منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 9:48 am


الأرضون السبع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يوجد سبع أرضين كما توجد سبع سماوات، وما الدليل على ذلك؟

الجواب
قال الله تعالى {الله الذى خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} الطلاق: 12، وجاء فى الأحاديث " اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن ... " كما جاءت أحاديث أخرى تذكر أن الأرض سبع أرضين، وللمفسرين فى ذلك أقوال ثلاثة:
ا - أن الأرض سبع طبقات بعضها فوق بعض، وبين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء. وفى كل أرض سكان من خلق الله، وهذا قول الجمهور كما ذكر القرطبى "ج 18 ص 174 ".
2- أنها سبع طبقات بعضها فوق بعض، من غير فتوق ومسافات، بخلاف السماوات، وهذا قول الضحاك.
3- أنها سبع أرضين منبسطة، يعنى ليس بعضها فوق بعض، وإنما تفرق بينها البحار وتظلها سماء واحدة، وقد تكون هى الأرض التى نعيش عليها مقسمة إلى قارات، أى كتل منفصلة بالبحار والمحيطات، يعرف منها آسيا وأوروبا "أوراسيا" وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، واستراليا والقارة القطبية الشمالية، والقارة القطبية الجنوبية.
هذا، وقد روى الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الإسناد، وروى البيهقى فى شعب الإيمان وقال: إسناده صحيح عن أبى الضحى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال فى معنى الآية:هناك سبع أرضين، فى كل أرض نبى كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم، وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم، قال البيهقى: إسناد هذا الحديث إلى ابن عباس صحيح، إلا أنى لا أعلم لأبى الضحى متابعا، فهو شاذ، وقد تكون مثلية الأرضين للسماوات مثلية كمٍّ أو كيف، أى مثلية فى العدد، أو مثلية فى إبداع الخلق ودقة الصنع والاحتواء على الآيات والدلائل الشاهدة على عظمة الخلق والخالق.
وكل الأقوال اجتهادات فى التفسير ليس على أحدها دليل قاطع، وذلك إذا أردنا بالرقم "7" حقيقته العددية، بخلاف ما لو أردنا التعبير عن الكثرة بصرف النظر عن حدودها. ولعلماء اليوم اجتهادات قائمة على ظنون وافتراضات، والقدر الواجب علينا معرفته هو أن الأرض سبع لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه، وقد ذكر القرآن عددها كما ذكر عدد السماوات لبيان قدرة الله وسعة كونه، وإحاطة علمه بكل شيء، وهذا القدر كاف فى صحة الإيمان بما فى القرآن مع تشجيع العلم على مواصلة البحث للوصول إلى حقائق تؤكد أن القرآن حق كما قال سبحانه {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} فصلت: 53،
(7/487)
________________________________________
قراءات القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كم قراءة وردت لقراءة القرآن الكريم بها؟ وهل هناك قراءات شاذة؟ وما أهمية تعدد القراءات؟

الجواب
ثبت فى الأحاديث أن القرآن أنزل على سبعة أحرف واختلف العلماء فى بيان المراد بالأحرف السبعة على أقوال كثيرة بلغت أربعين قولا من أحسنها أنها الأوجه السبعة التى تختلف بها القراءة، باختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وغيرهما وباختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر، وباختلاف التقديم والتأخير، وباختلاف الإبدال وباختلاف اللهجات. .
والصحابة اختلف أخذهم عن الرسول فى هذه الوجوه، واشتهر منها ما يعرف بالقراءات السبع والقراءات العشر والقراءات الأربع عشرة، وأقواها هى السبع المنسوبة إلى الأئمة السبعة وهم: نافع وعاصم وحمزة وعبد الله بن عامر وعبد الله بن كثير وأبو عمرو بن العلاء، وعلى الكسائى. والقراءات العشر تزيد على ما سبق قراءه أبى جعفر ويعقوب وخلف والقراءات الأربع عشرة تزيد قراءة الحسن البصرى، وابن مُحَيْصِن، ويحيى اليزيدى، والشنبوذى.
والقراءات السبع متواترة، والمكملة للعشر قيل بتواترها وقيل بغير التواتر، وما بعدها فهى شاذة.
وضابط القراءات المقبولة: كل قراءة وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا ووافقت اللغة العربية ولو بوجه وصح إسنادها ولو كان عمن فوق العشرة من القراء-فهى القراءة الصحيحة التى لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها.
وفائدة تعدد القراءات تظهر فى التيسير من أجل القراءة والحفظ وذلك لاختلاف لهجات العرب وجاء ذلك مصرحا به فى الأحاديث مثل "أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتى لا تطيق ذلك " ومثل "إنى أرسلت إلى أمة أمية فيهم الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفانى الذى لم يقرأ كتابا قط. . . ".
ومن الفوائد جمع الأمة على لسان واحد هو لسان قريش، وقد يكون فيها بيان حكم من الأحكام مثل {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس} النساء: 12، فجاء فى قراءة زيادة (من أم) بعد "أخ أو أخت " ومثل الكفارة بتحرير رقبة جاء فى قراءة تقييدها بمؤمنة ومنها بيان لفظ مبهم مثل {كالعهن المنفوش} قرئت كالصوف المنفوش.
إلى غير ذلك من وجوه التيسير والإفادة، والموضوع ألفت فيه كتب كثيرة، وعولج فى مؤلفات "علوم القرآن " للسيوطى وغيره فليرجع إليها لمن أراد الاستزادة
(7/488)
________________________________________
القراءة والسماع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أيهما أكثر ثوابا للمرء قراءة القرآن أم الاستماع إليه؟

الجواب
أكثر الأحاديث جاءت ترغب فى القراءة، وتجعل ثواب الحرف الواحد عشر حسنات، والماهر بالقراءة مع السفرة الكرام البررة والذى يتتعتع فيه له أجران، ويأتى القرآن شفيعا لأصحابه، ويلبسه الله تاج الكرامة وحلة الكرامة، ويرتقى فى درجات الجنة بقدر ما يقرأ، والملائكة تتنزل لسماعه من القارئ، وكل ذلك وغيره وردت به النصوص الصحيحة والحسنة.
أما استماع القرآن فالنصوص فى الترغيب فيه قليلة جدا، قال تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} الأعراف: 254.
وفى الحديث "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة" رواه أحمد عن عبادة بن ميسرة، واختلف فى توثيقه عن الحسن عن أبى هريرة، والجمهور على أن الحسن لم يسمع من أبى هريرة.
وقد حمل بعض المفسرين الآية على خطبة الجمعة فأوجبوا الإنصات إليها لاشتمالها على القرآن، ومع ذلك فالحديث المروى فى الاستماع ذكر فيه ثواب التلاوة بأكثر من ثواب الاستماع، والحديث على كل حال ضعيف.
ومن هنا يمكن أن نقول: إن قراءة القرآن أكثر ثوابا من الاستماع إليه، وهى وسيلة لتعليم الكتابة ليستطيع القراءة، فالذى يسمعه ربما لا يكون قارئا أو عارفا بالكتابة، والقراءة أقرب من الاستماع لحفظ القرآن.
ومهما يكن من شيء فالانشغال بالقرآن بأية كيفية من الكيفيات فضيلة من كبريات الفضائل. والله أعلم
(7/489)
________________________________________
أوجه الإعجاز القرآنى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما أوجه الإعجاز فى القرآن الكريم؟

الجواب
أوجه الإعجاز فى القرآن كثيرة، وقد ألفت فيها كتب قديمة وحديثة، وأشار إليها السيوطى فى "الإتقان " وابن القيم فى "الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن " والبيضاوى فى "إعجاز القرآن " وأخيرا الرافعى فى كتابه " إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ".
وأحسن الأوجه بأن الإعجاز فى بلاغته التى تحدى بها العرب والإنس والجن، ودائما تكون المعجزة من جنس ما برع فيه القوم، كعصا موسى بالنسبة للسحر، وزعم النَّظَّام من المعتزلة أن الإعجاز هو صرف الناس وعجزهم بقدرة الله عن محاكاته، ورد عليه كثيرون ومنهم الجاحظ المعتزلى فى كتابه "نظم القرآن " وأبو الحسن على بن عيسى الرمانى المعتزلى المتوفى. سنة 384 هـ أو 386 هـ، فى كتابه "النُّكت فى إعجاز القرآن " ومنهم أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابى المتوفى سنة 388 هـ فى كتابه " البيان فى إعجاز القرآن " والباقلانى المتوفى سنة 403 هـ فى كتابه "إعجاز القرآن " كما رد عليه السيوطى فى كتابه " الإتقان ".
ومن وجوه الإعجاز-لأنه كتاب ليس للعرب فقط ولا لعصر النبوة بل للعالم ولجميع العصور-إخباره بالغيب عن الأمور المستقبلة بوجه خاص، وإن كان أخبر عن الماضين دون الرجوع إلى كتب كما قال الله تعالى عن نوح وقومه:
{تلك من أنباء الغيب نوحيها إِليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} هود: 49.
ومن الغيوب المستقبلة ما تدل عليه الآيات: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلى} المجادلة: 21.
{لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} الفتح: 27.
{غلبت الروم. فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. فى بضع سنين} الروم: 2-4.
{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض} النور: 55.
ومن وجوه الإعجاز احتواؤه على علوم لم تكن معروفة للبشر ثم عرفت بعد.
{سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فصلت: 153.
وألفت فى ذلك كتب حديثة مثل "رسالة عن مقارنة بعض العلل بالوارد فى النصوص الشرعية" لعبد الله فكرى باشا، و "دروس سنن الكائنات " للدكتور محمد توفيق صدقى و "الجواهر" للشيخ طنطاوى جوهرى و "الإعجاز العلمى للقرآن " للدكتور محمد الغمراوى، و "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم " للكاتب الفرنسى المسلم "موريس بوكاى" و "الإسلام يتحدى" لوحيد الدين خان.
ومن وجوه الإعجاز: التشريع الحكيم الذى عنى ببيانه الشيخ محمد أبو زهرة والمستشار على منصور وغيرهما.
هذه نبذة بسيطة، والكتب كثيرة لمن أراد المزيد
(7/490)
________________________________________
خواتيم سورة الحشر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى خواتيم الحشر وما ثواب قراءتها؟

الجواب
خواتيم الحشر الواردة فى الحديث "من قرأ خواتيم الحشر فى ليل أو نهار فمات فى ذلك اليوم أو الليلة فقد ضمن الله له الجنة" والمراد بها الآيات التى فى آخر سورة الحشر المبدوءة بقوله تعالى {هو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. . .} الآية: 22.
وقد ذكر القرطبى فى تفسيره هذا الحديث ولم يذكر درجته. وجاء فى حاشية الجمل على الجلالين حديث أخرجه الترمذى وقال: إنه حسن غريب "من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكَّل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يُمسى، وإن مات من يومه مات شهيدا، ومن قرأها حتى يمسى فكذلك ".
ومهما يكن من شيء فإن هذه الآيات فيها بعض أسماء الله الحسنى التى أمرنا أن ندعوه بها فى قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف: 180، وقراءتها لها ثوابها إن شاء الله، بكل حرف عشر حسنات كما صحت بذلك الأحاديث
(7/491)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 9:51 am


بلعام بن عوراء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله سبحانه {واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} الأعراف:
175، 176، فيمن نزلت، وما كيفية الانسلاخ، ولماذا شبه بالكلب دون غيره، وفى أى عصر كان يعيش هذا الرجل؟

الجواب
اختلف فى تعيين الرجل المذكور، فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، وقيل تاعم، وهو من بنى إسرائيل، عاش فى زمن موسى عليه السلام وكان بحيث إذا نظر رأى العرش، وهو المعنىُّ بقوله تعالى {واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا} ولم يقل آية، وكان فى مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ثم صار بحيث إنه كان أول من صنف كتابا فى أنه ليس للعالم صانع.
معنى هذا أنه كان صالحا ثم ضل، وهو معنى الانسلاخ، أى نزع الله منه العلم الذى كان يعلمه والإيمان الذى كان يلبس ثوبه.
وقيل: نزلت فى أمية بن أبى الصلت الثقفى، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولا فى ذلك الوقت، وتمنى أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل الله النبى صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به، وهو الذى قال فيه الرسول "آمن شعره وكفر قلبه " وهناك أقوال أخرى ذكرها القرطبى فى تفسيره، وليس لواحد منها سند صحيح يوثق به، وقال: إن القول الأول أشهر وعليه أكثر المفسرين.
ولو أن هذا الرجل بقى على الهدى لأماته الله مؤمنا ورفع شأنه، ولكنه اتبع هواه وسار مع الشيطان ورغب فى الدنيا فكانت خاتمته سيئة، وقد شبه الرجل بالكلب يلهث دائما على كل حال، إن طردته أو لم تطرده، يقول ابن جريج: الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له (كذا) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، كذلك الذى يترك الهدى لا فؤاد له، وإنما فؤاده منقطع، وقال القتيبى: كل شيء يلهث فإنما يلهث عن إعياء أو عطش، إلا الكلب فانه يلهث فى حال الكلال وحال الراحة وحال المرض وحال الصحة، وحال الرى وحال العطش، فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته، فقال: إن وعظته ضل وإن تركته ضل، كقوله تعالى {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} الأعراف: 193.
وهذا المثل فى قول كثير من أهل العلم بالتأويل عام فى كل من أوتى القرآن فلم يعمل به. هذا من أحسن ما قيل فى تفسير هذه الآية، والأقوال كثيرة فى كتب التفسير وهى اجتهادية ليست قاطعة، وتكفينا العبرة من المثل
(7/492)
________________________________________
كتابة المصحف بالرسم الإملائى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قراءة القرآن فى رمضان مستحبة، ولكننا نجد صعوبة فى القراءة فى المصاحف الموجودة الآن، لأن رسمها مخالف لقواعد الإملاء التى تعلمناها فهل تدلونا على مصحف يسهل علينا القراءة؟

الجواب
هذا السؤال يجرنا إلى بيان الحكم فى كتابة المصحف بالرسم الإملائى، وقد عرض هذا السؤال قديما على لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فأجابت بما ملخصه:
إن عثمان رضى الله عنه أمر بأن تنسخ عدة نسخ من المصحف الذى كان موجودا عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى الله عنها وعن أبيها، وكان هذا المصحف عند عمر ومن قبله أبو بكر الصديق رضى الله عنهما.
وكان المصحف مأخوذا من القطع المتعددة التى كان مكتوبا عليها فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم.
ووزع عثمان هذه النسخ على الأمصار واستبقى واحدة منها بالمدينة وكل مصحف من هذه المصاحف يسمى "المصحف الإمام " وقد رسمت بعض الكلمات فى هذه المصاحف رسما يخالف قواعد الإملاء المعروفة الآن. وجرى المسلمون من عهد عثمان إلى الآن على اتباع الرسم العثمانى.
فهل يلتزم هذا الرسم أو يجوز العدول عنه إلى رسم آخر يلائم العصر الحديث؟ ذهب جمهور الأئمة إلى التزام الرسم - العثمانى وحرمة مخالفته، واستدلوا على ذلك بإجماع الصحابة على الصفة التى كتب بها عثمان المصاحف، ولم يُرْوَ عن واحد منهم أنه كتب القرآن على غير هذه الصفة.
وذهب بعض العلماء إلى جواز كتابته بأى رسم كان. فكل رسم حصلت به الدلالة فهو جائز، ولم يثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بهذا الرسم، بل الثابت أنه كان يأمر بكتابة ما نزل ولم يتعرض للكيفية التى كتب بها.
وإجماع الصحابة لا يدل على أكثر من جواز رسمه على نحو ما كتب الصحابة بحظر ولا إباحة، وقد وضح ذلك أبو بكر الباقلانى فى كتابه " الانتصار".
ولكن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف اختارت بقاء المصحف على الرسم الذى كان عليه فى عهد عثمان رضى الله عنه. وعدم كتابته على الرسم الإملائى الحديث، فإن الرسم الحديث ما يزال موضع الشكوى لعدم تيسير القراءة به، حيث توجد به أحرف لا تنطق وتنقص منه حروف تنطق، ولا تتيسر القراءة والفهم إلا بعد التمرن الطويل والإتقان لمعرفة قواعد الإملاء.
ثم إن قواعد الإملاء عرضة للتعديل، فهل يكتب القرآن على القواعد الإملائية أو المعدلة أو القديمة، وقد توجد عدة نسخ مختلفة الرسم، وهنا تكون البلبلة والتعرض لتحريف القرآن وضعف الثقة فيه ثم أن تلاوة القرآن لا تؤخذ أبدا من الرسم، بل من التلقى، لأن هناك أحكاما لتجويد القرآن وإخراج الحروف من مخارجها الحقيقية لا يمكن للشكل الإملائى أن يدل عليها ولذلك أرسل عثمان مع المصاحف قراءً، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدينة والمغيرة بن شهاب أن يقرئ بالشام وعامر بن عبد قيس أن يقرئ بالبصرة وأبا عبد الرحمن السُّلَمى أن يقرئ بالكوفة فاللائق بقدسية القرآن بقاء كتابته على الرسم العثمانى اهـ.
بناء على هذه الفتوى لا تطبع المصاحف الآن على القواعد الإملائية المعروفة، فإذا أردت أن تقرأ القرآن. فليكن أولا على عالم به مجيد له، والقليل المجوَّد أفضل من الكثير الملحون أو غير السليم
(7/493)
________________________________________
قراءة القرآن فى المواصلات العامة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى قراءة القرآن فى المواصلات العامة؟

الجواب
قراءة القرآن فى أى مكان طاهر محترم لا حرج فيها مطلقا، إذا قصد بها ذكر الله والتعبد ورجاء الثواب من الله سبحانه، أو التعليم للغير كيفية التلاوة أو أحكام القرآن وهدايته، ويدل على ذلك إطلاق قوله تعالى:
{الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} آل عمران: 191.
وإطلاق قوله: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا "وسبحوه بُكرة وأصيلاً} الأحزاب: 41، 42.
والقرآن أشرف الذكر، وذلك إلى جانب ما ورد من الحث على قراءة القرآن.
وإنما الممنوع أن يُتخذ القرآن وسيلة للاستجداء واستدرار عطف الناس، وبخاصة ما يكون عليه المستجدى من هيئة مبتذلة كأنها عنوان للقراء أو المشتغلين بالدين عامة.
وعلى هذا يحمل قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد " اقرؤوا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به " قال الهيثمى: رجاله ثقات، وقال ابن حجر فى الفتح: سنده قوى. كما رواه الطبرانى والبيهقى أيضا، وفسر الأكل به بأخذ الأجرة عليه، كما فُسر بالاستجداء به والتسول.
ويجب العمل على إزالة هذه المظاهر وغيرها من مظاهر التسول، فهى صورة سيئة للإسلام، وإغراء بالكسل وعدم البحث عن العمل الجاد الشريف.
أما العاجزون فتجب رعايتهم بما يكفل لهم العيش الكريم، وتلك مسئولية المجتمع كله والأجهزة المخصصة لذلك
(7/494)
________________________________________
التغنى بالقرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الحديث ما يقال " اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر، فانه سيجىء أقوام من بعدى يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم "

الجواب
هذا الحديث موجود فى مقدمة تفسير القرطبى "ج 1 ص 17 " ذكره الحافظ أبو الحسن رزين وأبو عبد الله الترمذى الحكيم فى " نوادر الأصول " ولم يذكر درجته من الصحة وغيرها، وهو على كل حال ينهى عن التغنى بالقرآن بما يخرجه عن أصول التلاوة الصحيحة، ويجعله كالأغانى التى يرددها المغنون والتى فيها ترجيع وتطريب يهمز فيه ما لا يهمز، ويمد ما لا يمد، وتصير الألف الواحدة ألفات، والواو الواحدة واوات، كما وضحه القرطبى، ونعى على كثير من قراء اليوم الذين يخرجون بالقرآن عن أصول القراءة العربية المتلقاة عن النبى صلى الله عليه وسلم
(7/495)
________________________________________
حمل المصحف المسجل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عندى شرائط مسجلة عليها سور من القرآن الكريم، هل يجوز لى أن أحملها أو أمسها وأنا غير متطهر؟

الجواب
اتفق جمهور الفقهاء على عدم جواز حمل المصحف ومسه بدون طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، استنادا إلى قوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 79، وقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يمس القرآن إلا طاهر " رواه النسائى وغيره، وقال ابن عبد البر: إنه أشبه بالمتواتر لتلقى الناس له بالقبول.
وهذا فى القرآن المكتوب، أما المسجل على أشرطة أو أسطوانات فإنه مكتوب بطريقة حديثة لم تكن معروفة من قبل، فهو يسمع ولا يقرأ، لأنه ليس بحروف يمكن أن ترى ويفطن لها ليعلم ما تدل عليه إلا بإعادة سماعها، وإذا كان القرآن الذى يسمع من الأشرطة له الحكم فى الإنصات له وتدبره، غير أن الشريط نفسه لا يطلق عليه عرفا أنه كتاب ولم يكن العرب يعرفونه حتى يدخلوه تحت اسم الكتاب، ولهذا أرجح أنه لا يحرم مسه ولا حمله بدون طهارة، وإن كانت الطهارة أكمل، واحترام الشريط فى حد ذاته راجع إلى نية الإنسان وتحديد موقفه منه وعلى كل حال فالاحتياط أفضل
(7/496)
________________________________________
النظر فى المصحف

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن النظر فى المصحف عبادة؟

الجواب
روى أبو داود فى ضمن حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم " النظر فى المصحف عبادة، والنظر إلى الكعبة عبادة، والنظر إلى وجه الوالدين عبادة " وروى الطبرانى والبيهقى حديثا فيه " قراءة الرجل فى غير المصحف ألف درجة، وقراءته فى المصحف تضاعف ذلك إلى ألفى درجة" وروى أبو عبيد القاسم بن سلام فى كتابه فضائل القرآن " فضل القرآن نظرا على من قرأه ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة".
وعن ابن عباس: كان عمر إذا دخل البيت نشر المصحف يقرأ فيه.
وعن الشعبى أنه كان يصلى العتمة-العشاء-ويضع المصحف فى يديه فما يطبقه حتى الصبح. وقال أحمد بن حنبل، كان أبى يقرأ فى كل يوم شيئا من القرآن فى المصحف لا يتركه نظرا.
هذه أحاديث وآثار لا أعرف لها سندا صحيحا، وكيف نفهم أن عمر كان ينشر المصحف يقرأ فيه، هل له مصحف خاص، وكيف كتبه؟ مع أن المصحف المعتمد الوحيد كان عند حفصة بنته، ومنه عملت نسخ فى عهد عثمان.
المهم أن هذه الآثار ترغب فى تلاوة القرآن، وتبين فضل النظر فى المصحف، ولكن الفضل ليس لمجرد النظر، بل للقراءة. ومن هنا اختلف العلماء: هل القراءة من الحفظ أفضل أم من النظر فى المصحف؟ قال النووى فى كتابه " الأذكار ص 111 ": قراءة القرآن فى المصحف أفضل من حفظه، هكذا قال أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضى الله عنهم. وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف، انتهى.
ولم يستند النووى إلى حديث مروى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك، وهذا يدل على أن الوارد لا يعتمد عليه فى حكم النظر إلى المصحف
(7/497)
________________________________________
تبديل الأرض والسماء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار} إبراهيم: 48

الجواب
تبديل الأرض والسماوات يكون يوم القيامة، وقيل: إن المراد تبديل الصفات لا تبديل الذوات، بمعنى أن تبديل الأرض يكون بمدها أو بسطها كالأديم. وتبديل السماوات يكون بتكوير شمسها وقمرها وتناثر نجومها.
وقيل: يكون التبديل بتبديل ذواتها أى إزالتها، وصححه القرطبى فى تفسيره، حيث يخلق الله أرضا أخرى ليحشر عليها الناس. ففى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النَّقِىِّ، ليس فيها عَلَم لأحد" والنقى هو الدقيق الأبيض كما فى نهاية ابن الأثير.
وقال ابن مسعود: تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة لم يعمل عليها خطيئة، وقال على رضى الله عنه: تبدل الأرض فضة والسماء ذهبا.
هذه بعض أقوال المفسرين، وفى الكتب متسع لمن أراد، وما جاء فى الأحاديث الصحيحة أفضل فى التفسير
(7/498)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 9:52 am


تفسير " إنا عرضنا الأمانة "

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرجو تفسير قوله تعالى {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} الأحزاب: 72

الجواب
فى تفسير هذه الآية كلام كثير، وبخاصة فى بيان المقصود من الأمانة، لكن الجمهور على أن الأمانة تعم جميع التكاليف الشرعية، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال: إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا، ليس معصية لله ولكن تعظيما لدين الله ألا يقوموا به.
ويروى فى ذلك أثر عن الترمذى الحكيم عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى لآدم: يا آدم إنى عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت حاملها بما فيها؟ فقال: وما فيها يا رب العالمين؟ قال: إن حملتها أُجرت، وإن ضيعتها عُذِّبت. فاحتملها بما فيها، فلم يلبث فى الجنة إلا قدر ما بين صلاة الأولى إلى العصر حتى أخرجه الشيطان منها".
فالأمانة هى التكاليف، وترتب الثواب على أدائها والعقاب على تضييعها لا بد له من حرية واختيار والمخلوقات غير الإنسان ليست لها هذه الحرية، فهى مسيرة بقوانين ثابتة لا تملك الخروج عليها، ولا تتحقق بها الطاعة والمعصية. ومن هنا كان الإنسان أصلح المخلوقات للعيش على الأرض، ومتناسبا مع ما فيها من ماديات ومعنويات متقابلة بالتضاد أو التناقض. وهذا تكريم من الله للإنسان حيث اختاره لحمل هذه الأمانة.
وليس قوله {إنه كان ظلوما جهولا} نقضا لهذا التكريم، فإن مجرد استعداده لتلقى التكاليف دون غيره من المخلوقات هو مناط التكريم، وكونه يفى بالعهد أو ينقض هو مظهر من مظاهر الاستعداد الذى ليس لغيره. فهو ظلوم إن تعدى حدود التكليف وهو يعلم بها، وجهول إن كان لا يعلمها وعنده أمانة العقل الذى يهديه إلى علمها، وليس هناك كائن غير الإنسان يوصف بالظلم والجهل، لأنه لا يعرف حدا يقف عنده. وما وصف الإنسان بالظلم والجهل إلا لأنه يصح أن يوصف بضدهما من العدل والعلم كما قال المحققون. هذا بعض ما قيل فى تفسير الآية، ولعل فيه الكفاية.
"انظر صفحة 539 من المجلد"
(7/499)
________________________________________
يا أخت هارون

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما المقصود بقوله تعالى {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيَّا} مريم: 28

الجواب
السيدة مريم عليها السلام لما حملت بأمر ربها بعيسى عليه السلام وولدت اتهمها الناس بالفاحشة، وتعجبوا كيف تقع فيها وهى من نسل طاهر من جهة الأب والأم، وقولهم لها " يا أخت هارون " معناه يا شبيهة الرجل الصالح المعروف فى زمانهم بالطهر والعفاف، واسمه هارون.
وكانوا يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين.
والأقوال فى ذلك كثيرة ذكرها المفسرون، ولكن أقربها إلى الصحة هو ما ذكرته. فقد روى مسلم عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت نجران سألونى، فقالوا: إنكم تقرؤون {يا أخت هارون} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال: "إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم "
(7/500)
________________________________________
تفسير " ما منعك ألا تسجد "

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله تعالى لإبليس حين امتنع عن السجود لآدم {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} المعنى الظاهر من هذا التعبير أن إبليس سجد، والله يسأله عن السبب فى عدم السجود. نريد توضيح المعنى؟

الجواب
قال المفسرون إن لفظ "لا" زائد، والمعنى ما منعك أن تسجد، كما جاء فى موضع آخر {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى} ص:75، واستشهد القرطبى على زيادة "لا" بقول الشاعر:
أبَى جوده لا البخل فاستعجلت به نَعَمْ من فتى لا يمنع الجود نائله والمعنى أبى جوده البخل. فزاد "لا". وقيل: ليست زائدة، فإن المنع فيه طرف من القول والدعاء، فكأنه قال: من قال لك ألا تسجد؟ أو من دعاك إلى ألا تسجد؟ كما تقول: قد قلت لك ألا تفعل كذا. وقيل:
فى الكلام حذف، والتقدير: ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى ألا تسجد. انتهى.
هكذا خرجوا اللفظ على المعنى الصحيح، ولو حذفت "لا" لكان المعنى واضحا كما حذفت فى سورة "ص "لكن تواتر القرآن بالتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه "لا" فى هذه الآية. ولو كان القرآن عرضة لحذف شىء من نص ليلتئم ويتفق مع نص آخر لحذفوا هذا الحرف الزائد، ولكن أبقوا عليه كما أُنزل وحاولوا -على قواعد اللغة العربية التى نزل بها - أن يوفقوا بينه -. وبين النصوص الأخرى، وهو دليل على حرص الصحابة والتابعين ومن بعدهم على نقل القرآن الكريم كما تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم
(8/1)
________________________________________
ومن لم يحكم بما أنزل الله

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة: 44، وفى الآية التى بعدها {فأولئك هم الظالمون} وفى الآية رقم 47 {فأولئك هم الفاسقون} فهل تصدق هذه الآيات على الذين يحكمون بقوانين وضعية؟

الجواب
هذا الموضوع مستوفى فى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " والحكم بغير ما أنزل الله ليس قاصرا على الحكام والقضاة، وإنما هو شامل لكل إنسان يعطى حكما لأى شىء غير حكم الله، سواء فى فتوى أو قضاء أو غير ذلك، كالذى يشرب الخمر ويقول إنها حلال، ويتعامل بالربا ويقول إنه حلال وهكذا.
وإذا كان الحكم على من لم يحكم بما أنزل الله بأنه كافر أو ظالم أو فاسق، فهو حكم صادق، لأن الفسق خروج عن المشروع، وكذلك الظلم تجاوز للحد المشروع، والكفر تجاوز الإيمان إلى غير الإيمان. وإن رأى بعض المفسرين أن الحكم بالكفر يكون على من أنكر حكم الله أو استهزأ به، وهو مناسب فى الآية الأولى لرفض اليهود حكم الله فى التوراة، وأن الحكم بالظلم يكون على من تجاوز القصاص فى الأمور التى ذكرتها الآية {النفس بالنفس والعين بالعين} إلى آخره، والظلم واضح فى ذلك. وأن الحكم بالفسق على أهل الإنجيل يشمل الكفر عند إنكار حكم الله ويشمل الظلم عند تجاوز الحد.
ومهما يكن من شىء فإن كلام المفسرين فى هذه الآيات كثير، ويلتقى كله على أن إنكار حكم الله أو الاستهزاء به كفر، وأن عدم الإنكار وعدم الاستهزاء مع تجاوز الحد فى التطبيق أو التقصير ليس كفرا وإنما يكون ظلما ويكون فسقا.
وعليه فإنه لا يصح أن يتعجل بالحكم بالكفر على من لم يحكم بشريعة الله فردا أو جماعة أو دولة إلا بعد التأكد من أن ترك حكم الله كان عن إنكار له أو استهزاء به، وذلك أمر باطنى لا يصرح به غالبا، فإن صرح به دون تأويل جاز الحكم بالكفر، وإن لم يعلم ذلك على وجه اليقين فالواجب هو عدم الحكم بالكفر، والحديث يقول: " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " رواه مسلم بعبارات متقاربة.
وإليك نماذج من أقوال المفسرين القدامى والمحدثين، وتتفق كلها مع ما تقدم، ومع ما هو مسطر فى " بيان للناس ".
ذكر الفخر الرازى المتوفى سنة 606 خمسة أجوبة ارتضى منها ما قاله عكرمة من أن الحكم بالكفر يكون عند الجحد والإنكار، أما المؤمن بحكم الله لكنه خالفه فهو عاص، وقال: إن الكفر يكون بالتقصير فى حق الله، أما الظلم فهو تقصير فى حق النفس. وذكر البيضاوى المتوفى سنة685 هـ ما نصه: فكفرهم لإنكاره، وظلمهم بالحكم على خلافه، وفسقهم بالخروج عنه.
وقال الزمخشرى المتوفى سنة 528 هـ: من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقر-يعنى به -فهو ظالم فاسق.
وقال الآلوسى المتوفى سنة 1270 هـ: ولعل وصفهم بالأوصاف الثلاثة باعتبارات مختلفة، فلإنكارهم ذلك وُصِفُوا بالكافرين، ولوضعهم الحكم فى غير موضعه وُصِفوا بالظالمين، ولخروجهم عن الحق وصفوا بالفاسقين
(8/2)
________________________________________
ضلال الآخرين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ؟ .
وهل من الحديث ما يقال: " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " وهل تناقض بين الآية والحديث؟

الجواب
هذه الآية تنص على أن الإنسان لا يتحمل وزر غيره إذا كان هو مهتديا لكن الاهتداء لا يكون إلا بالقيام بالواجبات ومنها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فالسكوت على المنكر ممنوع ولابد من تغييره بإحدى الوسائل الممكنة، ففى الحديث الشريف " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " فمن لم ينكر المنكر لا يكون مهتديا، والإنكار يتفق مع الحديث " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ". فلا يوجد تناقض بين الآية والحديث، ويوضح هذا ما رواه أبو داود والترمذى وغيرهما عن قيس قال: خطبنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه فقال: إنكم تقرؤون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها:
{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفُسكُم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} المائدة: 155 وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده " وهو حديث حسن صحيح.
وروى أبو داود والترمذى وغيرهما عن أبى أمية الشعبانى قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنى فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ فقال: أية آية؟ قلت:
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم ".
والكلام كثير فى هذا الموضوع.
وخلاصته: أنه لابد من الاهتمام بأمر المسلمين، ومنه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا فعل ذلك فقد اهتدى، وبالتالى لا يقع عليه وزر من ضلوا الطريق
(8/3)
________________________________________
الفتح والذنب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى {إنا فتحنا لك فتحا مبينا. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} الفتح: 1.
وماذا كان هذا الفتح، والذنب الذى تأخر وتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب
الفتح المذكور فى الآية هو صلح الحديبية فى السنة السادسة من الهجرة لأنه كان مقدمة لفتح مكة فى السنة الثامنة من الهجرة، وهو قول كثير من المفسرين.
والذنب الذى غفره الله للرسول مختلف فيه كثيرا، فالمتقدم منه ما كان قبل الرسالة، والمتأخر ما كان بعدها، أو المتقدم ما كان قبل الفتح والمتأخر ما كان بعده.
والكلام كثير فى وقوع الذنب من الرسول.
فالإجماع على أن الكبائر لم تقع منه أو من الرسل الآخرين بعد تشريفهم بالرسالة، أما الصغائر فقيل تقع منهم بشرط ألا تكون فيها خسة لا تليق بمقامهم.
وقيل: إن ما يقع منهم هو صورة الذنب وليس ذنبا، بل هو من باب:
حسنات الأبرار سيئات المقربين.
والمهم هو بيان الربط بين الفتح والمغفرة للذنوب وأثرها فى نفس الرسول.
وقد ثبت أن الرسول فرح بنزول هذه الآية، كما رواه الترمذى بسند حسن صحيح عن أنس قال: أنزلت على النبى-صلى الله عليه وسلم- {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} . مرجعه من الحديبية فقال: " لقد أُنزلت علىَّ آية أحب إلىَّ مما على وجه الأرض " ثم قرأها.
وفى الربط بين الفتح والمغفرة قال الزمخشرى: لم يجعل الفتح علة للمغفرة، ولكن لاجتماع ما عدَّد من الأمور الأربعة وهى: المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز، كأنه قال:
يَسَّرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك ليجمع لك عز الدارين وأعراض العاجل والآجل.
ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببًا للغفران والثواب.
ويكفى هذا القدر، ومن أراد الزيادة فعليه بكتب التفسير
(8/4)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 9:53 am


حياة أهل الكهف

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل كان أصحاب الكهف فى حالة نوم أو حالة موت؟

الجواب
أصحاب الكهف كانوا فى حالة نوم، وليسوا فى حالة موت، بدليل قوله تعالى {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} الكهف: 18 والتقليب لا يكون للميت بل للحى. وقوله تعالى: {لو اطَّلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولَمُلئت منهم رُعبا} الكهف: 18 والعادة أن الإنسان لا يخاف ولا يفر إذا رأى أمواتا، بل ذلك يكون عند تغير هيئتهم المعتادة، بمثل طول شعورهم وأظفارهم، وهذا من علامات الحياة لا الموت.
وقد قال الله تعالى فى أول قصتهم {فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا} الكهف: 11.
يقول القرطبى: عبارة عن إلقاء الله تعالى النوم عليهم، وهذه من فصيحات القرآن التى أقرَّ العرب بالقصور عن الإتيان بمثله. قال الزجاج: أى منعناهم من أن يسمعوا، فإن، النائم إذا سمع انتبه، وقوله تعالى {ثم بعثناهم} لا يلزم منه أن يكون البعث بعد موت، فقد يكون من نوم، وهو أشبه بالموت، وجاء ذلك فى مثل قوله تعالى: {وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليُقْضَى أجلٌ مسمى} الأنعام: 60
(8/5)
________________________________________
وضع المصحف مع الميت فى القبر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يرى بعض الناس أن وضع المصحف مع الميت فى القبر يشفع له، فهل هذا صحيح؟

الجواب
ليس صحيحا أن مجرد وضع المصحف مع الميت يشفع له، فإن وضعه ليس من عمله وإنما هو من عمل غيره، والميت ينفعه عمله هو ويشفع له عند الله، وكذلك ينفعه عمل غيره مما نص عليه الدين، وهو الدعاء له، والصدقة عليه، وهبة القربات من الصلاة النافلة والصيام وقراءة القرآن والحج والعمرة.
وأما وضع المصحف معه فلن يشفع له، وهو غير جائز، لأن المصحف متعرض للتلوث، وذلك لا يجوز
(8/6)
________________________________________
الباقيات الصالحات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى الباقيات الصالحات الواردة فى قوله تعالى {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} الكهف: 46؟

الجواب
الباقيات الصالحات هى الأعمال الصالحة التى يكون لها ثواب فى الآخرة، فهى كالشجرة المثمرة التى تبقى ثمرتها بعد انتهاء هذه الدنيا.
جاء فى تفسير القرطبى أن العلماء اختلفوا فى المراد بهذه الأعمال الصالحة على أقوال كثيرة، فقيل هى الصلوات الخمس، وقيل: كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة، وهو الصحيح. وقال الجمهور: هى سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، كما أخرجه مالك فى الموطأ، ووردت فى هذا الذكر آثار كثيرة تؤكد أنها المراد من الباقيات الصالحات منها حديث "استكثروا من الباقيات الصالحات " قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال "التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله " رواه أحمد وأبو يعلى والنسائى واللفظ له، وابن حبان فى صحيحه، والحاكم وصححه. وحديث "خذوا جُنَّتكم " قالوا: يا رسول الله: عَدوٌّ حضر؟ قال " لا، ولكن جُنتكم من النار، قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مجنَّبات ومعقبات، وهن الباقيات الصالحات " رواه النسائى والحاكم والبيهقى، والجُنَّة ما يستر ويقى، ومعنى المجنَّبات: المتقدمات أمامكم، وفى رواية منْجيات، وفى رواية للطبرانى بإسناد جيد الجمع بين اللفظين "مجنبات ومنجيات" ومعنى معقبات تأتى من ورائكم. والمراد أن هذه الكلمات تكون حارسة يوم القيامة للإنسان من خلفه ومن أمامه.
وجاءت أحاديث كثيرة فى فضل هذا الذكر أو بعضه يرجع إليه فى "الترغيب والترهيب " للحافظ المنذرى ج 2 ص 165 وما بعدها
(8/7)
________________________________________
الطيبات للطيبين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما المراد بقوله تعالى {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات} النور: 26؟

الجواب
هذه الآية مختلف فى تفسيرها، فقيل: المعنى أن الكلمات الخبيثة تكون للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال يستحقون الخبيثات من الكلام.
وكذلك يقال فى الطيبين والطيبات.
وقيل فى معناها أن النساء الخبيثات لائقات للخبيثين من الرجال، أى يملن إلى الزواج منهم أو مصاحبتهم، وكذلك الخبيثون من الرجال لائقون للخبيثات من النساء أى يميلون إلى الزواج منهن أو مصاحبتهن، وكذلك يقال فى الطيبين والطيبات.
على حد المثل القائل: إن الطيور على أشكالها تقع.
وهذه الآية جاءت إثر الحديث عن اتهام بعض الناس للسيدة عائشة رضى الله عنها بالإفك، فهى طيبة لا يليق وصفها إلا بالطيب من الأوصاف، وكذلك لا يبحث عنها ويتزوجها إلا الطيبون من الرجال.
فالآية إما حديث عن طبائع الناس، وإما تشريع فى صيانة الألسنة عن الاتهامات الكاذبة، والبحث فى الزواج عن الدين والخلق
(8/8)
________________________________________
حياتان وموتتان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحببتنا اثنتين} غافر: 11؟

الجواب
قال المفسرون: الموتتان هما:
الأولى: ما قبل خلقهم وتكوينهم فى بطون أمهاتهم.
والثانية: خروج الروح بعد الحياة.
أما الحياتان:
فالأولى: بنفخ الروح فى الجنين.
والثانية: بالبعث يوم القيامة، وقيل غير ذلك. وكله اجتهاد.
وفى كتب التفسير متسع لمن أراد أن يستزيد
(8/9)
________________________________________
كتابة القرآن للشفاء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز أن تكتب بعض آيات القرآن يعلقها المريض أو يمحوها بالماء من أجل الشفاء؟

الجواب
أما أن القرآن شفاء فذلك أمر لا شك فيه، قال تعالى {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} الإسراء: 82، وقال {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور} يونس: 57.
وقد حمل كثير من العلماء الشفاء على ما يعم الشفاء من الأمراض العقلية والنفسية والخلقية والجسمية، حيث لا يوجد ما يمنع ذلك.
فهو يصحح الفكر والعقيدة، ويهذب النفس ويمنحها الأمن والطمأنينة، ويقوم السلوك بالأخلاق الحميدة، ويزيل العلل والأمراض التى تعترى الأجساد.
وقد روى البخارى ومسلم حكاية سيد الحى الذى لُدغ، ورقاه المسلمون بفاتحة الكتاب فشفاه الله، وأخذوا على ذلك أجرا أقرهم عليه النبى صلى الله عليه وسلم وقال "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله تعالى " والحديث بطوله موجود فى زاد المعاد لابن القيم "ج 3 ص 121 " وذكر أن ابن ماجه روى فى سننه من حديث على قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الدواء القرآن " ووضح تأثير العلاج بالقرآن توضيحا كبيرا يمكن الرجوع إليه.
وقال بعض العلماء: إن المراد بشفاء القرآن هو ما عدا شفاء الأجسام، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر أن لكل داء دواء إلا الموت أو إلا الهرم، وأمر بالتداوى، عند المختصين كالحارث بن كلدة، وعالج بالفصد والحجامة وشرب العسل وبغير ذلك مما وضحه ابن القيم فى كتاب الطب النبوى.
والحق أن علاج الأمراض البدنية مطلوب عند المختصين، والقرآن هو الذى أرشد إلى ذلك بسؤال أهل الذكر، وبالأمر بالتعلم والإفادة. مع الإيمان بفاعليته فى العلاج الفكرى والنفسى، وقد ذكر السيوطى فى "الإتقان "ج 2 ص 163 طرفا من خواص القرآن فى العلاج العام، وأورد حديث ابن ماجه عن ابن مسعود "عليكم بالشفاءين العسل والقرآن " وحديث اللديغ سيد الحى وعلاجه بفاتحة الكتاب الذى رواه البخارى ومسلم، وذكر حديث الطبرانى عن على قال: لَدَغَتْ النبىَّ صلى الله عليه وسلم عقربٌ، فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ: قل يا أيها الكافرون والمعوذتين.
ثم ذكر السيوطى أن النووى قال فى شرح المهذب: لو كتب القرآن فى إناء ثم غسله وسقاه المريض فقال الحسن البصرى ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعى:
لا بأس به، وكرهه النخعى، قال: ومقتضى مذهبنا - الشافعية - أنه لا بأس به. قال الزركشى: وممن صرح بالجواز فى مسألة الإناء العماد النيهى، مع تصريحه بأنه لا يجوز ابتلاع ورقة فيها آية، لكن أفتى ابن عبد السلام بالمنع من الشرب أيضا، لأنه يلاقى نجاسة الباطن. وفيه نظر.
هذا ما نقل عن العلماء فى جواز العلاج بالقرآن قراءة من الجواز، فهو نافع إن شاء الله وبخاصة إذا كان القارئ صالحا ترجى بركته، أو دعا الله بعد قراءة القرآن فقد يستجيب الله الدعاء، وقد رأينا أن النبى صلى الله عليه وسلم فى علاج لدغة العقرب أخذ بالوسائل المادية مع قراءة القرآن.
ورأينا اختلاف العلماء فى كتابة القرآن ومحوه بالماء وشربه للاستشفاء ما بين مجيز ومانع، مع تحرزهم من تعرض القرآن للنجاسة أو الإهانة
(8/10)
________________________________________
الشيعة والقرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قرأنا أن من فرق الشيعة من تدعى أن القرآن الموجود الآن فى المصاحف ناقص، حذف منه ما يخص عليّا وذريته، نريد توضيحا لذلك؟

الجواب
نزل القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم، وكان يأمر كتَّابه بتدوين ما ينزل، على مدى ثلاثة وعشرين عاما، وحُفظ هذا المكتوب ونسخت منه عدة نسخ فى أيام عثمان بن عفان، رضى الله عنه، ثم طبعت المصاحف المنتشرة فى العالم كله طبق المصحف الإمام الذى كان عند عثمان والنسخ التى أخذت منه.
والشيعة يزعمون أن أبا بكر وعمر بالذات حذفا من المصحف آيات كثيرة، منها عدد كبير يتصل بخلافة على رضى الله عنه، ويزعمون أن المصحف الكامل كتبه على بعد انتقال النبى صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.
جاء فى كتاب "الأنوار النعمانية " لمحدثهم وفقيههم الكبير "نعمة الله الموسوى الجزائرى "ما نصه: إنه قد استفاض فى الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين عليه السلام، بوصية من النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبقى بعد موته ستة أشهر مشتغلا بجمعه، فلما جمعه كما أنزل أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله فقال: هذا كتاب الله كما أنزل. فقال له عمر بن الخطاب: لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك.
فقال لهم على عليه السلام: لن تروه بعد هذا اليوم، ولا يراه أحد حتى يظهر ولدى المهدى عليه السلام ... وفى ذلك القرآن زيادات كثيرة، وهو خال من التحريف.
ولكثير من علمائهم تآليف تثبت أن القرآن الموجود بيننا ناقص ومحرف، وأن المصحف الصحيح الكامل سيظهر آخر الزمان مع المهدى المنتظر، ولم يتح لنا الاطلاع على هذا المصحف، وينقلون هم أشياء يدَّعون أنها فيه. وأكثرها خاص بآل البيت وإمامة على.
ومن أمثلة التحريف فى زعمهم أن آية {وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} البقرة: 23، نزل بها جبريل على محمد هكذا "وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فى على فأتوا بسورة من مثله ".
ونقل فى "أصول الكافى" عن إمامهم جعفر الصادق أنه أقسم بالله أن آية {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما} طه: 115، نزلت هكذا "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فى محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسى ".
وجاء فى كتاب "أصول الكافى" وهو أصح الكتب عند الشيعة أن القرآن الذى جاء به جبريل سبعة عشر ألف آية. وقال القزوينى شارح كتاب أصول الكافى الذى نسب هذا الكلام لجعفر الصادق: إن الغرض بيان أنه حذف من أصل القرآن شىء كثير، الذى لا يوجد فى نسخ القرآن المشهورة.
وفى كتاب "الاحتجاج " المعتمد عند الشيعة، لفقيههم أحمد بن على بن أبى طالب الطبرسى فى القرن الخامس: أن آية سورة النساء "رقم 3" {وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ... } لا يوجد الربط فيها بين الشرط والجزاء، فقد أسقط المنافقون "هكذا" أكثر من ثلث القرآن.
هذا، وقد رأيت فى رسالة للسيد/ محب الدين الخطيب، عنوانها "الخطوط العريضة للأسس التى قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثنى عشرية" التى طبعت أكثر من مرة منذ سنة 1380 هـ: أن الأستاذ محمد على سعودى الذى كان كبير خبراء وزارة العدل بمصر، ومن خواص الشيخ محمد عبده -اطلع على مصحف إيرانى مخطوط عند المستشرق "برامين" فنقل منه سورة بعنوان "سورة الولاية " مذكور فيها ولاية على، ونص صفحتها الأولى "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبى وبالولى اللذين بعثناهم يهديانكما إلى صراط مستقيم. نبى وولى بعضهما من بعض وأنا العليم الخبير. إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم ... والذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين. فإن لهم فى جهنم مقاما عظيما إذا نودى لهم يوم القيامة: أين الظالمون المكذبون للمرسلين. ما خالفتم المرسلين إلا بالحق وما كان الله ليظهرهم إلى أجل قريب وسبح بحمد ربك، وعلىٌّ من الشاهدين ".
وهذه السورة أثبتها الطبرسى فى كتابه "فصل الخطاب فى إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " وثابتة أيضا فى كتابهم "دبستان مذاهب" باللغة الإيرانية، لمؤلفه "محسن فانى الكشميرى " ونقل عنه هذه السورة المكذوبة المستشرق "نولدكه " فى كتابه "تاريخ المصاحف " ج 2 ص 102، ونشرتها الجريدة الأسيوية الفرنسية سنة 1842 م "ص 431 - 439 ".
وبعد، فالموضوع واسع يحتاج إلى الاطلاع على كتبهم، وحسبنا أن نقرر أن علماء السنة ردوا على مزاعمهم، والمقام لا يتسع لأكثر من هذا، ويمكن الرجوع إلى كتاب "الوشيعة فى نقد عقائد الشيعة" ورسالة رئيس أهل السنة بباكستان "محمد عبد الستار التونسى " المطبوعة بالقاهرة بمطبعة دار العلوم، شارع حسين حجازى " قصر العينى" على نفقة مجلس علماء باكستان بلاهور، ونشرة بعنوان: موقف العلماء المسلمين من الخمينى والاثنى عشرية.
تأليف الشيخ محمد منظور النعمانى، من "لكهنو" بالهند
(8/11)
________________________________________
إهلاك القرى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرجو تفسير قوله تعالى {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك فى الكتاب مسطورا} الإسراء:
58؟ وهل المقصود فى الآية قرية معينة؟

الجواب
ليس المراد فى هذه الآية قرية بعينها، فإنها-كما يقول العلماء - نكرة فى سياق النفى فتعمّ -أى لا توجد قرية إلا والله سيهلكها قبل يوم القيامة، جاء فى تفسير القرطبى عن مقاتل: أن هلاك القرية الصالحة يكون بالموت، والقرية الطالحة يكون بالعذاب.
وقيل: المراد بالقرية هى الظالمة، ويقوى ذلك قوله تعالى {وما كنا مهلكى القرى إلا وأهلها ظالمون} القصص: 59 أى فليتق المشركون ربهم فإنه ما من قرية كافرة إلا سيحل بها العذاب، والعذاب إما إبادة كاملة وإما مصائب ومتاعب شديدة، كان ذلك مسطورا أى مكتوبا فى اللوح المحفوظ، قال تعالى {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين. وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكى القرى إلا وأهلها ظالمون} القصص: 58،59
(8/12)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 9:57 am


القرية حاضرة البحر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى القرية التى قال الله عنها: إنها حاضرة البحر؟

الجواب
قال الله تعالى {واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} الأعراف: 163.
هذه الآية من ضمن الآيات التى تحدثت عن بنى إسرائيل وتمردهم على أوامر الله وعصيانهم لتوجيه أنبيائهم، تأمر هذه الآية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل اليهود الموجودين معه فى المدينة سؤال تذكير لهم بما حدث لآبائهم الذين ورثوا عنهم الصفات والأساليب التى يعاملونه بها.
فقد حدث أن سكان قرية ساحلية اختلف فى تعيينها على أقوال كثيرة، منها أنها أيلة أو مدين أو طبرية أو غيرها - خالفوا أمر الله بتحريم اصطياد السمك يوم السبت، ومن أجل اختبارهم لإظهار مدى امتثالهم لأمر الله جعل الله الحيتان كثيرة فى هذا اليوم وفى متناول أيديهم، ليسهل عليهم صيدها {شرَّعًا} ظاهرة رافعة رءوسها، بخلاف الأيام الأخرى غير يوم السبت، وهو معنى قوله {لا يسبتون} حيث تكون قليلة تحتاج إلى جهد لصيدها، فلم تطاوعهم أنفسهم أن يتركوها، فاصطادوها غير مبالين بنهى الله عن صيدها.
وقيل: تحايلوا على صيدها فى اليوم التالى، وذلك بحبسها فى حياض عند تكاثرها يوم السبت، حتى إذا جاء يوم الأحد أخذوها.
وهذه صورة من صور كثيرة تحايلوا بها على تحقيق أغراضهم بشىء حرمه الله عليهم، كما حرم عليهم شحوم الذبائح -وهى عادة تكون متماسكة جامدة كاللحم - فأذابوها لتصير سائلا وتتحول عن حالتها الأولى، وقد ابتلاهم الله بمثل هذه التكاليف لأنهم قوم فاسقون عاصون لله
(8/13)
________________________________________
الجمع بين القراءات فى آن واحد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز قراءة آية أو سورة بقراءات مختلفة فى آن واحد؟

الجواب
جاء فى كتاب "منجد المقرئين "لابن الجزرى "ص 14"قال الإمام محيى الدين النووى: إذا ابتدأ -يعنى القارئ-بقراءة أحد القراء فينبغى ألا يزال على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطا، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أخرى من السبعة، والأولى دوامه على الأولى فى هذا المجلس. وقال أبو عمرو بن الصلاح فى آخر جوابه عن السؤال الذى ورد من العجم: وإذا شرع القارئ بقراءة ينبغى ألا يزال يقرأ بها ما بقى للكلام تعلق بما ابتدأ به، وما خالف هذا ففيه جائز وممتنع.
يؤخذ من هذا أن جمع القراءات فى مجلس واحد مكروه فى الكلام المرتبط بعضه ببعض، فإذا لم يكن ارتباط جازت قراءة آية تامة المعنى بقراءة، وقراءة غيرها بقراءة أخرى، ولا يستحسن العلماء جمع أكثر من قراءة فى كلمة واحدة يرددها بحسب القراءة الواردة فيها، وأكثر ما يحمل على ذلك إظهار القارئ براعته طلبا لاستحسان السامعين لما يريد أن يحققه من وراء ذلك، وبخاصة إذا كان حسن الصوت، أو يريد أن يغطى على عدم حلاوة صوته بمعرفته لكل القراءات، والأعمال بالنيات.
(8/14)
________________________________________
قراءة غير مشروعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قرأ بعض الناس قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} برفع لفظ الجلالة، وقال إن المعنى صحيح، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
قال تعالى فى سورة فاطر: 28 {ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء} والمعنى الصحيح أن العلماء بما خلق الله فى الكون من المطر والنبات والجبال والناس والحيوانات وغيرها، يصلون بعلمهم المتعمق والمنصف إلى الإيمان بالله ويخشون الكفر به وعصيانه فيما أمر به ونهى عنه.
فالعلماء يخشون الله. وإعراب الجملة المذكورة فى السؤال هو أن لفظ الجلالة "الله " فى موقع المفعول به فينصب، ولفظ "العلماءُ" فى موقع الفاعل فيرفع، والمعتاد أن يتقدم الفاعل على المفعول، والتأخير فى هذا الموضع له ما يبرره، وتحدث العلماء فى بيانه، وليس محل ذلك هنا.
أما القراءة برفع لفظ الجلالة على أنه الفاعل للخشية، ونصب لفظ "العلماء" على أن الله يخشاهم فقد وجهه بعض المفسرين بأن الخشية هنا ليست على حقيقتها، جاء فى تفسير القرطبى أن المعنى إنما يجلهم الله ويعظمهم، كما يجل المهيب المخشى من الرجال بين الناس من بين جميع عباده.
ومع إمكان فهم المعنى برفع لفظ الجلالة، فإن القراءة نفسها غير معترف بها كما يقول علماء القراءات، على الرغم من أن عمر بن عبد العزيز كان يقرأ بها وحكيت عن أبى حنيفة، كما يقول القرطبى، فلم ترد فى القراءات السبع المشهورة عن الإمام الشاطبى فى "الشاطبية" ولم ترد فى القراءات الثلاث المكملة للسبع المشهورة من طريق "الدرة" لابن الجزرى، كما لم ترد فى القراءات الأربع الشواذ المنسوبة لابن مُحَيْصِن والحسن البصرى والأعشى والمطوى من طريق كتاب "الفوائد المعتبرة فى القراءات الأربع الشواذ " للشيخ المتولى الشهير بالشمس المتولى صاحب كتاب "التحريرات " على "الطيبة" لابن الجزرى
(8/15)
________________________________________
رفع القرآن آخر الزمان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح ما يقال: إن القرآن ينزع من الصدور آخر الزمان، وكيف ذلك والله يقول {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر: 9؟

الجواب
أخرج ابن ماجه فى سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص وحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يدرس الإسلام كما يدرس وَشْى الثوب حتى لا يُدْرَى: ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، فَيسْرَى على كتاب الله تعالى فى ليلة فلا يبقى منه فى الأرض آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير العجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة".
وجاء عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إن هذا القراَن الذى بين أظهركم يوشك أن ينزع منكم، فسئل: كيف ينزع منا وقد أثبته الله فى قلوبنا وثبتناه فى مصاحفنا؟ فقال: يسرى عليه فى ليلة واحدة فينزع ما فى القلوب ويذهب ما فى المصاحف ويصبح الناس منه فقراء. ثم قرأ {ولئن شئنا لنذهبن بالذى أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} الإسراء: 86، أخرجه أبو بكر بن أبى شيبة وإسناده صحيح "تفسير القرطبى ج 10 ص 325".
هذه بعض المرويات منها ما هو مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو موقوف على ابن مسعود رضى الله عنه، وطريق الرواية ليس قطعى الثبوت، وهو على كل حال يدل على أهمية القرآن الكريم، وعلى العناية بحفظه ومدارسته ويلتقى مع الحديث الصحيح "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء" رواه مسلم
(8/16)
________________________________________
سورة الأنعام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو فضل قراءة سورة الأنعام، وهل صحيح أنها نزلت كلها مرة واحدة؟

الجواب
فى تفسير ابن كثير حديث رواه الحاكم فى مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم، أن جابرا رضى الله عنه قال: لما نزلت سورة الأنعام سبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال "لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سَدَّ الأفق " وروى مثله ابن مردويه عن أنس، وروى ابن مردويه عن الطبرانى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "نزلت علىَّ سورة الأنعام جملة واحدة، وتبعها سبعون ألفا من الملائكة، لهم زجل بالتسبيح والتحميد ". وجاءت روايات عن ابن عباس أنها نزلت بمكة ليلا جملة واحدة.
وفى تفسير القرطبى مثل ذلك وأنها ليست كلها مكية، فقد نزلت آيتان أو ست آيات بالمدينة، وأن البخارى روى عن ابن عباس قوله:
إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} إلى قوله {وما كانوا مهتدين} ورجح القرطبى أنها نزلت مرة واحدة لأنها كانت فى محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين والمكذبين بالبعث والنشور.
ولم يذكر فى فضل قراءتها أو قراءة شىء منها إلا حديثا ذكره الثعلبى عن جابر مرفوعا "من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام وكَّل الله به أربعين ألف ملك يكتبون له مثل عبادتهم إلى يوم القيامة، وينزل ملك من السماء السابعة ومعه مِرْزَبَّة من حديد، فإذا أراد الشيطان أن يوسوس له أو يوحى فى قلبه شيئا ضربه فيكون بينه وبينه سبعون حجابا " فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى "أمْشِ فى ظلى يوم لا ظل إلا ظلى، وكُلْ من ثمار جنتى واشرب من ماء الكوثر، واغتسل من ماء السلسبيل، فأنت عبدى وأنا ربك ".
ومن أجل فضل قراءتها بهذا الحديث الذى لم تعرف درجته، ومن أجل نزولها فى كوكبة من الملائكة مرة واحدة-حرص بعض الناس على قراءتها على الموتى عدة ليال، بل حرصوا على قراءتها فى الركعة الأخيرة من التراويح فى الليلة السابعة من شهر رمضان أو غير السابعة، وسئل الإمام النووى عن ذلك، فقال: لم يثبت نزول الأنعام دفعة واحدة، ولو ثبت فلا دلالة فيه لهذا الفعل - قراءتها فى التراويح - لأن فيها تطويلا على المأمومين، وفيها إيهام بأنها سنة، وينبغى الإنكار على ذلك، لصحة الأحاديث فى النهى عن محدثات الأمور وفى أن كل بدعة ضلالة، ولم ينقل هذا الفعل عن أحد من السلف وحاشاهم، والله أعلم " المسائل المنثورة للنووى-المسألة رقم 50 ".
بعد هذه النقول عن سورة الأنعام نرى الأحاديث فى فضلها وفى كونها نزلت مرة واحدة لم رد بطريق صحيح، ومع ذلك لا ننكر فضل قراءة القرآن من أية سورة وبأى قدر، فإن الأحاديث فى ذلك كثيرة، أما التزامها بالذات على القبر ولأيام معدودة، فليس عليه دليل معتبر، إلى جانب خلاف الفقهاء فى انتفاع الميت بهذه القراءة أو عدم انتفاعه وقد بينا ذلك فى موضعه
(8/17)
________________________________________
الليالى العشر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قال تعالى {والفجر. وليال عشر} ما هى هذه الليالى وما هو الفضل الذى امتازت به حتى يقسم الله بها؟

الجواب
قال الله تعالى فى سورة الفجر {والفجر. وليال عشر} الليالى العشر اختلف فى تعيينها، فقيل هى العشر الأواخر من رمضان كما فى رواية عن ابن عباس، وقيل العشر الأول من المحرم كما فى رواية أخرى عنه، وقيل هى العشر الأول من شهر ذى الحجة، وهو القول الراجح، وقد ذكر القرطبى حديثا عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ذلك.
وقد ورد فى فضلها حديث رواه البخارى يقول صلى الله عليه وسلم " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " يعنى العشر الأوائل من ذى الحجة قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال " ولا الجهاد فى سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك بشىء" وحديث رواه الترمذى، وقال عنه: غريب، وفيه كلام: "صيام يوم يعدل صيام سنة، والعمل يضاعف بسبعمائة ضعف " وحديث قال أنس غير مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم كان يقال فى أيام العشر بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم. وكلام قاله الأوزاعى-كما رواه البيهقى-: بلغنى أن العمل فى اليوم كقدر غزوة فى سبيل الله، يصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بشهادة.
وإذا كان العمل فيها بهذه المنزلة العالية، فما هو نوع العمل؟ ليس هناك نص يخصص عملا معينا لنيل هذه المنزلة، فكل الطاعات تدخل فى هذا المعنى، والصيام - وإن كان حديث السيدة عائشة فى صحيح مسلم يقول إنها لم تر النبى صلى الله عليه وسلم صام هذه العشر- فعدم رؤيتها لا ينافى صيامه، والإجماع على سنية الصيام فيها، وورد فى فضل الذكر بصيغة "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" حديث رواه الطبرانى بإسناد جيد، بل جاء فيمن يريد أن يضحى أنه يسن له عدم قص الشعر والظفر، تشبها إلى حدّ ما بالمحرمين بالنسك، وأن كل جزء من بدنه يعتق بالأضحية.
ثم يقال: لماذا كان لهذه الأيام هذا الفضل العظيم؟ قال العلماء: لأنها متصلة بالحج، وفى نهايتها يوم عرفة، وفضل هذا اليوم عظيم، وكذلك فضل يوم العيد فهو أعظم حرمة عند الله، لأن فيه الحج الأكبر، وكذلك من دواعى التفضيل العمل على إشاعة الأمن فى البلاد عامة، لتهيئة الجو للمسافرين والحجاج، وكذلك لمن خلفوهم وراءهم، وذلك بالانشغال بالعبادة والذكر، وكذلك هذه الأيام فرصة لأداء كل العبادات من صلاة وصيام وصدقة وحج
(8/18)
________________________________________
الأعراب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نريد تفسير قوله تعالى {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} التوبة: 17؟

الجواب
يقول القرطبى فى تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: أن العرب جيل من الناس، والنسبة إليهم عربى، وهم أهل الأمصار، والأعراب منهم سكان البادية خاصة، وجاء فى الشعر الفصيح " أعاريب " والنسبة إلى الأعراب أعرابى، لأنه لا واحد له، وليس الأعراب جمعا للعرب، كما كان الأنباط جمعا لنبط، وإنما العرب اسم جنس، والعرب العاربة هم الخُلَّص منهم، والمستعربة هم الذين ليسوا بخُلَّص، وكذلك المتعربة. والأعرابى إذا قيل له:
يا عربى فرح، والعربى إذا قيل له يا أعرابى غضب. والمهاجرون والأنصار عرب لا أعراب. وسميت العرب عربا لأن ولد إسماعيل نشأ من عربة وهى من تهامة فنسبوا إليها، وأقامت قريش بعربة، وهى مكة، وانتشر سائر العرب فى جزيرتها.
وقد وصفت الآية الأعراب بأن كفرهم ونفاقهم أشد من كفر العرب ونفاقهم، لأنهم أبعد عن معرفة السنن، ولأنهم أقسى قلبا وأجفى قولا وأغلظ طبعا.
ورتب القرطبى على ذلك أحكاما منها: أن شهادة أهل البادية على أهل الحضر تسقط ولا تقبل، وأجازها أبو حنيفة، كما أجازها الشافعى إذا كان الأعرابى عدلا مرضيا، وهو الصحيح، ومنها أن إمامة البدوى لأهل الحضر ممنوعة، يعنى لا يصح أن يكون البدوى إماما فى الصلاة للمأمومين من أهل الحضر، لجهله بالسنة، وقال مالك: لا يؤم وإن كان أقرأهم، وقال سفيان الثورى والشافعى وإسحاق وأصحاب الرأى - الحنفية - الصلاة خلف الأعرابى جائزة، واختاره ابن المنذر إذا أقام حدود الصلاة.
يعرف من هذا أن البيئة لها أثر على الإنسان فى عقله وفى سلوكه، وأن الجامدين على بيئة واحدة يتأخر تطورهم وتغيُّر أحوالهم، وأن الاختلاط بالبيئات الأخرى يؤثر على الفكر والسلوك ويساعد على التطور، وكلما كان التطور نحو الأفضل وهو هدى الله لعباده كان ممدوحا
(8/19)
________________________________________
القرآن كله عربى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس: أن القرآن فيه كلمات غير عربية، وهذا يتنافى مع كونه قرآنا عربيا، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
قال تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} إبراهيم: 4، وقال {وانه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربى مبين} الشعراء: 192 - 195 وقال {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} يوسف:2.
تدل هذه الآيات وغيرها على أن القرآن الكريم نزل باللغة العربية، لأنها لسان القوم الذين أرسل إليهم النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك ليستطيع أن يبلغ وليستطيعوا أن يفهموا ويتدبروا.
ومعروف أن اللغات تتلاقح فى بعض الألفاظ، أى يأخذ بعضها من بعض، بحكم الاتصالات بين الأفراد والجماعات والشعوب، التى هى ضرورة من ضرورات الحيلة الاجتماعية للبشر، فما يوجد فيها من ألفاظ متحدة قد يكون لانتساب لغتين إلى أصل واحد أو لشئ آخر، وقد يكون نقلا من لغة إلى لغة، وإذا نقل لفظ واستعمله الناقلون مدة طويلة صار من لغتهم.
فإذا كان فى القرآن الكريم ولغة العرب ألفاظ أصلها غير عربى مثل أباريق وأرائك وإستبرق فقد استعملها العرب وصارت مألوفة لهم، وأجروا عليها قواعد لغتهم فى الإعراب والاشتقاق والإفراد والتثنية والجمع وغيرها.
جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 68" أنه لا خلاف بين الأئمة فى أنه ليس فى القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب، وأن فيه أسماءً أعلاما لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط.
واختلفوا: هل وقع فيه ألفاظ غير أعلام مفردة من غير كلام العرب؟ فذهب القاضى أبو بكر بن الطيب والطبرى وغيرهما إلى أن ذلك لا يوجد فيه، وأن القرآن عربى صريح، وما وجد فيه من الألفاظ التى تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغات عليها فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة وغيرهم.
وذهب بعضهم إلى وجودها فيه، وأن تلك الألفاظ لقلتها لا تُخرج القرآن عن كونه عربيا مبينا، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كونه متكلما بلسان قومه، فالمشكلة هى الكوة، ونشأ معناها قام من الليل، ومنه {إن ناشئة الليل} {يؤتكم كفلين} أى ضعفين، {فرت من قسورة} أى الأسد، كله بلسان الحبشة. والغساق أى البارد المنتن هو بلسان الترك، والقسطاس أى الميزان هو بلغة الروم، والسجيل أى الحجارة والطين هى بلسان الفرس، والطور أى الجبل، واليَم أى البحر هما بالسريانية، والتنور أى وجه الأرض هو بالعجمية.
قال ابن عطية: فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها فى الأصل أعجمية، لكن استعملتها العرب وعرَّبتها فهى عربية بهذا الوجه.
وقد كان للعرب العاربة التى نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتى قريش، وسفر بعض الأشخاص إلى بلاد أخرى، فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها فى أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربى الصحيح، ووقع بها البيان.
وعلى هذا الحد نزل بها القرآن. فإن جهلها عربى ما فكجهله الصريح بما فى لغة غيره، كما لم يعرف ابن عباس معنى "فاطر" إلى غير ذلك.
قال ابن عطية: وما ذهب إليه الطبرى رحمه الله من أن اللغتين اتفقتا فى لفظة لفظة فذلك بعيد، بل إحداهما أصل والأخرى فرع من الأكثر، لأنَّا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا.
قال غيره: والأول أصح -أى أن القرآن فيه كلمات أجنبية صارت بعد ذلك عربية - وقوله: هى أصل فى كلام غيرهم دخيلة فى كلامهم ليس بأولى من العكس، فإن العرب لا يخلو أن تكون تخاطب بها أولا، فإن كان الأول فهى من كلامهم، إذ لا معنى للغتهم وكلامهم إلا ما كان كذلك عندهم، ولا يبعد أن يكون غيرهم قد وافقهم على بعض كلماتهم، وقد قال ذلك الإمام الكبير أبو عبيدة، فإن. قيل: ليست هذه الكلمات على أوزان كلام العرب فلا تكون منه، قلنا: ومن سلم لكم أنكم حصرتم أوزانهم حتى تخرجوا هذه منها؟ فقد بحث القاضى عن أصول أوزان كلام العرب، ورد هذه الأسماء إليها على الطريقة النحوية.
وأما إن لم تكن العرب تخاطبت بها ولا عرفتها استحال أن يخاطبهم الله بما لا يعرفون: وحينئذ لا يكون القرآن عربيا مبينا، ولا يكون الرسول مخاطبا لقومه بلسانهم. والله أعلم
(8/20)
________________________________________
القراءة بالقراءات الشاذة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن يقرا القرآن فى الصلاة بالقراءات الشاذة غير المتعارف عليها؟

الجواب
ذكر السيوطى فى الإتقان (ج 1 ص 80) قول الزركشى أن هناك فرقا بين القرآن والقراءات، فالقرآن وحى الله المنزل على الرسول للبيان والإعجاز، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحى المذكور فى الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما. وذكر أن القراءات السبع متواترة عن الأئمة، أما تواترها عن النبى صلى الله عليه وسلم ففيه نظر.
ثم ذكر قول أبى شامة عن ظن البعض أن القراءات السبع الموجودة الآن هى التى أريدت فى الحديث "أنزل القران على سبعة أحرف " وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل.
ثم ذكر ما يفيد أن القراءات المدونة فى الكتب يوجد غيرها.
فقال القراب فى " الشافى" التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر، وأوهم أنه لا يجوز الزيادة على ذلك، وذلك لم يقل به أحد.
وقال الكواشى: كل ما صح سنده واستقام وجهه فى العربية ووافق خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة، ومتى فُقد شرط من الثلاثة فهو من الشاذ.
وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن انحصار القراءات المشهورة فى مثل ما فى التيسير والشاطبية.
قال البغوى: اعلم أن الخارج عن السبع المشهورة على قسمين، منه ما يخالف رسم المصحف فهذا لا شك فى أنه لا تجوز قراءته لا فى الصلاة ولا فى غيرها، ومنه ما لا يخالف رسم المصحف ولم تشتهر القراءة به وإنما ورد من طريق غريبة لا يعول عليها وهذا يظهر المنع من القراءة به أيضا.
وقال الشوكانى فى نيل الأوطار "ج 2 ص 245) : إذا تقرر لك إجماع أئمة السلف والخلف على عدم تواتر كل حرف من حروف القراءات السبع، وعلى أنه لا فرق بينها وبين غيرها إذا وافق وجها عربيا وصح إسناده، ووافق الرسم ولو احتمالا بما نقلناه عن أئمة القراءتبين لك صحة القراءة فى الصلاة بكل قراءة متصفة بتلك الصفة سواء كانت من قراءة الصحابة المذكورين فى الحديث أو من قراءة غيرهم، ثم ذكر الشوكانى مخالفة النويرى لهذا الرأى ورد عليه.
والحديث المشار إليه هو ما رواه البخارى وغيره " خذوا القرآن من أربعة" من ابن أم عبد -أى عبد الله بن مسعود وقد بدا به، ومعاذ بن جبل، وأبى بن كعب، وسالم مولى أبى حذيفة.
هذا ما نقلته عن الإتقان ونيل الأوطار، ولعلماء القراءات آراؤهم، والأمر الخلافى لا يجوز التعصب لأى رأى فيه
(8/21)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:24 pm


السائق والشهيد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أرجو تفسير الآية الكريمة {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} ق: 21؟

الجواب
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة حيث يقوم الناس من القبور ويُساقون إلى المحشر ويُحاسبون.
والقرطبى يقول فى التفسير اختلف فى السائق والشهيد، فقال ابن عباس:
السائق من الملائكة والشهيد من أنفسهم هو الأيدى والأرجل.
وقال أبو هريرة: السائق الملك والشهيد العمل.
وقال الحسن وقتادة: المعنى سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها بعملها.
وقال ابن مسلم: السائق قرينها من الشياطين، سُمِّىَ سائقاً لأنه يتبعها وإن لم يحثها.
وقال مجاهد: السائق والشهيد ملكان.
وعن عثمان بن عفان: ملك يسوقها إلى أمر الله وشهيد يشهد عليها بعملها.
ورجح القرطبى هذا الرأى، وساق عليه حديثاً لا يعتمد عليه فى العقائد، فهما ملكا الحسنات والسيئات، واحد يسوقها وواحد يشهد، والآراء الاجتهاية غير ملزمة.
(8/22)
________________________________________
خطاب الاثنين لواحد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أرجو توضيح الخطاب فى قوله الله تعالى {ألقيا فى جهنم كل كفار عنيد} ق: 24؟

الجواب
فى هذه الآية الكريمة خطاب للواحد بلفظ الأثنين، قال القرطبى فى تفسيرها: إن الخليل والأخفش، وهما من كبار علماء اللغة قالا: هذا كلام العرب الفصيح، أن تخاطب الواحد بلفظ الاثنين فتقول: ويلك، ارحلاها وازجراها، وخذاه وأطلقاه، للواحد. قال الفراء:
تقول للواحد: قوما عنا. وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل فى إبله وغنمة ورفقته فى سفره اثنان، فجرى كلام الرجل على صاحبيه، ومنه قول امرىء القيس:
* خليلى مُرَّا بى على أم جندب * وقوله:
* قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *.
وقال المازنى: ألقيا يدل على: ألق ألق.
وقال المبرد: هى تثنية على التوكيد، ويجوز أن يكون الخطاب من الله للملكين، وهما السائق والحافظ كما قال: {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} ق: 21.
(8/23)
________________________________________
الطاغوت

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو الطاغوت الذى تكرر ذكره فى آيات القرآن الكريم؟

الجواب
ورد لفظ الطاغوت فى القرآن ثمانى مرات: فى سورة البقرة:
الآيتان: 256، 257، وفى سورة النساء: الآيات: 51، 60، 76، وفى سورة المائدة: الآية: 60، وفى سورة النحل: الآية: 36، وفى سورة الزمر: الآية: 17.
قال الراغب الأصفهانى فى مفردات القرآن: الطاغوت عبارة عن كل متعد وكل معبود من دون الله، ويستعمل فى الواحد والجمع، ولما تقدم سمى الساحر والكاهن والمارد والجن والصارف عن طريق الخير طاغوتا. انتهى.
ولو تتبعنا تفسير الآيات المشار إليها فى مواضعها ما رأيناها تخرج عن ذلك، جاء فى تفسير الجلالين فى الآية الأولى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله} والثانية {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} أن الطاغوت هو الأصنام أو الشيطان، وفى الآية الثالثة {يؤمنون بالجبت والطاغوت} أن الجبت والطاغوت صنمان لقريش. وفى الآية الرابعة {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} أنه كثير الطغيان وهو كعب بن الأشرف.
وفى الخامسة {يقاتلون فى سبيل الطاغوت} أنه الشيطان، وفى السادسة {وعبد الطاغوت} أنه الشيطان، وفى السابعة {واجتنبوا الطاغوت} أنه الأوثان، وفى الثامنة {والذين اجتنبوا الطاغوت} أنه الأوثان أيضا.
ويظهر معنى الطاغوت فيما يُعبد من دون الله من أصنام ومخلوقات أخرى إذا ذكر معه الإيمان وعبادة الله والكفر بالطاغوت. وهو يطلق على الباطل مطلقا ممن يعقل وما لا يعقل، فإذا عُبد من دون الله أو مع الله فذلك كفر أو شرك، وإذا فتن به دون عبادة له كان عصيانا وفسوقا، كالذى يفتنه الشيطان أو السلطان أو المال أو الذهب أو المرأة أو غير ذلك، فتنة تلهيه عن الواجب وتغريه بالسوء، وقد يطلق عليه أنه يعبده أى يحبه حبا شديدا ويطيعه طاعة العبد لسيده، ومنه حديث "تعس عبد الدينار والدرهم " رواه البخارى "يراجع كتاب بيان للناس من الأزهر الشريف - ج 1 ص 176"
(8/24)
________________________________________
حديث: لا يجتمع فى جزيرة العرب دينان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح انه لا يجوز لغير المسلم أن يدخل أرض الحجاز؟

الجواب
أرض الحجاز هى الفاصلة بين نجد وتهامة، وأشهر مدنها مكة والمدينة، وفيها الحرم والمسجد الحرام.
ودخول المسجد الحرام تقدم حكمه، أما الحرم المكى بحدوده التى ذكرها الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية ص 164 " بأنها ثلاثة أميال من طريق المدينة دون التنعيم، وسبعة أميال من طريق العراق، وتسعة أميال من طريق الجعرانة، وسبعة أميال من طريق الطائف على عرفة، وعشرة أميال من طريق جدة - هذا الحرم المكى بحدوده، قال جمهور الفقهاء: لا يجوز دخوله لجميع من خالف دين الإسلام، من ذمى أو معاهد، لا مقيما فيه ولا مارا به، وجوز أبو حنيفة دخولهم إذا لم يستوطنوه. ولو دخله المشرك بدون إذن عزر وأخرج، وإن كان بإذن لم يعزر وأنكر على الإذن وأخرج، ولو أراد دخول الحرم ليسلم فيه منع منه حتى يسلم قبل دخوله، وإذا مات فيه مشرك حرم دفنه، فإن دفن فيه نقل إلى الحل، إلا أن يكون قد بلى، كما تركت أموات الجاهلية.
وأما دخول غير الحرم بحدوده المعروفة. فالجمهور على عدم استيطان الذمى والمعاهد، وجوزه أبو حنيفة، ودليل الجمهور حديث عائشة: كان آخر ما عهد به رسول الله أن قال " لا يجتمع فى جزيرة العرب دينان " رواه البيهقى.
وتطبيقا لذلك أجلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أهل الذمة عن الحجاز.
وضرب لمن قدم منهم تاجرا أو صانعا مقام ثلاثة أيام يخرجون بعد انقضائها، واستقر الحكم على منعهم من الاستيطان، وجواز دخولهم بصفة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام فى موضع ويمكن أن ينتقل منه إلى غيره لمدة ثلاثة أيام أيضا فإن زاد عليها عزر إن لم يكن معذورا "الأحكام السلطانية من 167 "
(8/25)
________________________________________
البكاء عند سماع القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الحديث ما يقال "اقرءوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا"؟

الجواب
هذا الحديث فى سنن ابن ماجه، وهو مروى عن سعد بن أبى وقاص عن النبى صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره الحافظ المنذرى فى كتابه "الترغيب والترهيب " بصيغة "روى" مما يدل على أنه لم يرق إلى درجة الحديث الصحيح الذى هو أعلى من الحسن.
وقال العراقى فى تخريجه لأحاديث "إحياء علوم الدين " للإمام الغزالى: حديث "اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا" إسناده جيد، يعنى مقبول يعمل به وبخاصة فى فضائل الأعمال، ولكن لا يصل الأمر فيه إلى درجة الوجوب الذى يعاقب تاركه، فهو أمر مندوب إليه
(8/26)
________________________________________
أعوذ بالرحمن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
اوجو تفسير قوله تعالى: {قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} مريم: 8ا؟

الجواب
قالت مريم ذلك لجبريل عليه السلام، وبيان المعنى مرتبط بالمراد من كلمة "إن " فإن كانت للشرط فالمعنى: إذا كنت تقيا تخشى الله وتجله فأنا ألتجئ إلى الله وأستعيذ به منك حتى لا تمسنى بسوء وبالتالى من لم يكن متقيا لله لا يأبه لاستعاذتها.
وإن كانت "إن" للنفى كان المعنى: أنت شخص غير تقى، حيث جئتنى وأنا وحيدة ليس معى أحد، وليس لى إلا الله سبحانه أستعيذ به وألتجىء إليه.
واختيارها لاسم الرحمن بدلا من اسم آخر لأن المقام يقتضى الرحمة، فهى ضعيفة بشخصها وبوحدتها أمام رجل قوى بشخصه ولا تعرفه
(8/27)
________________________________________
كتب الأديان السابقة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا كان الإسلام يعترف بالرسالات السماوية فهل هناك ما يمنع المسلم من أن يأخذ ويتبع ما جاء من تعاليم ونصائح كل هذه الرسالات؟

الجواب
ليكن معلوما أن الإسلام جاء دينا وافيا كاملا، فيه كل ما يحتاجه المسلم فى دنياه وآخرته كما قال سبحانه {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة: 3، وقال {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} النحل: 89.
ومع ذلك لا مانع من الاستفادة بما يوجد فى الكتب السماوية الصحيحة، لأن ما فيها حق وإن كانت فروع الشريعة تختلف من دين لآخر، فشرع من قبلنا ليس شرعا لنا إلا إذا وجد فى شرعنا ما يقرره، أو هو شرع لنا إن لم يوجد فى شرعنا ما يخالفه، على خلاف للعلماء فى ذلك.
ولكن أين هى الكتب السماوية الصحيحة التى يستفاد منها وقد أقر القرآن بأنها حُرِّفت؟ وبتحريفها كفر اليهود والنصارى برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل، قال تعالى {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} البقرة: 146، فلا حاجة بنا إلى الأخذ من كتبهم، ولو قرأناها فليكن القارئ على معرفة تامة بدينه هو، حتى لا يزل ويتبع بعض ما فيها، وحتى لا يقول: إن فيها ما لا يوجد فى كتب الإسلام فيميل إليها ويطمئن إلى قراءتها والعمل بما فيها، وقد حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة كتب أهل الكتاب -اليهود والنصارى- خشية الفتنة بما فيها وقال لعمر "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذى نفسى بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية " إلى أن قال " والذى نفسى بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا اتباعى" رواه أحمد فى مسنده، ومع ذلك جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أخرجه البخارى، قوله " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا " وقوله " بلغوا عنى ولو آية، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ".
وهو يشير إلى مصادر المعرفة الثلاثة وهى القرآن الذى يجب تبليغه، والحديث النبوى الذى يجب الدقة عند تلقيه وروايته، وما جاء عن بنى إسرائيل من السماح بروايته، وذلك فى نطاق ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، كما رواه أحمد وأبو داود: إن كان حديثهم حقا فلا تكذبهم فيه، وإن كان باطلا فلا تصدقهم فيه، وما لا نجزم بصدقه أو كذبه فنحن فى حل من الأخذ به أو رفضه.
وفى ضوء هذا المقياس أصاب عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما يوم اليرموك زاملتين -أى حمل بعيرين- من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما، وابن مسعود رضى الله عنه قال -كما رواه أحمد وغيره -: لا تسألوا أهل الكتاب عن شىء فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم، إما أن يحدثوكم بصدق فتكذبونهم أو بباطل فتصدقونهم.
والخلاصة أن الأخذ من كتب الأديان الأخرى لا حاجة إليه، أما قراءتها للاطلاع على ما فيها ومقارنته بما جاء فى الإسلام فلا مانع منه لمن هو متمكن فى العلم الدينى
(8/28)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:26 pm


والليل إذا عسعس

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى قوله تعالى {والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس. إنه لقول رسول كريم} الشمس: 17 - 19

الجواب
هذا قسم من الله سبحانه بالليل والصبح، كما أقسم بأشياء كثيرة، على أن القرآن الكريم مُوحى به من الله سبحانه بوساطة جبريل الأمين، إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
ومعنى عسعس الليل أقبل من أوله وأظلم، أو أدبر من أخره وولَّى، فهو من الأضداد التى تستعمل فى الإقبال والإدبار، ومعنى تنفس الصبح امتد حتى صار نهارا واضحا فالله يقسم بالليل فى ظلامه وبالصبح فى نوره على أن القرآن حق من عنده سبحانه، فكأنه يقول:
كما أن هناك فرقا واضحا بين الظلام والنور هناك فرق واضح بين كلام الله وكلام غيره، فكلامه هو الحق، وكلام غيره هو الباطل الذى زعموه، وكلامه نور يهدى وكلام غيره ظلام يضل.
أو كأنه يقول: إن الذى قدر على أن يمحو النهار بالليل، ويمحو الليل بالنهار، قدر على أن يجعل من محمد الأمى العادى رسولا يتلقى الوحى ويبلغه، ويصير به معلما للإنسانية ما لم يكن تعلمَّه من قبل، كما قال تعالى:
{وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلَّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} النساء: 113
(8/29)
________________________________________
لا يموت فيها ولا يحيا

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى قوله سبحانه عن الذى يدخل النار " ثم لا يموت فيها ولا يحيا "؟

الجواب
يقول الله سبحانه {فذكر إن نفعت الذكرى. سيذكر من يخشى. ويتجنبها الأشقى. الذى يصلى النار الكبرى. ثم لا يموت فيها ولا يحيا} الأعلى: 9 -13.
المراد بالأشقى فى هذه الآية هو الكافر الذى لا يستفيد من الدعوة وسيدخله الله نارا كبرى يستمر عذابه فيها ولا ينقطع أبدا. وعلى الرغم من شدة النار التى وقودها الناس والحجارة لن يموت، كما قال سبحانه: {فأما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير وشهيق. خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد} هود: 106،107.
وكما قال فى كيفية العذاب لهم {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدَّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} النساء:
56.
ويتمنى الكافرون أن يخرجوا من النار، ولكن لا يجابون لما يتمنون. قال تعالى {إن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون. لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين. ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال أنكم ماكثون} الزخرف: 74 -77، ومالك هو خازن النار.
وإذا كان الكافر لا يموت فى النار فلابد أن يحيا، لكن الآية تنفى عنه الحياة حيث تقول {لا يموت فيها ولا يحيا} فكيف يكون الكافر غير ميت وغير حى فى وقت واحد؟ .
قال العلماء: المراد بقوله تعالى {ولا يحيا} لا يحيا حياة طيبة، فالثابت له عدم الموت، والمنفى عنه هو الحياة الطيبة، فهو حى معذَّب شقى وذلك على مثال قول الشاعر:
ألا ما لنفس لا تموت فينقضى * عناها ولا تحيا حياة لها طعم.
وإذا كانت دقائق العذاب لا تعرف إلا بالنص الصحيح فإن لعصاة المؤمنين أملا فى أن يكون عذاب النار هينا عليهم فى درجة خاصة بهم، يأخذون قسطهم من العذاب فى شبه موت حتى يأذن الله بخروجهم من النار.، كما جاء فى صحيح مسلم أن الموحدين من المؤمنين إذا دخلوا جهنم احترقوا وماتوا إلى أن يشفع فيهم. وبعد إخراج عصاة المؤمنين من النار يكتب الخلود لأهل النار فلا يموتون، كما يكتب الخلود لأهل الجنة فلا يموتون. جاء تصوير ذلك فى رواية للبخارى ومسلم تمثل قضاء الله على الموت بصورة كبش يذبح ثم ينادى (يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت) .
وإذا كنا ندعو الله أن يجيرنا من النار ويدخلنا الجنة فليكن مع الدعاء عمل صالح كما قاله سبحانه فى المتخاصمين المتجادلين:
أيهم تكون لهم الجنة {ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا. ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} النساء:
123،124.
وحتى ننشط لعمل الخير نذكر ما رواه مسلم عن ثواب أدنى أهل الجنة منزلة، وهو آخر من يدخلها وآخر من يخرج من النار، أن الله سبحانه يقول له "أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت يا رب فيقول له: لك مثله وعشرة أمثاله " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم
(8/30)
________________________________________
ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى قوله تعالى: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} القصص: 78؟

الجواب
مما يجب أن يعتقده كل مسلم أن الحساب بعد الموت حق، وذلك لترتب الجزاء عليه، قال تعالى {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} الأعراف: 6، وقال {فوربك لنسألنهم أجمعين. عما كانوا يعملون} الحجر: 92، 93، وهذا الحساب على مرحلتين الأولى فى القبر بعد الموت؟ والثانية بعد البعث والعرض على الله، وسؤال القبر بمعرفة الملكين كما هو ثابت بالقرآن والسنة ويكون عن الاعتقادات، أما السؤال الثانى فيكون على كل شيء من واقع الكتاب المسطر فيه أعمال الإنسان، {وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} الإسراء: 13، 14.
قال العلماء: يستثنى من سؤال القبر الشهداء والصديقون والمرابطون فى سبيل الله والأطفال، والحساب بعد البعث عام، يسأل فيه الرسل عن التبليغ كما يسأل الناس عن موقفهم من الرسالة، قال تعالى {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق} المائدة: 116، وقد ورد ما يفيد ظاهره عدم سؤال النبى صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} البقرة: 119، لكن المراد أنك غير مسئول عن كفرهم فما عليك إلا البلاغ، {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص: 156، كما ورد ما يفيد ظاهره أن الكافرين المجرمين لا يسألون، كما فى قوله تعالى {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} لكن المراد أن المجرمين الكافرين لا يسألون عن المعاصى التى اقترفوها لأنها كثيرة، ويكفى عنها الذنب الأكبر وهو الكفر، فليس بعد الكفر ذنب يستحق أن يسأل عنه. لأن مصيرهم النار خالدين فيها أبدا. أو المعنى لا يكلفون يوم القيامة أن يرضوا ربهم بالإيمان لأن الآخرة ليست دار تكليف، كما يفيده قوله تعالى {ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون} النحل: 84، وقوله {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} المرسلات: 36.
فالسؤال يوم القيامة لتقدير الجزاء، وهو يسير على الطائعين من المؤمنين، عسير على الكافرين والعاصين، ويكفى أن يسأل الكافر عن كفره دون حاجة إلى التفاصيل، فالمصير معروف قال تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: 23
(8/31)
________________________________________
أعمى الدنيا والآخرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نريد توضيحا لقوله تعالى {ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا} الإسراء: 72؟

الجواب
من أحسن ما قيل فى تفسير هذه الآية ما جاء عن عكرمة أنه قال: جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس رضى الله عنهما فسألوه عن هذه الآية فقال:
اقرءوا ما قبلها من قوله تعالى {ربكم الذى يزجى لكم الفلك فى البحر لتبتغوا من فضله} إلى قوله تعالى {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} الإسراء: 66- 70، قال ابن عباس من كان أعمى عن هذه النعم والآيات التى رآها فهو عن الآخرة التى لم يعاينها أعمى وأضل سبيلا.
إن الذين لا يشكرون هذه النعم المحسوسة التى لا تحتاج إلى نظر دقيق أو عقل واسع قد عميت بصائرهم عن الحق، وغفلت عنه قلوبهم كالذين فقدوا أبصارهم فلا يرون شيئا من المحسوسات، بل هم أضل من الأنعام التى تسيرها الغرائز، لأنها معذورة حيث لا يوجد لها عقل كعقل بنى آدم. أما من له عقل وعطله فهو متعمد للضلال فكان أضل من الأنعام.
ولقد عبر الله سبحانه عن الذين لم يستجيبوا له عقيدة وسلوكا بأنهم عمى فقال: {ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرًا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه} طه: 124 -127، فالذين عميت بصائرهم هم فى الحقيقة عمى عن الهدى، ولا مانع أن يحشرهم الله يوم القيامة عُمىَ الأبصار، جزاء وفاقا بما كانوا عليه فى الدنيا من عمى البصائر.
أما من فتح الله بصائرهم فاتبعوا الحق فإنهم يحشرون يوم القيامة بيض الوجوه، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم حتى لو كانوا فى الدنيا ممن امتحنهم الله فى أبصارهم لكنهم رأوا قدرته وأحسوا نعمه بقلوبهم وبصائرهم، وكم فى الحياة من مكفوفى الأبصار هداهم الله إلى الحق وأعلى منزلتهم، وفى التاريخ قديمه وحديثه علماء وصالحون من هذا النوع
(8/32)
________________________________________
سبب الحسنة والسيئة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هناك آية تنسب الحسنة إلى الله، والسيئة إلى الإنسان وآية أخرى تقول إن السيئة من الله، فكيف نوفق بينهما؟

الجواب
قال الله تعالى {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} النساء: 79، وقال {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} التغابن: 111، الموضوع فى الآيتين مختلف، ففى الآية الأولى بيان الجزاء على ما يعمله الإنسان، وفى الثانية بيان علم الله وإرادته، فالله يجازينا على الحسنة فضلا منه وكرما وعلى السيئة رحمة منه وعدلا، إذا أعطى الله إنسانا ثوابا على حسنة فالثواب منه تفضل، لأننا عباد مفروض أن نطيعه ولا نطلب على طاعتنا أجرا شأن العبد مع سيده، يؤمر فيطيع ولا يطلب من سيده جزاء لأنه مملوك له، فإذا أعطاه سيده أجرا كان تفضلا منه، وهو وإن قل يعد كثيرا، ومع ذلك ففضل الله واسع يعطى الحسنة ثوابا هو عشر أمثالها وإذا عصى العبد ربه وعاقبه على سيئته كان المفروض أن يأخذه ربه بالشدة كالعبد العاصى لسيده، ولكن عدل الله تشوبه الرحمة أيضا فيعطى سيئة على سيئة.
ولا يجوز أن ينسب العبد إلى ربه ظلما على عقابه، فهو المتسبب فيه، ولم يبدأ الله معاقبته بدون سبب، فذلك فى عرف الناس ظلم والله أولى بالبعد عنه "يا عبادى أنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" رواه مسلم {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} فصلت: 46، {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} الشورى: 35.
أما قوله تعالى {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} فيفسره قوله في آلة أخرى {ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها} الحديد: 22، فكل ما يحدث فى الكون معلوم له قبل أن يحدث. وهذا معنى {من قبل أن نبرأها} أى نخلقها، فالإيمان بأن كل شيء فى علم الله يعطى النفس توجيها طيبا، فما يحدث من خير يشكره عليه، وما كان من سوء يصبر عليه ويرضى، وفى الحديث "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم. ويلتقى هذا مع قوله بعد الآية السابقة {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} أى فلا تجزعوا على المصيبة ولا تطغينكم النعمة. . "
(8/33)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:27 pm


حكم نسيان القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن نسيان القرآن حرام، وما هى الوسيلة التى تساعد على عدم نسيانه؟

الجواب
معروف أن فضل قراءة القرآن وحفظه فضل عظيم، يكفى فى بيان ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وقوله فيما رواه مسلم "اقروا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه " وقوله فيما رواه الترمذى وأبو داود بسند صحيح "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقروها" وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث رواه البخارى ومسلم أن ما يحفظ من القرآن معرض للنسيان فقال "تعاهدوا القرآن فو الذى نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل فى عقلها" يعنى إذا لم يحكم حفظه تفلت كالبعير الذى لم يحكم ربطه بالعقال، ولذلك حذَر من نسيان ما حفظ منه فقال فيما رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه "وعرضت علىَّ ذنوب أمتى فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن - أو أية - أوتيها رجل ثم نسيها".
لكن حمل بعض العلماء النسيان هنا على ترك العمل لأن الإنسان بطبيعته معرض لنسيان ما يحفظ، سواء أكان من القرآن أم من غيره، ولأن التحذير لو كان من مجرد نسيان ما يحفظ لقال الشخص: الأسلم ألا احفظ شيئا حتى لا أتعرض للعقاب إن نسيت، وهذا فيه صرف للناس عن القرآن.
ومهما يكن من شىء فإن الواجب هو المجاهدة للإبقاء على ما يحفظ وذلك بمداومة التلاوة ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا ففى التلاوة ثواب على الحرف بعشر حسنات، وفيها تقويم للسان بالعربية، وتفقه فى الدين، وقد جاء فى المأثور أن النبى صلى الله عليه وسلم أوصى من شكا إليه نسيان ما يحفظه من القرآن بأن يصلى أربع ركعات ليلة الجمعة ببعض سور من القرآن ثم يدعو بدعاء مخصوص ففعل ذلك، فثبت الله فى قلبه ما كان يحفظه، وهو حديث طويل رواه الترمذى وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، ورواه لحاكم وقال: صحيح على شرطهما. قال الحافظ المنذرى "الترغيب ج 2 ص 139 ": طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جدا
(8/34)
________________________________________
دعاء وصلاة لحفظ القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن هناك حديثا فيه طريقة حفظ بها الإمام على القرآن الكريم؟

الجواب
ذكر الحافظ المنذرى فى كتابه "الترغيب والترهيب " حديثا مؤداه أن النبى صلى الله عليه وسلم علَّمه صلاة أربع ركعات ليلة الجمعة فى كل ركعة سور مخصوصة وبعدها يدعو بدعاء مخصوص. ويفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا، فنفذ علىّ الوصية فوهبه الله الحفظ.
وقال المنذرى بعد ذلك: رواه الترمذى وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما - أى البخارى ومسلم. ثم قال: طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جدا. والله أعلم.
فالحديث لم يصل إلى درجة الصحة فى السند، وما جاء فيه هو صلاة وذكر وقراءة قرآن ودعاء، ولا مانع من ذلك، أما النتيجة فموكولة إلى الله سبحانه، وإن صحت عند على رضى الله عنه فربما لا تصح عند غيره، والطاعة على كل حال طيبة ويرجى قبولها وقبول الدعاء
(8/35)
________________________________________
سورة الواقعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما فضل قراءة سورة الواقعة كل ليلة، وهل ذلك يحفظ الإنسان من الفقر؟

الجواب
سورة الواقعة لم يرد فى فضل قراءتها حديث خاص صحيح، وقد ذكر ابن عبد البر والثعلبي أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده فى مرضه الذى مات فيه. وعرف أنه يشكو ذنوبه ويتمنى رحمة الله ولم يوافق على استدعاء طبيب له ولا تقرير عطاء له ولا لبناته من بعده، فقد أمرهن أن يقرأن سورة الواقعة كل ليلة لأنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
"من قرأها كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا" ذكر ذلك القرطبى فى تفسيره ولم يحكم عليه.
وذكره ابن كثير فى تفسيره من رواية ابن عساكر في تاريخ دمشق ورواه أبو يعلى. وخرجه ابن حجر فى تفسير الكشاف بما لم يرفعه إلى درجة الصحة
(8/36)
________________________________________
السامرى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هو السامرى الذى أضل قوم موسى؟

الجواب
جاء الكلام عن السامرى فى قصة سيدنا موسى عليه السلام فى القرآن الكريم فى ثلاثة مواضع فى سورة طه، تفيد أنه أضل بنى إسرائيل بعد أن وصلوا إلى سيناء وذهب موسى لميقات ربه ليناجيه، حيث صنع لهم عجلا جسدا له خوار، فقال "هذا إلهكم وإله موسى" ولما سأله عما فعله قال {بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لى نفسى} طه: 96 فرد عليه موسى كما حكاه القرآن الكريم فى الآيات التالية {قال فاذهب فإن لك فى الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا} طه: 97.
هذا هو القدر الذى جاءنا من المصدر الموثوق به فيما يتصل بشخصية السامرى وهو كاف فى أخذ العبرة والموعظة منه، دون حاجة إلى تفاصيل بقية القصة، فإن كثيرا من التفاصيل الموجودة فى الكتب ليس لها سند صحيح يعتمد عليه.
فمثلا جاء فى هذه الكتب أن السامرى من إحدى قبائل بنى إسرائيل يقال لها: سامرة لكنه نافق بعدما قطع البحر مع موسى. وقيل كان من قوم يعبدون البقر فى الهند، فوقع بأرض مصر، ودخل دين بنى إسرائيل بظاهره، وفى قلبه عبادة البقر، وقيل: كان من أهل كرمان، وقيل غير ذلك.
وقد صنع العجل من الذهب الذى حمله بنو إسرائيل معهم حين خروجهم من مصر وجعل فيه خروقا إذا مر خلالها الهواء حدث صوت يشبه خوار البقر، وقيل إنه أخذ أثرا من حافر فرس جبريل الذى كان يخضر ما يمسه من الأرض، فرماه فى التمثال الجامد فصار حيوانا، وقيل غير ذلك كثير مما نكل علم حقيقته لله سبحانه
(8/37)
________________________________________
تفسير: والليل وما وسق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرجو تفسير قوله تعالى {فلا اقسم بالشفق. والليل وما وسق. والقمر إذا اتسق. لتركبن طبقا عن طبق} الانشقاق: 16-19

الجواب
فى هذه الآيات مقسم به وهو الشفق والليل والقمر، ومقسم عليه وهو تغير الأحوال للإنسان فى دنياه وفى أخراه، وبيان ذلك أن الشفق هو الحمرة التى تكون فى الجو عند مغيب الشمس على المختار من الأقوال فى المراد به، ومعنى وسق جمع وضم وحمل، فإذا جاء الليل جمع الظلام تحت سلطانه كل كائن غابت عنه الشمس، وأوى إلى حيث يبيت ويستريح ومعنى اتسق كمل واستوى، وذلك حين يكون القمر بدرا.
إن هذه الأمور تبدو فيها ظاهرة التغير والتحول، فبعد ضوء النهار وما يبعث فيه من حركة ونشاط تحت سلطان الشمس بقوتها، تغيب تلك الشمس وتتوارى، ويجىء الليل بظلامه فيحد من الحركة ويقلل من النشاط، وتصير الكائنات فى حالة أشبه بالموت بعد الحياة.
والقمر كان فى المحاق ثم صار هلالا ازداد نوره حتى تمَّ بدرا، ثم يعود فى دورته إلى المحاق والظلمة مرة أخرى. وكما هو معهود من التناسب بين المقسم به والمقسم عليه نرى ظاهرة التغير والتحول واضحة فى قوله: {لتركبن طبقا عن طبق} .
فى بعض القراءات "لتركبَن "بفتح الباء خطاب للمفرد، والمخاطب بذلك قيل: هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى لتكونن لك حال بعد حال فى دعوتك ومكانتك فإن كذبتك قريش اليوم فسيصدقونك غدا، ولئن علا سلطانهم يوما فسيعلو سلطانك عليهم أياما {فاصبر إن وعد الله حق} واستمر فى دعوتك حتى يأتيك اليقين، وقيل: إن المخاطب بذلك أى إنسان، والمراد بيان أنه ستتقلب به الأحوال من قوة إلى ضعف ومن غنى إلى فقر ومن صحة إلى مرض، وبالعكس، وتنتهى الحياة بالموت، فشأن الحياة هو التغير والتحول حسًّا ومعنى، وصاحب السلطان فى كل ذلك هو رب العزة الذى يجب أن يؤمن به كل مخلوق.
وفى القراءات الأخرى "لتركبُن " بضم الباء خطاب للجميع، والمعنى لتتغيرن أحوالكم فى مستقبل حياتكم كما تغيرت من قبل، حين خلقكم الله فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق، وطورا بعد طور، وستنتهون من حياتكم بما فيها من تفاوت وتقلب إلى الموت، ومن قدر على ذلك فهو قادر على أن يبعثكم من القبور ويحشركم إليه ويحاسبكم على ما قدمتم، فمنكم من يعطى كتابه بيمينه، ومن يعطى كتابه بشماله، بعد أن ظن أنه لن يحور، أى يعود إلى الحياة مرة أخرى، ثم بعد ذلك يسوقكم إلى الجنة أو النار زمرا، لكل فيها طبقة ومنزلة تتناسب مع عمله، فما لهؤلاء القوم لا يؤمنون بعد هذه الأدلة القوية وما لهم لا يسجدون للقرآن الذى يدل بإعجازه على صدق محمد الأمى فى أنه منزَّل من عند الله، وفى أنه صادق فى دعوته ورسالته؟ {بل الذين كفروا يكذبون. والله أعلم بما يوعون}
(8/38)
________________________________________
تفسير: يخرج الحى من الميت

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى: {يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى} الأنعام:95؟

الجواب
تكرر هذا القول فى القرآن أكثر من مرة، واختلف المفسرون فى معناه، فقال بعضهم: المراد ولادة المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، على تشبيه الإيمان بالحياة وتشبيه الكفر بالموت، ذلك أن المؤمن يفعل الخير ليسعد به ويُسعد مجتمعه، كالجسد إذا كان فيه الروح التى تبعثه على الحركة والنشاط، والكافر لا يفعل خيرا يسعد به نفسه ويسعد مجتمعه، كالجسد الذى سلبت منه الروح، فلا تبقى معه حركة ولا نشاط، وما يفعله الكافر إن سعد به فى دنياه فلا يسعد به فى أخراه، وهي الدار الباقية، كما قال سبحانه {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: 23.
ويشهد لهذا المعنى ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على نسائه فوجد معهن إحدى خالاته، وهى خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث، وكانت مؤمنة وكان أبوها كافرا فقال "سبحان الله الذى يخرج الحى من الميت ".
وقال بعض المفسرين إن المراد بالحياة والموت حقيقتهما، فالله ينى الإنسان وهو حى من النطفة وهى ميتة، ويخرج النطفة وهى ميتة من الإنسان وهو حى، كما أنه يخرج الدجاجة وهى حية من البيضة وهى ميتة، ويخرج البيضة وهى ميتة من الدجاجة وهى حية.
وإذا قيل: إن النطفة فيها حياة مستكنة أى فى أطوارها الأولى بسبب تلقيح البويضة بالحيوان المنوى، كما يقال ذلك فى بيضة الدجاجة الملقحة - فإن هذه الحياة كالموت بالنسبة للحياة بعد نفخ الروح فى الجنين، حيث تكون الحركة والنشاط.
وعلى كل حال فالآية تدل على أمرين هامين، أحدهما أن العالم ليس مخلوقا بطبيعته، بل له خالق هو الله سبحانه، لأن مطبوع الطبيعة لا يختلف، كالآلة الصماء التى تخرج أفرادا متفقة لا تغاير فيها، والله سبحانه يغير ويبدل بقدرته، كما قال {قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير. تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب} آل عمران: 26، 27.
والأمر الثانى الذى تدل عليه الآية أن الذى خلق العالم إله واحد لا شريك له، لأنه هو القادر على ذلك، أما ما يعبده الكافرون فلا يستطيع أن يخلق كخلق الله، قال تعالى {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكَّرون} النحل: 17 وقال {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} الحج: 73
(8/39)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:30 pm


القرآن وعالمية الإسلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا أنزل الله القرآن باللغة العربية، وكيف يكون الدين للعالم أجمع واللغات متعددة؟

الجواب
أنزل الله القرآن باللغة العربية، لأنها وسيلة التفاهم مع من أرسل إليه الرسول أولاً، وبدأت الدعوة فى محيطهم قبل أن تبلغ لغيرهم، قال تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} إبراهيم: 4.
والإسلام دين عالمى يجب تبليغه لكل الناس، وذلك باللسان الذى يعرفه من بُلِّغ إليهم، فالقرآن نزل باللغة العربية لأمرين أساسيين:
أولهما الإعجاز؛ لإثبات صدق الرسالة، وذلك للقوم الذين نزل القرآن فى بيئتهم التى نشأ فيها الرسول وبدأ الدعوة، ولغيرهم من الناس بما يحويه من معلومات وتشريعات هى أصدق المعلومات وأحكم التشريعات، والأمر الثانى الهداية، والهداية لكل الناس يحملها من تلقوه باللغة العربية، ثم يترجمون هذه الهداية إلى غيرهم.
وهذا ما حدث فى القرون الأولى، عرضت الدعوة على الناس كافة فآمن الكثيرون، ثم تفقهوا فى الدين بلغاتهم، ثم أتقن كثيرون منهم اللغة العربية، ففهموا ما تعلموا وترجموا ما يريدون أن يعلِّموه الناس، وهذه الترجمة تعتبر تفسيرا بوجه من الوجوه لهداية القرآن ولا يحكم بها على كل ما فى القرآن من معان.
والمهم أن نعرف أن نزول القرآن الكريم باللغة العربية لا يتنافى مع عالمية الدعوة الإسلامية، وقد أشبعت الكلام فى هذا الموضوع فى كتابى "الدعوة الإسلامية دعوة عالمية" ومختصره "الدين العالمى ومنهج الدعوة إليه " وبينت أن أصل الدعوة وسجله الأساسى لابد أن يكون بلغة واحدة يرجع إليها عند الاختلاف فى الترجمات التى نعرف ما بينها من تفاوت لأسباب عدة، قد يؤدى إلى التضارب الذى يصرف الناس عن الدين بدل أن يجذبهم إليه، وهذا أمر له أهميته قديما وحديثا حرصت عليه الدول فى العهود والمواثيق والاتفاقيات وغيرها من الأمور الهامة
(8/40)
________________________________________
النسىء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى النسىء الذى قال الله عنه أنه زيادة فى الكفر؟

الجواب
يقول الله تعالى {إنما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى القوم الكافرين} التوبة: 37.
النسىء على وزن فَعِيل بمعنى مفعول، مأخوذ من نسأت الشىء إذا أخرته، فهو منسوء ونسىء كمقتول وقتيل، أو مأخوذ من نسأ إذا زاد، وكان العرب فى الجاهلية وهم أصحاب حروب يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية بدون إغارة وهى أشهر الحج: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، فكانوا يُحلُّون المحرم ويؤخرون تحريم القتال إلى صفر، ويجعلونه بدله من الأشهر الحرم وهكذا كانوا يفعلون كل عام بتأخير شهر عن موعده، وكان يقوم بذلك واحد منهم لا يرد له قضاء اسمه "القَلَمَّس ".
ولما جاء الإسلام رجع شهر المحرم. إلى موضعه الذى وضعه الله، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم " وصادف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعه الحقيقى من الشهور التى غيروها، فكان تحريم الشهور وتحليلها بحسب حاجتهم، وذلك كله ضلال،ومظهر من مظاهر كفرهم، يضم إلى ما سبق أن ارتكبوه من مخالفات لدين الله.
ولو كان للناس الحرية فى تنظيم أمورهم وتوقيتها فإنها حرية مقيدة بما حدده الله سبحانه، فللصلوات وللصيام وللحج وغير ذلك أوقات محددة اختارها بعلمه وحكمته، لتدور مع الظروف، ولينسجم المسلمون مع سنن الله الكونية، وليظهر إيمانهم المطلق بشريعة الله مهما كان فيها من امتحانات
(8/41)
________________________________________
وضع المصحف فوق التليفزيون

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى وضع المصحف فوق التليفزيون؟

الجواب
لا حرمة فى وضع المصحف فوق التليفزيون ما دام محفوظا من الإهانة، وإن كان من الذوق عدم وضعه عليه أثناء إذاعة برنامج يتنافى مع الأدب وحرمة المصحف، فإن لم تكن هناك إذاعة، أو كان الذى يذاع لا حرمة فيه فلا مانع من وضع المصحف عليه
(8/42)
________________________________________
وبشر الصابرين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما المراد بالصابرين فى قوله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"؟

الجواب
الصبر فى اللغة إمساك فى ضيق، أى امتناع عن شىء مع معاناة، والصبر المحمود شرعا هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه، وهو لفظ عام يُفسر معناه بحسب اختلاف مواقعه من الآيات والسور، وقد ورد بمشتقاته فى القرآن أكثر من مائة مرة، وتدور معانيه حول ثلاثة أمور:
أولها: الصبر على المصيبة، وهو المشار إليه فى قوله تعالى: {وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} البقرة: 155، 156.
وثانيها: الصبر على الطاعة، بمعنى تحمل ما يكون فيها من تعب يقصد به تهذيب النفس وترويضها على تخطى العقبات، كالصبر على الجوع والعطش فى الصيام، وقد جاء فيه "الصوم نصف الصبر" كما رواه ابن ماجه، وجاء أيضا عن شهر رمضان "وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة" رواه ابن خزيمة فى صحيحه، ومنه الصبر على مشاق الحج وعلى أداء الصلوات فى أوقاتها، وعلى الجهاد فى سبيل الله، وعلى قضاء مصالح المسلمين وعلى طلب العلم وكسب العيش، يقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} آل عمران: 200.
وثالثها: الصبر عن المعصية أى عن المحرمات، ذلك أن النفس لها مطالب ونزعات، وقد حرَّم الله بعضها لأن فى التحريم خيرا لها ولغيرها، كالتعدى على الحرمات وتناول المسكرات والاختلاس وغيرها، فالذى يمنع نفسه عنها يسمى صابرا عن المعصية، وفى هذا الصبر معاناة شديدة، لأنها معركة مع أعدى الأعداء وأخطر الخصماء، وهى النفس التى بين الجنبين، مع الشيطان الذى قرر الله أنه عدو مبين.
والامتناع عن هوى النفس وإغواء الشيطان فى ظاهرة عمل سلبى لكنه فى الحقيقة عمل إيجابى كبير، وهو ليس استسلاما للواقع ولو كان مرًّا، إنما هو نقطة انطلاق إلى الأمام من أجل العمل الطيب. وعلى الصبر بأنواعه الثلاثة يمكن حمل النصوص من القرآن والسنة عليها، وهى كثيرة {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} الفرقان:75
(8/43)
________________________________________
تحية الإسلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نري كثيرا من الناس يحيى بعضهم بعضا بعبارات غريبة بعضها عربى وبعضها غير عربى، فهل يثابون على هذه التحية كما يثاب من تكون تحيته: السلام عليكم؟

الجواب
التحايا بين الناس أمر مألوف منذ القدم ولكل جماعة طريقتها الخاصة فى ذلك، وقد يكون بعضها موضع نقد ونفور عند جماعة أخرى، لكن لها دلالتها الطيبة فى عرفهم.
ولما كان الإسلام دين الحب والسلام كان من السنة إفشاء السلام ودعم أركانه فى كل المجالات، ومن مظاهر ذلك "التحية" وهى أدنى ما يعمل فى هذا السبيل، لعدم الكلفة البدنية أو المالية، ولأثرها الطيب فى النفوس، ولهذا رغب الإسلام فيها، ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم فى إجابة السائل عن أى خصال الإسلام خير "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " أى من المسلمين كما قال شراح الحديث توفيقا بين الأحاديث.
وكان السلام مفتاح الصلة بين الملائكة والمخلوق الجديد وهو آدم فعندما نفخ الله فيه الروح قال له: اذهب فسلِّم على أولئك، نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله رواه البخارى ومسلم.
وفى بيان أثره يقول الحديث الذى رواه مسلم "ألا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم".
والتحية بالسلام بديل عن تحية الجاهلية: عِم صباحا، عم مساء، وهى تشبه ما تعارف الناس عليه اليوم من مثل: صباح الخير، ومساء الخير، بون جور، جود مورنينج، بون سوار، جود نايت.
وإلقاء السلام سنة لها ثوابها، والرد واجب يعاقب من تركه ويجزئ عن الجماعة واحد، أما العبارات الأخرى فليس لها هذا الثواب، وإن كان لها ثواب الدعاء بالخير، ولا يجب الرد عليها، فلو رد بمثل هذه العبارات كان مجرد دعاء، وهو حر يقوله أو لا يقوله.
ويرى النووى: أن الأفضل عدم الرد بهذه العبارات زجرًا لمن بدأ بها فى تخلفه وإهماله تحية الإسلام، وتأديبا له ولغيره فى الاعتناء بالابتداء بالسلام " الأذكار ص 261 "
(8/44)
________________________________________
تحية العاصى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل لا يصلى وهو يزاملنى فى العمل، هل ألقى عليه السلام؟

الجواب
إذا كان الإسلام قد دعا إلى إفشاء السلام لتقوية أواصر المحبة بين المسلمين وجعل إلقاءه سنة والرد عليه واجبا، لما فيه من احترام وإكرام للطرفين -فإن هذا التكريم والاحترام لا يكون إلا لمن هو أهل له من عباد الله الصالحين الملتزمين الواقفين عند حدود الدين.
ولذلك قال العلماء: إن المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما كترك الصلاة وعدم شكر الله على نعمته وإضمار الحقد للناس - ينبغى ألا يلقى عليه السلام كما قاله الإمام البخارى وغيره من العلماء، محتجين بحديث رواه البخارى فى قصة كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك هو وصاحباه من غير عذر، حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كلامهم.
يقول كعب: وكنت آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه فأقول: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ قال البخارى: وقال عبد الله بن عمرو: لا تسلِّموا على شاربى الخمر، ذلك أن مقاطعتهم من أساليب تغيير المنكر.
ومن هذا يعلم أن الفسقة لا يستحقون أن يلقى عليهم السلام، فإن بدءوا هم بالتحية وجب الرد عليهم، مع إظهار الامتعاض منهم وعدم البشاشة فى وجوههم أو الترحيب بهم.
وذلك كله إذا لم يخف الإنسان مفسدة تلحقه فى بدنه أو ماله، أو تضره فى دينه ودنياه، عند عدم إلقاء السلام عليه، كرئيس فى عمل يتحكم فيمن تحت رئاسته ويخشى بأسه، أو كفاجر ظالم يعتمد على قوته أو منصبه ولا تمكن مقاومته، فإن السلام عليه يكون اضطرارا.
يقول الإمام أبو بكر بن العربى: قال العلماء: يسلم وينوى أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، بمعنى: الله عليكم رقيب. "الأذكار للنووى ص 254 "
(8/45)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:35 pm


التحنيط

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى تحنيط الموتى؟

الجواب
التحنيط فى أصل اللغة العربية هو استعمال الحَنُوط -بفتح الحاء- وأكثر ما كان يوضع فى أكفان الموتى، والحنوط والحناط بكسر الحاء - ما يخلط من الطيب لهذا الغرض.
والتحنيط المعروف الآن بطريق المواد الكيماوية لمنع التعفن أو تأخيره إذا كان بهذا القدر ولهذا الغرض فلا مانع منه، وكان معروفا عند العرب حتى بعد الإسلام، ولم ينكر عليه أحد، وروى أحمد فى مسنده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا" وفى رواية البيهقى والحاكم وابن حبان وصححاه "إذا أجمرتم الميت فأوتروا" وقال أبو وائل: كان عند على رضى الله عنه مسك، فأوصى أن يحنط به، وقال هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الغرض منه منع رائحة التعفن للجثة حتى يصلَّى عليها وتدفن.
أما التحنيط القائم على انتزاع أجزاء من الجثة كما كان متبعا عند الفراعنة فإنه لا يجوز لأن فيه تمثيلا بجثة الميت دون ضرورة تقضى به، فقد روى مالك وابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح - ما عدا رجلا واحدا وثقه الأكثرون وروى له مسلم، وإن كان أحمد بن حنبل قد ضعفه -روى هؤلاء عن جابر رضى الله عنه. قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جنازة، فجلس عليه الصلاة والسلام على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفَّار عظما فذهب ليكسره فقال النبى صلى الله عليه وسلم "لا تكسر، فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيًّا، ولكن دُسَّه فى جانب القبر". فهذا الحديث يدل على حرمة إيذاء الميت، ولا شك أن عملية التحنيط على هذا الوجه فيها إيذاء كبير، وبصرف النظر عن كون هذا الإيذاء حسيًّا أو معنويًّا فإن الواجب احترام جثة الآدمى، حيث لا توجد ضرورة لاتخاذ مثل هذا الإجراء.
وإذا كان التحنيط بهذه الصورة فى انتهاك حرمة الميت وإيذائه فإن إحراق جثته لنقل الرماد ودفنه فى مكان بعيد لتقليل تكاليف النقل -كما يفعل بعض المغتربين- يكون أولى بالمنع
(8/46)
________________________________________
الشواطئ

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى ذهاب الناس إلى الشواطئ وظهورهم بما لا يتفق مع الدين؟

الجواب
التمتع بالحلال الطيب من نعم الله جائز، ومنه مشاهد الطبيعة والنسيم العليل والحدائق والزهور قال تعالى {قل من حرَّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق} الأعراف:32 وقال {أو لم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء} الأعراف:135 وكل ذلك فى نطاق قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المائدة: 87 وقوله {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف: 31 فالتمتع بالطيبات يكون فى اعتدال وبقدر، ولا يتعدى حدود المشروع.
وشواطئ البحار يقصدها الكثيرون فى الصيف لطيب الهواء والاستحمام بالماء وهدوء الأعصاب ولغير ذلك من الأغراض التى لها علاقة بالحكم لأن الأعمال بالنيات.
ولو التزم الإنسان، وخاصة النساء، بالحشمة المطلوبة والأدب فى السلوك عامة ما كان هناك مانع من ارتيادها.
والحفاظ على الآداب من هذه الناحية تقع مهمته الأولى على أولياء الأمور، من الأزواج والآباء، إلى جانب الجهات المسئولة عن الأمن والآداب، فلابد من تعاون الجميع شعبا وحكومة على ذلك.
مع العلم بأن "التصييف" ليس أمرا ضروريا حتميا حتى يسمح فيه ببعض التجاوزات، على قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، وإنما هو أمر ترفيهى كمالى، لابد فيه من مراعاة كل الاحتياطات حتى لا تكون نتيجته إفساد الأخلاق والإسراف والتبذير وبالتالى غضب الله سبحانه قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} الشورى: 30
(8/47)
________________________________________
الشرب قائما

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يشرب الإنسان وهو واقف؟

الجواب
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسى فليستقئ " وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يشرب وهو قاعد. لكن جاء فى الصحيحين أنه جىء له بدلو من ماء زمزم فشرب وهو قائم.
إن الجمع بين الحديثين ممكن، وليس أحدهما بناسخ للآخر، فالشرب قاعدا مستحب ومندوب إليه وليس واجبا، ولذلك شرب النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحيان قائما ليبين أنه جائز، وإن كان الأفضل الشرب قاعدا، وثبت أن بعض الصحابة وبخاصة الخلفاء الراشدون شربوا وهم قيام.
والحكمة من كراهة الشرب قائما لم ينص عليها النبى صلى الله عليه وسلم وقد كانت فيها اجتهادات ذكر ابن القيم كثيرا منها فى كتابه "زاد المعاد" وذلك من واقع المعلومات الطبية التى كانت موجودة فى عصره والأمر يحتاج إلى توضيح جديد من ذوى الخبرة والاختصاص.
والإرشاد النبوى فى هذه المسألة إرشاد فى أمر قيل إنه من الأمور الدنيوية المحضة التى جاء فيها الحديث الصحيح "أنتم أعلم بأمور دنياكم " رواه مسلم، ولكن مع ذلك لا يخلو من مسحة دينية هى اتباع النبى صلى الله عليه وسلم فيما أرشد إليه، ولعل فيه حكمة يكشف عنها العلم فيما بعد، فما دام لا يوجد فيه ضرر ينبغى أن نحترمه ونتأسى به فيه، وليس ذلك على سبيل الإلزام، بل على سبيل الندب والاستحباب، والخروج عنه يكون لحاجة وبأقل قدر ممكن، حتى يقوى فينا احترام ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم ولو فيما ليس فيه قربة لله تعالى، فالاقتداء نفسه وتنفيذ أمره قربة
(8/48)
________________________________________
أولو الأمر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء: 59 فمن هم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم؟

الجواب
كما تجب طاعة الله ورسوله فيما جاء فى القرآن والسنة تجب طاعة أولى الأمر فيما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة، وللمفسرين أقوال فى المراد بهم، فقيل: هم الحكام والولاة والأمراء، وقيل: هم العلماء وأهل القرآن، وقيل هم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عامة وقيل: هم أبو بكر وعمر، وقيل: هم أولو الرأى والعقل الذين يدبرون أمور الناس. وهذه الأقوال فى قوتها على هذا الترتيب، فأقواها أنهم الحكام والولاة والأمراء، لأن نظام الجماعة منوط بهم، وتجب طاعتهم فيما فيه مصلحة وليس معصية لله. وإذا كان من قواعد الحكم فى الإسلام الشورى فيما لم يرد فيه نص فإن الحاكم أو الوالى أو الأمير إذا عرض له أمر يستشير أهل العلم أو الرأى والخبرة، فإذا اختلفوا يعرض الأمر على القرآن وعلى الرسول فى حياته، وعلى سنته، بعد مماته، فهما الحكم عند التنازع.
ومما يقوى هذا الرأى ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن هذه الآية نزلت فى عبد الله بن حذافة السهمى حين بعثه الرسول فى سرية رئيسا وقائدا على جماعة فى الغزو، وكانت له دعابات معروفة، ومن دعابته أنه أمر من معه أن يوقدوا نارا ثم أمرهم بالتقحُّم فيها، قائلا: ألم يأمركم الرسول بطاعتى؟ فأبوا وقالوا: ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار، فصوَّب الرسول فعلهم وقال: لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، قال تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء: 29.
فأولو الأمر من يَلُون أمور الناس فى أى منصب ما دامت لهم سلطة الأمر والنهى، وكان منهم أيام الرسول صلى الله عليه وسلم عماله على القبائل والبلاد وأمراء الجيش وولاته على القضاء وجباية الأموال.
وطاعتهم واجبة فى الدين فى غير ما يتصادم مع القرآن والسنة وأصول الدين، وفى الدنيا فيما فيه مصلحة، والتنازع فى الرأى وهو مظهر الشورى يكون فى غير المنصوص عليه والمفروغ من حكمه.
والاحتكام عند النقاش يكون للأصل الثابت عن الله ورسوله، لا إلى مواضعات أو أعراف أو قوانين تضاد الشريعة، ذلك خير وأحسن تأويلا
(8/49)
________________________________________
النذر والدين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مات رجل وعليه نذر مال ودين فأيهما يفضل سداده أولا من تركته؟

الجواب
الحقوق الواجب على الإنسان أن يؤديها لغيره نوعان، حقوق لله وحقوق للعباد وقد تكون الحقوق متداخلة، فيها نصيب لله ونصيب للعباد، وقد تكون خالصة لطرف دون طرف ولو على نحو من الأنحاء، غير أن أساس هذا التقسيم هو الغالب فيما يبدو للناس.
ومهما يكن من شىء فإن الحق الخالص لله كالصلاة مثلا يكون التقصير فيه تقصيرا ليس للعباد دخل فيه. ويعتبر دينا يجب قضاؤه إن كان له مثل أو عوض، أو يطلب المغفرة من الله، والله سبحانه واسع الرحمة عظيم المغفرة {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} الزمر:
53 {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48.
أما الحقوق الخالصة للعباد أو يكون ظاهرها أنها خالصة وإن كان فيها حق لله لأنه هو الذى شرعها، فإن الله سبحانه لا يتجاوز عن التقصير فيها، بل لابد من أدائها للطرف الآخر أو طلب العفو عنها منه، وذلك كالمال المسروق والأمانة التى خانها وكالسب والضرب، فلابد من إبراء الذمة بدفع الحقوق أو العفو عنها، ومع ذلك لا بد من التوبة إلى الله والاستغفار، لأنه خالف أمره بالتقصير، والتوبة إلى الله بدون أداء الحقوق إلى أصحابها أو مسامحتهم غير مقبولة، وقد بيَّن الحديث الذى رواه مسلم أن المفلس يوم القيامة من يأتى بالصلاة وغيرها من العبادات لكنه ضرب هذا وشتم هذا وسفك دم هذا، فيعطى كل مظلوم من حسنات الظالم فإذا لم توفِّ طرح عليه من سيئاتهم ثم ألقى فى النار، وهذا يدل على أن حقوق العباد فى الحرمة مقدمة على حقوق الله واسع الفضل والرحمة.
وبناء على ما تقدم لو تعلق بذمة الإنسان حقَّان ماديان، أحدهما لله والثانى للعباد ولا يملك إلا ما يوفى واحدا منهما قدِّم حق العباد على حق الله، فمن كان عليه دين لإنسان، وقبل أن يؤديه نذر بناء مسجد أو التصدق على الفقراء، والمال الذى عنده لا يكفى لقضاء الدين والوفاء بالنذر فالواجب أن يؤدى الدين أولا، وأما النذر فيكون الوفاء به عند القدرة التى لا توجد إلا بعد قضاء الدين والالتزامات الأخرى، والقدرة وقتها متسع وعند نية الوفاء يرجى عفو الله عند التعذر، فهو سبحانه واسع الرحمة والمغفرة
(8/50)
________________________________________
المجاهرة بالمعصية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فيمن يجاهرون بشرب المسكرات أو بالفطر فى رمضان من غير عذر؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كل أمتى معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا بالليل فيستره ربه، ثم يصبح فيكشف ستر الله عنه " وروى الحاكم وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رُفع الأخر" ولما رجم النبى صلى الله عليه وسلم ماعزًا الأسلمى قال "اجتنبوا هذه القاذورات التى نهى الله عنها، فمن ألم بشىء منها فليستتر بستر الله، فإن من أبدى لما صفحته نقم عليه كتاب الله " صححه الحاكم وابن السكن، وقال الذهبى فى المهذب: إسناده جيد وقال إمام الحرمين: صحيح متفق عليه، قال ابن الصلاح: عجيب أوقعه فيه عدم إلمامه بصناعة الحديث "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 261 " وروى أبو داود والنسائى أن هزالا لما ذهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم يخبره عن زنا ماعز، فحضر ماعز وأقر ورجم، قال النبى لهزال "لو سترته بثوبك كان خيرا لك" وروى مسلم وغيره أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إنى عالجت امرأة من أقصى المدينة وأصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فأقم على ما شئت، فقال عمر: لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك، فلم يرد النبى صلى الله عليه وسلم شيئا "نيل الأوطار ج 7 ص 106 ".
يؤخذ من هذا أن ستر الإنسان على نفسه وستر الغير عليه مطلوب،ولو استغفر العاصى ربه وتاب إليه عافاه الله، والمجاهرون بالمعصية قوم غاض ماء الحياء من نفوسهم، وتبلَّد حسهم، وماتت ضمائرهم، فقَلما يفكرون فى العوده إلى الصواب وبهذا يموتون على عصيانهم وفسوقهم.
فالمطلوب ممن يرتكبون المعصية أيَّا ما كانت أن يستتروا بها ولا يفشوها، وأن يندموا ويتوبوا، وألا يفشوها للناس فقد يقام عليهم الحد أو التعزير، ثم يندمون ولات ساعة مندم، وفى الإفشاء إغراء للبسطاء بالعصيان، ووضع لأنفسهم موضع التهمة والاحتقار، ورحم الله امرأ ذبَّ الغيبة عن نفسه، والله يقول: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة} النور: 19
(8/51)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:38 pm


تقبيل النقود

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يلاحظ أن بعض الناس إذا أعطوا نقودا أو التقطوها من الأرض يقبلونها فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
يقول الله سبحانه: {وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم. ولئن كفرتم إن عذابى لشديد} إبراهيم: 7 ويقول {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} إبراهيم: 34.
يؤخذ من ذلك أن نعم الله من الكثرة بحيث لا يمكن عدها، والواجب علينا أن نشكرها وذلك بشكر المُنعم بها وهو الله سبحانه، فالشكر يزيدها أو على الأقل يحفظها ويبارك فيها، والكفر يعرضها للزوال والحرمان من التمتع بها.
والشكر يكون بالإيمان بالله المنعم وبطاعته فيما أمر به ونهى عنه وتوجيه النعمة إلى ما خلقت له، بمعنى أن تستعمل فى الخير لا فى الشر، ولا يكتفى بترديد عبارة "الحمد لله" عند حصول النعمة وما قد يحصل من تقبيل اليد ظهرا وبطنا.
ومما لا شك فيه أن النقود نعمة من نعم الله الكبرى التى يستطيع بها استيفاء مطالبه والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، فلا بد للشكر عليها من صيانتها أولا من الضياع كما صح فى حديث مسلم "ويكره لكم قيل وقال -الحديث فيما لا يعنى- وكثرة السؤال -عما لا يحتاج إليه على وجه التعنت - وإضاعة المال" ولابد من تزكيتها بإخراج الحق الواجب فيها {وفى أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات: 19 كما لا بد من الحكمة فى إنفاقها، ليكون فى وجوهه المشروعة دون إسراف ولنتذكر قول سليمان عليه السلام {هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم} النمل: 40.
هذا ولم يرد نهى عن تقبيل النقود أو أية نعمة أخرى فهو إحساس بقيمتها، ولعل ذلك يكون دفعا للشكر عليها بما تقدم توضيحه
(8/52)
________________________________________
الأرانب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعض الناس يشككوننا فى أكل لحم الأرانب، فما هو الرأى الصحيح فى ذلك؟

الجواب
قال كمال الدين محمد بن موسى الدميرى"742 - 808 هـ " فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى" يحل أكل الأرانب عند العلماء كافة، إلا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبى ليلى رضى الله عنهم أنهما كرها أكلها. وحجتنا ما روى الجماعة عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: أنفجنا أى أثرنا، أرنبا بِمرِّ الظهران فسعى القوم عليها فغلبوا فأدركتها فأخذتها وأتيت بها أبا طلحة، فذبحها وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها فقبله: وفى البخارى فى كتاب الهبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قبله وأكل منه. ولفظ أبى داود: كنت غلاما حزوَّرًا فصدت أرنبا فشويتها، فبعث معى أبو طلحة رضى الله عنه بعجزها إلى النبى صلى الله عليه وسلم والحزور - بتشديد الواو وتخفيفها - المراهق.
وقد سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هى حلال" وروى أحمد والنسائى وابن ماجه والحاكم وابن حبان عن محمد بن صفوان أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين -حجرين براقين- وأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما.
واحتج ابن أبى ليلى ومن وافقه بما روى الترمذى عن حبان بن جزء عن أخيه خزيمة بن جزء رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما تقول فى الأرنب؟ قال صلى الله عليه وسلم "لا آكله ولا أحرمه " قال: فقلت: ولم يا رسول الله؟ قال "إنى أحسب أنها تدمى" أى تحيض قال:
فقلت: يا رسول الله ما تقول فى الضبع؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومن يأكل الضبع"؟! قال الترمذى إسناده ليس بالقوى، ورواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، وذكر فيه الثعلب والضبع أيضا.
وفى بعض الروايات: وسألته عن الذئب فقال "لا يأكل الذئب أحد فيه خير" وليس فى شىء من الأحاديث وإن ضعفت ما يدل على تحريم الأرنب وغاية ما فى هذين الخبرين استقذارها مع جواز أكلها.
ثم ذكر الدميرى "الأرنب البحرى" وهو -كما قال القزوينى- حيوان رأسه كرأس الأرنب وبدنه كبدن السمك، وقال الرئيس ابن سينا: إنه حيوان صغير صدفى، وهو من ذوات السموم إذا شرب منه قتل. ثم قال الدميرى: يحرم أكله لسميته، ويستثنى من قولهم: ما أكل شبهه فى البر أكل شبهه فى البحر، لأنه ليس يشبهه فى الشكل، وإنما هو موافق له فى الاسم
(8/53)
________________________________________
حمام الأجران

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يسقط الحمام على الأجران التى يدرس فيها القمح لتأكل منه، فهل يجوز اصطيادها أو طردها حفاظا على المحصول؟

الجواب
معلوم أن الحمام من الطيور التى تسبح فى الفضاء ابتغاء رزق الله، حتى لو وفر لها أصحابها الغذاء فى البيوت أو فى أماكن خاصة، فقد خلق الطير ليطير لا ليحبس، ومن المتعارف عليه فى القرى أن الحمام الذى يربى فى البيوت أو الأبراج ينزل على الأجران التى تدرس فيها الحبوب من القمح والشعير وغيرهما، ولا يكاد بيت من البيوت يخلو من حمامة تنزل على جرن من الأجران، والكل يأكل من مال الكل، فمن أكل طير غيره من قمحه أكل طيره هو أيضا من قمح غيره، وذلك فى الغالب، ومن هنا تجب المحافظة على الحمام أن يمس بسوء، ويكتفى بطرده، ولا يجوز اصطياد شىء منه للتملك ولا للأكل، فالحمام نفسه لا يتحمل نتيجة عمله، لأنه غير مكلف، وإنما الذى يتحمل النتيجة هو صاحبه، ولكن من الذى يستطيع أن يميز الحمام ليعرف أصحابه حتى يرجع عليهم؟ إن الأمر جد عسير، والتسامح فيه من وسائل التواد والتراحم والتعاون على الخير، فلنحرص على هذه الروح السمحة، ولا نتورط فى شىء قد يكون من ورائه ما لا تحمد عقباه، وأنبه أصحاب القمح المأكول منه إلى أن كل حبة أكلها طير له ثوابها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة" رواه مسلم.
وطرد الحمام غير طرد العصافير التى سبق حكمها، فهى غير مملوكة وقد تضر المحصول ضررا واضحا، ومنفعة الإنسان مقدمة على منفعة الطير الذى سخره الله له
(8/54)
________________________________________
العودة للذنب بعد التوبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن يرتكب الذنوب ثم يتوب عن فعلها، ثم يكرر ذلك باستمرار؟

الجواب
من يرتكب ذنبا ثم يتوب يقبل الله توبته إذا كانت نصوحا، أى خالصة لوجه الله صادرة من القلب، يصحبها ندم على ما فات وعزم أكيد على عدم العود إلى المعصية، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفِّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار} التحريم: 8 وقال {وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} طه: 82.
أما التوبة باللسان مع عزم القلب على العود إلى المعصية فهى مرفوضة، بل تعتبر هى نفسها معصية، فإن صدقت التوبة النصوح ثم لعب الشيطان بالإنسان فأوقعه فى هذه المعصية أو فى غيرها، دون أن يكون هو ناويًا لها ومخططا وعازما عليها، ثم تاب قبل الله توبته، ودليله قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم "إن عبدا أصاب ذنبا فقال: يا رب أذنبت ذنبا فاغفره، فقال له ربه: علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا آخر -وربما قال ثم أذنب آخر- فقال: يا رب إنى أذنبت ذنبا آخر فاغفره لى، قال له ربه: علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له، ثم أصاب ذنبا آخر ... وفى هذه المرة قال له "فليعمل عبدى ما شاء" ومعناه: ما دام يتوب إلى الله توبة نصوحا بعد كل ذنب فإن الله يغفر له، وأحذر مرة ثانية من أن تكون التوبة باللسان فقط، غير صادرة من القلب النادم على ما حدث والمصمم على ألا يعود، فالله يعلم الشر وأخفى، والأعمال بالنيات.
وليس هذا الحديث إغراء بالمعصية ولكنه حث على المبادرة بالتوبة الصادقة، فالله سبحانه يعلم أننا غير معصومين من الخطأ ولذلك فتح لنا باب التوبة فى كل وقت حتى تطلع الشمس من مغربها وحتى تبلغ الروح الحلقوم كما صح فى الحديث، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم ويقول "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه الترمذى وقال: حديث حسن
(8/55)
________________________________________
النفقة من المال الحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى إنفاق شخص على أمه أو أخته من مال حرام، علما بأنهما ليس لهما مصدر للكسب يغنيهما عنه؟

الجواب
إذا كان مال الشخص كله من حرام فلا يجوز لأمه أو أخته أن تأخذ منه إن كان لهما كسب حلال يغنيهما، أما إن كان مخلوطا بحلال فيجوز الأخذ منه.
وإذا لم تجد الأم أو الأخت مصدرا حلالا جاز لهما الأخذ من هذا المال الحرام بقدر الضرورة، لأن المفروض أن من اكتسبه لابد أن يعيده إلى أصحابه إن عرفهم، وإلا أنفقه فى وجوه الخير، ومن هذه الوجوه أمه وأخته الفقيرتان اللتان لا تجدان مصدرا حلالا للكسب وذلك بقدر الضرورة فقط
(8/56)
________________________________________
أما بعد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نريد توضيحا لتعبير "أما بعد" من جهة المعنى والإعراب؟

الجواب
جاء فى حاشية الصاوى على شرح الدردير على منظومته "الخريدة" أن "أما بعد" يتعلق بها تسعة مباحث، على النحو الآتى:
1 - "أما" حرف يفيد التأكيد نائب عن "مهما يكن".
2 -موضعها - يؤتى بها للانتقال من أسلوب الى آخر، أى من غرض إلى آخر، فلا تقع بين كلامين متحدين، ولا أول الكلام ولا آخره.
3-معنى بعد ضد قيل، وتكون ظرف زمان كثيرا، وظرف مكان قليلا.
4 -إعرابها - لها أربع حالات، تعرب فى ثلاث وتبنى فى واحدة كما هو مشهور.
5 - العامل فيها - هو "أما" على أنها من متعلقات الشرط، أو الجزاء على أنها من متعلقاته فالتقدير على الأول: مهما يكن من شىء بعدما تقدم، وعلى الثانى مهما يكن من شىء فأقول بعدما تقدم، وجعلها من متعلقات الجزاء أولى.
6 - حكم الإتيان بها - الاستحباب، اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم لأنه كان يأتى بها فى خطبه ومكاتباته وفى البخارى ستة مواضع أتى بها فى كلامه "الزرقانى على المواهب ج 7 ص 386".
7-أول من تكلم بها، فيه خلاف نظمه بعضهم فى قوله:
جرى الخلف أما بعد كان بادئا * بها خمس أقوال وداود أقرب وكانت له فصل الخطاب وبعده * فَقُسٌّ فسحبان فكعب فيعرُب 8- الفاء بعدها رابطة للجواب.
9- أصلها مهما يكن من شىء
(8/57)
________________________________________
التعريض والتورية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قدم لى بعض الزملاء مشروبا لا أريده، واستحييت أن أرفضه، فقلت له: أنا صائم أو أنا ناو، وأريد بذلك نية عدم تناول شىء عنده، أو أنا صائم عن قبول أى شىء أى ممتنع عنه، فهل يكون هذا كذبا محرما؟

الجواب
تحدث العلماء عما يسمى بالتعريض والتورية، ومعناهما أن يطلق الإنسان لفظا يحتمل معنيين، يكون ظاهرا فى واحد منهما ويريد هو المعنى الآخر، وهو نوع من الكذب فيه تغرير وخداع، يقول النووى فى كتابه "الأذكار" ص 380 فى بيان حكمه:
قال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب. أو دعت إليه حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض. فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة فهو مكروه وليس بحرام، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراما، وهذا ضابط الباب. ثم ذكر للتنفير منه حديثا رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف. لكن سكت عنه أبو داود فلم يحكم بضعفه فيقتضى أن يكون حسنا عنده، وهذا الحديث عن سفيان بن أسيد-بفتح الهمزة - رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كبرت خيانة أن تحدِّث أخاك حديثا هو لك به مصدِّق وأنت به كاذب".
ثم ذكر مثالا للتعريض المباح قاله النخعى رحمه الله، وهو إذا بلغ الرجل عنك شىء قلته فقل: الله يعلم ما قلت من ذلك من شىء فيتوهم السامع النفى المأخوذ من قوله: ما قلت من ذلك من شىء ومقصودك أن الله يعلم ما قلته وقال النخعى أيضا: لا تقل لابنك: أشترى لك سكرا، بل قل. أرأيت لو اشتريت لك سكرا؟ وكان النخعى إذا طلبه رجل قال للجارية: قولى له: اطلبه فى المسجد، وكان الشعبى يخط دائرة ويقول للجارية: إذا طلبنى أحد فضعى إصبعك فى الدائرة وقولى: ليس هو هاهنا، ومثل هذا قول الناس فى العادة لمن دعاه إلى الطعام: أنا على نية، موهما أنه صائم، ومقصوده على نية ترك الأكل. يقول النووى:
لو حلف على شىء من هذا وورَّى فى يمينه لم يحنث، سواء حلف بالله تعالى أو حلف بالطلاق أو غيره، فلا يقع عليه طلاق ولا غيره، وهذا إذا لم يحلِّفه القاضى فى دعوى، فإن حلفه القاضى فى دعوى فالاعتبار بنية القاضى إذا حلفه بالله تعالى، فإن حلفه بالطلاق فالاعتبار بنية الحالف، لأنه لا يجوز للقاضى تحليفه بالطلاق، فهو كغيره من الناس.
والإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين "ج 3 ص 117 تحدث عن الكذب والأحوال التى يرخص فيها بالكذب الذى قد يكون واجبا إذا ترتب عليه نجاة مسلم من قتل عدو له، مقررا هذه القاعدة: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق وبالكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحا وواجب إن كان المقصود واجبا.
بعد ذلك حذر الغزالى من الكذب بالمعاريض، فنقل عن السلف قولهم:
إن فى المعارض مندوجة عن الكذب، ونقل عن عمر رضى الله عنه قوله: أما فى المعاريض ما يكفى الرجل عن الكذب؟ وروى ذلك عن ابن عباس وغيره، وأجازه فقط عند الضرورة، فإذا لم تكن حاجة أو ضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعا، ولكن التعريض أهون. .
وذكر الغزالى أمثلة على جواز التعريض منها ما نقله النووى فيما سبق، ثم ذكر من الأمثلة قول النبى لامرأة عجوز "لا يدخل الجنة عجوز" فبكت فبين لها لا تكون عند دخول الجنة عجوزا، وتلا قوله تعالى {إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارا. عربا أترابا} : الواقعة 35-37. وهذا الحديث مرسل ذكره الترمذى فى الشمائل وأسنده ابن الجوزى بسند ضعيف ومثله قول امرأة له: احملنى على بعير، فقال "بل نحملك على ابن البعير" فقالت: ما أصنع به؟ إنه لا يحملنى، فقال،ما من بعير إلا وهو ابن بعير" رواه أبو داود والترمذى وصححه عن أنس بلفظ "أنا حاملك على ولد الناقة".
والقرطبى فى تفسيره "ج 10 ص 190 " ذكر ما نقله النووى عن الغزالى، وذكر ابن عبد ربه فى كتابه "العقد الفريد"ج 1 ص 254 طبعة 1316 هـ أن الله كنى عن الجماع بالملامسة وعن الحدث بالغائط، وعن البرص بقوله لموسى {واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء} القصص: 32.
ومما يتصل بهذا الموضع ما روته كتب الأدب أن الحجاج بن يوسف الثقفى مَرَّ مع حاجبه فى وقت متأخر من الليل: وكان قد نهى عن الخروج فى هذا الوقت، فوجد ثلاثة فتيان سكارى، فأمر حاجبه أن يسألهم: من أنتم حتى خرجتم فى هذا الوقت؟ فقال أولهم:
أنا ابن من دانت الرقاب له * ما بين مخزومها وهاشمها تأتيه بالرغم وهى صاغرة * يأخذ من مالها ومن دمها فقال: لعله من أشراف بنى هاشم أو مخزوم، ثم سأل الثانى فقال:
أنا ابنٌ لمن لا تنزل الدهر قدره * وإن نزلت يوما فسوف تعود ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره * فمنهم قيام حولها وقعود فقال: لعله من أجواد العرب، ثم سأل الثالث فقال:
أنا ابن لمن خاض الصعاب بعزمة * وقوَّمها بالسيف حتى تولت ركاباه لا ينفك رجلاه فيهما * إذا الخيل فى يوم الكريهة ولت فقال: لعله ابن فارس من العرب، فتركهم، ثم سأل عنهم بعد ذلك فعرف أن الأول ابن حجام، والثانى ابن فوال بائع فول، والثالث ابن حائك أى نساج، فقال: لولا فصاحتهم لقتلتهم
(8/58)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:40 pm


من مظاهر الغرور

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرى بعضا ممن يتظاهرون بالتدين ينظرون إلى غيرهم نظرة احتقار، ويكثر أن يقولوا: الناس كلهم هالكون فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
أحسن رد على هذا السؤال هو قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم" يقول النووى: روى "أهلكهم" برفع الكاف وفتحها والمشهور الرفع، ويؤيده أنه جاء فى رواية رويناها فى "حلية الأولياء" فى ترجمة سفيان الثورى "فهو من أهلكهم" قال الإمام الحافظ أبو عبد الله الحميدى -فى الجمع بين الصحيحين-:
فى الرواية الأولى قال بعض الرواة: لا أدرى هو بالنصب أم بالرفع. قال الحميدى: والأشهر الرفع، أى أشدهم هلاكا، قال وذلك إذا قال ذلك على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم، لأنه لا يدرى سِرَّ الله تعالى فى خلقه.
هكذا كان بعض علمائنا يقول. هذا كلام الحميدى. وقال الخطابى:
معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول: فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم، أى أسوأ حالا فيما يلحقه من الإثم فى عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أن له فضلا عليهم وأنه خير منهم فيهلك، هذا كلام الخطابى فيما رويناه عنه فى كتابه "معالم السنن".
هذا ما جاء فى كتاب الأذكار للنووى، ثم ذكر رواية لهذا الحديث فى سنن أبى داود وشرح الإمام "مالك " أحد رجال السند للمقصود منه، وهو: إذا قال ذلك تحزنا لما يرى فى الناس من أمر دينهم فلا أرى به بأسا، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذى ينهى عنه.
وارتضى النووى هذا التفسير فقال: إنه تفسير فى نهاية من الصحة وهو أحسن ما قيل فى معناه وأوجز، ولا سيما إذا كان عن الإمام مالك رضى الله عنه
(8/59)
________________________________________
الكتب السماوية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما عدد الكتب السماوية التى نزلت على الأنبياء وما أسماؤها وكيف نزلت؟

الجواب
الكتب السماوية التى نزلت على الأنبياء كثيرة، والواجب علينا هو الإيمان بذلك إجمالا، أما تفصيلا فالواجب هو الإيمان بما ورد ذكره فى القرآن الكريم، وهى: صحف إبراهيم، والتوراة التى نزلت على موسى والزبور الذى نزل على داود، والإنجيل الذى نزل على عيسى، والقرآن الذى نزل على محمد عليهم جميعا صلاة الله وسلامه.
يقول الشيخ محمود أبو دقيقة فى مذكرات التوحيد: أما الصحف فقد ورد فى شأنها آثار كثيرة وأرجحها أنها مائة صحيفة، خمسون نزلت على شيث عليه السلام، وثلاثون نزلت على إدريس عليه السلام، وعشرة نزلت على إبراهيم عليه السلام،وعشرة على موسى عليه السلام.
والظاهر أن هذه الصحف كانت مشتملة على مواعظ وإرشادات إلى التحلى بمكارم الأخلاق والتخلى عن مساوئها، ولم يعرف عنها شىء يقينا، لعدم وجود ما يفيد يقينا بشأنها "ج 3 ص 54".
أما نزولها فالظاهر أن جبريل عليه السلام هو أمين الوحى الذى بلغه إلى الرسل كافة فهو الذى حمل التوراة والإنجيل وأنزلهما مرة واحدة على موسى وعيسى، وحمل القرآن وأنزله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم منجَّما أى مفرقا كما نص عليه القرآن الكريم، وكلام الله سبحانه للبشر حاء بعدة طرق ذكرها فى قوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء} الشورى: 51.
جاء في تفسير القرطبى "ج 7 ص 281" عند قوله تعالى {وكتبنا له فى الألواح من كل شىء} الأعراف: 145 قال ربيع بن أنس:
نزلت التوراة وهى سبعون وقر بعير، وأضاف الكتابة إلى نفسه "كتبنا" على جهة التشريف، إذ هى مكتوبة بأمره كتبها جبريل بالقلم الذى كتب به الذكر.
والأفضل ترك علم ذلك لله سبحانه، فلا فائدة هامة من البحث
(8/60)
________________________________________
كتاب يحيى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء فى القرآن الكريم قوله تعالى {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} مريم:
112 فما هو الكتاب الذى نزل عليه؟

الجواب
قال القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 86" الكتاب هو التوراة بلا خلاف وأخذُ يحيى له بقوة معناه: بِجدٍّ واجتهاد وقيل: المراد العلم به وحفظه والعمل به.
والتوراة كانت كتاب الأحكام الذى أخذ به كل من جاء بعد موسى من الأنبياء حتى جاء عيسى فنزل عليه الإنجيل
(8/61)
________________________________________
هل نزل بعض القرآن بغير جبريل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نحن نعلم أن القرآن الكريم أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بوساطة الأمين جبريل، وقد قرأنا أن بعض السور أو الآيات لم ينزل عن طريقه، فهل هذا صحيح؟

الجواب
صحيح أن القرآن نزل به جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين} الشعراء: 192- 194 لكن روى مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: بينما جبريل قاعد عند النبى صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته ".
يقول القرطبى فى تفسيره "ج 1 ص 116": قال ابن عطية: ظن بعض العلماء أن جبريل لم ينزل بسورة الحمد -وساق الحديث المذكور- وليس كما ظن، فإن هذا الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام تقدم الملك إلى النبى صلى الله عليه وسلم مُعْلِما به وبما ينزل معه، وعلى هذا يكون جبريل شارك فى نزولها.
قال القرطبى: قلت: الظاهر من الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام لم يعلم النبى بشىء من ذلك، وقد بينا أن نزولها كان بمكة، نزل بها جبريل عليه السلام لقوله تعالى {نزل به الروح الأمين} وهذا يقتضى جميع القرآن، فيكون جبريل نزل بتلاوتها بمكة، ونزل الملك بثوابها بالمدينة، والله أعلم وقد قيل: إنها مكية مدنية، نزل بها جبريل مرتين، حكاه الثعلبى، وما ذكرناه أولى، فإنه جمع بين القرآن والسنة، ولله الحمد والمنة
(8/62)
________________________________________
قرين النبى صلى الله عليه وسلم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما الحكمة فى أن يكون للنبى صلى الله عليه وسلم قرين مع أن الله عصمه؟

الجواب
روى مسلم وأحمد من حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة" قالوا وإياك؟ قال "وإياى إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم فلا يأمرنى إلا بخير" يقول الزرقانى فى شرح المواهب "ج 5 ص 280" معلوم عصمة الملائكة وإيمانهم، فإنما المراد الإخبار بمصاحبة الملك والجنى لكل أحد، فالجن يغوى بخلاف الملائكة، فقول بعض: إسلام قرينه من الملائكة والشياطين لا معنى له بالنسبة للملائكة، ولا دلالة فى الحديث عليه، اللهم إلا أن يريد بالإسلام ملكه انقياده التام له، وفيه ما فيه.
وجاء فى رواية البزار عن ابن عباس أن الشيطان كان كافرا فأسلم، أى أسلم الشيطان الكافر، وحديث ابن مسعود روى بفتح الميم وضمها، أى فأسلم أنا من فتنته وكيده، وصحح الخطابى رواية الرفع، ورجح عياض والنووى الفتح. لقوله "فلا يأمرنى إلا بخير" قال الدميرى: وهو المختار.
والإجماع على عصمة النبى صلى الله عليه وسلم من الشيطان، وإنما المراد تحذير غيره من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا أنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان. انتهى وقال غيره: اعترضت رواية الضم -فأسلم - بأنه تعوذ منه بقوله "أعوذ بك أن يتخبطنى الشيطان عند الموت" أى يصرعنى ويلعب بى ويفسد دينى أو عقلى عند الموت بنزغاته التى تزل بها الأقدام وتصرع العقول، وقد يستولى على الإنسان حينئذ، فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج عن مظلمة أو يؤيسه من الرحمة، أو يكره الموت فيختم له بسوء والعياذ بالله تعالى.
وأجيب بأنه إنما قاله تعليما لأمته صلى الله عليه وسلم فإن شيطانه أسلم ولا تسلط له ولا لغيره عليه بحال، بل سائر الأنبياء لا تسلط لشياطينهم عليهم وإن لم يسلموا. انتهى ما جاء فى الزرقانى على المواهب.
وخلاصته:
1 - أن كل إنسان معه قرين من الجن وقرين من الملائكة، وقرين الملائكة إما لحفظ الإنسان كما قال الله سبحانه {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} الرعد: 11 وإما لمساعدته على الخير وإما لغير ذلك، وقرين الجن مهمته الإغواء فقد أقسم إبليس بعزة الله أن يغوى الناس أجمعين، إلا عباد الله المخلصين.
2 -أن النبى صلى الله عليه وسلم كسائر الناس له قرين من الجن وقرين من الملائكة، وقرينه من الجن مختلف فى أنه أسلم بدليل قوله "فلا يأمرنى إلا بخير" أو لم يسلم، بدليل الاستعاذة منه، وأن الله قوَّى رسوله عليه فأبطل محاولة إغوائه، كما حدث من تفلُّته عليه فى الصلاة ليفسدها فخنقه عليه الصلاة والسلام ثم أطلقه كما ثبت فى الحديث.
وعلى كلا الأمرين فالرسول معصوم من تسلط الشيطان عليه وإيقاعه فى المعصية وهو صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى وجوب الحذر من الشيطان المقارن لنا، وإلى أنه بشر مثلنا يجاهد مع توفيق من الله حتى لا يعصى. ونحن أولى بالمجاهدة
(8/63)
________________________________________
اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل كان كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بوحى من الله سبحانه، أم كان يجتهد فى بعض الأحيان فيما لم ينزل عليه فيه وحى، وإذا اجتهد هل كان اجتهاده كله صوابا أم كان بعضه خطأ؟

الجواب
الكلام فى هذا الموضوع قد عنيت به كتب الحديث والأصول، ولا يتسع له المقام هنا، وخلاصته أن للعلماء فى جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ثلاثة آراء:
1 - رأى يقول بامتناع الاجتهاد عليه، لإمكانه الوصول إلى ما يريد عن طريق الوحى، ولكن رد عليه بأن إنزال الوحى ليس فى قدرته، وقد يكون فى حاجة ماسة إلى الإجابة على سؤال أو التصرف فى أمر عاجل، وعندما انتظر نزول جبريل عليه فتر الوحى مدة، وعندما جاء سأله الرسول، فقال {وما نتنزل إلا بأمر ربك} مريم: 64.
2 -ورأى يقول بجواز الاجتهاد وبوقوعه بالفعل منه، كما حدث فى التشاور فى أسرى بدر، وفى إذنه لبعض الناس فى التخلف عن الغزوة، وقد جاء فى ذلك قوله تعالى {ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض} الأنفال: 67 وقوله {عفا الله عنك لمَ أذنت لهم} التوبة: 43 حيث عاتبه الله سبحانه، والعتاب لا يكون فيما صدر عن وحى.
3 - ورأى يقول بجواز اجتهاده فى الأمور السريعة الضاغطة كالحروب، وبعدم جوازه فى غير ذلك، وهذا الرأى فيه جمع بين الأعلة، وهو رأى حسن. والذين قالوا بجواز اجتهاده قال بعضهم: لا يجوز عليه الخطأ فكلُّ اجتهاده صحيح.، كما ذكره ابن أبى هريرة والماوردى، وذلك لأنه لا نبى بعده يستدرك خطأه فلذا عصم من بينهم، وقال ابن السبكى: الصواب أن اجتهاده لا يخطئ تنزيها لمنصب النبوة عن الخطأ فى الاجتهاد، وقال آخرون: يجوز عليه الخطأ ولكن لا يُقَرُّ عليه، بل ينزل الوحى بتصحيحه، ومع جواز الخطأ هو مأجور، وعتاب الله له فى مثل الأسرى ليس عقابا، "راجع الزرقانى على المواهب ج 8 ص 281 والسياسة الشرعية للشيخ عبد الرحمن تاج"
(8/64)
________________________________________
تحسين الصوت بالقرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل ما نسمعه من قراءة القرآن فى المآتم والاحتفالات تجويد شرعى أو تطريب تراعى فيه مقامات الموسيقى لإعجاب المستمعين؟

الجواب
التجويد، هو ضبط القراءة بإخراج الحروف من مخارجها وإعطائها حقها ومستحقها كما حدده المشتغلون بعلم التجويد أما تحسين الصوت بالقرآن فشىء وراء التجويد اللازم لصحة القراءة، والأمر بتحسين الصوت بالقرآن موجود فى نصوص كثيرة منها حديث "ليس منا من لم يتغن بالقرآن " رواه مسلم وحديث "زينوا القرآن بأصواتكم " رواه أبو داود والنسائى، وحديث "ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به " رواه مسلم.
وقد توسع القرطبى فى شرح هذه الأحاديث فى مقدمة تفسيره نقتطف منه ما يلى:
العلماء فريقان فى التطريب وقراءة القرآن بالألحان، فكرهه جماعة منهم الإمام مالك، وقال: لا يعجبنى،إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم، وأجازته جماعة، لأنه أوقع فى القلوب، واحتجوا بالأحاديث السابقة.
ومما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم استمع إلى قراءة أبى موسى الأشعرى وأعجب بها دون أن يعلم، فلما علم قال: لو أعلم أنك تستمع لقراءتى لحبَّرته لك تحبيرا، وعلى هذا أبو حنيفة وأصحابه والشافعى وغيرهم. واختار القرطبى رأى مالك وأجاب عن الأحاديث بأن القرآن لا يُزيَّن بالصوت، وإنما الصوت هو الذى يزين بالقرآن فالتعبير فى الحديث مقلوب، وكذلك فسره غير واحد.
وذكر رواية لأبى هريرة "زينوا أصواتكم بالقرآن" كما روى عن عمر:
حسنوا أصواتكم بالقرآن.
وحديث التغنى بالقرآن معناه تحسين الصوت به، وهو معنى التحبير الوارد فى كلام أبى موسى الأشعرى. وقيل: المراد بالتغنى الاستغناء بالقرآن عن علم أخبار الأمم وقيل: معناه يتحزن به وقيل: إن العرب كانت تولع بالغناء والنشيد فى أكثر أقوالها فلما نزل القرآن أحبوا أن يكون القرآن هِجِّيَراهُمْ، أى دأبهم وعادتهم.
ونفى الشافعى ومن معه أن يكون المراد بالتغنى الاستغناء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراده لقال "من لم يستغن" بدل "يتغن" قال الطبرى: المعروف عندنا فى كلام العرب أن التغنى إنما هو الغناء الذى هو حسن الصوت بالترجيع: ورد القرطبى كلام الطبرى، وذكر أن الترجيع والتطريب فيه همز ما ليس بمهموز، ومد ما ليس بممدود، ويؤدى ذلك إلى زيادة فى القرآن وهو ممنوع.
ثم ذكر القرطبى أن الخلاف فى التطريب محله إذا لم يترتب عليه عدم فهم القرآن، وإلا كان حراما بالاتفاق، وحمل بشدة على قراء مصر لذلك. ثم ذكر حديثا رواه الترمذى الحكيم فى "نوادر الأصول" وهو "اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتاب، وسيجئ بعدى قوم يرجِّعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح، لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم " وقال: اللحون جمع لحن وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسينه بالقراءة والشعر والغناء، انتهى.
غير أن ما يرويه الترمذى الحكيم فيه كلام كثير، وهو غير الترمذى صاحب السنن، والواجب فى قراءة القرآن الخشوع والأدب فى الأداء، والمحافظة على إخراج الحروف من مخارجها، وإعطاء المد حقه وعدم التمطيط الزائد، أو الانتقال المفاجئ من رفع الصوت العالى إلى الانخفاض الشديد، وما يشبه ذلك مما لا يفرق بين قراءة القرآن والغناء، والعلماء المختصون بالتجويد والقراءات هم أهل الذكر فى ذلك
(8/65)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:45 pm


إنجيل برنابا

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن إنجيل برنابا يتفق مع القرآن الكريم فيما جاء عن سيدنا عيسى؟

الجواب
جاء فى كتاب "التثليث فى المرآة" لكوثر نيازى ص 108 أن برنابا كان مصاحبا للمسيح عليه السلام مدة طويلة، وكتب عن معلومات توافق ما جاء فى القرآن كثيرا، وكان هذا الإنجيل يقرأ ويدرس إلى أواسط القرن الخامس الميلادى. وفى القرن الخامس حرَّم البطريق "جليسيوس" قراءته وأمر بإعدام نسخه، ثم عثر على نسخة منه فى القرن السادس عشر الميلادى القسيس الكبير "فرامرينو" الذى وجده فى مكتبة البطريق "سكنس " بطريق روما، فظهر له بعد مطالعته أن فيه أخبارا واضحة عن خاتم الأنبياء وذكر اسمه "أحمد" فأخرج "فرامرنيو" هذا الإنجيل من مكتبة البابا وأعلن إسلامه، ونقله إلى العربية "رشيد رضا" فى مصر.
(8/66)
________________________________________
الاستعاذة عند القراءة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجب على الإنسان إذا أراد أن يقرأ شيئا من القرآن الكريم أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟

الجواب
قال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} النحل: 98 يقول القرطبى "ج 1 ص 86" هذا الأمر على الندب فى قول الجمهور، وذلك فى كل قراءة فى غير الصلاة، أما فى الصلاة فقد اختلفوا، وحكي عن عطاء أن الاستعاذة واجبة، وأبو حنيفة والشافعى يتعوذان فى الركعة الأولى من الصلاة، ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة، وما لك لا يرى التعوذ فى الصلاة المفروضة، ويراه فى قيام رمضان.
يؤخذ من هذا أن الاستعاذة قبل قراءة القرآن سنة عند الجمهور، وذلك فى غير الصلاة،أما فى الصلاة فهى سنة قبل قراءة الفاتحة عند الحنفية والشافعية، يستوى فى ذلك صلاة الفرض والنفل، والمالكية لا يستحبونها فى الفرض.
وجاء فى كفاية الأخبار "ص 104 " فى فقه الشافعية أن الاستعاذة مستحبة لكل ركعة، لوقوع الفصل بين القراءتين بالركوع وغيره، وقيل: يختص بالركعة الأولى، فما ذكره القرطبى هو أحد قولين عند الشافعية
(8/67)
________________________________________
طه ويس

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس إن "طه ويس" ليس من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم وورودهما فى القرآن جاء على أنهما من الحروف المقطعة فى أوائل السور، مثل: حم، طس، فهل هذا صحيح؟

الجواب
أولا: طه: جاء فى تفسير القرطبى "ج 11 ص 165" أن هناك خلافا فى معناها، فقال أبو بكر: هو من الأسرار، وقال ابن عباس: معناه يا رجل، وهى لغة معروفة فى "عُكْل " وقال عبد الله بن عمر: معناها بلغة "عك" يا حبيبى، وقيل هى اسم من أسماء الله تعالى وقسم أقسم به وهو مروى أيضا عن ابن عباس وقيل: هو اسم للنبى صلى الله عليه وسلم سماه الله به كما سماه محمدا، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "لى عند ربى عشرة أسماء" فذكر أن فيها طه ويس، وقيل إنها حروف مقطعة كالتى فى أوائل بعض السور، وقيل: إن معناها: طَأِ الأرض، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتحمل من مشقة الصلاة حتى كادت قدماه تتورمان ويحتاج إلى الترويح، فقيل له: لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح، ويناسب ذلك قوله تعالى بعد ذلك مباشرة "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" أى ما أنزلناه لترهق نفسك بالقيام به فى الصلاة.
هذا مختصر مما جاء فى تفسير القرطبى من كلام طويل فيه من أراد الاستزادة فليرجع إليه.
ثانيا: يس. جاء أيضا فى تفسير القرطبى "ج 15 ص 3" أن هناك خلافا فى معناها فقيل: معناها يا إنسان أو يا رجل، وقيل: اسم من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم أو من أسماء الله تعالى، وكما طال الكلام فى طه طال فى يس فيرجع إلى القرطبى، وذكر الزرقانى فى شرح المواهب "ج 3 ص 137" أن الحديث الذى ذكره ابن مردويه فى أن طه من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم ضعيف واعتمد أنه من الحروف المقطعة، أيضا "ج 3ص 175 "
(8/68)
________________________________________
التهلكة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى التهلكة الواردة فى قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ؟

الجواب
هذا جزء من الآية {وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} البقرة:195 جاءت هذه الآية بعد آيات تتحدث عن الجهاد فى سبيل الله، وفيها أمور ثلاثة، أولها الأمر بالإنفاق فى سبيل الله، وثانيها النهى عن الإلقاء بالأيدى إلى التهلكة، وثالثها الأمر بالإحسان، أما الإنفاق فى سبيل الله فمعناه واضح وإن كان سبيل الله واسع الميدان فمن أهمه الجهاد وكذلك الإحسان واضح المعنى فهو يلتقى مع الإنفاق فى سبيل الله فى أكثر مظاهره وإن كان من معانيه الإجادة والإتقان والإخلاص فى أى عمل. على ما جاء فى الحديث "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
وأما الإلقاء بالأيدى إلى التهلكة ففى تفسيره عدة أقوال: لا تتركوا النفقة ولا تخرجوا إلى الجهاد بغير زاد ولا تتركوا الجهاد، ولا تدخلوا على العدو الذى لا طاقة لكم به ولا تيأسوا من المغفرة وقد قال الطبرى: هو عام فى جميعها، كما ذكره ابن العربى فى أحكام القرآن.
ومن الوارد فى ذلك ما رواه البخارى عن حذيفة أن الآية نزلت فى النفقة وكذلك قال ابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وجمهور الناس كما ذكره القرطبى، وقال المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة، فى سبيل الله وتخافوا العيلة فيقول الرجل: ليس عندى ما أنفقه وذكر القرطبى خمسة أقوال فى تفسير هذه الآية. وقال: روى الترمذى عن يزيد بن أبى حبيب عن أسلم أبى عمران أنهم فى غزو القسطنطينية حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس: إنه يلقى بيديه إلى التهلكة، فصحح لهم أبو أيوب الأنصارى معنى الآية بأنها نزلت فى الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه قالوا: هلمَّ نقيم فى أموالنا ونصلحها لأنها ضاعت فالتهلكة هى الإقامة على الأموال وإصلاحها وترك الغزو.
ثم تحدث القرطبى عن حكم اقتحام الرجل فى الحرب وحمله على العدو وحده. وقال: إن بعض العلماء المالكية أجازوا أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة وكان لله بنية خالصة، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة، وقيل: إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل، لأن مقصوده واحد منهم كما قال تعالى: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله} وقال ابن خويز منداد: فأما أن يحمل الرجل على مائة أو على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان: إن علم وغلب على ظنه أنه سيقتل من حمل عليه وينجو هو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكى نكاية أو سيبلى أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا، وقد بلغنى أن عسكر المسلمين لما لقى الفُرسْ نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين وأنَّس به فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذى كان يقدمها فقيل له: إنه قاتلك، فقال لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين، وفعل البراء بن مالك حيلة فى حرب بنى حنيفة حتى دخل حصنهم وفتح الباب فدخل المسلمون.
وذكر القرطبى ما رواه مسلم فى دفاع رجل من الأنصار عن النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقاتل العدو حتى قتل، وفعل مثله العدد القليل الذين أحاطوا بالرسول، وهذا دليل على أن المخاطرة التى فيها منفعة للمسلمين لا بأس بها ولا تعد من الإلقاء باليد إلى التهلكة، كما ذكر القرطبى عن محمد بن الحسن أن المخاطرة بالنفس إذا كان فيها طمع فى النجاة أو النكاية فى العدو لا بأس بها، وإلا كانت مكروهة لأنه عرض نفسه للتلف فى غير منفعة للمسلمين إلا إذا قصد تشجيع المسلمين حتى يصنعوا مثله فلا بأس بها لأن فيها منفعة لهم على بعض الوجوه. ثم تطرق القرطبى من حكم المخاطرة فى الجهاد إلى المخاطرة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقال: إنه متى رجا نفعا فى الدين فبذل نفسه حتى قتل كان فى أعلى درجات الشهداء قال تعالى {وأْمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} لقمان: 17 وفى حديث النسائى وابن ماجه بسند صحيح "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وجاء مثل ذلك فى أحكام القرآن لابن العربى
(8/69)
________________________________________
عاهد عليه الله

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ضمير الغائب إذا دخل عليه حرف الجر وهو "عَلَى" كان مكسورا مثل "فلما قضينا عليه الموت" ومثل "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" ولكن جاء فى سورة الفتح مضموما فى قوله تعالى {ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله} فما السر فى هذا؟

الجواب
ضمير الغائب كسائر الضمائر مبنى وقد يكون فى محل الرفع أو النصب أو الجر، وهو إما منفصل مثل "هو الله" "وهم بأمره يعملون" وإما متصل مثل "قوله الحق" "موعدهم الصبح".
والمتصل إذا كان فى محل نصب كان مضموما فى المفرد المذكر والمثنى والجمع بنوعيهما، ومفتوحا فى المفردة المؤنثة مثل:
إنه، إنها، إنهما، إنهن. وإذا كان فى موضع جر فإما أن يكون الجر بالإضافة وإما أن يكون بدخول حرف الجر عليه، فإن كان بالإضافة يكون مضموما فى المفرد المذكر والمثنى والجمع بنوعيهما، ومفتوحا فى المفردة المؤنثة. إذا كان آخر المضاف مرفوعا، مثل: هذا كتابهُ، كتابُهَا، كتابهُم، كتابهن وكذلك إذا كان آخر المضاف منصوبا مثل إن كتابه، كتابها، كتابهما، كتابَهُم، كتابَهن. أما إذا كان آخر المضاف مجرورا كان الضمير مكسورا فى كل أحواله مفتوحا فى المفردة المؤنثة. مثل فى بيته، بيتها، بيتهما، بيتهم بيتهن.
وإن كان الجر بدخول حرف الجر عليه فحركة الضمير تختلف باختلاف آخر الحرف، فهو مضموم فيما عدا المفردة المؤنثة، مع من، عن. ومكسور فيما عدا المفردة المؤنثة، مع الباء وإلى وعلى. والأمثلة مع على {وسلام عليه} مريم: 15 {أنعم الله عليهم} النساء: 69.
أما قوله تعالى فى سورة الفتح {ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله} بضم الهاء، ففال بعض العلماء إنه استثناء من الأصل، لأن اسم الجلالة وهو "الله " إذا سبق بمجرور أو مكسور كان النطق به مرققا وليس مفخما كما هو الحال فيما إذا كان قبله فتح أو ضم، وفى مقام العهد مع الله الذى يقتضى إظهار قوة الله وعظمته.فى النطق بأسمائه كان ضم الضمير فى "عليه " ليكون النطق بلفظ الجلالة مفخما لا مرققا.
وقال آخرون: هناك لغتان فى "عليهم" لغة بكسر الهاء ولغة بضمها، وضمير المفرد المذكر يجئ على مثال الجمع، فما كسرت فيه الهاء فى المفرد فهو على لغة، وما ضمت فيه فهو على لغة أخرى، واللغتان عربيتان، والقرآن كله عربى
(8/70)
________________________________________
الجفر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعنا أن من الكتب المقدسة عند الشيعة ما يسمى بالجفر ومصحف فاطمة، فهل يمكن أن نعرف شيئا عنهما؟

الجواب
سبق فى ص 641 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى أن تعرضنا لموقف الشيعة من القرآن وادعاء أنه ناقص. وإن كان بعضهم -من باب التقية-يقسم أنهم لا يعرفون إلا القرآن الذى بين دفتى المصحف المتداول بين المسلمين. لكن عند الكثيرين أن هناك مصحف فاطمة كما نصت عليه كتبهم مثل كتاب " الكافى" الذى هو أوثق كتاب عندهم بعد القرآن الكريم، جمعه أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُلَيْنى الرازى " 328-329 هـ" وفيه من عدة أحاديث بأرقام 635 / 1 - 642/ 8 ما خلاصته أن فاطمة عليها السلام حزنت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين يوما، وكان الملك يأتيها ويسليها ويخبرها بحال النبى صلى الله عليه وسلم، وأخبرها بما سيكون لذريتها، ولما عرف علىٌّ ذلك قال لها: إذا حضر فأعلمينى، فكان إذا حضر كتب عنه علىٌّ كل ما قال، وتلك هى مصحف فاطمة، وليس فيه من الحلال والحرام شىء، ولكن فيه علم ما سيكون، وجاء فى الحديث رقم 653 ما نصه: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال:
مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله أعلم،قال: إنه لعلم وما هو بذاك.. .
أما الجفر، فقد جاء فى الأحاديث المذكورة أنه وعاء من أدَم -جلد ثور-فيه علم النبيين والوصيين،، وعلم العلماء الذين مضوا من بنى إسرائيل، وفيها -أى هذه الأحاديث- أن عندهم: الجفر الأبيض الذى فيه زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم عليهم السلام، والحلال والحرام ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرْش الخدش.
والجفر الأحمر وفيه السلاح، وذلك إنما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل، وفيه: أن بنى الحسن يعرفون هذا الجفر كما يعرفون الليل والنهار، ولكن الحسد وطلب الدنيا حملهم على الجحود والإِنكار. وفى الحديث رقم 638/4 أن فى الجفر الذى يذكرونه ما يسوءهم، لأنهم لا يقولون الحق، والحق فيه، فليخرجوا قضايا علىٍّ وفرائضه إن كانوا صادقين، وسلوهم عن الخالات والعمات، وليخرجوا مصحف فاطمة عليها السلام، فإن فيه وصية فاطمة عليها السلام ومعه سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يقول {فأتوا بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} الأحقاف: 46 " ايتونى".
وفى الحديث رقم 639/5 أن عندهم الجامعة، وهى صحيفة طولها سبعون ذراعا فى عرض الأديم، مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهى فيها حتى أرش الخدش.
وجاء فى الحديث رقم 645/ 6: إن عندنا كتابا أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبه علىٌّ عليه السلام، صحيفة فيها كل حلال وحرام. [هذا الكلام منقول من صحف مصورة من كتاب الكافى مع الترجمة الإِنجليزية، طبع المؤسسة العالمية للخدمات الإِسلامية طهران إيران فى 18/6/1981 - ص 40 بعنوان: باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام، الجزء الأول: الأصول القسم الثانى (4) كتاب الحجة (3) المؤسسة العالمية للخدمات الإِسلامية] .
وربما تعرضنا لذلك فى وقت آخر
(8/71)
________________________________________
أخلاق اليهود من القرآن الكريم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لليهود دور كبير فى التاريخ من قبل الإسلام ومن بعد الإسلام، وتحدث القرآن عنهم بأنهم أفسدوا وسيفسدون، وقال "وإن عدتم عدنا" فما هى الصفات المتأصلة فيهم من وجهة نظر الدين؟

الجواب
القرآن الكريم حدَّد الشخصية الأخلاقية لليهود، وتحدَّث عنهم فى إنصاف، فمدحهم حين يستحقون المدح، وذمهم حين يمارسون ما يذمون عليه، وكان ذمهم طاغيا على مدحهم لما جبلوا عليه من أخلاق وما قاموا به من تصرفات منكرة، فمما ورد فى مدحهم قوله تعالى {ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} الجاثية: 16 أى على عالمى زمانهم.
ومن أخلاقهم المذمومة ما يأتى:
1 -الكذب على الله، قال تعالى: {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} آل عمران:
75 {وقالت اليهود يد الله مغلولة} المائدة: 64 {قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} آل عمران: 181 {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلمَ يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق} المائدة: 18.
2 - حبهم لسماع الكذب، قال تعالى {ومن الذين هادوا سمَّاعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} المائدة: 41 {سماعون للكذب أكالون للسحت} المائدة: 42.
3-التمرد على الله. قال تعالى {فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية} المائدة: 13 وهو ميثاق مع الله بالصلاة والزكاه والإِيمان بالرسل ومساعدتهم والقرض الحسن.
4 - التمرد على الرسل، قال تعالى {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} البقره:55 {كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذَّبوا وفريقا يقتلون} المائدة: 70 {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} المائدة: 24.
5 -الجدال والمراء. قال تعالى {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنىَّ يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال} البقرة: 247 {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا} البقرة: 70.
6 -كتمان الحق والتضليل، قال تعالى {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} البقرة: 42 {يَلْوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب} آل عمران:
78.
7 - النفاق، قال تعالى {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} البقرة: 14 {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب} البقرة:
44.
8 -إيثار المنفعة الشخصية والأنانية الطاغية، قال تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} البقرة: 87 {ليس علينا فى الأميين سبيل} آل عمران:75.
9 -حب الشر للناس والسعى فى إفسادهم. قال تعالى: {ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} البقرة: 109.
10 -كراهية الخير لغيرهم. قال تعالى: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} آل عمران:125 {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} النساء: 54.
11 - الكبر والتعالى على الناس: قال تعالى: {نحن أبناء الله وأحباؤه} المائدة: 18 {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم} النساء: 49 {ليس علينا فى الأميين سبيل} آل عمران: 75.
12 - الاستغلال والانتهازية، قال تعالى {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل} النساء: 161 {أكَّالون للسحت} النساء: 42.
13 - عدم الأدب فى الخطاب. قال تعالى {من الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليًّا بألسنتهم وطعنا فى الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرًا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً} النساء: 46.
14 - سهولة الاغتيال، قال تعالى {ويقتلون النبيين بغير الحق} البقرة: 61.
15 - قسوة القلب وجمود العاطفة. قال تعالى {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة} البقرة: 74.
16 - عدم الوفاء بالعهود. قال تعالى: {أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم} البقرة: 100.
17 -تبلد حسهم وموت ضميرهم الأدبى، قال تعالى {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} المائدة: 79 {ترى كثيرا منهم يسارعون فى الإِثم والعدوان وأكلهم السحت} المائدة: 80.
18 - التحايل على المخالفة، قال تعالى {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} البقرة: 65 ويفسر ذلك قوله تعالى: {إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شُرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} الأعراف: 163.
19 - الجبن، قال تعالى {لأنتم أشد رهبة فى صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون. لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى} الحشر: 13، 14 {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} البقرة:
249 {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} البقرة: 96.
20 - البخل، قال تعالى {أم لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون الناس نقيرا} النساء: 53 {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} التوبة: 34.
21 - تحريف الكتب المقدسة قال تعالى {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا} البقرة: 79 {من الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه} النساء:
46.
22 - استباحة الكفر فى سبيل تحقيق أغراضهم. قال تعالى {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} النساء:
51 {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} المائدة: 80.
هذه صورة من أخلاق اليهود كما وصفها القرآن الكريم. تمردوا على تعاليم اليهودية السماوية واستبدلوا بها تعاليم أخرى زعموا أنها أفضل من التوراة " التلمود" ومن أجل هذا لفظتهم كل الدول التى يحلون بها وتاريخ طردهم من بلاد أوروبا مسطر فى الكتب، ويؤكد خبث نيتهم ما تركز أخيرا فى صورة بشعة هى الصهيونية بأساليبها الوحشية المعروفة، وإذا كان الله سبحانه قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله فما ظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وإذا كان الله قد تأذن ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب فذلك يعطينا الأمل فى نصر الله لنا عليهم إن نصرناه بالإِيمان القوى والتسلح بكل سلاح مادى ومعنوى، مع وحدة تجمع الكلمة وتعمل للصالح العام. " انظر كتابنا: دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة".
(8/72)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:46 pm


من بلاغة القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى سورة القصص جاء قوله تعالى {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} الآية: 20 وفى سورة يس جاء قوله {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} الآية: 19 فما هو السر فى تقديم {رجل} فى الآية الأولى وتأخيره فى الآية الثانية؟

الجواب
القرآن كله فى أعلى درجات البلاغة العربية كما هو معروف، وقد اجتهد العلماء فى بيان أسرار بلاغته، فأدركوا بعضها وخفى عليهم البعض الآخر، ووُضعت فى ذلك كتب خاصة، مثل: غرائب آى التنزيل لزين الدين الرازى الخلفى المتوفى سنة 666 هـ، البرهان فى توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان، لمحمود بن حمزة الكرمانى المتوفى سنة505 هـ، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس فى القرآن، للشيخ زكريا الأنصارى، متشابه القرآن للقاضى عبد الجبار، وغير ذلك.
وبخصوص ما جاء فى السؤال قال الكرمانى: خصت سورة القصص بالتقديم لقوله قبله {فوجد فيها رجلين يقتتلان} الآية: 15 ثم قال {وجاء رجل} وخصت سورة يس بقوله {وجاء من أقصى المدينة} لما جاء فى التفسير أنه كان يعبد الله فى جبل، فلما سمع بخبر الرسول سعى مستعجلا، أى أن الإِخبار هنا هو عن سعيه وليس عنه، والتقديم هنا للاهتمام والاعتناء بالفعل لا بالفاعل
(8/73)
________________________________________
أصحاب السبت

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هم أصحاب السبت وما قصتهم؟

الجواب
قال تعالى فى حق اليهود {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} البقرة:65. حرَّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت عقابا وامتحانا لهم، فكثر السمك يوم السبت فلم يطيقوا الصبر على الامتحان، فتحايلوا وحبسوه إلى أن ينتهى اليوم فيصطادوه بعد ذلك. قال تعالى {واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} الأعراف:
163 فمسخ الله المعتدين قردة وخنازير، أى جعل أخلاقهم كأخلاقها، وقيل: بل مسخهم الله شكلا وموضوعا، فكانوا قردة وخنازير، ثم قيل: إن الله أهلكهم بعد ذلك حتى لا يتناسلوا، وقيل: بل بقوا وتناسلوا، وتوضيح ذلك فى مكان آخر من هذه الفتاوى.
والقرية قيل: هى " أيلة " أو هى " مدين " بين أيلة والطور، وقيل "طبرية " وقيل: هى من سواحل الشام. وذلك لا يهم.
وذكر المفسرون أن هذه القصة كانت فى زمن داود عليه السلام، وأن إبليس أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء، فيأخذونها يوم الأحد. وبهذه الحيلة كثر صيد الحيتان، ورأى الناس أن من صنع هذا لا يبتلى، فعمرت الأسواق بها، وأعلن الفسقة بصيدها، فقامت فرقة من بنى إسرائيل ونهت وجاهرت بالنهى واعتزلت، وقيل: إن بنى إسرائيل افترقت ثلاث فرق، فرقة عصت وصادت، وكانوا نحوًا من سبعين ألفا، وفرقة نهت واعتزلت، وكانوا اثنى عشر ألفا، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص، وأن هذه الفرقة قالت للناهية كما قال الله تعالى {وإذ قالت أمة منهم لمَ تعظون قوما الله مهلكهم أو معذِّبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} الأعراف: 164.
ويكفى هذا القدر للإجابة على السؤال، وفى كتب التفسير متسع لمن أراد أن يستزيد. والمهم أن نأخذ العبرة فلا نعصى أوامر الله، ولا نسكت عن النهى عن المنكر حتى لا نجازى بما يجازى به العاصون. قال تعالى عن هذه القصة {فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين} البقرة: 66 وقال {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون. فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين} الأعراف: 165، 166
(8/74)
________________________________________
أول وآخر ما نزل من القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى أول وآخر آية نزلت من القرآن الكريم؟

الجواب
لا شك أن معرفة تاريخ نزول السور والآيات لها فائدتها العظيمة فى التشريع، من أهمها معرفة الناسخ والمنسوخ، حينما يكون هناك نصان مختلفان فى الحكم، ولا يمكن التوفيق بينهما بمثل التقييد والتخصيص، وكذلك معرفة تدرج التشريع، وبيان اهتمام المسلمين بالقرآن والبحث عن تواريخ نزول الآيات والسور.
وأصح ما قيل فى أول ما نزل من القرآن أنه صدر سورة {اقرأ باسم ربك الذى خلق} فى غار حراء كما رواه البخارى ومسلم عن عائشة فى حديث أول ما بدئ به الرسول من الوحى. وقيل: إن أول ما نزل إطلاقا {يا أيها المدثر} وذلك لحديث رواه البخارى ومسلم أيضا عن جابر بن عبد الله، ولكن ردَّ عليه بأن ذلك أول ما نزل بعد فترة الوحى. للنص عليه فى رواية أخرى التى جاء فيها "فإذا الملك الذى جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فرجعت إلى بيتى وقلت زمِّلونى، فأنزل الله {يا أيها المدثر} وقيل: إن أول ما نزل هو سورة الفاتحة، بناء على حديث رواه البيهقى. وردَّ بأنه حديث مرسل سقط منه الصحابى فلا يقوى على معارضة حديث عائشة السابق وقيل: إن أول ما نزل هو البسملة {بسم الله الرحمن الرحيم} بناء على حديث أخرجه الواحدى عن عكرمة والحسن، ورُدَّ بأنه حديث مرسل كسابقه، فهذه أربعة أقوال أصحها وأقواها الأول أما آخر ما نزل من القرآن ففيه عشرة أقوال:
1 - قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} البقرة: 281 بناء على حديث رواه النسائى عن ابن عباس، حيث عاش النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال ثم توفى لليلتين خلتا من ربيع الأول.
2 - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين} البقرة: 278 بناء على رواية للبخارى عن ابن عباس.
3 - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه} البقرة: 282.
وجمع السيوطى بين هذه الأقوال بأن الظاهر نزولها دفعة واحدة كترتيبها فى المصحف، لأنها فى قصة واحدة. لكن الرأى الأول أقوى لما فى الآية من إشارة إلى ختام الدين ووجوب الاستعداد ليوم القيامة، وللنص فى الحديث على وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها بتسع ليال فقط.
4 - قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم} آل عمران: 195 والدليل حديث أخرجه ابن مردويه عن أم سلمة أنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أرى الله يذكر الرجال ولا يذكر النساء، فنزلت {ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض} النساء: 32 ونزلت {إن المسلمين والمسلمات} الأحزاب:35 ونزلت آية {فاستجاب لهم ربهم} فهى آخر ما نزل من الآيات الثلاث، وليست آخر ما نزل من القرآن.
5 -قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} النساء:
93 والدليل ما أخرجه البخارى وغيره عن ابن عباس حيث قال:
هى آخر ما نزل ولم ينسخها شىء، ويجاب على ذلك بأنها آخر ما نزل فى حكم قتل المؤمن عمدا، وليست آخر ما نزل من القرآن.
6 - قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة} النساء:
176 والدليل ما رواه البخارى ومسلم عن البراء بن عازب، ورد بأنها آخر ما نزل فى المواريث، كما قال عن سورة براءة بأنها آخر ما نزلت، فيحمل القول على أن ذلك بالنسبة لتشريع الجهاد والقتال، فالآخرية نسبية إضافية لا حقيقية مطلقة.
7-سورة المائدة، بناء على رواية للترمذى والحاكم عن عائشة، وردَّ بأنها آخر سورة نزلت فى الحلال والحرام فلم تنسخ فيها أحكام، فالآخرية مقيدة بذلك وليست مطلقة.
8-قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} التوبة: 128 بناء على ما رواه الحاكم وابن مردويه عن أُبى بن كعب، ويرد عليه بأن الآخرية معناها أنها آخر آية نزلت من سورة براءة ويؤيده ما قيل:
إن هذه الآية وما بعدها نزلت بمكة مع أن السورة مدنية، فالسورة تحدثت عن الجهاد، والآيتان ليس فيهما أمر به، لأن الجهاد لم يفرض بمكة.
9- آخر سورة الكهف {فمن كان يرجو لقاء ربه} بناء على ما أخرجه ابن جرير عن معاوية بن أبى سفيان، ويرد عليه بأن الآخرية بحسب عدم نزول ما ينسخها بعدها.
10 - {إذا جاء نصر الله والفتح} لما رواه مسلم عن ابن عباس، وردَّ بأنها آخر ما نزل مشعرا بوفاة النبى صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما روى عن أنه قال حين نزلت " نُعيتْ إلىَّ نفسى " وفهم ذلك بعض كبار الصحابة، فقد ورد أن عمر بكى عند سماعها وقال: الكمال دليل الزوال.
ويحتمل أنها آخر ما نزل من السور فقط كما تدل عليه رواية ابن عباس.
هذا ما لخصته من الإِتقان فى علوم القرآن للسيوطى. ومن مناهل العرفان للزرقانى، ومن أراد الزيادة فليرجع إليهما
(8/75)
________________________________________
الكون يسبح الله

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى الآيات القرآنية أن كل شىء يسبِّح الله، فبأى لغة يكون هذا التسبيح؟

الجواب
التسبيح معناه تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، وقد يكون ذلك بالقول وبالفعل، وبأية صورة تنبئ عن ذلك كالصلاة وذكر الله تعالى، وهذا التسبيح يلزمه الإِيمان بوجود الله وبألوهيته، ومثله السجود بمعناه العام وهو الخضوع واللجوء إليه، والكون كله ساجد لله ومسبح له بهذا المعنى، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {سبَّح لله ما فى السماوات وما فى الأرض} وقوله تعالى: {ألم تر أن الله يسبح له من فى السماوات والأرض والطير صافات كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} النور: 41 وقوله: {ألم تر أن الله يسجد له من فى السماوات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ... } الحج: 18 وقوله تعالى: {وإن من شىء إلا يسبِّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} الإِسراء: 44 والتسبيح الذى يعتمد على اللغة ليس كل إنسان قادرا على فهمه، فلكل من المخلوقات لغته، ولا يفهمها إلا من خصه الله من عباده المقربين كداود وسليمان عليهما السلام {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء} النمل: 16.
وبعض العلماء يقول: إن التسبيح باللغة يكون من الأحياء النامية كالحيوان والنبات، وأما تسبيح غيرها كالجماد فهو بمعنى الدلالة على وجود الله ووجوب عبادته، وقال بعض آخر: قد يكون تسبيح الجمادات بلغة خاصة كما جاء فى إكرام الله لداود بقوله تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإِشراق. والطير محشورة كل له أوَّاب} ص: 18، 19.
والمهم أن كل الكائنات تسبح وتسجد وتخضع لقدرة الله، ولكلٍّ لغتها وطريقتها فى ذلك، ومما جاء من النصوص والأخبار فى هذاالموضوع إلى جانب ما ذكر:
1 -روى البخارى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال " لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " وفى غير هذه الرواية عنه رضى الله عنه: كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه. وهناك عدة روايات فى تسبيح الطعام مذكورة فى الزرقانى على المواهب "ج 5 ص 121".
2-روى مسلم عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىَّ قبل أن أبعث، إنى لأعرفه الآن " قيل هو الحجر الأسود. وهناك عدة حوادث فى تسبيح الحصا فى يد الرسول وأبى بكر وعمر "المرجع السابق ص 120 ".
3- حنين الجذع الذى كان يخطب إليه، رواه البخارى وغيره، وقيل إنه متواتر، وسمع لحنينه صوت كصوت الناقة العشراء، والكلام طويل عنه فى " الزرقانى على المواهب ج 5ص 133".
4 -أخرج النسائى فى سننه عن عبد الله بن عمر وأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع وقال " نقيقها تسبيح ". وأخرجه ابن سبيع فى " شفاء الصدور " كما ذكره الدميرى.
5-روى ابن ماجه فى سننه ومالك فى موطئه قول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة ".
6 -ذكر القرطبى فى تفسير قوله تعالى: {وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} بعض أقوال منقولة عن عبد الله ابن مسعود وأنس بن مالك أن الجبال يكلم بعضها بعضا، كما ذكر فى "ج 13 ص 165 " ما تقوله بعض الطيور، وليس لذلك سند صحيح يعتمد عليه، ثم قال: الصحيح أن الكل يسبح، للأخبار الدالة على ذلك، ولو كان التسبيح تسبيح دلالة فأى تخصيص لداود؟ وإنما ذلك تسبيح المقال، بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح، وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شىء، فالقول به أولى.
وأقول: لقد أثبت العلم أن للحيوانات والطيور لغات تتفاهم بها، فلا استحالة فى كون كل المخلوقات تسبح بحمد الله بلغة خاصة بها، وإن كنا لا نفهمها، كما أنه لا مانع من تفسير التسبيح بأنه بلسان الحال ليعتبر الإِنسان ويؤمن ويسجد لله ويسبِّحه {قل انظروا ماذا فى السماوات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} يونس: 101
(8/76)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:55 pm


الهداية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله تعالى: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} القصص: 56 ذكرت الهداية ثلاث مرات فى هذه الآية، فهل معناها واحد أم مختلف؟

الجواب
جاء فى القاموس: يقال: هداه هُدًى وهدْيًا وهِدَاية وهِدْية - بكسرهما - أرشده فتهدَّى واهتدى. وهداه الله الطريق دَلَّه، والهُدَى بضم الهاء وفتح الدال -الرشاد.
قال ابن القيم فى كتابه "بدائع الفوائد ": الهداية أربعة أنواع:
أحدها: الهداية العامة المشتركة بين الخلق، المذكورة فى قوله تعالى {الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى} طه: 50 أى أعطى كل شىء صورته التى لا يشتبه فيها بغيره، وأعطى كل عضو شكله وهيئته، وأعطى كل موجود خلقه المختص به، ثم هداه ما خلقه له من الأعمال، قال: وللجماد أيضا هداية تليق به، كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وإن اختلفت أنواعها وصورها، وكذلك لكل عضو هداية تليق به، فهدى الرجلين للمشى، واللسان للكلام، والعين لكشف المرئيات وهلمَّ جرا، وكذا هدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد، والولد إلى التقام الثدى عند وضعه، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو.
الثانى: هداية البيان والدلالة والتعريف لِنَجْدَى الخير والشر وطريقى النجاة والهلاك، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام، فإنها سبب وشرط لا موجب، ولهذا ينتفى الهدى معها، كقوله تعالى {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} فصلت: 17 أى بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا، ومنها قوله تعالى {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} الشورى: 52.
الثالث: هداية التوفيق والإلهام، وهى الهداية المستلزمة للاهتداء، فلا تتخلف عنها، وهى المذكورة فى قوله تعالى {يضل من يشاء ويهدى من يشاء} المدثر: 31 وفى قوله تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل} النحل: 37 وفى قوله صلى الله عليه وسلم: " من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له " وفى قوله تعالى: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص: 56 فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان فى قوله تعالى: {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} الشورى: 52.
الرابع: غاية هذه الهداية، وهى الهداية إلى الجنة أو النار إذا سيق أهلهما إليهما، قال تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار فى جنات النعيم} يونس: 9 وقال أهل الجنة فيها {الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله} الأعراف: 43 وقال فى حق أهل النار: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} الصافات: 22، 23 انتهى ما قاله ابن القيم.
والبيضاوى ذكر أن الهداية دلالة بلطف، ولذلك تستعمل فى الخير، وقوله {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} على التهكم. ثم قال: وهداية الله تتنوع أنواعا لا يحصيها عدٌّ، لكنها تنحصر فى أجناس مترتبة.
الأول: إفاضة القوى التى بها يتمكن المؤمن من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة. والثانى: نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد، وإليه أشار حيث قال {وهديناه النجدين} البلد: 10 وقال {فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} .
والثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وإياها عنى بقوله: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} الأنبياء: 7 وقوله {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} الإسراء: 9.
والرابع: أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هى بالوحى أو الإلهام والمنامات الصادقة، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء، وإياه عنى بقوله {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} الأنعام: 90 وقوله {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} العنكبوت: 69
(8/77)
________________________________________
الفاتحة للنبى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى قراءة الفاتحة للنبى؟

الجواب
الفاتحة كما ورد فى حديث البخارى هى أعظم سورة فى القراَن وهى السبع المثانى والقران العظيم. ومن قرأها أعطاه الله ما سأل من الهداية إلى الصراط المستقيم كما رواه مسلم، وكما جاء فى رواية أخرى له " لن يقرأ بحرف منها إلا أعطيه ".
وإذا قرأها الإنسان للنبى صلى الله عليه وسلم، فالظاهر أنه يهب ثوابها إليه، مع غنى الرسول عن هذا الثواب فقد شرفه الله وكرمه أعظم تشريف وتكريم، لأن هذه الهبة علامة على حب من قرأها للنبى عليه الصلاة والسلام، تماما كالصلاة على النبى، فإن معناها طلب الرحمة من الله له، وهو عليه الصلاة والسلام مرحوم، والمحب يحرص ويسرُّ بتقديم هدية إلى المحبرب رمزا وعلامة على حبه.
وكثيرا ما يقول قارى الفاتحة للنبى " زيادة فى شرف النبى " فالنبى مشرف وهو يطلب من الله أن يزيده شرفا، وكل ذلك دليل على الحب، وحبه عليه الصلاة والسلام فرض على المؤمن لا يتم إيمانه إلا به، كما رودت بذلك الأحاديث. وإذا كان حبه يتمثل فى اتباع سنته أى طريقته التى تركها لنا ممثلة فى القراَن والسنة، فليس هناك ما يمنع أن نبرهن على حبنا بإهداء ثواب الفاتحة له والصلاة عليه أى طلب الرحمة من الله له " انظر ص 408 ج 5من الزرقانى على المواهب "
(8/78)
________________________________________
حول نظم القرآن الكريم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا قال الله فى بعض السور {آمنا برب العالمين رب موسى وهرون} وفى بعضها {آمنا برب هارون وموسى} فما هو السر فى تقديم موسى مرة وتأخيره مرة أخرى؟

الجواب
جاء التعبير عن إيمان سحرة فرعون بالله الذى أرسل إليهم موسى وهارون جاء فى ثلاث سور هى الأعراف وطه والشعراء، وفى بعضها قدم ذكر موسى على هارون وفى بعضها الآخر قدم هارون على موسى.
وليست لذلك حكمة منصوصة، بل هى استنتاجات قد تصادف الحقيقة وقد تنبو عنها، وقد قال علماء النحو: إن العطف بالواو يفيد مطلق الجمع دون ترتيب ولا تعقيب، فالله ربُّ موسى وهارون جميعا، وإيمان السحرة بهما واحد لا ميزة فيه لأحد على الآخر.
غير أن من مظاهر البلاغة العربية، التناسب بين رءوس الفقرات، والقران الكريم فى أعلى درجات البلاغة. فناسب بين رءوس الآيات حتى يكون وقف القارئ عليها فيه مسحة من جمال الأداء.
والناظر إلى سورة الأعراف يجد آياتها تنتهى بنون قبلها مَدُّ بالواو أو الياء، ونادرا ما يوجد بدل النون ميم أو لام، فالصوت عند الوقف يَسْكن دون انطلاق نَفَسِ مع الإحساس بنغمة مؤثرة، ولذلك كان لفظ "هارون " مؤخرا على لفظ " موسى" لتناسب رءوس الآيات، ونجد مثل ذلك فى سورة الشعراء {رب موسى وهارون} ومن أجل مراعاة التناسب فى سورة الشعراء حذفت ياء المتكلم من آخر الكلمة وبقيت النون التى هى للوقاية وليست للرفع لأن الفعل قد يكون منصوبا مثل "أخاف أن يكذِّبون " ومثل " فأخاف أن يقتلون " ليتناسب مع {آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون} أما فى سورة طه فنهاية الآيات صوت مطلق بالمد المفتوح فى أغلبها، وقليل منها بالمد المكسور، وذلك يتناسب مع لفظ " موسى" فقدم عليه لفظ هارون لتنتهى الآية بما يتناسب مع نهايات الآيات الأخرى، مثل {طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى.إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العُلى. الرحمن على العرش استوى} فيتناسب معه {آمنا برب هارون وموسى} .
هذا ما ظهر لى من الحكمة، ولا أجزم بأنها المراد لله سبحانه
(8/79)
________________________________________
عظمة القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نريد توضيح قوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} ؟

الجواب
تجىء هذه الآية فى نهاية سورة الحشر التى تتحدث عن إجلاء بنى النضير عن المدينة المنورة، وهم إحدى أسر من أهل الكتاب الذين كان يؤمل فيهم أن يكونوا من أول المصدَّقين بالقران الذى نزل على الرسول الذى كانوا ينتظرونه ويقرءون أوصافه فى كتبهم، لكنهم حسدًا وبغيا كفروا كما قال سبحانه: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عوفوا كفروا به} [البقرة: 89] ومع تكذيبهم للقرآن والرسول تعاونوا مع كفار مكة على مقاومة الدعوة، وقد أذاق الله كفار مكة وبال أمرهم فى بدر كما أذاق بنى النضير عاقبة أمرهم {كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم} [الحشر:
15] وهكذا لا يدفع شخص عن آخر فكل يتحمل تبعة عمله {كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إنى برئ منك إنى أخاف الله رب العالمين. فكان عاقبتهما أنهما فى النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين} [الحشر: 16، 17] والواجب على كل إنسان أن يسيطر على نزغات الشيطان وهوى النفس ولا يعمل للدنيا فقط بل يعمل حساب المسئولية يوم القيامة {يا أيها الذين آمنوا اتقو الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} {لايستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة} [الحشر: 18، 9 1، 0 2] .
كان الواجب على الناس جميعا، وقد جاءتهم الرسالة العامة، أن ينظروا فى الكتاب المنزَّل على هذا الرسول نظرة منصفة موضوعية بعيدة عن التعصب والهوى، ومن خلال هذه النظرة سيكون لكل منهم رأى فيه، وسيقتنع تماما بصدقه ويسارع إلى العمل بما فيه، لكن اكثر الناس تتغلب عليهم أهواؤهم، ويضف عقلهم امام شهواتهم، فيعارضون الحق لذات المعارضة دون سبب معقول، مع أن هذا القرآن، وهو من عند الله، لو نزل على جبل أعطاه الله عقلا، لتأثر كل التأثر ولم يملك إلا الإيمان بالله الذى أنزله، وبالرسول الذى بلغه، إن هذه القوة الجبارة لا بد أن تخشع وتذل وتضف، بل لا بد أن تتمزق وتتصدع ويتلاشى كبرياؤها عند سماع القرآن، كما يقول سبحانه {ولو أن قرآنا سيرِّت به الجبال أو قطِّعت به الأرضى أو كلِّم به الموتى بل لله الأمر جميعا} [الرعد: 31] ولكن الإنسان بعناده وتسلط شيطانه لم يتأثر بروعة القرآن وعظمة من انزله، ومن قبل القرآن لم يتأثر أسلاف بنى النضير، والحديث عنهم موضوع السورة، من الآيات المنزلة على الأنبياء قبل كما قال سبحانه فيهم: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74] .
إن الآية تدعو الجميع إلى أن يستقل كل إنسان بالنظر إلى القرآن بعيدا عن إغواء داخلى أو خارجى، وبالنظر المنصف سيخشع العقل ويخشع القلب وتخشع الجوارح، سيخشع العقل عندما يعرف الإعجاز الذى نزل به القرآن فيؤمن عن صدق بأنه ليس من عند محمد بل من عند الله، وسيؤمن بالله من خلال ما فيه من آيات وأخبار صادقة وهداية حكيمة، كما يقول سبحانه {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد:24] وكما قال {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82] وقد أوشك بعض كبار قريش أن يؤمن عندما أخذ بروعة ما تلى عليه،فقال:
إن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هو بقول بشر. ولكن المؤثرات القوية التى تحيط به ضيعت ما تأثر به عند سماع القرآن، وقد كان بعضهم، وقد تعاهدوا على معارضة الدعوة، يتسرب خفية لسماع القرآن فيعود متأثرا، ولكن التعصب جعلهم كما يقول القرآن الكريم {كالأنعام بل هم أضل} وبالإقبال على القرآن يخشع العقل أيضا وهو يستخرج كنوزه ويجلَّى هدايته، فيرى فيه دستورا كاملا للحياة الطيبة، ويحس فيه روعة التشريع وإحكامه، كما يحس تقديره لكرامة الإنسان وإعداده لطور جديد من حياته البشرية يحقق به الخلافة فى الأرض، ومن هنا كان حث الرسول عليه الصلاة والسلام على تعلم القرآن ونشر هدايته فيقول " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخارى ومسلم ويقول فى حديث رواه الترمذى وغيره وحسَّنه " يا أبا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلى ألف ركعة ".
وكما يخشع العقل يخشع القلب والوجدان، فيستقر الإيمان بالله ويقوى كلما قرئ القرآن، ويرق الوجدان والعواطف كلما كثرت قراءته أو سمعت آياته تتلى، كما يقول سبحانه {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلو الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23] إن أول أثر يروع الإنسان هو الدهشة والقشعريرة، وعند التأمل والانتقال بين فقراته من وعيد إلى وعد، ومن آية إلى آية يطمئن القلب ويألف هذا الجو الجديد كما يقول سبحانه {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} [الأنفال: 2] وليس الإنسان وحده هو الذى يتأثر لكلام الله تلاوة واستماعا فقد تأثرت به الملائكة ونزلت تستمع إليه من أُسيد بن حضير وهو يقرؤه ليلا، حتى إن فرسه التى كانت بجواره اضطربت لما أحست بما فى الجو من نور ومواكب غريبة عليه، وقد قال عنها الرسول الكريم كما ثبت فى الحديث الشريف: إنها الملائكة نزلت تستمع القرآن، ولو قرأ حتى يأتى الصباح لأمكن رويتها، وهو ترغيب للمؤمنين فى كثرة تلاوته، وبالإنصات له عند سماعه وعدم الانشغال عنه بلهو الحديث، فتلاوته تجارة لن تبور، وبكل حرف منه عشر حسنات، والمنزلة فى الجنة بقدر ما يقرأ منه كما صح فى الحديث:" يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق كما كنت تقرأ فى الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقروها " رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه، وقال الترمذى: حسن صحيح.
وكما يخشع العقل المفكر والقلب المتأثر تخشع الجوارح بالعمل، وخشوعها بالعمل يكون من منطلق الإيمان بالله وبالقرآن المعجز وبما فيه من هداية هى المثالية فى كل مجال من مجالات النشاط البشرى، كما يقول سبحانه: {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} [الإسراء: 9] وكما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعمل، فقد كان خلقه القراَن، تلقيا وتعليما وتبليغا وعملا وتطبيقا، وبهدايته المثالية والحرص على تطبيقها تكونت أمة كانت خير أمة أخرجت للناس، قوة وتماسكا وحضارة ومدنية، ولم يفارق رسول الله الدنيا إلا بعد أن أوصانا بالتمسك به حتى لا نضل " إنى تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدى أبدا، كتاب الله وسنتى" رواه الحاكم وصححه،فهو حبل الله المتين، ومن يعتصم به فقد هُدى إلى صراط مستقيم.
والغاية من تدبر القرآن والخشوع له تقوية إيماننا بالله، وإسعاد الإنسان فى دنياه وأخراه، والله الذى أنزل القرآن هو الموصوف بعد هذه الآية بالوحدانية والرحمة والملك والتقديس والسلامة من كل نقص والمصدق لرسله بآياته، والمسيطر على الكون كله بقدرته وعلمه، والعزيز الذى لا يذل، والمتعالى عن كل نقص، والخالق للعالم والمبدع له على غير مثال سبق والمصور له كيف يشاء ويختار، والموصوف بكل كمال، فكيف يشرك المشركون به آلهة ليس لها هذا الكمال؟ إن الكون كله يسبح لله بالتوحيد والطاعة، وما أظلم لإنسان وأجهله إذ وقع تحت تأثير غرائزه وشهواته، فيا أمة محمد أناديكم بما نادانا به رب العزة {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} [الحديد: 16]
(8/80)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 4:57 pm


التفسير العلمى للقرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل العلوم التى اكتشفت حديثا توجد فى القرآن، وهل هناك حاجة إلى تفسير القرآن تفسيرا علميا على ضوء الاكتشافات الحديثة؟

الجواب
سبق فى ص 116 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى بيان أن مهمة القرآن هى الإعجاز والهداية، وأن ما فيه من حقائق علمية تدعو إلى النظر والتأمل، وزيادة فى الإيضاح وإجابة على السؤال نقول:
هذه القضية ثار حولها الجدل والنقاش، وانقسم الناس فيها فريقين:
(أ) فريق يقول: نعم فى القرآن توجد العلوم والمكتشفات الحديثة.
ونحن فى حاجة إلى تفسير علمى، بمعنى استخلاص هذه المحدثات من ألفاظ القرآن، وحمل الألفاظ عليها. واستند هذا الفريق فى رأيه إلى ما يأتى:
1ـ أن الله تعالى قال {ما فرطنا فى الكتاب من شىء} [الأنعا م: 38] .
أى ليس فى الحياة شىء إلا وهو موجود فى القرآن. فذكرت فيه الميكروبات والكهرباء والذرة والصواريخ والطائرات وغيرها.
ونوقش هذا الدليل بأن المراد بالكتاب هو اللوح المحفوظ الذى أثبت الله فيه مقادير الخلق، ما كان منها وما يكون، حسب النظام المعبَّر عنه بالسنن الإلهية. أو هو علم الله المحيط بكل شىء الثابت فيه كل معلوم، وإذا أريد بالكتاب القرآن فليس لفظ الشىء على عمومه، بل المراد به الشىء الذى هو موضوع الدين، وهو الهداية التى من أجلها نزل القرآن، فالعموم فى كل شئ بحسبه.
2ـ كما استند إلى أن نشر الإسلام فى هذه الأيام يحتاج إلى التحدث عنه بأسلوب العصر وطرائق فهمه، لبيان تجاوب الدين والقرآن مع الحياة فى كل أطوارها.
ونوقش بأن نشر الإسلام لا يتوقف على ذلك، فأصول الهداية فيه، والنصوص الدالة على النظر والبحث وتقديس العقل كافية فى بيان تجاوبه مع أرقى الحضارات وأزهى العصور.
وبهذا نرى أن حجة هذا الفريق واهية أو فيها مناقشة تضعف الاستدلال بها على المقصود.
(ب) والفريق الآخر يقول ليس القرآن كتاب تعليم وتسجيل لمكتشفات العصور بأشخاصها، ولا يحتاج إلى أن نحمل ألفاظه على أسلوب العصر ونضمنها نظرياته وعلومه. وحجتهم فى ذلك:
1ـ عدم حاجة الشريعة فى فهم كتابها وتعرف مبادئها، إلى العلوم الكونية والرياضيات وما إليها. وحمل ألفاظ القرآن عليها فيه تعسف وتحميل لها لما لا تطيق.
2ـ أن القرآن موجَّه أولا إلى من نزل فيهم وهم العرب، وليس لهم عهد بهذه العلوم التى لم تعرفها الدنيا إلا بعد قرون، فإذا قصد القرآن إليها وآياته لا تفهم إلا بالوقوف عليها، كان كلاما غير مطابق لمقتض الحال، وحاشاه أن يكون كذلك، فوجب أن نقف بعباراته عند فهم العرب الخلص، ولا نتجاوز ما ألفوه من علومهم، يقول الشاطبى فى كتابه " الموافقات ج 2 ص 52 ": ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب ينبنى عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا فى الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها. وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح، ولهذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم فى شىء من هذا المدعى سوى ما تقدم من أحكام ... وما يلى ذلك. ولو كان لهم فى ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشىء مما زعموا.
3ـ أن النظريات العلمية عرضة للتبديل والتغيير، فإذا حملنا عليها ألفاظ القرآن كان فهم آياته عرضة للتغيير والتبديل مما يبعث على الشك ويؤدى إلى البلبلة والاضطراب.
وقد يناقش الدليل الأول بأن عدم احتياج فهم الشريعة وتبليغها إلى العلوم لا ينافى أنها موجودة فى القرآن،، ويكون الغرض منها الشرح والبيان والإيضاح، ويناقش الدليل الثانى بأن القرآن ليس للعرب فقط ولا لعصرهم السابق، بل هو لكل الناس ولجميع العصور، فلا مانع أن يكون فيه من المعلومات ما لا يعرفه العصر الأول، وسيعرف فيما بعد، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله تعالى {سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [فصلت: 53] وعموم رسالة الإسلام لا يجوز معها قصر فهم القرآن على المألوف عند العرب، فليكن فيه قدر يتضح سره بما ينكشف بعد من علوم كونية ونفسية، وذلك لزيادة الإيضاح لأصل الدليل على صدقه فهو صادق بإعجازه وكفى بالله شهيدًا على ذلك {أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد} .
ويناقش الدليل الثالث، بأن حمل الألفاظ القرآنية على النظريات التى لم تثبت بعدُ لا يجوز أبدا، وإذا حملت فإنما يكون على الحقائق العلمية الثابتة، ذلك لأن كلام الله حق لا يفسَّر بغير الحق، وهو ثابت لا يفسر بغير الثابت، فاللائق هو توضيح الثابت بما ثبت وليس ذلك إلا فى الحقائق العلمية المقررة وهذا كله بشريطة عدم التعسف فى التأويل، بل يترك لفظ القرآن على طبيعته القابلة لكل فهم دفعًا للعقل إلى التفكير والبحث.
7ـ والرأى الذى أميل إليه يتلخص فيما يلى:ـ (أ) أن القرآن فيه بعض الحقائق العلمية، وقد ذكرت للعبرة والموعظة والتأمل، لا على أنها معلومات للاعتقاد والتكليف والتعليم، وقد عبر الله عنها بالألفاظ العربية والأسلوب المعجز.
وما جاء فيه من المقررات العلمية حق لأنه كلام الله، سواء عرفها الناس عند نزولها أم لم يعرفوها، وعدم علمهم بها لا يغض من شأن القرآن، فهو ميسر للذكر يستطيع كل إنسان أن يأخذ منه القدر الكافى لهدايته، مهما كان مستواه العلمى.
(ب) أن ألفاظ القرآن دقيقة محكمة لأنها صنع الله الذى أتقن كل شىء وأن هناك لونًا من ألوان إعجازه هو الحديث عن بعض المسائل العلمية التى لا عهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالذات بعلمها، ولا عهد للعرب الذين ووجهوا بالقرآن بها، ثم ثبت بعد ذلك صدق هذه المسائل، وذلك للدلالة على أن القرآن ليس من عند محمد، بل هو من عند لله العليم الخبير. وبالتأمل فى بعض هذه التعبيرات نجد أنها محايدة فى الأمور التى يختلف الناس عليها ولم يصلوا بعد إلى معرفة أسرارها، وذلك ليدع مجال الفكر مفتوحا للباحثين، ليصلوا إلى آخر شوط ممكن، وكلما جد البحث بشخص نظر إلى الآية فرآها كأنها معه فى كل خطواته تشجعه ولا تصرح على الأقل بكذبه أو إخفاقه، فيغريه ذلك على متابعة البحث إرضاء لشهوة العقل وحب الاستطلاع. حتى إذا وصل إلى الحقيقة العلمية الثابتة وجد الآية معه أيضًا لم يصبها أى تغب فى موقفها المحايد الذى لا ينحاز إلى باحث معين فى أولى خطوات النظر وفى وسطها حتى يبلغ النهاية. وهو بوصوله إلى الحقيقة سيزداد إيمانًا بصدق القرآن وأنه حق من عند الله، لا من عند محمد الذى لم يتعلم أساليب البحث ليصل إلى هذه النتيجة، وإن لم يصل إلى الحقيقة العلمية بعد طول البحث لا يجوز له أن يشك فى القرآن، بل الأجدر أن يتهم نفسه ويعيد النظر فى أسلوب بحثه عل فيه حلقة مفقودة، أو مقدمة لم تثبت لتستطيع أن تنتج نتيجة صادقة.
وحياد الألفاظ القرآنية فى كثير من مواضعها هو الذى أوجد النشاط الفكرى عند علماء الكلام فى بعض المسائل الكلامية، حيث تكون الآية الواحدة كل يدعى أنها تشهد لرأيه، وكذلك كان هذا الحياد سببًا فى نشاط علماء الشريعة فى استنباط الأحكام الفقهية.
(ج) أن أسلوب القرآن مطابق لمقتضى الحال فى خطابه للعلماء والعامة على السواء، على خلاف الكلام العادى للناس، فهو إما أن يخاطب به المستويات العالية باشتماله على الرمز والإشارة والكناية والاستعارة، وإما أن يخاطب به العامة الذين لا يفهمون إلا الواضح المبسط من الكلام، ولو خوطبت إحدى الطائفتين بغير ما يليق بها لم يكن الكلام بليغًا، أما القرآن الكريم فهو وحده الذى يراه البلغاء أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم، فهو متعة الخاصة والعامة على السواء. كما قال سبحانه {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر} [القمر: 17، 22، 32، 40] .
يقول الراغب الأصفهانى فى مقدمة تفسيره: أخرج تعالى مخاطباته فى محاجة خلقه فى أجل صورة تشتمل على أدق دقيق؛ لتفهم العامة من جلتها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة؛ ويفهم الخواص من أثنائها ما يوفى على ما أدركه فهم الحكماء، ومن هذا الوجه كل من كان حظه فى العلوم أوفر كان نصيبه من علم القرآن أكثر، ولذلك إذا ذكر تعالى حجة إلى ربوبيته ووحدانيته أتبعها مرة بإضافتها إلى أولى العقل، ومرة إلى أولى العلم؛ ومرة إلى السامعين، ومرة إلى المتذكرين تنبيها على أن بكل قوة من هذه القوى يمكن إدراك حقيقة منها.
(د) أننا فى حاجة إلى من يفسر لنا القرآن على ضوء المقررات العلمية لتتضح معانيه. ويؤمن بها الذين لا يرضون بغير هذا الأسلوب بديلا، فبمقررات علم الحياة والأجنة يمكن توضيح قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 12 -13] وبمقررات علم الطب يتضح لنا معنى الأذى فى قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة: 222] ويتضح سر التحريم لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة..
الوارد فى الآية الثالثة من سورة المائدة فكل ما يساعد على كشف أسرار التشريع من العلوم لا بأس به، بل كل ما يوصل إلى الإيمان بالله وإدراك سر الوجود لا بأس به بل هو مطلوب.
وهذا كله على شريطة أن يكون التفسير بالمقررات الثابتة، لا بالنظريات التى ما زالت قيد البحث ومحل اختلاف العلماء. وعلى ألا يكون هناك تعسف فى التأويل وتحميل الألفاظ معانى لم توضع لها، كما سيتضح من عرض الأمثلة آلاتية بعد.
8 ـ إن تفسير القرآن بالنظريات التى لم تثبت يعد تفسيرا بالرأى المحض، وقصره على رأى بالذات افتراء للكذب على الله. وفى ذلك خطورة كبيرة، لأنها تخضع آيات القرآن للآراء الخاصة، الأمر الذى ضل به كثير من الفرق التى ظهرت فى الإسلام، ولأنها تمنع صلاحية الإسلام العامة أن تكون لكل البيئات والأجيال وأن تكون مناراً هاديا لكل المفكرين، كما أنها تعرض القرآن للطعن فيه بالتكذيب إن جاء ما يثبت خطأ الرأى الأول الذى فسر به.
والإنسان إذا لم يكن متمكنا مما يقول ويرى لا ينبغى أن يحمل القرآن على جهلة وسفهه، فهو حرم مقدَّس لا يقربه إلا العالمون الموقنون. قال إبراهيم التيمى: سئل أبو بكر الصديق رضى الله عنه عن تفسير الفاكهة والأبِّ فقال: أى سماء تظلنى، وأى أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم. وقال أنس. سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: كل هذا قد عرفناه، فما الأبُّ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال: هذا لعمرو الله التكلف، وما عليك يا بن أم عمر ألا تدرى ما الأبُّ. ثم قال: اتبعوا ما بيِّن لكم من هذا الكتاب، وما لا فدعوه "القرطبى ج 9 1 ص 223 " وذلك كطه من وحى قوله صلى الله عليه وسلم " اتقوا الحديث علىَّ إلا ما علمتم، فمن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" رواه الترمذى عن ابن عباس. قال ابن عطية: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى فى كتاب الله عز وجل فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء، واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول،، وليس يدخل فى هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه، الفقهاء معانيه، ويقول كل واحد باجتهاده المبنى على قوانين علم ونظر، فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه " القرطبى ج 1 ص 32 " وعلى هذا من يفسر القرآن بنظرية غير ثابته فهو يفسر برأيه على غير قوانين العلم والنظر، بخلاف من يفسره بهذه القوانين الثابتة، فهو يعمل عملا مشروعا يوضح ما فى القرآن فقط لا يقصد به إثبات صدقه، فكفى بالله شهيدًا على صدقه.
9 ـ إن من قواعد المنهج السليم لتفسير القرآن أن تستقصى آياته فى الموضوع الواحد فهى تفسر بعضها بعضا، وخير ما فسرته بالوارد، فقد يكون العام أو المطلق أو المبهم فى آية مخصصا أو مقيدا أو مبينا فى آية آخرى، وهكذا، على أن يراعى السباق والسياق فى فهم المراد من الآية. والخطأ الذى يقع فيه كثير من الباحثين الآن - وكثير منهم غير أهل للتفسير- أساسه عدم مراعاة هذا المنهج، فهم يبترون الآية بترا ويقطعونها عن سابقتها ولاحقتها ويفسرونها كما يريدون، وهم لا ينظرون إلى مثل هذه الآية فى موضع آخر من القرآن حتى يستعينوا بها على تفسيرها، فلهذا يخطئون كثيرا فيما يزعمون. روى البخارى ومسلم أنه لما نزل قول الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام: 82] قال بعض الصحابة:
يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس بذلك، ألا تسمع إلى قول لقمان {إن الشرك لظلم عظيم} . فالظلم الذى نزلت به هذه الآية عرف المراد منه بما نزل فى الآية الأخرى، وهو الشرك.
ومن مظاهر الخطأ فى التفسير لعدم اتباع هذا المنهج أن بعض الباحثين - ولا أقول المفسرين - أراد أن يبرهن على أن الأرض تتحرك وتسير وليست ثابته، فأورد قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب} [النمل: 88] فمرور الجبال كالسحاب دليل على أن الأرض تتحرك، هكذا يقول. وقد نسى أن الآيات التى اكتنفت هذه الآية تتحدث عن النفخ فى الصور وعن محاسبة الناس على حسناتهم وسيئاتهم، فالجو كله فى يوم القيامة سباقا وسياقا. وليس ذلك فى عالم الدنيا. ونسى أيضًا أن الحديث عن ظاهرة مرور الجبال يوم القيامة ورد فى آيات أخرى من سور القرآن قال تعالى: {يوم تمور السماء مورا.
وتسير الجبال سيرا. فويل يومئذ للمكذبين} [الطور: 9 - 11] وقال {إذا الشمس كوِّرت. وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيِّرت..} [التكوير: 1 ـ 3] والمقام كله فى يوم القيامة.
10 ـ وهذه بعض الكشوف العلمية التى حاول الكاتبون أن يستدلوا عليها بالقرآن:
1 ـ فى غزو الفضاء قالوا: يدل عليه قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} [الرحمن: 33] فالسلطان هو العلم وبواسطته نفذ الإنس من الأقطار. ويرد عليه بأن هذه الآية تتحدث عن يوم القيامة، وتبين قدرة الله على محاسبة كل من الإنس والجن ومجازاته لا يستطيع أحد أن ينجو منه إلا بسلطان، أى قدرة عظيمة أو ملك قوى، وليس ذلك لأحد إلا لله. أو تتحدث عن القضاء بالموت على كل حى لا يهرب منه أحد فكل من عليها فان، لا ينجو منه إلا بالسلطان المذكور وهو لا يملكه.
وقال ابن عباس فى تفسيرها: إن استطعتم أن تعلموا ما فى السموات وما فى الأرض فاعلموه ولن تعلموه إلا بسلطان أى ببينة من الله، ومعنى هذا أن الغيب لا يعلمه إلا الله، الذى يطلع عليه من يشاء من عباده. فلو فرض أن المراد بالسلطان هو العلم كما يشير إليه قول ابن عباس، فإن هذه الآية ليست نصًّا فى الزعم الذى يقوله المتحدثون. وعلى ذلك لا تصح دليلا لهم، على أنه لو كان ذلك صحيحًا فما المانع أن يطلع الله بعض الناس على علوم الكون بسلطان العلم، ولكن هل نفذ الإنس بعلمهم من أقطار السموات أيضا، أو نفذوا فقط - إلى الآن - من أقطار الأرض وجاذبيتها، وبقيت السموات حجرًا محجوراً؟ إن كل ما أمكن الوصول إليه من معلومات عن طريق الآلات الحديثة لا يعدو أن يكون فى سماء الدنيا، فإن الكشوف الفلكية والكواكب وأبعادها وسرعة ضوئها ودورانها ما زالت فى إحدى السموات وهى الدنيا، الشمس تبعد عن الأرض 93 مليون ميل كما قال تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} [الصافات: 6] فهل يستطيعون أن ينفذوا من أقطار السماء الدنيا كلها ثم يتطلعون إلى بقية السموا ت؟ على أن المقام، كما ذكرت، هو مقام الحساب والجزاء بدليل السباق والسياق، فأولى أن يحمل اللفظ على ما يليق به، ولا داعى للتعسف وطلب دليل من القرآن، فكم من حقائق علمية ثبتت بغير الاستدلال عليها من الكتاب الكريم، ولا ضير فى ذلك أبدًا، على ما علمت من مهمة القرآن فى الهداية والإعجاز.
(ب) استدل بعض العامة من الناس على كروية الأرض بالآية السابقة قائلا إن التعبير بالأقطار يثبت كروية الأرض وكروية السموات، لأن القطر هو الخط الموصل بين نقطتين على المحيط ماراًّ بمركز الدائرة، والأقطار لا تكون إلا للدوائر وهذا بالتالى يثبت الكروية. ويرد عليه بأن القطر الذى يتحدث عنه هذا الشخص اصطلاح هندسى لم تعرفه العرب فهم يعرفون القطر بأنه الجهة والناحية لا الخط المذكور، والنفاذ من الأقطار يكون بالخروج من الجهات والمنافذ لا من الخطوط التى يتصورها المهندسون.
إن كروية الأرض حقيقة ثابتة، وحياة الناس وتطورها مبنى عليها، والدليل على ذلك ليس من القرآن، ولا داعى لالتماسه منه أبدًا، على ما علمت من مهمته فى الإعجاز وهداية الناس.
(ج) دور الرياح فى تلقيح النبات بحمل مادة الذكورة إلى مكانها الذى تلتقى فيه بمادة الأنوثة فيكون الإخصاب، على ما هو مقرر فى علم النبات. استدل عليه البعض بقوله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه} [الحجر: 22] فاللواقح جمع لاقح بمعنى حاملة للقاح، أو ملقحة لغيرها بما تحمله، إن دور الرياح فى نقل اللقاح معروف، ولكن فى أخذه من هذه الآية تعسف وتكلف؛ ذلك أنه لو كان المراد تلقيح النبات لجاء عقبها ما يتحدث عن النبات فيقال مثلا: فزكا الزرع وخرج الثمر ولكن الذى حدث أن الذى جاء بعدها قوله تعالى: {فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه} وهذا يشير إلى أن المعنى أن الرياح المحمَّلة ببخار الماء؛ يرسلها الله فتتجمع السحب ويتكاثف البخار ويبرد فى الطبقات الجوية الملائمة فينزل الماء، وهذا هو التنسيق المعقول بين إرسال الرياح اللواقح وإنزال الماء من السماء لسقى الناس. فأولى أن تحمل الآية عليه، ولا يتعسف بحملها على ما يثبت دورها فى تلقيح النبات، فذلك مشاهد بالملاحظة والنظر لا حاجة إلى الدليل النقلى عليه.
(د) قالوا: إن حدود الكون تتسع وتمتد؛ واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} [الذاريات: 47] ؛ لكن العلماء قالوا: إن لفظ {موسعون} مأخوذ من أوسع الرجل إذا صار ذا سعة وغنى؛ ومنه قوله تعالى {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} [البقرة: 236] فالآية تدل على قدرة الله، وقدرته تتجلى فى أشياء كثيرة، ولا مانع أن يكون منها توسيع حدود الكون، فهو الذى خلقه بقدرته وعلمه. فلا ينبغى قصر معنى السعة على هذا الذى يريده علماء الفلك والطبيعة.
(هـ) قالوا: إن كل شىء فى السماء يعتريه ازدياد مفاجئ فى حرارته وحجمه وإشعاعه بدرجة لا تتصورها العقول، وعند ذلك يتمدد السطح بما حوى من لهب ودخان، حتى يحصل على توازنه الدائم، والشمس لم تمر بهذا الدور بعد، فإذا مرت به وتمدد سطحها الخارجى حتى وصل القمر يختل توازن المجموعة الشمسية كلها، وذلك يوم القيامة، ويدل عليه قوله تعالى {فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] قال المفسرون: إن هذا الدخان من علامات الساعة كما فى صحيح مسلم، وقيل إن الدخان هو ما أصاب قريشًا من الجوع بسبب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم عليهم؛ كما رواه البخارى فى حديث يصور هذا الجوع جاء فيه: فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله {فارتقب ... } وجاء فيه: أن النبى استقى لهم فسقوا ولكن استمروا على عنادهم فقال الله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} يعنى يوم بدر، وقيل إنه غبار الجيش يوم فتح مكة.
(و) قالوا أيضًا مما يشير إلى قلة الأوكسجين فى الطبقات الجوية العليا قوله تعالى: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجا كأنما يصَّعَّد فى السماء} [الأنعام: 125] وظاهرة ضيق الصدر تحصل عند الارتفاعات العليا، ومثل هذا واضح لا شك فيه، ويفيد فى تصور المعنى المراد دون أن يمس قدسية القرآن.
كما قالوا: إن الأبعاد والمسافات الشاسعة بين النجوم والتى لا يمكن حساب بعضها يشير إليه قوله تعالى {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75] فإن مجموعات النجوم التى تكون أقرب مجرات السماء منا تبعد عنا بنحو 700 ألف سنة ضوئية، والسنة الضوئية تعادل عشرة ملايين الملايين من الكيلو مترات للضوء يقطع فى العام نحو 88، 5 مليون ميل أى نحو 6 مليون ميل (مجلة العربى يوليو 1970 م) (الضوء يقطع فى الثانية186000 ميل) 000، 300 ك م فهذه الأبعاد الشاسعة جديرة بأن يقسم الله بها لعظمها، وهذا وجه من وجوه العظمة وقد يكون منها دقة مساراتها وعدم تصادمها وتحديد الجاذبية فى كل منها، فالآية شاملة وعامة.
وقالوا أيضًا: مما يدل على قوة الاستدلال ببصمات الأصابع على شخصية صاحبها قوله تعالى: {بلى قادرين على أن نسوِّى بنانه} [القيامة: 4] لأن دقة الخطوط واتجاهاتها وعددها لا يكاد يتفق فيها شخصان، فتسويتها يوم القيامة على ما كانت عليه بعد أن كانت ترابًا منثوراً موزعا فى أماكن قاصية دليل قدرة الله تعالى، وهذا وجه من وجوه قدرة الله على بعث الناس يوم القيامة بأجسامهم المشخصة لهم بعد فنائها.
مثل هذه الأمثلة الأخيرة لا يضر توضيح آيات القرآن به أبدا، ولكن الممنوع قصرها على هذه المكتشفات، أو التعسف فى التأويل الذى يخرج به اللفظ عن أصل وضعه اللغوى واستعماله العرفى عند العرب الذين نزل القرآن بلغتهم.
وبعد، فهذا عرض موجز لموقف القرآن من الكشوف العلمية الحديثة رأينا فيه تشجيعه للبحث والنظرة ورأينا دقته حين يعرض لشىء علمى كشف عنه البحث أخيرا، وهذا دليل صدقه وأنه من عند الله وحده أيَّد به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم. والمقررات العلمية الثابتة ستزيد معانى القران وضوحًا، وهذه صورة من صور التعانق بين العلم والدين، أى العلم الثابت الأكيد ودين الله الذى أنزله هداية للناس جميعًا {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أوَ لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد} فليكن فهمنا له على ضوء لحقائق الثابتة لا النظريات الفجه، ولنحفظ له قدسيته فلا نقول على الله بغير علم، ولا نجعله حمى مستباحا لكل كاتب يجيل فيه قلمه بما ترمى به الأفكار الشاردة،، فليس كل مجال تباح فيه الحرية للجائلين {ألا إنهم فى مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شىء محيط} [فصلت: 54] .
تتمة:
وردت بعض الأحاديث فى مسائل علمية لم يوافق عليها العلم إلى الآن كحديث الذباب إذا وقع فى الإناء والأمر بغمسه كله لأن فى أحد جناحية داء والآخر دواء، وأحاديث أخرى واردة فى الطب.
ويرى ابن خلدون أن الطب المنقول فى الشرعيات ليس من الوحى فى شىء فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له فى شأن تلقيح النخل ما وقع فقال أنتم أعلم بأمور دنياكم. وعلى هذا يجوز أن يكون رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى مثل هذه الأمور محتملا للخطأ لأنه من أمور الدنيا. لكن لا ينبغى الحكم بذلك إلا بعد البحث الصحيح لمعرفة الرأى الحق العلمى اليقينى فى مثل هذه الأمور " منبر الإسلام مجلد 1 2 عدد جمادى الآخر 1383 ص آ 1، 17 "
(8/81)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 5:04 pm


تفسير: (لا تسألوا عن أشياء)

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل معنى قوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم} أننا لا نسأل عن أمور ديننا ما دمنا لا ن

الجواب
روى البخارى ومسلم أن رجلا اسمه عبد الله بن حافة هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا وكانت فيه دعابة سأل النبى صلى الله عليه وسلمعن أبيه، فقال له: " أبوك فلان " ولما علمت أمه بسؤاله عن أبيه قالت: ما سمعت بابن أعق منك، آمن أمك قارفت ما يفارق النساء فى الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ فقال: والله لو ألحقن بعبد أسود للحقت هذه الآية تنهى عن مثل هذه الأسئلة.
وروى الترمذى انه لما نزل قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قالوا: يا رسول الله أفى كل عام؟ فسكت ولما كرروا السؤال قال " لا، ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما أطقتموها، ولو لم تطيقوها لكفرتم " فأنزل الله هذه الآية للنهى عن تكلف الأسئلة ما دام القرآن لم يبين اكثر مما نزل، وذلك كله فى أيام نزول الوحى، حتى لا يكون المسلمون كبنى إسرائيل حينما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة، فأخذوا يسألون عن سنِّها وأوصافها حتى شدد الله عليهم فاشتروها بثمن كبير.
أما اليوم ـ وقد انتهى الوحى ـ فيجوز بل يجب أن نسأل عما نجهله لأنه من باب التفقه فى الدين، وقد كان النهى رحمة بالمسلمين فقد صح فى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شىء لم يحرم على المس فحرم عليهم من أجل مسألته ".
فعلى كل مسلم يجهل أمرا من أمور الدين ـ لم يستطع أن يعرفه من مصادره ـ أن يسأل عنه العلماء المختصين كما قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وأنصح كل طالب علم أياًّ كان نوعه أن يسأل عن حكم الدين فى كل ما يعِنُّ فذلك دليل على اليقظة حتى لا يزل، ولا يعدُّ ذلك جبنًا منه، بل هو الحكمة عين الحكمة، فليس التفلت من بل هو تهور يؤدى إلى التهلكة
(8/82)
________________________________________
نسخ القرآن بالسنة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للسنة الشريفة أن تنسخ الأحكام الثابتة بالقرآن مثل قوله صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث " الذى نسخ الوصية للوارث الموجودة فى القرآن، مع العلم بان القرآن كلام الله تعالى، والسنة من عند الرسول والرسول بشر؟

الجواب
يقول الله سبحانه {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} البقرة: 106، ويقول {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل} النحل: 151، تفيد هاتان الآيتان وغيرهما أن النسخ وهو انتهاء حكم شرعى بطريق شرعى موجود فى القرآن الكريم، وقد يكون النسخ للتلاوة والحكم أو أحدهما، وذلك بنزول آية أخرى فيها حكم مغاير. وأمثلته كثيرة فى القرآن الكريم أفردت بتآليف خاصة منها كتاب الناسخ والمنسوخ لأبى جعفر النحاس المتوفى سنة 338 س.
ونسخ القرآن بالقرآن متفق عليه بدليل الآيتين السابقتين، وأما نسخ القرآن بالسنة فمنعه جماعة، لأن الله يقول {قل ما يكون لى أن أبدِّله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلىَّ} يونس: 15، ولأن السنة لا تكون مثل القرآن ولا خيرا منها كما تقول الآية {نأت بخير منها أو مثلها} وقال آخرون بجواز نسخ القرآن بالسنة وبوقوعه بناء على أن السنة أيضا من عند الله كما قال تعالى {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى} النجم: 3، 4، وقال {وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نزَل إليهم} النحل:
44،على أن المراد بالذكر هو السنة، وقال جماعة: بنسخ القراَن بالسنة إذا كانت بأمر الله عن طريق الوحى، أما إن كانت باجتهاد فلا.
والرأى القائل بنسخ القرآن بالسنة هو الأقوى، لقول الله تعالى. إلى جانب النصين السابقين - {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر: 7.
وقوله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم} النساء:
65، إلى غير ذلك من النصوص، وقد أجمع المسلمون على أن القرآن إذا نزل بلفظ مجمل ففسره الرسول وبيَّنه كان بمنزلة القرآن المتلوَّ فى الأخذ به، فكذلك النسخ. وتطبيقا لذلك فى حكم الوصية للوارث.
قال تعالى {كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف} البقرة: 180.
يقول أبو جعفر النحاس: فى هذه الآية خمسة أقوال، منها أنها منسوخة بقوله " لا وصية لوارث " وذلك على رأى من يجيز نسخ القراَن بالسنة- وقيل: هى منسوخة بآية المواريث {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين} النساء: 11، وذلك على رأى من ينسخ القراَن بالقرآن فقط وقيل: نسخت الوصية للوالدين وثبتت للأقربين الذين لا يرثون.
وقيل: نسخ وجوب الوصية وبقى ندبها، وقيل: إن الوصية واجبة للوالدين والأقربين إذا كانوا لا يرثون، كأن كانوا كفارا.
هذا ملخص ما قيل فى آية الوصية، وعلى قول من الأقوال فى تفسيرها كان تشريع الوصية الواجبة لولد الولد المحروم من الميراث، كما فى القانون المصرى للأحوال الشخصية
(8/83)
________________________________________
معنى: لا يمسه إلا المطهرون

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 79؟

الجواب
يقول الله تعالى {إنه لقرآن كريم. فى كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 77 - 79. اتفقت الأئمة على حرمة مسهم المصحف أو حمله فى حال الجنابة ولم يخالف فى ذلك واحد من الصحابة، لكن جوزه داود وابن حزم.
واستند الجمهور القائل بالحرمة إلى هذه الآية، بناء على أن المراد بالكتاب هو المصحف وأن المس هو اللمس الحسى المعروف. وقد نوقش هذا الدليل بأن الكتاب المكنون فسره بعضهم باللوح المحفوظ ولا يمسه إلا المطهرون مقصود بهم الملائكة وفسره بعضهم بالكتب السابقة على معنى أن فيها ذكرا للقرآن ومن ينزل عليه، كما نوقش بأن الكتاب لو أريد به المصحف فإن معنى {لا يمسه إلا المطهرون} : لا يمسه إلا المطهرون من الشرك، لأن المشركين نجس فالذين يجوز لهم مسه هم المؤمنون سواء أكانوا على طهارة أم لا.
وقد صحح ابن القيم فى كتابه "التبيان فى أقسام القرآن " أن المراد بالكتاب هو الذى بيد الملائكة، وأريد ذلك بقوله تعالى: {فى صحف مكرَّمة.
مرفوعة مطهرة. بأيدى سفرة. كرام بررة} عبس: 13 -16.
ورجَّح ذلك بعشرة وجوه يمكن الاطلاع عليها فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام (ص 213) .
كما استدل المحرمون لحمل المصحف أو مسه بدون طهارة بحديث " لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه النسائى والدارقطنى والأثرم.
وهو حديث قوى قيل إنه أشبه بالمتواتر وقيل إنه حسن. وكذلك استدلوا بحديث "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) ذكره الهيثمى فى "مجمع الزوائد" برجال موثقين. كما استدلوا بمنع أخت عمر بن الخطاب من مسه للصحيفة التى كانت تقروها لأنه رجس، رواه الدارقطنى.
ونوقشت أدلة المحرِّمين وأدلة المجيزين.
هذا فى حال الجنابة، أما فى الحدث الأصغر فجمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله، وهو مروى عن كثير من الصحابة والتابعين، وذهب إليه من أئمة الفقة مالك والشافعى وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه. وأجاز بعض العلماء ذلك ونقل عن جماعة من السلف، وذهب إليه أبو حنيفة فى رواية عنه، كما جوزه داود بن على.
واستثنى بعض من حرم مس المصحف وحمله من الحدث الأصغر - الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم لحاجتهم إلى حفظ القراَن، ويقاس عليهم الكبار المحتاجون لحفظ القرآن فرخص لهم مسه وحمله مع الحدث الأصغر من أجل تيسير الحفظ وليس من أجل التعبد بالتلاوة، فتشترط للمسه وحمله الطهارة "راجع ص 413 من المجلد الأول من هذه الفتاوى"
(8/84)
________________________________________
كتابة القرآن بغير الحروف العربية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية ليستطيع قراءته أهل اللغات الأخرى؟

الجواب
أثير هذا الموضوع عندما أثير موضوع ترجمة القراَن الكريم، وحاول بعض المجددين أن يجيز كتابة القرآن بحروف غير الحروف العربية، ولكن عارضه أهل الذكر من علماء الدين، وصدرت بذلك فتوى رسمية من لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، ونشرت بمجلة الأزهر "المجلد السابع ص 45 " بتوقيع الشيخ حسين والى رئيس اللجنة وهذا نصها:
لا شك أن الحروف اللاتينية المعروفة خالية من عدة حروف توافق العربية، فلا تؤدى جميع ما تؤديه الحروف العربية، فلو كتب القرآن الكريم بها على طريقة النظم العربى. -كما يفهم من الاستفتاء -لوقع الإخلال والتحريف فى لفظه، وتبعهما تغير المعنى وفساده. وقد قضت نصوص الشريعة بأن يُصان القرآن الكريم من كل ما يعرضه للتبديل أو التحريف، وأجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على أن كل تصرف فى القرآن الكريم يؤدى إلى تحريف فى لفظه أو تغيير فى معناه ممنوع منعا باتا، ومحرم تحريما قاطعا.
وقد التزم الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا، كتابة القرآن الكريم بالحروف العربية ومن هذا يتبين أن كتابة القرآن العظيم بالحروف اللاتينية المعروفة لا تجوز. انتهى.
هذا ويقاس على تحريم كتابة القراَن الكريم بالحروف اللاتينية التى صدرت بها الفتوى تحريم كتابته بأية حروف أخرى غير عربية، للاتحاد فى العلة كما هو الشرط فى القياس وقد سبق الكلام على ذلك فى ص 3 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى
(8/85)
________________________________________
قول صدق الله العظيم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعض الناس يقولون: إن قول القارئ بعد الانتهاء من القراءة "صدق الله العظيم " بدعة، لا يجوز قولها فهل هذا صحيح؟

الجواب
حذرت كثيرا من التعجل فى إطلاق وصف البدعة على أى عمل لم يكن فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد التشريع، ومن التمادى فى وصف كل بدعة بأنها ضلالة وكل ضلالة فى النار، ويمكن الرجوع إلى ص 352 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى لمعرفة ذلك.
وقول "صدق الله العظيم " من القارى أو من السامع بعد الانتهاء من القراءة، أو عند سماع آية من القراَن ليس بدعة مذمومة، أولا لأنه لم يرد نهى عنها بخصوصها، وثانيا لأنها ذكر لله والذكر مأمور به كثيرا، وثالثا أن العلماء تحدثوا عن ذلك داعين إليه كأدب من آداب قراءة القرآن، وقرروا أن قول ذلك فى الصلاة لا يبطلها، ورابعا أن هذه الصيغة أو قريبا منها ورد الأمر بها فى القرآن، وقرر أنها من قول المؤمنين عند القتال.
قال تعالى: {قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا} آل عمران:95، وقال {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} الأحزاب: 22، وذكر القرطبى في مقدمة تفسيره أن الحكيم الترمذى تحدث عن آداب تلاوة القراَن الكريم وجعل منها أن يقول عند الانتهاء من القراءة: صدق الله العظيم أو أية عبارة تؤدى هذا المعنى. ونص عبارته "ج 1 ص 27 ": ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم [مثل أن يقول: صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم] ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول: صدقت ربنا وبلَّغت رسلك ونحن على ذلك من الشاهدين.
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط، ثم يدعو بدعوات.
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة، نشر أوقاف مصر، أن الحنفية قالوا: لو تكلَّم المصلى بتسبيح مثل. صدق الله العظيم عند فراغ القارئ من القراءة لا تبطل صلاته إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة، وأن الشافعية قالوا: لا تبطل مطلقا بهذا القول، فكيف يجرؤ أحد فى هذه الأيام على أن يقول: إن قول:
صدق الله العظيم، بعد الانتهاء من قراءة القرآن بدعة؟ أكرر التحذير من التعجل فى إصدار أحكام فقهية قبل التأكد من صحتها، والله سبحانه وتعالى يقول: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} النخل:
116
(8/86)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 5:07 pm


ختم القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك دعاء مخصوص لختم القرآن وهل ورد حديث فى فضل الاجتماع على ختم القرآن؟

الجواب
لم يرد حديث مقبول عن النبى صلى الله عليه وسلم بخصوص ختم القرآن كما لم يرد بخصوص الاجتماع على الختم، وإنما هو كلام وآثار وردت عن السلف، وذكر النووى شيئا من ذلك فى كتابه "الأذكار" ص 158 وقال:
صح عن بعض التابعين الكوفيين أنهم كانوا يصبحون صياما اليوم الذي يختمون فيه. وقال: يستحب حضور مجلس الختم لمن يقرأ ولمن لا يحس القراءة، كما شهد النساء الحُيَّض الخير ودعوه المسلمين يوم العيد. وذكر أن أنس بن مالك كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا، وأن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن وتنزل الرحمة. وروى فى مسند الدارمى عن حُميد الأعرج أنه قال: من قرأ القرآن ثم دعا أمَّن على دعائه أربعة آلاف ملك.
إن قراءة القراَن لها فضلها العظيم. ومجالس الذكر والقرآن تشهدها الملائكة كما صحت بذلك الأحاديث، والصوم مستحب سواء كان من أجل ختم القرآن أو من غيره، والدعاء لا بأس به بعد قراءة القرآن وهو مرجو القبول، لأن القراءة وسيلة لثواب الله، والدعاء بصالح الأعمال بوجه عام يرجى قبوله كدعاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار ففرَّج الله عنهم وكون أربعة آلاف ملك يؤمنون على الدعاء بعد القرآن لا يعلمه إلا الله سبحانه ولم يصح فيه حديث فالخلاصة أن كل عمل صالح يدعو تحت العنوان العام للصالحات لا بأس به، لكن ورود حديث بذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم يجب التحرى فيه
(8/87)
________________________________________
قراءة القرآن للجنب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سيدة تدرس الدين فى المدارس، وتضطر إلى قراءة آيات من القرآن الكريم وهى فى عادتها الشهرية فهل هذا جائز؟

الجواب
قراءة القرآن من غير مس المصحف أو حمله بالنسبة للحائض والنفساء والجنب فيها رأيان: رأى بالمنع وهو لجمهور العلماء، ورأى بالجواز. واستدل الجمهور على المنع بأدلة منها:
1 -ما رواه أصحاب السنن عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القراءة شىء إلا الجنابة، وصحح الترمذى هذا الحديث. وقال ابن حجر: إن بعضهم ضعَّف بعض رواته فهو من قبيل الحسن، ويصلح للاحتجاج به.
2 -ما رواه أحمد وأبو يعلى عن على أيضا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال "هكذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية" قال الهيثم: رجاله موثقون، قال الشوكانى: فإن صح هذا الحديث صلح للاستدلال على التحريم، أما الحديث الأول عن على فليس فيه ما يدل على التحريم، لأن غايته أن النبى صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة. ومثله لا يصح متمسكا للكراهة فكيف يستدل به على التحريم؟ .
3- ما رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن " وقد ضُعِّف هذا الحديث.
والذين أجازوا القراءة للجنب، ومنهم داود، وابن حزم الظاهريان، استندوا إلى كتاب هرقل الذى؟ أرسله إليه النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم -وكانت فيه آية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم. . .} وهو وغيره ممن أرسلت إليهم الكتب لا يتطهرون من الجنابة. وذهب البخارى والطبرى إلى ذلك. قال البخارى: لا بأس أن تقرأ الحائض، الآية ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل حال.
قال الحافظ ابن حجر تعليقا على هذا. لم يصح عند المصنف - البخارى- شىء من الأحاديث الواردة فى ذلك. أى فى منع الجنب والحائض من القراءة، وإن كان مجموع ما ورد فى ذلك تقوم به الحجة عند غيره، لكن أكثرها قابل للتأويل. وذهب أبو حنيفة إلى قراءة ما دون الآية. وبعه عرض الرأيين أقول: إن أدلة المنع من القراءة للجنب قوية، ولا أرى جوازها إلا للضرورة القصوى، كالاستدلال من القرآن على رأى فى مجال النقاش مثلا، وكقراءته لتأدية امتحان يترتب على عدم القراءة فيه ضرر، وبالنسبة لما جاء فى السؤال أرى أن تعتذر المدرسة عن عدم القراءة وتؤجلها حتى تطهر أو تكلف غيرها بالقراءة.
هذا وقد جاء فى شقه المذاهب الأربعة-نشر أوقاف مصر-ما يأتى:
1 -المالكية قالوا: لا يجوز للجنب قراءة القراَن إلا إذا كان يسيرا وقرأه بقصد التحصن أو الاستدلال، أما الحائض والنفساء فإنه يجوز لها قراءه القرآن حال نزول الدم. سواء كانت عليها جنابة من قبل أم لا، أما بعد انقطاع الدم فإنه لا يجوز القراءة قبل الاغتسال سواء كانت عليها جنابة أو لا على المعتمد، وذلك لأنها صارت متمكنة من الاغتسال فلا تحل لها القرءاة قبله. أما مس المصحف أو كتابته فإنه يجوز لها للتعلم أو التعليم فقط.
وكذلك لا يجوز للجنب دخول المسجد لا لمكث فيه ولا المرور من باب إلى باب آخر.
2 - والحنفية قالوا: يحرم على الجنب تلاوة القراَن إلا إذا كان معلما، فإنه يجوز له أن يلقن المتعلم كلمة كلمة، بحيث يفصل بينهما، وأن يفتتح أمْرًا ذا. بال بالتسمية، وأن يقرأ الآية القصيرة بقصد الدعاء أو الثناء، ومثل الجنب فى ذلك الحائض والنفساء، أما دخول المسجد فيحرم إلا للضرورة.
3-والشافعية قالوا: يحرم على الجنب قراءة القرن ولو حرفا واحدا إن كان قاصدا تلاوته، أما إذ قصد الذكر فلا يحرم مثل "بسم الله الرحمن الرحيم " عند الأكل، أما المرور بالمسجد فيجوز للجنب والحائض والنفساء من غير مكث فيه ولا تردد بشرط أمن عدم تلوث المسجد. ولا يجوز المكث فيه إلا للضرورة.
4 - والحنابلة قالوا: يباح للجنب أن يقرأ ما دون الآية القصيرة دون ما زاد على ذلك وله الذكر به، أِما المكث فى المسجد فيجوز بالوضوء ولو بدون ضرورة. أما الحائض أو النفساء فلا يجوز لها المكث بالوضوء إلا إذا انقطع الدم
(8/88)
________________________________________
تفسير: المال والبنون

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل المال مفضَّل على البنين حيث جاء الأول فى قوله تعالى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} ؟

الجواب
هذه الآية من سورة الكهف: 46، ومبدئيا أقول: إن العطف بالواو لا يقتضى ترتيبا ولا تعقيبا كما قال علماء اللغة العربية التى نزل بها القرآن الكريم المعجز، فالمال والبنون يشتركان فى حكم واحد فى الآية هو زينة الحياة الدنيا، سواء قدِّم المال على البنين فى الذكر أو أخر، فالواو لمطلق الجمع بينهما.
ثم أقول: لعلَّ - والله اعلم -تقديم المال على البنين هو مشاكلة لما حدث فى قصة الرجل صاحب الجنتين الذى افتخر بهما على صاحبه.
وقدم فى فخره المال على الولد، حيث قال القرآن {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} الكهف: 34، وردَّ على صاحبه بعد ذلك بقوله {إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك} الكهف: 39-40، واستمر الحديث بعد ذلك عن المال وهو الجنة التى أحرقها الله، وجاءت الآية التى تضرب المثل بعد ذلك متحدثة عن المال، فالتركيز أكثر على المال. فناسب أن يخبر الله عن زينة الحياة الدنيا مقدما المال الذى كان الاهتمام به كبيرا، ثم أقول إن المال هو الذى يساعد على الزواج الذى يأتى منه البنون المحتاجون فى تربيتهم أولا إلى المال، هذا ما بدا لى ولعله يكون مقبولا وأسرار القرآن المعجز يعلمها الله سبحانه وتعالى
(8/89)
________________________________________
الترتيب بين الإنس والجن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا نرى فى القرآن الكريم تقديم الجن على الإنس. هل هم أفضل من الإنس؟

الجواب
كما قرر العلماء: العطف بالواو لا يقتض ترتيبا ولا تعقيبا، فالكل مخلوقون لله ومخاطبون بالشريعة وسيحاسبون أمام الله، وهم مشتركون فى هذه الأمور وفى غيرها، ولعل تقديم الجن على الإنس راجع إلى أن الجن كانوا موجودين قبل خلق آدم. فلما خلقه الله أمر الملائكة بالسجود له، وكان معهم إبليس وقال بعض العلماء: لعل التقديم بسبب أن الجن تشمل الملائكة بجامع الاستتار فى كل، وفى ذلك يقول الله تعالى عن الكفار {وجعلوا بينه وبين الجِنة نسبا} الصافات: 158، حيث قالوا: إن الملائكة بنات الله قال الأعشى:
وسخر من جن الملائك سبعة * قياما لديه يعملون بلا أجر فأما قوله تعالى {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} الرحمن: 74، وقوله: {لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} الرحمن: 36، وقوله {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} الجن: 5، فإن لفظ الجن ها هنا لا يتناول الملائكة بحال، وذلك لنزاهتهم عن العيوب، وأنه لا يتوهم عليهم الكذب ولا سائر الذنوب، فلما لم يتناولهم عموم اللفظ لهذه القرينة بدأ لفظ الإنس لفضلهم وكمالهم "آكام المرجان للشبلى ص 7"
(8/90)
________________________________________
المعوذتان هل هما من القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح ما يقال: إن المعوذتين ليستا من القرآن الكريم؟

الجواب
هذا الكلام قديم وذكرته بعض كتب التفسير ونسب إلى عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه، يقول القرطبى فى تفسيره "ج 25 ص 251" زعم ابن مسعود أنه ما - قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس - دعاء تعوذ به النبى صلى الله عليه وسلم -حين سحرته اليهود، وليستا من القرآن. خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت.
وهذا الكلام يعنى أن المعوذتين من القرآن، والدليل عليه هو الإجماع من الصحابة وأهل البيت، ثم ذكر القرطبى مبررات لقول ابن مسعود، فذكر أن ابن قتيبة قال: لم يكتب عبد الله بن مسعود فى مصحفه المعوذتين لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين -رضى الله عنهما-بهما، فقدَر أنهما بمنزلة: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
ومن المعلوم أن المصحف الرسمى المعوَّل عليه هو ما كان يمليه النبى صلى الله عليه وسلم على كتَّاب الوحى، وكان بعض الصحابة يكتب لنفسه ما نزل من القرآن فى مصحف خاص كابن مسعود، وقد تكتب فيه تعليقات وتوضيحات وهوامش يراها صاحب المصحف هامة عنده، وعلى فرض أن ابن مسعود لم يكتبهما فى مصحفه فليس ذلك دليلا على أنهما ليستا من القرآن الكريم، ومن المعلوم أن عثمان بن عفان،رضى الله عنه عندما جمع المصحف تحت إشراف لجنة مختصة، ونسخ منه عدة نسخ وأرسل بعضها إلى الأمصار لتكون إماما للناس -أمر بإحراق كل ما عدا المصحف الذى جمعه حتى يكون المصحف الرسمى واحدا لا خلاف فيه.
وأبو بكر الأنبارى لا يرضى قول ابن قتيبة فيما نسب إلى ابن مسعود ويؤكد: أن المعوذتين من كلام رب العالمين المعجز لجميع المخلوقين، وأن "أعيذكما بكلمات الله التامة" واضح أنه من قول البشر، وكلام الله الخالق الذى هو معجزة لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وحُجة باقية على الكافرين - لا يلتبس بكلام الآدميين على مثل عبد الله ابن مسعود العالم باللغة وأفانين الكلام.
ثم يذكر القرطبى أن ترك عبد الله بن مسعود لكتابتهما سببه كما قال. البعض أنه آمن عليهما من النسيان، كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه لذلك. مع أنه حافظ متقن، ولكن هذا التعليل غير مسلَّم، لأنه كتب: إذا جاء نصر الله والفتح، إنا أعطيناك الكوثر، وقل هو الله أحد، وهن كالمعوذتين فى عدم الطول وفى سرعة الحفظ، ونسيانهن مأمون.
وذكر ابن كثير فى تفسيره عدة روايات تثبت أن المعوذتين من القرآن وان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما فى الصلاة ويرغب فى قراءتهما لما لهما من الثواب العظيم، وأكثر هذه الروايات فى مسند أحمد وفى سنن النسائى وروى مسلم فى صحيحه عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألم تر آيات أُنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ".
كما جاء فى تفسير ابن كثير أن البخارى روى عن زرِّ بن حُبيش أنه سأل أُبى بن كعب: يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا تقال: إنى سألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال "قيل لى فقلت " فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحافظ ابن حجر ذكر كثيرا مما تقدم يؤكد الإجماع على أن المعوذتين من كلام الله تعالى وقرآنه الكريم "ج 8 ص 615 ".
يؤخذ من هذا الكلام أن المعوذتين من كلام الله ومن سور المصحف. الشريف، وعدم كتابة ابن مسعود لهما لا يلزم منه أنهما ليستا من القرآن، بصرف النظر عما جاء من تعليل لذلك، فالإجماع منعقد من أيام الصحابة على أنهما من القرآن الكريم، ومصحف عثمان هو الإمام لكل المصاحف لإجماع الصحابة عليه
(8/91)
________________________________________
كتاب الإمام على ومعرفة الغيب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعنا أن هناك كتبا منسوبة إلى الإمام على رضى الله عنه. يعرف فيها ما يحدث فى العالم إلى يوم القيامة - فهل هذا صحيح؟

الجواب
من المعلوم أن الله سبحانه لا يُطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضاه، كما قال تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتض من رسول فإِنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن: 26، 27، ومن المعلوم أيضا أن المغالاة فى كل شىء مذمومة وأن الشيعة الذين يحبون آل البيت تغالوا فى ذلك حتى وضع بعضهم عليا رضى الله عنه فى منزلة ادعى بعضهم فيها أنه إله، والبعض الآخر أنه نبى، وكل ذلك تحدثت عنه كتب التوحيد.
وبخصوص علم سيدنا على كرم الله وجهه بالغيب سبق أن تحدَّثنا فى صفحة 411 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى عن مصحف فاطمة رضى الله عنها وعن الجفر والجامعة المنسوبين للإمام على رضى الله عنه. وإضافة إلى ذلك قرأت فى مجلة الإسلام فى سنتها الثالثة وفى العدد الثامن ما يأتى: قال السيد الشريف فى شرح المواقف: الجفر والجامعة كتابان لعلى رضى الله عنه. وقد ذكر فيهما- على طريقة علم الحروف - الحوادث التى تحدث إلى انقراض العالم، وكان الأئمة المعروفون من أولاده رضى الله عنه يعرفونهما ويحكمون بهما.
وفى كتاب قبول العهد الذى كتبه على بن موسى-رضى الله عنهما- إلى المأمون: إنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤنا، فقبلت منك العهد، لأن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم، ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه إلى أهل البيت، ورأيت أنا بالشام نظما أشير فيه بالرموز إلى أحوال ملوك مصر، وسمعت أنه مستخرج من ذينك الكتابين.
هذا كلام السيد. قالوا: فعلم من هذا أن عليا كرم الله وجهه كان عالما بالحوادث المستقبلة التى تحدث إلى انقراض العالم، إذ كتابة هذه الحوادث فى معنى القول بها. ولا شك فى أن علمه بذلك لم يكن اطلاعيا ولا استدلاليا. فتعين أن يكون بطريق التعليم الإلهى اللدنى، أو بتعليم النبى صلى الله عليه وسلم إياه بطريق الإفاضة الروحانية. قال حجة الإسلام الغزالى فى الرسالة اللدنية: قال على رضى الله عنه: أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه فى فمى فانفتح فى قلبى ألف باب من العلم، مع كل باب ألف باب.
هذا، وقد أنكر ابن تيمية نسبة ذلك إلى على فقال: ومن الناس من ينسب إليه الكلام فى الحوادث كالجفر وغيره، وآخرون ينسبون إليه أمورا أُخر يعلم الله تعالى أن عليا كرم الله وجهه منها برى ويؤيد كلام ابن تيمية ما رواه البخارى أن عامة ما يروى عن على كذب
(8/92)
________________________________________
صحف إبراهيم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قالى تعالى {إن هذا لفى الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى} الأعلى: 18،19، عرفنا صحف موسى وهى التوراة المطبوعة فأين نجد صحف إبراهيم؟

الجواب
من المعلوم أن الكتب التى نزلت على الأنبياء السابقين كانت فى تشريعاتها متناسبة مع الأقوام الذين أرسل إليهم الرسل، ولا يكلف قوم بغير ما جاء به رسولهم، فهى تشريعات خاصة وتاريخية أى قاصرة على زمانها تنسخها الشريعة التى تأتى بعدها، وكان خاتمة الكتب القرآن الكريم الذى نزل على خاتم الرسل، فليس بعدهما كتاب ولا رسول، والأمة الإسلامية ليست مكلفة بما جاء فى الكتب السابقة لأمرين أولهما أنها خاصة بأقوامهم. وثانيهما أنها ليست مقطوعة الصحة، وقد أخبر القرآن الكريم عن تحريفها فى أكثر من آية، بل عن اختلاق جماعة لكلام وادعاء نسبته إلى رسولهم ليكون وحيًا له القداسة عندهم.
مع العلم بأن أصول العقائد والأخلاق التى لا تتغير بتغير الأزمان والأقوام واحدة فى كل ما جاء به الرسل السابقون، والمخالفة هى فى التشريعات العملية التى تتناسب مع هؤلاء الأقوام، والقرآن جاء مقررا للصواب ومصححا لما دخله التحريف منها، تاركا التشريعات لمن نزلت عليهم، قال تعالى {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة: 48.
وقد تقدم فى صفحة 363 من المجلد الرابع النهى عن قراءة هذه الكتب خشية الفتنة بما فيها، إلا لمن كان على بينة من دينه ليميز الخبيث من الطيب، والخطأ من الصواب.
وبخصوص صحف إبراهيم لا يوجد خبر صحيح عما فيها، ولا عن وجودها الآن، وقد أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم كما قال تعالى {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} النحل: 123، والظاهر أن الاتباع هو فى عقيدة التوحيد والعقائد الأساسية كما يفهم من وصفه بقوله {حنيفا وما كان من المشركين} ومع ذلك إذا كان الاتباع فى بعض ما جاء من التشريع فهو صحيح ما دام لم يأت فى الإسلام ما يخالفه على رأى من قال بذلك من علماء الأصول. ومما أخذناه من شريعة إبراهيم الختان. ولا حاجة إلى معرفة ما نزل على إبراهيم من صحف. ففى قرآننا كل خير {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة: 3.
ومع ذلك ذكر المفسرون بعض ما فى هذه الصحف، ففى القرطبى ج 2 ص 24: روى الآجُرِّى من حديث أبى ذر قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟ قال "كانت أمثالا كلها، أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم، فإنى لا أردها ولو كانت من فم كافر. وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجى فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، يفكر فيها فى صنع الله عز وجل إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب. وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا فى ثلاث: تزود لمعاد، ومرمَّة لمعاش، ولذه فى غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه.
مقبلا على شانه، حافظا للسانه. ومن عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه ".
قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال كانت عِبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب. وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل.
قال: قلت يا رسول الله فهل فى أيدينا شىء مما كان فى يدى إبراهيم وموسى مما أنزل الله عليك؟ قال "نعم، اقرأ يا أبا ذر {قد فلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلَّى. بل تؤثرون الحياة الدنيا. والآخرة خير وأبقى. إن هذا لفى الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى} وابن جرير الطبرى اختار أن الذى فى صحف إبراهيم وموسى هو {قد أفلح من تزكى..} ووافقه ابن كثير فى هذا الاختيار، وأورد عن النسائى عن ابن عباس أن سورة {سبح اسم ربك الأعلى} كلها فى صحف إبراهيم وموسى.
وكلها روايات لا يلزمنا اعتقاد ما فيها، وقراننا هو خير كتاب نأخذ منه هدايتنا، فهو يهدى للتى هى أقوم
(8/93)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 5:15 pm


مستقر الشمس وعلم العلماء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله تبارك وتعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، مما يدل على أن الشمس تتحرك وليست ثابتة، ويقول بعض العلماء أن الشمس ثابتة والأرض هى التى تدور حول نفسها مرة فى اليوم، وحول الشمس مرة كل سنة فما مدى صحة كلامها؟

الجواب
الظاهر من كلمة (تجرى) التحرك والانتقال من مكان إلى آخر. كما أن الظاهر من كلمة (تدور) اللف حول شىء معين، وهذا الشىء المعين قد يكون هو المحور مع عدم الانتقال منه، وقد يكون فيه انتقال من مكان إلى آخر مع الالتزام بمركز يحدث حوله هذا الانتقال.
وكلمة (الفلك) معناها المسار أو المدار الذى يتحرك فيه الشىء، وقد يكون التحرك فى خط مستقيم أو خط دائرى يكون محيطا له مركز قال تعالى {وهو الذى خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل فى فلك يسبحون} الأنبياء: 33، والظاهر أن كلمة (كل) تعنى مجموع الليل والنهار والشمس والقمر بدليل الجمع فى قوله (يسبحون) فكيف نتصور الفلك الذى يسبح فيه الليل والنهار؟ إن معرفتنا لا تزال محدودة، وكلما اكتشف علماء اليوم جديدا عرفوا أنهم كانوا يجهلون كثيرا، وألفاظ اللغة العربية فيها من المرونة والصلاحية ما لا يستطيع الإنسان معه أن يجزم بمعنى ينطبق على شىء نجهل من حقيقته كثيرا.
إن "المستقر" الذى تجرى له الشمس فى قوله تعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، هل المراد به المحور الذى تدور حوله الشمس كما تدور الأرض حول محورها، أو المراد به المدار والمسار الذى تلتزمه وهى تتحرك من مكان إلى آخر، وإلى أين هذا التحرك، هل هو محيط أو فى خط مستقيم. كل ذلك قال به المفسرون والعلماء.
دون جزم بأحد هذه المعانى. وقد يقال: إن المستقر هو نهاية الحركة والجرى فالشمس سيأتى عليها وقت تقف فيه عن الجرى وهو يوم القيامة، فاللام فى (لمستقر) بمعنى "إلى" التى تفيد الغاية. . . قال تعالى {لا الشمس ينبغى لها أن تدرك. القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون} يس: 40، وهذا يدل على أن لكل من الشمس والقمر سَبحا وجريانا فى مدار ومسار وانتقال من مكان إلى مكان: ثم قال بعد ذلك: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فالظاهر أنها تلتزم مسارها وهو الفلك بحيث لا نتجاوزه إلى مسار آخر حتى لا تصطدم بالكوكب أو النجم الذى يجرى فى هذا المسار، وحتى لا تدرك القمر إن جرت فى مداره، فالكل يتحرك بنظام ثابت دقيق.
وقد يراد أن الشمس على الرغم من كبر حجمها والجد فى جريانها بحيث لا تدرك القمر سيأتى عليها وقت تكف فيه عن الحركة بأمر الله الذى يقع كل شىء تحت سلطانه وقهره.
هذا تفسير بالمعقول، أما التفسير بالمنقول فقد جاء فى صحيح مسلم عن أبى ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فقال: " مستقرها تحت العرش " وفى رواية لمسلم عن أبى ذر أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون أين تذهب هذه الشمس "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " إن هذه الشمس تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجرى لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهى إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعى أصبحى طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون متى ذلكم "؟ "ذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا " وجاءت هذه الرواية فى صحيح البخارى عن أبى ذر أيضا بما يفيد أن مستقر الشمس كل يوم هو تحت العرش حيث تسجد وتستأذن ربها بالجرى فيأذن لها حتى يكون آخر إذن بها بالشروق من المغرب.
إن الإنسان لا يستطيع بسهولة أن يفهم معنى الاستقرار تحت العرش، فالشمس دائما فى حركة إن غابت عن بعض أجزاء الأرض فهى ظاهرة للبعض الآخر، ولم يشاهد أحد من الدنيا أنها توقفت عن الحركة. . . أو لا يجوز أن نفسر استقرارها تحت العرش، بأنها فى كل أوقاتها خاضعة لأمر الله، لا تتحرك إلا بإذنه، وتستمر حركتها إلى أن تستقر نهائيا فى آخر الدنيا؟
(8/94)
________________________________________
من أى شىء خلقت حواء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن المرأة خلقت من ضلع آدم؟

الجواب
قال الله تعالى {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} النساء: 1، وقال {هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} الأعراف: 189، وقال تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} الروم: 21، وقال صلى الله عليه وسلم " إن المرأة كالضلع، فإذا ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج " رواه مسلم، وقال " واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما فى الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا " رواه مسلم وقال فى رواية لمسلم " وكسرها طلاقها".
يقول الفخر الرازى فى تفسيره لأول النساء: وفى كون حواء مخلوقة من آدم قولان: الأول -وهو الذى عليه الأكثرون- أنه لما خلق الله آدم ألقى عليه النوم، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى. واحتجوا بحديث مسلم " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج " والثانى- وهو اختيار أبى مسلم الأصفهانى- أن المراد من قوله " وخلق منها زوجها" أى فى جنسها وهو كقوله {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} وقوله تعالى {بعثت فيهم رسولا من أنفسهم} قال القاضى: والقول الأول أقوى وذكر وجه قوته.
والطبرى فى تفسيره وكذلك القرطبى ذكرا أن القول الأول هو لابن عباس وابن مسعود، لكن ليس لهذا النقل سند صحيح، بل هو منقول عن أهل الكتاب كما فى سفر التكوين " الإصحاح الثانى: 21 - ومن هذا نرى أن خلق حواء من آدم ليس أمرا متفقا عليه، فقد يكون خلقها من نفسه يعنى أنها خلقت من جنسه وهو الطين وليس من النور أو النار حتى يمكن أن يسكن إليها، وما جاء فى الأحاديث أنها خلقت من ضلع قد يراد به التشبيه كما فى الرواية الأولى فليس هناك نص قاطع فى الثبوت والدلالة على خلقها من ضلع آدم، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ولا يضر الأخذ بأى الرأيين.
وقد علق النووى على الأحاديث بقوله: وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم، قال الله تعالى {خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} وبيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع. وفى هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم " شرح صحيح مسلم ج 10 - ص 57 " والموضوع مستوفى فى الجزء الثانى من موسوعة (الأسرة تحت رعاية الإسلام "، س، ج للمرأة المسلمة
(8/95)
________________________________________
كيف وسوس إبليس لآدم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعد أن طرد الله إبليس من الجنة كيف استطاع أن يوسوس لآدم وهو فى الجنة؟

الجواب
قال تعالى {فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكم ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين} الأعراف: 20، 21.
يستفاد من ذلك أن إبليس تحدث مع آدم وحواء بعد أن طرده اللَّه من الجنة، وسمى اللَّه هذا الحديث وسوسة، فكيف تمت وهو خارج الجنة وهما فى داخلها؟ .
يفيد ظاهر الآية أن الحديث معهما كان عاديا بالنطق والمشافهة، وليس حديث نفس ألقى فى قلبهما منه، والحديث الشفوى قد يسمى وسوسة، وبخاصة إذا كانت فيه سرية، إن الكلام كثير فى كيفية هذه الوسوسة، وليس له سند صحيح يعتمد عليه، ولا يبعد أبدا أن يكون إبليس قد وقف على باب الجنة ولم يدخلها وتحدث مع آدم وحواء، ويعلم من هذا أنه لم يدخل الجنة بعد أن طرده اللَّه منها.
وما يقال من أن إبليس دخلها فى جوف حية، وكان منظرها جميلا، ولما أبت كل الحيوانات إدخاله قبلت هى ذلك، فحولها اللَّه إلى هيئتها المعروفة لنا وصارت من أعدى الحيوانات لبنى آدم، ليس عليه دليل معتبر
(8/96)
________________________________________
بعثة الرسول فى الشرق الأوسط

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما الحكمة فى بعثه الرسل كلهم فى الشرق الأوسط من الأرض؟

الجواب
ليكن معلوما أن الله سبحانه أرسل رسلا كثيرين كما قال تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} غافر: 78، وقال تعالى {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} فاطر:
24، وقال تعالى {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا} النحل: 36، نعلم من هذه النصوص أنه يجوز أن يكون الله سبحانه قد أرسل رسلا فى غير منطقة الشرق الأوسط، على أن المختصين قالوا: إن العمران البشرى بدأ أول ما بدأ فى هذه المنطقة، وذلك لاعتدال جوها وكثرة خيراتها المتاحة من المياه والنبات وغيرها، ووجود عوامل ساعدت على تجمع الناس وتكوين وحدات مستقرة، أو على الأقل متعاونة متحدة، والغالب أن يكون لهذه العلاقات الاجتماعية أثر كبير على الفكر والسلوك، الذى قد يشيع ويعم الوحدة الاجتماعية كلها، ومن هنا كانت الحاجة أمس لإرسال رسول يهدى الضالين فى العقيدة والسلوك، فالرسول لا يأتى لأفراد متناثرة ولكن لوحدات مترابطة، حتى لا يكون للناس على الله حجة {رسلا مبسرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} النساء:
165
(8/97)
________________________________________
إدريس عليه السلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قال تعالى: {واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا} مريم: 56، 57، فما هو الأمر الذى بسببه رفعه الله إليه، وأين مكانه، ولماذا لم يرفع غيره من الأنبياء؟

الجواب
قال المفسرون: إن الرفع فى الآية إما رفع مكان وإما رفع مكانة، وقد رفع الله إدريس عليه السلام إلى السماء الرابعة كما قال كثير منهم، وقيل إن الرفع هنا هو رفع منزلة وقدر وشرف. وكل الأنبياء مرفوعة منزلتهم.
وسبب الرفع لم يرد به خبر صحيح، وهى أقوال منسوبة لابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهم، منها أنه لما أصابه وهج الشمس تعجب كيف يتحمله الملك الذى يحمل الشمس وسأل ربه أن يخفف عنه، فلما علم الملك بذلك أراد أن يكافىء إدريس، فجمع الله بينه وبينه، وطلب إدريس منه أن يشفع له عند ملك الموت ليؤخر أخله.
وقيل طلب منه أن يريه الجنة فرفعه إلى السماء الرابعة فقبض ملك الموت فيها روحه ورفعها إلى الجنة ودفنت جثته فى السماء الرابعة، وقيل غير ذلك.
وفى حديث الإسراء جاء فى رواية مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم وجد إدريس فى السماء الرابعة.
تحدث القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 119 " عن كلام ابن وهب فى مقابلة ملك الموت لإدريس وإدخاله الجنة وأمر الله له أن يخرج منها، وقال: إنه حى هناك تارة يرتع فى الجنة، وتارة يعبد الله مع الملائكة فى السماء. كما ذكر القرطبى أنه أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وأول من نظر فى علم النجوم والحساب وسيرها، قال بعض المحققين: إنه نشأ ودعا إلى التوحيد فى منطقة أسوان جنوبى مصر.
وذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية والزرقانى فى شرحها "ج 6 ص 71 " ما نقل عن كعب الأخبار أن إدريس توفى فى السماء الرابعة ولم تكن له تربة فى الأرض، وقاك ابن المنير، اختلف فى إدريس هل رفع إلى السماء بعد موته كغيره من الأنبياء، أو إنما رفع حيا وهو إلى الآن حى كعيسى، وكل ذلك من الإسرائيليات والله أعلم بصحتها ولم يثبت رفعه وهو حى من طريق مرفوعة قوية.
وجاء فى " مشارق الأنوار للعدوى " ص 14 أن العلماء اختلفوا فى أنه حى فى السماء أم ميت فقال قوم هو ميت، وقال قوم: هو حى، وقالوا: أربعة من الأنبياء أحياء، منهم فى الأرض اثنان وهما الخضر وإلياس عليهما السلام، واثنان فى السماء وهما عيسى وإدريس، كما ذكره الخازن فى تفسيره.
وكل هذه أخبار غير موثقة من قرآن أو حديث صحيح، ولا يجب علينا أن نومن إلا بأن إدريس عليه السلام من الرسل وأن الله رفع منزلته، وما وراء ذلك من كونه فى السماء الرابعة حيا أو ميتا لا نلزم باعتقاده
(8/98)
________________________________________
الذبيح إسماعيل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من الذى أمر الله إبراهيم بذبحه من أولاده، هل هو إسحاق أم إسماعيل؟

الجواب
قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام {فبشرناه بغلام حليم. فما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين. فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم. وتركنا عليه فى الآخرين. سلام على إبراهيم. كذلك نجزى المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين. وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين. وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} الصافات: 101 -113، وقال عند الكلام عن الملائكة لما جاءت إبراهيم بالبشرى {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} هود: 71، وقال فى موضع آخر {وبشروه بغلام عليم} الذاريات: 28.
وروى الحاكم فى المستدرك عن معاوية بن أبى سفيان قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابى فقال: يا رسول الله، خلفت البلاد يابسة والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال، فعد على مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه.
وقد ذكره الزمخشرى فى الكشاف، وقال الزيلعى فى تخريج أحاديثه: غريب.
وجاء فى كتب السيرة أن عبد المطلب نذر إن رزقه الله عشرة بنين ليذبحن أحدهم قربانا لله، وذلك عندما منعته قريش من حفر زمزم ولم يكن معه إذ ذاك إلا ولده الحارث، وعندما رزق بالبنين وأراد أن يوفى بنذره جاءت القرعة على عبد الله " والد النبىصلى الله عليه وسلم بعد " حتى افتدى أخيرا بمائة من الإبل، ولهذا روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا ابن الذبيحين " أى إسماعيل الذى أمر الله أباه إبراهيم بذبحه، وعبد الله والده، الذى كان سيذبح.
إزاء هذه المرويات اختلف العلماء فى الذبيح الأول هل هو إسحاق أم إسماعيل؟ .
الجمهور على أن الذبيح إسماعيل، ومما يؤيد رأيهم ما يأتى:
1 - أن إبراهيم عليه السلام لما أنجاه الله من النار وهاجر من أرض العراق إلى الشام {وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين} الصافات: 99، وبما تقدمت به السن ولم ينجب طلب من ربه أن يهب له ولدا فاستجاب الله له {رب هب لى من الصالحين. فبشرناه بغلام حليم} الصافات: 100، 101، وكان هذا الغلام من هاجر المصرية وهو بالشام، وهو إسماعيل، ولما لم تنجب زوجته الأولى دخلت الغيرة قلبها فأمره الله أن يبعد عنها هاجر وولدها، فأسكنهما فى موضع مكة، وامتحنه بذبحه لما بلغ معه السعى وكان ذلك الامتحان فى مكة.
أما ابنه إسحاق فجاءت البشارة به بعد أن بشره الله بإسماعيل، كما تدل عليه الآيات التى ذكرت الرؤيا والبدء فى الذبح ثم افتداء الله إسماعيل بذبح عظيم، وانتهت بمدح إبراهيم ثم ذكرت البشارة بإسحاق.
والامتحان يكون بذبح الابن البكر الذى جاء بعد شوق طويل، لا بالولد الثانى الذى لا يصل حبه إلى ما وصل إليه حب الأول.
2 - وأن إبراهيم عاش سلسلة من الامتحانات أكثرها يتصل بهاجر وولدها إسماعيل، حيث أسكنهما بواد غير ذى زرع، مسلما أمرهما إلى الله، يعيش بعيدا عنهما فى الشام، ويزورهما على فترات، ثم يتصاعد الامتحان بأن يرى فى المنام أنه يذبح فلذة كبده، وما ذلك إلا إسماعيل، ولنتصور حال إبراهيم لو تم الذبح كيف يترك هاجر وحيدة فى مكان ليس فيه من الأنس ما فى الشام حيث يستقر به المقام، إن سلسلة هذه الامتحانات المترابطة تؤكد أن الذبيح هو إسماعيل.
3- وأن هناك اختلافا فى الظروف التى بشر بها إبراهيم بكلا ولديه إسماعيل وإسحاق فالبشارة بإسماعيل كانت عند هجرته من أرض العراق وبطلب من الله أما البشارة بإسحاق فكانت عندما جاءته الملائكة فى طريق مرورها إلى قوم لوط، وهى فترة كان فيها إسماعيل مع أمه هاجر بعيدين عن البيت، الذى لم يكن فيه إلا سارة التى عجبت أن يولد لها وهى عجوز عقيم وبعلها شيخ كبير، ولم يكن هناك طلب منهما لهذا الولد والامتحان بذبح من طلبه وتشوق إليه امتحان أشد.
4 - أن الشروع فى ذبح إسماعيل صاحبته أحداث تدل على أنه هو المقصود بالذبح وليس إسحاق، ذلك أن الروايات تقول: إن إبراهيم أخذ ولده وخرج به من البيت ليذبحه بعيدا عن أمه فلقيهما الشيطان فى الطريق وسول لهما عدم الاستجابة، فرجمه إبراهيم فى أكثر من مكان، ومنه كانت شعيرة رمى الجمار من شعائر الحج، وذلك فى مكة وليس فى الشام.
5 - عندما بشر الله إبراهيم وسارة بإسحاق عن طريق الملائكة، جاء فى البشارة {ومن وراء إسحاق يعقوب} هود: 71، يعنى أن إسحاق سيولد ويكبر ويتزوج ويولد له يعقوب، فهل يعقل بعد الاطمئنان على حياة إسحاق أن يذبحه أبوه؟ إنه لو ذبحه فمن أين يكون يعقوب؟ هذا دليل قوى على أن الذبيح هو إسماعيل.
6 - أن البشارة بإسماعيل وصفته بأنه غلام حليم، أما البشارة بإسحاق فوصفته بأنه علام عليم، وصفة الحلم تتناسب مع من أطاع أمر ربه وصدق رؤيا أبيه فلم يغضب ولم يعص، وهو إسماعيل. وصفة العلم غالبة فى نسل إسحاق ويعقوب وبنى إسرائيل.
7 -أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الأضاحى فقال " سنة أبيكم إبراهيم " رواه أحمد وابن ماجه وأبو العرب هو إسماعيل بن إبراهيم، وليس إسحاق ابن إبراهيم، كما هو معروف والقرابين كانت تذبح فى مكة وليس فى الشام استجابة لدعوة إبراهيم ربه {فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} إبراهيم: 37، {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} الحج: 27 - 29.
8 -أن أهل الكتاب يقولون: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وما كان له ابن وحيد إلا إسماعيل، فإن إسحاق لا يقال له وحيد حيث كانت ولادته بعد ولادة إسماعيل، فقد نصت كتبهم على أن إسماعيل ولد ولإبراهيم ست وثمانون سنة، وأن إسحاق ولد ولإبراهيم تسع وتسعون سنة. فأول ولد بشر به هو إسماعيل والوحيد الذى أمر بذبحه هو أيضا إسماعيل. وهو البكر كما عبر عنه فى بعض نسخهم، فأقحموا ها هنا كذبا وبهتانا اسم إسحاق لانه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم، ذكر هذا ابن كثير فى تفسيره لقوله تعالى:
{فبشرناه بغلام حليم} .
9 -أن كبار العلماء من السلف قالوا: إن الذبيح هو إسماعيل كما روى ذلك عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس، ومجاهد عن ابن عمر، والشعبى يقول: رأيت قرنى الكبش فى الكعبة (كذا) وعمر بن عبد العزيز استدعى يهوديا بالشام أسلم وحسن إسلامه فشهد بأن الذبيح إسماعيل. وأبو عمرو بن العلاء سأله الأصمعى عن الذبيح فقال له: أين ذهب عقلك، متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة.
يقول الآلوسى بعد أن ساق أقوال العلماء فى ذلك: والذى أميل إليه أن الذبيح إسماعيل لأنه المروى عن كثير من أئمة أهل البيت ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضى خلاف ذلك، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوى الألباب.
هذا هو ما أثير حول هذا الموضوع لخصته من كتب السيرة، ومن زاد المعاد لابن القيم وغيره من المصادر، ينتهى إلى أن الذبيح هو إسماعيل، وما سبق فى ذلك هو اجتهادات واستنباطات يؤيدها حديث الحاكم عن معاوية بعدم إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على من ناداه بابن الذبيحين، كما يؤيدها ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله " أنا ابن الذبيحين "
(8/99)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأحد 14 يناير 2024, 5:16 pm


آزر وإبراهيم ونسب النبى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل آزر هو أبو إبراهيم عليه السلام أو عمه، وكيف يكون كافرا ونسب النبى صلى الله عليه وسلم كله طاهر لقوله تعالى {وتقلبك فى الساجدين}

الجواب
نص القرآن الكريم على أن أبا سيدنا إبراهيم عليه السلام اسمه آزر، قال تعالى {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما اَلهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين} الأنعام: 74، ونص على أنه مات كافرا على الرغم من وعد إبراهيم أن يستغفر له ربه قال تعالى {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو للَّه تبرأ منه} التوبة: 114،. وقيل: إن آزر عم إبراهيم وليس والدا له، والعم يطلق عليه اسم الأب، كما فى قوله تعالى عن يعقوب {إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلفك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} البقرة: 133، مع أن إسماعيل ليس والدًا ليعقوب ولكنه عمه، والذى حمل هؤلاء على القول بأن آزر عم إبراهيم وليس والده هو شريف مقام النبوة أن يكون أحد اَباء الأنبياء كافرا، مستندين فى ذلك إلى قول اللَّه للنبى صلى الله عليه وسلم {وتقلبك فى الساجدين} الشعراء: 219، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " رواه أبو نعيم عن ابن عباس، وقال ابن عباس فى المراد بالساجدين " من نبى الى نبى " كما رواه أبو نعيم فى الدلائل بسند صحيح والطبرانى برجال ثقات. فقال هؤلاء: إن الكفر نجس لقوله تعالى {إنما المشركون نجس} التوبة: 28، فكيف ينقل الرسول من أصلاب الطاهرين واَزر أبو إبراهيم نجس؟ وكيف يكون تقلبه فى الساجدين وآزر ليس منهم؟ وردَّ على ذلك: بأن إرادة العم من الأب عدول عن الظاهر بلا مقتض، والنصوص المذكورة فى الطهارة والسجود لا تقتضى هذا العدول، لأن آية {وتقلبك فى الساجدين} ليست نصا فيما فسرها به ابن عباس، فقد فسرت بغير ذلك، فقد جاء عنه أيضا أن المعنى: يراك قائما وراكعا وساجدا، لأن قبل ذلك " الذي يراك حين تقوم " وبأن حديث النقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة أوَّلاً لم يصل إلى الدرجة التى يعتمد عليها فى العقائد، وثانيا فسرت الطهارة فيه بعدم السفاح كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس مرفوعا " لم يلتق أبواى قط على سفاح، لم يزل ينقلنى من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مُصَفّى مهذبا" وكما رواه الطبرانى عن على مرفوعا " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدنى أبى وأمى لم يصبنى من نكاح الجاهلية شىء".
هذا، ولا يضير أن يكون فى أنساب الأنبياء كافرون، فكل امرىء بما كسب رهين، وقصة آزر ونسب النبى ليست عقيدة نحاسب عليها، وهى متصلة بقوم مضوا إلى ربهم وهو أعلم بهم، فَلْنَهْتم بحاضرنا لنصلحه، وبمستقبلنا لنستعد له
(8/100)
________________________________________
الأنبياء والرسل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك فرق بين الأنبياء والرسل،وكم عددهم وكيف نعرف تواريخهم؟

الجواب
النبى إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به ولم يؤمر بتبليغه.
والرسول إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به وأمر بتبليغه. فكل رسول نبى، وليس كل نبى رسولا، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبى ورسول، قال تعالى {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ولذيرا} الأحزاب:
45، وقال تعالى {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللَّه وخاتم النبيين} الأحزاب: 40، فجمعت الآيتان بين وصفه بالنبوة والرسالة.
وقد يحل كل لفظ محل الآخر، كما قال تعالى {وكم أرسلنا من نبى فى الأولين * وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزئون} الزخرف: 6، 7،.
هذا أحسن ما قيل فى الفرق بين النبى والرسول، أما عدد الأنبياء والمرسلين فكثير. قال تعالى {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} فاطر: 24، وقال تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} غافر: 78.
وقد ورد حديث رواه ابن حبان في صحيحه عن أبى ذر الغفارى أنه قال:
قلت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كم عدد الأنبياء؟ فقال "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا (124000) فقلت: وكم عدد الرسل؟ فقال "ثلثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرا" (313) " ولكن الحديث ليس متواترا حتى على فرض صحته، فلا يفيد إلا الظن والعقائد لا تؤخذ إلا باليقين.
وهناك أقوال كثيرة لا داعى لذكرها ونحن لا نكلف إلا بمعرفة الرسل الذين ذكروا فى القرآن الكريم، وهم خمسة وعشرون، وأكثرهم فى الآيات: من 83 - 86 من سورة الأنعام، وأولها {وتلك حجتنا ... } وهم فيها ثمانية عشر، يضاف إليهم سبعة ذكروا في مواضع أخرى، نظمها بعضهم في قوله:
في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشرويبقى سبعة وهم إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا وجاء فى كتاب "الحاوى للفتاوى" للسيوطى ص 249 "، أخرج الطبرانى عن أبى أمامة أن رجلا قال: يا رسول اللَّه، أنبى كان آدم؟ قال "نعم "قال: كم بينه وبين نوح؟ قال "عشرة قرون "قال: كم بين نوح وإبراهيم؟ قال "عشرة قرون " قال: يا رسول اللَّه كم كانت الرسل؟ قال: " ثلثمائة وخمسة عشر "ورجاله رجال الصحيح.
وجاء في الكتاب أن بين موسى وعيسى ألفا وتسعمائة ونيفا، وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم نحو ستمائة.
وترتيب الرسل هكذا: آدم، إدريس، نوح، هود، صالح، إبرا هيم، لوط، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، أيوب، شعيب، موسى، هارون، ذو الكفل، داود، سليمان، إلياس، اليسع، يونس، زكريا، يحيى، عيسى، محمد عليهم الصلاة والسلام.
هذا وحديث أبى ذر الذى صححه ابن حبان ذكره ابن مردويه فى تفسيره وقال: إن ابن الجوزى خالف ابن حبان فى تصحيح الحديث وذكره فى الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام، قال الحافظ ابن كثير: ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث "المواهب اللدنية للقسطلانى"ج 2 ص 46.
أما تواريخ الرسل فقد ألفت فيهم عدة كتب، والقرآن الكريم اقتصر على ما يهم من هذه التواريخ، وهو صادق فيما قاله، فقصصه أحسن القصص، ما كان حديثا يفترى، وما عدا ذلك من الأخبار فهو محل نظر، وكتب التفسيرمحشوة بكثيرمنها، ونحن لا نكلف إلا بمعرفة الصادق الذى لا يتعارض مع ما أخبر به القرآن والحديث الصحيح، والمرحوم الشيخ عبد الوهاب النجار حاول فى كتابه عن الأنبياء أن يستخلص ما هو أقرب إلى الصحة إن لم يكن مقطوعا بها، والحذر من قراءة الكتب القديمة المحشوة بالإسرائيليات وبما لا يتناسب مع مقام الأنبياء من التكريم والتشريف
(8/101)
________________________________________
التفاضل بين الأنبياء والرسل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هم أفضل الأنبياء والمرسلين، وما هى درجاتهم في الفضل؟

الجواب
مبدئيا نقول: إن التفاضل بين مخلوقات اللَّه موجود، سواء فى الأشخاص وفى الأزمان والأمكنة وغيرها. وهذا التفاضل أو الاختلاف من أقوى الأدلة على أن للعالم خالقا حكيما مريدا عالما قادرا على كل شىء، وليس العالم -كما يقول الفلاسفة والملحدون -مخلوقا بالطبيعة أو بالعلة، فمعلوم أن معلول العلة لا يتخلف ومطبوع الطبيعة لا يختلف. ومن مظاهر التفاضل في العالم في المكان فضل الكعبة والحرم، وفضل المساجد، وفى الزمان فضل رمضان ويوم الجمعة وليلة القدر، وفى الأشخاص فضل الرسل، وفضل العلماء.والنصوص في ذلك مشهورة.
وبخصوص المرسلين قال اللَّه تعالى {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} البقرة: 253.
وإن كانوا جميعا متساوين وفى درجة واحدة من وجوب الإيمان بهم جميعا، كما قال سبحانه {لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة: 258، وأفضلهم على الإطلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بالنص والإجماع، وقد رفع اللَّه درجته من عدة وجوه لخصها بعضهم بأنها فى ذاته وذلك بالمعراج حيث وصل إلى مقام لم يصل إليه ملك مقرب ولا نبى مرسل، وفى شرفه بالسيادة على جميع البشر فهو القائل "أنا سيد الناس يوم القيامة" رواه البخارى ومسلم، وفى معجزاته حيث أوتى القرآن الذى لم يؤته نبى قبله، وبعموم رسالته وغير ذلك.
أما التفاضل بين الأنبياء بعضهم مع بعض فهو موجود كما تنص عليه الآية {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} الإسراء: 55، والمعتمد أن الرسل أفضل من الأنبياء. .
والتفاصيل فيما بينهم موجود لكن الأفضل ألا نبحث عن وجوه الفضل بين نبى وآخر أو رسول وآخر، فقد يؤدى ذلك إلى اختلاف يمكن أن يكون نتيجة غير طيبة، ولذلك ورد النهى من النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك على الرغم من فضله عليهم. فقال "لا تفضلوا بين الأنبياء" وذلك فى حادث نزاع يهودى مع مسلم وحلف اليهودى أن موسى أفضل العالمين.
رواه البخارى ومسلم. وقال "ما ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" قال العلماء: إنه قال ذلك من باب التواضع، وقال القاضى عياض: لا نفضل بعضا على بعض تفضيلا يؤدى إلى تنقيص بعضهم أو الغَضَّ منه، قال ابن حجر: قال العلماء: إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك من يقوله برأيه، لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدى إلى تنقيص المفضول، أو يؤدى إلى الخصومة والتنازع، وللمزيد يمكن الرجوع إلى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 6 ص 130 -140"
(8/102)
________________________________________
حياة الأنبياء فى قبورهم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن الأنبياء أحياء في قبورهم،وكيف نوفق بين حياتهم فيهما وقوله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} ؟

الجواب
معلوم أن كل كائن حى لابد أن يموت، قال تعالى {كل نفس ذائقة الموت} آل عمران:185، وقال تعالى {كل من عليها فان} سوة الرحمن:26، وقال تعالى {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} سوررة الأنبياء: 34، ويقول تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30،.
وبعد موت الإنسان ستكون هناك حياة له من نوع آخر، فإذا فنى الجسد وصار ترابا فالروح باقية، ولها اتصال إلى حد ما بالجسد تختلف درجات هذا الاتصال من شخص لاَخر، وقد قال الله سبحانه فى الشهداء {ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: 169،.
وبخصوص الأنبياء روى أبو داود والبيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علىَّ من الصلاة فيه، وإن صلاتكم تعرض علىَّ" قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت -بفتح الراء -يعنى بليت؟ فقال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " وروى أبو داود أيضًا حديث "ما من أحد يسلم علىَّ إلا رد اللَّه علىَّ روحى حتى أرد عليه السلام " وروى أحمد والنسائى والحاكم وصححه وغيرهم حديث "إن لله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى عن أمتى السلام ".يقول السيوطى فى كتابه "إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء": حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره وحياة سائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا، لكثرة الأدلة وتواتر الأخبار، وقد ألف البيهقى جزءا في حياتهم، ومن الأخبار ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به مر على موسى وهو قائم يصلى في قبره، وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفى السماء.
جاء فى وصف موسى عندما مر به "فإذا هو رجل ضرب جعد كأنه رجل من شنوءة"ومعنى ضرب متوسط الحجم أو ضعيف اللحم، ومعنى جعد شعره غير سبط، وشنوءة قوم من الزط سمراللون وهذا يؤكد رؤيته البصرية.
وجاء في هذا الحديث أيضا "وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلى أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفى، وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم ... " فهل رآهما في قبريهما كما رأى موسى في قبره، أو رآهم يصلون فى المسجد الأقصى حيث جاء فى الحديث: فحانت الصلاة فأممتهم.
بعد الأخبار المذكورة وبعد كلام السيوطى في تواتر الأخبار وكثرة الأدلة على حياة الأنبياء في قبورهم يمكننا أن نطمئن إلى ذلك ولا نكذب، بالإضافة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الشهداء، وقد قال اللَّه فيهم: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: 169، ولا يقال: قد يكون فى المفضول ما ليس فى الفاضل، لأن محل ذلك ما لم يرد نص، وقد ورد.
وحياتهم فى القبور مختلف في كيفيتها، وجمهور المسلمين على أنها حياة حقيقية لا مجازية، وقد وضح الفخر الرازي ذلك فى تفسيره لهذه الاَية.
أما قوله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30، فمعناه أن روحك ستفارق بدنك وتدخل فى عالم آخر كسائر الناس، قال تعالى {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت} الأنبياء: 34، 35،.
وحديث رد روح النبى صلى الله عليه وسلم ليجيب من يسلم عليه إن كان ظاهره يفيد أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف فقد أجاب على ذلك العلماء بأجوبة أوصلها السيوطى إلى سبعة وعشرين وجها، أحسنها أنه صلى الله عليه وسلم يكون مستغرقا بمشاهدة حضرة القدس فيفنى عن إحساسه الشريف، فإذا سلم المسلم عليه ترد روحه من هذا الاستغراق إلى الاحساس لأجل الرد، كما ترى في الدنيا من يكون مشغول البال قد لا يحس بمن يتكلم بجواره (المنحة الوهبية ص 6) هذا، وعدم أكل الأرض أجساد الأنبياء ثابت بالحديث السابق، وهو حديث صحيح عند كثير من العلماء كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأقره الذهبى كما صححه النووى في كتابه " الأذكار". والعقائد وأخبار الغيب تؤخذ من الأدلة القطعية فى الثبوت والدلالة والخلاف موجود فى كفاية حديث الآحاد فى ذلك، وما دام الأمر داخلا فى قدرة اللَّه سبحانه، مع اختلاف قوانين عالم الغيب والشهادة، ومع عدم مصادمة ذلك لأمر مقطوع به فالقلب يطمئن إلى قبوله
(8/103)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 6:45 am

التحنيط

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى تحنيط الموتى؟

الجواب
التحنيط فى أصل اللغة العربية هو استعمال الحَنُوط -بفتح الحاء- وأكثر ما كان يوضع فى أكفان الموتى، والحنوط والحناط بكسر الحاء - ما يخلط من الطيب لهذا الغرض.
والتحنيط المعروف الآن بطريق المواد الكيماوية لمنع التعفن أو تأخيره إذا كان بهذا القدر ولهذا الغرض فلا مانع منه، وكان معروفا عند العرب حتى بعد الإسلام، ولم ينكر عليه أحد، وروى أحمد فى مسنده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا" وفى رواية البيهقى والحاكم وابن حبان وصححاه "إذا أجمرتم الميت فأوتروا" وقال أبو وائل: كان عند على رضى الله عنه مسك، فأوصى أن يحنط به، وقال هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الغرض منه منع رائحة التعفن للجثة حتى يصلَّى عليها وتدفن.
أما التحنيط القائم على انتزاع أجزاء من الجثة كما كان متبعا عند الفراعنة فإنه لا يجوز لأن فيه تمثيلا بجثة الميت دون ضرورة تقضى به، فقد روى مالك وابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح - ما عدا رجلا واحدا وثقه الأكثرون وروى له مسلم، وإن كان أحمد بن حنبل قد ضعفه -روى هؤلاء عن جابر رضى الله عنه. قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جنازة، فجلس عليه الصلاة والسلام على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفَّار عظما فذهب ليكسره فقال النبى صلى الله عليه وسلم "لا تكسر، فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيًّا، ولكن دُسَّه فى جانب القبر". فهذا الحديث يدل على حرمة إيذاء الميت، ولا شك أن عملية التحنيط على هذا الوجه فيها إيذاء كبير، وبصرف النظر عن كون هذا الإيذاء حسيًّا أو معنويًّا فإن الواجب احترام جثة الآدمى، حيث لا توجد ضرورة لاتخاذ مثل هذا الإجراء.
وإذا كان التحنيط بهذه الصورة فى انتهاك حرمة الميت وإيذائه فإن إحراق جثته لنقل الرماد ودفنه فى مكان بعيد لتقليل تكاليف النقل -كما يفعل بعض المغتربين- يكون أولى بالمنع
(8/46)
________________________________________
الشواطئ

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى ذهاب الناس إلى الشواطئ وظهورهم بما لا يتفق مع الدين؟

الجواب
التمتع بالحلال الطيب من نعم الله جائز، ومنه مشاهد الطبيعة والنسيم العليل والحدائق والزهور قال تعالى {قل من حرَّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق} الأعراف:32 وقال {أو لم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء} الأعراف:135 وكل ذلك فى نطاق قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المائدة: 87 وقوله {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف: 31 فالتمتع بالطيبات يكون فى اعتدال وبقدر، ولا يتعدى حدود المشروع.
وشواطئ البحار يقصدها الكثيرون فى الصيف لطيب الهواء والاستحمام بالماء وهدوء الأعصاب ولغير ذلك من الأغراض التى لها علاقة بالحكم لأن الأعمال بالنيات.
ولو التزم الإنسان، وخاصة النساء، بالحشمة المطلوبة والأدب فى السلوك عامة ما كان هناك مانع من ارتيادها.
والحفاظ على الآداب من هذه الناحية تقع مهمته الأولى على أولياء الأمور، من الأزواج والآباء، إلى جانب الجهات المسئولة عن الأمن والآداب، فلابد من تعاون الجميع شعبا وحكومة على ذلك.
مع العلم بأن "التصييف" ليس أمرا ضروريا حتميا حتى يسمح فيه ببعض التجاوزات، على قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، وإنما هو أمر ترفيهى كمالى، لابد فيه من مراعاة كل الاحتياطات حتى لا تكون نتيجته إفساد الأخلاق والإسراف والتبذير وبالتالى غضب الله سبحانه قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} الشورى: 30
(8/47)
________________________________________
الشرب قائما

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يشرب الإنسان وهو واقف؟

الجواب
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسى فليستقئ " وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يشرب وهو قاعد. لكن جاء فى الصحيحين أنه جىء له بدلو من ماء زمزم فشرب وهو قائم.
إن الجمع بين الحديثين ممكن، وليس أحدهما بناسخ للآخر، فالشرب قاعدا مستحب ومندوب إليه وليس واجبا، ولذلك شرب النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحيان قائما ليبين أنه جائز، وإن كان الأفضل الشرب قاعدا، وثبت أن بعض الصحابة وبخاصة الخلفاء الراشدون شربوا وهم قيام.
والحكمة من كراهة الشرب قائما لم ينص عليها النبى صلى الله عليه وسلم وقد كانت فيها اجتهادات ذكر ابن القيم كثيرا منها فى كتابه "زاد المعاد" وذلك من واقع المعلومات الطبية التى كانت موجودة فى عصره والأمر يحتاج إلى توضيح جديد من ذوى الخبرة والاختصاص.
والإرشاد النبوى فى هذه المسألة إرشاد فى أمر قيل إنه من الأمور الدنيوية المحضة التى جاء فيها الحديث الصحيح "أنتم أعلم بأمور دنياكم " رواه مسلم، ولكن مع ذلك لا يخلو من مسحة دينية هى اتباع النبى صلى الله عليه وسلم فيما أرشد إليه، ولعل فيه حكمة يكشف عنها العلم فيما بعد، فما دام لا يوجد فيه ضرر ينبغى أن نحترمه ونتأسى به فيه، وليس ذلك على سبيل الإلزام، بل على سبيل الندب والاستحباب، والخروج عنه يكون لحاجة وبأقل قدر ممكن، حتى يقوى فينا احترام ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم ولو فيما ليس فيه قربة لله تعالى، فالاقتداء نفسه وتنفيذ أمره قربة
(8/48)
________________________________________
أولو الأمر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء: 59 فمن هم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم؟

الجواب
كما تجب طاعة الله ورسوله فيما جاء فى القرآن والسنة تجب طاعة أولى الأمر فيما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة، وللمفسرين أقوال فى المراد بهم، فقيل: هم الحكام والولاة والأمراء، وقيل: هم العلماء وأهل القرآن، وقيل هم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عامة وقيل: هم أبو بكر وعمر، وقيل: هم أولو الرأى والعقل الذين يدبرون أمور الناس. وهذه الأقوال فى قوتها على هذا الترتيب، فأقواها أنهم الحكام والولاة والأمراء، لأن نظام الجماعة منوط بهم، وتجب طاعتهم فيما فيه مصلحة وليس معصية لله. وإذا كان من قواعد الحكم فى الإسلام الشورى فيما لم يرد فيه نص فإن الحاكم أو الوالى أو الأمير إذا عرض له أمر يستشير أهل العلم أو الرأى والخبرة، فإذا اختلفوا يعرض الأمر على القرآن وعلى الرسول فى حياته، وعلى سنته، بعد مماته، فهما الحكم عند التنازع.
ومما يقوى هذا الرأى ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن هذه الآية نزلت فى عبد الله بن حذافة السهمى حين بعثه الرسول فى سرية رئيسا وقائدا على جماعة فى الغزو، وكانت له دعابات معروفة، ومن دعابته أنه أمر من معه أن يوقدوا نارا ثم أمرهم بالتقحُّم فيها، قائلا: ألم يأمركم الرسول بطاعتى؟ فأبوا وقالوا: ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار، فصوَّب الرسول فعلهم وقال: لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، قال تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء: 29.
فأولو الأمر من يَلُون أمور الناس فى أى منصب ما دامت لهم سلطة الأمر والنهى، وكان منهم أيام الرسول صلى الله عليه وسلم عماله على القبائل والبلاد وأمراء الجيش وولاته على القضاء وجباية الأموال.
وطاعتهم واجبة فى الدين فى غير ما يتصادم مع القرآن والسنة وأصول الدين، وفى الدنيا فيما فيه مصلحة، والتنازع فى الرأى وهو مظهر الشورى يكون فى غير المنصوص عليه والمفروغ من حكمه.
والاحتكام عند النقاش يكون للأصل الثابت عن الله ورسوله، لا إلى مواضعات أو أعراف أو قوانين تضاد الشريعة، ذلك خير وأحسن تأويلا
(8/49)
________________________________________
النذر والدين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مات رجل وعليه نذر مال ودين فأيهما يفضل سداده أولا من تركته؟

الجواب
الحقوق الواجب على الإنسان أن يؤديها لغيره نوعان، حقوق لله وحقوق للعباد وقد تكون الحقوق متداخلة، فيها نصيب لله ونصيب للعباد، وقد تكون خالصة لطرف دون طرف ولو على نحو من الأنحاء، غير أن أساس هذا التقسيم هو الغالب فيما يبدو للناس.
ومهما يكن من شىء فإن الحق الخالص لله كالصلاة مثلا يكون التقصير فيه تقصيرا ليس للعباد دخل فيه. ويعتبر دينا يجب قضاؤه إن كان له مثل أو عوض، أو يطلب المغفرة من الله، والله سبحانه واسع الرحمة عظيم المغفرة {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} الزمر:
53 {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48.
أما الحقوق الخالصة للعباد أو يكون ظاهرها أنها خالصة وإن كان فيها حق لله لأنه هو الذى شرعها، فإن الله سبحانه لا يتجاوز عن التقصير فيها، بل لابد من أدائها للطرف الآخر أو طلب العفو عنها منه، وذلك كالمال المسروق والأمانة التى خانها وكالسب والضرب، فلابد من إبراء الذمة بدفع الحقوق أو العفو عنها، ومع ذلك لا بد من التوبة إلى الله والاستغفار، لأنه خالف أمره بالتقصير، والتوبة إلى الله بدون أداء الحقوق إلى أصحابها أو مسامحتهم غير مقبولة، وقد بيَّن الحديث الذى رواه مسلم أن المفلس يوم القيامة من يأتى بالصلاة وغيرها من العبادات لكنه ضرب هذا وشتم هذا وسفك دم هذا، فيعطى كل مظلوم من حسنات الظالم فإذا لم توفِّ طرح عليه من سيئاتهم ثم ألقى فى النار، وهذا يدل على أن حقوق العباد فى الحرمة مقدمة على حقوق الله واسع الفضل والرحمة.
وبناء على ما تقدم لو تعلق بذمة الإنسان حقَّان ماديان، أحدهما لله والثانى للعباد ولا يملك إلا ما يوفى واحدا منهما قدِّم حق العباد على حق الله، فمن كان عليه دين لإنسان، وقبل أن يؤديه نذر بناء مسجد أو التصدق على الفقراء، والمال الذى عنده لا يكفى لقضاء الدين والوفاء بالنذر فالواجب أن يؤدى الدين أولا، وأما النذر فيكون الوفاء به عند القدرة التى لا توجد إلا بعد قضاء الدين والالتزامات الأخرى، والقدرة وقتها متسع وعند نية الوفاء يرجى عفو الله عند التعذر، فهو سبحانه واسع الرحمة والمغفرة
(8/50)
________________________________________
المجاهرة بالمعصية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فيمن يجاهرون بشرب المسكرات أو بالفطر فى رمضان من غير عذر؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كل أمتى معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا بالليل فيستره ربه، ثم يصبح فيكشف ستر الله عنه " وروى الحاكم وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رُفع الأخر" ولما رجم النبى صلى الله عليه وسلم ماعزًا الأسلمى قال "اجتنبوا هذه القاذورات التى نهى الله عنها، فمن ألم بشىء منها فليستتر بستر الله، فإن من أبدى لما صفحته نقم عليه كتاب الله " صححه الحاكم وابن السكن، وقال الذهبى فى المهذب: إسناده جيد وقال إمام الحرمين: صحيح متفق عليه، قال ابن الصلاح: عجيب أوقعه فيه عدم إلمامه بصناعة الحديث "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 261 " وروى أبو داود والنسائى أن هزالا لما ذهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم يخبره عن زنا ماعز، فحضر ماعز وأقر ورجم، قال النبى لهزال "لو سترته بثوبك كان خيرا لك" وروى مسلم وغيره أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إنى عالجت امرأة من أقصى المدينة وأصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فأقم على ما شئت، فقال عمر: لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك، فلم يرد النبى صلى الله عليه وسلم شيئا "نيل الأوطار ج 7 ص 106 ".
يؤخذ من هذا أن ستر الإنسان على نفسه وستر الغير عليه مطلوب،ولو استغفر العاصى ربه وتاب إليه عافاه الله، والمجاهرون بالمعصية قوم غاض ماء الحياء من نفوسهم، وتبلَّد حسهم، وماتت ضمائرهم، فقَلما يفكرون فى العوده إلى الصواب وبهذا يموتون على عصيانهم وفسوقهم.
فالمطلوب ممن يرتكبون المعصية أيَّا ما كانت أن يستتروا بها ولا يفشوها، وأن يندموا ويتوبوا، وألا يفشوها للناس فقد يقام عليهم الحد أو التعزير، ثم يندمون ولات ساعة مندم، وفى الإفشاء إغراء للبسطاء بالعصيان، ووضع لأنفسهم موضع التهمة والاحتقار، ورحم الله امرأ ذبَّ الغيبة عن نفسه، والله يقول: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة} النور: 19
(8/51)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 6:46 am

تقبيل النقود

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يلاحظ أن بعض الناس إذا أعطوا نقودا أو التقطوها من الأرض يقبلونها فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
يقول الله سبحانه: {وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم. ولئن كفرتم إن عذابى لشديد} إبراهيم: 7 ويقول {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} إبراهيم: 34.
يؤخذ من ذلك أن نعم الله من الكثرة بحيث لا يمكن عدها، والواجب علينا أن نشكرها وذلك بشكر المُنعم بها وهو الله سبحانه، فالشكر يزيدها أو على الأقل يحفظها ويبارك فيها، والكفر يعرضها للزوال والحرمان من التمتع بها.
والشكر يكون بالإيمان بالله المنعم وبطاعته فيما أمر به ونهى عنه وتوجيه النعمة إلى ما خلقت له، بمعنى أن تستعمل فى الخير لا فى الشر، ولا يكتفى بترديد عبارة "الحمد لله" عند حصول النعمة وما قد يحصل من تقبيل اليد ظهرا وبطنا.
ومما لا شك فيه أن النقود نعمة من نعم الله الكبرى التى يستطيع بها استيفاء مطالبه والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، فلا بد للشكر عليها من صيانتها أولا من الضياع كما صح فى حديث مسلم "ويكره لكم قيل وقال -الحديث فيما لا يعنى- وكثرة السؤال -عما لا يحتاج إليه على وجه التعنت - وإضاعة المال" ولابد من تزكيتها بإخراج الحق الواجب فيها {وفى أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات: 19 كما لا بد من الحكمة فى إنفاقها، ليكون فى وجوهه المشروعة دون إسراف ولنتذكر قول سليمان عليه السلام {هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم} النمل: 40.
هذا ولم يرد نهى عن تقبيل النقود أو أية نعمة أخرى فهو إحساس بقيمتها، ولعل ذلك يكون دفعا للشكر عليها بما تقدم توضيحه
(8/52)
________________________________________
الأرانب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعض الناس يشككوننا فى أكل لحم الأرانب، فما هو الرأى الصحيح فى ذلك؟

الجواب
قال كمال الدين محمد بن موسى الدميرى"742 - 808 هـ " فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى" يحل أكل الأرانب عند العلماء كافة، إلا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبى ليلى رضى الله عنهم أنهما كرها أكلها. وحجتنا ما روى الجماعة عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: أنفجنا أى أثرنا، أرنبا بِمرِّ الظهران فسعى القوم عليها فغلبوا فأدركتها فأخذتها وأتيت بها أبا طلحة، فذبحها وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها فقبله: وفى البخارى فى كتاب الهبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قبله وأكل منه. ولفظ أبى داود: كنت غلاما حزوَّرًا فصدت أرنبا فشويتها، فبعث معى أبو طلحة رضى الله عنه بعجزها إلى النبى صلى الله عليه وسلم والحزور - بتشديد الواو وتخفيفها - المراهق.
وقد سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هى حلال" وروى أحمد والنسائى وابن ماجه والحاكم وابن حبان عن محمد بن صفوان أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين -حجرين براقين- وأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما.
واحتج ابن أبى ليلى ومن وافقه بما روى الترمذى عن حبان بن جزء عن أخيه خزيمة بن جزء رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما تقول فى الأرنب؟ قال صلى الله عليه وسلم "لا آكله ولا أحرمه " قال: فقلت: ولم يا رسول الله؟ قال "إنى أحسب أنها تدمى" أى تحيض قال:
فقلت: يا رسول الله ما تقول فى الضبع؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومن يأكل الضبع"؟! قال الترمذى إسناده ليس بالقوى، ورواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، وذكر فيه الثعلب والضبع أيضا.
وفى بعض الروايات: وسألته عن الذئب فقال "لا يأكل الذئب أحد فيه خير" وليس فى شىء من الأحاديث وإن ضعفت ما يدل على تحريم الأرنب وغاية ما فى هذين الخبرين استقذارها مع جواز أكلها.
ثم ذكر الدميرى "الأرنب البحرى" وهو -كما قال القزوينى- حيوان رأسه كرأس الأرنب وبدنه كبدن السمك، وقال الرئيس ابن سينا: إنه حيوان صغير صدفى، وهو من ذوات السموم إذا شرب منه قتل. ثم قال الدميرى: يحرم أكله لسميته، ويستثنى من قولهم: ما أكل شبهه فى البر أكل شبهه فى البحر، لأنه ليس يشبهه فى الشكل، وإنما هو موافق له فى الاسم
(8/53)
________________________________________
حمام الأجران

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يسقط الحمام على الأجران التى يدرس فيها القمح لتأكل منه، فهل يجوز اصطيادها أو طردها حفاظا على المحصول؟

الجواب
معلوم أن الحمام من الطيور التى تسبح فى الفضاء ابتغاء رزق الله، حتى لو وفر لها أصحابها الغذاء فى البيوت أو فى أماكن خاصة، فقد خلق الطير ليطير لا ليحبس، ومن المتعارف عليه فى القرى أن الحمام الذى يربى فى البيوت أو الأبراج ينزل على الأجران التى تدرس فيها الحبوب من القمح والشعير وغيرهما، ولا يكاد بيت من البيوت يخلو من حمامة تنزل على جرن من الأجران، والكل يأكل من مال الكل، فمن أكل طير غيره من قمحه أكل طيره هو أيضا من قمح غيره، وذلك فى الغالب، ومن هنا تجب المحافظة على الحمام أن يمس بسوء، ويكتفى بطرده، ولا يجوز اصطياد شىء منه للتملك ولا للأكل، فالحمام نفسه لا يتحمل نتيجة عمله، لأنه غير مكلف، وإنما الذى يتحمل النتيجة هو صاحبه، ولكن من الذى يستطيع أن يميز الحمام ليعرف أصحابه حتى يرجع عليهم؟ إن الأمر جد عسير، والتسامح فيه من وسائل التواد والتراحم والتعاون على الخير، فلنحرص على هذه الروح السمحة، ولا نتورط فى شىء قد يكون من ورائه ما لا تحمد عقباه، وأنبه أصحاب القمح المأكول منه إلى أن كل حبة أكلها طير له ثوابها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة" رواه مسلم.
وطرد الحمام غير طرد العصافير التى سبق حكمها، فهى غير مملوكة وقد تضر المحصول ضررا واضحا، ومنفعة الإنسان مقدمة على منفعة الطير الذى سخره الله له
(8/54)
________________________________________
العودة للذنب بعد التوبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن يرتكب الذنوب ثم يتوب عن فعلها، ثم يكرر ذلك باستمرار؟

الجواب
من يرتكب ذنبا ثم يتوب يقبل الله توبته إذا كانت نصوحا، أى خالصة لوجه الله صادرة من القلب، يصحبها ندم على ما فات وعزم أكيد على عدم العود إلى المعصية، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفِّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار} التحريم: 8 وقال {وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} طه: 82.
أما التوبة باللسان مع عزم القلب على العود إلى المعصية فهى مرفوضة، بل تعتبر هى نفسها معصية، فإن صدقت التوبة النصوح ثم لعب الشيطان بالإنسان فأوقعه فى هذه المعصية أو فى غيرها، دون أن يكون هو ناويًا لها ومخططا وعازما عليها، ثم تاب قبل الله توبته، ودليله قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم "إن عبدا أصاب ذنبا فقال: يا رب أذنبت ذنبا فاغفره، فقال له ربه: علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا آخر -وربما قال ثم أذنب آخر- فقال: يا رب إنى أذنبت ذنبا آخر فاغفره لى، قال له ربه: علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له، ثم أصاب ذنبا آخر ... وفى هذه المرة قال له "فليعمل عبدى ما شاء" ومعناه: ما دام يتوب إلى الله توبة نصوحا بعد كل ذنب فإن الله يغفر له، وأحذر مرة ثانية من أن تكون التوبة باللسان فقط، غير صادرة من القلب النادم على ما حدث والمصمم على ألا يعود، فالله يعلم الشر وأخفى، والأعمال بالنيات.
وليس هذا الحديث إغراء بالمعصية ولكنه حث على المبادرة بالتوبة الصادقة، فالله سبحانه يعلم أننا غير معصومين من الخطأ ولذلك فتح لنا باب التوبة فى كل وقت حتى تطلع الشمس من مغربها وحتى تبلغ الروح الحلقوم كما صح فى الحديث، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم ويقول "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه الترمذى وقال: حديث حسن
(8/55)
________________________________________
النفقة من المال الحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى إنفاق شخص على أمه أو أخته من مال حرام، علما بأنهما ليس لهما مصدر للكسب يغنيهما عنه؟

الجواب
إذا كان مال الشخص كله من حرام فلا يجوز لأمه أو أخته أن تأخذ منه إن كان لهما كسب حلال يغنيهما، أما إن كان مخلوطا بحلال فيجوز الأخذ منه.
وإذا لم تجد الأم أو الأخت مصدرا حلالا جاز لهما الأخذ من هذا المال الحرام بقدر الضرورة، لأن المفروض أن من اكتسبه لابد أن يعيده إلى أصحابه إن عرفهم، وإلا أنفقه فى وجوه الخير، ومن هذه الوجوه أمه وأخته الفقيرتان اللتان لا تجدان مصدرا حلالا للكسب وذلك بقدر الضرورة فقط
(8/56)
________________________________________
أما بعد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نريد توضيحا لتعبير "أما بعد" من جهة المعنى والإعراب؟

الجواب
جاء فى حاشية الصاوى على شرح الدردير على منظومته "الخريدة" أن "أما بعد" يتعلق بها تسعة مباحث، على النحو الآتى:
1 - "أما" حرف يفيد التأكيد نائب عن "مهما يكن".
2 -موضعها - يؤتى بها للانتقال من أسلوب الى آخر، أى من غرض إلى آخر، فلا تقع بين كلامين متحدين، ولا أول الكلام ولا آخره.
3-معنى بعد ضد قيل، وتكون ظرف زمان كثيرا، وظرف مكان قليلا.
4 -إعرابها - لها أربع حالات، تعرب فى ثلاث وتبنى فى واحدة كما هو مشهور.
5 - العامل فيها - هو "أما" على أنها من متعلقات الشرط، أو الجزاء على أنها من متعلقاته فالتقدير على الأول: مهما يكن من شىء بعدما تقدم، وعلى الثانى مهما يكن من شىء فأقول بعدما تقدم، وجعلها من متعلقات الجزاء أولى.
6 - حكم الإتيان بها - الاستحباب، اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم لأنه كان يأتى بها فى خطبه ومكاتباته وفى البخارى ستة مواضع أتى بها فى كلامه "الزرقانى على المواهب ج 7 ص 386".
7-أول من تكلم بها، فيه خلاف نظمه بعضهم فى قوله:
جرى الخلف أما بعد كان بادئا * بها خمس أقوال وداود أقرب وكانت له فصل الخطاب وبعده * فَقُسٌّ فسحبان فكعب فيعرُب 8- الفاء بعدها رابطة للجواب.
9- أصلها مهما يكن من شىء
(8/57)
________________________________________
التعريض والتورية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قدم لى بعض الزملاء مشروبا لا أريده، واستحييت أن أرفضه، فقلت له: أنا صائم أو أنا ناو، وأريد بذلك نية عدم تناول شىء عنده، أو أنا صائم عن قبول أى شىء أى ممتنع عنه، فهل يكون هذا كذبا محرما؟

الجواب
تحدث العلماء عما يسمى بالتعريض والتورية، ومعناهما أن يطلق الإنسان لفظا يحتمل معنيين، يكون ظاهرا فى واحد منهما ويريد هو المعنى الآخر، وهو نوع من الكذب فيه تغرير وخداع، يقول النووى فى كتابه "الأذكار" ص 380 فى بيان حكمه:
قال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب. أو دعت إليه حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض. فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة فهو مكروه وليس بحرام، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراما، وهذا ضابط الباب. ثم ذكر للتنفير منه حديثا رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف. لكن سكت عنه أبو داود فلم يحكم بضعفه فيقتضى أن يكون حسنا عنده، وهذا الحديث عن سفيان بن أسيد-بفتح الهمزة - رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كبرت خيانة أن تحدِّث أخاك حديثا هو لك به مصدِّق وأنت به كاذب".
ثم ذكر مثالا للتعريض المباح قاله النخعى رحمه الله، وهو إذا بلغ الرجل عنك شىء قلته فقل: الله يعلم ما قلت من ذلك من شىء فيتوهم السامع النفى المأخوذ من قوله: ما قلت من ذلك من شىء ومقصودك أن الله يعلم ما قلته وقال النخعى أيضا: لا تقل لابنك: أشترى لك سكرا، بل قل. أرأيت لو اشتريت لك سكرا؟ وكان النخعى إذا طلبه رجل قال للجارية: قولى له: اطلبه فى المسجد، وكان الشعبى يخط دائرة ويقول للجارية: إذا طلبنى أحد فضعى إصبعك فى الدائرة وقولى: ليس هو هاهنا، ومثل هذا قول الناس فى العادة لمن دعاه إلى الطعام: أنا على نية، موهما أنه صائم، ومقصوده على نية ترك الأكل. يقول النووى:
لو حلف على شىء من هذا وورَّى فى يمينه لم يحنث، سواء حلف بالله تعالى أو حلف بالطلاق أو غيره، فلا يقع عليه طلاق ولا غيره، وهذا إذا لم يحلِّفه القاضى فى دعوى، فإن حلفه القاضى فى دعوى فالاعتبار بنية القاضى إذا حلفه بالله تعالى، فإن حلفه بالطلاق فالاعتبار بنية الحالف، لأنه لا يجوز للقاضى تحليفه بالطلاق، فهو كغيره من الناس.
والإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين "ج 3 ص 117 تحدث عن الكذب والأحوال التى يرخص فيها بالكذب الذى قد يكون واجبا إذا ترتب عليه نجاة مسلم من قتل عدو له، مقررا هذه القاعدة: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق وبالكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحا وواجب إن كان المقصود واجبا.
بعد ذلك حذر الغزالى من الكذب بالمعاريض، فنقل عن السلف قولهم:
إن فى المعارض مندوجة عن الكذب، ونقل عن عمر رضى الله عنه قوله: أما فى المعاريض ما يكفى الرجل عن الكذب؟ وروى ذلك عن ابن عباس وغيره، وأجازه فقط عند الضرورة، فإذا لم تكن حاجة أو ضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعا، ولكن التعريض أهون. .
وذكر الغزالى أمثلة على جواز التعريض منها ما نقله النووى فيما سبق، ثم ذكر من الأمثلة قول النبى لامرأة عجوز "لا يدخل الجنة عجوز" فبكت فبين لها لا تكون عند دخول الجنة عجوزا، وتلا قوله تعالى {إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارا. عربا أترابا} : الواقعة 35-37. وهذا الحديث مرسل ذكره الترمذى فى الشمائل وأسنده ابن الجوزى بسند ضعيف ومثله قول امرأة له: احملنى على بعير، فقال "بل نحملك على ابن البعير" فقالت: ما أصنع به؟ إنه لا يحملنى، فقال،ما من بعير إلا وهو ابن بعير" رواه أبو داود والترمذى وصححه عن أنس بلفظ "أنا حاملك على ولد الناقة".
والقرطبى فى تفسيره "ج 10 ص 190 " ذكر ما نقله النووى عن الغزالى، وذكر ابن عبد ربه فى كتابه "العقد الفريد"ج 1 ص 254 طبعة 1316 هـ أن الله كنى عن الجماع بالملامسة وعن الحدث بالغائط، وعن البرص بقوله لموسى {واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء} القصص: 32.
ومما يتصل بهذا الموضع ما روته كتب الأدب أن الحجاج بن يوسف الثقفى مَرَّ مع حاجبه فى وقت متأخر من الليل: وكان قد نهى عن الخروج فى هذا الوقت، فوجد ثلاثة فتيان سكارى، فأمر حاجبه أن يسألهم: من أنتم حتى خرجتم فى هذا الوقت؟ فقال أولهم:
أنا ابن من دانت الرقاب له * ما بين مخزومها وهاشمها تأتيه بالرغم وهى صاغرة * يأخذ من مالها ومن دمها فقال: لعله من أشراف بنى هاشم أو مخزوم، ثم سأل الثانى فقال:
أنا ابنٌ لمن لا تنزل الدهر قدره * وإن نزلت يوما فسوف تعود ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره * فمنهم قيام حولها وقعود فقال: لعله من أجواد العرب، ثم سأل الثالث فقال:
أنا ابن لمن خاض الصعاب بعزمة * وقوَّمها بالسيف حتى تولت ركاباه لا ينفك رجلاه فيهما * إذا الخيل فى يوم الكريهة ولت فقال: لعله ابن فارس من العرب، فتركهم، ثم سأل عنهم بعد ذلك فعرف أن الأول ابن حجام، والثانى ابن فوال بائع فول، والثالث ابن حائك أى نساج، فقال: لولا فصاحتهم لقتلتهم
(8/58)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 6:46 am

من مظاهر الغرور

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرى بعضا ممن يتظاهرون بالتدين ينظرون إلى غيرهم نظرة احتقار، ويكثر أن يقولوا: الناس كلهم هالكون فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
أحسن رد على هذا السؤال هو قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم" يقول النووى: روى "أهلكهم" برفع الكاف وفتحها والمشهور الرفع، ويؤيده أنه جاء فى رواية رويناها فى "حلية الأولياء" فى ترجمة سفيان الثورى "فهو من أهلكهم" قال الإمام الحافظ أبو عبد الله الحميدى -فى الجمع بين الصحيحين-:
فى الرواية الأولى قال بعض الرواة: لا أدرى هو بالنصب أم بالرفع. قال الحميدى: والأشهر الرفع، أى أشدهم هلاكا، قال وذلك إذا قال ذلك على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم، لأنه لا يدرى سِرَّ الله تعالى فى خلقه.
هكذا كان بعض علمائنا يقول. هذا كلام الحميدى. وقال الخطابى:
معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول: فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم، أى أسوأ حالا فيما يلحقه من الإثم فى عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أن له فضلا عليهم وأنه خير منهم فيهلك، هذا كلام الخطابى فيما رويناه عنه فى كتابه "معالم السنن".
هذا ما جاء فى كتاب الأذكار للنووى، ثم ذكر رواية لهذا الحديث فى سنن أبى داود وشرح الإمام "مالك " أحد رجال السند للمقصود منه، وهو: إذا قال ذلك تحزنا لما يرى فى الناس من أمر دينهم فلا أرى به بأسا، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذى ينهى عنه.
وارتضى النووى هذا التفسير فقال: إنه تفسير فى نهاية من الصحة وهو أحسن ما قيل فى معناه وأوجز، ولا سيما إذا كان عن الإمام مالك رضى الله عنه
(8/59)
________________________________________
الكتب السماوية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما عدد الكتب السماوية التى نزلت على الأنبياء وما أسماؤها وكيف نزلت؟

الجواب
الكتب السماوية التى نزلت على الأنبياء كثيرة، والواجب علينا هو الإيمان بذلك إجمالا، أما تفصيلا فالواجب هو الإيمان بما ورد ذكره فى القرآن الكريم، وهى: صحف إبراهيم، والتوراة التى نزلت على موسى والزبور الذى نزل على داود، والإنجيل الذى نزل على عيسى، والقرآن الذى نزل على محمد عليهم جميعا صلاة الله وسلامه.
يقول الشيخ محمود أبو دقيقة فى مذكرات التوحيد: أما الصحف فقد ورد فى شأنها آثار كثيرة وأرجحها أنها مائة صحيفة، خمسون نزلت على شيث عليه السلام، وثلاثون نزلت على إدريس عليه السلام، وعشرة نزلت على إبراهيم عليه السلام،وعشرة على موسى عليه السلام.
والظاهر أن هذه الصحف كانت مشتملة على مواعظ وإرشادات إلى التحلى بمكارم الأخلاق والتخلى عن مساوئها، ولم يعرف عنها شىء يقينا، لعدم وجود ما يفيد يقينا بشأنها "ج 3 ص 54".
أما نزولها فالظاهر أن جبريل عليه السلام هو أمين الوحى الذى بلغه إلى الرسل كافة فهو الذى حمل التوراة والإنجيل وأنزلهما مرة واحدة على موسى وعيسى، وحمل القرآن وأنزله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم منجَّما أى مفرقا كما نص عليه القرآن الكريم، وكلام الله سبحانه للبشر حاء بعدة طرق ذكرها فى قوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء} الشورى: 51.
جاء في تفسير القرطبى "ج 7 ص 281" عند قوله تعالى {وكتبنا له فى الألواح من كل شىء} الأعراف: 145 قال ربيع بن أنس:
نزلت التوراة وهى سبعون وقر بعير، وأضاف الكتابة إلى نفسه "كتبنا" على جهة التشريف، إذ هى مكتوبة بأمره كتبها جبريل بالقلم الذى كتب به الذكر.
والأفضل ترك علم ذلك لله سبحانه، فلا فائدة هامة من البحث
(8/60)
________________________________________
كتاب يحيى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء فى القرآن الكريم قوله تعالى {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} مريم:
112 فما هو الكتاب الذى نزل عليه؟

الجواب
قال القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 86" الكتاب هو التوراة بلا خلاف وأخذُ يحيى له بقوة معناه: بِجدٍّ واجتهاد وقيل: المراد العلم به وحفظه والعمل به.
والتوراة كانت كتاب الأحكام الذى أخذ به كل من جاء بعد موسى من الأنبياء حتى جاء عيسى فنزل عليه الإنجيل
(8/61)
________________________________________
هل نزل بعض القرآن بغير جبريل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نحن نعلم أن القرآن الكريم أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بوساطة الأمين جبريل، وقد قرأنا أن بعض السور أو الآيات لم ينزل عن طريقه، فهل هذا صحيح؟

الجواب
صحيح أن القرآن نزل به جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين} الشعراء: 192- 194 لكن روى مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: بينما جبريل قاعد عند النبى صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته ".
يقول القرطبى فى تفسيره "ج 1 ص 116": قال ابن عطية: ظن بعض العلماء أن جبريل لم ينزل بسورة الحمد -وساق الحديث المذكور- وليس كما ظن، فإن هذا الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام تقدم الملك إلى النبى صلى الله عليه وسلم مُعْلِما به وبما ينزل معه، وعلى هذا يكون جبريل شارك فى نزولها.
قال القرطبى: قلت: الظاهر من الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام لم يعلم النبى بشىء من ذلك، وقد بينا أن نزولها كان بمكة، نزل بها جبريل عليه السلام لقوله تعالى {نزل به الروح الأمين} وهذا يقتضى جميع القرآن، فيكون جبريل نزل بتلاوتها بمكة، ونزل الملك بثوابها بالمدينة، والله أعلم وقد قيل: إنها مكية مدنية، نزل بها جبريل مرتين، حكاه الثعلبى، وما ذكرناه أولى، فإنه جمع بين القرآن والسنة، ولله الحمد والمنة
(8/62)
________________________________________
قرين النبى صلى الله عليه وسلم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما الحكمة فى أن يكون للنبى صلى الله عليه وسلم قرين مع أن الله عصمه؟

الجواب
روى مسلم وأحمد من حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة" قالوا وإياك؟ قال "وإياى إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم فلا يأمرنى إلا بخير" يقول الزرقانى فى شرح المواهب "ج 5 ص 280" معلوم عصمة الملائكة وإيمانهم، فإنما المراد الإخبار بمصاحبة الملك والجنى لكل أحد، فالجن يغوى بخلاف الملائكة، فقول بعض: إسلام قرينه من الملائكة والشياطين لا معنى له بالنسبة للملائكة، ولا دلالة فى الحديث عليه، اللهم إلا أن يريد بالإسلام ملكه انقياده التام له، وفيه ما فيه.
وجاء فى رواية البزار عن ابن عباس أن الشيطان كان كافرا فأسلم، أى أسلم الشيطان الكافر، وحديث ابن مسعود روى بفتح الميم وضمها، أى فأسلم أنا من فتنته وكيده، وصحح الخطابى رواية الرفع، ورجح عياض والنووى الفتح. لقوله "فلا يأمرنى إلا بخير" قال الدميرى: وهو المختار.
والإجماع على عصمة النبى صلى الله عليه وسلم من الشيطان، وإنما المراد تحذير غيره من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا أنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان. انتهى وقال غيره: اعترضت رواية الضم -فأسلم - بأنه تعوذ منه بقوله "أعوذ بك أن يتخبطنى الشيطان عند الموت" أى يصرعنى ويلعب بى ويفسد دينى أو عقلى عند الموت بنزغاته التى تزل بها الأقدام وتصرع العقول، وقد يستولى على الإنسان حينئذ، فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج عن مظلمة أو يؤيسه من الرحمة، أو يكره الموت فيختم له بسوء والعياذ بالله تعالى.
وأجيب بأنه إنما قاله تعليما لأمته صلى الله عليه وسلم فإن شيطانه أسلم ولا تسلط له ولا لغيره عليه بحال، بل سائر الأنبياء لا تسلط لشياطينهم عليهم وإن لم يسلموا. انتهى ما جاء فى الزرقانى على المواهب.
وخلاصته:
1 - أن كل إنسان معه قرين من الجن وقرين من الملائكة، وقرين الملائكة إما لحفظ الإنسان كما قال الله سبحانه {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} الرعد: 11 وإما لمساعدته على الخير وإما لغير ذلك، وقرين الجن مهمته الإغواء فقد أقسم إبليس بعزة الله أن يغوى الناس أجمعين، إلا عباد الله المخلصين.
2 -أن النبى صلى الله عليه وسلم كسائر الناس له قرين من الجن وقرين من الملائكة، وقرينه من الجن مختلف فى أنه أسلم بدليل قوله "فلا يأمرنى إلا بخير" أو لم يسلم، بدليل الاستعاذة منه، وأن الله قوَّى رسوله عليه فأبطل محاولة إغوائه، كما حدث من تفلُّته عليه فى الصلاة ليفسدها فخنقه عليه الصلاة والسلام ثم أطلقه كما ثبت فى الحديث.
وعلى كلا الأمرين فالرسول معصوم من تسلط الشيطان عليه وإيقاعه فى المعصية وهو صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى وجوب الحذر من الشيطان المقارن لنا، وإلى أنه بشر مثلنا يجاهد مع توفيق من الله حتى لا يعصى. ونحن أولى بالمجاهدة
(8/63)
________________________________________
اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل كان كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بوحى من الله سبحانه، أم كان يجتهد فى بعض الأحيان فيما لم ينزل عليه فيه وحى، وإذا اجتهد هل كان اجتهاده كله صوابا أم كان بعضه خطأ؟

الجواب
الكلام فى هذا الموضوع قد عنيت به كتب الحديث والأصول، ولا يتسع له المقام هنا، وخلاصته أن للعلماء فى جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ثلاثة آراء:
1 - رأى يقول بامتناع الاجتهاد عليه، لإمكانه الوصول إلى ما يريد عن طريق الوحى، ولكن رد عليه بأن إنزال الوحى ليس فى قدرته، وقد يكون فى حاجة ماسة إلى الإجابة على سؤال أو التصرف فى أمر عاجل، وعندما انتظر نزول جبريل عليه فتر الوحى مدة، وعندما جاء سأله الرسول، فقال {وما نتنزل إلا بأمر ربك} مريم: 64.
2 -ورأى يقول بجواز الاجتهاد وبوقوعه بالفعل منه، كما حدث فى التشاور فى أسرى بدر، وفى إذنه لبعض الناس فى التخلف عن الغزوة، وقد جاء فى ذلك قوله تعالى {ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض} الأنفال: 67 وقوله {عفا الله عنك لمَ أذنت لهم} التوبة: 43 حيث عاتبه الله سبحانه، والعتاب لا يكون فيما صدر عن وحى.
3 - ورأى يقول بجواز اجتهاده فى الأمور السريعة الضاغطة كالحروب، وبعدم جوازه فى غير ذلك، وهذا الرأى فيه جمع بين الأعلة، وهو رأى حسن. والذين قالوا بجواز اجتهاده قال بعضهم: لا يجوز عليه الخطأ فكلُّ اجتهاده صحيح.، كما ذكره ابن أبى هريرة والماوردى، وذلك لأنه لا نبى بعده يستدرك خطأه فلذا عصم من بينهم، وقال ابن السبكى: الصواب أن اجتهاده لا يخطئ تنزيها لمنصب النبوة عن الخطأ فى الاجتهاد، وقال آخرون: يجوز عليه الخطأ ولكن لا يُقَرُّ عليه، بل ينزل الوحى بتصحيحه، ومع جواز الخطأ هو مأجور، وعتاب الله له فى مثل الأسرى ليس عقابا، "راجع الزرقانى على المواهب ج 8 ص 281 والسياسة الشرعية للشيخ عبد الرحمن تاج"
(8/64)
________________________________________
تحسين الصوت بالقرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل ما نسمعه من قراءة القرآن فى المآتم والاحتفالات تجويد شرعى أو تطريب تراعى فيه مقامات الموسيقى لإعجاب المستمعين؟

الجواب
التجويد، هو ضبط القراءة بإخراج الحروف من مخارجها وإعطائها حقها ومستحقها كما حدده المشتغلون بعلم التجويد أما تحسين الصوت بالقرآن فشىء وراء التجويد اللازم لصحة القراءة، والأمر بتحسين الصوت بالقرآن موجود فى نصوص كثيرة منها حديث "ليس منا من لم يتغن بالقرآن " رواه مسلم وحديث "زينوا القرآن بأصواتكم " رواه أبو داود والنسائى، وحديث "ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به " رواه مسلم.
وقد توسع القرطبى فى شرح هذه الأحاديث فى مقدمة تفسيره نقتطف منه ما يلى:
العلماء فريقان فى التطريب وقراءة القرآن بالألحان، فكرهه جماعة منهم الإمام مالك، وقال: لا يعجبنى،إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم، وأجازته جماعة، لأنه أوقع فى القلوب، واحتجوا بالأحاديث السابقة.
ومما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم استمع إلى قراءة أبى موسى الأشعرى وأعجب بها دون أن يعلم، فلما علم قال: لو أعلم أنك تستمع لقراءتى لحبَّرته لك تحبيرا، وعلى هذا أبو حنيفة وأصحابه والشافعى وغيرهم. واختار القرطبى رأى مالك وأجاب عن الأحاديث بأن القرآن لا يُزيَّن بالصوت، وإنما الصوت هو الذى يزين بالقرآن فالتعبير فى الحديث مقلوب، وكذلك فسره غير واحد.
وذكر رواية لأبى هريرة "زينوا أصواتكم بالقرآن" كما روى عن عمر:
حسنوا أصواتكم بالقرآن.
وحديث التغنى بالقرآن معناه تحسين الصوت به، وهو معنى التحبير الوارد فى كلام أبى موسى الأشعرى. وقيل: المراد بالتغنى الاستغناء بالقرآن عن علم أخبار الأمم وقيل: معناه يتحزن به وقيل: إن العرب كانت تولع بالغناء والنشيد فى أكثر أقوالها فلما نزل القرآن أحبوا أن يكون القرآن هِجِّيَراهُمْ، أى دأبهم وعادتهم.
ونفى الشافعى ومن معه أن يكون المراد بالتغنى الاستغناء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراده لقال "من لم يستغن" بدل "يتغن" قال الطبرى: المعروف عندنا فى كلام العرب أن التغنى إنما هو الغناء الذى هو حسن الصوت بالترجيع: ورد القرطبى كلام الطبرى، وذكر أن الترجيع والتطريب فيه همز ما ليس بمهموز، ومد ما ليس بممدود، ويؤدى ذلك إلى زيادة فى القرآن وهو ممنوع.
ثم ذكر القرطبى أن الخلاف فى التطريب محله إذا لم يترتب عليه عدم فهم القرآن، وإلا كان حراما بالاتفاق، وحمل بشدة على قراء مصر لذلك. ثم ذكر حديثا رواه الترمذى الحكيم فى "نوادر الأصول" وهو "اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتاب، وسيجئ بعدى قوم يرجِّعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح، لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم " وقال: اللحون جمع لحن وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسينه بالقراءة والشعر والغناء، انتهى.
غير أن ما يرويه الترمذى الحكيم فيه كلام كثير، وهو غير الترمذى صاحب السنن، والواجب فى قراءة القرآن الخشوع والأدب فى الأداء، والمحافظة على إخراج الحروف من مخارجها، وإعطاء المد حقه وعدم التمطيط الزائد، أو الانتقال المفاجئ من رفع الصوت العالى إلى الانخفاض الشديد، وما يشبه ذلك مما لا يفرق بين قراءة القرآن والغناء، والعلماء المختصون بالتجويد والقراءات هم أهل الذكر فى ذلك
(8/65)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 6:47 am

إنجيل برنابا

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن إنجيل برنابا يتفق مع القرآن الكريم فيما جاء عن سيدنا عيسى؟

الجواب
جاء فى كتاب "التثليث فى المرآة" لكوثر نيازى ص 108 أن برنابا كان مصاحبا للمسيح عليه السلام مدة طويلة، وكتب عن معلومات توافق ما جاء فى القرآن كثيرا، وكان هذا الإنجيل يقرأ ويدرس إلى أواسط القرن الخامس الميلادى. وفى القرن الخامس حرَّم البطريق "جليسيوس" قراءته وأمر بإعدام نسخه، ثم عثر على نسخة منه فى القرن السادس عشر الميلادى القسيس الكبير "فرامرينو" الذى وجده فى مكتبة البطريق "سكنس " بطريق روما، فظهر له بعد مطالعته أن فيه أخبارا واضحة عن خاتم الأنبياء وذكر اسمه "أحمد" فأخرج "فرامرنيو" هذا الإنجيل من مكتبة البابا وأعلن إسلامه، ونقله إلى العربية "رشيد رضا" فى مصر.
(8/66)
________________________________________
الاستعاذة عند القراءة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجب على الإنسان إذا أراد أن يقرأ شيئا من القرآن الكريم أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟

الجواب
قال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} النحل: 98 يقول القرطبى "ج 1 ص 86" هذا الأمر على الندب فى قول الجمهور، وذلك فى كل قراءة فى غير الصلاة، أما فى الصلاة فقد اختلفوا، وحكي عن عطاء أن الاستعاذة واجبة، وأبو حنيفة والشافعى يتعوذان فى الركعة الأولى من الصلاة، ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة، وما لك لا يرى التعوذ فى الصلاة المفروضة، ويراه فى قيام رمضان.
يؤخذ من هذا أن الاستعاذة قبل قراءة القرآن سنة عند الجمهور، وذلك فى غير الصلاة،أما فى الصلاة فهى سنة قبل قراءة الفاتحة عند الحنفية والشافعية، يستوى فى ذلك صلاة الفرض والنفل، والمالكية لا يستحبونها فى الفرض.
وجاء فى كفاية الأخبار "ص 104 " فى فقه الشافعية أن الاستعاذة مستحبة لكل ركعة، لوقوع الفصل بين القراءتين بالركوع وغيره، وقيل: يختص بالركعة الأولى، فما ذكره القرطبى هو أحد قولين عند الشافعية
(8/67)
________________________________________
طه ويس

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس إن "طه ويس" ليس من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم وورودهما فى القرآن جاء على أنهما من الحروف المقطعة فى أوائل السور، مثل: حم، طس، فهل هذا صحيح؟

الجواب
أولا: طه: جاء فى تفسير القرطبى "ج 11 ص 165" أن هناك خلافا فى معناها، فقال أبو بكر: هو من الأسرار، وقال ابن عباس: معناه يا رجل، وهى لغة معروفة فى "عُكْل " وقال عبد الله بن عمر: معناها بلغة "عك" يا حبيبى، وقيل هى اسم من أسماء الله تعالى وقسم أقسم به وهو مروى أيضا عن ابن عباس وقيل: هو اسم للنبى صلى الله عليه وسلم سماه الله به كما سماه محمدا، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "لى عند ربى عشرة أسماء" فذكر أن فيها طه ويس، وقيل إنها حروف مقطعة كالتى فى أوائل بعض السور، وقيل: إن معناها: طَأِ الأرض، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتحمل من مشقة الصلاة حتى كادت قدماه تتورمان ويحتاج إلى الترويح، فقيل له: لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح، ويناسب ذلك قوله تعالى بعد ذلك مباشرة "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" أى ما أنزلناه لترهق نفسك بالقيام به فى الصلاة.
هذا مختصر مما جاء فى تفسير القرطبى من كلام طويل فيه من أراد الاستزادة فليرجع إليه.
ثانيا: يس. جاء أيضا فى تفسير القرطبى "ج 15 ص 3" أن هناك خلافا فى معناها فقيل: معناها يا إنسان أو يا رجل، وقيل: اسم من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم أو من أسماء الله تعالى، وكما طال الكلام فى طه طال فى يس فيرجع إلى القرطبى، وذكر الزرقانى فى شرح المواهب "ج 3 ص 137" أن الحديث الذى ذكره ابن مردويه فى أن طه من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم ضعيف واعتمد أنه من الحروف المقطعة، أيضا "ج 3ص 175 "
(8/68)
________________________________________
التهلكة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى التهلكة الواردة فى قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ؟

الجواب
هذا جزء من الآية {وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} البقرة:195 جاءت هذه الآية بعد آيات تتحدث عن الجهاد فى سبيل الله، وفيها أمور ثلاثة، أولها الأمر بالإنفاق فى سبيل الله، وثانيها النهى عن الإلقاء بالأيدى إلى التهلكة، وثالثها الأمر بالإحسان، أما الإنفاق فى سبيل الله فمعناه واضح وإن كان سبيل الله واسع الميدان فمن أهمه الجهاد وكذلك الإحسان واضح المعنى فهو يلتقى مع الإنفاق فى سبيل الله فى أكثر مظاهره وإن كان من معانيه الإجادة والإتقان والإخلاص فى أى عمل. على ما جاء فى الحديث "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
وأما الإلقاء بالأيدى إلى التهلكة ففى تفسيره عدة أقوال: لا تتركوا النفقة ولا تخرجوا إلى الجهاد بغير زاد ولا تتركوا الجهاد، ولا تدخلوا على العدو الذى لا طاقة لكم به ولا تيأسوا من المغفرة وقد قال الطبرى: هو عام فى جميعها، كما ذكره ابن العربى فى أحكام القرآن.
ومن الوارد فى ذلك ما رواه البخارى عن حذيفة أن الآية نزلت فى النفقة وكذلك قال ابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وجمهور الناس كما ذكره القرطبى، وقال المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة، فى سبيل الله وتخافوا العيلة فيقول الرجل: ليس عندى ما أنفقه وذكر القرطبى خمسة أقوال فى تفسير هذه الآية. وقال: روى الترمذى عن يزيد بن أبى حبيب عن أسلم أبى عمران أنهم فى غزو القسطنطينية حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس: إنه يلقى بيديه إلى التهلكة، فصحح لهم أبو أيوب الأنصارى معنى الآية بأنها نزلت فى الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه قالوا: هلمَّ نقيم فى أموالنا ونصلحها لأنها ضاعت فالتهلكة هى الإقامة على الأموال وإصلاحها وترك الغزو.
ثم تحدث القرطبى عن حكم اقتحام الرجل فى الحرب وحمله على العدو وحده. وقال: إن بعض العلماء المالكية أجازوا أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة وكان لله بنية خالصة، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة، وقيل: إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل، لأن مقصوده واحد منهم كما قال تعالى: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله} وقال ابن خويز منداد: فأما أن يحمل الرجل على مائة أو على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان: إن علم وغلب على ظنه أنه سيقتل من حمل عليه وينجو هو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكى نكاية أو سيبلى أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا، وقد بلغنى أن عسكر المسلمين لما لقى الفُرسْ نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين وأنَّس به فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذى كان يقدمها فقيل له: إنه قاتلك، فقال لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين، وفعل البراء بن مالك حيلة فى حرب بنى حنيفة حتى دخل حصنهم وفتح الباب فدخل المسلمون.
وذكر القرطبى ما رواه مسلم فى دفاع رجل من الأنصار عن النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقاتل العدو حتى قتل، وفعل مثله العدد القليل الذين أحاطوا بالرسول، وهذا دليل على أن المخاطرة التى فيها منفعة للمسلمين لا بأس بها ولا تعد من الإلقاء باليد إلى التهلكة، كما ذكر القرطبى عن محمد بن الحسن أن المخاطرة بالنفس إذا كان فيها طمع فى النجاة أو النكاية فى العدو لا بأس بها، وإلا كانت مكروهة لأنه عرض نفسه للتلف فى غير منفعة للمسلمين إلا إذا قصد تشجيع المسلمين حتى يصنعوا مثله فلا بأس بها لأن فيها منفعة لهم على بعض الوجوه. ثم تطرق القرطبى من حكم المخاطرة فى الجهاد إلى المخاطرة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقال: إنه متى رجا نفعا فى الدين فبذل نفسه حتى قتل كان فى أعلى درجات الشهداء قال تعالى {وأْمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} لقمان: 17 وفى حديث النسائى وابن ماجه بسند صحيح "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وجاء مثل ذلك فى أحكام القرآن لابن العربى
(8/69)
________________________________________
عاهد عليه الله

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ضمير الغائب إذا دخل عليه حرف الجر وهو "عَلَى" كان مكسورا مثل "فلما قضينا عليه الموت" ومثل "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" ولكن جاء فى سورة الفتح مضموما فى قوله تعالى {ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله} فما السر فى هذا؟

الجواب
ضمير الغائب كسائر الضمائر مبنى وقد يكون فى محل الرفع أو النصب أو الجر، وهو إما منفصل مثل "هو الله" "وهم بأمره يعملون" وإما متصل مثل "قوله الحق" "موعدهم الصبح".
والمتصل إذا كان فى محل نصب كان مضموما فى المفرد المذكر والمثنى والجمع بنوعيهما، ومفتوحا فى المفردة المؤنثة مثل:
إنه، إنها، إنهما، إنهن. وإذا كان فى موضع جر فإما أن يكون الجر بالإضافة وإما أن يكون بدخول حرف الجر عليه، فإن كان بالإضافة يكون مضموما فى المفرد المذكر والمثنى والجمع بنوعيهما، ومفتوحا فى المفردة المؤنثة. إذا كان آخر المضاف مرفوعا، مثل: هذا كتابهُ، كتابُهَا، كتابهُم، كتابهن وكذلك إذا كان آخر المضاف منصوبا مثل إن كتابه، كتابها، كتابهما، كتابَهُم، كتابَهن. أما إذا كان آخر المضاف مجرورا كان الضمير مكسورا فى كل أحواله مفتوحا فى المفردة المؤنثة. مثل فى بيته، بيتها، بيتهما، بيتهم بيتهن.
وإن كان الجر بدخول حرف الجر عليه فحركة الضمير تختلف باختلاف آخر الحرف، فهو مضموم فيما عدا المفردة المؤنثة، مع من، عن. ومكسور فيما عدا المفردة المؤنثة، مع الباء وإلى وعلى. والأمثلة مع على {وسلام عليه} مريم: 15 {أنعم الله عليهم} النساء: 69.
أما قوله تعالى فى سورة الفتح {ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله} بضم الهاء، ففال بعض العلماء إنه استثناء من الأصل، لأن اسم الجلالة وهو "الله " إذا سبق بمجرور أو مكسور كان النطق به مرققا وليس مفخما كما هو الحال فيما إذا كان قبله فتح أو ضم، وفى مقام العهد مع الله الذى يقتضى إظهار قوة الله وعظمته.فى النطق بأسمائه كان ضم الضمير فى "عليه " ليكون النطق بلفظ الجلالة مفخما لا مرققا.
وقال آخرون: هناك لغتان فى "عليهم" لغة بكسر الهاء ولغة بضمها، وضمير المفرد المذكر يجئ على مثال الجمع، فما كسرت فيه الهاء فى المفرد فهو على لغة، وما ضمت فيه فهو على لغة أخرى، واللغتان عربيتان، والقرآن كله عربى
(8/70)
________________________________________
الجفر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعنا أن من الكتب المقدسة عند الشيعة ما يسمى بالجفر ومصحف فاطمة، فهل يمكن أن نعرف شيئا عنهما؟

الجواب
سبق فى ص 641 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى أن تعرضنا لموقف الشيعة من القرآن وادعاء أنه ناقص. وإن كان بعضهم -من باب التقية-يقسم أنهم لا يعرفون إلا القرآن الذى بين دفتى المصحف المتداول بين المسلمين. لكن عند الكثيرين أن هناك مصحف فاطمة كما نصت عليه كتبهم مثل كتاب " الكافى" الذى هو أوثق كتاب عندهم بعد القرآن الكريم، جمعه أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُلَيْنى الرازى " 328-329 هـ" وفيه من عدة أحاديث بأرقام 635 / 1 - 642/ 8 ما خلاصته أن فاطمة عليها السلام حزنت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين يوما، وكان الملك يأتيها ويسليها ويخبرها بحال النبى صلى الله عليه وسلم، وأخبرها بما سيكون لذريتها، ولما عرف علىٌّ ذلك قال لها: إذا حضر فأعلمينى، فكان إذا حضر كتب عنه علىٌّ كل ما قال، وتلك هى مصحف فاطمة، وليس فيه من الحلال والحرام شىء، ولكن فيه علم ما سيكون، وجاء فى الحديث رقم 653 ما نصه: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال:
مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله أعلم،قال: إنه لعلم وما هو بذاك.. .
أما الجفر، فقد جاء فى الأحاديث المذكورة أنه وعاء من أدَم -جلد ثور-فيه علم النبيين والوصيين،، وعلم العلماء الذين مضوا من بنى إسرائيل، وفيها -أى هذه الأحاديث- أن عندهم: الجفر الأبيض الذى فيه زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم عليهم السلام، والحلال والحرام ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرْش الخدش.
والجفر الأحمر وفيه السلاح، وذلك إنما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل، وفيه: أن بنى الحسن يعرفون هذا الجفر كما يعرفون الليل والنهار، ولكن الحسد وطلب الدنيا حملهم على الجحود والإِنكار. وفى الحديث رقم 638/4 أن فى الجفر الذى يذكرونه ما يسوءهم، لأنهم لا يقولون الحق، والحق فيه، فليخرجوا قضايا علىٍّ وفرائضه إن كانوا صادقين، وسلوهم عن الخالات والعمات، وليخرجوا مصحف فاطمة عليها السلام، فإن فيه وصية فاطمة عليها السلام ومعه سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يقول {فأتوا بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} الأحقاف: 46 " ايتونى".
وفى الحديث رقم 639/5 أن عندهم الجامعة، وهى صحيفة طولها سبعون ذراعا فى عرض الأديم، مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهى فيها حتى أرش الخدش.
وجاء فى الحديث رقم 645/ 6: إن عندنا كتابا أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبه علىٌّ عليه السلام، صحيفة فيها كل حلال وحرام. [هذا الكلام منقول من صحف مصورة من كتاب الكافى مع الترجمة الإِنجليزية، طبع المؤسسة العالمية للخدمات الإِسلامية طهران إيران فى 18/6/1981 - ص 40 بعنوان: باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام، الجزء الأول: الأصول القسم الثانى (4) كتاب الحجة (3) المؤسسة العالمية للخدمات الإِسلامية] .
وربما تعرضنا لذلك فى وقت آخر
(8/71)
________________________________________
أخلاق اليهود من القرآن الكريم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لليهود دور كبير فى التاريخ من قبل الإسلام ومن بعد الإسلام، وتحدث القرآن عنهم بأنهم أفسدوا وسيفسدون، وقال "وإن عدتم عدنا" فما هى الصفات المتأصلة فيهم من وجهة نظر الدين؟

الجواب
القرآن الكريم حدَّد الشخصية الأخلاقية لليهود، وتحدَّث عنهم فى إنصاف، فمدحهم حين يستحقون المدح، وذمهم حين يمارسون ما يذمون عليه، وكان ذمهم طاغيا على مدحهم لما جبلوا عليه من أخلاق وما قاموا به من تصرفات منكرة، فمما ورد فى مدحهم قوله تعالى {ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} الجاثية: 16 أى على عالمى زمانهم.
ومن أخلاقهم المذمومة ما يأتى:
1 -الكذب على الله، قال تعالى: {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} آل عمران:
75 {وقالت اليهود يد الله مغلولة} المائدة: 64 {قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} آل عمران: 181 {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلمَ يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق} المائدة: 18.
2 - حبهم لسماع الكذب، قال تعالى {ومن الذين هادوا سمَّاعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} المائدة: 41 {سماعون للكذب أكالون للسحت} المائدة: 42.
3-التمرد على الله. قال تعالى {فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية} المائدة: 13 وهو ميثاق مع الله بالصلاة والزكاه والإِيمان بالرسل ومساعدتهم والقرض الحسن.
4 - التمرد على الرسل، قال تعالى {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} البقره:55 {كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذَّبوا وفريقا يقتلون} المائدة: 70 {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} المائدة: 24.
5 -الجدال والمراء. قال تعالى {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنىَّ يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال} البقرة: 247 {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا} البقرة: 70.
6 -كتمان الحق والتضليل، قال تعالى {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} البقرة: 42 {يَلْوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب} آل عمران:
78.
7 - النفاق، قال تعالى {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} البقرة: 14 {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب} البقرة:
44.
8 -إيثار المنفعة الشخصية والأنانية الطاغية، قال تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} البقرة: 87 {ليس علينا فى الأميين سبيل} آل عمران:75.
9 -حب الشر للناس والسعى فى إفسادهم. قال تعالى: {ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} البقرة: 109.
10 -كراهية الخير لغيرهم. قال تعالى: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} آل عمران:125 {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} النساء: 54.
11 - الكبر والتعالى على الناس: قال تعالى: {نحن أبناء الله وأحباؤه} المائدة: 18 {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم} النساء: 49 {ليس علينا فى الأميين سبيل} آل عمران: 75.
12 - الاستغلال والانتهازية، قال تعالى {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل} النساء: 161 {أكَّالون للسحت} النساء: 42.
13 - عدم الأدب فى الخطاب. قال تعالى {من الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليًّا بألسنتهم وطعنا فى الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرًا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً} النساء: 46.
14 - سهولة الاغتيال، قال تعالى {ويقتلون النبيين بغير الحق} البقرة: 61.
15 - قسوة القلب وجمود العاطفة. قال تعالى {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة} البقرة: 74.
16 - عدم الوفاء بالعهود. قال تعالى: {أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم} البقرة: 100.
17 -تبلد حسهم وموت ضميرهم الأدبى، قال تعالى {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} المائدة: 79 {ترى كثيرا منهم يسارعون فى الإِثم والعدوان وأكلهم السحت} المائدة: 80.
18 - التحايل على المخالفة، قال تعالى {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} البقرة: 65 ويفسر ذلك قوله تعالى: {إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شُرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} الأعراف: 163.
19 - الجبن، قال تعالى {لأنتم أشد رهبة فى صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون. لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى} الحشر: 13، 14 {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} البقرة:
249 {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} البقرة: 96.
20 - البخل، قال تعالى {أم لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون الناس نقيرا} النساء: 53 {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} التوبة: 34.
21 - تحريف الكتب المقدسة قال تعالى {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا} البقرة: 79 {من الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه} النساء:
46.
22 - استباحة الكفر فى سبيل تحقيق أغراضهم. قال تعالى {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} النساء:
51 {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} المائدة: 80.
هذه صورة من أخلاق اليهود كما وصفها القرآن الكريم. تمردوا على تعاليم اليهودية السماوية واستبدلوا بها تعاليم أخرى زعموا أنها أفضل من التوراة " التلمود" ومن أجل هذا لفظتهم كل الدول التى يحلون بها وتاريخ طردهم من بلاد أوروبا مسطر فى الكتب، ويؤكد خبث نيتهم ما تركز أخيرا فى صورة بشعة هى الصهيونية بأساليبها الوحشية المعروفة، وإذا كان الله سبحانه قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله فما ظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وإذا كان الله قد تأذن ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب فذلك يعطينا الأمل فى نصر الله لنا عليهم إن نصرناه بالإِيمان القوى والتسلح بكل سلاح مادى ومعنوى، مع وحدة تجمع الكلمة وتعمل للصالح العام. " انظر كتابنا: دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة".
(8/72)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 6:47 am

من بلاغة القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى سورة القصص جاء قوله تعالى {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} الآية: 20 وفى سورة يس جاء قوله {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} الآية: 19 فما هو السر فى تقديم {رجل} فى الآية الأولى وتأخيره فى الآية الثانية؟

الجواب
القرآن كله فى أعلى درجات البلاغة العربية كما هو معروف، وقد اجتهد العلماء فى بيان أسرار بلاغته، فأدركوا بعضها وخفى عليهم البعض الآخر، ووُضعت فى ذلك كتب خاصة، مثل: غرائب آى التنزيل لزين الدين الرازى الخلفى المتوفى سنة 666 هـ، البرهان فى توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان، لمحمود بن حمزة الكرمانى المتوفى سنة505 هـ، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس فى القرآن، للشيخ زكريا الأنصارى، متشابه القرآن للقاضى عبد الجبار، وغير ذلك.
وبخصوص ما جاء فى السؤال قال الكرمانى: خصت سورة القصص بالتقديم لقوله قبله {فوجد فيها رجلين يقتتلان} الآية: 15 ثم قال {وجاء رجل} وخصت سورة يس بقوله {وجاء من أقصى المدينة} لما جاء فى التفسير أنه كان يعبد الله فى جبل، فلما سمع بخبر الرسول سعى مستعجلا، أى أن الإِخبار هنا هو عن سعيه وليس عنه، والتقديم هنا للاهتمام والاعتناء بالفعل لا بالفاعل
(8/73)
________________________________________
أصحاب السبت

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هم أصحاب السبت وما قصتهم؟

الجواب
قال تعالى فى حق اليهود {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} البقرة:65. حرَّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت عقابا وامتحانا لهم، فكثر السمك يوم السبت فلم يطيقوا الصبر على الامتحان، فتحايلوا وحبسوه إلى أن ينتهى اليوم فيصطادوه بعد ذلك. قال تعالى {واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} الأعراف:
163 فمسخ الله المعتدين قردة وخنازير، أى جعل أخلاقهم كأخلاقها، وقيل: بل مسخهم الله شكلا وموضوعا، فكانوا قردة وخنازير، ثم قيل: إن الله أهلكهم بعد ذلك حتى لا يتناسلوا، وقيل: بل بقوا وتناسلوا، وتوضيح ذلك فى مكان آخر من هذه الفتاوى.
والقرية قيل: هى " أيلة " أو هى " مدين " بين أيلة والطور، وقيل "طبرية " وقيل: هى من سواحل الشام. وذلك لا يهم.
وذكر المفسرون أن هذه القصة كانت فى زمن داود عليه السلام، وأن إبليس أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء، فيأخذونها يوم الأحد. وبهذه الحيلة كثر صيد الحيتان، ورأى الناس أن من صنع هذا لا يبتلى، فعمرت الأسواق بها، وأعلن الفسقة بصيدها، فقامت فرقة من بنى إسرائيل ونهت وجاهرت بالنهى واعتزلت، وقيل: إن بنى إسرائيل افترقت ثلاث فرق، فرقة عصت وصادت، وكانوا نحوًا من سبعين ألفا، وفرقة نهت واعتزلت، وكانوا اثنى عشر ألفا، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص، وأن هذه الفرقة قالت للناهية كما قال الله تعالى {وإذ قالت أمة منهم لمَ تعظون قوما الله مهلكهم أو معذِّبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} الأعراف: 164.
ويكفى هذا القدر للإجابة على السؤال، وفى كتب التفسير متسع لمن أراد أن يستزيد. والمهم أن نأخذ العبرة فلا نعصى أوامر الله، ولا نسكت عن النهى عن المنكر حتى لا نجازى بما يجازى به العاصون. قال تعالى عن هذه القصة {فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين} البقرة: 66 وقال {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون. فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين} الأعراف: 165، 166
(8/74)
________________________________________
أول وآخر ما نزل من القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى أول وآخر آية نزلت من القرآن الكريم؟

الجواب
لا شك أن معرفة تاريخ نزول السور والآيات لها فائدتها العظيمة فى التشريع، من أهمها معرفة الناسخ والمنسوخ، حينما يكون هناك نصان مختلفان فى الحكم، ولا يمكن التوفيق بينهما بمثل التقييد والتخصيص، وكذلك معرفة تدرج التشريع، وبيان اهتمام المسلمين بالقرآن والبحث عن تواريخ نزول الآيات والسور.
وأصح ما قيل فى أول ما نزل من القرآن أنه صدر سورة {اقرأ باسم ربك الذى خلق} فى غار حراء كما رواه البخارى ومسلم عن عائشة فى حديث أول ما بدئ به الرسول من الوحى. وقيل: إن أول ما نزل إطلاقا {يا أيها المدثر} وذلك لحديث رواه البخارى ومسلم أيضا عن جابر بن عبد الله، ولكن ردَّ عليه بأن ذلك أول ما نزل بعد فترة الوحى. للنص عليه فى رواية أخرى التى جاء فيها "فإذا الملك الذى جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فرجعت إلى بيتى وقلت زمِّلونى، فأنزل الله {يا أيها المدثر} وقيل: إن أول ما نزل هو سورة الفاتحة، بناء على حديث رواه البيهقى. وردَّ بأنه حديث مرسل سقط منه الصحابى فلا يقوى على معارضة حديث عائشة السابق وقيل: إن أول ما نزل هو البسملة {بسم الله الرحمن الرحيم} بناء على حديث أخرجه الواحدى عن عكرمة والحسن، ورُدَّ بأنه حديث مرسل كسابقه، فهذه أربعة أقوال أصحها وأقواها الأول أما آخر ما نزل من القرآن ففيه عشرة أقوال:
1 - قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} البقرة: 281 بناء على حديث رواه النسائى عن ابن عباس، حيث عاش النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال ثم توفى لليلتين خلتا من ربيع الأول.
2 - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين} البقرة: 278 بناء على رواية للبخارى عن ابن عباس.
3 - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه} البقرة: 282.
وجمع السيوطى بين هذه الأقوال بأن الظاهر نزولها دفعة واحدة كترتيبها فى المصحف، لأنها فى قصة واحدة. لكن الرأى الأول أقوى لما فى الآية من إشارة إلى ختام الدين ووجوب الاستعداد ليوم القيامة، وللنص فى الحديث على وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها بتسع ليال فقط.
4 - قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم} آل عمران: 195 والدليل حديث أخرجه ابن مردويه عن أم سلمة أنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أرى الله يذكر الرجال ولا يذكر النساء، فنزلت {ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض} النساء: 32 ونزلت {إن المسلمين والمسلمات} الأحزاب:35 ونزلت آية {فاستجاب لهم ربهم} فهى آخر ما نزل من الآيات الثلاث، وليست آخر ما نزل من القرآن.
5 -قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} النساء:
93 والدليل ما أخرجه البخارى وغيره عن ابن عباس حيث قال:
هى آخر ما نزل ولم ينسخها شىء، ويجاب على ذلك بأنها آخر ما نزل فى حكم قتل المؤمن عمدا، وليست آخر ما نزل من القرآن.
6 - قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة} النساء:
176 والدليل ما رواه البخارى ومسلم عن البراء بن عازب، ورد بأنها آخر ما نزل فى المواريث، كما قال عن سورة براءة بأنها آخر ما نزلت، فيحمل القول على أن ذلك بالنسبة لتشريع الجهاد والقتال، فالآخرية نسبية إضافية لا حقيقية مطلقة.
7-سورة المائدة، بناء على رواية للترمذى والحاكم عن عائشة، وردَّ بأنها آخر سورة نزلت فى الحلال والحرام فلم تنسخ فيها أحكام، فالآخرية مقيدة بذلك وليست مطلقة.
8-قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} التوبة: 128 بناء على ما رواه الحاكم وابن مردويه عن أُبى بن كعب، ويرد عليه بأن الآخرية معناها أنها آخر آية نزلت من سورة براءة ويؤيده ما قيل:
إن هذه الآية وما بعدها نزلت بمكة مع أن السورة مدنية، فالسورة تحدثت عن الجهاد، والآيتان ليس فيهما أمر به، لأن الجهاد لم يفرض بمكة.
9- آخر سورة الكهف {فمن كان يرجو لقاء ربه} بناء على ما أخرجه ابن جرير عن معاوية بن أبى سفيان، ويرد عليه بأن الآخرية بحسب عدم نزول ما ينسخها بعدها.
10 - {إذا جاء نصر الله والفتح} لما رواه مسلم عن ابن عباس، وردَّ بأنها آخر ما نزل مشعرا بوفاة النبى صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما روى عن أنه قال حين نزلت " نُعيتْ إلىَّ نفسى " وفهم ذلك بعض كبار الصحابة، فقد ورد أن عمر بكى عند سماعها وقال: الكمال دليل الزوال.
ويحتمل أنها آخر ما نزل من السور فقط كما تدل عليه رواية ابن عباس.
هذا ما لخصته من الإِتقان فى علوم القرآن للسيوطى. ومن مناهل العرفان للزرقانى، ومن أراد الزيادة فليرجع إليهما
(8/75)
________________________________________
الكون يسبح الله

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى الآيات القرآنية أن كل شىء يسبِّح الله، فبأى لغة يكون هذا التسبيح؟

الجواب
التسبيح معناه تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، وقد يكون ذلك بالقول وبالفعل، وبأية صورة تنبئ عن ذلك كالصلاة وذكر الله تعالى، وهذا التسبيح يلزمه الإِيمان بوجود الله وبألوهيته، ومثله السجود بمعناه العام وهو الخضوع واللجوء إليه، والكون كله ساجد لله ومسبح له بهذا المعنى، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {سبَّح لله ما فى السماوات وما فى الأرض} وقوله تعالى: {ألم تر أن الله يسبح له من فى السماوات والأرض والطير صافات كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} النور: 41 وقوله: {ألم تر أن الله يسجد له من فى السماوات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ... } الحج: 18 وقوله تعالى: {وإن من شىء إلا يسبِّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} الإِسراء: 44 والتسبيح الذى يعتمد على اللغة ليس كل إنسان قادرا على فهمه، فلكل من المخلوقات لغته، ولا يفهمها إلا من خصه الله من عباده المقربين كداود وسليمان عليهما السلام {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء} النمل: 16.
وبعض العلماء يقول: إن التسبيح باللغة يكون من الأحياء النامية كالحيوان والنبات، وأما تسبيح غيرها كالجماد فهو بمعنى الدلالة على وجود الله ووجوب عبادته، وقال بعض آخر: قد يكون تسبيح الجمادات بلغة خاصة كما جاء فى إكرام الله لداود بقوله تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإِشراق. والطير محشورة كل له أوَّاب} ص: 18، 19.
والمهم أن كل الكائنات تسبح وتسجد وتخضع لقدرة الله، ولكلٍّ لغتها وطريقتها فى ذلك، ومما جاء من النصوص والأخبار فى هذاالموضوع إلى جانب ما ذكر:
1 -روى البخارى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال " لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " وفى غير هذه الرواية عنه رضى الله عنه: كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه. وهناك عدة روايات فى تسبيح الطعام مذكورة فى الزرقانى على المواهب "ج 5 ص 121".
2-روى مسلم عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىَّ قبل أن أبعث، إنى لأعرفه الآن " قيل هو الحجر الأسود. وهناك عدة حوادث فى تسبيح الحصا فى يد الرسول وأبى بكر وعمر "المرجع السابق ص 120 ".
3- حنين الجذع الذى كان يخطب إليه، رواه البخارى وغيره، وقيل إنه متواتر، وسمع لحنينه صوت كصوت الناقة العشراء، والكلام طويل عنه فى " الزرقانى على المواهب ج 5ص 133".
4 -أخرج النسائى فى سننه عن عبد الله بن عمر وأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع وقال " نقيقها تسبيح ". وأخرجه ابن سبيع فى " شفاء الصدور " كما ذكره الدميرى.
5-روى ابن ماجه فى سننه ومالك فى موطئه قول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة ".
6 -ذكر القرطبى فى تفسير قوله تعالى: {وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} بعض أقوال منقولة عن عبد الله ابن مسعود وأنس بن مالك أن الجبال يكلم بعضها بعضا، كما ذكر فى "ج 13 ص 165 " ما تقوله بعض الطيور، وليس لذلك سند صحيح يعتمد عليه، ثم قال: الصحيح أن الكل يسبح، للأخبار الدالة على ذلك، ولو كان التسبيح تسبيح دلالة فأى تخصيص لداود؟ وإنما ذلك تسبيح المقال، بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح، وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شىء، فالقول به أولى.
وأقول: لقد أثبت العلم أن للحيوانات والطيور لغات تتفاهم بها، فلا استحالة فى كون كل المخلوقات تسبح بحمد الله بلغة خاصة بها، وإن كنا لا نفهمها، كما أنه لا مانع من تفسير التسبيح بأنه بلسان الحال ليعتبر الإِنسان ويؤمن ويسجد لله ويسبِّحه {قل انظروا ماذا فى السماوات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} يونس: 101
(8/76)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 7:02 am

الهداية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله تعالى: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} القصص: 56 ذكرت الهداية ثلاث مرات فى هذه الآية، فهل معناها واحد أم مختلف؟

الجواب
جاء فى القاموس: يقال: هداه هُدًى وهدْيًا وهِدَاية وهِدْية - بكسرهما - أرشده فتهدَّى واهتدى. وهداه الله الطريق دَلَّه، والهُدَى بضم الهاء وفتح الدال -الرشاد.
قال ابن القيم فى كتابه "بدائع الفوائد ": الهداية أربعة أنواع:
أحدها: الهداية العامة المشتركة بين الخلق، المذكورة فى قوله تعالى {الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى} طه: 50 أى أعطى كل شىء صورته التى لا يشتبه فيها بغيره، وأعطى كل عضو شكله وهيئته، وأعطى كل موجود خلقه المختص به، ثم هداه ما خلقه له من الأعمال، قال: وللجماد أيضا هداية تليق به، كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وإن اختلفت أنواعها وصورها، وكذلك لكل عضو هداية تليق به، فهدى الرجلين للمشى، واللسان للكلام، والعين لكشف المرئيات وهلمَّ جرا، وكذا هدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد، والولد إلى التقام الثدى عند وضعه، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو.
الثانى: هداية البيان والدلالة والتعريف لِنَجْدَى الخير والشر وطريقى النجاة والهلاك، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام، فإنها سبب وشرط لا موجب، ولهذا ينتفى الهدى معها، كقوله تعالى {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} فصلت: 17 أى بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا، ومنها قوله تعالى {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} الشورى: 52.
الثالث: هداية التوفيق والإلهام، وهى الهداية المستلزمة للاهتداء، فلا تتخلف عنها، وهى المذكورة فى قوله تعالى {يضل من يشاء ويهدى من يشاء} المدثر: 31 وفى قوله تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل} النحل: 37 وفى قوله صلى الله عليه وسلم: " من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له " وفى قوله تعالى: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص: 56 فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان فى قوله تعالى: {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} الشورى: 52.
الرابع: غاية هذه الهداية، وهى الهداية إلى الجنة أو النار إذا سيق أهلهما إليهما، قال تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار فى جنات النعيم} يونس: 9 وقال أهل الجنة فيها {الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله} الأعراف: 43 وقال فى حق أهل النار: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} الصافات: 22، 23 انتهى ما قاله ابن القيم.
والبيضاوى ذكر أن الهداية دلالة بلطف، ولذلك تستعمل فى الخير، وقوله {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} على التهكم. ثم قال: وهداية الله تتنوع أنواعا لا يحصيها عدٌّ، لكنها تنحصر فى أجناس مترتبة.
الأول: إفاضة القوى التى بها يتمكن المؤمن من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة. والثانى: نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد، وإليه أشار حيث قال {وهديناه النجدين} البلد: 10 وقال {فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} .
والثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وإياها عنى بقوله: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} الأنبياء: 7 وقوله {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} الإسراء: 9.
والرابع: أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هى بالوحى أو الإلهام والمنامات الصادقة، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء، وإياه عنى بقوله {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} الأنعام: 90 وقوله {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} العنكبوت: 69
(8/77)
________________________________________
الفاتحة للنبى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى قراءة الفاتحة للنبى؟

الجواب
الفاتحة كما ورد فى حديث البخارى هى أعظم سورة فى القراَن وهى السبع المثانى والقران العظيم. ومن قرأها أعطاه الله ما سأل من الهداية إلى الصراط المستقيم كما رواه مسلم، وكما جاء فى رواية أخرى له " لن يقرأ بحرف منها إلا أعطيه ".
وإذا قرأها الإنسان للنبى صلى الله عليه وسلم، فالظاهر أنه يهب ثوابها إليه، مع غنى الرسول عن هذا الثواب فقد شرفه الله وكرمه أعظم تشريف وتكريم، لأن هذه الهبة علامة على حب من قرأها للنبى عليه الصلاة والسلام، تماما كالصلاة على النبى، فإن معناها طلب الرحمة من الله له، وهو عليه الصلاة والسلام مرحوم، والمحب يحرص ويسرُّ بتقديم هدية إلى المحبرب رمزا وعلامة على حبه.
وكثيرا ما يقول قارى الفاتحة للنبى " زيادة فى شرف النبى " فالنبى مشرف وهو يطلب من الله أن يزيده شرفا، وكل ذلك دليل على الحب، وحبه عليه الصلاة والسلام فرض على المؤمن لا يتم إيمانه إلا به، كما رودت بذلك الأحاديث. وإذا كان حبه يتمثل فى اتباع سنته أى طريقته التى تركها لنا ممثلة فى القراَن والسنة، فليس هناك ما يمنع أن نبرهن على حبنا بإهداء ثواب الفاتحة له والصلاة عليه أى طلب الرحمة من الله له " انظر ص 408 ج 5من الزرقانى على المواهب "
(8/78)
________________________________________
حول نظم القرآن الكريم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا قال الله فى بعض السور {آمنا برب العالمين رب موسى وهرون} وفى بعضها {آمنا برب هارون وموسى} فما هو السر فى تقديم موسى مرة وتأخيره مرة أخرى؟

الجواب
جاء التعبير عن إيمان سحرة فرعون بالله الذى أرسل إليهم موسى وهارون جاء فى ثلاث سور هى الأعراف وطه والشعراء، وفى بعضها قدم ذكر موسى على هارون وفى بعضها الآخر قدم هارون على موسى.
وليست لذلك حكمة منصوصة، بل هى استنتاجات قد تصادف الحقيقة وقد تنبو عنها، وقد قال علماء النحو: إن العطف بالواو يفيد مطلق الجمع دون ترتيب ولا تعقيب، فالله ربُّ موسى وهارون جميعا، وإيمان السحرة بهما واحد لا ميزة فيه لأحد على الآخر.
غير أن من مظاهر البلاغة العربية، التناسب بين رءوس الفقرات، والقران الكريم فى أعلى درجات البلاغة. فناسب بين رءوس الآيات حتى يكون وقف القارئ عليها فيه مسحة من جمال الأداء.
والناظر إلى سورة الأعراف يجد آياتها تنتهى بنون قبلها مَدُّ بالواو أو الياء، ونادرا ما يوجد بدل النون ميم أو لام، فالصوت عند الوقف يَسْكن دون انطلاق نَفَسِ مع الإحساس بنغمة مؤثرة، ولذلك كان لفظ "هارون " مؤخرا على لفظ " موسى" لتناسب رءوس الآيات، ونجد مثل ذلك فى سورة الشعراء {رب موسى وهارون} ومن أجل مراعاة التناسب فى سورة الشعراء حذفت ياء المتكلم من آخر الكلمة وبقيت النون التى هى للوقاية وليست للرفع لأن الفعل قد يكون منصوبا مثل "أخاف أن يكذِّبون " ومثل " فأخاف أن يقتلون " ليتناسب مع {آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون} أما فى سورة طه فنهاية الآيات صوت مطلق بالمد المفتوح فى أغلبها، وقليل منها بالمد المكسور، وذلك يتناسب مع لفظ " موسى" فقدم عليه لفظ هارون لتنتهى الآية بما يتناسب مع نهايات الآيات الأخرى، مثل {طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى.إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العُلى. الرحمن على العرش استوى} فيتناسب معه {آمنا برب هارون وموسى} .
هذا ما ظهر لى من الحكمة، ولا أجزم بأنها المراد لله سبحانه
(8/79)
________________________________________
عظمة القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نريد توضيح قوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} ؟

الجواب
تجىء هذه الآية فى نهاية سورة الحشر التى تتحدث عن إجلاء بنى النضير عن المدينة المنورة، وهم إحدى أسر من أهل الكتاب الذين كان يؤمل فيهم أن يكونوا من أول المصدَّقين بالقران الذى نزل على الرسول الذى كانوا ينتظرونه ويقرءون أوصافه فى كتبهم، لكنهم حسدًا وبغيا كفروا كما قال سبحانه: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عوفوا كفروا به} [البقرة: 89] ومع تكذيبهم للقرآن والرسول تعاونوا مع كفار مكة على مقاومة الدعوة، وقد أذاق الله كفار مكة وبال أمرهم فى بدر كما أذاق بنى النضير عاقبة أمرهم {كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم} [الحشر:
15] وهكذا لا يدفع شخص عن آخر فكل يتحمل تبعة عمله {كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إنى برئ منك إنى أخاف الله رب العالمين. فكان عاقبتهما أنهما فى النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين} [الحشر: 16، 17] والواجب على كل إنسان أن يسيطر على نزغات الشيطان وهوى النفس ولا يعمل للدنيا فقط بل يعمل حساب المسئولية يوم القيامة {يا أيها الذين آمنوا اتقو الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} {لايستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة} [الحشر: 18، 9 1، 0 2] .
كان الواجب على الناس جميعا، وقد جاءتهم الرسالة العامة، أن ينظروا فى الكتاب المنزَّل على هذا الرسول نظرة منصفة موضوعية بعيدة عن التعصب والهوى، ومن خلال هذه النظرة سيكون لكل منهم رأى فيه، وسيقتنع تماما بصدقه ويسارع إلى العمل بما فيه، لكن اكثر الناس تتغلب عليهم أهواؤهم، ويضف عقلهم امام شهواتهم، فيعارضون الحق لذات المعارضة دون سبب معقول، مع أن هذا القرآن، وهو من عند الله، لو نزل على جبل أعطاه الله عقلا، لتأثر كل التأثر ولم يملك إلا الإيمان بالله الذى أنزله، وبالرسول الذى بلغه، إن هذه القوة الجبارة لا بد أن تخشع وتذل وتضف، بل لا بد أن تتمزق وتتصدع ويتلاشى كبرياؤها عند سماع القرآن، كما يقول سبحانه {ولو أن قرآنا سيرِّت به الجبال أو قطِّعت به الأرضى أو كلِّم به الموتى بل لله الأمر جميعا} [الرعد: 31] ولكن الإنسان بعناده وتسلط شيطانه لم يتأثر بروعة القرآن وعظمة من انزله، ومن قبل القرآن لم يتأثر أسلاف بنى النضير، والحديث عنهم موضوع السورة، من الآيات المنزلة على الأنبياء قبل كما قال سبحانه فيهم: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74] .
إن الآية تدعو الجميع إلى أن يستقل كل إنسان بالنظر إلى القرآن بعيدا عن إغواء داخلى أو خارجى، وبالنظر المنصف سيخشع العقل ويخشع القلب وتخشع الجوارح، سيخشع العقل عندما يعرف الإعجاز الذى نزل به القرآن فيؤمن عن صدق بأنه ليس من عند محمد بل من عند الله، وسيؤمن بالله من خلال ما فيه من آيات وأخبار صادقة وهداية حكيمة، كما يقول سبحانه {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد:24] وكما قال {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82] وقد أوشك بعض كبار قريش أن يؤمن عندما أخذ بروعة ما تلى عليه،فقال:
إن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هو بقول بشر. ولكن المؤثرات القوية التى تحيط به ضيعت ما تأثر به عند سماع القرآن، وقد كان بعضهم، وقد تعاهدوا على معارضة الدعوة، يتسرب خفية لسماع القرآن فيعود متأثرا، ولكن التعصب جعلهم كما يقول القرآن الكريم {كالأنعام بل هم أضل} وبالإقبال على القرآن يخشع العقل أيضا وهو يستخرج كنوزه ويجلَّى هدايته، فيرى فيه دستورا كاملا للحياة الطيبة، ويحس فيه روعة التشريع وإحكامه، كما يحس تقديره لكرامة الإنسان وإعداده لطور جديد من حياته البشرية يحقق به الخلافة فى الأرض، ومن هنا كان حث الرسول عليه الصلاة والسلام على تعلم القرآن ونشر هدايته فيقول " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخارى ومسلم ويقول فى حديث رواه الترمذى وغيره وحسَّنه " يا أبا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلى ألف ركعة ".
وكما يخشع العقل يخشع القلب والوجدان، فيستقر الإيمان بالله ويقوى كلما قرئ القرآن، ويرق الوجدان والعواطف كلما كثرت قراءته أو سمعت آياته تتلى، كما يقول سبحانه {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلو الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23] إن أول أثر يروع الإنسان هو الدهشة والقشعريرة، وعند التأمل والانتقال بين فقراته من وعيد إلى وعد، ومن آية إلى آية يطمئن القلب ويألف هذا الجو الجديد كما يقول سبحانه {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} [الأنفال: 2] وليس الإنسان وحده هو الذى يتأثر لكلام الله تلاوة واستماعا فقد تأثرت به الملائكة ونزلت تستمع إليه من أُسيد بن حضير وهو يقرؤه ليلا، حتى إن فرسه التى كانت بجواره اضطربت لما أحست بما فى الجو من نور ومواكب غريبة عليه، وقد قال عنها الرسول الكريم كما ثبت فى الحديث الشريف: إنها الملائكة نزلت تستمع القرآن، ولو قرأ حتى يأتى الصباح لأمكن رويتها، وهو ترغيب للمؤمنين فى كثرة تلاوته، وبالإنصات له عند سماعه وعدم الانشغال عنه بلهو الحديث، فتلاوته تجارة لن تبور، وبكل حرف منه عشر حسنات، والمنزلة فى الجنة بقدر ما يقرأ منه كما صح فى الحديث:" يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق كما كنت تقرأ فى الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقروها " رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه، وقال الترمذى: حسن صحيح.
وكما يخشع العقل المفكر والقلب المتأثر تخشع الجوارح بالعمل، وخشوعها بالعمل يكون من منطلق الإيمان بالله وبالقرآن المعجز وبما فيه من هداية هى المثالية فى كل مجال من مجالات النشاط البشرى، كما يقول سبحانه: {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} [الإسراء: 9] وكما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعمل، فقد كان خلقه القراَن، تلقيا وتعليما وتبليغا وعملا وتطبيقا، وبهدايته المثالية والحرص على تطبيقها تكونت أمة كانت خير أمة أخرجت للناس، قوة وتماسكا وحضارة ومدنية، ولم يفارق رسول الله الدنيا إلا بعد أن أوصانا بالتمسك به حتى لا نضل " إنى تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدى أبدا، كتاب الله وسنتى" رواه الحاكم وصححه،فهو حبل الله المتين، ومن يعتصم به فقد هُدى إلى صراط مستقيم.
والغاية من تدبر القرآن والخشوع له تقوية إيماننا بالله، وإسعاد الإنسان فى دنياه وأخراه، والله الذى أنزل القرآن هو الموصوف بعد هذه الآية بالوحدانية والرحمة والملك والتقديس والسلامة من كل نقص والمصدق لرسله بآياته، والمسيطر على الكون كله بقدرته وعلمه، والعزيز الذى لا يذل، والمتعالى عن كل نقص، والخالق للعالم والمبدع له على غير مثال سبق والمصور له كيف يشاء ويختار، والموصوف بكل كمال، فكيف يشرك المشركون به آلهة ليس لها هذا الكمال؟ إن الكون كله يسبح لله بالتوحيد والطاعة، وما أظلم لإنسان وأجهله إذ وقع تحت تأثير غرائزه وشهواته، فيا أمة محمد أناديكم بما نادانا به رب العزة {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} [الحديد: 16]
(8/80)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 7:03 am

التفسير العلمى للقرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل العلوم التى اكتشفت حديثا توجد فى القرآن، وهل هناك حاجة إلى تفسير القرآن تفسيرا علميا على ضوء الاكتشافات الحديثة؟

الجواب
سبق فى ص 116 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى بيان أن مهمة القرآن هى الإعجاز والهداية، وأن ما فيه من حقائق علمية تدعو إلى النظر والتأمل، وزيادة فى الإيضاح وإجابة على السؤال نقول:
هذه القضية ثار حولها الجدل والنقاش، وانقسم الناس فيها فريقين:
(أ) فريق يقول: نعم فى القرآن توجد العلوم والمكتشفات الحديثة.
ونحن فى حاجة إلى تفسير علمى، بمعنى استخلاص هذه المحدثات من ألفاظ القرآن، وحمل الألفاظ عليها. واستند هذا الفريق فى رأيه إلى ما يأتى:
1ـ أن الله تعالى قال {ما فرطنا فى الكتاب من شىء} [الأنعا م: 38] .
أى ليس فى الحياة شىء إلا وهو موجود فى القرآن. فذكرت فيه الميكروبات والكهرباء والذرة والصواريخ والطائرات وغيرها.
ونوقش هذا الدليل بأن المراد بالكتاب هو اللوح المحفوظ الذى أثبت الله فيه مقادير الخلق، ما كان منها وما يكون، حسب النظام المعبَّر عنه بالسنن الإلهية. أو هو علم الله المحيط بكل شىء الثابت فيه كل معلوم، وإذا أريد بالكتاب القرآن فليس لفظ الشىء على عمومه، بل المراد به الشىء الذى هو موضوع الدين، وهو الهداية التى من أجلها نزل القرآن، فالعموم فى كل شئ بحسبه.
2ـ كما استند إلى أن نشر الإسلام فى هذه الأيام يحتاج إلى التحدث عنه بأسلوب العصر وطرائق فهمه، لبيان تجاوب الدين والقرآن مع الحياة فى كل أطوارها.
ونوقش بأن نشر الإسلام لا يتوقف على ذلك، فأصول الهداية فيه، والنصوص الدالة على النظر والبحث وتقديس العقل كافية فى بيان تجاوبه مع أرقى الحضارات وأزهى العصور.
وبهذا نرى أن حجة هذا الفريق واهية أو فيها مناقشة تضعف الاستدلال بها على المقصود.
(ب) والفريق الآخر يقول ليس القرآن كتاب تعليم وتسجيل لمكتشفات العصور بأشخاصها، ولا يحتاج إلى أن نحمل ألفاظه على أسلوب العصر ونضمنها نظرياته وعلومه. وحجتهم فى ذلك:
1ـ عدم حاجة الشريعة فى فهم كتابها وتعرف مبادئها، إلى العلوم الكونية والرياضيات وما إليها. وحمل ألفاظ القرآن عليها فيه تعسف وتحميل لها لما لا تطيق.
2ـ أن القرآن موجَّه أولا إلى من نزل فيهم وهم العرب، وليس لهم عهد بهذه العلوم التى لم تعرفها الدنيا إلا بعد قرون، فإذا قصد القرآن إليها وآياته لا تفهم إلا بالوقوف عليها، كان كلاما غير مطابق لمقتض الحال، وحاشاه أن يكون كذلك، فوجب أن نقف بعباراته عند فهم العرب الخلص، ولا نتجاوز ما ألفوه من علومهم، يقول الشاطبى فى كتابه " الموافقات ج 2 ص 52 ": ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب ينبنى عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا فى الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها. وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح، ولهذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم فى شىء من هذا المدعى سوى ما تقدم من أحكام ... وما يلى ذلك. ولو كان لهم فى ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشىء مما زعموا.
3ـ أن النظريات العلمية عرضة للتبديل والتغيير، فإذا حملنا عليها ألفاظ القرآن كان فهم آياته عرضة للتغيير والتبديل مما يبعث على الشك ويؤدى إلى البلبلة والاضطراب.
وقد يناقش الدليل الأول بأن عدم احتياج فهم الشريعة وتبليغها إلى العلوم لا ينافى أنها موجودة فى القرآن،، ويكون الغرض منها الشرح والبيان والإيضاح، ويناقش الدليل الثانى بأن القرآن ليس للعرب فقط ولا لعصرهم السابق، بل هو لكل الناس ولجميع العصور، فلا مانع أن يكون فيه من المعلومات ما لا يعرفه العصر الأول، وسيعرف فيما بعد، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله تعالى {سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [فصلت: 53] وعموم رسالة الإسلام لا يجوز معها قصر فهم القرآن على المألوف عند العرب، فليكن فيه قدر يتضح سره بما ينكشف بعد من علوم كونية ونفسية، وذلك لزيادة الإيضاح لأصل الدليل على صدقه فهو صادق بإعجازه وكفى بالله شهيدًا على ذلك {أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد} .
ويناقش الدليل الثالث، بأن حمل الألفاظ القرآنية على النظريات التى لم تثبت بعدُ لا يجوز أبدا، وإذا حملت فإنما يكون على الحقائق العلمية الثابتة، ذلك لأن كلام الله حق لا يفسَّر بغير الحق، وهو ثابت لا يفسر بغير الثابت، فاللائق هو توضيح الثابت بما ثبت وليس ذلك إلا فى الحقائق العلمية المقررة وهذا كله بشريطة عدم التعسف فى التأويل، بل يترك لفظ القرآن على طبيعته القابلة لكل فهم دفعًا للعقل إلى التفكير والبحث.
7ـ والرأى الذى أميل إليه يتلخص فيما يلى:ـ (أ) أن القرآن فيه بعض الحقائق العلمية، وقد ذكرت للعبرة والموعظة والتأمل، لا على أنها معلومات للاعتقاد والتكليف والتعليم، وقد عبر الله عنها بالألفاظ العربية والأسلوب المعجز.
وما جاء فيه من المقررات العلمية حق لأنه كلام الله، سواء عرفها الناس عند نزولها أم لم يعرفوها، وعدم علمهم بها لا يغض من شأن القرآن، فهو ميسر للذكر يستطيع كل إنسان أن يأخذ منه القدر الكافى لهدايته، مهما كان مستواه العلمى.
(ب) أن ألفاظ القرآن دقيقة محكمة لأنها صنع الله الذى أتقن كل شىء وأن هناك لونًا من ألوان إعجازه هو الحديث عن بعض المسائل العلمية التى لا عهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالذات بعلمها، ولا عهد للعرب الذين ووجهوا بالقرآن بها، ثم ثبت بعد ذلك صدق هذه المسائل، وذلك للدلالة على أن القرآن ليس من عند محمد، بل هو من عند لله العليم الخبير. وبالتأمل فى بعض هذه التعبيرات نجد أنها محايدة فى الأمور التى يختلف الناس عليها ولم يصلوا بعد إلى معرفة أسرارها، وذلك ليدع مجال الفكر مفتوحا للباحثين، ليصلوا إلى آخر شوط ممكن، وكلما جد البحث بشخص نظر إلى الآية فرآها كأنها معه فى كل خطواته تشجعه ولا تصرح على الأقل بكذبه أو إخفاقه، فيغريه ذلك على متابعة البحث إرضاء لشهوة العقل وحب الاستطلاع. حتى إذا وصل إلى الحقيقة العلمية الثابتة وجد الآية معه أيضًا لم يصبها أى تغب فى موقفها المحايد الذى لا ينحاز إلى باحث معين فى أولى خطوات النظر وفى وسطها حتى يبلغ النهاية. وهو بوصوله إلى الحقيقة سيزداد إيمانًا بصدق القرآن وأنه حق من عند الله، لا من عند محمد الذى لم يتعلم أساليب البحث ليصل إلى هذه النتيجة، وإن لم يصل إلى الحقيقة العلمية بعد طول البحث لا يجوز له أن يشك فى القرآن، بل الأجدر أن يتهم نفسه ويعيد النظر فى أسلوب بحثه عل فيه حلقة مفقودة، أو مقدمة لم تثبت لتستطيع أن تنتج نتيجة صادقة.
وحياد الألفاظ القرآنية فى كثير من مواضعها هو الذى أوجد النشاط الفكرى عند علماء الكلام فى بعض المسائل الكلامية، حيث تكون الآية الواحدة كل يدعى أنها تشهد لرأيه، وكذلك كان هذا الحياد سببًا فى نشاط علماء الشريعة فى استنباط الأحكام الفقهية.
(ج) أن أسلوب القرآن مطابق لمقتضى الحال فى خطابه للعلماء والعامة على السواء، على خلاف الكلام العادى للناس، فهو إما أن يخاطب به المستويات العالية باشتماله على الرمز والإشارة والكناية والاستعارة، وإما أن يخاطب به العامة الذين لا يفهمون إلا الواضح المبسط من الكلام، ولو خوطبت إحدى الطائفتين بغير ما يليق بها لم يكن الكلام بليغًا، أما القرآن الكريم فهو وحده الذى يراه البلغاء أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم، فهو متعة الخاصة والعامة على السواء. كما قال سبحانه {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر} [القمر: 17، 22، 32، 40] .
يقول الراغب الأصفهانى فى مقدمة تفسيره: أخرج تعالى مخاطباته فى محاجة خلقه فى أجل صورة تشتمل على أدق دقيق؛ لتفهم العامة من جلتها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة؛ ويفهم الخواص من أثنائها ما يوفى على ما أدركه فهم الحكماء، ومن هذا الوجه كل من كان حظه فى العلوم أوفر كان نصيبه من علم القرآن أكثر، ولذلك إذا ذكر تعالى حجة إلى ربوبيته ووحدانيته أتبعها مرة بإضافتها إلى أولى العقل، ومرة إلى أولى العلم؛ ومرة إلى السامعين، ومرة إلى المتذكرين تنبيها على أن بكل قوة من هذه القوى يمكن إدراك حقيقة منها.
(د) أننا فى حاجة إلى من يفسر لنا القرآن على ضوء المقررات العلمية لتتضح معانيه. ويؤمن بها الذين لا يرضون بغير هذا الأسلوب بديلا، فبمقررات علم الحياة والأجنة يمكن توضيح قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 12 -13] وبمقررات علم الطب يتضح لنا معنى الأذى فى قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة: 222] ويتضح سر التحريم لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة..
الوارد فى الآية الثالثة من سورة المائدة فكل ما يساعد على كشف أسرار التشريع من العلوم لا بأس به، بل كل ما يوصل إلى الإيمان بالله وإدراك سر الوجود لا بأس به بل هو مطلوب.
وهذا كله على شريطة أن يكون التفسير بالمقررات الثابتة، لا بالنظريات التى ما زالت قيد البحث ومحل اختلاف العلماء. وعلى ألا يكون هناك تعسف فى التأويل وتحميل الألفاظ معانى لم توضع لها، كما سيتضح من عرض الأمثلة آلاتية بعد.
8 ـ إن تفسير القرآن بالنظريات التى لم تثبت يعد تفسيرا بالرأى المحض، وقصره على رأى بالذات افتراء للكذب على الله. وفى ذلك خطورة كبيرة، لأنها تخضع آيات القرآن للآراء الخاصة، الأمر الذى ضل به كثير من الفرق التى ظهرت فى الإسلام، ولأنها تمنع صلاحية الإسلام العامة أن تكون لكل البيئات والأجيال وأن تكون مناراً هاديا لكل المفكرين، كما أنها تعرض القرآن للطعن فيه بالتكذيب إن جاء ما يثبت خطأ الرأى الأول الذى فسر به.
والإنسان إذا لم يكن متمكنا مما يقول ويرى لا ينبغى أن يحمل القرآن على جهلة وسفهه، فهو حرم مقدَّس لا يقربه إلا العالمون الموقنون. قال إبراهيم التيمى: سئل أبو بكر الصديق رضى الله عنه عن تفسير الفاكهة والأبِّ فقال: أى سماء تظلنى، وأى أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم. وقال أنس. سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: كل هذا قد عرفناه، فما الأبُّ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال: هذا لعمرو الله التكلف، وما عليك يا بن أم عمر ألا تدرى ما الأبُّ. ثم قال: اتبعوا ما بيِّن لكم من هذا الكتاب، وما لا فدعوه "القرطبى ج 9 1 ص 223 " وذلك كطه من وحى قوله صلى الله عليه وسلم " اتقوا الحديث علىَّ إلا ما علمتم، فمن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" رواه الترمذى عن ابن عباس. قال ابن عطية: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى فى كتاب الله عز وجل فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء، واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول،، وليس يدخل فى هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه، الفقهاء معانيه، ويقول كل واحد باجتهاده المبنى على قوانين علم ونظر، فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه " القرطبى ج 1 ص 32 " وعلى هذا من يفسر القرآن بنظرية غير ثابته فهو يفسر برأيه على غير قوانين العلم والنظر، بخلاف من يفسره بهذه القوانين الثابتة، فهو يعمل عملا مشروعا يوضح ما فى القرآن فقط لا يقصد به إثبات صدقه، فكفى بالله شهيدًا على صدقه.
9 ـ إن من قواعد المنهج السليم لتفسير القرآن أن تستقصى آياته فى الموضوع الواحد فهى تفسر بعضها بعضا، وخير ما فسرته بالوارد، فقد يكون العام أو المطلق أو المبهم فى آية مخصصا أو مقيدا أو مبينا فى آية آخرى، وهكذا، على أن يراعى السباق والسياق فى فهم المراد من الآية. والخطأ الذى يقع فيه كثير من الباحثين الآن - وكثير منهم غير أهل للتفسير- أساسه عدم مراعاة هذا المنهج، فهم يبترون الآية بترا ويقطعونها عن سابقتها ولاحقتها ويفسرونها كما يريدون، وهم لا ينظرون إلى مثل هذه الآية فى موضع آخر من القرآن حتى يستعينوا بها على تفسيرها، فلهذا يخطئون كثيرا فيما يزعمون. روى البخارى ومسلم أنه لما نزل قول الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام: 82] قال بعض الصحابة:
يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس بذلك، ألا تسمع إلى قول لقمان {إن الشرك لظلم عظيم} . فالظلم الذى نزلت به هذه الآية عرف المراد منه بما نزل فى الآية الأخرى، وهو الشرك.
ومن مظاهر الخطأ فى التفسير لعدم اتباع هذا المنهج أن بعض الباحثين - ولا أقول المفسرين - أراد أن يبرهن على أن الأرض تتحرك وتسير وليست ثابته، فأورد قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب} [النمل: 88] فمرور الجبال كالسحاب دليل على أن الأرض تتحرك، هكذا يقول. وقد نسى أن الآيات التى اكتنفت هذه الآية تتحدث عن النفخ فى الصور وعن محاسبة الناس على حسناتهم وسيئاتهم، فالجو كله فى يوم القيامة سباقا وسياقا. وليس ذلك فى عالم الدنيا. ونسى أيضًا أن الحديث عن ظاهرة مرور الجبال يوم القيامة ورد فى آيات أخرى من سور القرآن قال تعالى: {يوم تمور السماء مورا.
وتسير الجبال سيرا. فويل يومئذ للمكذبين} [الطور: 9 - 11] وقال {إذا الشمس كوِّرت. وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيِّرت..} [التكوير: 1 ـ 3] والمقام كله فى يوم القيامة.
10 ـ وهذه بعض الكشوف العلمية التى حاول الكاتبون أن يستدلوا عليها بالقرآن:
1 ـ فى غزو الفضاء قالوا: يدل عليه قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} [الرحمن: 33] فالسلطان هو العلم وبواسطته نفذ الإنس من الأقطار. ويرد عليه بأن هذه الآية تتحدث عن يوم القيامة، وتبين قدرة الله على محاسبة كل من الإنس والجن ومجازاته لا يستطيع أحد أن ينجو منه إلا بسلطان، أى قدرة عظيمة أو ملك قوى، وليس ذلك لأحد إلا لله. أو تتحدث عن القضاء بالموت على كل حى لا يهرب منه أحد فكل من عليها فان، لا ينجو منه إلا بالسلطان المذكور وهو لا يملكه.
وقال ابن عباس فى تفسيرها: إن استطعتم أن تعلموا ما فى السموات وما فى الأرض فاعلموه ولن تعلموه إلا بسلطان أى ببينة من الله، ومعنى هذا أن الغيب لا يعلمه إلا الله، الذى يطلع عليه من يشاء من عباده. فلو فرض أن المراد بالسلطان هو العلم كما يشير إليه قول ابن عباس، فإن هذه الآية ليست نصًّا فى الزعم الذى يقوله المتحدثون. وعلى ذلك لا تصح دليلا لهم، على أنه لو كان ذلك صحيحًا فما المانع أن يطلع الله بعض الناس على علوم الكون بسلطان العلم، ولكن هل نفذ الإنس بعلمهم من أقطار السموات أيضا، أو نفذوا فقط - إلى الآن - من أقطار الأرض وجاذبيتها، وبقيت السموات حجرًا محجوراً؟ إن كل ما أمكن الوصول إليه من معلومات عن طريق الآلات الحديثة لا يعدو أن يكون فى سماء الدنيا، فإن الكشوف الفلكية والكواكب وأبعادها وسرعة ضوئها ودورانها ما زالت فى إحدى السموات وهى الدنيا، الشمس تبعد عن الأرض 93 مليون ميل كما قال تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} [الصافات: 6] فهل يستطيعون أن ينفذوا من أقطار السماء الدنيا كلها ثم يتطلعون إلى بقية السموا ت؟ على أن المقام، كما ذكرت، هو مقام الحساب والجزاء بدليل السباق والسياق، فأولى أن يحمل اللفظ على ما يليق به، ولا داعى للتعسف وطلب دليل من القرآن، فكم من حقائق علمية ثبتت بغير الاستدلال عليها من الكتاب الكريم، ولا ضير فى ذلك أبدًا، على ما علمت من مهمة القرآن فى الهداية والإعجاز.
(ب) استدل بعض العامة من الناس على كروية الأرض بالآية السابقة قائلا إن التعبير بالأقطار يثبت كروية الأرض وكروية السموات، لأن القطر هو الخط الموصل بين نقطتين على المحيط ماراًّ بمركز الدائرة، والأقطار لا تكون إلا للدوائر وهذا بالتالى يثبت الكروية. ويرد عليه بأن القطر الذى يتحدث عنه هذا الشخص اصطلاح هندسى لم تعرفه العرب فهم يعرفون القطر بأنه الجهة والناحية لا الخط المذكور، والنفاذ من الأقطار يكون بالخروج من الجهات والمنافذ لا من الخطوط التى يتصورها المهندسون.
إن كروية الأرض حقيقة ثابتة، وحياة الناس وتطورها مبنى عليها، والدليل على ذلك ليس من القرآن، ولا داعى لالتماسه منه أبدًا، على ما علمت من مهمته فى الإعجاز وهداية الناس.
(ج) دور الرياح فى تلقيح النبات بحمل مادة الذكورة إلى مكانها الذى تلتقى فيه بمادة الأنوثة فيكون الإخصاب، على ما هو مقرر فى علم النبات. استدل عليه البعض بقوله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه} [الحجر: 22] فاللواقح جمع لاقح بمعنى حاملة للقاح، أو ملقحة لغيرها بما تحمله، إن دور الرياح فى نقل اللقاح معروف، ولكن فى أخذه من هذه الآية تعسف وتكلف؛ ذلك أنه لو كان المراد تلقيح النبات لجاء عقبها ما يتحدث عن النبات فيقال مثلا: فزكا الزرع وخرج الثمر ولكن الذى حدث أن الذى جاء بعدها قوله تعالى: {فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه} وهذا يشير إلى أن المعنى أن الرياح المحمَّلة ببخار الماء؛ يرسلها الله فتتجمع السحب ويتكاثف البخار ويبرد فى الطبقات الجوية الملائمة فينزل الماء، وهذا هو التنسيق المعقول بين إرسال الرياح اللواقح وإنزال الماء من السماء لسقى الناس. فأولى أن تحمل الآية عليه، ولا يتعسف بحملها على ما يثبت دورها فى تلقيح النبات، فذلك مشاهد بالملاحظة والنظر لا حاجة إلى الدليل النقلى عليه.
(د) قالوا: إن حدود الكون تتسع وتمتد؛ واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} [الذاريات: 47] ؛ لكن العلماء قالوا: إن لفظ {موسعون} مأخوذ من أوسع الرجل إذا صار ذا سعة وغنى؛ ومنه قوله تعالى {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} [البقرة: 236] فالآية تدل على قدرة الله، وقدرته تتجلى فى أشياء كثيرة، ولا مانع أن يكون منها توسيع حدود الكون، فهو الذى خلقه بقدرته وعلمه. فلا ينبغى قصر معنى السعة على هذا الذى يريده علماء الفلك والطبيعة.
(هـ) قالوا: إن كل شىء فى السماء يعتريه ازدياد مفاجئ فى حرارته وحجمه وإشعاعه بدرجة لا تتصورها العقول، وعند ذلك يتمدد السطح بما حوى من لهب ودخان، حتى يحصل على توازنه الدائم، والشمس لم تمر بهذا الدور بعد، فإذا مرت به وتمدد سطحها الخارجى حتى وصل القمر يختل توازن المجموعة الشمسية كلها، وذلك يوم القيامة، ويدل عليه قوله تعالى {فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] قال المفسرون: إن هذا الدخان من علامات الساعة كما فى صحيح مسلم، وقيل إن الدخان هو ما أصاب قريشًا من الجوع بسبب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم عليهم؛ كما رواه البخارى فى حديث يصور هذا الجوع جاء فيه: فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله {فارتقب ... } وجاء فيه: أن النبى استقى لهم فسقوا ولكن استمروا على عنادهم فقال الله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} يعنى يوم بدر، وقيل إنه غبار الجيش يوم فتح مكة.
(و) قالوا أيضًا مما يشير إلى قلة الأوكسجين فى الطبقات الجوية العليا قوله تعالى: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجا كأنما يصَّعَّد فى السماء} [الأنعام: 125] وظاهرة ضيق الصدر تحصل عند الارتفاعات العليا، ومثل هذا واضح لا شك فيه، ويفيد فى تصور المعنى المراد دون أن يمس قدسية القرآن.
كما قالوا: إن الأبعاد والمسافات الشاسعة بين النجوم والتى لا يمكن حساب بعضها يشير إليه قوله تعالى {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75] فإن مجموعات النجوم التى تكون أقرب مجرات السماء منا تبعد عنا بنحو 700 ألف سنة ضوئية، والسنة الضوئية تعادل عشرة ملايين الملايين من الكيلو مترات للضوء يقطع فى العام نحو 88، 5 مليون ميل أى نحو 6 مليون ميل (مجلة العربى يوليو 1970 م) (الضوء يقطع فى الثانية186000 ميل) 000، 300 ك م فهذه الأبعاد الشاسعة جديرة بأن يقسم الله بها لعظمها، وهذا وجه من وجوه العظمة وقد يكون منها دقة مساراتها وعدم تصادمها وتحديد الجاذبية فى كل منها، فالآية شاملة وعامة.
وقالوا أيضًا: مما يدل على قوة الاستدلال ببصمات الأصابع على شخصية صاحبها قوله تعالى: {بلى قادرين على أن نسوِّى بنانه} [القيامة: 4] لأن دقة الخطوط واتجاهاتها وعددها لا يكاد يتفق فيها شخصان، فتسويتها يوم القيامة على ما كانت عليه بعد أن كانت ترابًا منثوراً موزعا فى أماكن قاصية دليل قدرة الله تعالى، وهذا وجه من وجوه قدرة الله على بعث الناس يوم القيامة بأجسامهم المشخصة لهم بعد فنائها.
مثل هذه الأمثلة الأخيرة لا يضر توضيح آيات القرآن به أبدا، ولكن الممنوع قصرها على هذه المكتشفات، أو التعسف فى التأويل الذى يخرج به اللفظ عن أصل وضعه اللغوى واستعماله العرفى عند العرب الذين نزل القرآن بلغتهم.
وبعد، فهذا عرض موجز لموقف القرآن من الكشوف العلمية الحديثة رأينا فيه تشجيعه للبحث والنظرة ورأينا دقته حين يعرض لشىء علمى كشف عنه البحث أخيرا، وهذا دليل صدقه وأنه من عند الله وحده أيَّد به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم. والمقررات العلمية الثابتة ستزيد معانى القران وضوحًا، وهذه صورة من صور التعانق بين العلم والدين، أى العلم الثابت الأكيد ودين الله الذى أنزله هداية للناس جميعًا {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أوَ لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد} فليكن فهمنا له على ضوء لحقائق الثابتة لا النظريات الفجه، ولنحفظ له قدسيته فلا نقول على الله بغير علم، ولا نجعله حمى مستباحا لكل كاتب يجيل فيه قلمه بما ترمى به الأفكار الشاردة،، فليس كل مجال تباح فيه الحرية للجائلين {ألا إنهم فى مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شىء محيط} [فصلت: 54] .
تتمة:
وردت بعض الأحاديث فى مسائل علمية لم يوافق عليها العلم إلى الآن كحديث الذباب إذا وقع فى الإناء والأمر بغمسه كله لأن فى أحد جناحية داء والآخر دواء، وأحاديث أخرى واردة فى الطب.
ويرى ابن خلدون أن الطب المنقول فى الشرعيات ليس من الوحى فى شىء فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له فى شأن تلقيح النخل ما وقع فقال أنتم أعلم بأمور دنياكم. وعلى هذا يجوز أن يكون رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى مثل هذه الأمور محتملا للخطأ لأنه من أمور الدنيا. لكن لا ينبغى الحكم بذلك إلا بعد البحث الصحيح لمعرفة الرأى الحق العلمى اليقينى فى مثل هذه الأمور " منبر الإسلام مجلد 1 2 عدد جمادى الآخر 1383 ص آ 1، 17 "
(8/81)
________________________________________

تفسير: (لا تسألوا عن أشياء)

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل معنى قوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم} أننا لا نسأل عن أمور ديننا ما دمنا لا ن

الجواب
روى البخارى ومسلم أن رجلا اسمه عبد الله بن حافة هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا وكانت فيه دعابة سأل النبى صلى الله عليه وسلمعن أبيه، فقال له: " أبوك فلان " ولما علمت أمه بسؤاله عن أبيه قالت: ما سمعت بابن أعق منك، آمن أمك قارفت ما يفارق النساء فى الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ فقال: والله لو ألحقن بعبد أسود للحقت هذه الآية تنهى عن مثل هذه الأسئلة.
وروى الترمذى انه لما نزل قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قالوا: يا رسول الله أفى كل عام؟ فسكت ولما كرروا السؤال قال " لا، ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما أطقتموها، ولو لم تطيقوها لكفرتم " فأنزل الله هذه الآية للنهى عن تكلف الأسئلة ما دام القرآن لم يبين اكثر مما نزل، وذلك كله فى أيام نزول الوحى، حتى لا يكون المسلمون كبنى إسرائيل حينما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة، فأخذوا يسألون عن سنِّها وأوصافها حتى شدد الله عليهم فاشتروها بثمن كبير.
أما اليوم ـ وقد انتهى الوحى ـ فيجوز بل يجب أن نسأل عما نجهله لأنه من باب التفقه فى الدين، وقد كان النهى رحمة بالمسلمين فقد صح فى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شىء لم يحرم على المس فحرم عليهم من أجل مسألته ".
فعلى كل مسلم يجهل أمرا من أمور الدين ـ لم يستطع أن يعرفه من مصادره ـ أن يسأل عنه العلماء المختصين كما قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وأنصح كل طالب علم أياًّ كان نوعه أن يسأل عن حكم الدين فى كل ما يعِنُّ فذلك دليل على اليقظة حتى لا يزل، ولا يعدُّ ذلك جبنًا منه، بل هو الحكمة عين الحكمة، فليس التفلت من بل هو تهور يؤدى إلى التهلكة
(8/82)
________________________________________
نسخ القرآن بالسنة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للسنة الشريفة أن تنسخ الأحكام الثابتة بالقرآن مثل قوله صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث " الذى نسخ الوصية للوارث الموجودة فى القرآن، مع العلم بان القرآن كلام الله تعالى، والسنة من عند الرسول والرسول بشر؟

الجواب
يقول الله سبحانه {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} البقرة: 106، ويقول {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل} النحل: 151، تفيد هاتان الآيتان وغيرهما أن النسخ وهو انتهاء حكم شرعى بطريق شرعى موجود فى القرآن الكريم، وقد يكون النسخ للتلاوة والحكم أو أحدهما، وذلك بنزول آية أخرى فيها حكم مغاير. وأمثلته كثيرة فى القرآن الكريم أفردت بتآليف خاصة منها كتاب الناسخ والمنسوخ لأبى جعفر النحاس المتوفى سنة 338 س.
ونسخ القرآن بالقرآن متفق عليه بدليل الآيتين السابقتين، وأما نسخ القرآن بالسنة فمنعه جماعة، لأن الله يقول {قل ما يكون لى أن أبدِّله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلىَّ} يونس: 15، ولأن السنة لا تكون مثل القرآن ولا خيرا منها كما تقول الآية {نأت بخير منها أو مثلها} وقال آخرون بجواز نسخ القرآن بالسنة وبوقوعه بناء على أن السنة أيضا من عند الله كما قال تعالى {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى} النجم: 3، 4، وقال {وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نزَل إليهم} النحل:
44،على أن المراد بالذكر هو السنة، وقال جماعة: بنسخ القراَن بالسنة إذا كانت بأمر الله عن طريق الوحى، أما إن كانت باجتهاد فلا.
والرأى القائل بنسخ القرآن بالسنة هو الأقوى، لقول الله تعالى. إلى جانب النصين السابقين - {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر: 7.
وقوله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم} النساء:
65، إلى غير ذلك من النصوص، وقد أجمع المسلمون على أن القرآن إذا نزل بلفظ مجمل ففسره الرسول وبيَّنه كان بمنزلة القرآن المتلوَّ فى الأخذ به، فكذلك النسخ. وتطبيقا لذلك فى حكم الوصية للوارث.
قال تعالى {كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف} البقرة: 180.
يقول أبو جعفر النحاس: فى هذه الآية خمسة أقوال، منها أنها منسوخة بقوله " لا وصية لوارث " وذلك على رأى من يجيز نسخ القراَن بالسنة- وقيل: هى منسوخة بآية المواريث {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين} النساء: 11، وذلك على رأى من ينسخ القراَن بالقرآن فقط وقيل: نسخت الوصية للوالدين وثبتت للأقربين الذين لا يرثون.
وقيل: نسخ وجوب الوصية وبقى ندبها، وقيل: إن الوصية واجبة للوالدين والأقربين إذا كانوا لا يرثون، كأن كانوا كفارا.
هذا ملخص ما قيل فى آية الوصية، وعلى قول من الأقوال فى تفسيرها كان تشريع الوصية الواجبة لولد الولد المحروم من الميراث، كما فى القانون المصرى للأحوال الشخصية
(8/83)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 7:04 am

معنى: لا يمسه إلا المطهرون

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 79؟

الجواب
يقول الله تعالى {إنه لقرآن كريم. فى كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 77 - 79. اتفقت الأئمة على حرمة مسهم المصحف أو حمله فى حال الجنابة ولم يخالف فى ذلك واحد من الصحابة، لكن جوزه داود وابن حزم.
واستند الجمهور القائل بالحرمة إلى هذه الآية، بناء على أن المراد بالكتاب هو المصحف وأن المس هو اللمس الحسى المعروف. وقد نوقش هذا الدليل بأن الكتاب المكنون فسره بعضهم باللوح المحفوظ ولا يمسه إلا المطهرون مقصود بهم الملائكة وفسره بعضهم بالكتب السابقة على معنى أن فيها ذكرا للقرآن ومن ينزل عليه، كما نوقش بأن الكتاب لو أريد به المصحف فإن معنى {لا يمسه إلا المطهرون} : لا يمسه إلا المطهرون من الشرك، لأن المشركين نجس فالذين يجوز لهم مسه هم المؤمنون سواء أكانوا على طهارة أم لا.
وقد صحح ابن القيم فى كتابه "التبيان فى أقسام القرآن " أن المراد بالكتاب هو الذى بيد الملائكة، وأريد ذلك بقوله تعالى: {فى صحف مكرَّمة.
مرفوعة مطهرة. بأيدى سفرة. كرام بررة} عبس: 13 -16.
ورجَّح ذلك بعشرة وجوه يمكن الاطلاع عليها فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام (ص 213) .
كما استدل المحرمون لحمل المصحف أو مسه بدون طهارة بحديث " لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه النسائى والدارقطنى والأثرم.
وهو حديث قوى قيل إنه أشبه بالمتواتر وقيل إنه حسن. وكذلك استدلوا بحديث "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) ذكره الهيثمى فى "مجمع الزوائد" برجال موثقين. كما استدلوا بمنع أخت عمر بن الخطاب من مسه للصحيفة التى كانت تقروها لأنه رجس، رواه الدارقطنى.
ونوقشت أدلة المحرِّمين وأدلة المجيزين.
هذا فى حال الجنابة، أما فى الحدث الأصغر فجمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله، وهو مروى عن كثير من الصحابة والتابعين، وذهب إليه من أئمة الفقة مالك والشافعى وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه. وأجاز بعض العلماء ذلك ونقل عن جماعة من السلف، وذهب إليه أبو حنيفة فى رواية عنه، كما جوزه داود بن على.
واستثنى بعض من حرم مس المصحف وحمله من الحدث الأصغر - الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم لحاجتهم إلى حفظ القراَن، ويقاس عليهم الكبار المحتاجون لحفظ القرآن فرخص لهم مسه وحمله مع الحدث الأصغر من أجل تيسير الحفظ وليس من أجل التعبد بالتلاوة، فتشترط للمسه وحمله الطهارة "راجع ص 413 من المجلد الأول من هذه الفتاوى"
(8/84)
________________________________________
كتابة القرآن بغير الحروف العربية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية ليستطيع قراءته أهل اللغات الأخرى؟

الجواب
أثير هذا الموضوع عندما أثير موضوع ترجمة القراَن الكريم، وحاول بعض المجددين أن يجيز كتابة القرآن بحروف غير الحروف العربية، ولكن عارضه أهل الذكر من علماء الدين، وصدرت بذلك فتوى رسمية من لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، ونشرت بمجلة الأزهر "المجلد السابع ص 45 " بتوقيع الشيخ حسين والى رئيس اللجنة وهذا نصها:
لا شك أن الحروف اللاتينية المعروفة خالية من عدة حروف توافق العربية، فلا تؤدى جميع ما تؤديه الحروف العربية، فلو كتب القرآن الكريم بها على طريقة النظم العربى. -كما يفهم من الاستفتاء -لوقع الإخلال والتحريف فى لفظه، وتبعهما تغير المعنى وفساده. وقد قضت نصوص الشريعة بأن يُصان القرآن الكريم من كل ما يعرضه للتبديل أو التحريف، وأجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على أن كل تصرف فى القرآن الكريم يؤدى إلى تحريف فى لفظه أو تغيير فى معناه ممنوع منعا باتا، ومحرم تحريما قاطعا.
وقد التزم الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا، كتابة القرآن الكريم بالحروف العربية ومن هذا يتبين أن كتابة القرآن العظيم بالحروف اللاتينية المعروفة لا تجوز. انتهى.
هذا ويقاس على تحريم كتابة القراَن الكريم بالحروف اللاتينية التى صدرت بها الفتوى تحريم كتابته بأية حروف أخرى غير عربية، للاتحاد فى العلة كما هو الشرط فى القياس وقد سبق الكلام على ذلك فى ص 3 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى
(8/85)
________________________________________
قول صدق الله العظيم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعض الناس يقولون: إن قول القارئ بعد الانتهاء من القراءة "صدق الله العظيم " بدعة، لا يجوز قولها فهل هذا صحيح؟

الجواب
حذرت كثيرا من التعجل فى إطلاق وصف البدعة على أى عمل لم يكن فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد التشريع، ومن التمادى فى وصف كل بدعة بأنها ضلالة وكل ضلالة فى النار، ويمكن الرجوع إلى ص 352 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى لمعرفة ذلك.
وقول "صدق الله العظيم " من القارى أو من السامع بعد الانتهاء من القراءة، أو عند سماع آية من القراَن ليس بدعة مذمومة، أولا لأنه لم يرد نهى عنها بخصوصها، وثانيا لأنها ذكر لله والذكر مأمور به كثيرا، وثالثا أن العلماء تحدثوا عن ذلك داعين إليه كأدب من آداب قراءة القرآن، وقرروا أن قول ذلك فى الصلاة لا يبطلها، ورابعا أن هذه الصيغة أو قريبا منها ورد الأمر بها فى القرآن، وقرر أنها من قول المؤمنين عند القتال.
قال تعالى: {قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا} آل عمران:95، وقال {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} الأحزاب: 22، وذكر القرطبى في مقدمة تفسيره أن الحكيم الترمذى تحدث عن آداب تلاوة القراَن الكريم وجعل منها أن يقول عند الانتهاء من القراءة: صدق الله العظيم أو أية عبارة تؤدى هذا المعنى. ونص عبارته "ج 1 ص 27 ": ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم [مثل أن يقول: صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم] ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول: صدقت ربنا وبلَّغت رسلك ونحن على ذلك من الشاهدين.
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط، ثم يدعو بدعوات.
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة، نشر أوقاف مصر، أن الحنفية قالوا: لو تكلَّم المصلى بتسبيح مثل. صدق الله العظيم عند فراغ القارئ من القراءة لا تبطل صلاته إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة، وأن الشافعية قالوا: لا تبطل مطلقا بهذا القول، فكيف يجرؤ أحد فى هذه الأيام على أن يقول: إن قول:
صدق الله العظيم، بعد الانتهاء من قراءة القرآن بدعة؟ أكرر التحذير من التعجل فى إصدار أحكام فقهية قبل التأكد من صحتها، والله سبحانه وتعالى يقول: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} النخل:
116
(8/86)
________________________________________

ختم القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك دعاء مخصوص لختم القرآن وهل ورد حديث فى فضل الاجتماع على ختم القرآن؟

الجواب
لم يرد حديث مقبول عن النبى صلى الله عليه وسلم بخصوص ختم القرآن كما لم يرد بخصوص الاجتماع على الختم، وإنما هو كلام وآثار وردت عن السلف، وذكر النووى شيئا من ذلك فى كتابه "الأذكار" ص 158 وقال:
صح عن بعض التابعين الكوفيين أنهم كانوا يصبحون صياما اليوم الذي يختمون فيه. وقال: يستحب حضور مجلس الختم لمن يقرأ ولمن لا يحس القراءة، كما شهد النساء الحُيَّض الخير ودعوه المسلمين يوم العيد. وذكر أن أنس بن مالك كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا، وأن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن وتنزل الرحمة. وروى فى مسند الدارمى عن حُميد الأعرج أنه قال: من قرأ القرآن ثم دعا أمَّن على دعائه أربعة آلاف ملك.
إن قراءة القراَن لها فضلها العظيم. ومجالس الذكر والقرآن تشهدها الملائكة كما صحت بذلك الأحاديث، والصوم مستحب سواء كان من أجل ختم القرآن أو من غيره، والدعاء لا بأس به بعد قراءة القرآن وهو مرجو القبول، لأن القراءة وسيلة لثواب الله، والدعاء بصالح الأعمال بوجه عام يرجى قبوله كدعاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار ففرَّج الله عنهم وكون أربعة آلاف ملك يؤمنون على الدعاء بعد القرآن لا يعلمه إلا الله سبحانه ولم يصح فيه حديث فالخلاصة أن كل عمل صالح يدعو تحت العنوان العام للصالحات لا بأس به، لكن ورود حديث بذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم يجب التحرى فيه
(8/87)
________________________________________
قراءة القرآن للجنب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سيدة تدرس الدين فى المدارس، وتضطر إلى قراءة آيات من القرآن الكريم وهى فى عادتها الشهرية فهل هذا جائز؟

الجواب
قراءة القرآن من غير مس المصحف أو حمله بالنسبة للحائض والنفساء والجنب فيها رأيان: رأى بالمنع وهو لجمهور العلماء، ورأى بالجواز. واستدل الجمهور على المنع بأدلة منها:
1 -ما رواه أصحاب السنن عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القراءة شىء إلا الجنابة، وصحح الترمذى هذا الحديث. وقال ابن حجر: إن بعضهم ضعَّف بعض رواته فهو من قبيل الحسن، ويصلح للاحتجاج به.
2 -ما رواه أحمد وأبو يعلى عن على أيضا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال "هكذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية" قال الهيثم: رجاله موثقون، قال الشوكانى: فإن صح هذا الحديث صلح للاستدلال على التحريم، أما الحديث الأول عن على فليس فيه ما يدل على التحريم، لأن غايته أن النبى صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة. ومثله لا يصح متمسكا للكراهة فكيف يستدل به على التحريم؟ .
3- ما رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن " وقد ضُعِّف هذا الحديث.
والذين أجازوا القراءة للجنب، ومنهم داود، وابن حزم الظاهريان، استندوا إلى كتاب هرقل الذى؟ أرسله إليه النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم -وكانت فيه آية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم. . .} وهو وغيره ممن أرسلت إليهم الكتب لا يتطهرون من الجنابة. وذهب البخارى والطبرى إلى ذلك. قال البخارى: لا بأس أن تقرأ الحائض، الآية ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل حال.
قال الحافظ ابن حجر تعليقا على هذا. لم يصح عند المصنف - البخارى- شىء من الأحاديث الواردة فى ذلك. أى فى منع الجنب والحائض من القراءة، وإن كان مجموع ما ورد فى ذلك تقوم به الحجة عند غيره، لكن أكثرها قابل للتأويل. وذهب أبو حنيفة إلى قراءة ما دون الآية. وبعه عرض الرأيين أقول: إن أدلة المنع من القراءة للجنب قوية، ولا أرى جوازها إلا للضرورة القصوى، كالاستدلال من القرآن على رأى فى مجال النقاش مثلا، وكقراءته لتأدية امتحان يترتب على عدم القراءة فيه ضرر، وبالنسبة لما جاء فى السؤال أرى أن تعتذر المدرسة عن عدم القراءة وتؤجلها حتى تطهر أو تكلف غيرها بالقراءة.
هذا وقد جاء فى شقه المذاهب الأربعة-نشر أوقاف مصر-ما يأتى:
1 -المالكية قالوا: لا يجوز للجنب قراءة القراَن إلا إذا كان يسيرا وقرأه بقصد التحصن أو الاستدلال، أما الحائض والنفساء فإنه يجوز لها قراءه القرآن حال نزول الدم. سواء كانت عليها جنابة من قبل أم لا، أما بعد انقطاع الدم فإنه لا يجوز القراءة قبل الاغتسال سواء كانت عليها جنابة أو لا على المعتمد، وذلك لأنها صارت متمكنة من الاغتسال فلا تحل لها القرءاة قبله. أما مس المصحف أو كتابته فإنه يجوز لها للتعلم أو التعليم فقط.
وكذلك لا يجوز للجنب دخول المسجد لا لمكث فيه ولا المرور من باب إلى باب آخر.
2 - والحنفية قالوا: يحرم على الجنب تلاوة القراَن إلا إذا كان معلما، فإنه يجوز له أن يلقن المتعلم كلمة كلمة، بحيث يفصل بينهما، وأن يفتتح أمْرًا ذا. بال بالتسمية، وأن يقرأ الآية القصيرة بقصد الدعاء أو الثناء، ومثل الجنب فى ذلك الحائض والنفساء، أما دخول المسجد فيحرم إلا للضرورة.
3-والشافعية قالوا: يحرم على الجنب قراءة القرن ولو حرفا واحدا إن كان قاصدا تلاوته، أما إذ قصد الذكر فلا يحرم مثل "بسم الله الرحمن الرحيم " عند الأكل، أما المرور بالمسجد فيجوز للجنب والحائض والنفساء من غير مكث فيه ولا تردد بشرط أمن عدم تلوث المسجد. ولا يجوز المكث فيه إلا للضرورة.
4 - والحنابلة قالوا: يباح للجنب أن يقرأ ما دون الآية القصيرة دون ما زاد على ذلك وله الذكر به، أِما المكث فى المسجد فيجوز بالوضوء ولو بدون ضرورة. أما الحائض أو النفساء فلا يجوز لها المكث بالوضوء إلا إذا انقطع الدم
(8/88)
________________________________________
تفسير: المال والبنون

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل المال مفضَّل على البنين حيث جاء الأول فى قوله تعالى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} ؟

الجواب
هذه الآية من سورة الكهف: 46، ومبدئيا أقول: إن العطف بالواو لا يقتضى ترتيبا ولا تعقيبا كما قال علماء اللغة العربية التى نزل بها القرآن الكريم المعجز، فالمال والبنون يشتركان فى حكم واحد فى الآية هو زينة الحياة الدنيا، سواء قدِّم المال على البنين فى الذكر أو أخر، فالواو لمطلق الجمع بينهما.
ثم أقول: لعلَّ - والله اعلم -تقديم المال على البنين هو مشاكلة لما حدث فى قصة الرجل صاحب الجنتين الذى افتخر بهما على صاحبه.
وقدم فى فخره المال على الولد، حيث قال القرآن {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} الكهف: 34، وردَّ على صاحبه بعد ذلك بقوله {إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك} الكهف: 39-40، واستمر الحديث بعد ذلك عن المال وهو الجنة التى أحرقها الله، وجاءت الآية التى تضرب المثل بعد ذلك متحدثة عن المال، فالتركيز أكثر على المال. فناسب أن يخبر الله عن زينة الحياة الدنيا مقدما المال الذى كان الاهتمام به كبيرا، ثم أقول إن المال هو الذى يساعد على الزواج الذى يأتى منه البنون المحتاجون فى تربيتهم أولا إلى المال، هذا ما بدا لى ولعله يكون مقبولا وأسرار القرآن المعجز يعلمها الله سبحانه وتعالى
(8/89)
________________________________________
الترتيب بين الإنس والجن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا نرى فى القرآن الكريم تقديم الجن على الإنس. هل هم أفضل من الإنس؟

الجواب
كما قرر العلماء: العطف بالواو لا يقتض ترتيبا ولا تعقيبا، فالكل مخلوقون لله ومخاطبون بالشريعة وسيحاسبون أمام الله، وهم مشتركون فى هذه الأمور وفى غيرها، ولعل تقديم الجن على الإنس راجع إلى أن الجن كانوا موجودين قبل خلق آدم. فلما خلقه الله أمر الملائكة بالسجود له، وكان معهم إبليس وقال بعض العلماء: لعل التقديم بسبب أن الجن تشمل الملائكة بجامع الاستتار فى كل، وفى ذلك يقول الله تعالى عن الكفار {وجعلوا بينه وبين الجِنة نسبا} الصافات: 158، حيث قالوا: إن الملائكة بنات الله قال الأعشى:
وسخر من جن الملائك سبعة * قياما لديه يعملون بلا أجر فأما قوله تعالى {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} الرحمن: 74، وقوله: {لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} الرحمن: 36، وقوله {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} الجن: 5، فإن لفظ الجن ها هنا لا يتناول الملائكة بحال، وذلك لنزاهتهم عن العيوب، وأنه لا يتوهم عليهم الكذب ولا سائر الذنوب، فلما لم يتناولهم عموم اللفظ لهذه القرينة بدأ لفظ الإنس لفضلهم وكمالهم "آكام المرجان للشبلى ص 7"
(8/90)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 7:04 am

المعوذتان هل هما من القرآن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح ما يقال: إن المعوذتين ليستا من القرآن الكريم؟

الجواب
هذا الكلام قديم وذكرته بعض كتب التفسير ونسب إلى عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه، يقول القرطبى فى تفسيره "ج 25 ص 251" زعم ابن مسعود أنه ما - قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس - دعاء تعوذ به النبى صلى الله عليه وسلم -حين سحرته اليهود، وليستا من القرآن. خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت.
وهذا الكلام يعنى أن المعوذتين من القرآن، والدليل عليه هو الإجماع من الصحابة وأهل البيت، ثم ذكر القرطبى مبررات لقول ابن مسعود، فذكر أن ابن قتيبة قال: لم يكتب عبد الله بن مسعود فى مصحفه المعوذتين لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين -رضى الله عنهما-بهما، فقدَر أنهما بمنزلة: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
ومن المعلوم أن المصحف الرسمى المعوَّل عليه هو ما كان يمليه النبى صلى الله عليه وسلم على كتَّاب الوحى، وكان بعض الصحابة يكتب لنفسه ما نزل من القرآن فى مصحف خاص كابن مسعود، وقد تكتب فيه تعليقات وتوضيحات وهوامش يراها صاحب المصحف هامة عنده، وعلى فرض أن ابن مسعود لم يكتبهما فى مصحفه فليس ذلك دليلا على أنهما ليستا من القرآن الكريم، ومن المعلوم أن عثمان بن عفان،رضى الله عنه عندما جمع المصحف تحت إشراف لجنة مختصة، ونسخ منه عدة نسخ وأرسل بعضها إلى الأمصار لتكون إماما للناس -أمر بإحراق كل ما عدا المصحف الذى جمعه حتى يكون المصحف الرسمى واحدا لا خلاف فيه.
وأبو بكر الأنبارى لا يرضى قول ابن قتيبة فيما نسب إلى ابن مسعود ويؤكد: أن المعوذتين من كلام رب العالمين المعجز لجميع المخلوقين، وأن "أعيذكما بكلمات الله التامة" واضح أنه من قول البشر، وكلام الله الخالق الذى هو معجزة لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وحُجة باقية على الكافرين - لا يلتبس بكلام الآدميين على مثل عبد الله ابن مسعود العالم باللغة وأفانين الكلام.
ثم يذكر القرطبى أن ترك عبد الله بن مسعود لكتابتهما سببه كما قال. البعض أنه آمن عليهما من النسيان، كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه لذلك. مع أنه حافظ متقن، ولكن هذا التعليل غير مسلَّم، لأنه كتب: إذا جاء نصر الله والفتح، إنا أعطيناك الكوثر، وقل هو الله أحد، وهن كالمعوذتين فى عدم الطول وفى سرعة الحفظ، ونسيانهن مأمون.
وذكر ابن كثير فى تفسيره عدة روايات تثبت أن المعوذتين من القرآن وان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما فى الصلاة ويرغب فى قراءتهما لما لهما من الثواب العظيم، وأكثر هذه الروايات فى مسند أحمد وفى سنن النسائى وروى مسلم فى صحيحه عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألم تر آيات أُنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ".
كما جاء فى تفسير ابن كثير أن البخارى روى عن زرِّ بن حُبيش أنه سأل أُبى بن كعب: يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا تقال: إنى سألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال "قيل لى فقلت " فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحافظ ابن حجر ذكر كثيرا مما تقدم يؤكد الإجماع على أن المعوذتين من كلام الله تعالى وقرآنه الكريم "ج 8 ص 615 ".
يؤخذ من هذا الكلام أن المعوذتين من كلام الله ومن سور المصحف. الشريف، وعدم كتابة ابن مسعود لهما لا يلزم منه أنهما ليستا من القرآن، بصرف النظر عما جاء من تعليل لذلك، فالإجماع منعقد من أيام الصحابة على أنهما من القرآن الكريم، ومصحف عثمان هو الإمام لكل المصاحف لإجماع الصحابة عليه
(8/91)
________________________________________
كتاب الإمام على ومعرفة الغيب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعنا أن هناك كتبا منسوبة إلى الإمام على رضى الله عنه. يعرف فيها ما يحدث فى العالم إلى يوم القيامة - فهل هذا صحيح؟

الجواب
من المعلوم أن الله سبحانه لا يُطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضاه، كما قال تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتض من رسول فإِنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن: 26، 27، ومن المعلوم أيضا أن المغالاة فى كل شىء مذمومة وأن الشيعة الذين يحبون آل البيت تغالوا فى ذلك حتى وضع بعضهم عليا رضى الله عنه فى منزلة ادعى بعضهم فيها أنه إله، والبعض الآخر أنه نبى، وكل ذلك تحدثت عنه كتب التوحيد.
وبخصوص علم سيدنا على كرم الله وجهه بالغيب سبق أن تحدَّثنا فى صفحة 411 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى عن مصحف فاطمة رضى الله عنها وعن الجفر والجامعة المنسوبين للإمام على رضى الله عنه. وإضافة إلى ذلك قرأت فى مجلة الإسلام فى سنتها الثالثة وفى العدد الثامن ما يأتى: قال السيد الشريف فى شرح المواقف: الجفر والجامعة كتابان لعلى رضى الله عنه. وقد ذكر فيهما- على طريقة علم الحروف - الحوادث التى تحدث إلى انقراض العالم، وكان الأئمة المعروفون من أولاده رضى الله عنه يعرفونهما ويحكمون بهما.
وفى كتاب قبول العهد الذى كتبه على بن موسى-رضى الله عنهما- إلى المأمون: إنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤنا، فقبلت منك العهد، لأن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم، ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه إلى أهل البيت، ورأيت أنا بالشام نظما أشير فيه بالرموز إلى أحوال ملوك مصر، وسمعت أنه مستخرج من ذينك الكتابين.
هذا كلام السيد. قالوا: فعلم من هذا أن عليا كرم الله وجهه كان عالما بالحوادث المستقبلة التى تحدث إلى انقراض العالم، إذ كتابة هذه الحوادث فى معنى القول بها. ولا شك فى أن علمه بذلك لم يكن اطلاعيا ولا استدلاليا. فتعين أن يكون بطريق التعليم الإلهى اللدنى، أو بتعليم النبى صلى الله عليه وسلم إياه بطريق الإفاضة الروحانية. قال حجة الإسلام الغزالى فى الرسالة اللدنية: قال على رضى الله عنه: أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه فى فمى فانفتح فى قلبى ألف باب من العلم، مع كل باب ألف باب.
هذا، وقد أنكر ابن تيمية نسبة ذلك إلى على فقال: ومن الناس من ينسب إليه الكلام فى الحوادث كالجفر وغيره، وآخرون ينسبون إليه أمورا أُخر يعلم الله تعالى أن عليا كرم الله وجهه منها برى ويؤيد كلام ابن تيمية ما رواه البخارى أن عامة ما يروى عن على كذب
(8/92)
________________________________________
صحف إبراهيم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قالى تعالى {إن هذا لفى الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى} الأعلى: 18،19، عرفنا صحف موسى وهى التوراة المطبوعة فأين نجد صحف إبراهيم؟

الجواب
من المعلوم أن الكتب التى نزلت على الأنبياء السابقين كانت فى تشريعاتها متناسبة مع الأقوام الذين أرسل إليهم الرسل، ولا يكلف قوم بغير ما جاء به رسولهم، فهى تشريعات خاصة وتاريخية أى قاصرة على زمانها تنسخها الشريعة التى تأتى بعدها، وكان خاتمة الكتب القرآن الكريم الذى نزل على خاتم الرسل، فليس بعدهما كتاب ولا رسول، والأمة الإسلامية ليست مكلفة بما جاء فى الكتب السابقة لأمرين أولهما أنها خاصة بأقوامهم. وثانيهما أنها ليست مقطوعة الصحة، وقد أخبر القرآن الكريم عن تحريفها فى أكثر من آية، بل عن اختلاق جماعة لكلام وادعاء نسبته إلى رسولهم ليكون وحيًا له القداسة عندهم.
مع العلم بأن أصول العقائد والأخلاق التى لا تتغير بتغير الأزمان والأقوام واحدة فى كل ما جاء به الرسل السابقون، والمخالفة هى فى التشريعات العملية التى تتناسب مع هؤلاء الأقوام، والقرآن جاء مقررا للصواب ومصححا لما دخله التحريف منها، تاركا التشريعات لمن نزلت عليهم، قال تعالى {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة: 48.
وقد تقدم فى صفحة 363 من المجلد الرابع النهى عن قراءة هذه الكتب خشية الفتنة بما فيها، إلا لمن كان على بينة من دينه ليميز الخبيث من الطيب، والخطأ من الصواب.
وبخصوص صحف إبراهيم لا يوجد خبر صحيح عما فيها، ولا عن وجودها الآن، وقد أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم كما قال تعالى {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} النحل: 123، والظاهر أن الاتباع هو فى عقيدة التوحيد والعقائد الأساسية كما يفهم من وصفه بقوله {حنيفا وما كان من المشركين} ومع ذلك إذا كان الاتباع فى بعض ما جاء من التشريع فهو صحيح ما دام لم يأت فى الإسلام ما يخالفه على رأى من قال بذلك من علماء الأصول. ومما أخذناه من شريعة إبراهيم الختان. ولا حاجة إلى معرفة ما نزل على إبراهيم من صحف. ففى قرآننا كل خير {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة: 3.
ومع ذلك ذكر المفسرون بعض ما فى هذه الصحف، ففى القرطبى ج 2 ص 24: روى الآجُرِّى من حديث أبى ذر قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟ قال "كانت أمثالا كلها، أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم، فإنى لا أردها ولو كانت من فم كافر. وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجى فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، يفكر فيها فى صنع الله عز وجل إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب. وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا فى ثلاث: تزود لمعاد، ومرمَّة لمعاش، ولذه فى غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه.
مقبلا على شانه، حافظا للسانه. ومن عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه ".
قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال كانت عِبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب. وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل.
قال: قلت يا رسول الله فهل فى أيدينا شىء مما كان فى يدى إبراهيم وموسى مما أنزل الله عليك؟ قال "نعم، اقرأ يا أبا ذر {قد فلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلَّى. بل تؤثرون الحياة الدنيا. والآخرة خير وأبقى. إن هذا لفى الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى} وابن جرير الطبرى اختار أن الذى فى صحف إبراهيم وموسى هو {قد أفلح من تزكى..} ووافقه ابن كثير فى هذا الاختيار، وأورد عن النسائى عن ابن عباس أن سورة {سبح اسم ربك الأعلى} كلها فى صحف إبراهيم وموسى.
وكلها روايات لا يلزمنا اعتقاد ما فيها، وقراننا هو خير كتاب نأخذ منه هدايتنا، فهو يهدى للتى هى أقوم
(8/93)
________________________________________

مستقر الشمس وعلم العلماء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله تبارك وتعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، مما يدل على أن الشمس تتحرك وليست ثابتة، ويقول بعض العلماء أن الشمس ثابتة والأرض هى التى تدور حول نفسها مرة فى اليوم، وحول الشمس مرة كل سنة فما مدى صحة كلامها؟

الجواب
الظاهر من كلمة (تجرى) التحرك والانتقال من مكان إلى آخر. كما أن الظاهر من كلمة (تدور) اللف حول شىء معين، وهذا الشىء المعين قد يكون هو المحور مع عدم الانتقال منه، وقد يكون فيه انتقال من مكان إلى آخر مع الالتزام بمركز يحدث حوله هذا الانتقال.
وكلمة (الفلك) معناها المسار أو المدار الذى يتحرك فيه الشىء، وقد يكون التحرك فى خط مستقيم أو خط دائرى يكون محيطا له مركز قال تعالى {وهو الذى خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل فى فلك يسبحون} الأنبياء: 33، والظاهر أن كلمة (كل) تعنى مجموع الليل والنهار والشمس والقمر بدليل الجمع فى قوله (يسبحون) فكيف نتصور الفلك الذى يسبح فيه الليل والنهار؟ إن معرفتنا لا تزال محدودة، وكلما اكتشف علماء اليوم جديدا عرفوا أنهم كانوا يجهلون كثيرا، وألفاظ اللغة العربية فيها من المرونة والصلاحية ما لا يستطيع الإنسان معه أن يجزم بمعنى ينطبق على شىء نجهل من حقيقته كثيرا.
إن "المستقر" الذى تجرى له الشمس فى قوله تعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، هل المراد به المحور الذى تدور حوله الشمس كما تدور الأرض حول محورها، أو المراد به المدار والمسار الذى تلتزمه وهى تتحرك من مكان إلى آخر، وإلى أين هذا التحرك، هل هو محيط أو فى خط مستقيم. كل ذلك قال به المفسرون والعلماء.
دون جزم بأحد هذه المعانى. وقد يقال: إن المستقر هو نهاية الحركة والجرى فالشمس سيأتى عليها وقت تقف فيه عن الجرى وهو يوم القيامة، فاللام فى (لمستقر) بمعنى "إلى" التى تفيد الغاية. . . قال تعالى {لا الشمس ينبغى لها أن تدرك. القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون} يس: 40، وهذا يدل على أن لكل من الشمس والقمر سَبحا وجريانا فى مدار ومسار وانتقال من مكان إلى مكان: ثم قال بعد ذلك: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فالظاهر أنها تلتزم مسارها وهو الفلك بحيث لا نتجاوزه إلى مسار آخر حتى لا تصطدم بالكوكب أو النجم الذى يجرى فى هذا المسار، وحتى لا تدرك القمر إن جرت فى مداره، فالكل يتحرك بنظام ثابت دقيق.
وقد يراد أن الشمس على الرغم من كبر حجمها والجد فى جريانها بحيث لا تدرك القمر سيأتى عليها وقت تكف فيه عن الحركة بأمر الله الذى يقع كل شىء تحت سلطانه وقهره.
هذا تفسير بالمعقول، أما التفسير بالمنقول فقد جاء فى صحيح مسلم عن أبى ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فقال: " مستقرها تحت العرش " وفى رواية لمسلم عن أبى ذر أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون أين تذهب هذه الشمس "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " إن هذه الشمس تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجرى لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهى إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعى أصبحى طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون متى ذلكم "؟ "ذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا " وجاءت هذه الرواية فى صحيح البخارى عن أبى ذر أيضا بما يفيد أن مستقر الشمس كل يوم هو تحت العرش حيث تسجد وتستأذن ربها بالجرى فيأذن لها حتى يكون آخر إذن بها بالشروق من المغرب.
إن الإنسان لا يستطيع بسهولة أن يفهم معنى الاستقرار تحت العرش، فالشمس دائما فى حركة إن غابت عن بعض أجزاء الأرض فهى ظاهرة للبعض الآخر، ولم يشاهد أحد من الدنيا أنها توقفت عن الحركة. . . أو لا يجوز أن نفسر استقرارها تحت العرش، بأنها فى كل أوقاتها خاضعة لأمر الله، لا تتحرك إلا بإذنه، وتستمر حركتها إلى أن تستقر نهائيا فى آخر الدنيا؟
(8/94)
________________________________________
من أى شىء خلقت حواء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن المرأة خلقت من ضلع آدم؟

الجواب
قال الله تعالى {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} النساء: 1، وقال {هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} الأعراف: 189، وقال تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} الروم: 21، وقال صلى الله عليه وسلم " إن المرأة كالضلع، فإذا ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج " رواه مسلم، وقال " واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما فى الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا " رواه مسلم وقال فى رواية لمسلم " وكسرها طلاقها".
يقول الفخر الرازى فى تفسيره لأول النساء: وفى كون حواء مخلوقة من آدم قولان: الأول -وهو الذى عليه الأكثرون- أنه لما خلق الله آدم ألقى عليه النوم، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى. واحتجوا بحديث مسلم " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج " والثانى- وهو اختيار أبى مسلم الأصفهانى- أن المراد من قوله " وخلق منها زوجها" أى فى جنسها وهو كقوله {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} وقوله تعالى {بعثت فيهم رسولا من أنفسهم} قال القاضى: والقول الأول أقوى وذكر وجه قوته.
والطبرى فى تفسيره وكذلك القرطبى ذكرا أن القول الأول هو لابن عباس وابن مسعود، لكن ليس لهذا النقل سند صحيح، بل هو منقول عن أهل الكتاب كما فى سفر التكوين " الإصحاح الثانى: 21 - ومن هذا نرى أن خلق حواء من آدم ليس أمرا متفقا عليه، فقد يكون خلقها من نفسه يعنى أنها خلقت من جنسه وهو الطين وليس من النور أو النار حتى يمكن أن يسكن إليها، وما جاء فى الأحاديث أنها خلقت من ضلع قد يراد به التشبيه كما فى الرواية الأولى فليس هناك نص قاطع فى الثبوت والدلالة على خلقها من ضلع آدم، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ولا يضر الأخذ بأى الرأيين.
وقد علق النووى على الأحاديث بقوله: وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم، قال الله تعالى {خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} وبيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع. وفى هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم " شرح صحيح مسلم ج 10 - ص 57 " والموضوع مستوفى فى الجزء الثانى من موسوعة (الأسرة تحت رعاية الإسلام "، س، ج للمرأة المسلمة
(8/95)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 7:06 am

كيف وسوس إبليس لآدم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعد أن طرد الله إبليس من الجنة كيف استطاع أن يوسوس لآدم وهو فى الجنة؟

الجواب
قال تعالى {فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكم ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين} الأعراف: 20، 21.
يستفاد من ذلك أن إبليس تحدث مع آدم وحواء بعد أن طرده اللَّه من الجنة، وسمى اللَّه هذا الحديث وسوسة، فكيف تمت وهو خارج الجنة وهما فى داخلها؟ .
يفيد ظاهر الآية أن الحديث معهما كان عاديا بالنطق والمشافهة، وليس حديث نفس ألقى فى قلبهما منه، والحديث الشفوى قد يسمى وسوسة، وبخاصة إذا كانت فيه سرية، إن الكلام كثير فى كيفية هذه الوسوسة، وليس له سند صحيح يعتمد عليه، ولا يبعد أبدا أن يكون إبليس قد وقف على باب الجنة ولم يدخلها وتحدث مع آدم وحواء، ويعلم من هذا أنه لم يدخل الجنة بعد أن طرده اللَّه منها.
وما يقال من أن إبليس دخلها فى جوف حية، وكان منظرها جميلا، ولما أبت كل الحيوانات إدخاله قبلت هى ذلك، فحولها اللَّه إلى هيئتها المعروفة لنا وصارت من أعدى الحيوانات لبنى آدم، ليس عليه دليل معتبر
(8/96)
________________________________________
بعثة الرسول فى الشرق الأوسط

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما الحكمة فى بعثه الرسل كلهم فى الشرق الأوسط من الأرض؟

الجواب
ليكن معلوما أن الله سبحانه أرسل رسلا كثيرين كما قال تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} غافر: 78، وقال تعالى {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} فاطر:
24، وقال تعالى {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا} النحل: 36، نعلم من هذه النصوص أنه يجوز أن يكون الله سبحانه قد أرسل رسلا فى غير منطقة الشرق الأوسط، على أن المختصين قالوا: إن العمران البشرى بدأ أول ما بدأ فى هذه المنطقة، وذلك لاعتدال جوها وكثرة خيراتها المتاحة من المياه والنبات وغيرها، ووجود عوامل ساعدت على تجمع الناس وتكوين وحدات مستقرة، أو على الأقل متعاونة متحدة، والغالب أن يكون لهذه العلاقات الاجتماعية أثر كبير على الفكر والسلوك، الذى قد يشيع ويعم الوحدة الاجتماعية كلها، ومن هنا كانت الحاجة أمس لإرسال رسول يهدى الضالين فى العقيدة والسلوك، فالرسول لا يأتى لأفراد متناثرة ولكن لوحدات مترابطة، حتى لا يكون للناس على الله حجة {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} النساء:
165
(8/97)
________________________________________
إدريس عليه السلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قال تعالى: {واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا} مريم: 56، 57، فما هو الأمر الذى بسببه رفعه الله إليه، وأين مكانه، ولماذا لم يرفع غيره من الأنبياء؟

الجواب
قال المفسرون: إن الرفع فى الآية إما رفع مكان وإما رفع مكانة، وقد رفع الله إدريس عليه السلام إلى السماء الرابعة كما قال كثير منهم، وقيل إن الرفع هنا هو رفع منزلة وقدر وشرف. وكل الأنبياء مرفوعة منزلتهم.
وسبب الرفع لم يرد به خبر صحيح، وهى أقوال منسوبة لابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهم، منها أنه لما أصابه وهج الشمس تعجب كيف يتحمله الملك الذى يحمل الشمس وسأل ربه أن يخفف عنه، فلما علم الملك بذلك أراد أن يكافىء إدريس، فجمع الله بينه وبينه، وطلب إدريس منه أن يشفع له عند ملك الموت ليؤخر أخله.
وقيل طلب منه أن يريه الجنة فرفعه إلى السماء الرابعة فقبض ملك الموت فيها روحه ورفعها إلى الجنة ودفنت جثته فى السماء الرابعة، وقيل غير ذلك.
وفى حديث الإسراء جاء فى رواية مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم وجد إدريس فى السماء الرابعة.
تحدث القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 119 " عن كلام ابن وهب فى مقابلة ملك الموت لإدريس وإدخاله الجنة وأمر الله له أن يخرج منها، وقال: إنه حى هناك تارة يرتع فى الجنة، وتارة يعبد الله مع الملائكة فى السماء. كما ذكر القرطبى أنه أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وأول من نظر فى علم النجوم والحساب وسيرها، قال بعض المحققين: إنه نشأ ودعا إلى التوحيد فى منطقة أسوان جنوبى مصر.
وذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية والزرقانى فى شرحها "ج 6 ص 71 " ما نقل عن كعب الأخبار أن إدريس توفى فى السماء الرابعة ولم تكن له تربة فى الأرض، وقاك ابن المنير، اختلف فى إدريس هل رفع إلى السماء بعد موته كغيره من الأنبياء، أو إنما رفع حيا وهو إلى الآن حى كعيسى، وكل ذلك من الإسرائيليات والله أعلم بصحتها ولم يثبت رفعه وهو حى من طريق مرفوعة قوية.
وجاء فى " مشارق الأنوار للعدوى " ص 14 أن العلماء اختلفوا فى أنه حى فى السماء أم ميت فقال قوم هو ميت، وقال قوم: هو حى، وقالوا: أربعة من الأنبياء أحياء، منهم فى الأرض اثنان وهما الخضر وإلياس عليهما السلام، واثنان فى السماء وهما عيسى وإدريس، كما ذكره الخازن فى تفسيره.
وكل هذه أخبار غير موثقة من قرآن أو حديث صحيح، ولا يجب علينا أن نومن إلا بأن إدريس عليه السلام من الرسل وأن الله رفع منزلته، وما وراء ذلك من كونه فى السماء الرابعة حيا أو ميتا لا نلزم باعتقاده
(8/98)
________________________________________
الذبيح إسماعيل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من الذى أمر الله إبراهيم بذبحه من أولاده، هل هو إسحاق أم إسماعيل؟

الجواب
قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام {فبشرناه بغلام حليم. فما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين. فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم. وتركنا عليه فى الآخرين. سلام على إبراهيم. كذلك نجزى المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين. وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين. وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} الصافات: 101 -113، وقال عند الكلام عن الملائكة لما جاءت إبراهيم بالبشرى {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} هود: 71، وقال فى موضع آخر {وبشروه بغلام عليم} الذاريات: 28.
وروى الحاكم فى المستدرك عن معاوية بن أبى سفيان قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابى فقال: يا رسول الله، خلفت البلاد يابسة والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال، فعد على مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه.
وقد ذكره الزمخشرى فى الكشاف، وقال الزيلعى فى تخريج أحاديثه: غريب.
وجاء فى كتب السيرة أن عبد المطلب نذر إن رزقه الله عشرة بنين ليذبحن أحدهم قربانا لله، وذلك عندما منعته قريش من حفر زمزم ولم يكن معه إذ ذاك إلا ولده الحارث، وعندما رزق بالبنين وأراد أن يوفى بنذره جاءت القرعة على عبد الله " والد النبىصلى الله عليه وسلم بعد " حتى افتدى أخيرا بمائة من الإبل، ولهذا روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا ابن الذبيحين " أى إسماعيل الذى أمر الله أباه إبراهيم بذبحه، وعبد الله والده، الذى كان سيذبح.
إزاء هذه المرويات اختلف العلماء فى الذبيح الأول هل هو إسحاق أم إسماعيل؟ .
الجمهور على أن الذبيح إسماعيل، ومما يؤيد رأيهم ما يأتى:
1 - أن إبراهيم عليه السلام لما أنجاه الله من النار وهاجر من أرض العراق إلى الشام {وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين} الصافات: 99، وبما تقدمت به السن ولم ينجب طلب من ربه أن يهب له ولدا فاستجاب الله له {رب هب لى من الصالحين. فبشرناه بغلام حليم} الصافات: 100، 101، وكان هذا الغلام من هاجر المصرية وهو بالشام، وهو إسماعيل، ولما لم تنجب زوجته الأولى دخلت الغيرة قلبها فأمره الله أن يبعد عنها هاجر وولدها، فأسكنهما فى موضع مكة، وامتحنه بذبحه لما بلغ معه السعى وكان ذلك الامتحان فى مكة.
أما ابنه إسحاق فجاءت البشارة به بعد أن بشره الله بإسماعيل، كما تدل عليه الآيات التى ذكرت الرؤيا والبدء فى الذبح ثم افتداء الله إسماعيل بذبح عظيم، وانتهت بمدح إبراهيم ثم ذكرت البشارة بإسحاق.
والامتحان يكون بذبح الابن البكر الذى جاء بعد شوق طويل، لا بالولد الثانى الذى لا يصل حبه إلى ما وصل إليه حب الأول.
2 - وأن إبراهيم عاش سلسلة من الامتحانات أكثرها يتصل بهاجر وولدها إسماعيل، حيث أسكنهما بواد غير ذى زرع، مسلما أمرهما إلى الله، يعيش بعيدا عنهما فى الشام، ويزورهما على فترات، ثم يتصاعد الامتحان بأن يرى فى المنام أنه يذبح فلذة كبده، وما ذلك إلا إسماعيل، ولنتصور حال إبراهيم لو تم الذبح كيف يترك هاجر وحيدة فى مكان ليس فيه من الأنس ما فى الشام حيث يستقر به المقام، إن سلسلة هذه الامتحانات المترابطة تؤكد أن الذبيح هو إسماعيل.
3- وأن هناك اختلافا فى الظروف التى بشر بها إبراهيم بكلا ولديه إسماعيل وإسحاق فالبشارة بإسماعيل كانت عند هجرته من أرض العراق وبطلب من الله أما البشارة بإسحاق فكانت عندما جاءته الملائكة فى طريق مرورها إلى قوم لوط، وهى فترة كان فيها إسماعيل مع أمه هاجر بعيدين عن البيت، الذى لم يكن فيه إلا سارة التى عجبت أن يولد لها وهى عجوز عقيم وبعلها شيخ كبير، ولم يكن هناك طلب منهما لهذا الولد والامتحان بذبح من طلبه وتشوق إليه امتحان أشد.
4 - أن الشروع فى ذبح إسماعيل صاحبته أحداث تدل على أنه هو المقصود بالذبح وليس إسحاق، ذلك أن الروايات تقول: إن إبراهيم أخذ ولده وخرج به من البيت ليذبحه بعيدا عن أمه فلقيهما الشيطان فى الطريق وسول لهما عدم الاستجابة، فرجمه إبراهيم فى أكثر من مكان، ومنه كانت شعيرة رمى الجمار من شعائر الحج، وذلك فى مكة وليس فى الشام.
5 - عندما بشر الله إبراهيم وسارة بإسحاق عن طريق الملائكة، جاء فى البشارة {ومن وراء إسحاق يعقوب} هود: 71، يعنى أن إسحاق سيولد ويكبر ويتزوج ويولد له يعقوب، فهل يعقل بعد الاطمئنان على حياة إسحاق أن يذبحه أبوه؟ إنه لو ذبحه فمن أين يكون يعقوب؟ هذا دليل قوى على أن الذبيح هو إسماعيل.
6 - أن البشارة بإسماعيل وصفته بأنه غلام حليم، أما البشارة بإسحاق فوصفته بأنه علام عليم، وصفة الحلم تتناسب مع من أطاع أمر ربه وصدق رؤيا أبيه فلم يغضب ولم يعص، وهو إسماعيل. وصفة العلم غالبة فى نسل إسحاق ويعقوب وبنى إسرائيل.
7 -أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الأضاحى فقال " سنة أبيكم إبراهيم " رواه أحمد وابن ماجه وأبو العرب هو إسماعيل بن إبراهيم، وليس إسحاق ابن إبراهيم، كما هو معروف والقرابين كانت تذبح فى مكة وليس فى الشام استجابة لدعوة إبراهيم ربه {فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} إبراهيم: 37، {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} الحج: 27 - 29.
8 -أن أهل الكتاب يقولون: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وما كان له ابن وحيد إلا إسماعيل، فإن إسحاق لا يقال له وحيد حيث كانت ولادته بعد ولادة إسماعيل، فقد نصت كتبهم على أن إسماعيل ولد ولإبراهيم ست وثمانون سنة، وأن إسحاق ولد ولإبراهيم تسع وتسعون سنة. فأول ولد بشر به هو إسماعيل والوحيد الذى أمر بذبحه هو أيضا إسماعيل. وهو البكر كما عبر عنه فى بعض نسخهم، فأقحموا ها هنا كذبا وبهتانا اسم إسحاق لانه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم، ذكر هذا ابن كثير فى تفسيره لقوله تعالى:
{فبشرناه بغلام حليم} .
9 -أن كبار العلماء من السلف قالوا: إن الذبيح هو إسماعيل كما روى ذلك عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس، ومجاهد عن ابن عمر، والشعبى يقول: رأيت قرنى الكبش فى الكعبة (كذا) وعمر بن عبد العزيز استدعى يهوديا بالشام أسلم وحسن إسلامه فشهد بأن الذبيح إسماعيل. وأبو عمرو بن العلاء سأله الأصمعى عن الذبيح فقال له: أين ذهب عقلك، متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة.
يقول الآلوسى بعد أن ساق أقوال العلماء فى ذلك: والذى أميل إليه أن الذبيح إسماعيل لأنه المروى عن كثير من أئمة أهل البيت ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضى خلاف ذلك، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوى الألباب.
هذا هو ما أثير حول هذا الموضوع لخصته من كتب السيرة، ومن زاد المعاد لابن القيم وغيره من المصادر، ينتهى إلى أن الذبيح هو إسماعيل، وما سبق فى ذلك هو اجتهادات واستنباطات يؤيدها حديث الحاكم عن معاوية بعدم إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على من ناداه بابن الذبيحين، كما يؤيدها ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله " أنا ابن الذبيحين "
(8/99)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 7:08 am

آزر وإبراهيم ونسب النبى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل آزر هو أبو إبراهيم عليه السلام أو عمه، وكيف يكون كافرا ونسب النبى صلى الله عليه وسلم كله طاهر لقوله تعالى {وتقلبك فى الساجدين}

الجواب
نص القرآن الكريم على أن أبا سيدنا إبراهيم عليه السلام اسمه آزر، قال تعالى {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما اَلهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين} الأنعام: 74، ونص على أنه مات كافرا على الرغم من وعد إبراهيم أن يستغفر له ربه قال تعالى {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو للَّه تبرأ منه} التوبة: 114،. وقيل: إن آزر عم إبراهيم وليس والدا له، والعم يطلق عليه اسم الأب، كما فى قوله تعالى عن يعقوب {إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلفك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} البقرة: 133، مع أن إسماعيل ليس والدًا ليعقوب ولكنه عمه، والذى حمل هؤلاء على القول بأن آزر عم إبراهيم وليس والده هو شريف مقام النبوة أن يكون أحد اَباء الأنبياء كافرا، مستندين فى ذلك إلى قول اللَّه للنبى صلى الله عليه وسلم {وتقلبك فى الساجدين} الشعراء: 219، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " رواه أبو نعيم عن ابن عباس، وقال ابن عباس فى المراد بالساجدين " من نبى الى نبى " كما رواه أبو نعيم فى الدلائل بسند صحيح والطبرانى برجال ثقات. فقال هؤلاء: إن الكفر نجس لقوله تعالى {إنما المشركون نجس} التوبة: 28، فكيف ينقل الرسول من أصلاب الطاهرين واَزر أبو إبراهيم نجس؟ وكيف يكون تقلبه فى الساجدين وآزر ليس منهم؟ وردَّ على ذلك: بأن إرادة العم من الأب عدول عن الظاهر بلا مقتض، والنصوص المذكورة فى الطهارة والسجود لا تقتضى هذا العدول، لأن آية {وتقلبك فى الساجدين} ليست نصا فيما فسرها به ابن عباس، فقد فسرت بغير ذلك، فقد جاء عنه أيضا أن المعنى: يراك قائما وراكعا وساجدا، لأن قبل ذلك " الذي يراك حين تقوم " وبأن حديث النقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة أوَّلاً لم يصل إلى الدرجة التى يعتمد عليها فى العقائد، وثانيا فسرت الطهارة فيه بعدم السفاح كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس مرفوعا " لم يلتق أبواى قط على سفاح، لم يزل ينقلنى من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مُصَفّى مهذبا" وكما رواه الطبرانى عن على مرفوعا " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدنى أبى وأمى لم يصبنى من نكاح الجاهلية شىء".
هذا، ولا يضير أن يكون فى أنساب الأنبياء كافرون، فكل امرىء بما كسب رهين، وقصة آزر ونسب النبى ليست عقيدة نحاسب عليها، وهى متصلة بقوم مضوا إلى ربهم وهو أعلم بهم، فَلْنَهْتم بحاضرنا لنصلحه، وبمستقبلنا لنستعد له
(8/100)
________________________________________
الأنبياء والرسل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك فرق بين الأنبياء والرسل،وكم عددهم وكيف نعرف تواريخهم؟

الجواب
النبى إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به ولم يؤمر بتبليغه.
والرسول إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به وأمر بتبليغه. فكل رسول نبى، وليس كل نبى رسولا، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبى ورسول، قال تعالى {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ولذيرا} الأحزاب:
45، وقال تعالى {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللَّه وخاتم النبيين} الأحزاب: 40، فجمعت الآيتان بين وصفه بالنبوة والرسالة.
وقد يحل كل لفظ محل الآخر، كما قال تعالى {وكم أرسلنا من نبى فى الأولين * وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزئون} الزخرف: 6، 7،.
هذا أحسن ما قيل فى الفرق بين النبى والرسول، أما عدد الأنبياء والمرسلين فكثير. قال تعالى {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} فاطر: 24، وقال تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} غافر: 78.
وقد ورد حديث رواه ابن حبان في صحيحه عن أبى ذر الغفارى أنه قال:
قلت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كم عدد الأنبياء؟ فقال "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا (124000) فقلت: وكم عدد الرسل؟ فقال "ثلثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرا" (313) " ولكن الحديث ليس متواترا حتى على فرض صحته، فلا يفيد إلا الظن والعقائد لا تؤخذ إلا باليقين.
وهناك أقوال كثيرة لا داعى لذكرها ونحن لا نكلف إلا بمعرفة الرسل الذين ذكروا فى القرآن الكريم، وهم خمسة وعشرون، وأكثرهم فى الآيات: من 83 - 86 من سورة الأنعام، وأولها {وتلك حجتنا ... } وهم فيها ثمانية عشر، يضاف إليهم سبعة ذكروا في مواضع أخرى، نظمها بعضهم في قوله:
في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشرويبقى سبعة وهم إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا وجاء فى كتاب "الحاوى للفتاوى" للسيوطى ص 249 "، أخرج الطبرانى عن أبى أمامة أن رجلا قال: يا رسول اللَّه، أنبى كان آدم؟ قال "نعم "قال: كم بينه وبين نوح؟ قال "عشرة قرون "قال: كم بين نوح وإبراهيم؟ قال "عشرة قرون " قال: يا رسول اللَّه كم كانت الرسل؟ قال: " ثلثمائة وخمسة عشر "ورجاله رجال الصحيح.
وجاء في الكتاب أن بين موسى وعيسى ألفا وتسعمائة ونيفا، وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم نحو ستمائة.
وترتيب الرسل هكذا: آدم، إدريس، نوح، هود، صالح، إبرا هيم، لوط، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، أيوب، شعيب، موسى، هارون، ذو الكفل، داود، سليمان، إلياس، اليسع، يونس، زكريا، يحيى، عيسى، محمد عليهم الصلاة والسلام.
هذا وحديث أبى ذر الذى صححه ابن حبان ذكره ابن مردويه فى تفسيره وقال: إن ابن الجوزى خالف ابن حبان فى تصحيح الحديث وذكره فى الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام، قال الحافظ ابن كثير: ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث "المواهب اللدنية للقسطلانى"ج 2 ص 46.
أما تواريخ الرسل فقد ألفت فيهم عدة كتب، والقرآن الكريم اقتصر على ما يهم من هذه التواريخ، وهو صادق فيما قاله، فقصصه أحسن القصص، ما كان حديثا يفترى، وما عدا ذلك من الأخبار فهو محل نظر، وكتب التفسيرمحشوة بكثيرمنها، ونحن لا نكلف إلا بمعرفة الصادق الذى لا يتعارض مع ما أخبر به القرآن والحديث الصحيح، والمرحوم الشيخ عبد الوهاب النجار حاول فى كتابه عن الأنبياء أن يستخلص ما هو أقرب إلى الصحة إن لم يكن مقطوعا بها، والحذر من قراءة الكتب القديمة المحشوة بالإسرائيليات وبما لا يتناسب مع مقام الأنبياء من التكريم والتشريف
(8/101)
________________________________________
التفاضل بين الأنبياء والرسل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هم أفضل الأنبياء والمرسلين، وما هى درجاتهم في الفضل؟

الجواب
مبدئيا نقول: إن التفاضل بين مخلوقات اللَّه موجود، سواء فى الأشخاص وفى الأزمان والأمكنة وغيرها. وهذا التفاضل أو الاختلاف من أقوى الأدلة على أن للعالم خالقا حكيما مريدا عالما قادرا على كل شىء، وليس العالم -كما يقول الفلاسفة والملحدون -مخلوقا بالطبيعة أو بالعلة، فمعلوم أن معلول العلة لا يتخلف ومطبوع الطبيعة لا يختلف. ومن مظاهر التفاضل في العالم في المكان فضل الكعبة والحرم، وفضل المساجد، وفى الزمان فضل رمضان ويوم الجمعة وليلة القدر، وفى الأشخاص فضل الرسل، وفضل العلماء.والنصوص في ذلك مشهورة.
وبخصوص المرسلين قال اللَّه تعالى {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} البقرة: 253.
وإن كانوا جميعا متساوين وفى درجة واحدة من وجوب الإيمان بهم جميعا، كما قال سبحانه {لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة: 258، وأفضلهم على الإطلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بالنص والإجماع، وقد رفع اللَّه درجته من عدة وجوه لخصها بعضهم بأنها فى ذاته وذلك بالمعراج حيث وصل إلى مقام لم يصل إليه ملك مقرب ولا نبى مرسل، وفى شرفه بالسيادة على جميع البشر فهو القائل "أنا سيد الناس يوم القيامة" رواه البخارى ومسلم، وفى معجزاته حيث أوتى القرآن الذى لم يؤته نبى قبله، وبعموم رسالته وغير ذلك.
أما التفاضل بين الأنبياء بعضهم مع بعض فهو موجود كما تنص عليه الآية {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} الإسراء: 55، والمعتمد أن الرسل أفضل من الأنبياء. .
والتفاصيل فيما بينهم موجود لكن الأفضل ألا نبحث عن وجوه الفضل بين نبى وآخر أو رسول وآخر، فقد يؤدى ذلك إلى اختلاف يمكن أن يكون نتيجة غير طيبة، ولذلك ورد النهى من النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك على الرغم من فضله عليهم. فقال "لا تفضلوا بين الأنبياء" وذلك فى حادث نزاع يهودى مع مسلم وحلف اليهودى أن موسى أفضل العالمين.
رواه البخارى ومسلم. وقال "ما ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" قال العلماء: إنه قال ذلك من باب التواضع، وقال القاضى عياض: لا نفضل بعضا على بعض تفضيلا يؤدى إلى تنقيص بعضهم أو الغَضَّ منه، قال ابن حجر: قال العلماء: إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك من يقوله برأيه، لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدى إلى تنقيص المفضول، أو يؤدى إلى الخصومة والتنازع، وللمزيد يمكن الرجوع إلى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 6 ص 130 -140"
(8/102)
________________________________________
حياة الأنبياء فى قبورهم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن الأنبياء أحياء في قبورهم، وكيف نوفق بين حياتهم فيهما وقوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}؟

الجواب
معلوم أن كل كائن حى لابد أن يموت، قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} آل عمران:185، وقال تعالى: {كل من عليها فان} سورة الرحمن: 26، وقال تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} سورة الأنبياء: 34، ويقول تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30،.
وبعد موت الإنسان ستكون هناك حياة له من نوع آخر، فإذا فنى الجسد وصار ترابا فالروح باقية، ولها اتصال إلى حد ما بالجسد تختلف درجات هذا الاتصال من شخص لاَخر، وقد قال الله سبحانه فى الشهداء: {ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون} آل عمران: 169،.
وبخصوص الأنبياء روى أبو داود والبيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علىَّ من الصلاة فيه، وإن صلاتكم تُعرض عَلَىَّ" قالوا: يا رسول الله وكيف تُعرض عليك صلاتنا وقد أرَمْتَ -بفتح الراء- يعنى بليت؟ فقال: "إن الله حَرَّمَ على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" وروى أبو داود أيضًا حديث "ما من أحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَىَّ إلا رَدَّ اللَّهُ عَلَىَّ رُوحِى حتى أرُدَّ عليه السَّلام " وروى أحمد والنسائى والحاكم وصححه وغيرهم حديث "إن لله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى عن أمتى السلام ".
يقول السيوطى فى كتابه "إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء": حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره وحياة سائر الأنبياء معلومة عندنا علماً قطعياً، لكثرة الأدلة وتواتر الأخبار، وقد ألّف البيهقى جزءاً في حياتهم، ومن الأخبار ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أسْرِىَ به مَرَّ على موسى وهو قائمٌ يُصَلِّى في قبره، وصَحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفى السماء.
جاء فى وصف موسى عندما مَرَّ به "فإذا هو رجل ضرب جعد كأنه رجل من شنوءة" ومعنى ضرب متوسط الحجم أو ضعيف اللحم، ومعنى جعد شعره غير سبط، وشنوءة قوم من الزط سمراللون وهذا يؤكد رؤيته البصرية.
وجاء في هذا الحديث أيضاً: "وإذا عيسى ابن مريم قائمٌ يُصَلِّى أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفى، وإذا إبراهيمُ قائمٌ يُصَلِّى أشبه الناس به صاحبكم..."، فهل رآهما في قبريهما كما رأى موسى في قبره، أو رآهم يصلون فى المسجد الأقصى حيث جاء فى الحديث: فحانت الصلاة فأممتهم.
بعد الأخبار المذكورة وبعد كلام السيوطى في تواتر الأخبار وكثرة الأدلة على حياة الأنبياء في قبورهم يمكننا أن نطمئن إلى ذلك ولا نكذب، بالإضافة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الشهداء، وقد قال اللَّه فيهم: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون} آل عمران: 169، ولا يُقال: قد يكون فى المفضول ما ليس فى الفاضل، لأن محل ذلك ما لم يرد نص، وقد ورد.
وحياتهم فى القبور مختلف في كيفيتها، وجمهور المسلمين على أنها حياة حقيقية لا مجازية، وقد وضح الفخر الرازي ذلك فى تفسيره لهذه الاَية.
أمَّا قوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30، فمعناه أن روحك ستفارق بدنك وتدخل فى عالم آخر كسائر الناس، قال تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مِتَّ فهم الخالدون * كلُّ نفسٍ ذائقة الموت} الأنبياء: 34، 35،.
وحديث رد روح النبى صلى الله عليه وسلم ليجيب من يسلم عليه إن كان ظاهره يفيد أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف فقد أجاب على ذلك العلماء بأجوبة أوصلها السيوطى إلى سبعة وعشرين وجهاً، أحسنها أنه صلى الله عليه وسلم يكون مُستغرقاً بمشاهدة حضرة القدس فيفنى عن إحساسه الشريف، فإذا سَلَّمَ المُسلمُ عليه تُرَدُّ رُوحَهُ من هذا الاستغراق إلى الاحساس لأجل الرَّدِّ، كما ترى في الدنيا مَنْ يكون مشغول البال قد لا يُحِسُّ بمَنْ يتكلّم بجواره (المنحة الوهبية ص 6) هذا، وعدم أكل الأرض أجساد الأنبياء ثابتٌ بالحديث السابق، وهو حديث صحيح عند كثير من العلماء كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأقره الذهبى كما صححه النووى في كتابه " الأذكار". والعقائد وأخبار الغيب تؤخذ من الأدلة القطعية فى الثبوت والدلالة والخلاف موجود فى كفاية حديث الآحاد فى ذلك، وما دام الأمر داخلا فى قدرة اللَّه سبحانه، مع اختلاف قوانين عالم الغيب والشهادة، ومع عدم مصادمة ذلك لأمر مقطوع به فالقلب يطمئن إلى قبوله
(8/103)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالثلاثاء 16 يناير 2024, 11:01 pm

الشفاعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نعلم أن هناك شفاعة عظمى للنبى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فهل له شفاعات أخرى وهل لغيره من الناس شفاعة وما حكم شفاعة أحد لغيره من الناس فى الدنيا؟

الجواب
الشفاعة هى التوسط لنيل مرغوب أو دفع مكروه، وهى مأخوذة من الشفع وهو الزوج فى العدد، ومنه الشفيع، لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعا، ويقال: ناقة شفيع إذا اجتمع بها حمل وولد يتبعها، والشفيع من الناس من يتوسط لغيره، والشفيع من العمل ما يوصل إلى المطلوب، والمستشفع - بكسر الفاء-هو الطالب للشيء عن طريق الشفيع، والمستشفع لديه هو من يملك تحقيق المطلوب، والمشفع - بفتح الفاء-من قبلت شفاعته ووساطته.
والإنسان قد يتشفع بعمله الصالح إلى الشخص ليحقق له غرضه المشروع، ولا مانع من ذلك فى الطلب والإجابة، ففى الحديث "من أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافيتموه " رواه أبو داود والنسائى واللفظ له، وفى رواية للطبرانى "من اصطنع إليكم معروفا فجازوه، فإن عجزتم عن مجازاته فادعوا له حتى تعلموا أن قد شكرتم فإن الله شاكر يحب الشاكرين " ومنه قوله تعالى فى بر الوالدين {وقل ربِّ ارحمهما كما ربيانى صغيرا} الإسراء: 24.
وقد يتشفع بعمله الصالح إلى الله تعالى، وهو فى الفرائض واجب، وفى المندوب سنة، ومنه قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون} المائدة:35، وفى الحديث الصحيح دعاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار أن يكشف الله عنهم بالأعمال الصالحة التى قبلها منهم وهى:
بر الوالدين والعفة عن الفاحشة وعدم أكل حق الغير.
وقد يتشفع بإنسان له منزلة عند من يملك تحقيق غرضه ولا مانع من ذلك ما دام الغرض مشروعا، بل قيام الشفيع بذلك مندوب إليه، فهو من باب التعاون على البر والتقوى، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} النساء: 85وقوله صلى الله عليه وسلم "ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته "رواه البخارى ومسلم، وقوله:
"اشفعوا تؤجروا ويقضى الله على لسان نبيه ما أحب، أو ما شاء" رواه البخارى ومسلم، ومن النهى عن الشفاعة غير المشروعية عدم قبول الرسول صلى الله عليه وسلم شفاعة أسامة بن زيد فى عدم إقامة حد السرقة على المرأة المخزومية كما رواه البخارى ومسلم، يقول الحسن البصرى فى تفسير الآية السابقة: الحسنة ما يجوز فى الدين، والسيئة ما لا يجوز فيه، ومما جاء فى ثواب الشفاعة الحسنة قوله صلى الله عليه وسلم "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل " رواه مسلم.
والكِفْل يستعمل فى النصيب من الخير والشر، قال تعالى {يؤتكم كفلين من رحمته} الحديد: 28،والشافع يؤجر فيما يجوز وإن لم يشفَّع -يعنى لم تقبل شفاعته -لأن الله قال {من يَشْفَع} ولم يقل: يُشَفَّع.
هذه هى الشفاعة فى الدنيا، أما الشفاعة فى الآخرة فهى ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع وقبولها تكريم لمن قام بها، ولا يقوم بها أحد إلا بإذنه سبحانه، قال تعالى {من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه} البقرة:255، وقال تعالى: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا} طه: 109،وقال فى شأن الملائكة {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} الأنبياء: 28،والأحاديث فى ذلك كثيرة سيأتى بعضها.
ومن يأذن الله لهم بالشفاعة كثيرون، ورب العزة سبحانه له شفاعته، ففى صحيح مسلم أن الشافعين يدخلون النار ليخرجوا منها أناسا استوجبوا العذاب، وأن الله يقول: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، أى فحما، الواحدة حممة-بفتح الحاء -وذكر القرطبى فى تفسيره "ج 10 ص 310" أحاديث أخرى توضح كيف تكون الشفاعة.
ولا يقال فى هذا الحديث: كيف يدخل الشافعون النار ليخرجوا منها أناسا، فذلك دخول ليس للعذاب، فيسلب الله منها خاصية الإحراق لهم كما قال للنار التى أعدها الكفار لإحراق إبراهيم عليه السلام {يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم} الأنبياء:28،مع العلم بأن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا، والله على كل شيء قدير.
وممن يأذن الله لهم بالشفاعة من يأتى:
1 -الملائكة، بدليل الآية السابقة من سورة الأنبياء وحديث مسلم السابق، وحديث ابن مسعود الآتى.
2 - الأنبياء: بدليل حديث مسلم السابق، وحديث ابن مسعود الآتى، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. .
3-الصديقون والشهداء، لحديث البيهقى عن ابن مسعود مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم "يشفع نبيكم رابع أربعة، جبريل ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نبيكم، ولا يشفع أحد فى أكثر مما يشفع فيه نبيكم، ثم الملائكة ثم الشهداء " وأخرج الترمذى والحاكم وصححه البيهقى حديث "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتى أكثر من بنى تميم " قالوا: سواك يا رسول الله قال "سواى " وأخرج البيهقى أيضا هذا الحديث "يقال للرجل: يا فلان قم فاشفع، فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت والرجل والرجلين على قدر عمله ".
4 - الصالحون الذين يصنعون المعروف للناس، فقد أخرج مسلم حديثا طويلاً عن شفاعة المؤمنين لإخوانهم الذين استوجبوا النار، وجاء فى شرح ذلك أن شفاعة المؤمنين هى لمن دخل النار، فيأمر الله الشفعاء بإخراجهم، أو لمن استوجب النار ولم يدخلها بعد حيث يكون فى الصف المستعد لدخولها، كما جاء فى حديث ابن ماجه من شفاعة رجل فى الصف الطيب لآخر فى الصف الثانى سقاه أو قضى له حاجة فى الدنيا، كما ذكره القرطبى فى تفسير آية الكرسى.
5 - حفاظ القرآن العاملون به، فقد أخرج الترمذى وابن ماجه عن على رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن فاستظهره وأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه فى عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار".
6 - الأطفال الذين ماتوا ولم يبلغوا الحنث يعنى حد التكليف، فقد روى النسائى بإسناد جيد "أن الأطفال يقفون يوم القيامة فيقال لهم ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم " وتؤيده أحاديث صحيحة رواها مسلم وغيره فيمن دفنت ثلاثة أنها احتظرت بحظار شديد من النار.
هذا والشفاعة حق كما ذهب إليه أهل السنة، وأنكرها المعتزلة الذين يقولون بخلود المؤمنين العاصين فى النار، وأما قوله تعالى {ما للظالمين من حميم ولاشفيع يطاع} غافر:18،فالمراد بهم الكافرون، وأجمع المفسرون على أن آية {لا تجزى نفس عن نفس شيئا} البقرة:48، 23 1،هى فى النفس الكافرة.
شفاعات النبى صلى الله عليه وسلم:
لا شك أن النبى شفيع الخلائق يوم القيامة بشفاعة كبرى وهى المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون والأخرون، فهو أعظم الشفعاء قدرا وأعظمهم جاها عند الله سبحانه، وقد قال تعالى فى موسى عليه السلام {وكان عند الله وجيها} الأحزاب: 69، وعن المسيح عليه السلام {وجيها فى الدنيا والاَخرة} آل عمران: 45.
وهذه الشفاعة ينتفع بها كل أهل الموقف من المسلمين ومن غيرهم، كما ورد فى الحديث المتفق عليه، وذلك لتخفيف هول الموقف وبدء الحساب بعد أن يطلب أهل الموقف الشفاعة من آدم ونوح وإبراهيم وعيسى فلا يجابون، ويقبلها الرسول صلى الله عليه وسلم ويسجد تحت العرش ثم يناديه ربه: ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيقول:
يا رب أمتى، فيستجيب الله ويخف الهول ويبدأ الحساب، وفى الحديث المتفق عليه "لكل نبى دعوة مستجابة، وقد ادخرت دعوتى لأمتى يوم القيامة ".
وهناك شفاعات أخرى له صلى الله عليه وسلم لا يستفيد منها الكافرون والمنافقون إذا ماتوا على كفرهم ونفاقهم، لأن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن شاء، ومغفرته لمن يشاء إما بدون شفاعة أحد تفضلا منه ورحمة، وإما بشفاعة غيره ممن أذن الله لهم بها.
ومن الأدلة على حرمان الكافرين والمنافقين من شفاعته صلى الله عليه وسلم:
1 - قوله تعالى قى الكفار {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} المدثر: 48.
2 - قوله تعالى فى أبى طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} التوبة: 113.
3- قوله صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء: 214،حيث نادى قومه أن ينقذوا أنفسهم من النار، فإنه لا يغنى عنهم من الله شيئا رواه مسلم.
4 - حديثه فى أن الله لم يأذن له أن يستغفر لأمه، وأذن له فى زيارة قبرها فقط كما رواه مسلم.
5 - حديثه فى عتاب إبراهيم عليه السلام لأبيه يوم القيامة على عصيانه وأن الله لم يحقق له دعاءه كما رواه البخارى، وهو {ولا تخزنى يوم يبعثون} الشعراء: 87،.
والكفار درجات متفاوتة فى الكفر، وبالتالى متفاوتون فى نوع العذاب فى النار، وإن كانوا مخلدين فيها، وإذا كانت للأنبياء شفاعة فيهم فهى للتخفيف من العذاب لا من النجاة منه.
فإذا كان فى الكفار من خف كفره بسيب من الأسباب كنصرته للرسول ومعونته فإن شفاعته تنفعه فى تخفيف العذاب عنه كما جاء فى البخارى ومسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه قال قلت: يا رسول الله، فهل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ .
قال: " نعم هو فى ضحضاح من نار لولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار" وفى لفظ "نعم وجدته فى غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح " وفى رواية "إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين من نار ".
أما شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أو دعاؤه لهم فهو نافع باتفاق المسلمين،سواء فى ذلك شفاعته لأهل الذنوب حتى لا يعاقبهم الله عليها أو حتى يخفف العقوبة عنهم، وكذلك شفاعته لغير المذنبين بزيادة الحسنات ورفع الدرجات.
يقول القاضى عياض: شفاعات النبى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة خمس الأولى العامة، وهى المقام المحمود، والثانية فى إدخال الجنة بغير حساب، والثالثة فى قوم استوجبوا النار بذنوبهم، فيشفع لهم حتى لا يدخلوها، وقد أنكرها الخوارج والمعتزلة. والرابعة فيمن دخل النار من المذنبين، فيخرجون بشفاعته وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين كالشفاعة السابقة، والخامسة فى زيادة الدرجات فى الجنة لأهلها، وهذه لا تنكرها المعتزلة، كما لا تنكر الشفاعة العظمى "تفسير القرطبى ج 10 ص 310".
هذا وهناك شفاعات كثيرة للنبى صلى الله عليه وسلم أوصلها بعضهم إلى ثلاث عشرة بعضها مؤيد بأحاديث صحيحة، وهذا القدر كله يؤيد ثبوت الشفاعة له عليه الصلاة والسلام ويمكن الرجوع فى ذلك إلى شرح الزرقانى للمواهب اللدنية "ج 8 ص365 وما بعدها"
(8/104)
________________________________________
المقام المحمود

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قال تعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وفى بعض الأحاديث "وابعثه اللهم المقام المحمود الذى وعدته " فهل التعبير فى الحديث مخالف من جهة اللغة لتعبير القرآن بقوله "مقاما"؟

الجواب
قال تعالى {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} الإسراء: 79،وجاء فى حديث البخارى وأصحاب السنن "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته حلت له شفاعتى يوم القيامة " فتعبير الحديث هنا متفق مع تعبير القرآن فى أن كلمة "مقاما" منكَّرة وليست معرَّفة.
لكن جاء فى رواية النسائى بلفظ " المقام المحمود" فالحديث يروى بالوجهين: التنكير والتعريف.
قال العلماء فى رواية "مقاما" إنه نصب على الظرفية، أى: وابعثه يوم القيامة فأقمه فى مقام محمود، أو على أنه مفعول به ضُمِّن معنى ابعثه أقِمْه، والأولى أنه مفعول مطلق ويجوز أن يكون حالا بعد حال، أى ابعثه ذا مقام عظيم، قال الطيبى: وإنما نكره لأنه أفخم وأجزل كأنه قيل: مقاما وأى مقام. أى مقاما محمودًا بكل لسان تكلُ عن أوصافه ألسنة الحامدين، وقال النووى: إن الرواية ثبتت بالتنكير، كأنها حكاية للفظ القرآن. "فتح البارى ج 2 ص 113 ".
ومن هنا لا يجوز لأحد أن يقول: إن رواية "مقاما" خطأ 0
(8/105)
________________________________________
زيارة قبر الرسول

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يحرم السفر لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم؟

الجواب
زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم، أو على الأصح زيارته فى قبره، على رأس زيارة القبور استحبابا. وقد عقد القسطلانى فى المواهب اللدنية فصلا خاصا بها، كما عقد الشيخ السمهودى فى كتابه " وفاء الوفا " فصلا خاصا بها أيضا، أورد فيه أحاديث كثيرة قال الذهبى عنها: طرقها لينة يقوى بعضها بعضا، وليس فى رواتها متهم بالكذب.
نقل القاضى عياض أن السفر بقصد الزيارة غايته مسجد المدينة لمجاورته القبر الشريف، وقصد الزائر الحلول فيه لتعظيم من حل بتلك البقعة، كما لو كان حيا، وليس القصد تعظيم بقعة القبر لعينها بل من حل فيها.
إن زيارته صلى الله عليه وسلم زيارة لمسجده الذى ورد فى فضله قوله: " صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " وزيارة قبور الأنبياء والصالحين بما فيها من التبرك إلى جانب ما ذكر، مستحبة كما قال الإمام الغزالى فى كتابه " الإحياء " والتبرك فى حد ذاته غير ممنوع، ولكن قد تكون له مظاهر لا يوافق عليها الدين، منها:
1 - الطواف حول القبر، وهو مكروه لما فيه من التشبه بالطواف حول البيت الحرام.
2 - التمسح بالقبر وتقبيله للتبرك، فقد قال فيه الإمام الغزالى:
وليس من السنة أن يمس الجدار ولا أن يقبله، بل الوقوف من بعد أقرب إلى الاحترام. وعن أحمد بن حنبل فى ذلك روايتان. ففى " خلاصة الوفا " ما نصه:
وفى كتاب العلل والسؤالات لعبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبى عن الرجل يمس قبر النبى صلى الله عليه وسلم يتبرك به ويقبله ويفعل بالمنبر مثل ذلك، رجاء ثواب الله تعالى، فقال: لا بأس به. قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبى عبد الله -يعنى أحمد بن حبل -: قبر النبى صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ فقال: ما أعرف هذا. ولعل رواية الجواز خاصة بالتبرك بالمنبر لا بالقبر، فقد جاء فى " الإحياء " للغزالى عن التبرك بالآثار النبوية:
ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده عليها عند الخطبة. وجاء عن أحمد بن حنبل منقولا عن ابن عمر قال ابن تيمية فى كتابه "الصراط المستقيم ":
ورخص أحمد وغيره فى التمسح بالمنبر والرمانة التى هى موضع مقعد النبى صلى الله عليه وسلم ويده ولم يرخص فى التمسح بقبره، وقد حكى بعض أصحابنا رواية عنه فى مسح قبره، لأن أحمد شيع بعض الموتى فوضع يده على قبر يدعو له، والفرق بين الموضعين ظاهر. وصح فى البخارى أن عبد الله بن سلام كان يتبرك بالقدح الذى شرب منه النبى @ وبالمكان الذى صلى فيه.
3 - الدعاء عند القبر، وهذا الدعاء يجب أن يكون الاتجاه فيه إلى الله تعالى، لأنه هو وحده الذى يملك النفع والضر، ولا يجوز الاتجاه به إلى صاحب القبر مهما كانت منزلته، أما التوسل والاستشفاع به عند الله فقد مر بيان حكمه.
ودعاء الله عند زيارة هذه الأضرحة قال جماعة: إنه أرجى للقبول، لما يصاحبه من روحانية يحس بها الداعى وهو بجوار رجل صالح يحبه ويحترمه، وقال آخرون: ليس للدعاء عنده ميزة على الدعاء فى غير هذا المكان. ومن هولاء ابن تيمية حيث قال: إن قصد القبور للدعاء عندها ورجاء الإجابة بالدعاء هناك رجاء أكثر من رجائها فى غير هذا الموطن أمر لم يشرعه الله ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحاب ولا التابعين، ولا من أئمة المسلمين، ولا ذكره أحد من العلماء الصالحين المتقدمين انتهى. لكن ليس هذا الكلام دليلا على منعه، وقد تكون هناك وجهة للمنع وهى الاحتياط وسد الذريعة لدعاء صاحب القبر بدل دعاء الله أو معه.
هذا، وفى الدعاء عند زيارة النبى صلى الله عليه وسلم فى قبره أثيرت مسألة الجهة التى يتجه إليها الداعى، هل هى قبلة الصلاة أو هى القبر الشريف؟ روى القاضى عياض فى كتابه "الشفا فى التعرف بحقوق المصطفى " ما جاء عن الإمام مالك بن أنس لما ناظره أبو جعفر المنصور فى المسجد النبوى، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك فى هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوما فقال {لا ترفعوا أصواتكم فون صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} الحجرات: 2، ومدح قوما فقال {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم} الحجرات: 3،. وذم قوما فقال {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} الحجرات: 4. وإن حرمته ميتا كحرمته حيا. فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال:
ولمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله، قال الله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللَّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} النساء: 64.
وابن تيمية يكذب هذه الرواية. ورد الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية للقسطلانى على ابن تيمية بأنها مروية عن ثقات ليس فيهم وضَّاع ولا كذاب، ثم يرد عليه ما ادعاه من كراهية مالك لاستقبال قبر النبى صلى الله عليه وسلم عند الدعاء بأن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر واستقباله، مع مس القبر بيده. ويقول: وإلى هذا ذهب الشافعى والجمهور، ونقل عن أبى حنيفة. قال ابن الهمام: وما نقل عنه أنه يستقبل القبلة مردود بما روى عن ابن عمر: من السنة أن يستقبل القبر المكرم، ويجعل ظهره للقبلة، وهو الصحيح من مذهب أبى حنيفة، وقول الكرمانى: مذهبه خلافه ليس بشىء، لأنه حى، ومن بأتى الحى إنما يتوجه إليه. وصرح النووى فى كتابه "الأذكار " بذلك. وقد أشير إلى شىء من ذلك فى موضع التوسل، من هذا البيان.
هذا، ومع استحباب زيارة قبور الأنبياء والصالحين يجب التنبه إلى ما جاء من النهى عن اتخاذها مساجد وعيدا، فقد وردت فى ذلك نصوص كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". وقوله " اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وقوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تتخذوا قبرى عيدا، وصلوا علىَّ، فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم ".
واتخاذ القبور مساجد يعنى التوجه بالعبادة اليها وإلى من فيها، وذلك شي لي، فالعبادة لله وحده، وهو معنى جعل القبر وثنا يعبد.
والمراد بالمسجد هنا موضع العبادة بالصلاة وغيرها، واتخاذها عيدا يقصد به التقرب إلى الله عندها فى المواسم وفى مواعيد معينة شأن الأعياد فى ذلك.
وقال جماعة: إن هذا الحديث ينهى عن التقصير فى قبره وهجره وعدم زيارته إلا فى مواسم كالأعياد، فهو يحث على مداومة زيارتها. هذه وجهات نظر مختلفة فى فهم الحديث.
جاء فى " خلاصة الوفا للسمهودى ": أن هذا الحديث قيل عندما رأى رواية الحسن بن الحسن أو على بن الحسين -رجلا يحرص كل يوم على زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم ويبالغ فى الدنو منه، وقد كره مالك ذلك ممن لم يقدم من سفر، وجاء فيه أيضا: قال الحافظ المنذرى فى حديث " لا تجعلوا قبرى عيدا " يحتمل أن يكون حثا على كثرة الزيارة وألا يهمل حتى لا يزار إلا فى بعض الأوقات كالعيد ويؤيده قوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " أى لا تتركوا الصلاة فيها. قال السبكى: ويحتمل أن يكون المراد: لا تتخذوا له وقتا مخصوصا لا تكون الزيارة إلا فيه، أو لا يتخذ كالعيد فى العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع وغيره مما يعمل فى الأعياد، بل لا يؤتى إلا للزيارة والسلام، ثم ينصرف عنه.
ومهما يكن من شىء فإن اتخاذ قبور الأنبياء ومثلهم الصالحون للتقرب هو لصلتها بمن فيها والتبرك بهم -كما قدمنا-وإن كانت العبادة لله وحده، وكان بعض الصحابة كعبد الله ابن أم مكتوم يحرص أن يصلى النبى @ فى بيته ليتخذه مسجدا، وابن عمر كان يتتبع مواضعه عليه الصلاة والسلام وآثاره، جاء فى صحيح البخارى عن موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق ويصلى فيها، ويحدث أن أباه - عبد الله بن عمر- كان يصلى فيها، وأنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى تلك الأمكنة. قال موسى: وحدثنى نافع أن ابن عمر كان يصلى فى تلك الأمكنة. وقد رخص أحمد ابن حنبل فى ذلك -كما قال ابن تيمية-ولكن كره أن يتخذ ذلك عيدا للناس يعتادونه، استنادا إلى ما روى أن عمر رأى جماعة ابتدروا مكانا يصلون فيه لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيه، فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا، من عرضت له الصلاة فيه فليصل، ومن لم تعرض له الصلاة فليمض. فقد نهى عن التزام ذلك واتخاذه موسما يعتادونه، أما القليل العارض غير المقصود فلا بأس والتبرك فى حدوده المعقولة-كما قلنا -لا مانع منه، فقد كان الصحابة يتبركون بآثار النبى صلى الله عليه وسلم، جاء فى صحيح البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما فى يده من الورِق - الفضة-ثم كان فى يد أبى بكر بعده، ثم كان فى يد عمر، ثم كان فى يد عثمان حتى وقع فى بئر "أريس "، وكان نقشه " محمد رسول الله " وفى بعض الروايات أنه مكث فى يد عثمان ست سنوات، واجتهدوا فى العثور عليه فى البئر فلم يفلحوا. وبئر " أريس " بجوار مسجد قباء ويعرف باسم "بئر الخاتم ".
وجاء فى البخارى أيضا أن الزبير بن العوام كانت له عنزة طعن بها عبيدة بن سعيد بن العاص يوم بدر، فسأله النبى صلى الله عليه وسلم إياها، فأعطاها له، ولما قبض أخذها، ثم سألها إياه أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان وعلى.
والعنزه كالحربة.
وكذلك جاء فى البخارى أن عمر رضى الله عنه لم يقطع الشجرة التى كانت عندها بيعة الرضوان إلا لاختلاف الناس بعدها فيها وفى مكانها.
تكمله: -جاء فى فتوى الشيخ عبد المجيد سليم بتاريخ 22 من يونية سنة 1940 ما ملخصه: أن ابن تيمية منع دفن الميت فى المسجد وقال فى إحدى فتاويه: إنه لا يجوز دفن ميت فى مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غير، إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديدا، والعلة فى المنع هى عدم اتخاذه ذريعة للصلاة إلى القبر.
وجاء عن ابن القيم فى "زاد المعاد ": أن الإمام أحمد وغيره نص على أنه إذا دفن الميت فى المسجد نبش، وقال ابن تيمية: لا يجتمع فى دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق.
وقال النووى فى شرح المهذب: اتفقت نصوص الشافعى والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره، لعموم الأحاديث، قال الشافعى والأصحاب: وتكره الصلاة إلى القبور، سواء كان الميت صالحا أو غيره قال الحافظ أبو موسى: قال الإمام الزعفرانى رحمه الله: ولا يصلى إلى قبر ولا عنده تبركا به ولا إعظاما له، للأحاديث انتهى.
وأعدل الأقوال أن الصلاة إذا كانت تعظيما للقبر فهى حرام وباطلة لأن ذلك شرك، أما إذا خلت من التعظيم فهى صحيحة مع الكراهة إن كان القبر أمام المصلى، أما إن كان خلفه أو عن يمينه أو عن يساره فلا كراهة
(8/106)
________________________________________
صلاة النبى بالأنبياء فى المسجد الأقصى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى قصة الإسراء والمعراج أن النبى صلى الله عليه وسلم، صلى جماعة بالأنبياء فى المسجد الأقصى قبل العروج إلى السماء، فما هى هذه الصلاة مع أنها لم تكن قد فرضت بعد؟

الجواب
ثبت فى صحيح مسلم من طريق ثابت البنانى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى ليلة الإسراء ببيت المقدس ركعتين، كما ثبت أنه صلى بالأنبياء إماما، أى بعد صلاة الركعتين، وأنكر حذيفة بن اليمان صلاته عليه الصلاة والسلام ببيت المقدس، محتجا بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه كما كتب عليكم الصلاة فى البيت العتيق، ولكن تعقبه البيهقى وابن كثير بأن المثبت - وهم جمهور الصحابة - مقدم على النافى.
يقول القسطلانى فى كتابه " المواهب اللدنية " وشرحه للزرقانى:
وقد اختلف فى هذه الصلاة، هل هى فرض أو نفل قال بعض العلماء إنها فرض، بناء على ما قاله النعمانى، وقال بعض: إنها نفل، وإذا قلنا: إنها فرض، فأى صلاة هى؟ قال بعضهم الأقرب أنها الصبح، ويحتمل أن تكون العشاء، وإنما يتأتى على قول من قال إنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم قبل عروجه إلى السماء، وفى النعمانى: إنما يتأتى على أن الإسراء من أول الليل، لكن قال بعض رواة حديث الإسراء: إنه بعد صلاة العشاء، وأما على قول من قال: صلى بهم بعد العروج فتكون الصبح. والاحتمالان، كما قال الشامى، ليسا بشىء، سواء قلنا صلى بهم قبل العروج أم بعده. لأن أول صلاة صلاها النبى صلى الله عليه وسلم من الخمس مطلقا الظهر بمكة باتفاق، ومن حمل الأولية على مكة فعليه الدليل، قال: والذى يظهر أنها كانت من النفل المطلق، أو كانت من الصلاة المفروضة عليه قبل ليلة الإسراء، وفى فتاوى النووى ما يؤيد الثانى. انتهى.
بعد هذا أقول: إن الصلاة كانت مفروضة قبل ليلة الإسراء، وكانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره، وأما التى فرضت ليلة الإسراء فهى كونها خمسة فروض بركعاتها المعروفة، وعليه: فيجوز أن تكون صلاة الرسول ببيت المقدس ركعتين تحية للمسجد، صلاهما وحده والتى صلاها إماما بالأنبياء يجوز أن تكون نافلة من صلاة الليل وقد كانت مشروعة له صلى الله عليه وسلم، وجاء فى بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام وجد الأنبياء يصلون عند دخوله المسجد، ولما حان وقت الصلاة أذن مؤذن ثم أقيمت وقدمه جبريل عليهم بعد أن تبين فضله من واقع ما أثنى به كل على نفسه، ولكن مثل هذه الروايات لا ينبغى التعويل عليها فى صورتها الجزئية، بعد أن كرم اللَّه رسوله وأخذ على الأنبياء الميثاق إن أدركوه أن يؤمنوا به وينصروه، ومهما يكن من شىء فالخلاف فى هذا الموضوع ليست له نتيجة عملية
(8/107)
________________________________________
آدم وحواء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ورد سؤال من عميد كلية التربية بالجامعة الإسلامية الحكومية في سومطرة الشمالية بإندونسيا سنة 1972 م يقول: ظهر كتاب حديث في إندونسيا بعنوان "القرآن وتاريخ الإنسانية " قرر فيه مؤلفه بإسهاب أن أول الإنسان هو أنثى لا رجل وأن أهل الأديان جميعا أخطأوا فى قولههم: إن أول البشر آدم، واستدل بأدلة عقلية وعملية، مستأنسا بقوله {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفًا فمرت به} ويسأل:
1 - هل يجب الاعتقاد بأن أول البشر هو آدم عليه السلام، وما حكم من قال: إن أول البشر على الإطلاق أنثى لا رجل؟ .
2-هل يوجد من علماء المسلمين سلفا وخلفا من يقول بأن أول البشر على الإطلاق أنثى لا رجل؟

الجواب
اعلم أن القرآن لم ينزل ليعلم الناس حقائق علمية في المجالات المختلفة، ولكنه نزل للإعجاز والهداية، يحدد ما يجب تحديده كالعقائد والعبادات، ويضع أصولا كلية وأوامر عامة فيما يختلف باختلاف البيئات والعصور، غير أنه إذا وردت فيه مسائل علمية بقصد الإعجاز والهداية فإنها حق لا شك فيه حتى لو لم يفهمهما الناس، فإن جهلها لا يضر، أو أن الزمن كفيل ببيان المراد منها عندما تكتمل أدوات المعرفة.
وقد نصح العلماء بعدم الإسراع لربط المكتشفات الحديثة بالقرآن، فقد تكون هذه المكتشفات ما تزال في طور النظرية القابلة للتغيير، فلا ينبغي أن تحمل عليها آيات القران حملا قد يكون فيه تعسف -، وقد يضر بتقدير الناس للقرآن عندما يتبين أن هذه النظريات خطأ.
وتاريخ الإنسانية الذي يشير إليه عنوان الكتاب ومحاولة معرفته عن طريق القرآن ليس من المسائل الجوهرية في الدين، فلم يكلفنا الله بمعرفته ولم يوجب علينا اعتقاد ما ليس فيه نص عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
ومهما يكن من شيء فإليك ما يأتي خاصا بهذا الموضوع.
1 - سيدنا آدم هو الخليفة في الأرض قال تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} البقرة: 30، فالملائكة لم تكن تعرفه من قبل، وكانوا يظنون أنه سيفسد كما أفسد من قبله، ولن يكون على مثالهم هم من الطهر ودوام الطاعة للَّه، فهو خلق جديد عليهم.
2 - خلق آدم من تراب مبلل بالماء فصار طينا، ولحث أمر اللَّه الملائكة بالسجود له امتنع إبليس، قال تعالى {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرًا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين} ص: 71- 74، وقد برر إبليس امتناعه عن السجود بقوله {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} ص: 76، فآدم خلق غير معروف من قبل للملائكة ولإبليس، فهو جديد عليهم ليس له مثال سابق.
3- إن البشر جميعًا منسوبون لأصلهم الأول وهو آدم، قال تعالى {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} الأعراف: 27، فآدم أول المخلوقات البشرية.
4 -إن اللَّه خلق من نفس آدم - أي مادته وهي التراب، أو من جسده بعد أن سواه ونفخ فيه الروح وهذا لم يدل عليه دليل قاطع -خلق من نفس آدم زوجها ليسكن إليها ويأنس بها وهي حواء، قال تعالى {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} الأعراف: 189.
والنفس المذكورة هي آدم، ولفظ النفس مؤنث وإن كان معناه قد يكون مذكرًا، فهو يطلق على الذكر والأنثى، مثل لفظ شخص يصلح لإطلاقه على كلا النوعين، ولفظ الزوج يطلق على الرجل والمرأة فيقال: علي زوج فاطمة، وفاطمة زوج علي، وهما زوجان، والمراد بالزوج في هذه الآية حواء الأنثى قال تعالى {واللَّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} النحل: 72، فالخطاب لبني آدم الذكور، والمنة عليهم بأن جعل اللَّه لهم من أنفسهم زوجات نساء، ومن هؤلاء الزوجات يأتي البنون والحفدة، فالرجال هم الأصل والنساء تبع لهم.
5 -خلق اللَّه آدم أولا ثم خلق حواء، قال تعالى {خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها} الزمر: 6، فالتعبير بلفظ "ثم " يفيد الترتيب في الزمن أو الرتبة، وهو على كل حال يفيد سبق آدم لحواء، ووجه اللَّه الخطاب في القرآن لآدم وجعل حواء زوجه تبعًا له، وهو يشعر بتقدم آدم عليها. قال تعالى {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} البقرة: 35، وكما تشير إليه آية سورة النحل السابقة "بند 4 ".
6 - ضمير الخطاب والغيبة في الآيات المذكورة كلها مذكر وليس مؤنثًا فآدم ذكر وليس أنثى {اسكن أنت وزوجك الجنة} في ذا سوَّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} .
نخلص من هذا إلى حقيقتين أولاهما أن آدم هو أول البشر على الإطلاق وثانيهما أنه ذكر لا أنثى، واللغة العربية التى نزل بها القرآن هى التي أوصلتنا إلى هذا الاستنتاج ولم نجد فيما اطلعنا عليه أن أحدا من العلماء المسلمين قال غير ذلك، فصار إجماعًا مستندًا إلى ما ذكر من الأدلة.
وفي الختام أقول: إن محاولة التشكيك في أن أول البشر ذكر هو آدم ممهدة للقول بنظرية "داروين " في أصل الأنواع وفي النشوء والارتقاء التي تجوز أن آدم جاء نتيجة لتطورات خلقية سابقة، قد يكون مبدؤها أصلاً أنثويًا وجدت فيه الروح، فكان الكائن الحي الذي تطور إلى آدم البشر السوي، ومعروف أن نظرية "داروين " لم تسلم من النقد، ورفضها أكثر العلماء المحققين، لأنها تقوم على افتراضات غير ثابتة يقينًا.
ومع ذلك فقد قلت فيما سبق:إن المسألة ليست اعتقادية ولا تتوقف صحة الإيمان عليها، غير أن من خالف مواضعات اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم كان معرضا للانزلاق إلى استنباطات واهية ونتائج غير صحيحة قد تمس حقائق الدين المتفق عليها فيضل ويشقى. وهذا إلحاد في التفكير يخشى أن يندرج تحت قوله تعالى {إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} فصلت: 40
(8/108)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأربعاء 17 يناير 2024, 7:10 am

نوح وأرضه وعمره وزوجته

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء قوله تعالى على لسان النبي نوح {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} نوج:26، فلماذا قال نوح "الأرض " ولم يخص قومه الذين عصوه، وهل نوح هو الأب الثانى للبشر؟ وكم كان عمره، وكيف خانته زوجته؟

الجواب
كان العمران محدودًا في أيام نوح عليه السلاَم، ولعل الذين أرسل إليهم كانوا هم الذين يعيشون على الأرض في هذه المنطقة، فلما دعا عليهم ظن أو اعتقد أنه لا يوجد غيرهم على الأرض. وهم أيضًا قومه كما قال سبحانه {كذبت قوم نوح المرسلين} الشعراء: 105.
وقال بعض العلماء: إن الأرض المذكورة في دعاء سيدنا نوح قد يراد بها المنطقة التي أرسل فيها دون غيرها، فكلمة "ال " للعهد كما يقول علماء اللغة، وقالوا: إن الطوفان أهلك كل إنسان كافر، وعمرت الأرض بعد ذلك من سلالة المؤمنين الذين ركبوا السفبنة معه ونجوا من الغرق، وبهذا يقال:
إنه الأب الثاني للبشر بعد آدم عليه السلام وذلك ما نقل، عن ابن عباس من أن نوحًا هو آدم الأصغر، وأن جميع الخلائق الآن من نسله "تفسير القرطبي ج 9 ص 48 ".
أما عمر سيدنا نوح، فقد اختلفت فيه الأقوال عند تفسير قوله تعالى {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} العنكبوت: 14، فمن المؤكد أنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما، فهل هذه المدة هي كل عمره الذي عاشه من يوم ولادته إلى وفاته، أو هي التي عاشها في الدعوة ويضاف إليها السنوات التي قبلها، وهي حوالي أربعين سنة، حيث كان الرسل يبعثون في هذه السن، ثم يضاف إليها أيضًا المدة التي عاشها بعد الطوفان ولا يعلم كم هي؟ ليس هناك دليل قاطع على عمره، ولا داعي للانشغال به، فقد مات كما يموت كل حي، ولم يخلد في الدنيا على الرغم من عمره الطويل.
وفي تفسير القرطبي في سورة العنكبوت معرض لآراء كثيرة في عمر نوح ليس على أي واحد منها دليل صحيح، وأورد حديثًا بصيغة التمريض أي التضعيف أن عمره كان عند البعثة مائتين وخمسين سنة، وعاش بعد الطوفان مثلها، يضم إلى ذلك ما نص عليه القرآن وهو تسعمائة وخمسون سنة، فيكون المجموع ألف سنة وأربعمائة وخمسين سنة وكل ذلك -استنتاج لا دليل عليه.
أما زوجته فقد قال اللَّه فيها {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئًا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} التحريم: 10.
فما هي الخيانة التي صدرت من كل منهما مع أن كلا منهما زوجة نبي؟ .
أحسن ما قيل في خيانتهما أنها الكفر بالرسالة والتواطؤ مع الكفرة، وحاشا أن تكون الخيانة في العرض والشرف كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. والمستبعد أن تكون (عجوز) كما وصفها الله تخون لوطا بالفاحشة.
هذا، وكون زوجة نبي كافرة لا يقدح في عصمته هو ولا يمس شرفه، فكل امرئ بما كسب رهين، كما لا يضر المسلم أن تكون زوجته كتابية لا تؤمن بدينه
(8/109)
________________________________________
رفع عيسى عليه السلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل رفع عيسى عليه السلام حيا أو ميتا، وأين مدفنه؟

الجواب
جاء الحديث عن وفاة سيدنا عيسى ورفعه في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم: {إذ قال اللَّه يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلىَّ ومطهرك من الذين كفروا} آل عمران:55، {وما قتلوه يقينا بل رفعه اللَّه إليه} النساء: 157 -158، {فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم} المائدة: 117.
والآية الأخيرة في معرض كلام الله تعالى لعيسى يوم القيامة، ولا شك أن كل حي سيموت ويبعث بعد الموت، والآيتان الأخريان تؤكدان رفع عيسى إلى الله وأن اليهود لم يقتلوه ولم يصلبوه، وفي الآية الأولى منها أن الله متوفيه ورافعه، فالقدر المتفق عليه أن عيسى لم يقتل ولم يصلب وأن الله قد رفعه إليه وتوفاه، والخلاف هنا في نقطتين في معنى الرفع ومعنى الوفاة، وفي سبق أحدهما على الآخر.
أما النقطة الأولى:
فقيل في معنى الرفع: رفع مكانة ومنزلة بالنصر على الأعداء، وذلك قدر مشترك بين الأنبياء جميعًا لا يختص به عيسى، وقيل إنه رفع مكان، والمكان هو السماء، لأنه هو الذي يرفع إليه من الأرض التي كان يعيش عليها عيسى، لعل هذا المعنى يكون أرجح، لأن رفعه من الأرض إبطال لكيد من دبروا قتله فلا يمكنهم أن يخالوه.
وقيل في معنى الوفاة الموت الحقيقي لأنه هو الذي يتبادر إليه لفظ الموت، وقيل معناها النوم لأنه يسمى وفاة كما قال تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} الزمر: 42، وقال تعالى {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى} الأنعم:
60.
وقيل معناها توفية الأجل وإتمام المدة المقررة به في الدنيا.
وأما في النقطة الثانية:
فالعطف بين الوفاة والرفع هو بالواو، والعطف بها يفيد مطلق الجمع بينهما في الحصول دون ترتيب ولا تعقيب، فيا ترى أيهما كان السابق؟ قال بعض المفسرين: الرفع هو السابق والوفاة تكون بعد ذلك إما فى السماء وإما في آخر الحياة الدنيا فكل نفس ذائقة الموت.
وقيل: الوفاة هي السابقة على الرفع، بمعنى أن الله ألق عليه النوم ثم رفعه حتى لا يحصل له رعب وهو يرى نفسه محلقا في الأجواء العالية، أو بمعنى أن الله قبض روحه ثم رفعه ميتا، وقد يكون هذا المعنى بعيدًا لأمرين: أن الله نجاه من القتل فلماذا يميته وكلاهما ألم بإزهاق الروح وأنه سينزل آخر الزمان كما صح ذلك في الحديث المتفق عليه بين البخاري ومسلم "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا مقسطا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد" والقريب إلى التصور أن يكون في السماء حيا ثم ينزل إلى الأرض، لا أن يكون ميتا ثم يبعثه اللَّه بعد موته لينزل إلى الأرض [هناك كلام كثير في عمر عيسى عندما بعث، وعندما رفع، وكم يمكث بعد نزوله من السماء ويراجع في شرح الزرقاني على المواهب اللدنية "ج 1 ص 34، 35، وفى كتاب "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح " للشوكاني.
ومهما يكن من شيء فكلها احتمالات لا تتقرر بها عقيدة، فمن اختار أي رأي فلا حرج عليه، مع الاتفاق على أنه عليه السلام لم يقتل ولم يصلب وأن الله رفعه.
وكتب التفسير مملوءة بالمناقشات لترجيح بعض الآراء على بعض، وأرى أن نكتفى بالقدر المتفق عليه، ونوجه اهتمامنا إلى واقع حياتنا الذي يحتاج إلى بحث عميق وتفكير طويل.
هذا، وقد جاء في كتاب خلاصة الوفا للسمهودى ص 206 حديث رواه الترمذي عن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه عن جده قال:
مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه، وقال الترمذي:
حديث غريب. وفي بعض النسخ: حسن غريب. وروى الطبرانى أن عيسى يدفن مع الرسول وأبى بكر وعمر، وفي سنده عثمان ابن الضحاك بن عثمان، وثقه ابن حبان وضعفه أبو داود.
وجا في المشكاة عن كنز العمال عن عمرو بن العاص حديث إن عيسى بن مريم ينزل إلى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمسًا وأربعين سنة ثم يموت ويدفن معي في قبري أنا وعيسى بن مريم بين أبي بكر وعمر. وكلها أخبار لا تثبت بها عقيدة، وأرى عدم الاهتمام بها انظر بحث الشيخ جاد الحق فى كتابه "قضايا عصرية ج 5ص 329 "
(8/110)
________________________________________
حيوانات نطقت للنبى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين في الأخبار التي تقول إن بعض الحيوانات نطقت للنبى هـ صلى الله عليه وسلم؟

الجواب
من الحيوانات التي جاءت الأخبار بأنها نطقت للنبي صلى الله عليه وسلم ما يأتي:
1- الجمل: جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح، وفي مستدرك الحاكم عن عبد اللَّه بن جعفر أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل حائطا- حديقة - لبعض الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذرفت في عيناه، فمسح النبي سنامه، وفي رواية مسح ذفراه - والذفرى بالألف المقصورة، هو الموضع الذي يعرق منه البعير عند أذنه - فسكن، قال النبي لصاحب الجمل " إنه شكا إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه " أي تتعبه في العمل.
ورواه أحمد بإسناد جيد عن أنس، ورواه أحمد والحاكم والبيهقى بسند صحيح من طريق يعلى بن مرة الثقفي، كما روى مثله عن طريق جابر بسند ضعيف.
وروى الطبرانى عن جابر أن الجمل رغا على هامة النبي في غزوة ذات الرقاع وقال " إن هذا الجمل يستعديني على صاحبه " أي يشكو لي صاحبه، وروى الطبرانى في كتاب الدعوات عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة، فجاء أعرابي ومعه جمل، وجاء رجل كأنه حرسى، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا الأعرابي سرق بعيري هذا، فرغا البعير وحنَّ ساعة. فأنصت النبى، فلما فرغ قال للحرسي "انصرف فإن البعير يشهد عليك أنك كاذب " ورواها أيضًا عن عكرمة بسند ضعيف، كما روى ابن ماجه آن بعيرًا رغا ثلاث مرات على هامة النبيِّ، وكان النبي يؤمن في كل منها، ولما سئل عن ذلك قال "إن البعير كان يدعو له ".
من هذا يعلم أن الحديث لم يخرج في الصحيحين: البخاري ومسلم، وحكم بعضهم بصحة رواية أحمد وغيره، كما حكموا على الروايات للحادثة بالضعف في حوادث متشابهة، ومهما يكن من شيء فليس في هذه الروايات أن الجمل كلم النبي صلى الله عليه وسلم باللغة التي يفهمها الناس، وكل ما كان من الجمل هو الرغاء أي صوته العادي، وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم منه بفراسته أو بالإلهام من الله أنه يشكو وصدق على ذلك صاحب الجمل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجمل الآخر كان يدعو له.
وليس هناك ما يمنع عقلاً ولا شرعًا أن يلهم الله نبيه معرفة لغة الجمل ومقصده من رغائه، فقد ثبت أن داود وسليمان عليهما السلام كانا يعرفان منطق الطير، قال تعالى {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير} النمل: 16، وقال {قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكًا من قولها} النمل: 18، 19، وفى شأن الهدهد قال اللَّه {فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين} إلى أن قال {قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين} النمل: 22، 27.
ومع أن معرفة النبي للغة الجمل وقصده من رغائه غير ممنوعة عقلاً ولا شرعًا فإن الطرق التي رويت بها هذه الحوادث بعضها صحيح وبعضها ضعيف.
ومثل هذا لا تثبت به العقائد على ما قرره العلماء.
وعدم تصديقها لا يخرج المؤمن من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر.
2 - الحمار - ذكر ابن عساكر في تاريخه بسنده إلى أبي منصور:
لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أصاب حمارا أسود، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ما اسمك "؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حمار لا يركبها إلا نبي، وأخيرًا قال له النبي صلى الله عليه وسلم "أنت يعفور" وكان يركبه في حاجته، ويبعثه خلف من شاء من أصحابه فيأتي الباب فيقرعه برأسه فيعلم صاحب البيت أن النبي صلى الله عليه وسلم يستدعيه فيذهب إليه.
هذا الحديث قال فيه الحافظ أبو موسى المدينى: حديث منكر جدًا، إسنادًا ومتنا، لا يحل لأحد أن ينويه إلا مع كلامي عليه. ورواه أبو نعيم بمثله عن معاذ بن جبل، وهو مطعون فيه، وأخرجه ابن حبان في الضعفاء وقال: لا أصل له، وليس سنده بشيء وذكره ابن الجوزى في الموضوعات، وقال ابن حجر: إنه شديد الضعف.
3 - الجدى - قال إنه شهد بأن الرسول مرسل لأجل أن يؤمن أبو لهب بالنبي.
4- الثعبان - وهو الذي لدغ أبا بكر في الغار يقال إنه كلم النبي، ولم أر لهذين الخبرين أثر يعتمد عليه في كتب السنة والسيرة.
5 - الضب - وحديثه مشهور على الألسنة ورواه البيهقى في أحاديث كثيرة، لكنه حديث غريب ضعيف، قال الحافظ المِزى: لا يصح إسنادا ولا متنا، وذكره القاضي عياض فى "الشفاء" مرويا عند الطبرانى.
والبيهقى وشيخه ابن عدى كلهم عن ابن عمر، أن أعرابيًا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ضب وقال لا أومن بك حتى يؤمن هذا الضب، فناداه الرسول وسأله عن الله الذي يعبده وعن رسوله، وهو مطعون فيه بالضعف، وقيل: إنه موضوع، واختار القسطلانى أنه ضعيف لا موضوع.
6 -الغزالة- روى حديثها البيهقى من طرق، وضعفه جماعة من الأئمة، لكن له طرق يقوى بعضها بعضا فيكون حسنا لغيره، وذكره القاضي عياض في الشفاء بلا سند، وأبو نعيم بإسناد فيه مجاهيل وملخص الحادثه أن الرسول كان في صحراء فسمع هتاف الظبية التي صادها أعرابي وقيدها، وطلبت أن يفكها حتى ترضع أولادها وتعود فكان ذلك فأطلقها الأعرابي ونطقت بالشهادتين. ذكر السخاوى أن ابن كثير قال: لا أصل له، ومن نسبه إلى النبي فقد كذب.
7- الذئب - وقد شهد للرسول بالرسالة، وحكى قصته أبو هريرة وأنس بن مالك وابن عمر وأبو سعيد الخدرى، ورواها أحمد بإسناد جيد، والترمذى والحاكم وصححا الحديث. جاء فيها أن ذئبًا أخذ شاة فانتزعها الراعي منه فقال الذئب له: ألا تتقي اللَّه، تنزع رزقًا ساقه اللَّه لي، فعجب الراعي من كلام الذئب، فأخبره بأن الأعجب من ذلك أنك لا تؤمن بالرسول الذي ظهر في يثرب فذهب إليه الراعي وأسلم، وأمره الرسول بإعلان ما حدث من الذئب، ثم قال الرسول "صدق والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج الرجل من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله من بعله ".
وروى قصة الذئب البخاري في تاريخه وأبو نعيم في الدلائل، وإسناده ليس بالقوى ورواها البيهقى في الدلائل وسعيد بن منصور في سننه كما رواها البغوى وأحمد والبزار وغيرهما بسند صحيح عن أبي هريرة.
ذكر القسطلانى في المواهب وذكر الزرقانى في شرحها هذه الحوادث بتوضيح في الجزء الخامس من صفحة 145 - 151، وليس في أدلتها ما يوجب علينا تصديقها كعقيدة، وإن كان خرق العادات للأنبياء والأولياء جائزًا لكن لا يجوز أن ننسب إلى الرسول إلا ما وثقنا من صدقه حتى لا نقع تحت طائلة حديثه "من كذب علي متعمدًا فليتبؤا مقعده من النار" رواه البخاري ومسلم وما فصله به ربه من الأشياء الثابتة كثير، وكفى بالقراَن معجزة خالدة باقية تتحدى العالم كله إلى أن تقوم الساعة، وما حدث من الخوارق قد انتهى أثره
(8/111)
________________________________________
حديث ثلاثة من الجفاء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة من الجفاء: أن يمسح الرجل جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، وأن يبول قائما، وأن يسمع الأذان ولا يقول مثل ما يقول المؤذن " فما معنى الجفاء، وكيف يمسح الرجل جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة، وما الضرر من هذا؟

الجواب
هذا الحديث له عدة روايات، روى إحداها البزار من طريق بريدة بدون ذكر الأذان، وجاء بدله بالنفخ فى سجوده "نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 102 " ومعنى الجفاء ترك سنة النبى صلى الله عليه وسلم وهديه، وهو يدل على كراهة هذا الأمور، وقد ورد فى كل منها نصوص خاصة بها.
والنهي عن البول من قيام حكمته التحرز من تطايره وإصابه البدن أو الثوب بالنجاسة. وهو مكروه إلا لحاجة، وإجابة السامع للمؤذن لها فضل كبير، من تهاون فيها فاته ثواب عظيم، وأما مسح المصلي جبهته مما يعلق بها من تراب في السجود فقد كرهه السلف، وعللوه بأمور، منها أن يبقى أثر السجود على وجهه دليلاً على العبادة والتواضع للَّه ومنعًا من الكبر، وفي هذا رجاء قبول الصلاة، ومنها أن مسحه أثناء الصلاة فيه شغل للإنسان عن ربه وعدم تمكن من الخشوع.
وقد صحت أحاديث " النووي على مسلم ج 5ص 37 " تدل على كراهة مسح الحصا، على معنى أن يزيح المصلى الحصا من موضع سجوده ليسجد على التراب، وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مفروشًا به، وليس مفروشا بما نعهده اليوم. وعلل العلماء كراهته بأنه ينافى الخشوع، خصوصًا إذا كثر، ولهذا رخص في مسح حصاة واحدة تقليلاً للحركة وجاء في بعض الأحاديث "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصا" ذكره االشوكانى في نيل الأوطار "ج 2 ص 349" كما علل النهى عن مسح الحصا بأن كل حصاة تحب أن تحظى بالسجود عليها فلا تنبغى إزاحتها كما جاء مصرحا به فى بعض الروايات "المرجع السابق ص 350".
هذا وإذا كان مسح الحصا وتسوية الأرض قبل الدخول في الصلاة فلا بأس به
(8/112)
________________________________________
حديث " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين "

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل ما يردده كثير من الناس بقولهم " المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين حديث مروى عن النبى صلى الله عليه وسلم؟

الجواب
هذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري وسببه أنه أسر أبا عزقي الجمحى يوم بدر، فمن عليه وأطلقه، وعاهده ألا يحرض عليه ولا يهجوه، فلما لحق بقومه عادٍ إلى ما كان عليه من التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أحد، فطلب من الرسول أن يمن عليه، فلم يستجب له وقال هذا الحديث.
ومعناه أن المؤمن ينبغي أن يكون حذرا متيقظًا لا ينخدع بظواهر الناس، وبخاصة من يخالفه في العقيدة، فالنفاق له أهله الذين يجيدونه ويغرون به الناس، قال تعالى فيهم {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اللَّه واللَّه يعلم إنك لرسوله واللَّه يشهد إن المنافقين لكاذبون} المنافقون: 1،.
ولو فرض أن المؤمن أحسن الظن بالمنافق وخدع به مرة فلا ينبغي أن يخدع به مرة أخرى، كالذي أدخل إصبعه في جحر فلدغه ثعبان، لا ينبغي أن يدخل إصبعه فيه مرة أخرى.
وهذه دعوة للمؤمنين أن يكونوا على يقظة تامة فى تعاملهم مع الناس بوجه عام، ومع الأعداء بوجه خاص وتشتد الدعوة إلى اليقظة عند وجود الفتن والقلاقل، واللَّه يقول {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم} النساء:71.
والشاعر الحكيم يقول:
ومن رعى غنما في أرض مسبعة * ونام عنها تولى رعيها الأسد
(8/113)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس   فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 Emptyالأربعاء 17 يناير 2024, 8:44 am

حديث " الإناء يستغفر للاعقه "

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الحديث ما يقال "الإناء يستغفر للاعقه " وكيف يصح ذلك مع أنه من مستهجنات العصر؟

الجواب
1 -لعق الإناء جاء فيه حديث مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: " إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة " وجاء في رواية له عن أنس: وأمرنا أن نسلت القصعة، والسلت -كما فسره النووى- هو المسح وتتبع ما بقى في القصعة من الطعام " ج 13 ص 207 ".
وفي هذا الإرشاد تنظيف للقصعة وعدم ضياع شيء من الطعام، فلعق الصحفة التي يأكل منها جمع لا يكون باللسان منهم جميعًا، أو من أكثر من واحد، وهو متصور في الإناء الخاص الذي يأكل منه شخص واحد، ويكون اللعق بمعنى السلت بوساطة الأصابع، فيتتبع كل آكل بإصبعه ما توارى أو بقى من جوانب الصحفة، فيأخذه ويأكله. وهذا الأمر تعودوا عليه ولا يرون فيه بأسًا، وقد تعافه بعض النفوس.
والمهم هو تنفيذ المطلوب بالوسيلة التي يتواضع عليها الناس، فلا يبقى في الإناء طعام يلقى ويضيع، بل نحافظ عليه ونلتقطه من الإناء بالمعلقة أو بالشوكة أو السكين ونحو ذلك، ولهذا يندب أن يلتقط ما وقع من الطعام وينظف ويؤكل ولا يدعه للشيطان كما جاء في صحيح مسلم.
جاء في "الأوائل " للسيوطى أن أول من اتخذ الملعقة سيدنا إبراهيم الخليل "غذاء الألباب للسفارينى ج 2 ص 83".
2 -وأما استغفار الإناء للاعقه فالمراد منه أخيرًا الحث على نظافته وعدم ترك شيء فيه يعرض للضباع أو يسبب القذارة. وقد جاء في ذلك حديث رواه الترمذى وابن ماجه وأحمد والبغوى وغيرهم، وقال عنه الترمذى: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط في سلسلة الرواة، قالوا: هو المعلى بن راشد الذي رواه عن أم عاصم نبيشة، ورواه عنه كثيرون كما ذكر في تحفة الأحوذى شرح الترمذى "أسد الغابة رقم 5091 الزرقانى على المواهب ج 4 ص 342 " والحديث بلفظ "من أكل طعامًا في آنية ثم لحسها استغفرت له القصعة" قال الزرقانى: حقيقة وشكرا لفعله.
ولا مانع شرعا ولا عقلا أن يخلق اللَّه في الجماد تمييزًا ونطقا، ويؤيده رواية الديلمى "استغفرت له القصعة فتقول: اللهم أجره من النار كما أجارنى من لعق الشيطان " وقال هو كناية عن حصول المغفرة له ابتداء، لأنه لما كان حصول المغفرة بواسطة لحسها غفر له، ولما كانت المغفرة بسبب لحسها كأنها تطلب له الغفران.
هذا ما ورد ولا يجوز أن يعلق عليه بالاستنكار، فالعرف إذ ذاك كان يقبله والمهم هو المحافظة على المقصود منه، وهو النظافة والاقتصاد هذا وقد سئل بعض العلماء عن هذا الحديث وعن حديث "إذا أكلتم فأفضلوا فقال ما نصه: هذان حديثان لا أصل لهما "مجلة الإسلام - المجلد الرابع، العدد 36" وقد رأينا أن حديث لعق الإناء والاستغفار للاعقه ورد بطريق صحيح. أما حديث "إذا أكلتم فأفضلوا" فلم أعثر له على تخريج مقبول حتى الآن
(8/114)
________________________________________
حديث " أدبنى ربى "

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أدبنى ربى فاحسن تأديبى "؟

الجواب
مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكرمه ربه بمزايا كثيرة، كان بها قدوة حسنة، ومن هذه المزايا الأخلاق الكريمة التي شهد اللَّه له بها في قوله {وإنك لعلى خلق عظيم} القلم: 4، وكذلك فصاحة اللسان وبلاغة القول كما شهدت بذلك الآثار المروية عنه في جوامع الكلم.
والقول المسئول عنه وهو: " أدبني ربي فأحسن تأديبي " جاء بعده روايات ذكرها العسكري في كتابه " الأمثال " والسرقسطى في كتابه "الدلائل " والسيوطي في كتابه " الجامع الصغير " وابن السمعاني في " أدب الإملاء " وأبو نعيم الأصفهاني في تاريخ أصبهان.
ويؤخذ من مجموعها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ فقال: " كانت لغة إسماعيل قد درست - خفيت آثارها - فحفظنيها جبريل، فلذا كنت أفصح العرب " وأن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال له: يا نبي اللَّه نحن بنو أب واحد، ونشأنا في بلد واحد، وإنك لتكلم العرب بلسان ما نعرف أكثره، فقال " إن اللَّه عز وجل أدبني فأحسن تأديبي " ونشأت في بني سعد بن بكر وأن أبا بكبر رضي اللَّه عنه سأله مثل ذلك، فأجاب بما يقرب منه.
تدل هذه الروايات على أن تأديب الله لنبيه كان تأديبًا شاملاً -للسلوك واللغة، وذلك حق لا مرية فيه، وشرح ذلك يطول، وقد وضعت له كتب مخصوصة لكن على الرغم من صحة معنى الحديث فإنه بهذه الصيغة لم يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح عند أكثر علماء الحديث.
فرواية أبي نعيم عن عمر إسنادها ضعيف ورواية العسكرى عن على سندها ضعيف جدا كما يقول السخاوى، ورواية السرقسطى عن أبي بكر سندها واه شديد الضعف، وقال المناوي في فيض القدير على الجامع الصغير للسيوطي: إن ابن حجر حكم عليه بالغرابة في بعض فتاويه. وقال ابن تيمية: لا يعرف له سند ثابت. وقد وضح ذلك كله القسطلانى فى " المواهب اللدنية" وشرحه للزرقافي عند الكلام على فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم.
0 فمعنى الحديث صحيح، ولكن سنده ضعيف، وإن صححه أبو الفضل بن ناصر ونرجو أن نتنبه إلى الفرق بين صحة الكلام في حد ذاته وبين نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نؤمن بأن اللَّه أدبه أحسن تأديب، ولكن لا نثق في أن هذا الكلام صدر عنه، وقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من نسبة شيء إليه قولا أو فعلا أو وصفا فقال "من كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري ومسلم. ويستوى في حرمة الكذب عليه ما كان القصد منه حسنا وغير حسن
(8/115)
________________________________________

حديث " عبدى أطعنى تكن ربانيا "

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الحديث ما يقال "عبدي أطعني تكن ربانيا تقول للشىء كن فيكون "؟

الجواب
لم أجد هذا الكلام حديثا صحيحًا، وإن كان هناك ما يؤيد معناه مثل "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ... . .. ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه " رواه البخاري
(8/116)
________________________________________
حديث " لا تتخذوا الضيعة "

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى الحديث الذي يقول:"لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا "؟

الجواب
جاء في نهاية ابن الأثير "مادة ضيع أن الضيعة ما يؤخذ منها معاش الرجل كالصناعة والتجارة والزراعة وغير ذلك ومنه الحديث "أفشى اللَّه عليه ضيعته " أى أكثر عليه معاشه، ومنه حديث ابن مسعود "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا " وحديث حنظلة "عافسنا الأزواج والضيعات " أي المعايش.
وروى ابن ماجه وابن حبان وغيرهما قوله صلى الله عليه وسلم "من تكن الدنيا نيته جعل اللَّه فقره بين عينيه وشتت عليه ضيعته ولا يأتيه منها إلا ما كتب له ومن تكن الآخرة نيته جعل اللَّه غناه في قلبه وكفاه شيعته وأتته الدنيا وهي راغمة ".
يقول الحافظ المنذري في معنى"شتت عليه ضيعته "فرق عليه حاله وصناعته ومعاشه وما هو مهتم به، وشعَّبه عليه ليكثر كده ويعظم تعبه انتهى.
وليس المراد من ذلك التنفير من الحرفة والعمل والدعوة إلى الزهد والانقطاع إلى العبادة ولكن المراد عدم الاهتمام الزائد بها والاتكال الكامل عليها بحيث ينسى الإنسان ربه ويأمن عقابه، ومن باشر أي عمل مشروع بنية الآخرة كوسيلة للسعادة فيها-وبالتالي سيسعد في الدنيا-بارك اللَّه في عمله. أما من فتن بالعمل الدنيوي ونسى ربه وأخرته أتعبه اللَّه وأكثر همومه وحرمه القناعة التي هي من أهم أسباب السعادة
(8/117)
________________________________________
حديث " اعمل لدنياك "

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا "؟

الجواب
ليس هذا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم "ونسب إلى بعض الصحابة، ومعناه صحيح في بعض وجوهه، فهو يحث على التأني وعدم اللهفة والتسرع في أعمال الدنيا، ويحث على السرعة وعدم التسويف في أعمال الدين التي يثاب عليها في الآخرة، حتى لا يفاجئه الأجل قبل عملها
(8/118)
________________________________________
الصلاة على إبراهيم وآله

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نحن مسلمون على ملة إبراهيم، والصلاة كان أول نزولها على سيدنا محمد ليلة الإسراء، فما هي العبادة التي كان يتعبد بها إبراهيم، ولماذا ذكر اسمه في التحيات دون باقى الأنبياء؟

الجواب
إن الصلاة كتبت على الأنبياء السابقين كما كتبت على المسلمين، وكذلك الصيام والزكاة، كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} البقرة: 183، وقال تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيًا. وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيًّا} مريم: 54، 55، إلى غير ذلك من النصوص التي تبين عبادة الأنبياء السابقين ومنهم إبراهيم عليه السلام الذي قال الله على لسانه {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} إبراهيم:
40، إلا أن تفاصيل هذه العبادات لم تعرف كلها على وجه التأكيد، وليست هناك فائدة كبيرة في معرفتها، فلكل نبي ولكل أمة ما يناسبها {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} المائدة: 48.
ومن الصيغ التي وردت في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد في الصلاة، الصلاة الإبراهيمية التي يذكر فيها سيدنا إبراهيم، لأن إبراهيم أب لأكثر الأنبياء، فدينه أصل لهم يدعون إليه جميعًا، ويسيرون على نهجه، وقد قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا} النحل: 123، وقال تعالى {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا} الأنعام: 161.
كما أن اللَّه أنعم على إبراهيم آل بيته بالرحمة والبركات فقال {رحمة اللَّه وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} هود: 73، فنحن في صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم ندعو له بالرحمات والبركات كما رحم اللَّه أباه إبراهيم وباركه. ولا شيء في ذلك أبدًا.
وتفصيل ذلك موجود فى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 6 ص 340 "
(8/119)
________________________________________
قراءة الحديث بالتجويد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تجب قراءة الأحاديث النبوية بالأحكام التى تتبع فى قراءة القرآن الكريم؟

الجواب
قراءة القرآن الكريم لها حالتان، الحالة الأولى وهى الحد الأدنى فى الصحة أن يحافظ على نطق الحروف بإخراجها من مخارجها حتى لا تشتبه الزاى بالذال، أو الثاء بالسين مثلا، وأن يكون المد للمدود بالحد الأدنى الطبيعى الذى يتبين منه أن الحرف ممدود. وهذا الحد واجب.
والحالة الثانية هى التجويد والتحسين، بالمحافظة مثلا على الغُنَة والمدود الجائزة واللازمة وما جاء فى كتب التجويد، وهو أمر مستحب، وإن كان بعضهم أوجبه.
ولا تلزم هذه الأحكام الثانية فى قراءة الأحاديث النبوية، بل اللازم فيها هو المحافظة على مخارج الحروف حتى لا يشتبه بعضها ببعض فيختلف المعنى، وباختلاف المعنى يكون الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معروف. كالكذب على الله تعالى فى عدم التزام ما نزل به القرآن الكريم
(8/120)
________________________________________
فرعون وموسى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هو فرعون موسى؟

الجواب
ليكن معلوما أن لفظ " فرعون "يطلق على كل من ملك مصر من القدماء، مثل كسرى للفرس، وقيصر للروم، والنجاشى للحبشة، وفرعون موسى المذكور فى القرآن واحد منهم. قال المسعودى: لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية، وقال الجوهرى: كل عات فرعون والعتاة الفراعنة، وهو ذو فرعنة أى دهاء ومكر، وفى الحديث " أخذنا فرعون هذه الأمة، ذكره القرطبى " ج 1 ص 353 " وبخصوص فرعون موسى جاء فى مقال للمرحوم الشيخ فكرى ياسين نشر بمجلة الأزهر" المجَلد العاشر ص 303 " أن ما كتب قديما وحديثا يؤخذ منه أن موسى عليه السلام أدرك عهدى ملكين من ملوك الأسرة التاسعة عشرة، يقال للأول منهما " فرعون الاضطهاد " لأنه اضطهد بنى إسرائيل، ويقال للثانى: "فرعون الخروج " لأنهم خرجوا من مصر فى عهده.
وفرعون الاضطهاد هو رمسيس الثانى المعروف باسم " رمسيس الأكبر " وقد ولد موسى فى زمنه وتربى فى قصره، وكانت آثاره عظيمة أعجب بها من جاءوا بعده حتى سمى عشرة منهم باسمه، وكان قد بلغه ما هو مشهور يؤمئذ أن بنى إسرائيل سيخرج منهم غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه، فأمر بذبح أبنائهم كما نص عليه القرآن الكريم. ومات بعد أن حكم 67 سنة، ودفن بمقبرة " بيبان الملوك " ثم نقل إلى الأقصر، ثم إلى متحف بولاق، وأما فرعون الخروج فهو " منفتاح الأول، الابن الثالث عشر لرمسيس الأكبر، وقد أشركه أبوه معه فى الحكم قبل وفاته، وعاصر موسى وهو يتربى فى بيت أبيه، وكان مولعا بتشييد المبانى كأبيه، وكان يمحو أسماء الملوك من الآثار لينقش اسمه مكانها. وظل على اضطهاد بنى إسرائيل حتى أرسل اللَّه إليه موسى وهارون لدعوة التوحيد والخروج ببنى إسرائيل من مصر وكانت النتيجة غرقه فى البحر، وإنقاذ اللَّه لجثته ليصدق بنو إسرائيل أنه قد مات، ووجدت جثته مع جثث أخرى فى قبر " أمنحتب الثانى " بالأقصر، ثم وضعت أخيرا فى المتحف.
وجاء فى المجلد الرابع والثلاثين من مجلة الأزهر" ص 742 " ما يؤكد ذلك، حيث يوجد فى المتحف لوح كبير من الحجر الأسود اللون عليه قصة خروج بنى إسرائيل فى عهد منفتاح
(8/121)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس - صفحة 3 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 3 من اصل 6انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الأول
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الثاني
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الثالث
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الرابع
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الخامس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـعــقـيــــــــدة الإســــلامـيــــــــــة :: فـتـــاوى دار الإفـتــــاء الـمـصــــرية-
انتقل الى: