهم على أن سجود الملائكة لآدم لم يكن سجود عبادة: إن الله أمرهم أن يضعوا جباههم على الأرض، وذلك تكريما لآدم، أو كان السجود لله ولكن القبلة هى آدم، كما يقال: صلى الإنسان للقبلة، أى إليها، وقيل: إن السجود لم يكن سجودا ماديا بأية هيئة ولكنه سجود معنوى وهو الإقرار والاعتراف بفضل آدم. ومهما يكن من شىء فإن السجود للتحية- لا للعبادة-ظل معروفا من قديم الزمان حتى زمن يعقوب عليه السلام قال تعالى عن يوسف {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجَّدا} يوسف: 100، بل بقى إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولما رأى الصحابة سجود الشجر والجمل له قالوا: نحن أولى بالسجود لك فقال: "لا ينبغى أن يُسجد إلا لله رب العالمين " وروى ابن ماجه فى سننه والبستى فى صحيحه أن معاذ بن جبل لما قدم من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ما هذا"؟ قال: يا رسول الله قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأباطرتهم وأساقفتهم، أردت أن أفعل ذلك بك، فقال "فلا تفعل فإنى لو أمرت شيئا أن يسجد لشىء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لا تؤدى المرأة حق ربها حتى تؤدى حق زوجها، حتى لو سألها نفسها وهى على قتب لم تمنعه "والقتب رحل صغير على قدر سنام الجمل. من هذا يعرف أن سجود العبادة ممنوع، وأن سجود التحية لآدم كان بأمر من الله، وسجود إخوة يوسف كان للتحية أيضا، ونهى عنه الإسلام مطلقا، حتى لو كان للتحية (7/390) ________________________________________ التنبؤات الفلكية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما موقف الإسلام من أقوال الفلكيين فى أول كل سنة عن الأحداث التى ستحصل فى الكون؟
الجواب من المعروف فى العقائد أن المستقبل غيب لا يعلمه إلا الله تعالى، كما قال سبحانه {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام: 59، وقال {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان: 34، وقال {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن: 26، 27،. وعلم الله يتميز بأمرين، أولهما الصدق واليقين بحيث لا يعتريه شك، والثانى الإحاطة والشمول فلا يغيب عن علمه شيء، وكل ما ينشر عن الفلكيين أو غيرهم أكثره استنتاج وفراسة وظن وتخمين وبراعة فى الربط بين حركات النجوم وتأثيرها على الجو حرارة وبرودة ورطوبة وجفافا وعواصف وأمطارا، وما ينتج عن ذلك من رخاء أو قحط أو قلاقل وفتن نتيجة للحالة الاقتصادية وما تؤثر فيه من الناحية السياسية والحربية والاجتماعية وما إلى ذلك. ولا شك أن الآثار والنتائج هى محصلة عدة عوامل يتفاعل بعضها مع بعض، وتنتج بشكل طبيعى نتائج مختلفة يمكن إدراكها قبل وقوعها لمن عندهم فراسة وحسن تقدير وربط بين الأسباب والمسببات. ومع ذلك فكله من باب الظنون التى لا يقطع بها، فقدرة الله وإرادته فى تصريف هذه الأسباب وفى إنتاجها للمسببات فوق كل تدبير وتقدير وحساب من البشر، قال تعالى {ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء} النور: 43،. وقال تعالى {الله الذى أرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه فى السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون. وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين} الروم: 48، 49. فالخلاصة أن هذه التنبؤات ظنية وليست قطيعة، ومن ادعى أنها قطعية فقد خالف قول الله فى علمه للغيب، وتعيين أشخاص يموتون أو يتولون مناصب أو يعزلون، كل ذلك إفراط فى التخمين يكذبه الواقع كثيرًا، ويبقى الأمر كله لله وحده، والأمثلة على ذلك كثيرة فى التاريخ "انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم، تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 282 -300" يقول الدميرى "742-808 هـ " فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى": روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابى فأمسكوا" رواه الطبرانى وأبو نعيم فى الحلية، وحسنه بعض أصحاب الأمالى عن ابن مسعود، وقال "أخاف على أمتى بعدى ثلاثا، حيف الأئمة والإيمان بالنجوم والتكذيب بالقدر" رواه ابن عبد البر وابن عساكر وهو ضعيف وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: تعلموا من النجوم ما تهتدوا به فى البحر والبر ثم أمسكوا. ويبين الدميرى سر النهى عن ذلك بعدم فتنة الناس بالنجوم، حتى لا يربطوا بينها وبين الأحداث فينسوا ربهم الذى خلق كل شيء، وبأن نتائجها ظنية لا يجوز الحكم بالظن، وبأن الاشتغال بالنجوم من هذه الناحية فضول ليست فيه فائدة تذكر، وهناك ما هو أهم منه. هكذا يقول الدميرى، وقال كثيرا غير ذلك "ج اص 15، 16 مادة الأسد " وجاء فى ذلك قول محمد بن عبد الله بن محمود الحسينى: لا شىء أجهل ممن يدعى ثقة * بحدسه ويرى فيما يرى ريبا قد يجهل المرء ما فى بيته نظرا * فكيف عنه بما فى عينه احتجبا وقول سيدنا على، أو يوسف بن عبد البر: أمنتحلى النجوم أحلتمونا * على علم أرق من الهباء علوم الأرض ما أحكمتموها * فكيف بكم إلى علم السماء وأنا أقول: إذا كان الاشتغال بعلم النجوم من أجل معرفة أسرار الكون وحسن استخدامها كما يحصل الآن من الجهود فى غزو الفضاء -كما يعبرون -فلا بأس به، بل الدين يشجعه ما دام ذلك من أجل الخير، أما سوء استخدام هذا العلم أو ادعاء معرفة الغيب على وجه اليقين فذلك ضلال لا يوافق عليه الدين (7/391) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 8:59 am | |
| القضاء والقدر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأنا فى الكتب أن محاجة حدثت بين آدم وموسى وأن آدم غلبه لأنه اعترض على قضاء الله فكيف يصح ذلك؟
الجواب روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده، أتلومنى على أمر قدر الله على قبل أن يخلقنى بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى" وجاء هذا الحديث بروايات أخرى. المراد بقوله: خط لك بيده، ألواح التوراة، والأربعون سنة هى ما بين قوله تعالى: {أنى جاعل فى الأرض خليفة} إلى نفخ الروح فيه، أو هى مدة لبثه طينا إلى أن نفخت فيه الروح. وقد تحدث شراح الحديث وكثرت أقوالهم لتوضيح الصلة بين قدر الله ومسئولية العبد وخلاصة أقوالهم ما يأتى: أنكر القدرية هذا الحديث لأنه يثبت القدر وهم لا يقولون به، إذ لو صح لاحتج كل مخالف بالقدر السابق، ولو ساغ ذلك لانسدَّ باب القصاص والحدود ولاحتج به كل أحد على ما يرتكب من الفواحش، والمثبتون للحديث ردوا عليهم، ووضحوا كيف كانت الغلبة لآدم على موسى بقولهم: (ا) إن موسى كان له مثل حال آدم حيث قتل نفسا لم يؤمر بقتلها وتاب الله عليه كما تاب على آدم، قال تعالى {وعصى آدم ربه فغوى. ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} وقال فى شأن موسى: {قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له} وليس من اللائق أن يلوم أحد غيره على حال وقع مثلها له. (ب) إن اللوم على المخالفة يكون مشروعا إذا كان قبل التوبة، أما بعدها فلا فائدة تذكر منه. (ي) إن لوم موسى لآدم كان بعد موته وانتقاله من دار التكليف إلى دار الجزاء، حيث كان لقاؤهما على أرجح الأقوال فى البرزخ بعد موت موسى، فالتقت أرواحهما فى السماء كما جزم بذلك ابن عبد البر والقابسى، وإذا كان الله قد لام آدم فى الدنيا بقوله: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} وهو أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده كما ورد، فلا يسوغ لموسى أن يؤنب آدم، والله سبحانه بكرمه لا يؤنبه بعد موته، وقد ورد أيضا النهى عن التثريب على الأَمة التى زنت وأقيم عليها الحد. هذا، ولا يجوز أن يكون هذا الحديث متكأ لمن يقترف معصية، فإذا وجه إليه اللوم يقول: هذا قدر الله، كما قال آدم، وذلك لأن من كان باقيا فى الدنيا دار التكليف تجرى عليه الأحكام من لوم وعقوبة ونحوهما. قال النووى: فى ضمن كلامه على هذا الحديث (شرح صحيح مسلم ج 16 ص 202) : ولأن اللوم على الذنب شرعى لا عقلى، وإذا تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم، فمن لامه كان محجوجا بالشرع، فإن قيل: فالعاصى منا لو قال: هذه المعصية قدرها الله عليَّ لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقا فيما قاله، فالجواب أن هذا العاصى باق فى دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفى لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن فى القول المذكور له فائدة، بل فيه إيذاء وتخجيل. والله أعلم (7/392) ________________________________________ من لم تبلغه الدعوة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال 1- ما حكم الذى ينشأ فى مجتمع كافر ولم تبلغه الدعوة الإسلامية، ولم يسمع عن شىء اسمه الإسلام،أو بلغه الإسلام ولكن بصورة مشوهة ثم مات ولم يسلم؟ . 2- ما حكم الذى يعيش فى مجتمع مسلم، ولكنه لا يعمل بالإسلام، أو يعمل بخلاف ما يريده الإسلام من الاعتقادات، وذلك عن جهل ولم يجد من يعرفه الإسلام الصحيح، وما حكم إرثه؟
الجواب لقد تحدث العلماء عمن لم تبلغهم الدعوة وعن الذين لم يدركوا نبيا سابقا أو لاحقا وهم أهل الفترة، وأطنب فى بيان حكمهم كثيرون من العلماء كإمام الحرمين فى البرهان والغزالى فى المستصفى والمنخول والرازى فى المحصول والباقلانى فى التقريب وغيرهم. وتناول حكمهم رجال الفقه والأصول والكلام، بناء على القاعدة الأساسية فى الحسن والقبح هل هما عقليان أم شرعيان، كما تحدثوا عن المؤاخذة وعدمها هل هى فى الدنيا فقط أم الدنيا والآخرة إلى آخر ما تحدثوا فيه. ومما استشهدوا به قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء:15، أى أن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا بعد الرسالة إليهم، كما قال الجمهور، وقالت فرقة: هذا عامٌّ فى الدنيا والآخرة لقوله تعالى: {كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا} الملك: 8، 9. وورد فى أهل الفترة أحاديث فى أنهم موقوفون إلى أن يمتحنوا يوم القيامة، والصحيح من هذه الأحاديث ثلاثة. إن الذى لم تبلغه الدعوة فى عصرنا هذا أمثال سكان الكهوف والأدغال والجزر النائية الذين لا يعرفون وسائل الاتصال بالعالم من حولهم، وهم قلة فى هذا الزمان الذى كثرت فيه وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها، وكثرت الرحلات وتنافس الاستعمار فى استغلال مناطق الأرض. ومن سمع بأن هناك رسولا جاء بدين اسمه الإسلام وجب عليه أن يبحث عنه إن استطاع، فإن لم يسمع أو سمع ولم يستطع البحث كان معذورا، كما قال العلماء. وقد اشترط العلماء فى لزوم الدعوة لمن بلغتهم أن تبلغهم صحيحة غير مشوهة، فإذا وصلت مشوهة كانوا معذورين فى عدم الإيمان بها، وقد نص على ذلك الإمام الغزالى فى كتابه "فيصل التفرقة" فبعد أن ذكر أن أكثر النصارى من الروم والترك فى زمانه ناجون لعدم بلوغ الدعوة إليهم، قال: بل أقول: حتى الذين بلغتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم مشوهة فعلمهم أهلوهم منذ الصبا أن كذابا مدلسا اسمه محمد ادعى النبوة كذبا فهؤلاء عندى كالصنف الأول، أى ناجون، وأما سائر الأمم الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بالتواتر ظهوره وصفاته ومعجزاته الخارقة، وعلى رأسها القرآن، وأعرضوا عنه ولم ينظروا فيما جاء فيه فهم كفار. اهـ ملخصا. وعلى هذا نقول: إن من لم تبلغه الدعوة أصلا، أو بلغته مشوهة أو بلغته صحيحة ولم يقصر فى البحث والتحرى فهو معذور، أى يرجى له عدم الخلود فى النار. أما المسلم الذى يعيش بين المسلمين ولا يعمل بالإسلام لجهله فله حالتان: الأولى: جهله بالعقيدة كوحدانية الله والبعث، أو جهله بما يعلم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والصوم وحرمة القتل والخمر، وهذا لا يعذر فى جهله، فلو ترك شيئا مما وجب عليه أو ارتكب محرما إن كان منكرا جاحدا فهو كافر، وإن كان غير منكر ولكنه متكاسل مثلا فهو غير كافر، بل مؤمن عاص. ومن حكم بكفره انقطع التوارث بينه وبين غيره من المسلمين إذا مات على ذلك، أما العاصى فإن تاب ترجى له المغفرة، وإن مات ولم يتب فأمره مفوض إلى ربه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48. أما من قصر فى غير ما علم من الدين بالضرورة لجهله به، وذلك كالمسائل الفرعية فى الفقه وبخاصة الدقيقة منها فهو معذور، وعليه أن يسعى ليتعلم. والحاصل أن الجهل نوعان: جهل لا يعذر به المسلم الذى نشأ فى مجتمع مسلم، وجهل يعذر به، الأول كالجهل بالأركان الأساسية للدين، والثانى كالجهل بالفروع التى تكون محلا لاختلاف الآراء، ومنكر الأمور الأساسية كافر، والمقصر فيها دون إنكار مؤمن عاص، ومنكر الأمور الثانية أو المقصر فيها معذور. والله أعلم (7/393) ________________________________________ مولانا وسيدنا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى قول بعض الناس للعالم يا مولانا، أو لحامل القرآن يا سيدنا؟
الجواب 1 -تحدث النووى فى كتابه "الأذكار ص 360" عن لقب المولى، فقال: يكره أن يقول المملوك لمالكه: ربى، بل يقول: سيدى. وإن شاء قال: مولاى ففى صحيحى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وَضِّئْ ربك اسق ربك، وليقل: سيدى ومولاى. .. " وفى رواية لمسلم "لا يقل أحدكم: ربى، وليقل: سيدى ومولاى". ثم قال فى ص " 361": قال الإمام أبو جعفر النحاس فى كتابه "صناعة الكتاب ": أما المولى فلا نعلم اختلافا بين العلماء أنه لا ينبغى لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاى. قلت: وقد تقدم جواز إطلاق مولاى، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فإن النحاس تكلم فى المولى- بالألف واللام - وكذا قال النحاس: يقال سيد لغير الفاسق، ولا يقال السيد - بالألف واللام - لغير الله تعالى - والأظهر أنه لا بأس بقوله: المولى والسيد: لغير الفاسق. 2 - وقال النووى فى الكتاب المذكور "ص 359" اعلم أن "السيد يطلق على الذى يفوق قومه ويرتفع قدره عليهم، يطلق على الزعيم والفاضل ويطلق على الحليم الذى لا يستفزه غضبه، ويطلق على الكريم، وعلى المالك، وعلى الزوج. وقد جاءت أحاديث كثيرة بإطلاق "سيد" على أهل الفضل، فمن ذلك ما رويناه فى صحيح البخارى عن أبى بكر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صعد بالحسن بن على رضى الله عنهما المنبر فقال "إن ابنى هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين من المسلمين " وروينا فى صحيحى البخارى ومسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضى الله عنه "قوموا إلى سيدكم أو خيركم " كذا فى-بعض الروايات "سيدكم أو خيركم " وفى بعضها "سيدكم " بغير شك وروينا فى صحيح مسلم أن سعد بن عبادة رضى الله عنه قال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله. . . الحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظروا إلى ما يقول سيدكم ". وأما ما ورد فى النهى فما رويناه بالإسناد الصحيح فى سنن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل " قال النووى: والجمع بين هذه الأحاديث: أنه لا بأس بالإطلاق: فلان سيد ويا سيدى وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلا خيِّرا، إما بعلم وإما بصلاح وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقا أو متهما فى دينه أو نحو ذلك كره أن يقال سيد، وجمع بين الأحاديث أبو سليمان الخطابى "فى معالم السنن " بنحو ذلك. والخلاصة أنه لا مانع أن يطلق الإنسان لقب مولاى أو سيدى، أو المولى أو السيد على من يستحق ذلك دينا، كالعالم والصالح ومعلم القرآن وزعيم الجماعة وغيرهم ممن ذكروا فى إطلاقات السيد. أما وصف الفاسق بذلك فمكروه، إلا إن خيف شر، أو حصول فتنة فيجوز بمعنى من المعانى البعيدة عن الدين قياسا على ما قيل فى كراهة السلام - التحية - على المبتدعين والعصاة الفاسقين، الذين روى البخارى فيهم عن عبد الله بن عمرو قوله: لا تسلموا على شربة الخمر، وقال النووى فى الأذكار ص " 354": إن اضطر إلى السلام على الظَّلمة بأن دخل عليهم، وخاف ترتب مفسدة فى دينه أو دنياه أو غيرهما إن لم يسلم -سلَّم عليهم، قال الإمام أبو بكر بن العربى: قال العلماء: يسلم وينوى أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، المعنى الله عليكم رقيب (7/394) ________________________________________ الوصول إلى القمر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الناس وصلوا إلى القمر، أرجو الاستدلال بآية من القرآن على أن فى مقدور الإنسان الوصول إلى القمر وإن كانت الإجابة " لا " أرجو كذلك الاستدلال بآية من القرآن، لأن القرآن به كل شيء موضح فيه؟
الجواب أقول للسيد السائل: إن الوصول إلى القمر تم بالفعل ولا مجال للشك فيه، وعلى المسلم أن يكون على صلة بالأحداث التى تجرى حوله، وألا يعيش بعقله وفكره منزويا عن العالم باستكشافاته الحديثة وإنجازاته العلمية الواسعة. والوصول إلى القمر أو إلى أى كوكب آخر من الكواكب التى يحاولون اختبار ظروفها ليس فيه ما يعارض الدين أو يكذب القرآن، فإن الله سبحانه أمر بالبحث والنظر فى ملكوت السماوات والأرض، قال تعالى: {أولم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء} الأعراف: 185. والبحث العميق يوصل إلى الإيمان القوى بالله إذا كان بحثا منصفا بعيدا عن التعصب والأهواء، ولا توجد آية ولا حديث يمنع محاولة الوصول إلى القمر. وليس فى الوصول إليه خرق للسماوات، فهو وغيره من النجوم والكواكب موجود فى السماء الأولى قال تعالى {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} الصافات: 6، ولو قرأت أقوال المختصين عن سعة الكون لعرفت أن القمر، كما عبر بعض المحدثين، ضاحية من ضواحى الأرض ليس بعيدا عنها كما يظن الناس. وقد حاول بعض الناس أن يستدل بقوله تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء} الأعراف: 40، على أنه لا يمكن اختراق السموات، وقد علمت أن القمر وما سواه موجود فى السماء الدنيا ولا يحتاج إلى اختراق، على أن المراد بعدم فتح الأبواب عدم قبول الدعاء والأعمال وعدم رفع أرواحهم إلى عليين. والقرآن يكتفى فى النواحى العلمية بتوسيع المجال للنظر والتشجيع على البحث فى الكون كله أرضه وسمائه، ولا حاجة بعد ذلك للنص على جزئيات معينة، فهى كثيرة، والقرآن دستور فقط للباحثين والعاملين فى مختلف المجالات (7/395) ________________________________________ اسم الله الأعظم
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 9:01 am | |
| اسم الله الأعظم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو اسم الله الأعظم الذى إذا دُعِىَ به أجاب؟
الجواب يقول الله سبحانه {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف: 180 ويقول {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} الإسراء: 110. الإنسان مخير فى أن يدعو ربه بأى اسم من أسمائه التى ذكرت فى القرآن الكريم، ويزيد عددها على التسعة والتسعين التى ذكرت فى الحديث الذى رواه الترمذى، وجاء فى فضلها حديث البخارى ومسلم " من أحصاها دخل الجنة" أى من حفظها وعمل بما فيها. وهناك من الأسماء ما هو أقرب للاستجابة عند الدعاء به، وهو اسم الله الأعظم، الذى إذا دُعى به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، والراجح من أقوال العلماء أنه مؤلف من عدة أسماء، بناء على الأحاديث الواردة فيه، فقد روى أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو ويقول: اللهم إنى أسألك بأنى أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال والذى نفسى بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذى إذا دُعِىَ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، كما رووا أيضا أنه سمع رجلا يدعو بقوله: اللهم لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام. فقال النبى صلى الله عليه وسلم لقد دعا الله باسمه الأعظم " وفى بعض الروايات أن اسم الله الأعظم موجود فى آية {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} وفى فاتحة سورة آل عمران {الله لا إله إلا هو الحى القيوم} رواه أبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح والظاهر من تعدد الروايات أن القاسم المشترك بينها هو توحيد الله سبحانه، والدعاء بالتوحيد فيه إخلاص وثقة بالله، ونفى للشريك عنه، وتقرير أنه لا يستحق أحد سواه أن يُلجأ إليه فلابد لكل دعاء أن يصحبه هذا الشعور حتى يكون فى موضع الرجاء للقبول. من هذا نرى أن اسم الله الأعظم موجود فى القرآن الكريم. على أن هناك أسماء لله لم ينزل بها قرآن ولم يثبت بها حديث، فقد جاء فى بعض أدعية النبى صلى الله عليه وسلم " أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب غمى " رواه ابن السنى عن أبى موسى الأشعرى، وذكره النووى فى كتابه " الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" (7/396) ________________________________________ وضع قدم الله فى جهنم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الله سبحانه يضع قدمه فى جهنم، وكيف يفهم هذا؟
الجواب يقول الله سبحانه {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} ق: 30 المفسرون فريقان فى قول جهنم " هل من مزيد " ففريق يقول: المعنى ليس هناك مكان لزيادة أحد على من هم فيها، فقد امتلأت، كقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه " هل ترك لنا عقيل من ربع أو منزل "يعنى ما ترك. فمعنى الكلام النفى. وفريق يقول: المعنى هل هناك أحد يزاد على من فيها، ففيها متسع لمن يلقى فيها؟ وعلى كلا المعنيين يصح أن يُنطق الله النار فتقول هذا الكلام، ويصح أن يراد بذلك التشبيه فقط، يعنى كأنها تقول ذلك. والمعنى الأول أصح. ثم جاء فى صحيحى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوى بعضها إلى بعض وتقول: قَطْ قَطْ، بعزتك وكرمك، ولا يزال فى الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة " وفى رواية " وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها، قَطْ قَطْ، فهناك تمتلئ وينزوى بعضها إلى بعض، فلا يظلم الله من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا ". فقول" قط قط " فى الرواية الأولى من جهنم، وفى الرواية الثانية من الله. يقول القرطبى: القدم هنا قوم يقدمهم الله إلى النار، وقد سبق فى علمه أنهم من أهل النار، وكذلك الرِّجل وهو العدد الكبير من الناس وغيرهم، ويبين هذا المعنى ما روى عن ابن مسعود أنه قال: ما فى النار بيت ولا سلسلة ولا مِقْمَعٌ ولا تابوت - وهى أدوات التعذيب -إلا وعليه اسم صاحبه، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذى قد عرف اسمه وصفته، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة: قط قط، حسبنا حسبنا. أى اكتفينا اكتفينا. وحينئذ تنزوى جهنم على من فيها وتنطبق، إذ لم يبق أحد ينْتظر، فعبَّر عن ذلك الجمع المنتظر بالرِّجل والقدم. لكن قال بعض العلماء: إن معنى وضع الله رجله أو قدمه فى النار إخضاعها وإسكاتها، حتى لا تطلب زيادة على من فيها، كمن يريد أن يعبر عن قهره وانتصاره على عدوه فيقول: وضعته تحت قدمى، وليس لله سبحانه قدم ولا رجل كما هو معهود للمخلوقات، فليس كمثله شىء، وإذا سكتت النار عن طلب المزيد بعث الله بخلف ليسكنهم المنازل فى الجنة، وهذا دليل على سعة رحمة الله تعالى. وخلاصة الكلام فى القدم أنه من المتشابه الذى يؤمن به السلف، فالله له قدم ورجل ويد وعين وإصبع كما ورد فى القرآن والسنة، لكن هذه الأشياء ليست كالمعهودة فى المخلوقات، أما الخلف فينفون أن لله أعضاء بالمعنى الحقيقى، والمراد منها لازمها، فالتعبير مجازى والمراد القوة والعناية والرعاية والعلم (7/397) ________________________________________ أبراج المواليد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فيما ينشر فى الصحف عن أبراج المواليد وتوقعات الأحداث لهم؟
الجواب هذه التوقعات ظنون تتخلف كثيرا، والله وحده له العلم الشامل الكامل والصادق الدقيق، كما قال سبحانه {وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان: 34. وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من التصديق والتشجيع لهذه الوسائل الكاذبة لمعرفة المستقبل، وتقدم الكلام كثيرا عن ذلك فى عنوان "علم الغيب ". وفى الحديث الذى رواه مسلم " من أتى عرافا فسأله عن شىء فصدقه لم تُقبل له صلاة أربعين يوما " والعراف كما قال البغوى: هو الذى يدَّعى معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها، وقيل: هو الكاهن الذى يخبر عن بعض المضمرات فيصيب بعضها ويخطئ أكثرها ويزعم أن الجن تخبره بذلك، وقد جاء فى الكاهن حديث "من أتى كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أُنزل على محمد " رواه البزار بإسناد جيد قوى، والذى أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو حصر علم الغيب فى الله تعالى. وما ينشر فى الصحف من الطوالع وحظوظ أصحابها يطلق عليه اسم التنجيم، وجاء فيه حديث أبى داود وابن ماجه وغيرهما " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد" قال الحافظ: والمنهى عنه من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية فى مستقبل الزمن كمجىء المطر وهبوب الريح وتغير الأسعار ونحو ذلك، ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها فى بعض الأزمان، وهذا علم استأثر الله به، لا يعلمه أحد غيره، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم والذى يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى من الليل والنهار وكم بقى فإنه غير داخل فى النهى. قال العلماء: من صدَّق هذه الطوالع واعتقد أنها تضر وتنفع بدون إذن الله، أو أن غير الله يعلم الغيب فهو كافر. ومن آمن بأنها ظنية ولم يعتقد أنها تضر وتنفع فهو مؤمن عاص ينقص ذلك من حسناته. وفى ذلك يقول الحديث الذى رواه الطبرانى " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أُنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدق له لم تُقبل نه صلاه أربعين ليلة" والمداومة على قراءه هذه الطوالع قد تجر إلى أنها اطلاع حقيقى على الغيب الخاص بالله تعالى، وهو حرام (7/398) ________________________________________ داروين وأصل الإنسان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى قول بعض الناس: إن أصل الإنسان قرد؟
الجواب جاء " شارل داروين" الإنجليزى المتوفى سنة 1882 م بعد "لامارك " الفرنسى المتوفى سنة 1829 م بمذهبه فى أصل الخليقة الذى أثار ضجة فى الأوساط العلمية عندما ظهر كتابه " أصل الأنواع " سنة 1859م وكتابه " تسلسل الأنواع " سنة 1871م وهو يشتمل على ثلاث مسائل، خلاصتها أن العالم نشأ بالترقى والتطور، والإنسان كذلك حدث بهذه الطريقة، وأنه لمشابهته للقرد لا يمنع أن يكون قد اشتق هو والإنسان من أصل واحد، وكذلك قال: إن العقل والحياة ظاهرتان ترجعان إلى المادة. إن " داروين " لم يقم دليلا كافيا على كلامه، وإنما هو مجرد افتراض واحتمال، واعتمد فى افتراضه على تطوير نوع من الزهور والنباتات، غير شكلها ولم يغير جوهرها، ولم ينجح فى شىء من عالم الحيوان. يقول " س. فان هو فنسفيلت " فى تفنيد هذه النظرية: إن النتائج التى وصل إليها الباحثون فى الأحياء المتحجرة لم تساعد على إقامة أى دليل على التسلسل أو التطور التدريجى، بل ثبت على عكس ذلك أن الفروق الدقيقة بين صفوف الأجناس التى نعرفها بقيت على الدوام فاغرة ولم تتلاش أو تقرب من ذلك. إن الأجدر بالإنسان ألا يجهد نفسه كثيرا فى محاولة الوصول إلى معرفة خلق الإنسان، إذ أن الصانع وحده هو الذى يعرف حقيقة ما صنع، وأما المصنوع فلا يصل ولن يصل إلى إدراك كيفية وجوده وخلقه، وما يعرفه من ذلك قليل. إن الكلام فى هذا الموضوع طويل، وما قاله " داروين " مجرد احتمال، فإن أنكر أن الله هو الخالق الحقيقى فهو ملحد من ملاحدة الماديين، وقد رد عليه كثيرون من علماء الطبيعة، ونحن كمسلمين نؤمن بأن الله خلق آدم من طين ومن حمأ مسنون ومن صلصال كالفخار ومن ماء. وورد أن الله خلق الإنسان نوعا مستقلا، لا بطريق النشوء والاشتقاق من نوع آخر، وإن كان كلا الأمرين من الجائز العقلى الذى يدخل تحت قدرة الله تعالى، قال بعض العلماء: إنه لا يوجد فى النصوص أن الله خلق الإنسان الأول من تراب دفعة واحدة، أو بتكوين متمهل على انفراده، فسبيل ذلك التوقف وعدم الجزم بأحد الأمرين، حتى يقوم الدليل القاطع عليه، فنعتقده ما دام أن الذى فعل ذلك كله هو الله تعالى، ثم إن النواميس المذكورة فى مذهب " داروين " ظواهر واضحة فى الكون، ولا حرج فى اعتقادها ما دام أن الله هو الذى خلقها ووجهها، فهى لا تحقق وجودها من نفسها {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شىء} الأنعام: 102، فهو خالق المادة والنواميس. هذا، وقد سبق شرح الحديث الشريف: "إن الله خلق آدم على صورته" رواه البخارى ومسلم، وذكرنا أن بعض الأقوال تفسره بأن الله خلق آدم على صورته التى هو عليها لم ينتقل فى النشأة أحوالا، ولا تردد فى الأرحام أطوارا كذريته، بل خلقه رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح، وكان على أحسن صورة كما قال سبحانه: {لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم} التين: 4، فيرجع إليه لتكتمل الصورة فى فهم هذا الحديث (المجلد الأول صفحة 650) ويمكن الرجوع إلى " مجلة الأزهر- المجلد الثانى - صفحة 749، وكتابى دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة، وكتاب الجواب الإلهى أو الإسلام أمام العلم والفلسفة للشيخ نديم الجسر " (7/399) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51891 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأحد 14 يناير 2024, 9:02 am | |
| إله واحد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قال الله تعالى {وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله} الزخرف: 84، فهل يفيد ظاهر الآية تعدد الآلهة؟
الجواب ليس المعنى أن هناك إلهين، واحدا فى السماء وواحدا فى الأرض، لأن تعدد الآلهة ممنوع، والإسلام دين التوحيد الخالص، والنصوص فى ذلك كثيرة، وهو سبحانه القائل {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} المؤمنون: 91، والقائل {قل هو الله أحد} الإخلاص: اوإنما المعنى فى الآية الواردة فى السؤال أن الألوهية ثابتة لله فى السماوات وفى الأرض، أى فى الكون كله. ونفى التعدد مصحوب بالدليل وهو فساد الكون، بسبب تنازع الآلهة، كلٌّ يزعم أنه الأحق بالألوهية، وحتى لو اتفقا فما هو الداعى إلى الإله الثانى المعطل عن مجال تصرف الإله الأول، والاستدلال المنطقى موجود فى كتب التوحيد (7/400) ________________________________________ ليس كمثله شىء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال وردت بعض النصوص التى تثبت أن لله يدا ورجلا، نريد بيانا للمراد منها؟
الجواب وردت نصوص فى الكتاب والسنة تثبت أن لله عينا ويدا ورجلا، مثل قوله تعالى {ولتصنع على عينى} طه: 39، وقوله {يد الله فوق أيديهم} الفتح: 10، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد. حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط قط ". وقوله " الحجر الأسود يمين الله تعالى فى الأرض يصافح بها من شاء من خلقه " رواه الطبرانى وابن خزيمة فى صحيحه، وقوله " رأيت ربى فى أحسن صورة ووضع يده بين كتفى حتى وجدت برد أنامله بين ثندوتى" أى ثديى رواه الطبرانى والترمذى وقال: حسن غريب. وقوله فى الحديث القدسى عن الله سبحانه "ومن أتانى يمشى أتيته هرولة" رواه البخارى. والعلماء إزاء هذه النصوص فريقان مع اتفاقهم على أن الله سبحانه ليس كمثله شىء، فريق يطلق عليه اسم السلف وفريق يطلق عليه اسم الخلف، والسلف يؤمنون بدلالة هذه الألفاظ على معانيها الحقيقية الموضوعة لها فى اللغة العربية، فيثبتون لله عينا ويدا ورجلا ولكنها ليست كأعيننا وأيدينا وأرجلنا لاستحالة التشابه بينه وبين المخلوقات، والخلف يؤولون هذه الألفاظ التى جاءت على أصول اللغة العربية بما فيها من حقيقة ومجاز، فيريدون بالعيون لازمها وهو العناية والعلم، وباليد لازمها وهو القدرة والإنعام، وبالرجل والقدم القدرة والسرعة وزيادة الفضل والكرم. وهذه الألفاظ من المتشابه الذى نزل به القرآن وقال عنه {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} آل عمران: 7، فالسلف يقفون على {الله} والخلف يصلون ولا يقفون: أى يعطفون {الراسخون} على لفظ {الله} أما السلف فيجعلون الواو للاستئتاف لا للعطف. وفى هذين الموقفين جاءت العبارة: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم (7/401) ________________________________________ المشيئة الربانية والعقل والهدى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى قوله تعالى: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} السجدة: 13؟
الجواب أبسط تفسير لهذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قادر مريد لو شاء أن يجعل كل الأنفس الحية من إنس وجن وغيرهما مؤمنة مطيعة لفعل. وذلك بأن يخلقهم من مادة أو عنصر لا يكون منه الكفر والعصيان،كالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لأنهم خلقوا من نور، ولكنه سبحانه وتعالى قدر أن تكون هناك مخلوقات قابلة للإيمان والكفر، يصدر منها الطاعة والعصيان وذلك بمحض إرادتها واختيارها، دون تدخل من الله سبحانه، إلا بمجرد الأمر والنهى وبيان الخير والشر. فمن آمن وأطاع أدخله الجنة، ومن كفر وعصى أدخله النار، وذلك بعد الحساب الدقيق على ما قدموا فى دنياهم، وهذه المخلوقات الحرة المختارة لما تفعل هى الإنس والجن. ولا يجوز أن نفهم من هذه الآية أن الله هو الذى تحكم فينا فجعل منا المؤمن والكافر وقد أراد لنا ذلك فكيف يعذبنا على ما اقترفنا. نعم إن الله هو الذى خلقنا على هذا الطراز وبالاستعداد للإيمان والكفر، ولكن بمحض إرادتنا نحن واختيارنا لما وقع منا: {هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} التغابن: 2، {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} الإنسان: 2، {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الكهف: 29. ولو فرض أن الله هدى كل نفس للإيمان ما كان هناك معنى لاستحقاق الجنة حيث لا يكون عمل من هذه النفس بل هو عمل الله وما كان هناك معنى لإرسال الرسل لهداية الناس إلى الخير، فنظام الحياة الدنيا لا يصلح له إلا من يتأتى منه أن يقول: نعم وأن يقول: لا، وذلك هو الإنس والجن بما منحوا من عقل وحرية واختيار، وبما جاءهم من وحى يرشد إلى الصواب. والموضوع فيه كلام طويل للعلماء عن مذهب الجبرية والقدرية، فيرجع إليه فى كتب التوحيد (7/402) ________________________________________ سب الديك
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فيمن يسبون الديك أو أى شىء آخر بدل أن يسبوا الدين؟
الجواب يجرى على ألسنة بعض الفساق عبارة سب الدين، وذلك رِدة وكفر لها حكمها، وأحيانا يقول الشخص "يلعن ديك أمك " وحكمه أنه إذا كانت نيتة سب الدين ولكن يتستر بلفظ الديك حتى لا يؤاخذه أحد عليه فهو مرتد عند الله سبحانه، لأن الإنسان يحاسب عند ربه بحسب نيته، أما بالنسبة لنا فلا نحكم عليه بالردة، لأننا مأمورون بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر. وأحذر هؤلاء من هذه العبارة التى لو تعودوها فقد يصرحون بسب الدين وهنا يكون الكفر، مع أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الديك فقال: "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة" وفى لفظ "فإنه يدعو إلى الصلاة" رواه أحمد وابو داود وابن ماجه باسناد جيد (7/403) ________________________________________ ويعلم ما فى الأرحام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال استطاع العلم الحديث أن يعرف نوع الجنين إن كان ذكرا أو أنثى، فهل يتعارض ذلك مع قول الله تعالى {ويعلم ما فى الأرحام}
الجواب يقول الله تعالى {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شىء عنده بمقدار، الرعد: 8، ويقول {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام} لقمان: 34. لا يتنافى علم البشر بنوع الجنين فى بطن أمه مع علم الله بما فى الأرحام، وذلك لأربعة أمور، أولها أن الله يعلم ذلك قبل أن يتخلق الجنين، أى قبل أن تتلقح بويضة الأنثى بماء الذكر، إلى أن يولد، بل قبل أن يكون هناك الزواج بين الرجل والمرأة، والطب لا يعرف ذلك إلا بعد إخصاب البويضة بزمن يمكنهم فيه الفحص والاستدلال، وما يقال: انهم يعرفون ذلك قبل الإخصاب بفحص ماء الرجل ومعرفة الكروموسومات الغالبة فيه، فإن هناك عوامل أخرى لا يستطيع العلم التحكم فيها، وكلها تحت إرادة الله سبحانه، وما يستنبطونه مقدما فهو لا يعدو مرحلة الظن والتخمين. ثانيها: أن علم الله بنوع الجنين علم حقيقى لا يتخلف، وعلم العلماء بذلك علم ظنى قد يتخلف، وبخاصة فى الأيام الأولى للحمل. ثالثها: أن علم الله بالجنين علم شامل لنوعه ورزقه وأجله وسعادته وشقائه، وذلك غير مستطاع إلا لله سبحانه تعالى، الذى قدر كل شىء قبل أن يخلقه. رابعها: أن علم الله لا يسبقه جهل، وعلم غيره مسبوق بالجهل. وبهذه الأمور وغيرها يظل علم الله سبحانه فى قدسيته وشموله وصدقه لا يدانيه فيه مخلوق من مخلوقاته. قال تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام: 59 وقد بين الحديث هذه المفاتح بقوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة ... } كما رواه البخارى فعلمها قاصر عليه وحده "لا يعلمها إلا هو وذلك على الوجه الميين فيما تقدم (7/404) ________________________________________ إنزال المطر الصناعى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال توصل بعض العلماء إلى إنزال مطر صناعى، فهل يتنافى ذلك مع قول الله تعالى "وينزل الغيث "؟
الجواب كلنا يعلم أن تكاثف بخار الماء الموجود فى السحاب أو فى الجو عامة يحدث لعوامل، فينزل المطر أو الندى، وليس فى ذلك مشاركة لقوله تعالى: {وينزل الغيث} لقمان: 34، لأن تكوُّن السحاب وامتلاء الجو ببخار الماء على هذا النطاق الواسع هو صنع الله بالوسائط الذى خلقها، فهو الخالق للبخار ولحرارة الشمس والمتحكم فى برودة الجو، وكذلك فى الرياح وسوقها للسحاب وبقدرته أن يتحكم فيها فلا تنتج أثرا، كما قال سبحانه {ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء} النور: 43. إن العمليات التى يحاول بها بعض الناس إسقاط المطر من السحاب لها نظائر فى نطاق ضيق، فى عمليات فصل الملح عن الماء ليصير عذبا، فهى تدور على التبخير والتكثيف، كما يحدث فى الأنبيق الذى تستخرج به العطور، وليس عملهم هذا تدخلا فى صنع الله، بل هو تصرف واستخدام للمادة التى خلقها الله، ولا يمكن لأحد أن يخلق الحرارة أو البرودة أو الماء بوسائط أو مواد غير ما أوجده الله فى الكون. ومع ذلك فالمحاولات لا تغنى، لأن كثيرا من بلاد هؤلاء العلماء تشكو الجفاف وقلة الماء وهلاك الزرع والحيوان، فلو أمكنهم التحكم فى المطر والماء والريح كما يتحكم الله ليغاثوا من القحط ما سكتوا، فقدرة الله فوق قدرتهم، وإرادة الله فوق إرادتهم، كما أن مداواة المريض بمواد خلقها الله لا تبرر إسناد الشفاء الحقيقى إلى غير الله. وإلى جانب عجزهم عن الإغاثة من القحط، عجزوا عن دفع ما يقع من العواصف والصواعق والسيول والزلازل والبراكين على بلاد المتحضرين المزهوين بعلومهم واختراعاتهم، كل ذلك يزيدنا إيمانا بقوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد.وما ذلك على الله بعزيز} فاطر: 15 -17 (7/405) ________________________________________
|
|
| |
| فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس | |
|