| فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:11 am | |
| كحل العيون
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الكحل فى العين جائز للرجال؟
الجواب جاء فى الطب النبوى لابن القيم أن النبى صلى الله عليه وسلم "كانت له مكحلة يكتحل منها ثلاثا فى كل عين، وفى الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اكتحل يجعل فى اليمنى ثلاثا يبتدئ بها ويختم بها، وفى اليسرى ثنتين، وروى أبو عاود عنه صلى الله عليه وسلم "من اكتحل فليوتر" ثم قال ابن القيم: وفى الكحل حفظ لصحة العين وتقوية للنور الباصر وجلاء لها، وتلطيف للمادة الرديئة واستخراج لها، مع الزينة فى بعض أنواعه، وله عند النوم مزيد فضل لاشتمالها على الكحل وسكونها عقيبه عن الحركة المضرة بها، وخدمة الطبيعة لها، وللإثمد من ذلك خاصية، وفى سنن ابن ماجه مرفوعا "عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر". فالكحل كان من مادة مفيدة وهو دواء وعلاج ومن هنا كان اكتحال الرجال به ولم يكن أصلا للجمال، فذلك أليق بالنساء (8/238) ________________________________________ حديث: إياكم وسجع الكهان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هذا من الحديث "إياكم وسجع الكهان"؟
الجواب ورد النهى عن السجع فى الدعاء، وحمل عليه بعض العلماء قوله تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} الأعراف:55 يقول الإمام الغزالى فى الإحياء "ج 1 ص 275" قيل: معناه التكلف للأسجاع، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إياكم والسجع فى الدعاء، حسب أحدكم أن يقول: اللهم إنى أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ". يقول العراقى عن هذا الحديث: إنه غريب بهذا السياق. وللبخارى عن ابن عباس: وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإنى عهدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلون ذلك. يقول الغزالى: واعلم أن المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام، فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة، وإلا ففى الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة، لكنها غير متكلفة، كقوله: "أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود، مع المقربين الشهود والركع السجود، الموفين بالعهود، إنك رحيم ودود، وإنك تفعل ما تريد" رواه الترمذى وقال: حديث غريب، وهو ضمن دعاء سمعه ابن عباس من النبى صلى الله عليه وسلم ليلة، حين فرغ من صلاته (8/239) ________________________________________ حديث: بين الأولين والآخرين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: "إنكم فى زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك، ثم يأتى زمان من عمل منهم بعشر ما أمرتم به نجا"؟
الجواب روى الترمذى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إنكم فى زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك، ثم يأتى زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا" قال: هذا حديث غريب، والحديث الغريب فى اصطلاح رجال الحديث هو الذى رواه راو واحد فقط، ولكن لم يحكم عليه بصحة أو حسن "تفسير القرطبى ج 6 ص 343". وقريب من هذا الحديث موجود فى مسند أحمد "إنكم فى زمان علماؤه كثيرون وخطباؤه قليلون، من ترك فيه عشير ما تعلم هلك، وسيأتى زمان علماؤه قليلون وخطباؤه كثيرون، من أخذ فيه عشير ما تعلم نجا". وهذا يدل على سهولة التمسك بالدين فى الزمن الأول، وصعوبته فى الزمن الآخر، تبعا لتغير الظروف، ولذلك جاء فى الحديث أن العمل فى الزمن الأخير له ثواب فوق ثواب العمل فى الزمن الأول، فقد روى أبو داود والترمذى وغيرهما أن أبا ثعلبة الخشنى سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} المائدة: 105 فقال "ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك نفسك ودع عنك العامة، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم "وفى رواية قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال "بل خمسين منكم " قال أبو عيسى الترمذى: هذا حديث حسن غريب قال ابن عبد البر: قوله "بل منكم" هذه اللفظة قد سكت عنها بعض الرواة فلم يذكرها "المرجع السابق " (8/240) ________________________________________ غسل النبى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أين غُسِّل جسد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الذى قام بغسله وأين ذهب ماء الغسل؟
الجواب الرسول صلى الله عليه وسلم غسل فى المكان الذى توفى فيه، وهو حجرة السيدة عائشة رضى الله عنها، والذى غسله على والعباس والفضل بن العباس، وقُثَم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشُقران مولاه صلى الله عليه وسلم يصبون الماء وأعينهم معصوبة من وراء الستر، وعلىّ فقط هو الذى لم يعصب عينيه. لحديث رواه البزار والبيهقى عن على رضى الله عنه: أوصانى النبى صلى الله عليه وسلم ألا يغسلنى إلا أنت، فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه يقول الزرقانى: هو تعليل لمقدر هو: فإنى أخشى على غيرك أن تحين منه لفتة فتطمس عينه. وأما أنت يا على فأعرف تحرزك من ذلك فلا أخشى عليك. وروى ابن ماجه بسند جيد عن على يرفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم "إذا أنا مت فاغسلونى بسبع قرب من بئرى "بئر غرس بقباء" وغسل ثلاث غسلات الأولى بالماء القراح والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور. وذكر ابن الجوزى أنه روى عن جعفر الصادق أن الماء كان يجتمع فى جفون النبى صلى الله عليه وسلم فكان على يشربه بفمه، وأما ما روى أن عليًّا لما غسله امتص ماء من محاجر عينيه فشربه، وأنه قد ورث بذلك علم الأولين والأخرين فقال النووي: ليس بصحيح وأقره البخارى وغيره. هذا ما جاء فى المواهب اللدنية وشرحها للزرقانى"ج 8 ص 289" ولم أر غيره (8/241) ________________________________________ من آداب الدعوة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما مدى صحة هذا القول: عن أبى مسعود رضى الله عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة فى الأيام كراهة السآمة علينا؟
الجواب هذا حديث رواه البخاري ومسلم، فعبد الله بن مسعود رضى الله عنه كان يذكر الناس فى كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم قال: أما إنه يمنعنى من ذلك أنى أكره أن أملَّكم، وإنى أتخولكم بالموعظة. كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا (8/242) ________________________________________ صلاة النبى فى طريق الإسراء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقال إن النبى صلى الله عليه وسلم نزل أرضا وصلى بها ليلة الإسراء قبل أن يصل إلى المسجد الأقصى، فما هذه الصلاة، مع أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء بعد العروج إلى السماء؟
الجواب من الآيات التى رآها النبى صلى الله عليه وسلم فى ليلة الإسراء ما رواه البزار والطبرانى والبيهقى وصححه فى كتابه "دلائل النبوة" من حديث شداد ابن أوس أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أسرى به مرَّ بأرض ذات نخل، فأمره جبريل أن ينزل من فوق البراق ليصلى، فصلى ثم أخبره أن المكان الذى صلى فيه هو يثرب أو طيبة، وإليها المهاجر، ثم أمره أن يصلى عندما مر بمدين عند شجرة موسى، وهى التى استظل بها بعد أن سقى الغنم للمرأتين قبل أن يلتقى بأبيهما-كما قال بعض الشراح -ولما مر الركب بطور سيناء أمره أن يصلى أيضا، وذلك حيث كلم الله موسى، وعند المرور ببيت لحم صلى أيضا، وذلك حيث ولد عيسى ابن مريم. هذا هو ما ورد بطريق صحيح كما ذكره البيهقى، ولم أر حديثا صحيحا عن صلاته فى غير هذه الأماكن. وما رآه الرسول بهذه المناسبة بعضه ورد بطريق صحيح وبعضه الآخر بطريق غير صحيح، من ذلك ما رواه الطبرانى والبزار والبيهقى وابن جرير وأبو يعلى أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى على واد فوجد فيه ريحا طيبة باردة كريح المسك، وسمع صوتا وأخبره جبريل بأنه صوت الجنة تبشر أهلها، ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا ووجد ريحا منتنة، فأخبره جبريل بأنه صوت النار، ولكن لم يحكم على هذه الرواية بالصحة أو الحسن أو الضعف. ومهما يكن من شىء فإن ذلك إذا كان ممكنا عقلا فإننا لا نكلف بالإيمان به، حيث لم يرد نص صريح قاطع يثبته، ورحلة الإسراء فى حد ذاتها رحلة غريبة، ولها فضلها وشرفها، وليست فى حاجة إلى إضافة شىء يزيدها شرفا بعد ما ورد من آثار صحيحة وأكرر التنبيه على عدم نسبة شىء إلى النبى صلى الله عليه وسلم هو منه برىء فقد قال "من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخارى ومسلم. أما الصلاة التى صلاها فقد تكون ركعتين، لأن الصلاة كانت قبل الإسراء ركعتين أول النهار وركعتين آخره، وقد تكون تطوعا لله وقد مر ذلك عند صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بالأنبياء فى المسجد الأقصى، فليراجع "المجلد الأول ص 425 " (8/243) ________________________________________ حديث: تغيير منار الأرض
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا حديثا يقول لعن الله من غيَّر منار الأرض، فهل هذا صحيح وما معناه؟
الجواب روى مسلم وأحمد والنسائى عن على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من غيَّر منار الأرض" وفى رواية "من سرق منار الأرض " وفى رواية "من غير تخوم الأرض " وفى رواية "ينتقص منار الأرض ". منار الأرض هو العلامة التى تهدى الناس حتى لا يضلوا، والتخوم هى الحدود، والتعدى على الحدود حرام. قيل: ذلك خاص بحدود الحرم، وقيل: عام فى كل الحدود للتعدى على أراضى الغير. والمحدث هو من أحدث أمرا منكرا والنهى هو عن الدفاع عنه أو إيوائه أو منع المظلوم أن يقتص منه (8/244) ________________________________________ حديث: التمارض عن العمل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى العامل الذى يتكاسل فى أداء واجبه، ويحصل على إجازات مرضية ليس فى حاجة إليها، وذلك فى مقابل مبلغ من المال؟
الجواب العمل فى مقابل أجر يجب أن يؤدى على الوجه المطلوب، وإلا كان الأجر من غير مقابل له، فيكون حراما، والله يحب إذا عمل الإنسان عملا أن يتقنه كما روى فى الحديث، والتحايل على الحصول على إجازة بادعاء المرض حرام فى حد ذاته لأنه كذب، وإذا كان هذا التحايل بمساعده إنسان آخر فى مقابل مال أو خدمة مع علمه بأنه غير مريض كان هذا العمل رشوة قد توصل بها الشخص إلى غير ما يستحقه، وأذكِّر هؤلاء جميعا بقول الله تعالى {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} الكهف: 30 وقوله {ولكلٍّ درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون} الأحقاف: 19 وقوله {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة: 2 وقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم "والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقى الله تعالى يحمله يوم القيامة" وما قاله فى الرشوة وكل الأطراف المتعلقة بها. فهل بعد كلام الله ورسوله ما يحفز هممنا إلى النشاط والإخلاص فى العمل؟ أحب أن أذكِّر كل العاملين بسلوك الشعوب الناهضة التى لا تدين بالإسلام فى حرصها على العمل ونفورها من الكسل والإجازات (8/245) ________________________________________ دعاء الناس للرسول
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى قوله تعالى {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} ؟
الجواب هذه الآية رقمها 63 من سورة النور، وهى تدل على إكرام الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم الذى من مظاهره أنه خاطب جميع الأنبياء فى القرآن بأسمائهم، فقال {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} الأعراف: 19 {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات} هود: 48 {يا إبراهيم أعرض عن هذا} هود: 76 {وما تلك بيمينك يا موسى} طه: 17 {يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض} ص: 26 {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} مريم: 70 {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} مريم: 17 {يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلىَّ} آل عمران: 55 ولم يخاطبه صلى الله عليه وسلم إلا بمثل {يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك} المائدة: 67 {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا} الأحزاب:45. {يا أيها المزمل. قم الليل إلا قليلا} المزمل: 1، 2 {يا أيها المدثِّر. قم فأنذر} المدثر: 1، 2 وأما ذكره بلا نداء فقد يكون باسمه صلى الله عليه وسلم {محمد رسول الله} الفتح: 29، {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} الأحزاب: 40. ومن أجل هذا حرم الله على الأمة نداءه باسمه مجردا عن صيغة التكريم فقال {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} أى لا تجعلوا نداءكم له وتسميتكم إياه كما يكون لبعضكم مع بعض، ولكن قولوا: يا رسول الله أو يا نبى الله مع التوقير والتواضع وخفض الصوت لحرمة ذلك بقوله تعالى {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} الحجرات: 2 وهذا أدب معه حال حياته وبعد وفاته. وهذا الأدب ينبغى التزامه، فهو صلى الله عليه وسلم ليس أقل ممن يحترمون بكثرة الألقاب والأوصاف التى يعلم الله ما هو الباعث عليها (8/246) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:12 am | |
| إسراء الرسول ليلا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا أسرى الله برسوله ليلا وليس نهارا؟
الجواب أجاب القسطلانى فى المواهب اللدنية مع شرح الزرقانى "ج 6 ص 8" عن هذا السؤال بقوله: إنما جعل الإسراء ليلا تمكينا للتخصيص بمقام المحبة، لأنه تعالى اتخذه عليه السلام حبيبا وخليلا، والليل أخص زمان للمحبين لجمعهما فيه، والخلوة بالحبيب متحققة بالليل. وقال ابن المنير: لعل تخصيص الإسراء بالليل ليزداد الذين آمنوا إيمانا بالغيب، وليفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم، إذ الليل أخفى حالا من النهار، فما وقع منه لا يطلع عليه غالبا، فكان من الغيب، فإذا أخبر الرسول عما وقع له ليلا صدَّقه المؤمنون فزادوا إيمانا، ولعله لو عرج به نهارا لفات المؤمن فضيلة الإيمان بالغيب. وهناك حكمة على طريق أهل الإشارات، وهم المحققون من الصوفية، أن الله تعالى لمَّا مَحَا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة انكسر الليل فجبر بأن أسرى فيه محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: افتخر النهار على الليل بالشمس فقيل له: لا تفتخر فإن كانت شمس الدنيا تشرق فيك. فسيعرج شمس الوجود فى الليل إلى السماء. هذا بعض ما قيل: ولكلٍّ ذوقه وإحساسه (8/247) ________________________________________ حكمة وفاة أبناء الرسول قبله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك حكمة فى أن الله سبحانه كتب على أبناء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الوفاة فى حياته؟
الجواب يقال إن إبراهيم عليه السلام رزقه الله بعد سِنِّ الشيخوخة بولدين، هما إسماعيل وإسحاق، وجعل النبوة فى أبناء إسحاق، الذى أنجب يعقوب وجعل من ذريته أنبياء بنى إسرائيل، وكانت النبوة موضع الرجاء فى توارث الأبناء لها، ومن ذلك قول الله تعالى {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء إن هذا لهو الفضل المبين} النمل: 16 وقوله عن زكريا الذى أعطاه الله يحيى بعد أن بلغ من الكبر عتيا {فهب لى من لدنك وليا. يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا} مريم: 5، 6 فبشره الله {بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} آل عمران: 39 وشاء الله ألا ينجب يحيى، وكان عيسى عليه السلام آخر الأنبياء من ولد إسحاق، وكانت ولادته خارقة للعادة حيث لم يكن له أب، وقد رفعه الله إليه ولم يتزوج ولم ينجب، وكان هذا التدبير من الله سبحانه تمهيدًا لولادة خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وبعثه الله للعرب استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حين أسكن إسماعيل وأمه مكة وعمرت بالعرب وبعث فيهم إسماعيل ولم يبعث فيهم أحدا من ولده حتى كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمَين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} البقرة: 127 -129. فبرفع سيدنا عيسى انتهت النبوة من فرع إسحاق، وبرسالة سيدنا محمد انتقلت النبوة إلى فرع إسماعيل عليه السلام. وشاء الله أن يموت أبناء سيدنا محمد فى حياته وهم صغار حتى لا يفتن بهم بعض المحبين، ويظنوا أن النبوة سيرثها أحد أبنائه كما كانت تورث فى بنى إسرائيل ولذلك أكدت النصوص أن الرسالة ختمت ولا نبى بعده صلى الله عليه وسلم وبهذين الأمرين لم يكن هناك طمع فى نبوة بعده، وظهر خطأ من تنبئوا فى حياته وبعد مماته. والسيدة فاطمة رضى الله عنها هى التى أنجبت من سيدنا على رضى الله عنه سيدىِّ شباب أهل الجنة: الحسن والحسين، ولم يزعم أحد أنهما ادعيا النبوة أو طمعا فيها وإذا كان صلى الله عليه وسلم أوصى بأهل بيته خيرا فى نصوص سجل بعضها فى القرآن {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى، الشورى: 23 فإن حب الناس لآل البيت وإن تغالى بعضهم فيه لكن لم يقبل أحد أن يكون منهم نبى، إلى جانب أن ميراث النبوة كان عن طريق الأبناء لا البنات. ولعل فيما ذكرته تظهر الحكمة فى أن أبناء النبى صلى الله عليه وسلم ماتوا صغارا وفى حياته وأما حديث "لو عاش إبراهيم لكان نبيًّا" فهو باطل (8/248) ________________________________________ حديث: اتق شر من أحسنت إليه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نسمع كثيرا هذا القول: اتق شر من أحسنت إليه، فهل هو حديث وهل معناه صحيح؟
الجواب قال العجلونى فى كتابه "كشف الخفا ومزيل الإلباس" قال السخاوى: لا أعرفه، ويشبه أن يكون من كلام بعض السلف، قال: وليس على إطلاقه، بل هو محمول على اللئام دون الكرام، ويشهد له ما فى "المجالسة للدينورى" عن على كرم الله وجهه: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف -يعنى إذا أعطى تحفة- وعن عمر رضى الله عنه: ما وجدت لئيما قط إلا قليل المروءة وفى التنزيل {وما نقموا منهم إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} التوبة: 74. وسبب نزولها كما ذكره الطبرى: أن كبير المنافقين عبد الله بن أُبى ابن سلول كانت له دية فأعطاها له الرسول، فلما اغتنى بطر النعمة ولم يؤمن إيمانا خالصا بالرسول، وقال عقب ذلك فى حادثة الرجلين اللذين اقتتلا وأحدهما من حلفاء الأنصار: انصروا أخاكم فو الله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سَمِّن كلبك يأكلك، وقال أيضا {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} المنافقون: 8 يريد بالأعز قومه، وبالأذل المسلمين. وفى الإسرائيليات يقول الله عز وجل "من أساء إلى من أحسن إليه فقد بدَّل نعمتى كفرا، ومن أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لى شكرا" وعند البيهقى فى شعب الإيمان عن محمد بن حاتم المظفرى قال: اتق شر من يصحبك لنائلة. "مجلة الإسلام -المجلد الرابع - العدد 13 " (8/249) ________________________________________ حديث: خلق الإبل من الشياطين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأت فى بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "إن الإبل خلقت من الشياطين" فهل هذا صحيح ولماذا؟
الجواب جاء فى كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميرى المتوفى سنة 808 هـ أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة فى مبارك الإبل فقال "لا تصلوا فى مبارك الإبل فإنها مأوى الشياطين" رواه أبو داود وروى النسائى وابن حبان من حديث عبد الله بن مغفل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن الإبل خلقت من الشياطين " ولم يعلق على هذا الحديث. وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 2 ص 142" حديث ابن مغفل عند أحمد بإسناد صحيح بلفظ "لا تصلوا فى أعطان الإبل، فإنها خلقت من الجن، ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت" ولم يبين معنى خلقها من الجن، فقد يكون المراد أن فيها شرا إذا نفرت وهاجت، فالأمر على التشبيه وليس على الحقيقة كما أراه. وفى المغنى لابن قدامة "ج 1 ص 721" عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنصلى فى مرابض الغنم؟ قال "نعم " قال أنصلى فى مرابض الإبل "؟ قال "لا" رواه مسلم. ولم يذكر السبب فى النهى. وجاء فى ص 722 قول القاضى: إن المنع تعبد لا لعلة معقولة، وقال غيره: إن معاطن الإبل والمقبرة والمجزرة والمزبلة وغيرها تكره فيها الصلاة لأنها مظنة النجاسات "انظر ص 398 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى" (8/250) ----------------------------------------------------------------- حديث: لا تجتمع أمتى على ضلالة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث "لا تجتمع أمتى على ضلالة"؟ وهل يعنى أن الإجماع حجة؟
الجواب ذكر القسطلانى فى "المواهب اللدنية" وشارحه الزرقانى "ج 5 ص 388" أن من خصائص الأمة المحمدية أنهم لا يجتمعون على ضلالة أى إذا اجتمعوا على حكم كان عند الله كذلك، رواه أحمد فى مسنده، والطبرانى فى الكبير وابن أبى خيثمة فى تاريخه عن أبى بصرة مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ "سألت ربى ألا تجتمع أمتى على ضلالة فأعطانيها" والمراد بالأمة أمة الإجابة التى آمنت به، وليست أمة الدعوة التى أُرسل إليها فقد كفر منها الكثيرون.، ورواه ابن أبى عاصم، والطبرانى أيضا من حديث أبى مالك الأشعرى "إن الله تعالى أجاركم من ثلاث خلال، ألا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا، وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وألا تجتمعوا على ضلالة". قال السخاوى فى "المقاصد الحسنة" إنه حديث مشهور المتن وأسانيده كثيرة، أى متعددة الطرق والمخارج، وذلك علامة القوة، فلا ينزل عن الحسن فقد أخرجه أبو نعيم والحاكم وابن منده عن ابن عمر مرفوعا بلفظ "إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا، وإن يد الله مع الجماعة، فاتبعوا السواد الأعظم، فإنه من شذ شذ فى النار" وكذا أخرجه الترمذى، وأخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطنى عن أنس مرفوعا، والحاكم عن ابن عباس ورفعه، وابن أبى عاصم وغيره مرفوعا عن عقبة ابن عمرو الأنصارى، وله شواهد متعددة فى المرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم كقوله "أنتم شهداء الله فى الأرض" وفى غير المرفوع إليه وهو الموقوف، كقول ابن مسعود: إذا سئل أحدكم فلينظر كتاب الله، فإن لم يجد ففى سنة رسول الله، فإن لم يجد فلينظر ما اجتمع عليه المسلمون، وإلا فليجتهد. يقول الزرقانى: هذا، والاختلاف شامل لما كان فى أمر الدين كالعقائد أو الدنيا. كالإمامة العظمى، ومعنى "فعليكم بالسواد الأعظم" الزموا متابعة جماهير المسلمين الذين يجتمعون على طاعة السلطان وسلوك المنهج القويم، فهو الحق الواجب والفرض الثابت الذى يحرم خلافه، فمن خالفه مات ميتة جاهلية. ثم ذكر القسطلانى عقب ذلك من فضائل الأمة المحمدية أن إجماعهم حجة قاطعة، وأن اختلافهم -أى اختلاف المجتهدين- رحمة أى توسعة على الناس، وذلك فى الفروع، أما الاختلاف فى الأصول فهو ضلال. انتهى. وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى {وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله} الأنعام: 116 لأن المراد هنا أمة الدعوة، وكثير منهم لم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} يوسف: 103. وحجِّية الإجماع أشار إليها القسطلانى بأنها من دعائم الاجتهاد لمعرفة الأحكام الشرعية، وسيأتى الكلام عنها فيما بعد (8/251) ________________________________________ حديث: لا غيبة فى فاسق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك حديث يقول "لا غيبة فى فاسق"؟
الجواب جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 3 ص 132 " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أترغبون عن ذكر الفاجر؟ اهتكوه حتى يعرفه الناس، اذكروه بما فيه حتى يحذره الناس" قال العراقى فى تخريجه: رواه الطبرانى وابن حبان فى الضعفاء ورواه ابن عدى من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، دون قوله "حتى يعرفه الناس" ورواه بهذه الزيادة ابن أبى الدنيا فى الصمت. وبعد أن ذكر الغزالى هذا الحديث قال: وكانوا يقولون: ثلاثة لا غيبة لهم، الإمام الجائر والمبتدع والمجاهر بفسقه، ثم قال فيمن يرخص فى غيبتهم: أن يكون مجاهرا بالفسق كالمخنث وصاحب الماخور والمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس، وكان ممن يتظاهر به بحيث لا يستنكف من أن يذكر له، ولا يكره أن يذكر به، فإذا ذكرت فيه ما يتظاهر به فلا إثم عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له "-هذا الحديث ضعيف كما قال العراقى- ثم قال الغزالى: وقال عمر رضى الله عنه: ليس لفاجر حرمة، وأراد به المجاهر بفسقه دون المستتر،، إذ المستتر لابد من مراعاة حرمته. وقال الحسن: ثلاثة لا غيبة لهم، صاحب الهوى والفاسق المعلن بفسقه والإمام الجائر، فهؤلاء الثلاثة يجمعهم أنهم يتظاهرون به، وربما يتفاخرون به، فكيف يكرهون ذلك وهم يقصدون إظهاره؟ نعم، لو ذكره بغير ما يتظاهر به أثم. من هذا يعرف أن الفاسق المعلن بفسقه ولا يستحى أو يتألم من ذكر الناس له بما فيه جائز وليس بحرام، وإن كانت الأحاديث الواردة فى ذلك فيها مقال. والصيغة المذكورة فى السؤال قيل إنها منكرة، ولكن المعنى الذى تحمله حسن لورود حديث بمعناه وإن كان ضعيفا، وما قاله الغزالى وما نقله من الأقوال يرجح الحكم بعدم الحرمة على الوجه المذكور (8/252) ________________________________________ حديث: طلب العلم والنافلة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك حديث يقول "طلب العلم أفضل من صلاة النافلة"؟
الجواب هذا القول ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول الإمام الشافعى رضى الله عنه، فقد أثر عنه أنه قال: ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، قيل: ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد فى سبيل الله " الهداية جمادى الآخرة سنة1415 هـ" وهذا فى الجهاد المندوب، أما المفروض فهو داخل فى الفرائض لا يقدم عليها النفل كطلب العلم (8/253) ________________________________________ حديث: الحياء والإيمان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى الحديث الشريف " الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان" فإذا كان الحياء غريزة من الغرائز فكيف يكون شعبة من شعب الإيمان؟
الجواب الغرائز ليست شعبة من الإِيمان، وإنما هى قوى تدعو للإِيمان والكفر والطاعة والعصيان، والدين جاء ليهذبها ويوجهها إلى الدعوة إلى الإِيمان والطاعة. ثم من قال: إن الحياء كله غريزة؟ فمن الحياء خلق مكتسب أساسه البعد عما يضر النفس والغير، وهذا البعد فيه جهاد للنفس بغرائزها التى تريد لها كل ما تريد، بصرف النظر عن كونه حلالا أو حراما. فالقناعة بالحلال وعدم التطلع إلى الحرام من صفات الأخيار الأبرار، التى جاءت بها الأديان، وساعد عليها الإيمان بالحساب أمام الله على ما قدمت يد الإِنسان. جاء فى شرح النووى لصحيح مسلم "ج 2 ص 5 " بعد ذكر روايات الحديث التى منها: الحياء من الإِيمان، الحياء لا يأتى إلا بخير، الحياء خير كله - أن القشيرى نقل عن الجنيد أنه قال: الحياء رؤيا الآلاء -النعم- ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء. وقال القاضى عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإِيمان -وإن كان غريزة- لأنه قد يكون تخلقا واكتسابا كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، فهو من الإِيمان بهذا وبكونه باعثا على أفعال البر ومانعا من المعاصى. وأما كون الحياء خيرا كله ولا يأتى إلا بخير فقد يشكل على بعض الناس، من حيث إن صاحب الحياء قد يستحى أن يواجه بالحق من يُجِلُّه فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإِخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف فى العادة -وجواب هذا- أن هذا المانع ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز وخور ومهانة، وتسميته حياء من إطلاق أهل العرف، أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقى، وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير فى حق ذى الحق ونحو هذا. هذا وقد روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" والمعنى إذا لم يخف الإِنسان من الله ولا من الناس صار كالبهائم يصنع ما يشاء، وليس هذا إغراء، ولكنه بيان للواقع المذموم (8/254) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:17 am | |
| الاحتفال بالمولد النبوى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن الاحتفال بمولد النبى صلى الله عليه وسلم بدعة لم تكن فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى أيام الصحابة والسلف الصالح، ويقولون إنها بدعة منكرة وضلالة تؤدى إلى النار، فما هو الرأى الصحيح فى ذلك، وكذلك فى الاحتفال بموالد الأولياء؟
الجواب لا يعرف المؤرخون أن أحدا قبل الفاطميين احتفل بذكرى المولد النبوى -كما قال الأستاذ حسن السندوبى - فكانوا يحتفلون بالذكرى فى مصر احتفالا عظيما ويكثرون من عمل الحلوى وتوزيعها كما قال القلقشندى فى كتابه " صبح الأعشى". وكان الفاطميون يحتفلون بعدة موالد لآل البيت، كما احتفلوا بعيد الميلاد المسيحى كما قال المقريزى، ثم توقف الاحتفال بالمولد النبوى سنة 488 هـ وكذلك الموالد كلها، لأن الخليفة المستعلى بالله استوزر الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالى، وكان رجلا قويا لا يعارض أهل السنة كما قال ابن الأثير فى كتابه " الكامل "ج 8 ص 302 واستمر الأمر كذلك حتى ولى الوزارة المأمون البطائحى، فأصدر مرسوما بإطلاق الصدقات فى 13 من ربيع الأول سنة 517 هـ وتولى توزيعها " سناء الملك ". ولما جاءت الدولة الأيوبية أبطلت كل ما كان من آثار الفاطميين، ولكن الأسر كانت تقيم حفلات خاصة بمناسبة المولد النبوى، ثم صارت، رسمية فى مفتتح القرن السابع فى مدينة " إربل " على يد أميرها مظفر الدين أبى سعيد كوكبرى بن زين الدين على بن تبكتكين، وهو سنِّى اهتم بالمولد فعمل قبابا من أول شهر صفر، وزينها أجمل زينة، فى كل منها الأغانى والقرقوز والملاهى، ويعطى الناس إجازة للتفرج على هذه المظاهر. وكانت القباب الخشبية منصوبة من باب القلعة إلي، باب الخانقاه، وكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر، ويقف على كل قبة ويسمع الغناء ويرى ما فيها، وكان يعمل المولد سنة فى ثامن الشهر، وسنة فى ثانى عشره، وقبل المولد بيومين يخرج الإِبل والبقر والغنم، ويزفها بالطبول لتنحر فى الميدان وتطبخ للناس. ويقول ابن الحاج أبو عبد الله العبدرى: إن الاحتفال كان منتشرا بمصر فى عهده، ويعيب ما فيه من البدع " المدخل ج 2 ص 11، 12 ". وأَلفت كتب كثيرة فى المولد النبوى فى القرن السابع، مثل قصة ابن دحية المتوفى بمصر سنة 633 هـ، ومحيى الدين بن العربى المتوفى بدمشق سنة 638 هـ، وابن طغربك المتوفى بمصر سنة 670 هـ، وأحمد العزلى مع ابنه محمد المتوفى بسبته سنة 677 هـ. ولانتشار البدع فى الموالد أنكرها العلماء، حتى أنكروا أصل إقامة المولد، ومنهم الفقيه المالكى تاج الدين عمر بن على اللخمى الإِسكندرى المعروف بالفاكهانى، المتوفى سنة 731 هـ، فكتب فى ذلك رسالته " المورد فى الكلام على المولد" أوردها السيوطى بنصها فى كتابه " حسن المقصد". ثم قال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: وقد أتى القرن التاسع والناس بين مجيز ومانع، واستحسنه السيوطى وابن حجر العسقلانى، وابن حجر الهيتمى، مع إنكارهم لما لصق به من البدع، ورأيهم مستمد من آية {وذكِّرهم بأيام الله} إبراهيم: 5. أخرج النسائى وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند، والبيهقى فى شعب الإِيمان عن أبى بن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه فسر الأيام بنعم الله وآلائه "روح المعانى للآلوسى" وولادة النبى نعمة كبرى. اهـ. وفى صحيح مسلم عن أبى قتادة الأنصارى قال: وسئل - النبى صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الاثنين فقال " ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أُنزل علىَّ فيه " روى عن جابر وابن عباس: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول، وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات أى فى شهر ربيع الأول، فالرسول صلى الله عليه وسلم نص على أن يوم ولادته له مزية على بقية الأيام، وللمؤمن أن يطمع فى تعظيم أجره بموافقته ليوم فيه بركة، وتفضيل العمل بمصادفته لأوقات الامتنان الإِلهى معلوم قطعا من الشريعة، ولذا يكون الاحتفال بذلك اليوم، وشكر الله على نعمته علينا بولادة النبى وهدايتنا لشريعته مما تقره الأصول، لكن بشرط ألا يتخذ له رسم مخصوص، بل ينشر المسلم البشر فيما حوله، ويتقرب إلى الله بما شرعه، ويعرِّف الناس بما فيه من فضل، ولا يخرج بذلك إلى ما هو محرم شرعا. أما عادات الأكل فهى مما يدخل تحت قوله تعالى {كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله} البقرة: 172 انتهى. ورأيى أنه لا بأس بذلك فى هذا العصر الذى كاد الشباب ينسى فيه دينه وأمجاده، فى غمرة الاحتفالات الأخرى التى كادت تطغى على المناسبات الدينية، على أن يكون ذلك بالتفقه فى السيرة، وعمل آثار تخلد ذكرى المولد، كبناء مسجد أو معهد أو أى عمل خيرى يربط من يشاهده برسول الله وسيرته. ومن هذا المنطلق يجوز الاحتفال بموالد الأولياء، حبًّا لهم واقتداء بسيرهم، مع البعد عن كل المحرمات من مثل الاختلاط المريب بين الرجال والنساء، وانتهاز الفرص لمزاولة أعمال غير مشروعة من أكل أو شرب أو مسابقة أو لهو، ومن عدم احترام بيوت الله ومن بدع زيارة القبور والتوسل بها، ومن كل ما لا يتفق مع الدين ويتنافى مع الآداب. فإذا غلبت هذه المخالفات كان من الخير منع الاحتفالات درءًا للمفسدة كما تدل عليه أصول التشريع. وإذا زادت الإِيجابيات والمنافع المشروعة فلا مانع من إقامة هذه الاحتفالات مع التوعية والمراقبة لمنع السلبيات أو الحد منها بقدر المستطاع، ذلك أن كثيرا من أعمال الخير تشوبها مخالفات ولو إلى حد ما، والكل مطالب بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالوسائل المشروعة " انظر الجزء الرابع من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ". يقول الزرقانى فى شرح المواهب للقسطلانى: إن ابن الجزرى الإمام فى القراءات والمتوفى سنة 833 هـ علَّق على خبر أبى لهب الذى رواه البخارى وغيره عندما فرح بمولد الرسول وأعتق " ثويبة" جاريته لتبشيرها له، فخفف الله عقابه وهو فى جهنم فقال: إذا كان هذا الكافر الذى نزل القرآن بذمه جوزى فى النار بفرحه ليلة المولد فما حال المسلم الموحد من أمته حين يُسرُّ بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته فى محبته. يقول الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر: إذا كان هذا كافرا جاء ذمه * وتبَّت يداه فى الجحيم مخلدا أتى أنه فى يوم الاثنين دائما * يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذى كان عمره * بأحمد مسرورا ومات موحدا؟ رجح ابن إسحاق أن ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم كان فى ثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من عام الفيل وروى ابن أبى شيبة ذلك عن جابر وابن عباس وغيرهما، وحكوا شهرته عند الجمهور. وقد حقق صاحب كتاب " تقويم العرب قبل الإسلام " بالحساب الفلكى الدقيق أن الميلاد كان فى يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول الموافق للعشرين من شهر أبريل سنة 571 م. "انظر الحاوى للفتاوى للسيوطى ومجلة الهداية الصادرة بتونس فى ربيع الأول 1394هـ " (8/255) ________________________________________ النظافة من الإيمان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال النظافة من الإيمان " وهل الذين لا يعنون بالنظافة على خطا أم على صواب؟
الجواب جاء فى إحياء علوم الدين للإِمام الغزالى "ج 1 ص 111 " فى أول كتاب أسرار الطهارة قوله: قال النبى صلى الله عليه وسلم "بنى الدين على النظافة" وقال " الطهور نصف الإِيمان " وعلق العراقى على الأول فقال: لم أجده هكذا، وفى الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة " تنظفوا فإن الإسلام نظيف " والطبرانى فى الأوسط بسند ضعيف جدا من حديث ابن مسعود " النظافة تدعو إلى الإِيمان " وعلق على الثانى بقوله بالرمز: رواه الترمذى من حديث رجل من بنى سليم وقال: حسن. ورواه مسلم من حديث أبى مالك الأشعرى بلفظ " شطر". فاللفظ المذكور فى السؤال والجارى على الألسنة ليس واردا عن النبى صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد عنه تقدير النظافة بعبارات أخرى. ولا شك أن النظافة لها تقديرها الكبير فى التشريع الإِسلامى، لأنها من العوامل الأساسية فى المحافظة على الصحة التى هى من أكبر نعم الله على الإنسان كما صح فى الحديث " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ " رواه البخارى. وللنظافة مجالات كثيرة. ففى نظافة البدن شرع الوضوء للصلوات الخمس فى اليوم والليلة، بما فيه من تعهد للأعضاء التى يكثر تعرضها للتلوث، وبما فيه من حث على العناية بالاستنشاق والمضمضة مع استعمال السواك وتأكيد استحبابه، وشرع الغسل لأسبابه المعينة، وندبه فى مناسبات عدة، وبخاصة عند الاجتماع والازدحام، كما فى صلاة الجمعة والعيدين، وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "حق على كل مسلم أن يغتسل فى كل سبعة أيام يوما، يغسل فيه رأسه وجسده " وروى مسلم حديث. " إن الله جميل يحب الجمال " وندب إلى التزين والتعطر وحسن الهندام وتسوية الشعر وقص الأظافر وإزالة شعر الإبطين والعانة وما إلى ذلك من ضروب النظافة. وشرع غسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده، وعدم غمسهما فى الماء قبل غسلهما إذا استيقظ من نومه فإنه لا يدرى أين باتت يده - وبخاصة من ينامون فى العراء ويفترشون الرمال بجوار الإِبل والحيوانات الأخرى - وحذر من النوم قبل غسل اليدين من أثر الطعام وبخاصة إذا كان فيه دسم تجذب رائحته الهوام والحشرات فتضره، وكل ذلك وردت به الأحاديث. وفى نظافة الملبس والمسكن والشارع والأمكنة العامة يقول سبحانه {وثيابك فطهِّر} المدثر: 4 وباب النجاسات وإزالتها واشتراط طهارة الثوب والمكان فى الصلاة واضح ومفصَّل فى كتب الفقه. وفى الحديث " أصلحوا رِحالكم ولباسكم حتى تكونوا فى الناس كأنكم شامة" رواه أحمد. وفى مسند البزار أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود. فنظفوا أفناءكم وساحاتكم، ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكب فى دورهم " الأكب الزبالة، وإصلاح الرحال أى المساكن عام يشمل كنسها وتهويتها وتعريضها للشمس وتطهيرها من الحشرات المؤذية وما إلى ذلك. وحث الإِسلام على إماطة الأذى عن الطريق وعدها صدقة كما رواه البخارى ومسلم، وفى الحديث " اتقوا الملاعن الثلاث، البراز على قارعة الطريق وموارد المياه ومواقع الظل " رواه ابن ماجه وأبو داود، وندب إلى تغطية أوانى الطعام والشراب، حفظا لها من التلوث أو الفساد بما ينقله الريح أو الذباب مثلا كما رواه مسلم. هذه بعض التشريعات التى تدل على عناية الإِسلام بالنظافة فى كل شىء وليست النظافة فى الماديات فقط بل فى المعنويات أيضًا من العقائد والأفكار والأقوال والأفعال والضمائر والنيات وما إليها. والذين يهملون فيها مخطئون، لا نحب أن يكونوا كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ولا ننسى فى هذا المجال حرمة تلويث البيئة بأى ملوث حتى بالرائحة الكريهة، كالدخان والثوم والبصل والعرق، وحتى بالأصوات المزعجة المقلقة للراحة ولو كانت بذكر الله، وكل ذلك وردت به الآثار والمقصِّرون مخطئون (8/256) ________________________________________ حديث: غمز الشيطان للمولود
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن عيسى أفضل من محمد عليهما السلام، لأن الشيطان لم يغمزه حين ولد، فهل هذا صحيح؟
الجواب سبق القول بأن الله سبحانه فضَّل بعض الأنبياء على بعض "المجلد الثانى ص 569 " وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين، وقلنا: إذا كان واحد منهم له مزية فإن المزية لا تقتضى الأفضلية، وأوردنا النصوص الدالة على ذلك. ويتصل بهذا الموضوع ما جاء فى السؤال، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما من بنى آدم من مولود إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسته إياه، إلا مريم وابنها" وفى رواية قال أبو هريرة -راوى الحديث- اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى {وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} آل عمران: 36 وفى لفظ عند البخارى " كل بنى آدم يطعن الشيطان فى عينيه بإصبعه حين يولد، إلا عيسى بن مريم، ذهب يطعن فطعن فى الحجاب.... ". يقول السهيلى: ولأن عيسى عليه السلام لم يخلق من منِى الرجال فأعيذ من مغمزه، وإنما خلق من نفخة روح القدس، قال: ولا يدل هذا على فضل عيسى عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم، لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نزغ منه ذلك المغمز وملىء قلبه حكمة وإيمانا بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد، وإنما كان ذلك المغمز فيه لموضع الشهوة المحركة للمنى، والشهوات يحضرها الشيطان، لا سيما شهوة من ليس بمؤمن، فكان ذلك المغمز فيه راجعا إلى الأب، لا إلى الابن المطهر صلى الله عليه وسلم ولهذا قال: شق صدره فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم، فتبين أن الذى التمس فيه هو الذى يغمزه الشيطان من كل مولود " آكام المرجان للشبلى ص 178 ". وأرجو التنبه إلى أساليب المغرضين المثيرين للفتنة، وإلى قول الله تعالى {ومن يبتغ غير الإِسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران: 85 (8/257) ________________________________________ الأحاديث النبوية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى الحديث المتواتر وما حكم من ينكره، وهل كل ما فى البخارى ومسلم يجب تصديقه ويحرم عدم الأخذ به؟
الجواب الحديث المتواتر هو ما يرويه جمع يحيل العقل فى العادة تواطؤهم على الكذب، وذلك فى كل طبقة من ابتداء الرواية إلى من تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عرفوه عنه فعلا أو وصفا أو تقريرا، وقد يكون متواترا لفظيا إذا اتحدت الرواة فى الألفاظ التى يقولونها، أو متواترا معنويا إذا اتفقوا فى رواية المعنى مع اختلاف الألفاظ، والتواتر المعنوى كثير، أما اللفظى فقليل، ومنه أحاديث "من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" "نزل القرآن على سبعة أحرف". ومن المتواتر المعنوى حديث رفع اليدين فى الدعاء، فقد روى فيه أكثر من مائة حديث، لكنها فى وقائع مختلفة، والذى ينكر الحديث المتواتر بالإِجماع يكون كافرا، وكذلك يكفر من أنكر ما أجمع عليه المسلمون كعدد الصلوات الخمس وركعاتها، ومناسك الحج. والأحاديث غير المتواترة تسمى أحاديث آحاد منها المشهور والعزيز والغريب، ويحكم عليها بالصحة أو الحسن أو الضعف. ومنكرها لا يكفر، وإذا كان الإنكار عن هوى أو تعصب كان فسقا يأثم صاحبه. والأحاديث الموجودة فى البخارى ومسلم قال ابن الصلاح: إنها صحيحة قطعا، لاتفاق الأمة على تلقيها بالقبول، والأمة لا تتفق على خطأ، وأما ما روى فيهما معلقا، وهو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر فلا يبلغ مرتبة القطع عنده، واستثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته مائتين وعشرين حديثا، والحافظ العراقى أفردها بكتاب تصدى فيه للجواب عنها، وتعرض الحافظ ابن حجر فى مقدمة فتح البارى لما طعن فيه من أحاديث البخارى، ودفع ما وجه إليها من مآخذ بالتفصيل. والإِمام النووى خالف ابن الصلاح فى دعوى القطع بصحة ما فى الصحيحين -إلا ما استثنى- وقال: إن المحققين والأكثرين يذهبون إلى أن صحة ما روياه صحة مظنونة إلا أن يكون متواترا، وأما تلقى الأمة لهما بالقبول فلأن ما روياه يفيد الظن، والظن يكفى فى تقرير الأحكام العملية، وأما قوله تعالى: {وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} النجم: 28 فمحمول على ما يرجع إلى أصول الدين كالعقائد، لأنه يقصد منها العلم واليقين. ومَزِيَّة ما فى البخارى ومسلم على رأي النووى تظهر فى أن ما روى فيهما صحيح لا يحتاج إلى البحث والنظر، بل يؤخذ بالتسليم، أما ما يروى فى غيرهما فيحتاج إلى نظر لمعرفة رتبته من القبول. فالخلاصة أن ما رواه الشيخان - البخارى ومسلم - وكان متصل الإِسناد من طريقين فأكثر وتلقاه رجال الحديث بالقبول يفيد العلم بصحة نسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم، كخبر الآحاد الذى تحتف به قرائن الصدق فلا تبقى لمن يتلقاه شيئا من التردد فى صحته "مجلة الأزهر-المجلد الأول ص 546 - 549" (8/258) ________________________________________ البينة واليمين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "البينة على من ادَّعى واليمين على من أنكر"؟
الجواب روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدَّعى عليه" وروى البيهقى والطبرانى بإسناد صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وتفصيل إجراءات التقاضى يرجع إليها فى كتب الفقه (8/259) ________________________________________ الأحباب فى الحشر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: من أحب قوما حشر معهم؟
الجواب وردت عدة أحاديث تدل على ذلك، منها ما جاء فى البخاري ومسلم عن أنس رضى الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال " وما أعددت لها "؟ قال: لا شىء إلا أننى أحب الله ورسوله، قال "أنت مع من أحببت " قال أنس: فما فرحنا بشىء فرحنا بقول النبى صلى الله عليه وسلم " أنت مع من أحببت " قال أنس: فأنا أحب النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبى إياهم. وروى البخارى ومسلم أيضا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف ترى فى رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرء مع من أحب ". وروى الطبرانى بإسناد جيد حديثًا جاء فيه " ولا يحب رجل قوما إلا حُشر معهم " وروى أحمد مثله. ويجب أن يراعى أن هذا الحب يكون لله لا لأغراض أخرى، فالحب لله من صفات الذين يجدون حلاوة الإِيمان كما صح فى الحديث (8/260) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:20 am | |
| النبى صلى الله عليه وسلم وحب النساء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "حُبِّب إلىَّ من دنياكم ثلاث: النساء والطيب، وجعلت قرة عينى فى الصلاة"؟
الجواب هذا حديث رواه النسائى عن أنس والطبرانى فى معجمه الأوسط، والحاكم فى المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ: إسناده حسن عن أنس. وحب الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء ليس حبا شهوانيا بمعنى الاهتمام الزائد بالمتعة الجنسية على شاكلة المترفين اللاهين، فنحن نعلم رقة حاله وشغله الدائم ليل نهار بالدعوة ومشكلاتها، واهتمامه بقيام الليل حتى تتورم قدماه، فهو حب طبيعى كحب أى رجل لامرأة، لأنه مكتمل الرجولة لا عيب فيه، ولكنه حب بقدر، لا يطغى على الناحية الروحية عنده، ولذلك جاء فى الحديث " وجعلت قرة عينى فى الصلاة" فالصلاة أعظم محبوب عنده، ومن كان كذلك فهمه فى النساء لم يكن بالدرجة التى تصرفه عن قرة عينه وهى الصلاة والعبادة. وقد يكون الحديث ردًّا على بعض من يرون أن مقياس التدين هو الرهبانية والتبتل والامتناع عما أحل الله من الطيبات، فهو صلى الله عليه وسلم أخشى الناس لله وأتقاهم له، ولكنه يصوم ويفطر ويقوم ويرقد ويتزوج النساء كما صح فى الحديث المتفق عليه الذى قال فى نهايته "ومن رغب عن سنتى فليس منى". وذلك إلى جانب عطفه ورحمته بالنساء عامة، وقد أوصى بهن كثيرا، والنصوص فى ذلك كثيرة. " انظر الجزء السادس من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإِسلام ص 168 " (8/261) ________________________________________ حديث: من فضائل الأعمال
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرجو شرح الحديث الذى يقول " ثلاثة يضحك الله إليهم، الرجل إذا قام من الليل يصلى، والقوم إذا صفوا للصلاة، والقوم،إذا صَفُّوا للقتال "؟
الجواب هذا الحديث رواه أحمد، وفيه ثلاث فضائل يرضى الله عنها رضاء عظيما. وقد جاء التفسيرعن هذا الرضا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام " ثلاثة يضحك الله إليهم " والضحك إذا عدى بمن كان فى مقام الذم غالبا كقوله تعالى {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون} المطففين: 29 وإذا عدى بإلى كان فى مقام المدح، كما فى هذا الحديث. والضحك بالمعنى المتعارف عند الناس لا ينسب إلى الله، فالمراد لازمه وهو الرضا. فالله يرضى عن هذه الفضائل رضاء عظيما، والتعبير بالضحك عن ذلك يدل على أهميتها وزيادة فضلها. الفضيلة الأولى: قيام الليل بالصلاة، ومن الأمور التى تعطى قيام الليل أهميته أن الصلاة فى الليل أقرب إلى الخشوع، وذلك لسكون الأصوات وعدم الصوارف التى تشتت ذهن الإنسان وتشوش فكره، وهنا يكون الاتصال بالله أتم والمناجاة معه أمتع واحسن، كما أن الليل يقل فيه أو ينعدم الرقيب الذى قد يرائى الإنسان بعمله من أجله، وهنا تكون العبادة أخلص لله وابعد عن تهمة الشرك والنفاق، وكذلك مما يجعل لقيام الليل أهميته أن فيه إيثارا لرضاء الله على رضاء النفس، فإن النفس تميل إلى الراحة وبخاصة فى الليل، فإذا جاهدها الإنسان ونزعها عن هواها وقام يصلى كان معنى حب الله واضحا، وابتغاء مرضاته ظاهرا. ويوضح ذلك حديث أبى الدرداء عن النبى صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يحبهم الله، ويضحك إليهم، ويستبشر بهم " وعدَّ منهم " والذى له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل، فيقول الله: يَذَرُ شهوته ويذكرنى، ولو شاء رقد" رواه الطبرانى بإسناد حسن. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة فى فضل قيام الليل نكتفى منها بقوله صلى الله عليه وسلم" إن فى الجنة غرفا برى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام " رواه ابن حبان فى صحيحه. والفضيلة الثانية: صلاة الجماعة وتسوية صفوفها، والذى يعطيها هذه المنزلة أنها تدل على شعور الإنسان بالروح الاجتماعية، وحاجته إلى الصلة بإخوانه، والتعاون معهم على الخير، وكان بإمكانه أن يؤدى الصلاة فى بيته منفردا فالأرض كلها مسجد، لكنه لم يخلد إلى الراحة وآثر الانتقال إلى مكان الاجتماع مع إخوانه وممارسة نشاطه الدينى معهم، وكذلك يعطيها هذه الأهمية أن فيها خضوعًا لنظام القيادة، وتناسيًا للفردية فى سبيل مصلحة الجماعة، وإذا كانوا خاضعين لقائدهم وهو إمام الصلاة فى توجههم إلى الله بالعبادة، فإنهم يحرصون على احترام هذه القيادة والحرص عليها فى أمور دنياهم، وفى ذلك كله قوة للمجتمع، تتماسك بها أركانه، ويرهب بها جانبه، كما أن نظام الصفوف وتسويتها يدرب على احترام النظام فى كل شئون الحياة، ويدرب على مقابلة العدو صفا واحد متماسكا كالبنيان المرصوص. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة مرغبة فى صلاة الجماعة من أجل هذه المعانى الكريمة وغيرها، وجعلتها تفوق صلاة الانفراد بسبع وعشرين درجة. وكان النبى صلى الله عليه وسلم يهتم اهتماما كبيرا بنظام الصفوف وتسويتها، روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما: كان النبى يمسح مناكبنا فى الصلاة ويقول " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم " وبلغ من شدة اهتمامه بتسوية الصفوف أنه كان يترك مكانه من الإمامة ويخترق الصفوف إذا رأى رجلا خارجا عن الصف، فيقيمه ويرشده ويقول " لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " رواه البخارى ومسلم. الفضيلة الثالثة: صفوف القتال، أى الاستعداد لمواجهة العدو، فى وحدة كاملة ونظام قوى، وهذا المعنى له أهميته، وذلك لأمور، منها استعداد المسلمين لحماية عقيدتهم وشرفهم والدفاع عن وطنهم، وتعاونهم فى ذلك تعاونا قويا لعلمهم أن هذه المهمة جماعية لا فردية، والضرر الناتج عن التقصير لا يقتصر على المقصر، يقول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الانفال:25 ومنها التضحية بأعز ما يملك الناس وهو الروح، فداء لدينهم وشرفهم، والنفس من طبيعتها حب السلامة، ولكن النفوس المؤمنة الأبية لا ترضى السلامة مع الذلة والهوان، وترخص أرواحها فى سبيل العزة والكرامة. وهكذا يكون المؤمنون الذين جعلهم الله خير أمة أخرجت للناس، وانتدبهم لنشر رسالة الحق والسلام. إن الله يعجب بهذه الصفوف ويضحك إليها لأنها صفوف لم تخرج لتحصيل مغنم أو كسب مادى، ولكنها خرجت للموت ضاحكة مستبشرة. ولما كان هذا الاستهداف يحتاج إلى إيمان قوى يتغلب على هوى النفس جاء الترغيب فى الجهاد قويا بأساليب مؤثرة، وكثرت الأحاديث التى تبين فضل المجاهدين على القاعدين، وتعد المقاتلين بإحدى الحسنيين، إما الفوز والنصر، وإما الشهادة والأجر {ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} النساء: 74 وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن ذروة سنام الإسلام هى الجهاد كما رواه الطبرانى. وبعد، فهذه فضائل ثلاثة، ينبغى أن نحرص عليها: الأولى فضيلة فردية لخاصة النفس وهى قيام الليل، يجاهد فيها نفسه ويتعرض لنفحات ربه، ورد فى حديث مسلم " إن فى الليل ساعة لا يوفقها رجل مسلم يسأل الله فيها خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا-أعطاه إياه، وذلك فى كل ليلة". والثانية فضيلة اجتماعية يظهر أثرها المباشر فى وقت السلم ويدرب بها لوقت الحرب، وهى صلاة الجماعة التى توحى بالتعاون والوحدة وحب النظام واحترام القيادة وعدم الشذوذ عن الجماعة. والثالثة فضيلة اجتماعية أيضا يظهر أثرها وقت الحرب، وهى التعبئة العامة المنظمة لرد العدوان وحماية الأوطان، جاء فيها قول النبى صلى الله عليه وسلم "مقام الرجل فى الصف فى سبيل الله تعالى أفضل من صلاته فى بيته سبعين عاما " رواه الترمذى بسند صحيح (8/262) ________________________________________ حديث فى قسمة الأرزاق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرجو شرح الحديث الشريف الذى يقول: " إذا نظر أحدكم إلى هن فضل عليه بالمال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه "؟
الجواب هذا الحديث رواه البخارى ومسلم، ويجب أن نعلم أن حظوظ الناس فى الحياة متفاوتة، والله وحده مالك الأمر كله، يعطى من يشاء، ويمنع ما يشاء عمن يشاء، قال تعالى {قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزمن تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير} [آل عمران:: 26] وقال {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} [الزخرف: 32] وهذا التفاوت فى الحظوظ لحكمة جاء بيانها فى مثل قوله تعالى: {وهو الذى جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم} [الأنعام:165] ولا يشترط أن يكون هذا التفضيل تكريما من الله لهم، فكم من كفار وعصاة يتقلبون فى االثراء ليزدادوا به كفرا وطغيانا، قال تعالى {لا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد. متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} [آل عمران: 196،،197] . ومنح الله لعباده قد تكون بمحض قدرته واختياره دون أن يكون لأحد فيها تدخل بوجه من الوجوه كالجمال الذى يولد به الإنسان ولا يد له فيه، وكالثراء الوارد عن طريق الميراث أو طريق لم يبذل فيه صاحبه أى جهد، وقد تكون هذه المنح نتيجة جهد وعمل كالتى تأتى عن طريق الكسب التجارى والصناعى وما شاكله. والطبيعة البشرية نزَّاعة إلى جب المال والجمال ومتع الحياة، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، وكثير من الناس ينظرون إلى ما فضل الله به الآخرين عليهم نظرة الحسرة والألم، ويتمنى بعضهم أن تزول هذه النعمة عن أصحابها ليتساووا جميعا فى الفقر والضعف والحاجة، وهذا هو الحسد المذموم الذى يورث صاحبه همًّا لا يفارقه، وقلقا لا يترك له فرصة يستريح فيها باله وتهدأ أعصابه، وقد يتورط فى أعمال غير كريمة لينال بها من هذا الذى فضله الله عليه، وقد ذم الدين هذا الخلق، وجاء فى الحديث أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقى. وقد يكون هناك بعض الناس الذين لم ينالوا حظا من متع الحياة يتمنون أن يكون لهم مثل ما لغيرهم، ويسعى بعضهم جاهدا لإدراك ما يتمنى. وقد يرتكب بعضهم فى سبيل ذلك ما لا يوافق عليه شرع ولا خلق. والحديث الذى نحن بصدده يرسم لنا الدواء الذى به تستريح النفس إزاء هذه الفوارق التى فضَّل بها الله بعض الناس على بعض، فيرشد كل عاقل إلى أنه لو تطلعت نفسه إلى ما منح غيره من مال وخلق، أى غنى وجمال وقوة أو غير ذلك من متع الدنيا، فجدير به أن ينظر إلى من هو أقل منه فى هذه الأمور، حتى يحس بأن الله أنعم عليه بما لم ينعم به على غيره، وهنا تهدأ نفسه، ويقنع بما عنده، ويكون هنا مجال لشكنر الله عليها، وهذا ما يشير إليه قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم " انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ". والإحساس بنعمة الله مهما صغرت وشكره عليها وسيلة من وسائل رضوان الله وحفظ النعمة وزيادتها، وعلى النقيض من ذلك يكون ازدراؤها والاستهانة بها موجبا لغضب الله وانتقامه فى العاجل أو الآجل، قال تعالى {وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد} [إبراهيم: 7] وقد جاء فى الهدى الإسلامى أن الإنسان إذا أراد أن يتنافس مع غيره فليكن التنافس فى مجال الخير والفضائل والكمالات، مستخدما فى ذلك ما منحه الله من مال وصحة ولو كان بقدر ضئيل، وهو ما يشير إليه قول النبى صلى الله عليه وسلم " لا حسد إلا فى اثنتين " والمراد لا ينبغى أن تكون هناك غبطة وتنافس واهتمام إلا فى هاتين الخصلتين " رجل آتاه الله مالا فسلَّطه على هلكته فى الحق، ورجل آتاه الله للحكمة فهو يقضى بها ويعلمها للناس " رواه البخارى ومسلم. أما التنافس الدنيوى المحض فهو مذموم، ذلك أن متاع الحياة الدنيا لا تشبع منه النفس الإنسانية، وهى حقيقة مقررة أشار إليها قول النبى صلى الله عليه وسلم " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا لهما، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب " رواه البخارى ومسلم. وقد وجه الله نبيه، وهو توجيه لأمته أيضا أن يكون الاهتمام بالكمال الأدبى والدينى أشد من الاهتمام بالكمال المادى الدنيوى الذى يلهى ويضر، قال تعالى: {ولا تمدَّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} [طه: 131] وقال تعالى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} [الكهف: 46] وقال {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى} [النساء: 77] . والإيمان بقدر الله والرضا بعطائه يهون على النفس متاعبها وآلامها، جاء فى الحديث الشريف " إن روح القُدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته " رواه ابن حبان وابن ماجه والحاكم وغيرهم بألفاظ متقاربة. والنبى صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من الاهتمام بالدنيا الذى يصرف عن الآخرة فقال " من كانت الآخرة أكبر همه جعل الله غناه فى قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهى راغمة، ومن كانت الدنيا أكبر همه جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له " رواه الترمذى وابن حبان وابن ماجه وغيرهم. وقد كان السلف الصالح يتنافسون فى البر، كما حدث من عثمان وأبى بكر وعمر فى تمويل جيش العسرة، وكما حدث من عبد الرحمن ابن عوف وغيره من الأعمال الخيرية الكثيرة، التى لم يلههم عنها ما جمعوه من مال. لكن ليس معنى هذا أن الله يصرف الناس عن الكسب ويحرمهم متع الدنيا، فهو القائل {يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} [المائدة: 87] وقال النبى صلى الله عليه وسلم " نعم المال الصالح للعبد الصالح " رواه أحمد بسند جيد وقال " الدنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقها بارك الله له فيها "رواه الطبرانى بإسناد حسن. فلنملأ قلوبنا بالإيمان، ولنجعل المعانى الأدبية أكبر همنا، ولنعمل جاهدين لرفع مستوانا، ولنوجه طاقاتنا إلى خير الدين والدنيا (8/263) ________________________________________ حديث فى فضل القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد شرح الحديث الشريف الذى يقول " خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه "؟
الجواب هذا الحديث رواه البخارى ومسلم، وتوضيح معناه يقتضينا أن نتحدث عن معنى الخيرية، وعن السبب الذى من أجله كان تعلم القرآن وتعليمه بهذه المنزلة العالية، وعن الآثار الواردة فى فضل التعلم والتعليم، وعن واجبنا نحو القرآن الكريم. فمعنى " خيركم من تعلم القران وعلَّمه " أفضلكم من انتسب إلى القرآن عن هذه الصلة، وهل هو أفضل الناس على الإطلاق، أو أفضل جماعة معينة منهم؟ لقد ورد مثلا قوله صلى الله عليه وسلم " خيركم خيركم لأهله " رواه الترمذى والنسائى والحاكم فهل الرجل الذى هو خير لأهله أفضل الناس جميعا؟ توفيقا بين التعبيرات الواردة في بيان الأفضلية قال العلماء: إن الأفضلية هنا نسبية، أو بالإضافة إلى جماعة معينة من الناس. فأفضل المشتغلين بالعلم هم المشتغلون بالقرآن، وأفضل المتعاملين مع الناس بالخير هم المتعاملون بالخير مع أهلهم. فكلٌّ فى بابه افضل وبالنسبة لجماعته ونوعه أشرف. ولماذا كانت أشرف مهمة علمية هى ما كانت متصلة بالقرآن الكريم؟ الجواب أن القرآن كلام الله، وكل ما كان متصلا بالله كان أشرف شئ فى الوجود، وأن القرآن دستور الحياة المثالية دنيا وأخرى وكل ما كان كذلك كانت الصلة به أشرف، والانتساب إليه أكرم. وكلام الله عند تلاوتنا له وتفقهنا فيه يزيدنا إيمانا بالله وإدراكا لعظمته. ودستور الحياة السعيدة كلما تعمقنا فى حفظه ودراسته قويت الرغبة فى احترامه والعمل على الإفادة من هدايته. والمعرفة عق طريق القرآن معرفة صادقة، والتطبيق على أساسها مضمون النتيجة، قال تعالى {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} [طه: 123] وقال {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} [إبراهيم: 2] . وتعليمنا للقرآن نشر لهدايته، وتوعية للناس بدستورهم، وأساس لمعرفة حقوقهم وواجباتهم، والمعرفة هى طريق العمل، والثقافة داعية النهوض بالمجتمع. والقرآن بالذات جماع الثقافات الصحيحة والمعرفة الصادقة، ودعوته دعوة للحضارة الأصيلة الشاملة، فهو ليس كتابا روحانيا محضا يرتل للعبادة فحسب، بل هو نظام حياة كاملة فى جميع قطاعاتها المادية والروحية، إنه يدعو إلى العلم والعمل والتطور والنهوض، ويربى جيلا قوى العقيدة، مستقيم الفكر، صافى النفس، متين الخلق، جديرا بحياة كلها قوة ورخاء وازدهار. ولأهمية القرآن وضرورته للحياة السعيدة جاءت النصوص الكثيرة مرِّغبة فى الإقبال عليه، محذرة من التجافى عنه. ففى مجال تعلمه وقراءته وتدبره ودراسته والتفقه فيه جاء قول النبى صلى الله عليه وسلم " إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله المتين، والنور المبين، والشفاء الناجع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوَّم، ولاتنقضى عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد. اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته، كل حرف عشر حسنات. أما إنى لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف، وميم حرف " رواه الحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود. وقال عقبة بن عامر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فى الصفة،فقال " أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق، فيأتى منه بناقتين كوماوين فى غير إثم ولا قطع رحم "؟ فقلنا: يا رسول الله كلنا يحب ذلك. قال " أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع وأعدادهن من الإبل " رواه مسلم. وفى الحديث الشريف " يا ألا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلِّى مائة ركعة " رواه ابن ماجه بإسناد حسن. وفيه أيضا "ومن سلك طريقا يبتغى به علما سهَّل الله به طريقا إلى الجنة " رواد مسلم "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع " رواه الترمذى وصححه. وفى جانب تعليم القرآن ونشر هدايته جاءت نصوص كثيرة مرغِّبة فيه، منها قوله صلى الله عليه وسلم " بلِّغوا عنى ولو آية " رواه البخارى. وهو نفسه كان معلما ومرشدا كبقية الأنبياء والمرسلين. وكفى بذلك شرفا. قال تعالى {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا.وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} [الأحزاب: 45، 46] وجاء فى حديث أبى ذر "ولأن تغدو فتعلِّم بابا من العلم، عمل به أو لم يعمل، خير من أن تصلى ألف ركعة " رواه ابن ماجه وحسنه وجاء فى الاجتماع على طلب العلم وتعليمه " ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، غشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده " رواه مسلم. وجاء فى معلم الناس الخير بوجه عام قوله صلى الله عليه وسلم " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص من أجهدهم شيئا " رواه مسلم. وبعد، فإننا نهيب بالمسلمين جميعا فى مشارق الأرض ومغاربها أن يعنوا بالقرآن الكريم تلاوة وحفظا وتدبرا ودراسة وتطبيقا وتنفيذا، فبالقرآن تستقيم الألسنة باللغة، وتقوى العقيدة بالإيمان، وتتسع المدارك بالثقافة، وتزكو النفوس بالأخلاق، ويقوى المجتمع بالعمل، وتنهض الأمة بالنظام. عليهم أن يعنوا بالقرآن الكريم ليسدوا منافذ العدو إلى العقائد والأخلاق، ولتبطل محاولات الاستعمار فى الاعتداء على الأوطان، ولينهض المجتمع بما يدعو إليه من عمل على أساس العلم والإيمان. لقد عنى به السلف الصالح فعزوا، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. اقرءوا القرآن فإنه يأتى شفيعا لأصحابه يوم القيامة، ويقال لقارئ القرآن: اقرأ فارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها، علموه أولادكم حتى يلبسكم الله تاجا من نور يوم القيامة، كما وردت بذلك الأحاديث ولا تتخذوه مهجورا، بل طبقوا مبادئه تسعدوا فى دنياكم وأخراكم، قال تعالى {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} [المائدة: 15، 16] (8/264) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:23 am | |
| من صفات النبى صلى الله علية وسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنا قول النبى صلى الله عليه وسلم لست فاحشا ولا متفحشا؟
الجواب النبى صلى الله عليه وسلم على أعلى درجة من الكمال فى فكره وسلوكه، وكذلك الأنبياء والمرسلون قد اصطف من خلقه ليكونوا دعاة لهم إلى الخير ومبلَّغين عن الله رسالته، وقد مدح الله سبحانه نبيه محمدا صلى الل {وإنك لعلى خلق عظيم} وقد دعا ربه بقوله: اللهم كما حسَّنت خَلقى فحسن خُلقى. ومن أخلاقه الحسنة عفة اللسان ونزاهة القول وطهارته، وبخاصة فى مخاطبته للناس وتعامله معهم وذلك نابع من صفاء قلبه وامتلائه بالرحمة، وحسن ذوقه وأدبه، وقد التزم ذلك السلوك حتى مع أعدائه، وفى أحرج الأوقات، فلما شج وجهه فى غزوة أحد وشق على أصحابه ذلك وقالوا: لو دعوت عليهم، قال " لم أُبعث لعانا، ولكنى بعثت داعيا ورحمة، اللهم اغفر لقوس فإنهم لا يعلمون ". وقد صح فى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا، وفى رواية: لم يكن سبابا ولا فاح والفحش هو كل ما خرج عن حده حتى يستقبح، وهو يدخل فى القول والعمل والصفة، لكن استعماله فى القول أكثر والمتفحش هو الذى يتعمد ذلك ويكثر منه ويتكلفه. واللعن هو الطرد من رحمة الله. وقد حدث كما فى رواية البخارى أن رجلا استأذن عليه صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال " بئس أخو العشير ابن العشيرة، فلما جلس تطلق فى وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل سألت عائشة رسول الله صلى الله علي ذمه ثم الانبساط إليه، فقال " متى عهدتنى فحاشا، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه ال وذلك الرجل هو عيينة بن حصن الفزارى الذى يطلق عليه الأحمق المطاع، ولم يكن قد أسلم، أو كان إسلامه ضع وتألفه بهذه المعاملة ليسلم قومه. وهذا القول من النبى صلى الله عليه وسلم ليس غيبة، بل هو بيان لحقيقة الرجل حتى يعامل على أساسها، فهو للناس وإرشادهم إلى الخير، وفعله هذا يعد من باب المداراة فى معاملة الناس، وهى بذل الدنيا لصلاح الدين أو الدنيا، ولا شىء فى ذلك، بخلاف المداهنة وهى بذل الدين لصلاح الدنيا فهى مذمومة لأنها صفة المنافقين أو الكافرين (8/265) ________________________________________ معجزات فى الهجرة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إن الله أعمى أبصار المشركين الواقفين حول بيت النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة حتى خرج من بينهم نسجت عل الغار فلم يستطيعوا رؤيته؟ فهل هذا صحيح؟
الجواب من الثابت المقرر أن الله سبحانه وتعالى نجَّى رسوله صلى الله عليه وسلم من كيد المشركين الذين صمموا نفيه من مكة كما قال تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك، أى يحبسوك، أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} [الأنفال: 30] والمراد بالمكر المنسوب إلى وعبر به مشاكلة لما هو عند الكافرين. ومن هذا التدبير المحكم أنه خرج سليما من وسط الملتفين حول بيته ليلة الهجرة كما أجمعت على ذلك كتب السيرة، وكذلك لم يمكنهم الله من رؤيته وهو فى الغار كما نص على ذلك القرآن الكريم {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40] . لكن هل نجاته من المتربصين له حول بيته كانت بذكاء النبى صلى الله عليه وسلم والتماسه مخرجا من وراء اأو كان بِذَرِّ التراب على رء وسهم فأعمى الله عيونهم عنه؟ الأمران محتملان، والتماسه مخرجا خلفيا من بالأسباب، وربما لم يجد هذا المخرج الآمن، فتداركه الله بعنايته وأخرجه من بينهم سليما، والله قادر ع القائل " والله يعصمك من الناس " ورواية نثر الحصا على رءوسهم أقوى من رواية صعوده على الحائط من الجهة فقد أثبتها ابن إسحاق ورواها ابن أبى حاتم وصححها الحاكم. والأمر كما قلنا ممكن ولم يرد ما ينفيه. ونسج العنكبوت والشجرة والحمامتان عند الغار وردت فى مسند البزار وفى مسند أحمد، وبصرف النظر عن صحة الروايتين أو ضعفهما فإن ذلك ممكن وليس بمستحيل على قدرة الله، والمهم أن الله صرف أبصار المشركين عنه سواء أكان بواسطة أو غير واسطة، وكم لله من معجزات وخوارق عادات أكرم بها أنبياءه والمصطفين من عباده، ولا داعى للإنكار على من يصدق ما نقلته كتب السنة والسيرة، فليس فيه مساس بكرامة النبى صلى الله عليه وسلم، كما أن الذين ينفون ذلك لا خوف على إيمانهم، والمهم أن نت الرسول من هداية (8/266) ________________________________________ الرسول والصدقة والهدية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، فهل هذا صحيح وما الفرق بينهما؟
الجواب الصدقة مال ونحوه يملَّك لمحتاج دون مقابل مشروط تدفع إليه الرحمة والشفقة، ويقصد بها أول ما يقصد ثواب الله تعالى والهبة أو الهدية مال ونحوه يملك دون مقابل مشروط فى بعض الأحيان، ولكن لغير محتاج ولا يقصد منه ثواب الله بقدر ما يقصد منه التكريم، ولا تدفع إليه الرحمة والشفقة بقدر ما تدفع إليه المودة والمحبة. وقد قال العلماء: إن كانت الهدية إلى صغير فلا ينتظر لها مقابل، ولا يجب على المهدى إليه شىء، وإن كانت إلى كبير فالغالب قصد المقابل، والمكافأة عليها واجبة، وإن كانت إلى نظير مماثل كان فيها احتمال للمقابل وللمكافأة عليها. وإن كانت هذه المكافأة مطلوبة فى جميع الحالات ولو بالثناء والشكر، ففى حديث أبى داود والنسائى وغيرهما "من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ". والهدية مشروعة بل مستحبة إن لم تكن لغرض غير مشروع، وذلك لحديث البيهقى بإسناد حسن "تهادوا تحابوا" حتى لو كانت بين المسلم وغيره، كما قبل النبى هدية المقوقس وأهدى بعض الكفار ويسن قبولها حتى لو كانت بسيطة، ففى حديث البخارى "لو أهدى إلىَّ كراع أو ذراع لقبلت " فكان يقبل الهدية ويثيب عليها كما رواه البخارى. أما الصدقة فلم يكن يقبلها لأنها أوساخ الناس ويصحبها فى الغالب ذلة ومهانة ومنة. فكان إذا أتى إليه بطعام من غير أهله سأل عنه، فإن كان صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل، وإن كان هدية أكل معهم،وقد يكون الطعام فى أوله صدقة فيحرم عليه أكله ثم يصير هدية فيحل له أن يأكله، ثبت فى البخارى ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم تصدق بشاة على نُسيبة أم عطية الأنصارية فأهدت إلى السيدة عائشة رضى الله عنها منها شيئا، ولما سألها الغداء قالت ما عندنا إلا شىء مما تصدقت به أنت على نسيبة، فقال "إنها بلغت محلَّها " أى زال عنها حكم الحرمة وصارت حلالا بالهدية، كما ثبت فيهما أيضا مثل ذلك فى طعام تصدق به على بريرة ثم أعطت منه عائشة فأكل منه النبى صلى الله عليه وسلم وقال "هو عليها صدقة ولنا هدية". قال العلماء: المعنى أن الصدقة إذا أخذها الإنسان صارت ملكا له يتصرف فيها بالبيع والهبة وغيرها فيزول عنها وصف الصدقة، والتحريم على الصفة لا على العين، وقال الأبى فى شرح مسلم، كون الصدقة أوساخ الناس ليس وصفا ذاتيا بل هو وصف حكمى، جعل بالشرع وزال بالشرع (8/267) ________________________________________ خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كثيرا ما نقرا فى الكتب عن حكم من الأحكام فيقال إنه من خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم فلماذا كانت هذه الخصوصيات، وهل يمكن أن تعرف؟
الجواب الخصوصيات لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك لسائر الأنبياء أمر تقتضيه طبيعة مهمتهم، فالقادة والزعماء والحكام فى كل مجتمع وفى كل عصر لهم مميزات ليست فى غيرهم، وهذه المميزات ليست كلها تيسيرا أو زيادة فى التمتع بطيبات الحياة، بل منها ما هو شديد يفرض سلوكا معينا فيه معاناة نفسية فى مقابل التكريم والتشريف الذى رفع الله به منازلهم على غيرهم من عامة الناس، فالشىء الغالى والثمين يبذل فى الحصول عليه اكبر مما يبذل فى غيره، فمن طلب الحسناء لم يُغله المهر، ولابد دون الشهد من إبر النحل، ويكفى فى الاستدلال على ذلك قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة،يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون} التوبة: 111، وقول النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها: " أفلا أكون عبدا شكورا"عندما وجدته يقوم الليل حتى تورمت قدماه مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه. رواه البخارى ومسلم. ومعرفة خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم قال بعض العلماء لا فائدة فيها"الزرقانى على المواهب ج 5ص 1206 " لكن النووى قال: إن معرفتها جائزة بل مستحبة بل قد تكون واجبة، لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتا فى الحديث الصحيح فعمل به أخذًا بأصل التأسى والاقتداء، فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها وقد تكون هناك خصائص لا حاجة لمعرفتها فى السلوك ولكن مجرد المعرفة لا يخلو من فائدة. وقد وردت أحاديث كثيرة نص فيها على بعض الخصوصيات. وهى كثيرة حاول بعض المؤلفين حصرها كابن سبع والنووى وابن الملقن وغيرهم وقام القسطلانى فى المواهب بجعلها فى مجموعات أربعة: الأولى فى الواجبات والثانية فى المحرمات والثالثة فى المباحات والرابعة فى الفضائل والكرامات. فمن الواجبات التى تتناسب مع قدرته لم يعظم بها أجره والتى اختلف فى وجوبها بعض العلماء، صلاة الضحى والوتر وركعتى الفجر وصلاه الليل والسواك والأضحية والمشاورة ومصابرة العدو وتغير المنكر فى كل الأحوال، وقضاء الدين عمن مات مسلما معسرا، وتخيير نسائه فى فراقه أو البقاء معه، وإمساكهن بعد اختيارهن له وعدم التبدل بهن مكافأة لهن. ومما اختص به من المحرمات: تحريم الزكاة والصدقة عليه، وتحريم أكل ما له رائحة كريهة كالثوم والبصل لتوقع مجئ الملائكة والوحى له، وتحريم الكتابة والشعر أى التوصل إليهما، وتحريم نزع لأْمته - عدة الحرب - إذا لبسها حتى يقاتل، والمن ليستكثر أى إعطاء شىء طالبا أكثر منه، ومد الأعين لما متَّع الله به الناس، ونكاح من لم تهاجر إلى المدينة، وتحريم إمساك من كرهته، ونكاح الكتابية لأن زوجاته أمهات المؤمنين وزوجات له فى الآخرة ومعه فى درجته فى الجنة، وكذلك نكاح الأمة المسلمة بخلاف التسرى بها فهو حلال. ومما اختص به من المباحات وإن لم يفعل أكثرها: عدم نقض وضوئه بالنوم، وعدم نقضه بلمس المرأة الأجنبية على الأصح، وإباحة الصلاة بعد العصر، والصلاة على الميت الغائب عند بعض الأئمة، وتقبيل زوجاته فى الصيام، وجواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها كما فى قصة أم حرام بنت ملحان، ونكاح أكثر من أربع نسوة، والنكاح بلفظ الهبة من جهة المرأة، والنكاح فى حال الإحرام، والنكاح بلا ولى ولا شهود كنكاحه لزينب بنت جحش -والقتال بمكة ودخولها من غير إحرام، والقضاء بعلمه دون حاجة إلى شهود. وأما ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات فكثير جدًّا لا يتسع لبعضه المقام ويمكن الاطلاع على المواهب اللدنية للقسطلانى مع شرح الزرقانى "ج 5ص 242 " لتعرف الأدلة على الخصوصيات كلها وما كان منها محل اتفاق وما كان محل اختلاف (8/268) ________________________________________ حديث: كما تكونوا يولَّ عليكم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "كما تكونوا يولَّ عليكم " وما معناه؟
الجواب هذا الحديث رواه الديلمى فى مسند الفردوس عن أبى بكرة، ورواه البيهقى عن أبى إسحاق السبيعى مرسلا-أى سقط منه الصحابى - وهو حديث ضعيف، والمضى الذى يفهم منه أن الناس إذا كانوا صالحين جعل الله عليهم أميرا صالحا، وإذا كانوا فاسدين جعل أميرهم فاسدا، وإذا كان الأمير أو الوالى منتخبا منهم ليس متسلطا ولا غريبا عنهم فإن كانوا صالحين اختاروه من الصالحين، وإن كانوا فاسدين اختاروه من الفاسدين. فالمعنى الأول تكون التولية من الله إما نعمة للصالحين وإما نقمة للعاصين المفسدين، والمعنى الثانى تكون التولية بالاختيار منهم، والصالح يختار الصالح، والفاسد يختار الفاسد، والطيور على أشكالها تقع، ومن هنا تكون التبعة جسيمة على الشعب أو الجماعة التى تنتخب من يرشح للولاية عليها، فإن قدروا فيه القيم الدينية والسلوك السوى واختاروه لذلك كان خيرا وبركة عليهم، وإن قدروا فيه القرابة أو الوجاهة أو غير ذلك من الاعتبارات دون اهتمام بعامل الدين والخلق كان نكبة عليهم، ولا يجوز لهم الشكوى منه فهم سبب الشكوى والله يقول {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرة} الشورى: 30. هذا، والحديث روى بهذا اللفظ وفيه حذف النون من "تكونوا" وحذف الألف من "يول " علامة الجزم، لتضمين "كما" معنى "حيثما أو معنى إن " وهما من الأدوات التى تجزم فعلين، وقيل غير ذلك، ولا داعى للتطويل فى الإعراب فالحديث ضعيف السند (8/269) ________________________________________ عرض الحديث على القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: لا نأخذ أحكام الدين إلا من القرآن، وإذا كانت هناك أحاديث نبوية فلا نأخذ بها إلا إذا كانت موافقة للقرآن، ولابد من عرضها عليه فما مدى صحة هذا القول؟
الجواب الاعتماد فى التشريع على السنة النبوية مأمور به كالاعتماد على القرآن والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء: 59، وقوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر: 7، وقوله صلى الله عليه وسلم "فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين "رواه أبو داود وابن ماجه وابن حيان والترمذى وقال: حسن صحيح. وغير ذلك من الأدلة كثير يمكن الرجوع إليه فى الجزء الأول من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف " ص 67. ومن الشبه التى أخذ بها من يرفضون أخذ الأحكام من الأحاديث النبوية ما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا جاءكم عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق فخذوه وما خالف فاتركوه " وقد بين أئمة الحديث أن هذا الحديث موضوع ومختلق على النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن نفسه يكذب هذا الحديث، فلو عرضناه على القرآن لوجدنا فيه ما يعارضه ويكذبه وهو قوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فالدعوى لَحمل معها دليل بطلانها، وقد وضح بطلان هذا الحديث البيهقى فى كتابه ""حرفة السنن والآثار"ج 1 ص 23 [انظر مجلة الأزهر عدد شعبان 1415] وقد ألهم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن قوما سيأتون لا يعتمدون إلا على القرآن ويرفضون الأخذ بما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "ألا إنى أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه، ألا، لا يحل لكم الحمار الأهلى ولا كل ذى ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فعليه أن يعقبهم بمثل قراه " رواه أبو داود، فقد وضح الرسول فى الحديث أن تحريم الأشياء المذكورة ليس فى القرآن،. وهو تشريع واجب أن يعتمد عليه، والقرى هو الضيافة. هذا، وفى" مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة للسيوطى ص 30". عن الحديث الوارد فى السؤال - أن الشافعى ذكر أن هذه الرواية منقطعة عن رجل مجهول. قال البيهقى: أشار الشافعى إلى ما رواه خالد بن أبى كريمة عن أبى جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى، فصعد المنبر وخطب وقال " إن الحديث سيفشو عنى، وما أتاكم يخالف القرآن فليس منى " قال البيهقى: خالد مجهول، وأبو جعفر ليس بصحابى، فالحديث منقطع. ثم ذكر البيهقى روايات أخرى لهذا الحديث، وكلها مطعون فيها (8/270) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:25 am | |
| الرسول ورقة حاله
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يطوى الأيام جوعا، فكيف ذلك مع ما ثبت من وفرة الخير عنده وادخاره لما يكفى سنة؟
الجواب النصوص كثيرة فى رقة حال النبى صلى الله عليه وسلم " واكتفائه من العيش بالضرورى منه، فمما رواه البخارى وغيره عن عائشة رضى الله عنها قولها: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُر ثلاث ليال تباعا حتى قُبض، وما أكل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين فى يوم إلا إحداهما تمر، وقولها: كان يأتى علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللُّحيم. وقولها: إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة فى شهرين وما أوقدت فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قيل لها: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا انه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح - حيوانات ذات لبن - وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه، وقولها: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم -جلد-وحشوه ليف. ذلك فى الوقت الذى ثبت فيه أنه ادخر لأهله قوت سنة، وقسم بين أربعة أشخاص ألف بعير مما أفاء الله عليه، وساق فى عمرته مائة بدنة، نحرها وأطعمها المساكين. وأمر لأعرابى بقطيع من الغنم، وأن بعض أصحابه كانوا أغنياء بذلوا أنفسهم وأموالهم بين يديه فعندما أمر بالصدقة جاء أبو بكر بجميع ماله وجاء عمر بنصفه، وجهز عثمان جيش العسرة بألف بعير. فكيف نوفَق بين رِقة حاله وبين ما أتيح له من نعيم، وكذلك الحال مع أصحابه؟ والجواب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختار لنفسه العيش الكفاف مع إمكان أن يعيش أفضل وذلك ليضرب المثل لأمته حتى لا يعتنوا بالدنيا وبخاصة ما وقع فى قلبه أن الله سيفتح عليهم أبواب الغنى، فهو يعدهم لعدم الفتنة، وقد صح أنه قال "فوالله ما الفقر أخشى عليكم: ولكنى أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " وهو صلى الله عليه وسلم كانت له بعض الأحوال يأخذ فيها حظه من متعة الحياة، ولكن ليس بصفة دائمة، للمعنى الذى ذكرته، وكان أصحابه المهاجرون فى أول أيامهم فى أشد الحاجة إلى ما يقيم أودهم، فقد تركوا أموالهم فى مكة وقاسمهم إخوانهم الأنصار أموالهم، ثم بعد ذلك أفاء الله عليهم من نعمه الكثيرة بالفئ والغنيمة. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختار رقة الحال مع إمكان حصول التوسع والتبسط فى الدنيا له: ففى حديث رواه الترمذى " عرض علىَّ ربى ليجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يارب، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما، فإنا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت شكرتك ". فالخلاصة أن الرسول وأصحابه كانوا فى حاجة عند الهجرة فاضطروا إلى العيش المتواضع، ولما فتح الله عليهم تمتعوا بنعمة الله وكان منهم الأغنياء، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان كذلك لكنه كان يؤثر رقة العيش عند توفر الإمكانات ليضرب المثل لأصحابه وبخاصة عندما يفتح الله عليهم كنوز الخيرات، ذلك إلى أن القناعة بالقليل مع وجود الكثير فيها تمرين للنفس على مواجهة الاحتمالات، فليست الحياة كلها رخاء وليست الأيام كلها راحة، وفى تشريع الصيام ما يؤكد الحاجة إلى هذا التمرين العملى (8/271) ________________________________________ حديث: الطائفة التى على حق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأنا فى بعض الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين عل الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر الله، فمن كل هذه الطائفة؟
الجواب هذا الحديث رواه البخارى وعنون له بما يفيد أن هذه الطائفة هى أهل العلم، وذكر بعد هذا الحديث حديثا يقول "من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين، وإنما أنا قاسم ويعطى الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتى أمر الله ". فالعلماء هم الطائفة الظاهرة على الحق، وفى بعض الأقوال أنهم أهل الحديث خاصة، والحق أنهم العلماء بالدين عامة. ومعنى ظهورهم أنهم غالبون، ويؤيده حديث رواه مسلم "لن يبرح هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة " وفى رواية له " لا تزال عصابة من أمتى يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة". وإذا صح الحديث بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس، فإن الله يبعث ريحا كريح المسك، لا تترك نفسا فى قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة، وقيل: إن شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة يكونون بموضع مخصوص. وأن موضعا آخر يكون به طائفة يقاتلون على الحق لا يضرهم من خالفهم. وقال النووى: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدّث ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين فى بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم فى قطر واحد وافتراقهم فى أقطار الأرض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا، إلى ألا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله. "فتح البارى ج13 ص 306 - 308" (8/272) ________________________________________ حديث: عمر الدنيا سبعة آلاف سنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الدنيا سبعة آلاف سنة، وأنا بعثت فى نصف السادس منها"؟
الجواب روى البخارى وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "بُعثت أنا والساعة كهاتين " وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى. والمراد بذلك قرب الساعة وأنه لا نبى بعده ولا منافاة بينه وبين الحديث الآخر "ما المسئول عنها بأعلم من السائل) لأن الحديث الأول يعنى أنه ليس بينه وبين الساعة نبى، كما أنه ليس بين السبابة والوسطى إصبع أخرى، ولا يلزم من ذلك علم وقتها بعينه، ولكن سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة، وبعثة النبى صلى الله عليه وسلم نفسها أول أشراطها. قال عياض: حاول بعضهم فى تأويله أن نسبة ما بين الإصبعين كنسبة ما بقى من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى وأن جملتها سبعة آلاف سنة، واستند إلى أخبار لا تصح، وذكر ما أخرجه أبو داود فى تأخير هذه الأمة نصف يوم وفسره بخمسمائة سنة، فيؤخذ من ذلك أن الذى بقى نصف سبع، وهو قريب مما بين السبابة والوسطى فى الطول قال: وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار، ولو كان ذلك ثابتا لم يقع خلافه. يقول ابن حجر: وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد عياض إلى هذا الحين ثلثمائة سنة. وقال إن ابن جرير الطبرى أورد فى مقدمة تاريخه عن ابن عباس أن الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، وقد مض ستة آلاف ومائة سنة وأورده من طريق يحبى بن يعقوب الذى قال عنه البخارى: منكر الحديث. وفى الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا لاما أجلكم فى أجل من كان قبلكم إلا من صلاة العصر إلى مغرب الشمس " وفسر بأن مدة هذه الأمة قدر خمس النهار تقريبا. والطبرى ارتض أن الدنيا سبعة آلاف سنة، وأيده السهيلى بحديث عن ابن زمل، "الدنيا سبعة آلاف سنة بُعثت فى آخرها" لكن هذا الحديث ضعيف جدا، وإسناده مجهول. وأورده ابن الجوزى فى الموضوعات وقال ابن الأثير: ألفاظه مصنوعة. إن قول النبى صلى الله عليه وسلم "بُعثت أنا والساعة كهاتين " ليس فيه ما يقطع بصحة هذا التحديد بل غايته بيان قرب الساعة، وليس بينها وبين النبى نبى آخر، وحاول جماعة أن يحددوا موعد القيامة أو عمر الدنيا عن طريق الحروف المقطَّعة أوائل السور فتضاربت أقوالهم. وكلها ظنون والظن لا يغنى من الحق شيئا، فلنكل علم ذلك إلى الله سبحانه، ولنستعد للقائه بالعمل الصالح، ولنوفر جهدنا لنبحث عما يحل مشكلاتنا الضاغطة. وما أكثرها فى هذه الأيام التى كثرت فيها النذر بقرب قيام الساعة، انظر " فتح البارى لابن حجر ج 11 ص 355- 359" لترى صورة الجدال الذى شغل به الأولون. وأنظر " الروض الأنف للسهيلى ج 2 ص 36 " (8/273) ________________________________________ المؤمن مصيره الجنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك نص يقول: إن المؤمن العاصى سيكون مصيره الجنة؟
الجواب روى البخارى ومسلم عن أبى ذر رضى الله عنه قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقط فقال " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال " وإن زنى وإن سرق " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: " وإن زنى وإن سرق " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال " وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبى ذر " فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبى ذر. وفى رواية للبخارى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " أتانى جبريل فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت وإن زنى وإن سرق ". يؤخذ من هذا أن الإنسان ما دام مؤمنا ومات على إيمانه سيدخل الجنة، فإن كانت عليه ذنوب ومات ولم يتب منها فقد يغفر الله له إن شاء، وقد يغفر له بشفاعة من تقبل شفاعته وقد يعذبه فى النار بمقدار عصيانه وفى النهاية يخرج منها ولا يخلد فيها، أى ينتهى مصيره إلى الجنة، قال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 148. وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغى بذلك وجه الله " أى حرم خلوده فيها. أما الأحاديث التى تنفى الإيمان عن الزانى والسارق ومرتكبى المعاصى فيراد بها نفى الإيمان الكامل، وليس نفى الإيمان أصلا، مثل " لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن " فالمعصية لا تنفى الإيمان، ولا تخرج العاصى إلى الكفر كما يقول الخوارج، اللهم إلا إذا اعتقد أن المعصية حلال، أى ارتكب الزنى مثلا على أنه حلال غير حرام فهنا يكون كافرا، وينطبق عليه ظاهر الحديث وإطلاقه دون تقييد (8/274) ________________________________________ الدابة من علامات الساعة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الدابة التى جاء فيها {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} النمل: 82؟
الجواب أولا: اختلف المفسرون فى معنى " وقع القول عليهم " فقيل معناه وجب غضب الله، أو حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون، أو سخط الله عليهم بموت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن. وقيل غير ذلك، ويجمعها البعد عن الدين بدليل آخر الآية. جاء فى صحيح مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا - طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض ". وثانيا: فى تعيين الدابة خلاف أيضا، فقيل: إنها فصيل ناقة صالح - ويقول القرطبى: هو أصح الأقوال، وساق حديثا طويلا فى ذلك، وقيل: إنها الجساسة وهى دابة طولها ستون ذراعا، وعلى خلقة الآدميين، وقيل: جمعت من خلق كل حيوان، وقيل غير ذلك. وخروجها مختلف فى مكانه أيضا، فقيل: تخرج من جبل الصفا بمكة، وقيل: تخرج ثلاث مرات: فى بعض البوادى ثم فى القرى ثم من أعظم المساجد، وقيل: من مسجد الكوفة حيث فار تنُّور نوح، وقيل من الطائف، وقيل غير ذلك. أما كونها إنسانا متكلما يناظر أهل البدع والكفر فقول مردود كما قال القرطبى. والدابة تسم الناس على خراطيمهم أى أنوفهم، وتكلمهم ببطلان الأديان غير الإسلام وبالرد على من كان يزعم عدم خروجها لأنها من آيات الله. وكل ذلك قرب قيام الساعة، وفى كتب التفسير كلام كثير يكفى منه هذا القدر (8/275) ________________________________________ ما يخرج من الميت قبل الصلاة عليه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يحدث أن الميت بعد الانتهاء من غسله وتكفينه يخرج منه شىء مما ينقض الوضوء قبل الصلاة عليه، فهل نعيد غسله أو نغسل موضع النجاسة فقط؟
الجواب جاء فى فقه المذاهب الأربعة - نشر وزارة الأوقاف المصرية - ما نصه: إذا خرج من الميت بعد غسله نجاسة علقت ببدنه أو بكفنه فإنها تجب إزالتها، ولا يعاد الغسل مرة أخرى. وجاء فيه أن الحنفية قالوا: النجاسة الخارجة من الميت لا تضر، سواء أصابت بدنه أو كفنه، إلا أنها تغسل قبل التكفين تنظيفا لا شرطا فى صحة الصلاة عليه، أما بعد التكفين فإنها لا تغسل، لأن فى غسلها مشقة وحرجا، بخلاف النجاسة الطارئة عليه كأن كفن بنجس فإنها تمنع من صحة الصلاة عليه. والحنابلة قالوا: إذا خرج من الميت نجاسة بعد غسله وجبت إزالتها وإعادة غسله إلى سبع مرات، فإن خرج شىء بعد السبع وجب غسل الخارج فقط ولا يعاد الغسل، هذا إذا كان خروج النجاسة قبل وضعه فى الكفن، أما بعده فلا ينتقض الغسل ولا يعاد. هذه هى الآراء، وللإنسان أن يختار ما يشاء (8/276) ________________________________________ الصلاة على المنتحر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الصلاة على المنتحر؟
الجواب صلاة الجنازة فرض كفاية على كل من مات مسلما حتى لو كان عاصيا، ولا تجوز على الكافر ولا على المرتد، ومن الردة استحلال ما حرمه الله تحريما قاطعا، والانتحار محرم قطعا، بالقرآن والسنة، قال تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء: 29، وبيَّن النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح أن من قتل نفسه بحديدة أو سمٍّ أو إلقاء من مكان عال فهو يعذب فى النار خالدا فيها أبدا على الطريقة التى قتل بها نفسه. وإذا علمنا من المنتحر بكلامه أو بورقة مكتوبة بخطه مثلا أنه يستحل الانتحار كان مرتدا، ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين. وإن لم نعلم فنحمل أمره على الظاهر وهو الإسلام، ونصلى عليه وندفنه فى مقابر المسلين. والحديث المذكور محمول على من استحل الانتحار، فهو مخلد فى النار، أو محمول على التغليظ والتنفير كما جاء فيمن قتل مؤمنا متعمدا {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاب عظيما} النساء: 93، ومما يدل على أن المنتحر الذى لم يستحل الانتحار مؤمن وإن كان عاصيا ما رواه مسلم أن رجلا هاجر إلى المدينة فمرض لعدم ملاءمة جوها له فجزع فقطع مفاصل أصابعه فسال دمه بقوة ومات، فراه الطفيل الدوسى فى المنام فى هيئة حسنة مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ قال: غفر لى بهجرتى إلى نبيه، فقال: ما لى أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لى لن نصلح منك ما أفسدت، فقصَّ الرؤيا على الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا له وقال " اللهم وَلِيَدَيْه فاغفر ". يقول النووى فى التعليق على هذا الحديث: فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار، بل هو فى حكم المشيئة، أى فى حكم قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48. يؤخذ من هذا أن المنتحر الذى لم يعلم استحلاله للانتحار مؤمن، فيصلى عليه صلاة الجنازة. لكن ورد نص يمنع الصلاة عليه، ففى مسلم عن جابر بن سمرة قال: أُتِىَ النبى صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص - سهام عريضة -فلم يصل عليه، قال العلماء: هذا الحديث محمول على التنفير من الانتحار، كعدم صلاته الجنازة على من عليه دين، وقد صلت الصحابة على المدين بأمر النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك للتنفير من الدين وليس لأنه كافر، وتكره عند مالك الصلاة على المرجوم بحد، والفساق، وذلك زجرًا لهم " صحيح مسلم -شرح النووى ج 7 ص 47 " (8/277) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:26 am | |
| الكتابة على القبر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرى بعضى المقابر مكتوبا عليها آيات قرآنية وأسماء من بنوها، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب روى الترمذى وصححه عن جابر رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ، أى تداس. وفى لفظ النسائى: أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه. الظاهر من هذا الحديث النهى عن الكتابة على القبور. دون تفرقة بين كتابة اسم الميت وكتابة غيره. قال الحاكم: مع صحة الحديث فالعمل ليس عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم، وهو شىء أخذه الخلف عن السلف. لكن الذهبى قال: إن هذا شىء محدث ولم يبلغهم النهى. ورأى المذاهب الفقهية فى ذلك على ما يأتى: أ - قال الحنفية: يكره تحريما كتابه أى شىء على القبر، إلا إذا خيف ذهاب أثره فلا يكره. 2 - وقال المالكية: إن كانت الكتابة قرآنا حرمت، وإن كانت لبيان اسم المتوفى أو تاريخ موته فهى مكروهة. 3-وقال الشافعية: إن النهى عن الكتابة للكراهة، سواء أكانت قرآنا أم كانت اسم الميت، لكن إذا كان القبر لعالم أو صالح ندب كتابة اسمه عليه وما يميز ليعرف. 4 -والحنابلة قالت: إن النهى عن الكتابة للكراهة، سواء كانت قرآنا أم غير ذلك، دون تفرقة بين قبر عالم أو صالح وقبر غيره. وابن حزم، يرى أن نقش اسم الميت على القبر لا كراهة فيه، وكل ذلك يعتمد فيه إلى حد كبير على النية الباعثة للكتابة، فإن كانت لمجرد التعرف على صاحب القبر فلا بأس بذلك مطلقا. فقد روى ابن ماجه عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم وضع صخرة على قبر عثمان بن مظعون وجاء فى رواية أبى داود أنه قال: " أتعلَّم بها قبر أخى، وأدفن إليه من مات من أهلى " وإن كانت الكتابة للفخر والمباهاة فهى مذمومة قطعا (8/278) ________________________________________ وضع الجريد على القبر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرى كثيرا من زوار القبور يضعون عليها الزهور والجريد، فهل هذا مشروع؟
الجواب روى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: " إنهما ليعذبان، وما يعذبان فى كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشى بين الناس بالنميمة) ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا وقال: " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ". العسيب - الجريدة التى لم ينبت فيها خوص، فإن نبت فهى السعفة. وفى حديث مسلم عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أن يقطع غصنين من شجرتين كان النبى صلى الله عليه وسلم يستتر بهما عند قضاء حاجته، ثم أمره أن يلقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبى صلى الله عليه وسلم جالسا ولما سأله عن ذلك قال: (انى مررت بقبرين يعذبان فاحببت بشفاعتى أن يرفعه عنهما ما دام الغصنان رطبين) " شرح النووى ج 18 ص 4 " وهناك قصة ثالثة رواها ابن حبان فى صحيحه عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال: (ايتونى بجريدتين) فجعل أحداهما عند رأسه، والآخرى عند رجليه. وأكثر من قصة وردت فى وضع الجريد على القبر، والعلماء فى مشروعيته فريقان، فريق يقول: إنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم وليس مشروعا لغيره، وفريق يقول: إنه عام لكل المسلمين فالخطابى فى شرح سنن أبى داود "ج اص 42 " يستنكر وضع الجريد على القبر لغير النبى صلى الله عليه وسلم، والطرطوشى يعلم ذلك بأنه خاص ببركة يده عليه الصلاة والسلام، ويد غيره لا يجزم ببركتها، وابن رشيد يستنتج أن البخارى مع هذا الفريق، وذلك حيث عقب الحديث بقول ابن عمر: إنما يظله عمله. وذلك فى فسطاط - بيت من الشعر أو غيره -وضع على قبر عبد الرحمن بن أبى بكر، حيث قال: انزعه يا غلام فإنما يظله عمله، والقاضى عياض ينضم إلى هذا الفريق ويقول: إن غرزهما على القبر سببه أمر مغيب. وهو قوله (ليعذبان) ، وليس هنالك من الناس من يعلم الغيب، كما أن بعض العلماء من هذا الفريق قال: لم يثبت أن أحدا من الصحابة فعل ذلك إلا بريدة بن الخصيب الأشلمى، ولو كان جائزا ما تركوه وتفرد به واحد منهم. والفريق المجيز لوضع الجريد على القبر لعامة المسلمين قال: لم يرد ما يدل على خصوصية النبى صلى الله عليه وسلم بذلك، فيبقى فعله عاما له ولأمته على التأسى به فيما لا يخص به، كما أنه لم يرد ما يدل على أن الصحابة اعترضوا على ابن الخصيب الذى أوصى أن يوضع على قبره جريدتان، بل روى الأكثرون أنه أوصى أن يوضع فى قبره لا على قبره، وقد فعل هو ذلك تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم. وعدم نقل أن الصحابة وضعوا الجريد على القبور، لعله لعدم علمهم بأن صاحب القبر يعذب، أو رجاء صلاحه واستغنائه عن ذلك. وابن حجر رد على تعليل القاضى عياض غرز الجريد بأن العذاب مغيب لا يعلمه إلا النبى صلى الله عليه وسلم، فقال لا يلزم من كوننا لا نعلم: أيعذب أم لا، إلا نتسبب له فى أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب، كما لا يمنع كوننا لا ندرى: أَرُحِمَ أم لا، ألا ندعو له بالرحمة، وليس فى السياق ما يقطع على أنه - النبى- باشر الوضع بيده الكريمة، بل يحتمل أن يكون أمر به، وقد تأسى بريدة بذلك وهو أولى أن يتبع من غيره. " فتح البارى لابن حجر-ج 1 ص 33، ج 2 ص 66 4 ". والحكمة فى تخفيف العذاب ما دامت الرطوبة فى الغصن قيل: أنها غير معلومة كالحكمة فى كون عدد الزبانية تسعة عشر، وقيل: إن الغصن يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح، وعلى هذا فهو مطرد فى كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها، وقال الخطابى: انتفاع الميت بالجريدة محمول على أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا لصاحبى القبرين بالتخفيف مدة بقاء النداوة، لا أن فى الجريدة معنى يخصه، ولا أن فى الرطب معنى ليس فى اليابس. هذه هى المسألة بين المجيزين والمانعين، وأرى أنه ليس فيها ما يدل على المنع، وما دام هناك إيمان بأن النافع والضار هو الله وحده، وأن ما نقدمه للميت من دعاء وصدقة وغيرهما هو من باب الأسباب التى تستمطر رحمة الله سبحانه، فلا داعى للإنكار، والله أعلم (8/279) ________________________________________ التاريخ وذكر مساوئ الموتى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذكروا محاسن موتاكم " فلماذا يدرس التاريخ وفيه كشف لمساوئ السابقين؟
الجواب روى البخارى وغيره عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ". وروى أحمد والنسائى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا " وروى البخارى ومسلم أن جنازة مرت على النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأثنوا عليها خيرا فقال " وجبت " ثم مرت جنازة أخرى فقالو عنها شرا فقال " وجبت " ولما سألوه عن معنى ما قال قال " ما أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن قلتم عنه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرض ". ومن المشاهد أنه عندما يموت إنسان له شأن فى الدنيا يتحدث الناس عنه إما بالخير وإما بالشر، والحديث بالخير إشادة بذكره وتكريم له، وتعزية لأهله أن الناس راضون عنه، والحديث بالشر تشويه لسمعته وإهانة له، وزيادة ألم على أهله، وقد يقصد به التشفى الذى يورث الأحقاد التى ربما تؤدى إلى نزاع يحتدم ويشتد وتكون له آثاره السيئة. والحديث عن الميت لا أثر له عند الله سبحانه فهو العليم بما - يستحقه من تكريم أو إهانة، وقد يكون حديث الناس عنه دليلا ولو ظنيا على منزلته عند ربه، لكن ذلك لا يكون إلا من أناس على طراز معين من الصلاح والإنصاف والتقوى وقول الحق لوجه الحق كالصحابة الذين قال النبى فيهم " أنتم شهداء الله فى الأرض ". ومع ذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يذكر الأموات بالسوء إذا كان ذلك للتشفى من أهله، فذلك يغيظهم ويؤذيهم، والإسلام ينهى عن الإيذاء لغير ذنب جناه الإنسان، ولا يؤثر على منزلته عند الله الذى يحاسبه على عمله. وقد قال صلى الله عليه وسلم فى قتلى بدر من المشركين " لا تسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شىء مما تقولون، وتؤذون الأحياء " وعندما سب رجل أبًا للعباس كان فى الجاهلية كادت تقوم فتنة، فنهى عن ذلك. ودراسة التاريخ إن كانت لغرض الاعتبار والإقتداء بالصالحين - وللتحذير من تقليد غير الصالحين، دون قصد للتشهير والتعيير الذى - يظهر أثره على ذويهم من الأحياء فلا مانع منها أبدا، بدليل أن الله سبحانه قص علينا فى القرآن الكريم أخبار المكذبين كما قص أخبار الرسل والصالحين. وقال فى حكمة ذلك {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} هود: 125، وقال تعالى {لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} يوسف: 111. يقول بعض العلماء: إن سب الموتى يكون فى حق الكافر وفى حق المسلم، أما فى حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحى المسلم - أو ترتب عليه ضرر- وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك، كأن يصير مات قبيل الشهادة عليه، وقد يجب فى بعض المواضع. وقد تكون مصلحة للميت كمن علم أنه أخذ مالاً بشهادة زور ومات الشاهد، فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن من بيده المال يرده إلى صاحبه، والثناء على الميت بالخير والشر من باب الشهادة لا من باب السب. ومن الجائز تجريح الرواة للحديث أحياء وأمواتا، وذلك لإجماع العلماء على جوازه، وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم. قال ابن بطال: سب الأموات يجرى مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير، وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له، وكذلك الميت، ومع ذلك فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. والأولى أن ينشغل المرء بعيوب نفسه، ولا يتورط فى سب إنسان قد يكون بريئا عند الله، إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة أو ضرورة، وهى تقدر بقدرها، والأعمال بالنيات، ولنقبل على عمل الخير حتى يكون لنا ذكر حسن على ألسن الناس بعد أن نفارقهم فيدعوا لنا بخير (8/280) ________________________________________
الانتفاع بالمقبرة الدارسة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى الصلاة فى مسجد بنا فوق قبور قديمة لم يدفن فيها أموات منذ سنوات، وقد سويت بالأرض وأقيمت عمارات فوق جزء منها؟
الجواب صدرت فتوى رسمية على مذهب الأحناف من مفتى مصر الشيخ البرديسى بتاريخ 14 من يوليه سنة 1920 م بحرمة استغلال المقبرة القديمة لبناء أو زراعة أو غيرهما، حتى لو لم يبق فيها أثر للموتى من عظم أو غيره، ووضحها هو بتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1920 م بأن الحكم بالحرمة إذا كانت موقوفة، أما إذا كانت مملوكة للحكومة فلا حرمة " الفتاوى الإسلامية مجلد 4 صفحة 1169، 1173، 1559 ". وجاء فى " مشارق الأنوار " للعدوى " ص 26 " أن علماء المالكية منعوا الانتفاع بالمقبرة التى درست ومر عليها سنوات طويلة، لأن القبر - حَبْسٌ على من دفن فيه. والشيخ يوسف الدجوى المالكى نقل عن الحطاب فى شرح متن خليل حرمة الانتفاع بالمقبرة الدارسة إلا لمصلحة المسلمين. وجاء فى الرهونى أن بناء المساجد للصلاة فيها على المقبرة العافية- الدارسة - لا كراهة فيه، لأن المقبرة والمسجد حَبْسَانِ، أى وقفان على المسلمين لصلاتهم ودفن موتاهم، فما كان لله لا بأس أن يستعان بعضه فى بعض، على ما كان النفع فيه أكثر والناس إليه أحوج. وبعد أن نقل الشيخ الدجوى ذلك قال: يتضح من ذلك أن نبش القبور ونقل ما فيها من العظام لا يجوز إلا لمصلحة ضرورية كإجراء نهر فيها، ومثل ذلك ما إذا احتيج لها لتوسيع الطريق، وأن بناء المسجد على المقبرة التى درست جائز من غير كراهة متى اقتضت المصلحة " مجلة الإسلام المجلد الثالث - العدد السادس ص 20 ". وفى فتوى للشيخ يوسف المرصفى الشافعى والشيخ الحسينى سلطان الشافعى " مجلة الأزهر- المجلد الخامس ص 336 " بشأن المقابر المهجورة لا يجوز نبش القبر وجعل مكانه مزرعة أو غيرها، وجاز لمالك الأنقاض الانتفاع بها والتصرف فيها بسائر أنواع التصرفات الشرعية، والشافعية قالوا ذلك فى المقبرة المملوكة غير المحبوسة والموقوفة. بعد هذه النقول من المذاهب يمكنا أن يقال: إذا كانت أرض المقبرة مملوكة لأصحابها جاز نقل العظام منها والانتفاع بها فى بناء أو زراعة أو بيع التراب للتسميد وغير ذلك، لأن المالك للأرض يجوز له الانتفاع بباطنها وظاهرها. أما إذا كانت المقبرة موقوفة أو مسبلة، أى اعتاد الناس الدفن فيها وليس لها مالك خاص، فلا يجوز التعدى عليها، ويحرم نقل رفات الموتى من تربتهم، حيث لا يوجد عذر ولا ضرورة، فإن وجدت الضرورة فالضرورات تبيح المحظورات. وإذا لم تكن المقبرة مملوكة لأحد ولا موقوفة ولا مسبلة كان لأهل البلد أن يشتروها أو يتملكوها من الحكومة، ويتصرفوا فيها بكل أنواع التصرفات بعد نقل ما فيها من العظام ووضعها فى مكان آخر على الطريقة الشرعية، بتمييز كل من أصحابها بمكان معين إن أمكن وعدم انتهاك حرمتها عند النقل " مجلة الإسلام مجلد 3 عدد 8 صفحة 20 " (8/281) ________________________________________ الموت يوم الجمعة والظروف الأخرى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا أن من مات يوم الجمعة لا يعذب في القبر، فهل هذا صحيح؟
الجواب روى أبو نعيم فى " الحلية " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء ". قد تكون هناك ظروف يكون الموت فيها بشيرا بالخير، كظروف الجهاد فى سبيل الله وما أعده الله للشهداء،وما جاء فى حديث مسلم "ومن مات فى الطاعون فهو شهيد، ومن مات فى البطن - أى بسبب مرض البطن أو الولادة فهو شهيد، والغريق شهيد" وجاءت روايات أخرى تدل على فضل الموت فى الغربة والهدم ودوار البحر، والدفاع عن النفس والمال والدين. وقد صح أن الميت فى الحج له منزلة عند الله، فقد روى البخارى ومسلم أن رجلا كان مع النبى صلى الله عليه وسلم فى عرفة فوقع عن راحلته ومات، فأمر الرسول بغسله وتكفينه مع عدم تغطية رأسه وعدم تعطيره، وقال "إنه يبعث يوم القيامة ملبيا" أى على هيئة المحرم بالحج، وجاءت روايات ضعيفة أن الذى يخرج للحج أو العمرة ومات فإنه لا يحاسب ومنها حديث أبى نعيم فيمن مات يوم الجمعة أو ليلتها. والروايات الضعيفة لا تبنى عليها عقائد، ولا نعرف أمور الغيب منها بيقين، والذى ينفع الإنسان فى قبره هو عمله، وكثير من أفاضل الصحابة لم يموتوا يوم الجمعة ولا فى ظروف كالتى مرت، كما أن كثيرا من الكفار ومن ظاهر سلوكهم غير مستقيم ماتوا يوم الجمعة فلنترك الأمر لله، ولنهتم بالعمل الصالح فهو مناط الثواب والتكريم (8/282) ________________________________________ نداء الإنسان باسم أبية أو أمة يوم القيامة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الإنسان ينادى يوم القيامة باسم أمه سترا على من ولد بطريق غير شرعى؟
الجواب الذى ورد فى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فحسنوا أسماءكم " رواه أبو داود وابن حبان فى صحيحه عن أبى الدرداء. ولكن جاء فى حديث تلقين الميت أن الملقن يناديه بقوله: يا فلان ابن فلانة، وأن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: كيف ينسبه إذا لم يعرف أمه؟ قال " ينسبه إلى حواء ". فكيف نوفق بين الحديثين؟ المعروف أن أقوى الحديثين هو الذى يقدم إذا لم يمكن التوفيق بينهما، وقال النووى عن هذا الحديث إنه ضعيف فيقدم عليه الحديث الأول. وعليه فيكون النداء يوم القيامة باسم الأب. وقد يقال: إن حديث التلقين وإن كان ضعيفا يراد بذكر أم الميت أنها هى المعروفة بيقين أنها أمه، أما أبوه فقد يكون غير ما اشتهر به الميت فيعتمد على المتيقن وهيا نسبه إلى الأم. أما فى يوم القيامة فالله والملائكة هم الذين ينادون الميت بالقيام من القبر وبالحشر وبالحساب وغير ذلك والأب الحقيقى معروف فيعتمد عليه فى الانتساب، لأن الانتساب شرعا هو للأب أصلا، والله أعلم بحقيقة الحال (8/283) ________________________________________ عذاب إبليس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف يعذب إبليس بالنار وهو مخلوق منها؟
الجواب من المعلوم أن الله سبحانه خلق إبليس والجن من النار كما قال تعالى حكاية عن إبليس {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين} الأعراف: 2، وقال تعالى {والجان خلقناه من قبل من نار السموم} الحجر: 27. ومن المعلوم أيضا أن الله سيعذب إبليس ومن اتبعه بالنار، قال تعالى {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} ص: 85. ومعلوم أن العذاب: ألَمٌ يؤثر فى الجسم، وذلك يظهر فى المخالفة بين طبيعة الجسم والأداة التى يكون بها العذاب، فكيف يحس الشيطان بعذاب النار، وطبيعته لا تختلف عن طبيعتها لأنه مخلوق منها؟ . ويجاب عن ذلك بما يأتى. 1 - أن الله سبحانه قادر على أن يحول طبيعة الشيطان حتى يحس بعذاب النار، ذلك أن الشيطان قد يتشكل بأشكال تحكم عليه طبيعتها لا طبيعته، فهو يسكن فى أماكن وينام ويجلس ويلبس الملابس التى لم يذكر اسم الله عليها، ويدخل البيوت إذا لم يسم صاحبها وهو داخل، كما جاءت بذلك الأحاديث، ومع ذلك لم تحرق هذه الأشياء التى يتصل بها. وقد ثبت أن الشيطان تفلَّت على النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته يريد أن يفسدها، فخنقه النبى وأحس ببرد لسانه على يده كما جاء فى بعض الروايات، فلو بقى الشيطان على طبيعته النارية لا حرقت ما مسته يده. وسيدنا آدم عليه السلام، مع أنه خلق من طين، جعلت لطبيعته خصائص ليست كخصائص الطين ما دامت روحه فيه، فلا يمكن غرس شجرة فى جسم الإنسان كما تغرس فى الطين وهكذا. 2 -يجوز أن يجعل الله من النار نفسها نوعا أقوى من النار التى خلق منها إبليس فيحس بعذابها إذا دخلها، والنار نفسها درجات بعضها أشد من بعض. 3 - ليس كل العذاب فى النار إحراقا للجسم وإيلاما له بسببها، ففيها حيات وعقارب ومقامع من حديد يضرب بها المعذبون، وفيها سلاسل وقيود، وفيها شجرة الزقوم التى قال الله تعالى فيها {إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم. كالمهل يغلى فى البطون. كغلى الحميم} الدخان: 43 - 46، وقال تعالى {إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم. طلعها كأنه رءوس الشياطين. فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون} الصافات: 64 -66، وقال تعالى {ليس لهم طعام إلا من ضريع. لا يسمن ولا يغنى من جوع} الغاشية: 6،7. فألوان العذاب متعددة، يجوز أن يجعل الله منها للشيطان ما يحقق الغرض من تعذيبه. ومهما يكن من شىء فإن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا، وما دام الله سبحانه قد حكم بالعذاب على الشيطان فسيتحقق العذاب بالصورة التى يراها هو، والمهم أن نعمل جاهدين حتى لا نكون من أعوانه (8/284) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:30 am | |
| الزواج فى الجنة والمساواة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا كانت الحور العين جزاء للمؤمنين فى الجنة فماذا يكون جزاء المؤمنات؟
الجواب للإجابة على السؤال لابد من ذكر هذه المقدمة حيث تثار الآن قضية المساواة بين الجنسين. 1 - المساواة فى مفهومها الصحيح هى إتاحة الفرصة لكل من الرجل والمرأة أن يكمل نفسه ماديا وأدبيا، وبهذه الإتاحة تكون المساواة، بصرف النظر عن حجمها ونوعها، قال تعالى {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} النساء: 32، وقال {لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} آل عمران: 195، وذكر حديث وافدة النساء أن حسن قيام المرأة بواجبها نحو زوجها وأولادها يعدل ما يقوم به الرجل من مهام. 2 - وقد جعل الله لكل من الرجل والمرأة خصائص واستعدادات تتناسب مع الدور الحيوى الذى يؤديه فى الدنيا، فى جو من التعاون على تحقيق الخلافة فى الأرض، فالخصائص البيولوجية مختلفة فيهما، وليست متساوية تماما، ولها تأثير على الفكر والعاطفة، وبالتالى على السلوك. وعلى أساسها كان توزيع الاختصاص فى هذه الشركة التعاونية. قال تعالى {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء: 34، ومن هنا لا يصح أن يقول واحد منهما: لماذا لا يعطينى الله مثل ما أعطى الآخر، وإلا لما كان هناك داع إلى خلق نوعين. وقد جاءت الأديان كلها مقررة لهذه الحقيقة، وعلى أساسها وضعت التشريعات السماوية، بل الوضعية أيضا. 3-من المعلوم أن الرجل صالح فى كل وقت -إذا لم يكن هناك موانع - لإتمام عملية الإخصاب من أجل التناسل الذى هو المهمة الأولى لخلق الذكر والأنثى من كل صنف من المخلوقات، قال تعالى {ومن كل شىء خلقنا زوجين} الذاريات: 49، أما الأنثى فهى غير مستعدة لذلك إلا بنسبة ضئيلة، وهى يوم أو يومان فى كل شهر عند نضج البويضة، ولا يكون هناك فى الأعم الأغلب إلا حمل واحد فى كل عام، فإذا شغلت بحمل فلا يمكن لحمل آخر أن يزاحمه أو يفسح له المجال 0 ولأجل أن الغرض من هذا التكوين هو تنظيم التناسل والشهوة أباحت الأديان كلها تعدد الزوجات لرجل واحد، وحرمت تعدد الأزواج لامرأة واحدة، لأنه سيكون لمجرد إرضاء الشهوة لا غير. وما يقال عن عدم التعدد فى ديانات غير الإسلام فهو تعاليم كنسية ليست من الشريعة الموحى بها. 4 - ليكن معلوم أن قوانين الآخرة لا توافق دائما قوانين الدنيا، فالأكل هنا هو للشبع وتتبعه فضلات قذرة، وليس الأمر كذلك فى الجنة، والزواج هنا للحاجة إلى النسل ولا حاجة إليه فى الجنة، وإن كانت للبعض رغبة فى الولد فلا يتحتم أن يكون عن طريق الولادة، كما قال بعض العلماء " مشارق الأنوار للعدوى ص 186 ". وما يجىء من التشابه فى النصوص المتصلة بالأكل والشرب والمتع فى الجنة فهو أسلوب يقرب المعنى إلى الأذهان بالمعهود عند الناس، ذلك لأن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وهناك عبارة مشهورة تقول: كل ما خطر ببالك فالجنة على خلاف ذلك. ويظهر ذلك الاختلاف فى القوانين فى الخمر التى جاء فيها "لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون " وفى الحور العين اللاتى وصفهن اللَّه بقاصرات الطرف، أى لا يحببن غير أزواجهن، ولا يشتهين غيرهم، ولا توجد غيرة بينهن إذا تعددن لرجل واحد، وهذا أمر يتناقض مع الطبيعة البشرية فى الدنيا. 5 -تحدث القرآن عن نعيم الجنة فى الناحية الجنسية، وركز على الرجل بالذات، وأغراه بالعمل لدخول الجنة لينعم بزوجات فيهن كل الأوصاف المغرية، وجاء فى الحديث المتفق عليه بين البخارى ومسلم أن الرجل الواحد سيكون له أكثر من زوجة، فقد أخرجا عن أبى هريرة رضى الله عنه أن الصحابة تذاكروا: الرجال أكثر فى الجنة أم النساء؟ فقال: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما فى الجنة رجل إلا وله زوجتان، إنه يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة، ما فيها عزب " وجاء فى أحاديث أخرجها الترمذى وصححها أن العبد يزوج فى الجنة سبعين زوجة، وفى حديث لأحمد والترمذى وابن حبان أن أدنى أهل الجنة منزلة له ثنتان وسبعون زوجة. فأين الحديث عن المتعة الجنسية للمرأة، وهل لها أن تتمتع بأكثر من رجل كما يتمتع الرجل بأكثر من امرأة؟ وإذا كانت مع زوجها فى الجنة كما قال تعالى {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} الرعد: 23، فكيف تحس بالنعيم مع أن الغيرة تملأ قلبها من ضرائرها الحسناوات؟ أ-التركيز على نعيم الرجل لأن شهوته طاغية، فهو طالب لا مطلوب، فوعده الله بما يحقق رغبته فى هذه اللذة إن جاهد نفسه وعف عن الحرام. أما المرأة فشهوتها ليست طاغية كما يقول المختصون، وإن اشتدت فى فترة نضج البويضة يوما أو يومين فى الشهر فهى فى غالب أيامها مطلوبة لا طالبة. وما قيل من أن شهوتها أقوى من شهوة الرجل بنسبة كبيرة فليس عليه دليل صحيح، والواقع خير دليل. ومع ذلك فلا تحرم المرأة من هذه اللذة فى الجنة، وستكون مع زوجها ذلك {إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون * هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون} يس: 55، 56، ومن لم تتزوج إما أن يزوجها الله -حيث لا يوجد عزب فى الجنة كما فى الحديث السابق الذى رواه الشيخان، وإما أن يمتعها بلذة أخرى تقنع بها. ب - قد يكون هناك تعويض عن هذه اللذة بالقناعة بمنزلتها عند زوجها وبمتع أخرى يعلمها الله وحده {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} الزخرف: 71. وقد قيل: إن الله يكسوها جمالا لا تحس معه نقصا بالنسبة للحور العين، وأن لها السيادة عليهن، وهى لن تحب رجلا غير زوجها كالحور العين قاصرات الطرف. ج - ليس فى الجنة غيرة بين الزوجات -كما فى الدنيا- لأنها تنغص النعيم، وليس فيها حسد ولا حقد ولا حزن ولا أى ألم أبدا، حتى تتم اللذة لأهل الجنة كما قال تعالى: {ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين * لا يمسهم فيها نصب} الحجر: 47،48، وقال على لسان أهل الجنة {الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن، إن ربنا لغفور شكور * الذى أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} فاطر: 34، 35 (8/285) ________________________________________ نعيم القبر وعذابه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ينكر بعض الناس أن هناك نعيما وعذابا فى القبر، فما هو رأى الدين فى ذلك؟
الجواب الكلام هنا فى ثلاث نقط، الأولى فى ثبوته، الثانية فى دوامه، الثالثة فى كونه للروح والجسد أو للروح فقط. النقطة الأولى: نعيم القبر وعذابه ثابتان بأدلة كثيرة منها: 1 -روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المسلم إذا سئل فى قبره فشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه " فذلك قول الله {يثبت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} . وفى لفظ: نزلت فى عذاب القبر، يقال له: مَنْ ربك؟ فيقول: اللَّه ربى ومحمد نبيى، قذلك قول اللَّه {يثبت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} إبراهيم: 27،. 2 -روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن العبد اذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول فى هذا الرجل؟ - لمحمد - فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد اللَّه ورسوله، فيقولان: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، وأما الكافر والمنافق فيقال له: ما كنت تقول فى هذا الرجل؟ فيقول: لا أدرى، كنت أقول، ما يقول الناس، فيقولان: لا دريت ولا تليت، ويضرب بطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة فيسمعها من يليه غير الثقلين " وقوله: لا دريت ولا تليت، دعاء عليه بألا يكون داريا ولا تاليا، أو إخبار بحاله فإنه لم يكن قد علم بنفسه ولا سأل غيره من العلماء. 3-روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبور ثم قال " إن هذه الأمة تبتلى فى قبورها، فلولا ألا تدافنوا لدعوت اللَّه أن يسمعكم من عذاب القبر الذى أسمع منه " ثم قال " تعوذوا بالله من عذاب القبر". 4 - روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى المنام أن ملكين أخذا بيده، ومرا به على أناس يعذبون فى قبورهم بصور مختلفة لارتكابهم الكبائر، وجاء فيه أن العذاب الذى ينزل بهم يستمر إلى يوم القيامة، يقول ابن القيم: وهذا نص فى عذاب البرزخ، فإن رؤيا الأنبياء وحى مطابق لما فى نفس الأمر. 5 -وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى سعد بن معاذ " هذا الذى تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفا من الملائكة، لقد ضُمَّ - هى ضمة القبر - ثم فرج عنه ". 6 - روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرين فقال " إنهما يعذبان وما يعذبان فى كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ". 7 - يقول اللَّه تعالى " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} غافر: 46، فالعرض يكون فى القبر قبل يوم القيامة. هذه بعض الأدلة القوية على ثبوت النعيم والعذاب فى القبر، فذلك ثابت بالسنة وظاهر الآية، وأهل السنة مجمعون عليه، والإِجماع حجة عند أكثر الأصوليين، وأنكره جماعة من المعتزلة، ومهما يكن من شىء فإن العقائد لا تثبت إلا بالنص القطعى فى ثبوته ودلالته، والحديث الصحيح الذى دل على نعيم القبر وعذابه اعتبره بعض العلماء من قطعى الثبوت الذى يفيد العلم اليقينى، واعتبره آخرون ظنى الثبوت الذى لا يفيد العلم اليقينى، ومن هنا كان الخلاف فى الحكم على من أنكر نعيم القبر- وعذابه، هل هو كافر أو غير كافر. النقطة الثانية: جاء فى كتاب " مشارق الأنوار " للعدوى (ص 36) . بعد أن ساق، عدة نصوص - لا ترقى إلى درجة تؤخذ منها عقيدة قوله: فتحصَل مما سبق أن النعيم لا يكون إلا دائما، وأما التعذيب فإما أن يكون دائما أيضا وهو عذاب الكفار وبعض العصاة، ومنقطعا وهو لبعض العصاة، ولذلك قال العلامة الدردير فى " خريدته ": العذاب قسمان إما دائم وهو للكفار وبعض العصاة، أو منقطع وهو لبعض العصاة ممن خفت جرائمه، وانقطاعه إما بسبب كصدقة أو دعاء، أو بلا سبب أى بمجرد العفو. ثم قال فى صفحة 37: ويرتفع العذاب عن سائر الخلق ليلة الجمعة ولو كفارا ثم يعود على الصحيح، قال العلامة النفراوى: وقيل إنه بعد ارتفاعه عن المؤمن ليلة الجمعة لا يعود أبدا، قال: وحينئذ من مات قبل يوم الجمعة بيوم لا يكون عذابه إلا يوما، وبه قال بعضهم، انتهى قال العدوى: وهو مردود بما أفاده الإمام السيوطى حيث قال فى " شفاء الصدور " إن عدم العود لا دليل عليه، فلم يرد فى هذا حديث صحيح ولا حسن. ثم قال: وما قاله الإِمام السيوطى فهو فى غاية الظهور، لما تقدم لك من حديث البخارى ومسلم السابق فى الجريدتين بقوله " لعل اللَّه يخفف عنهما ما لم ييبسا" وفى رواية لأبى داود " يهون عليهما ما دام من بلواتهما شىء " فهذا القيد منه صلى الله عليه وسلم ظاهر فيما قاله السيوطى ولا يلتفت لغيره، لا سيما فى مجالس الفجرة المتجاهرين بالفسق. النقطة الثالثة: قال ابن القيم: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون فى نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا، ويحصل لها معه النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين. ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى. قال الحافظ ابن حجر فى " الفتح ": وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى ان السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد، وخالفهم الجمهور فقالوا: تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت فى الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه، لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه. والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد فى قبره حال المسألة لا أثر فيه، من إقعاد ولا غيره ولا ضيق فى قبره ولا سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب. وجوابهم أن ذلك غير ممتنع فى القدرة، بل له نظير فى العادة وهو النائم، فإنه يجد لذة وألما لا يدركه جليسه، بل اليقظان قد يدرك ألما ولذة لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يدرك ذلك جليسه. وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر أن اللَّه تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستر عليهم، إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله، وقد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور، كقوله " إنه ليسمع خفق نعالهم " وقوله " تختلف أضلاعه " لضمة القبر، وقوله " يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق؟ وقوله "يضرب بين أذنيه " وقوله " فيقعدانه " وكل ذلك من صفات الأجساد. وقال الدردير فى كتابه " الخريدة ": والتعذيب للروح مع البدن ولو لم يقبر، فالتعبير بالقبر جرى على الغالب، إذ لا مانع من أن يخلق الله تعالى فى جميع الأجزاء أو بعضها نوعا من الحياة قدر ما يدرك ألم العذاب ولذة النعيم، وهذا لا يستلزم أن يتحرك ويضطرب أو يرى أثر العذاب عليه، حتى إن من أكلته السباع أو صلب فى الهواء يعذب وإن لم نطلع عل ذلك. ثم قال: ومن عذاب القبر ضغطته، وهى التقاء حافتيه حتى تختلف أضلاع الميت، وتختلف باختلاف العمل، حتى إن الصالح تضمه ضمة الأم الشفوقة على ولدها. انتهى (8/286) ________________________________________ غسل الميت مع اختلاف الجنس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز لأحد الزوجين أن يغسل الآخر عند الموت؟
الجواب غسل الوفاة بين الجنسين إما أن يكون بين الزوجين وإما أن يكون بين غيرهما، ولكل حكمه. 1 - غسل الزوج لزوجته: وردت فى ذلك عدة أحاديث منها: أ-عن عائشة رضى الله عنها قالت: رجع إلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا فى رأسى وأقول: وارأساه، فقال " بل أنا وارأساه، ما ضرك لو مت قبلى فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك " رواه أحمد وابن ماجه وأصل الحديث عند البخارى وليس فيه " غسلتك " نيل الأوطار ج 4 ص 29. ب - روى الدارقطنى والبيهقى بإسناد حسن أن عليا رضى اللَّه عنه غسل فاطمة رضى الله عنها. وأخرجه الشافعى " كشف الغمة للشعرانى " ج 1 ص 206. ج -أوصت فاطمة بنت عُمَيْسٍ أن يغسلها على بن أبى طالب وأسماء، فغسلاها ولم ينكر أحد من الصحابة عليهما ذلك فكان إجماعا، كما ذكره الشوكانى فى " نيل الأوطار ج 4 ص 29 " أخرجه الشافعى وابن عبد اللَّه كما فى شرح الزرقانى على المواهب "ج 3 ص 206" د-وجاء فى " كشف الغمة " للشعرانى أن عبد الله بن مسعود غسل زوجته حين ماتت. 2 - غسل الزوجة لزوجها: ورد فى ذلك آثار منها: أ- قالت عائشة رضى اللَّه عنها: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل النبى صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه. ب -أوصى أبو بكر رضى الله عنه أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس فغسلته ولم يخالف ذلك أحد من الصحابة، أخرجه البيهقى "نيل الأوطار ج 1 ص 260 ". وروى مالك فى " الموطأ" أنها غسلته وكان اليوم شديد البرودة وهى صائمة فلم تغتسل من غسله. " المرجع السابق ". بعد هذه المرويات قال الشوكانى "ج 4 ص 29 ": قال أحمد: لا تغسله، لبطلان النكاح، ويجوز العكس عنده كالجمهور، وقال أبو حنيفة وأصحابه والشعبى والثورى: لا يجوز أن يغسلها، لمثل ما ذكر أحمد، ويجوز العكس عندهم كالجمهور، قالوا: لأنه لا عدة عليه بخلافها. وجاء فى كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة "أن الزوج لو مات فإن للزوجة أن تغسله، وذلك بالاتفاق حتى لو كانت مطلقة، لكن أبا حنيفة وأحمد قالا: إذا كانت بائنا فليس لها أن تغسله ولو كانت فى العدة. وإذا ماتت الزوجة غسلها زوجها، إلا أن أبا حنيفة منع ذلك لأنها صارت أجنبية عنه. 3 - الغسل بين غير الزوجين: جاء فى كتاب " الفقه على المذاهب الأربعة " قال المالكية: إذا ماتت المرأة وليس معها زوجها ولا أحد من النساء، فإن كان معها محرم لها غسلها وجوبا، ولف على يديه خرقة غليظة مع ستارة بينه وبينها، فإن لم يوجد محرم يمَّمها واحد لكوعيها فقط. وإذا مات رجل ولم توجد زوجته غسلته محرمة بخرقة مع ستر عورته، فإن لم توجد محرم يممته الأجنبية إلى المرفقين. وقال الحنفية: إذا ماتت المرأة ولم تكن هناك نساء يممها المحرم. إلى المرفق، ويممها الأجنبى مع وضع خرقة على يده وغض بصره، والزوج كالأجنبى إلا أنه لا يكلف غض البصر، وإذا مات الرجل بين نساء ليس فيهم زوجته غسلته القاصرة، فإن لم توجد يممته إلى المرفقين مع غض البصر. وقال الشافعية: إذا ماتت بين رجال ليس فيهم زوج ولا محرم يممها الأجنبى إلى المرفقين، مع غض البصر وعدم اللمس، أما الزوج فيغسلها، وكذلك المحرم إن لم يوجد الزوج، وإذا مات الرجل بين نساء ليس فيهن زوجته ولا محرم يممته الأجنبية بحائل يمنع اللمس مع غض البصر، أما الزوجة فتغسله وجوبا، وكذلك المحرم عند عدم الزوجة. وقال الحنابلة: إذا ماتت المرأة ولم يوجد زوج يممها المحرم، وإلا يممها الأجنبى بحائل، وإذا مات الرجل ولم توجد زوجته يممته الأجنبية بحائل، أما المحرم فلا يشترط الحائل فى تيمم الرجل أو االمرأة (8/287) ________________________________________
دفن الميت فى صندوق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم دفن الميت فى صندوق؟
الجواب جاء فى تفسيرالقرطبى " ج 0 1 ص 1 38 " أن الدفن فى التابوت جائز، لا سيما فى الأرض الرخوة، وروى أن دانيال صلوات الله عليه كان فى تابوت من حجر، وأن يوسف عليه السلام أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقى فى رَكِيَّة - بئر- مخافة أن يعبد، وبقى كذلك إلى زمان موسى صلوات اللَّه عليهم أجمعين، فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه فى حظيرة إسحاق عليه السلام. كلام ليس عليه دليل معتمد، ثم قال القرطبى: وفى الصحيح عن سعد بن أبى وقاص أنه قال فى مرضه الذى هلك فيه: اتخذوا لى لحدا وانصبوا عليه اللبن نصبا كما صنع برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وحكى عن الشيخ الإِمام أبى بكر محمد بن الفضل الحنفى أنه جوز اتخاذ التابوت فى بلادهم لرخاوة الأرض وقال: لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به، لكن ينبغى أن يفرش فيه التراب وتُطيَّن الطبقة العليا مما يلى الميت، ويجعل اللَّبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد-ثم قال القرطبى: ومن هذا المعنى جَعْل القطيفة فى قبر النبى صلى الله عليه وسلم فإن المدينة سبخة، قال شُقرآن: أنا واللَّه طرحت القطيفة تحت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى القبر. قال أبو عيسى الترمذى: حديث شقران حديث حسن صحيح غريب، أى رواه راو واحد فقط. وجاء فى الفتاوى الإِسلامية " المجلد الرابع ص 1264 " باسم الشيخ عبد المجيد سليم كراهة اتخاذ التابوت إلا إذا كانت الأرض رخوة أو نَدِيَّة يسرع فيها بلى الميت فلا بأس باتخاذه واستحسانه للمرأة مطلقا سواء أكانت الأرض رخوة أم لا، لأنه أقرب إلى الستر والتحرز عن مسها عند الدفن. وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة الذى نشرته وزارة الأوقاف المصرية: أن دفن الميت فى صندوق ونحوه مكروه مطلقا عند الحنابلة، وخلاف الأولى عند المالكية، أما الشافعية والأحناف فقالوا: مكروه إلا لحاجة -كرخاوة الأرض - وقال الفقهاء: يكره وضع وسادة أو فراش أو نحو ذلك معه فى قبره، ولو كان فى ذلك تكريم لكان أولى به النبى صلى الله عليه وسلم فقد بنى فى قبره تسع لبنات، ووضع القطيفة تحته ورد بها الحديث المذكور وكانت قطيفة نجرانية كان يتغطى بها، فأريد ألا يلبسها أحد بعده لكن البعض قال إن الصحابة نزعوها وفى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 8 ص 292" توضيح لذلك فيراجع، هذا وعمل التابوت لا يغنى عن وضعه فى الأرض ليتحقق معنى الدفن، وإذا كان القصد منه مجرد التكريم دون حاجة أخرى هو مكروه، وهو لا يفيد الميت في نعيم ولا عقاب، والبساطة فى مثل هذه الحالة مطلوبة (8/288) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:37 am | |
| دفن اثنين فى قبر واحد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز دفن شخصين فى قبر واحد؟
الجواب الأصل فى الدفن أن يكون لكل ميت قبر خاص به، أما دفن أكثر من واحد فى قبر واحد فهو حرام عند جمهور الفقهاء، ومكروه فقط عند أبى حنيفة، ومحل ذلك إذا لم تكن هناك ضرورة أو حاجة، فإن وجدت ضرورة ككثرة الموتى وتعَسُّر إفراد كل بقبر، أو وجدت حاجة كالمشقة فى حفر قبر لكل ميت جاز جمع أكثر من واحد فى قبر، سواء أكانوا من جنس واحد أم من جنسين، على أن يقدم الذكر على الأنثى فى دفنه جهة القبلة. والدليل على ذلك ما رواه أحمد والترمذى وصححه: أن الأنصار جاءوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقالوا: يا رسول اللَّه أصابنا جرح وجهد فكيف تأمرنا؟ قال " احفروا وأوسعوا تعمقوا، واجعلوا الرجلين والثلاثة فى قبر قالوا: فأيهم نقدم؟ قال " أكثرهم قرآنا ". وروى عبد الرزاق بسند حسن عن واثلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة فى القبر الواحد، فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه. ذكره ابن حجر فى الفتح "ج 3 ص 251 ". وجاء فى كتاب " الإقناع " للخطيب فى فقه الشافعية ما يأتى: ولا يجمع رجل وامرأة فى قبر إلا لضرورة، فيحرم عند عدمها-يعنى عدم الضرورة-كما فى الحياة -يعنى كما لو كانوا أحياء - قال ابن الصلاح: محله إذا لم يكن بينهما محرمية أو زوجية، وإلا فيجوز الجمع، قال الأسنوى: وهو متجه - يعنى كلام وجيه -والذى فى المجموع -كتاب للنووى- لا فرق، فقال إنه حرام حتى فى الآًم مع ولدها، وهذا هو الظاهر، إذ العلة فى منع الجمع هى الإِيذاء، لأن الشهوة قد انقطعت فلا فرق بين المحرم وغيره، ولا بين أن يكون من جنس، واحد أم لا، ويحجز بينهما بتراب حيث جمع بينهما، وذلك على سبيل الندب - حتى لو اتحد الجنس - انتهى. وجاء فى " الفتاوى الإِسلامية " مجلد 7 ص 1426: يجوز دفن الرجل مع المرأة فى قبر واحد عند الضرورة بشرط الحيلولة بينهما بحائل من التراب. وخلاصة الكلام أن دفن الرجل مع المرأة حتى لو كانت أمه أو زوجته لا يجوز إلا عند الضرورة (8/289) ________________________________________ الأحياء والأموات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هناك كلام كثير حول العلاقة بين الأحياء والأموات،من حيث الإحساس بهم واطلاعهم على أحوالهم ووصول الثواب لهم نريد توضيحا لهذه العلاقة على ضوء القرآن والسنة؟
الجواب هناك مسائل كثر الكلام فيها بما يتصل بالعلاقة بين الأحياء والأموات نذكر أهمها فيما يلى: 1 - عرض الأعمال على الرسول والأموات: روى البزار بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن مسعود رضى الله عنه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم: " حياتى خير لكم تحدثون ويحدث لكم، فإذا أنا مت كانت وفاتى خيرا لكم، تعرض علىَّ أعمالكم، فإن رأيت خيرا حمدت الله، وإن رأيت شرا استغفرت لكم ". وأخرج أحمد والحكيم الترمذى فى " نوادر الأصول " وابن منده حديث " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشايركم من الأموات، فإن رأوا خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا ". وأخرج مثله الطيالسى فى مسنده. وجاء عن الحكيم الترمذى فى نوادره " إن الأعمال تعرض على الله يومى الإثنين والخميس، وعلى الأنبياء والأولياء يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم " وروى البيهقى فى " شعب الإيمان " حديث " اتقوا الله فى إخوانكم من أهل القبور، فان أعمالكم تعرض عليهم " وأورد ابن القيم فى كتابه "الروح " أثرا يدل على علم الميت بما يحصل من الحى. وكل ذلك لا يثبت عقيدة، فمن لم يصدق فلا يكفر، كما أنه لا يوجد دليل قوى يمنع تصديق هذه الأخبار. 2 - سماع الموتى للأحياء: إن سماع الأنبياء والشهداء لمن يسلِّم عليهم فى قبورهم أمر-يسهل التصديق به مادامت الحياة قد ثبتت لمم، وبخاصة أن هذا السماع ممكن لغيرهم، بل دل الدليل عليه، ويستوى فى ذلك المؤمنون وغير المؤمنين، لما يأتى: 1 - جاء فى الصحيح أن الميت إذا دفن وتولى عنه أصحابه وهو يسمع قرع نعالهم يجيئه الملكان ليسألاه. 2 - وجاء فى الصحيح أيضا نداء النبى صلى الله عليه وسلم لقتلى المشركين فى بدر بعد إلقائهم فى القليب، وقوله لهم: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ... فقال عمر رضى الله عنه: يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال " والذى بعثنى بالحق ما أنتم بأسمع منهم لما أقول، ولكنهم لا يستطيعون جوابا ". 3 - وفى الصحيح أيضا " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " قال النووى فى شرح صحيح مسلم: معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم. وإلى هذا ذهب الطبرى، قال القاضى عياض: وهو أولى الأقوال، واحتجوا له بأن النبى صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على ابنها وقال: " إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم ". 4 - شرع النبى صلى الله عليه وسلم لأمته السلام على أهل القبور بمثل " السلام عليكم دار قوم مؤمنين " وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على ذلك. 5 - حديث " إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلَّم عليه رد عليه السلام وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام ". ويأتى حكمه فى المسألة التالية: بهذا وبغيره من الآثار الكثيرة التى ذكرها ابن القيم فى كتاب الروح يكون سماع الأموات للأحياء ممكنا، وقد أنكرت السيدة عائشة رضى الله عنها سماع أهل القليب لنداء النبى صلى الله عليه وسلم، وظن جماعة أن ذلك ينسحب على كل الموتى من الكفار وغيرهم، ورد هذا بأن إنكارها لسماع الكفار هو الإنكار الوارد فى قوله تعالى: {فإنك لا تسمع الموتى} الروم: 52، وقوله: {وما أنت بمسمع من فى القبور} فاطر: 22،. فالمراد به سماع القبول والإيمان، حيث شبه الله الكفار الأحياء بالأموات، لا من حيث انعدام الإدراك والحواس، بل من حيث عدم قبولهم الهدى والإيمان. لأن الميت حين يبلغ حد الغرغرة لا ينفعه الأيمان لو آمن، فالسماع الثابت فى الأحاديث الصحيحة سماع الحاسة، والسماع المنفى فى الآيتين سماع القبول، ولذلك جاء بعد قوله تعالى: {فإنك لا تسمع الموتى} قوله تعالى {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا} فأثبت للمؤمنين سماع القبول. ومما يؤكد أن عائشة رضى الله عنها نفت سماع القبول عن الكفار لا سماع الحس أنها هى التى روت حديث النبى صلى الله عليه وسلم " ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد السلام عليه حتى يقوم " وقيل إنها نفت سماع الكفار لنداء النبى صلى الله عليه وسلم وأثبتت علمهم به فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنهم الآن ليعلمون أن ما قلت حق، والعلم يستلزم السماع ولا ينافيه. لكن قد يرد بأن علمهم بما قال الرسول لا يستلزم سماعهم له، لأنهم علموا ذلك بمعاينة العقاب المعد لهم. ولا يرد على سماع الميت ما قاله الأحناف من أن الميت لا يسمع: لو حلف الإنسان لا يكلم شخصا فمات هذا الشخص وكلمه ميتا لا يحنث، لا يرد هذا لأن الإيمان مبنية على العرف، فلا يلزم منه نفى حقيقة السماع، كما قالوا فيمن حلف لا يأكل اللحم فأكل السمك لا يحنث، مع أن الله سماه لحما طريا فى قوله: {وهو الذى سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا} النحل: 14، وذلك جريا على العرف. وقد يقال: إن سماع الموتى للأحياء من خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم، لكن يرد هذا بعدم وجود الدليل على الاختصاص. وقال ابن تيمية فى كتاب " الانتصار للإمام أحمد ": إنكار عائشة سماع أهل القليب معذورة فيه لعدم بلوغها النص، وغيرها لا يكون معذورا مثلها، لأن هذه المسألة صارت معلومة من الدين بالضرورة. 3 - إحساس الميت بالزائر وعلمه بمن يموت: قال ابن تيمية فى الفتاوى: مسألة فى الأحياء إذا زاروا الأموات هل يعلم الأموات بزيارتهم، وهل يعلمون بالميت إذا مات من أقاربهم أو غيره أم لا؟ الجواب، نعم، قد جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات، كما روى ابن المبارك عن أبى أيوب الأنصارى قال: إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير فى الدنيا، فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض: انظروا أخاكم يستريح فإنه كان فى كرب شديد، قال فيقبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان، ما فعلت فلانة، هل تزوجت. الحديث. وأما علم الميت بالحى إذا زاره ففى حديث ابن عباس رضى الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم " ما من أحد يحمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام " قال ابن عبد البر: ثبت ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم، وصححه عبد الحق صاحب الأحكام. وقال ابن تيمية أيضا فى موضع آخر من فتاويه: إن الميت يسمع خفق نعال المشيعين حين يولون عنه كما ثبت فى الصحيحين،وبعد سياق عدة أحاديث قال: تبين من هذه النصوص أن الميت يسمع فى الجملة كلام الحى، ولا يجب أن يكون السمع له دائما، وذكر أن روحه تعاد إلى بدنه فى ذلك الوقت، وتعاد فى غير ذلك أيضا، وجاء فى عدة آثار أن الأرواح تكون فى أفنية القبور انتهى. ورويت أخبار تدل على أن روح الميت تكون فى يد الملك ينظر إلى جسده كيف يغسل، وكيف يكفن، وكيف يشيَّع، ويقال له على سريره: اسمع ثناء الناس عليك. وأخرج أحمد والحاكم عن عائشة رضى الله عنها قالت: كنت أدخل البيت فأضع ثوبى وأقول: إنما هو أبى وزوجى، فلما دفن عمر ما دخلته إلا وأنا مشدودة على ثيابى حياء من عمر. وجاء فى صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه قال فى مرض موته: إذا دفنتمونى فشنوا على التراب شنا، وأقيموا عند قبرى قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، اَنس بكم؟ أنظر ماذا أراجع رسل ربى. 4 - تزاور الموتى: فى صحيح مسلم " إذا وَلِي أحدكم أخاه فليحسن كفنه " قيل: إن العفة فيه تزاور الموتى وتباهيهم بالأكفان، كما نص عليه فى أحاديث أخرى منها ما أخرجه الترمذىَ وابن ماجه والبيهقى "إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه فانهم يتزاورون فى قبورهم " وقال: ابن تيمية فى فتاويه إنهم يتزاورون، سواء أكانت المدائن، متقاربة فى الدنيا أم متباعدة. وقال الفقهاء بتحسين الأكفان لهذه العلة، وللسيوطى كتاب فى ذلك عنوانه " شرح الصدور " وقال ابن القيم فى كتاب الروح: إن الحى يرى الميت فى منامه فيستخبره، ويخبره الميت بما لا يعلمه الحى فيصادف خبره كما أخبر فى الماضى والمستقبل. 5 - تصرف الموتى بأمر الله: قال السيوطى فى شرح الصدور: قال الحافظ ابن حجر فى فتاواه إن أرواح المؤمنين فى عليين، وأرواح الكفار- فى سجين، ولكل روح بجسدها اتصال معنوى لا يشبه الاتصال فى الحياة الدنيا، بل أشبه شىء به حال النائم وإن كان هو أشد حالا من حال النائم اتصالا فالأرواح مأذون لها فى التصرف وتأوى إلى محلها من عليين أو سجين وإن قيل إنها عند أفنية القبور. وأورد السيوطى ما أخرجه ابن عساكر عن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجعفر بن أبى طالب بعد استشهاده، وما أخرجه الحاكم عن رده السلام على جعفر حيث رآه فى مجلسه مع أسماء بنت عميس ومعه جبريل وميكائيل يسلمون على النبى صلى الله عليه وسلم، وحكى له جعفر ما حدث فى يوم استشهاده، وأن النبى صلى الله عليه وسلم أعلن ما رآه للناس على المنبر. 6 - اطلاع الأحياء على حال أهل القبور: أورد صاحب المنحة الوهبية حكايات عن رؤية بعض الناس أمواتا يصلون فى قبورهم، وأن بعضهم سمع قراءة القرآن من قبر ثابت البنانى، وسمع بعضهم من أحد القبور قراءة سورة " الملك " ولما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بذلك قال " هى المانعة، هى المنجية تنجى من عذاب القبر" هذا الحديث رواه الترمذى عن ابن عباس وقال إنه حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط -. وثبت فى الصحيحين قول النبى صلى الله عليه وسلم " لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع " كما صح أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذَّب من فيهما بسبب النميمة وعدم الاستبراء من البول، وأنه وضع جريدا على القبرين عسى. أن يخفف الله عنهما العذاب. وجاء فى " الروح " لابن القيم وفى " شرح الصدور " للسيوطى، وفى " أهوال القبور " لابن رجب ما يفيد أن رجلا رأى رجلا عند " بدر " يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب فى الأرض، وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ذاك أبو جهل يعذب إلى يوم القيامة ". وبعد: فكل ما ذكر عن أحوال القبور جر إليه الكلام عن الوسيلة والتوسل، وهو عرض لما قيل عنها، ونحن لا نلزم بتصديق شىء منها إلا ما يثبت بطريق قوى. ولا داعى للجدال فيها، فإن ما لدينا من الثابت القوى كثير، وأحوال الدنيا التى يجب أن نستعد بها إلى الآخرة كثيرة، فلنهتم بمعرفتها وتطبيقها فذلك خير وأجدى. وهل يسمع أو يشعر الميت بما يسور حوله أثناء الجنازة؟ . جاء فى كتاب " مشارق الأنوار " للعدوى ص 21: أن الميت يعرف من يغسله ويحمله ومن يكفنه ومن يدليه فى حفرته، وأن روح الميت فى يد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل وكيف يكفن، ويقال له - وهو على سريره -اسمع ثناء الناس عليك.وجاء فيه أن الميت يرى ما يصنع أهله، ولو قدر على الكلام لنهاهم عن العويل والصراخ. وكل ذلك وردت به أحاديث أخرجها أحمد وابن أبى الدنيا والطبرانى وابن منده وأبو نعيم وأبو داود، وقد حكم على بعض منها بالضعف. ومعلوم أن العقائد لا تثبت إلا بالدليل القطعى من الكتاب والسنة. وأحوال الموتى من الغيب الذى يعلمه الله وحده، ولا يطلعُ عليه أحدا إلا من ارتضاه، ولا يجب علينا الإيمان إلا بما ورد من طريق صحيح. والأخبار المروية فى سماع الميت كلام المشيعين لم ترق إلى هذه الدرجة. فلا نجزم بالنفى ولا بالإثبات، حيث إن ذلك ممكن ولم يرد ما يمنعه، وحيث إن ما أثبتته لم يكن بطريق الجزم. فمن صدق ذلك فهو حر، ولا يجوز أن يفرض رأيه على غيره، ومن كذب فلا يكفر (8/290) ________________________________________ زيارة الأضرحة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل زيارة للأضرحة مشروعة أو ممنوعة؟
الجواب الأضرحة جمع ضريح، والضريح هو الشق وسط القبر. وتعارف الناس عليه إذا دفن فيه شخص له قيمة دينية أو غيرها من القيم التى تحتل من نفوس الناس مكانة كبيرة، واتخذت الأضرحة شكلا معينا من البناء تعلوه قبة تفنن الناس فى شكلها وفى زخرفتها. وكثرت هذه الأضرحة فى مصر منذ عهد الفاطميين الذين أقاموا كثيرا منها لآل البيت وكبار رجال الدولة، وعرفت بالمشاهد أسوة بما أطلق على أضرحة الأئمة من العلويين. ثم جاءت الدولة الأيوبية وأقامت مثلها لكبار رجال السنة. ومن أكبرها ضريح الإمام الشافعى. والأضرحة شأنها شأن سائر القبور فى أن زيارتها سنة لما فيها من فوائد للزائر والمزور، ففيها للزائر عبرة وعظة، كما فى قوال النبى صلى الله عليه وسلم: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور، فإنها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة ". وقوله: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر أمه، فزوروها فإنها تذكر الآخرة " وقد صح فى مسلم أذن الله لنبيه بزيارة قبر أمه، وعدم إذنه فى الاستغفار لها. وفى الزيارة نفع للمزور بالسلام عليه والدعاء له، وبما تقدم ذكره من أنس الميت بمن يزوره. وقد علمنا النبى صلى الله عليه وسلم آداب الزيارة التى منها أن نقول ما علمه السيدة عائشة رضى الله عنها: " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ". وجاء فى إحدى الروايات لهذا الحديث " نسأل الله لنا ولكم العافية " (8/291) ________________________________________ الجنة والنار مخلوقتان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الجنة والنار من خلق الدنيا أم الآخرة، فإن كانت الأولى فأين فراغهما والجنة وحدها عرض السموت والأرض، وما عملهما في الدنيا وهما حصادها في للآخرة، وإن كانت الثانية فكيف إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار كما يقول الحديث الشريف؟
الجواب موضوع خلق الجنة والنار ثار فيه الجدل قديما، فذهب جمهور المسلمين إلى أنهما مخلوقتان الآن، وذهبت طائفة من المعتزلة والخوارج إلى أنهما لا يخلقان قبل يوم القيامة، فهما ليستا موجودتين الآن. وقد ساق كل من الفريقين أدلته، ونوقشت الأدلة ورجح القول بأنهما مخلوقتان بالفعل، وذلك لكثرة النصوص فى القراَن والسنة بأن الجنة أعدت للمتقين، وأن النار أعدت للكافرين، وهذا الإعداد المعبر عنه بصيغة الماضي يدل وضعًا على وجودهما بالفعل، وأما القول بأن التعبير بالماضي هو لمجرد التأكيد بأنهما سيوجدان في المستقبل فهو عدول عن الظاهر بدون مبرر، وإن كان يمكن أن يقال: إن التعيير بالماضي فى الإعداد هو بمعنى أنه تقرر في علم اللَّه على وجه التأكيد فالإخبار بوجودهما وإعدادهما إخبار عن علم الله لا عن وجودهما بالفعل، وبهذا لا يكون الدليل قطعي الدلالة على وجودهما الفعلي الواقعي. وقول من قال إن وجودهما الآن عبث لأنهما للجزاء، والجزاء لا يكون إلا يوم القيامة قول مردود، فإن الفائدة من وجودهما الفعلي ليست محصورة في الجزاء، فكم من أفعال تخْفى حكمتها على العقول {واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون} . وقد يؤكد هذا أن الشهداء ينتقلون من الدنيا لحياة أفصل عند ربهم يرزقون، ومن ضمن الرزق والنعيم أن أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة تأوى إلى قناديل تحت العرش كما رواه مسلم وغيره فالجنة الآن موجودة يتنعم فيها الشهداء لأنهم أحياء وليسوا بأموات كما قال اللَّه تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: 169، ويؤكده أيضًا ما ثبت فى النصوص من نعيم القبر وعذابه، وهو أثر من أثار وجود الجنة والنار قال تعالى {النار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} غافر: 46، فهذا نص على أن النار موجودة ويعرض عليها الكافرون قبل أن يدخلوها يوم القيامة. ومهما يكن من شيء فإنه لابد من الإيمان بأن هناك جنة ونار كما نص القرآن الكريم، أما اعتقاد أنهما موجودتان الآن، أو ستوجدان يوم القيامة فليس مما كلف به المسلمون، والنتيجة هي أنهما دارا ثواب وعقاب، وعلى المؤمن أن يستعد بعمله الصالح حتى يدخل الجنة وينجو من النار. وكذلك مكان وجودهما لسنا مكلَّفين بمعرفته، واستبعاد أن تكونا موجودتين في الدنيا لأن الجنة وحدها عرض السموت والأرض أجاب عنه النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية {وجنة عرضها السموات والأرض} بقوله "فأين الليل إذا جاء النهار"؟ فالكون واسع لا يعلم سعته إلا اللَّه سبحانه، والجنة عرضها ليس هو عرض السموات والأرض الموجودة أمامنا بل هو مثله كما يفيد التعبير عن ذلك في آية {عرضها كعرض السموات والأرض} الحديد: 31، وهو كناية عن السعة. ومعنى فتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب جهنم في رمضان فسره العلماء بأنه كناية عن سعة رحمة اللَّه في هذا الشهر، أو عن كثرة الطاعة والقربات التي توصل إلى الجنة، كأن أصحابها يدخلون الآن بما يقدمون من عمل، وعن قلة المعاصي التي توصل إلى النار، كأنه لا يوجد في رمضان من يعصي اللَّه ويستحق دخولها، وذلك بالنسبة للمؤمنين الطائعين، أما الكافرون - وما أكثرهم - فإن أبواب جهنم مفتوحة لهم، استعدادًا لدخولهم في كل وقت من الأوقات، بسبب ما هم فيه من كفر وعصيان، ذلك بعض ما قيل في الموضوع، ولعله يكفي في الإجابة على السؤال (8/292) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:35 pm | |
| طول الجنة وعرضها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما المقصود بكلمة " عرضها" فى قوله تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض} ، وإذا كان هذا عرضها فكيف يكون طولها، وإذا استغرق طولها وعرضها السموات والأرض فإين توجد النار؟
الجواب للعلماء فى تفسير عرض الجنة رأيان، فقال ابن عباس: تقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض، كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض، فذلك عرض الجنة، ولا يعلم طولها إلا الله. وهو قول جمهور العلماء. ونبه الله بالعرض على الطول، لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض. وقال قوم: المراد بعرض الجنة سعتها، لا ما يقابل طولها، فلما كانت الجنة من الاتساع والانفساح فى غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السموات والأرض، كما تقول للرجل، هذا بحر ولم تقصد الآية بذلك تحديد العرض، ولكن أراد التعبير بذلك أنها أوسع شىء رأيتموه. أما مكان النار إذا كان عرض الجنة هو السموات والأرض فقد أجاب عنه النبى صلى الله عليه وسلم عندما سئل عنه، فقال " سبحان اللَّه، فأين الليل إذا جاء النهار"؟ . رواه أحمد فى مسنده. وكذلك أجاب بمثله سيدنا عمر على اليهود حين سألو والمراد أن مكان النار لا يعلمه إلا الله، كما لا يعلم الليل إذا جاء النهار إلا هو سبحانه. قال ابن كثير: وهذه الإجابة تحتمل معنيين، أحدهما أن يكون المعنى فى ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار ألا يكون فى مكان وإن كنا لا نعلمه، وكذلك النار تكون حيث يشاء الله عز وجل. والثانى أن يكون المعنى: أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب فإن الليل يكون من الجانب الآخر، فكذلك الجنة فى أعلى عليين فوق السموات تحت العرش،. والنار فى أسفل سافلين، فلا تنافى بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار. والمعنى الأول يفيد عدم علمنا بمكان النار، والثانى يفيد علمنا به (8/293) ________________________________________ العتاقة للميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما المقصود بالعتاقة، وهل تنفع الميت وتعتق رقبته من النار؟
الجواب العتاقة تعبير متعارف عليه يقوم على قراءة سورة الإخلاص {قل هو الله أحد} عددا من المرات، رجاء أن يعتق اللَّه بها من النار من قرئت له من الأموات. وهى بهذه الصورة لم يرد بها حديث صحيح خاص، وإن كان مجرد القراءة للقرآن وهبة ثوابها للميت يرجى انتفاعه بها، وأما أن تعتق رقبته من النار وتكفر كل السيئات فلا يدل عليه دليل، وإن كان اللَّه سبحانه قد قال {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48، وهذه المغفرة إما تفضُّل ومنحة من الله دون مقابل، وإما بمقابل من عمل صالح، فالأمر لله وحده. وقد يراد بالعتاقة ما يعرف بإسقاط الصلاة عن الميت لكن قال العلماء إن الميت إذا كان عليه صوم أو زكاة أو حج أو دين للعباد وجب أداء ذلك عنه من تركته، سواء أذن فى ذلك أم لم يأذن، على ما هو المختار من أقوالهم، أما الصلاة فلم يقل أحد بقضائها عنه، أو إسقاطها بأى وجه من الوجوه الثابتة الصحيحة. هذا، وقد روى البزار بسند ضعيف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ قل هو اللَّه أحد مائة ألف مرة فقد اشترى نفسه من اللَّه، ونادى مناد من قبل اللَّه تعالى فى سماواته وأرضه: ألا إن فلانا عتيق الله " قال الصاوى فى حاشيته على الجلالين: هى عتاقة من النار بشرط ألا يكون عليه حقوق العباد أصلا، أو عليه وهو عاجز عن أدائها، أما من قدر عليها فهو كالمستهزئ بربه. ونقل الشيخ الحفنى عن الشيخ العياشى أن من قرأها مائة ألف مرة كفرت صغائره وكبائره " مصباح الظلام ج 2 ص 161 " وهو كلام لا يصمد أمام القول بأن الكبائر لا تكفرها إلا التوبة النصوح ومنها دفع حقوق العباد. وبناء على هذا الحديث الذى يعمل به فى فضائل الأعمال نص جماعة من متأخرى المالكية على استحباب عتاقة الصمدية، ذكر ذلك المحدث عبد اللَّه الصديق الغمارى فى كتابه " فضائل القرآن ". وإذا كان هذا الشخص نفسه يقرؤها، فهل تكون للميت الذى تقرأ له؟ ذلك راجع إلى انتفاع الميت بقراءة القرآن عليه، بأجر أو بغير أجر، وأثر ذلك فى الكبائر والتبعات (8/294) ________________________________________
سورة يس للميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك فضل لقراءة سورة يس عند الميت قبل دفنه وبعد دفنه؟
الجواب روى أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه والحاكم وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "قلب القرآن يس، لا يقرؤها رجل يريد اللَّه والدار الآخرة إلا غفر اللَّه له، اقرءوها على موتاكم ". هناك خلاف بين العلماء فى وقت قراءتها، فقيل عند الاحتضار عسى أن يخفف الله عن الميت، وبخاصة أن الملائكة تحضر لسماع القرآن ومعها الرحمة، وجاء فى حديث آخر فى مسند الفردوس " ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون اللَّه عليه ". وقيل أن قراءتها تكون بعد الموت، سواء أكان ذلك قبل دفنه أم بعد دفنه، والقرآن كله إذا قرىء بدون مقابل ووهب ثوابه إلى الميت ينفعه إن شاء اللَّه، وقد تكون لسورة يس بالذات فضيلة وأثر فى ذلك. وقراءتها على كل حال لا تضر، وقد تفيد الميت بالإهداء إليه أو بحضور الملائكة لسماع القرآن، ذلك إلى جانب نفعها لقارئها ولمن يستمعون إليها للعظة والعبرة (8/295) ________________________________________ نقل الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز نقل الميت من البلد الذى مات فيه ليدفن فى بلد آخر، وإذا دفن في قبر هل يجوز نقله إلى قبر آخر؟
الجواب أما نقل الميت قبل دفنه ليدفن فى بلد آخر، فحكمه ما يأتى: قال الحنفية: يستحب أن يدفن الميت فى الجهة التى مات فيها، ولا بأس بنقله من بلدة إلى أخرى قبل الدفن عند أمن تغير رائحته. وقال الشافعية: يحرم نقله إلى محل آخر ليدفن فيه، حتى لو أمن تغيره إلا إذا جرت عادتهم بدفن موتاهم فى غير بلدتهم، ويستثنى من ذلك من مات فى جهة قريبة من مكة أو المدينة المنورة أو بيت المقدس، أو قريبا من مقبرة قوم صالحين فإنه يسن نقله إليها إذا لم يخش تغير رائحته، وإلا حرم، وهذا كله إذا كان قد تم غسله وتكفينه والصلاة عليه فى محل موته، وأما قبل ذلك فيحرم مطلقا. وقال الحنابلة: لا بأس بنقل الميت من الجهة التى مات فيها إلى جهة بعيدة عنها، بشرط أن يكون النقل لغرض صحيح، كأن ينقل إلى بقعة شريفة ليدفن فيها، أو ليدفن بجوار رجل صالح، وبشرط أن يؤمن تغير رائحته. وقال المالكية: يجوز نقله بشروط ثلاثة: أولها ألا ينفجر حال نقله،، ثانيها ألا تنتهك حرمته، بأن ينقل على وجه يكون فيه تحقير له، ثالثها أن يكون نقله لمصلحة، كأن يخشى من طغيان البحر على قبره، أو يراد نقله إلى مكان ترجى بركته، أو إلى مكان قريب من أهله، أو لأجل زيارة أهله إياه، فإن فقد شرط من هذه الشروط الثلاثة حرم النقل. 2 -هذا هو الحكم عند الأئمة الأربعة فى نقله قبل دفنه، أما نقله بعد دفنه فحكمه ما يأتى: قال الحنفية: يحرم إخراجه ونقله، إلا إذا كانت الأرض التى دفن فيها مغصوبة، أو أخذت بعد دفنه بالشفعة، يعنى استحقها شخص آخر مجاور لها. وقال الشافعية: يحرم نقله إلا لضرورة، كمن دفن فى أرض مغصوبة، فيجوز نقله إن طالب بها مالكها. وقال الحنابلة: يجوز النقل بالشروط المذكورة فى النقل قبل الدفن، فإن فقد شرط كان النقل حراما قبل الدفن وبعده. وقال المالكية: يجوز نقله بالشروط الثلاثة المذكورة فى النقل قبل الدفن، فإن فقد شرط منها حرم النقل " انظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة - نشر وزارة الأوقاف المصرية " (8/296) ________________________________________ أوقات الكراهة فى الدفن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى تشييع جنازة الموتى أثناء الليل، والإشارة بالإصبع أثناء سير الجنازة؟ وهل هناك حديث يمنع دفن الميت فى أوقات معينة؟
الجواب يرى جمهور العلماء أن دفن الميت ليلا كدفنه نهارا، سواء بسواء، فقد دفن الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل الذى كان يرفع صوته بالذكر ليلا، ودفن على فاطمة رضى اللَّه عنها ليلا، وكذلك دفن أبو بكر وعثمان وعائشة وابن مسعود. عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا، فأسرج له بسراج فأخذه من قِبَلِ القبلة وقال " رحمك اللَّه، إن كنت لأَوَّاهًا تلاَّءً للقرآن " وكبر عليه أربعا، رواه الترمذى وقال: حديث حسن، قال: ورخص أكثر أهل العلم فى الدفن بالليل. وقالوا: إنما يجوز ذلك إذا كان لا يفوت بالدفن ليلا شىء من حقوق الميت والصلاة عليه، وإلا كان الدفن مكروها، روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن فى كفن غير طائل ودفن ليلا، فزجر النبى صلى الله عليه وسلم أن يُقبر الرجل بالليل إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وروى ابن ماجه عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا " ومع ذلك فالأفضل الدفن نهارا، انتظارا لكثرة المصلين والمشيعين للجنازة. هذا، ولا تكره الإشارة إلى الجنازة، أثناء تشييعها فلعلها للموعظة، وكثيرا ما ترفع الإصبع السبابة مع قول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، إشارة للتوحيد، وأن البقاء والدوام للَّه وحده، هذا ما أراه والعبرة بالنية. أما الحديث المسئول عنه فقد روى مسلم وأصحاب السنن عن عقبة قال: ثلاث ساعات كان النبى صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلى فيها أو نقبر فيها موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيَّف -تميل الشمس للغروب حتى تغرب. قال العلماء: إذا خيف تغير الميت فإنه يدفن فى هذه الأوقات الثلاثة بدون كراهة، أما إذا لم يخش عليه من التغير فإنه يجوز دفنه فى هذه الأوقات عند الجمهور، ما لم يتعمد دفنه فيها، فإنه حينئذ يكون مكروها. وقال الحنابلة: يكره الدفن فى هذه الأوقات مطلقا، بدليل الحديث المذكور (8/297) ________________________________________ نعى الموتى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن نعى الموتى فى الصحف وغيرها منهى عنه فهل هذا صحيح؟
الجواب 1 -أخرج ابن ماجه والبيهقى بسند حسن أن حذيفة بن اليمان. قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النعى. 2 -روى الترمذى عن عبد الله بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "إياكم والنعى، فإن النعى من عمل الجاهلية " قال الترمذى حديث غريب: أى رواه راو فقط. 3 - روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى الناس النجاشى فى اليوم الذى مات فيه، وفى لفظ " إن أخاكم النجاشى قد مات فقوموا فصلوا عليه ". 4 -روى البيهقى عن أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى جعفرا وزيد بن ثابت وعبد الله بن رواحة، وذلك فى غزوة مؤتة. 5 -وروى أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فيمن دفن ليلا وكان يَقُمُّ المسجد " أفلا كنتم آذنتمونى " وفى رواية "ما منعكم أن تعلمونى ". 6 - وروى أيضا أن رافع بن خديج مات بعد العصر، فأتى ابن عمر فأخبر بموته فقيل له: ما ترى؟ أيخرج بجنازته الساعة؟ فقال: إن مثل رافع لا يخرج به حتى يؤذن به من حولنا من القرى، فأصبحوا وأخرجوا بجنازته. النَّعى والنَّعِىّ الإخبار بموت الميت، قال الأصمعى: كانت العرب إذا مات فيها ميت ركب راكب فرسا وجعل يسير فى الناس ويقول: نَعَاءِ فلانا، أى أنعيه وأظهر خبر وفاته. قال الجوهرى: وهى مبنية على الكسر مثل درَاكِ ونزال. إذا كان النعى على نحو ما يفعله أهل الجاهلية من ذكر المآثر والمفاخر فهو ممنوع، كما يدل عليه الحديثان الأولان، واستحب جماعة من أهل العلم ألا يعلم الناس بجنائزهم منهم ابن مسعود وأصحابه علقمة والربيع بن خيثم وعمرو بن شرحبيل. أما إذا كان النعى لأجل إخطار الأقارب والأصدقاء ليشهدوا جنازته ويكثر المصلون عليه، لأن فى كثرتهم أجرا لهم ونفعا للميت، فإنه يحصل لكل مصل منهم قيراط من الأجر كما صح فى الحديث ولأنه ورد "ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاث صفوف من المسلمين إلا أوجب " يعنى وجبت له الجنة، إذا كان النعى لذلك فلا بأس به، بل هو مستحب، وممن رخص فى هذا أبو هريرة وابن عمر وابن سيرين وإبراهيم النخعى وعلقمة يقول البيهقى: بلغنى عن مالك أنه قال: لا أحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس. ومن جوزوا النعى بهذا القصد اعتمدوا على المرويات الثلاثة الأخيرة المذكورة وفى هذا التفصيل جمع بين الأحاديث فالمدار على القصد من النعى (8/298) ________________________________________ تعجيل موت الميئوس من شفائه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز قتل المريض بفقد المناعة "الإيدز"؟
الجواب من المقرر شرعا وعقلا أن قتل النفس جريمة من أكبر الجرائم ما دام لا يوجد مبرر لذلك، والنصوص فى ذلك أشهر من أن تذكر، يكفى منها قوله تعالى عن الشرائع السابقة {من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} المائدة: 32، وقوله تعالى {ولا تقتلوا النفس التى حرم اللَّه إلا بالحق} الأنعام: 151 والإسراء: 33، وقوله تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب اللَّه عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} النساء: 93،. والقتل الجائز هو ما كان بالحق، كالدفاع عن النفس والمال والعرض والدين والجهاد فى سبيل الله، وما نص عليه الحديث الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما بألفاظ متقاربة "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزانى والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" وهناك مسائل أخرى يجوز فيها القتل تطلب من مظانها. والمريض أيا كان مرضه وكيف كانت حالة مرضه لا يجوز قتله لليأس من شفائه أو لمنع انتقال مرضه إلى غيره، ففى حالة اليأس من الشفاء - مع أن الآجال بيد الله، وهو سبحانه قادر على شفائه -يحرم على المريض أن يقتل نفسه ويحرم على غيره أن يقتله حتى لو أذن له فى قتله، فالأول انتحار والثانى عدوان على الغير بالقتل، وإذنه لا يحلل الحرام فهو لا يملك روحه حتى يأذن لغيره أن يقضى عليها والحديث معروف فى تحريم الانتحار عامة، فالمنتحر يعذب فى النار بالصورة التى انتحر بها خالدا مخلدا فيها أبدا، إن استحل ذلك فقد كفر وجزاؤه الخلود فى العذاب،،وإن لم يستحله عذب عذابا شديدا جاء التعبير عنه بهذه الصورة للتنفير منه. روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات " قال اللَّه تعالى "بادرنى عبدى بنفسه، حرمت عليه الجنة" وفى رواية لهم أن رجلا مسلما قاتل فى خيبر قتالا شديدا ومات، فلما أخبر به الرسول قال "إنه من أهل النار" فعجب الصحابة لذلك، ثم عرفوا أنه كان به جراح شديد فلم يصبر عليه، فوضع نصل سيفه بالأرض وجعل ذبابه -أى طرفه -بين ثدييه ثم تحامل على نفسه حتى مات، وتقول الرواية إن الرسول أمر بلالا أن ينادى فى الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وقد ألفت فى إنجلترا جمعية باسم "القتل بدافع الرحمة" طالبت السلطات سنة 1936 م بإباحة الإجهاز على المريض الميئوس من شفائه، وتكرر الطلب فرفض، كما تكونت جمعية لهذا الغرض فى أمريكا وباء مشروعها بالفشل سنة 1938، وما زالت هذه الدعوة تكسب أنصارا فى هذه البلاد. فالخلاصة أن قتل المريض الميئوس من شفائه حرام شرعا حتى لو كان بإذنه، فهو انتحار بطريق مباشر أو غير مباشر، أو عدوان على الغير إن كان بدون إذنه، والروح ملك لله لا يضحى بها إلا فيما شرعه الله من الجهاد ونحوه مما سبق ذكره. أما المريض الذى يخشى انتقال مرضه إلى غيره بالعدوى حتى لو كان ميئوسا من شفائه فلا يجوز قتله من أجل منع ضرره، ذلك لأن هناك وسائل أخرى لمنع الضرر أخف من القتل ومنها العزل ومنع الاختلاط به على وجه ينقل المرض، فوسائل انتقال المرض متنوعة وتختلف من مرض إلى مرض، وليس كل اختلاط بالمريض بِفقد المناعة "الإيدز" محققا للعدوى، فهى لا تكون إلا باختلاط معين كما ذكره المختصون فالإجراء الذى يتخذ معه هو منع هذه الاتصالات الخاصة، مع المحافظة على حياته كآدمى يقدم إليه الغذاء حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا. وعدم الاختلاط بالمريض مرضا معديا، أى العزل أو الحجر الصحى، مبدأ إسلامى جاء فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم" فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" رواه البخارى وقوله "إذا سمعتم بالطاعون فى أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها" والله سبحانه يقول {خذوا حذركم} النساء: 71، وفى الحديث الذى رواه أحمد وابن ماجه بإسناد حسن "لا ضرر ولا ضرار". فالمريض بالإيدز على فرض اليأس من شفائه - لا يجوز قتله منعا لضرره عن الغير، فمنع الضرر له وسائل أخرى غير القتل ولا يقال إنه يستحق القتل، لأنه ارتكب منكرا نقل إليه هذا المرض، فليس كل منكر حتى لو كان اتصالا محرما يوجب القتل، فهناك شروط موضوعة لإقامة حد الرجم "القتل " على مرتكب الفاحشة، كما أن هناك وسائل لانتقال المرض إليه ليست محرمة وربما لا يكون له فيها اختيار، كنقل دم مريض به دون علم، أو غير ذلك. وعلى العموم لا يصح قتل المريض بالإيدز أو بغيره، لا لليأس من شفائه، ولا لمنع انتقال المرض منه إلى غيره، فالله على كل شيء قدير، ووسائل الوقاية متعددة، وقد يكون بريئا من ارتكاب ما سبب له المرض، فهو يستحق العطف والرحمة، ومداومة العلاج بالقدر المستطاع، جاء فى الحديث الذى رواه الترمذى "يا عباد اللَّه تداووا، فان الله لم يضع داء إلا وضع له دواء" وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "ما أنزل اللَّه من داء إلا أنزل له شفاء" وفى الحديث الذى رواه أحمد "إن اللَّه لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله "وجاء فى بعض روايات أحمد استثناء " الهرم " فإنه ليس له شفاء. وهذه الأحاديث تعطينا أملا فى اكتشاف دواء لهذا المرض، كما اكتشفت أدوية لأمراض ظن الناس أن شفاءها ميئوس منه، فلا يصح قتل حامله لليأس من شفائه، ولا لمنع الضرر عن الأصحاء، حيث لم يتعين القتل وسيلة له، فالوسائل المباحة موجودة، وعليه فليست هناك ضرورة أو حاجة ملحة حتى يباح لها المحظور، ولا محل أيضا لقياس قتله على إلقاء أحد ركاب السفينة فى البحر لإنقاذ حياة الباقين، تقديما لحق الجماعة على حق الفرد، أو على قتل المسلم الذى تترس به العدو للتوصل إلى قتله. فذلك وأمثاله تحتم الإغراق والقتل وسيلة، فأبيح للضرورة والأمر فى منع العدوى ليس كذلك (8/299) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:36 pm | |
| إسراع الجنازة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الجنازة إذا كان سيرها سريعا كانت صالحة وإذا كان بطيئا كانت غير صالحة؟
الجواب روى البخارى ومسلم عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدمونى، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بى؟ يسمع صوتها كل شيء ولو يسمع الإنسان لصعق "وروى البخارى ومسلم أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عند موت سعد بن معاذ "اهتز عرش الرحمن لموت معاذ" وروى الترمذى عن أنس رضى اللَّه عنه قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته - وذلك لحكمه فى بنى قريظة - فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الملائكة كانت تحمله. وذكر ابن الأثير فى كتابه "أسد الغابة" عن سعد بن أبى وقاص عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لقد نزل من الملائكة فى جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفا ما وطئوا الأرض من قبل، وبحق أعطاه الله ذلك. تدل هذه الأحاديث على أن الجنازة إذا كانت صالحة تطلب من حملتها من الناس أن يسرعوا بها لتتنعم بما أعده اللَّه لها، وإن لم يسمعوا صوتها، وعلى أن هناك من يسمعها، كما تدل على أن الملائكة تشارك فى حمل جنازة بعض الخواص من المسلمين أو على الأقل أن حملها للجنازة ممكن لا يوجد نص يمنعه، والعقل لا يحيل ذلك، فإن فى العالم قوى خفية وللأرواح أحوالا غريبة، مع الإيمان بأن اللَّه على كل شىء قدير. بعد هذا نقول: إسراع النعش وإبطاؤه أو وقوفه أو طيرانه فوق الرءوس أمور تناقل الناس أخبارها كثيرا، بعضهم سمع وبعضهم رأى، وأكثر المعلقين عليها يقولون: إن ذلك من فعل الحاملين للجنازة، وقد يكون ذلك التعليق صحيحا، لكن تحدث أناس موثوق بحديثهم أن الإسراع أو الإبطاء، قد يكون اضطرابا لا دخل فيه لأحد من الحاملين لها. ونحن بدورنا نقول: إن الأمر فى حد ذاته ممكن، وليس هناك نص يمنعه، وإن كان حديث الترمذى فى شأن سعد بن معاذ يرجحه، وهو على كل حال ليس عقيدة نحاسب عليها، وإنما الذى نحاسب عليه من العقائد هو ما يكون دليله قطعى الثبوت والدلالة، وموضوع السؤال ليس من هذا القبيل. وعلينا أن نعتقد أن عمل الإنسان هو ميزان تقديره عند اللَّه، كما نحذر من يحملون الجنازة من اصطناع أمور يظهرون بها كرامة ميتهم، فكرامته فى عمله، والله وحده هو الذى يتولى ذلك (8/300) ________________________________________ تشريح جثث الموتى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم تشريح جثث الموتى لتحقيق الجناية أو التعليم؟
الجواب ورد عن جابر رضى اللَّه عنه أنه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى جنازة فجلس النبى على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفار عظما - ساقا أو عضوا - فذهب ليكسره، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "لا تكسرها، فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيا، ولكن دسه فى جانب القبر" هذا الحديث رواه مالك وابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح ما عدا رجلا واحدا هو سعد الأنصارى، فقد ضعفه أحمد، ولكن وثقه الأكثر ون وروى له مسلم، وهو كاف فى الاحتجاج بالحديث. لم يرد فى نصوص الدين ما يتصل بتشريح جثة الميت مباشرة، والمسألة اجتهادية بين الفقهاء الذين اعتمدوا على هذا الحديث، حين تحدثت كتبهم عن حكم شق بطن الميت إن كان فيه مال، وشق بطن الميتة الحامل لإخراج الجنين منه. وقد جاء فى فتوى صادرة من دار الإفتاء المصرية فى 31 من أكتوبر سنة 1937م (المفتى الشيخ عبد المجيد سليم - الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع ص 1331.) بالنسبة لشق البطن إن كان فيه مال: أن علماء الحنفية أجازوا شقه إذا كان المال لغيره ولم يترك الميت مالا يعطى لصاحبه، لأن حق الآدمى مقدم على حق الله تعالى، ومقدم على حق الظالم المعتدى، وقد زالت حرمة هذا الظالم بتعديه على مال غيره. أما مذهب الشافعى فالمشهور للأصحاب إطلاق الشق حينئذ - يعنى جوازه -من غير تفصيل إن كان المال لغيره وطلبه، وقال بعضهم: يشق بطنه إذا لم يضمن الورثة مثله أو قيمته، وهناك وجه بجواز الشق إن بلع جوهرة لنفسه، والخلاصة أن عند الشافعية رأيا بالشق مطلقا، وعن سحنون المالكى يجوز الشق مطلقا من أجل المال، ومنعه أحمد. وبالنسبة لشق بطن الميتة لإخراج الجنين، أجازه الحنفية إن علم أن الولد حى، لأن الشق وإن كان فيه إبطال لحرمة الميت ففيه صيانة لحرمة الحى وهو الولد، وأجازه الشافعية إن كان يرجى حياة الجنين بعد إخراجه، ومنعه المالكية والحنابلة. ثم قال المفتى: والذى يقتضيه النظر الدقيق فى قواعد الشريعة وروحها أنه إذا كانت هناك مصلحة راجحة فى شق البطن وتشريح الجثة، من إثبات حق القتيل لدى المتهم،أو تبرئة المتهم من تهمة القتل بالسم مثلا أنه يجوز الشق والتشريح. والحديث المذكور فى عدم كسر عظم الميت يحمل على ما إذا لم تكن هناك مصلحة راجحة أو حاجة ماسة، فقواعد الدين الإسلامى مبنية على رعاية المصالح الراجحة وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشد من هذا الضرر. ومثل هذه الفتوى جاء فى الفتوى الصادرة فى 23 من أكتوبر سنة 1966 م (المفتى الشيخ أحمد هريدى - الفتاوى الإسلامية - المجلد السادس ص 2278.) وكذلك فى الفتوى الصادرة في 5 من ديسمبر سنة 1979 م (المفتى الشيخ جاد الحق على جاد الحق - الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر ص 3705-3707.) التى جاء فيها ما نصه: أن فقه مذهبى الإمامين أبى حنيفة والشافعى يجيزان شق بطن الميت، سواء لاستخراج جنين حى أو لاستخراج مال، وأن فقه مذهبى مالك وأحمد بن حنبل الشق فى المال دون الجنين، والذى اختاره فى هذا الموضوع هو ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والشافعية، من جواز شق بطن الميت لمصلحة راجحة سواء كانت لاستخراج جنين حى أو مال للميت أو لغيره إذا كان ذا قيمة معتد بها عرفا ينتفع بها الورثة أو تقضى ديونه. اهـ. هذا فى التشريح لتحقيق جناية أو استخراج مال أو جنين، بناء على المصلحة الراجحة، فهل التشريح الذى يمارس فى كليات الطب للتعليم فيه مصلحة راجحة على صيانة حرمة الميت؟ جاء فى فتوى للشيخ يوسف الدجوى منشورة فى مجلة الأزهر، المجلد السادس ص 472، ما بشير إلى جوازه بالقياس الأولوى على جواز التشريح للمال ولو كان قليلا كما رآه بعض الفقهاء، وقال ما نصه: فضلا عما فى التشريح من تقدم العلم الذى تنتفع به الإنسانية كلها، وينقذ كثيرا ممن أشفى على الهلكة أو أحاطت به الآلام من كل نواحيه، فهو يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت. ثم قال مستدركا: غير أنا نرى أنه لابد من الاحتياط فى ذلك حتى لا يتوسع فيه الناس بلا مبالاة، فليقتصر فيه على قدر الضرورة. وقال فى ص 578: إنا نرى من الإخلاص للدين والعلم أن نقول: إن مثل هذه المسألة محل اجتهاد يصح أن تختلف فيه الأنظار، وإذا رجحنا شيئا فإننا نكتب عن رأينا أو رأى فريق من علمائنا، والخير كله فى التوسط والاعتدال، والشر كله فى الإفراط والتفريط. ولم يوافقه الشيخ محمد بخيت المطيعى على ذلك، فبعد أن ذكر المسائل التى يجوز فيها شق بطن الميت نقلا عن كتب المذاهب التى تحدثت عن إخراج الجنين والمال -قال: وبناء على ذلك فلا يجوز شق بطن أى ميت كان إلا فى المواد المتقدمة، وأن التشريح الذى من لوازمه شق البطن بلا سبب سوى بحث الأعضاء ومعرفة وظائفها وما بها من الأمراض فهذا لا يسوغ ولا يجيز فتح بطن الإنسان بعد موته. ويمكن الوقوف على وظائف الأعضاء بواسطة فتح بطن حيوان آخر غير الإنسان، لأن كل الحيوانات متساوية فى وظائف الأعضاء الحيوانية. ثم قال: ومن هنا يعلم أن التشريح الذى من لوازمه فتح البطن كما قلنا لا يجوز. نعم فتح البطن لأجل العلاج الطبى يجوز، لأنه للمحافظة على الحياة فلا إهانة فيه (مجلة الأزهر - المجلد السادس ص 631، 632.) . وجاء فى فتوى للشيخ جاد الحق على جاد الحق، عن نقل الأعضاء: أن الميت إذا جهلت شخصيته أو عرفت وجهل أهله يجوز أخذ جزء من جسده نقلا لإنسان حى آخر يستفيد به فى علاجه، أو تركه لتعليم طلاب كليات الطب، لأن فى كل ذلك مصلحة راجحة تعلو على الحفاظ على حرمة الميت (الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر ص 3714.) . . من هذا بمكن أن نقول: إن التشريح من أجل التعلم والتعليم محل خلاف بين العلماء ومن أجازه قال: لا يصار إليه إلا عند الضرورة وفى أضيق الحدود، ولو أمكنت الدراسة على حيوانات مماثلة لكان أولى، وكذلك لو أمكن الاستغناء عن التشريح بالنماذج المصنوعة-وهى دقيقة إلى حد كبير-فلا يجوز اللجوء إلى جثة الآدمى (8/301) ________________________________________
انتفاع الميت بقراءة القرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى قراءة القرآن على الأموات هل تنفعهم أو لا تنفعهم؟
الجواب فى قراءة القرآن للميت خلاف للعلماء بين المنع من استفادته بها بناء على أنها عبادة بدنية لا تقبل النيابة، وبين الجواز بناء على رجاء رحمة اللَّه وما ورد من بعض النصوص، ومن تتبع أقوال الكثيرين يمكن استنتاج ما يلى: 1 - إذا قرئ القرآن بحضرة الميت فانتفاعه بالقراءة مرجو، سواء أكان معها إهداء أم لم يكن، وذلك بحكم المجاورة، فإن القرآن إذا تلى، وبخاصة إذا كان فى اجتماع حفت القارئين الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، روى مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم "ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت اللَّه يقرؤون كتاب اللَّه ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة" والقرآن ذكر، بل أفضل الذكر، وقد روى مسلم وغيره حديث " لا يقعد قوم يذكرون اللَّه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم اللَّه فيمن عنده "، بل لا يشترط لنزول الملائكة وغيرهم أن تكون القراءة أو الذكر فى جماعة، فيحصل ذلك للشخص الواحد روى البخارى ومسلم حديث أسيد بن حضير الذى كان يقرأ القرآن فى مربده وبجواره ولده وفرسه، وجاء فيه: فإذا مثل الظلة فوق رأسى، فيها أمثال السرج عرجت فى الجو حتى ما أراها، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " تلك الملائكة تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم ". على أن النص قد جاء بقراءة "يس " عند الميت، روى أحمد وأبو داود والنسائى، واللفظ له، وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "قلب القرآن يس، لا يقرؤها رجل يريد اللَّه والدار الآخرة إلا غفر اللَّه له اقرؤوها على موتاكم ". وقد أعل الدارقطنى وابن القطان هذا الحديث، لكن صححه ابن حبان والحاكم، وحمله المصححون له على القراءة على الميت حال الاحتضار، بناء على حديث فى مسند الفردوس "ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون اللَّه عليه " لكن بعض العلماء قال: إن لفظ الميت عام لا يختص بالمحتضر، فلا مانع من استفادته بالقراءة عنده إذا انتهت حياته، سواء دفن أم لم يدفن،، روى البيهقى بسند حسن أن ابن عمر استحب قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن، وابن حبان الذى قال فى صحيحه معلقا على حديث "اقرؤوا على موتاكم يس " أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه رد عليه المحب الطبرى: بأن ذلك غير مسلم له وإن سلم أن يكون التلقين حال الاحتضار، قال الشوكانى: واللفظ نص فى الأموات وتناوله للحى المحتضر مجاز فلا يصار إليه إلا لقرينة، "نيل الأوطار ج 4 ص 52" والنووى ذكر فى رياض الصالحين تحت عنوان: الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة "الباب الحادى والستون بعد المائة" ذكر أن الشافعى قال: يستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن وإن ختموا القرآن كان حسنا، وجاء فى المغنى لابن قدامة "ص 758" تسن قراءة القرآن عند القبر وهبة ثوابها، وروى أحمد أنه بدعة، ثم رجع عنه. وكره مالك وأبو حنيفة القراءة عند القبر حيث لم ترد بها السنة. لكن القرافى المالكى قال: الذى يتجه أن يحصل للموتى بركة القراءة، كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده. 2 -إذا قرئ القرآن بعيدا عن الميت أو عن القبر وامتنع انتفاعه به بحكم المجاورة وحضور الملائكة، اختلف الفقهاء فى جواز انتفاع الميت به، وهناك ثلاث حالات دار الخلاف حولها بين الجواز وعدمه: الحالة الأولى: إذا قرأ القارىء ثم دعا الله بما قرأ أن يرحم الميت أو يغفر له، فقد توسل القارئ إلى اللَّه بعمله الصالح وهو القراءة، ودعا للميت بالرحمة، والدعاء له متفق على جوازه وعلى رجاء انتفاعه به إن قبله اللَّه، كمن توسلوا إلى اللَّه بصالح أعمالهم فانفرجت عنهم الصخرة التى سدت فم الغار وفى هذه الحالة لا ينبغى أن يكون هناك خلاف يذكر فى عدم نفع الميت بالدعاء بعد القراءة. الحالة الثانية. إذا قرأ القارئ ثم دعا اللَّه أن يهدى مثل ثواب قراءته إلى الميت، قال ابن الصلاح: وينبغى الجزم بنفع: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه، أى مثله، فهو المراد، وأن يصرح به لفلان، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعى فماله أولى، ويجرى ذلك فى سائر الأعمال، ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعى يدعو الله أن يرحم الميت: والرحمة ليست ملكا له بل لله، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهى ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب القراءة أو مثلها. وكذلك يجوز فى كل قربة يفعلها الحى من صلاة وصيام وصدقة، ثم يدعو بعدها أن يوصل اللَّه مثل ثوابها إلى الميت. وقد تقدم كلام ابن قدامة فى المغنى عن ذلك، والدعاء بإهداء مثل ثواب القارئ إلى الميت هو المراد من قول المجيزين: اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان. الحالة الثالثة: إذا نوى القارئ أن يكون الثواب: أى مثله، للميت ابتداء أى قبل قراءته أو أثناءها يصل ذلك إن شاء اللَّه، قال أبو عبد الله الأبى: إن قرأ ابتداء بنية الميت وصل إليه ثوابه كالصدقة والدعاء، وإن قرأ ثم وهبه لم يصل، لأن ثواب القراءة للقارئ لا ينتقل عنه إلى غيره، وقال الإمام ابن رشد فى نوازله: إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز وحصل للميت أجره، ووصل إليه نفعه، ولم يفصل بين كون الهبة قبل القراءة أو معها أو بعدها، ولعله يريد ما قاله الأبى. هذا، وانتفاع الميت بالقراءة مع الإهداء أو النية هو ما رآه المحققون من متأخرى مذهب الشافعى، وأولوا المنع على معنى وصول عين الثواب الذى للقارئ، أو على قراءته لا بحضرة الميت ولا بنية ثواب قراءته له، أو نيته ولم يدع له، وقد رجح الانتفاع به أحمد وابن تيمية وابن القيم، وقد مر كلامهم فى ذلك. قال الشوكانى "نيل الأوطار ج 4 ص 142 " المشهور من مذهب الشافعى وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن، وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعى إلى أنه يصل، كذا ذكره النووى فى الأذكار. وفى شرح المنهاج: لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور، والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته، وينبغى الجزم به لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء. وهذا المعنى لا يختص بالقراءة، بل يجرى فى سائر الأعمال. والظاهر أن الدعاء متفق عليه أنه ينفع الميت والحى، والقريب والبعيد، بوصية وغيرها وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب. هذا، وقد قال الأبى: والقراءة للميت، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغى إهمالها، فلعل الحق الوصول، فإن هذه الأمور مغيبة عنا، وليس الخلاف فى حكم شرعى إنما هو فى أمر هل يقع كذلك أم لا. وأنا مع الأبى فى هذا الكلام فإن القراءة للميت إن لم تنفع الميت فهى للقارئ، فالمستفيد منها واحد منهما، ولا ضرر منها على أحد. مع تغليب الرجاء فى رحمة الله وفضله أن يفيد بها الميت كالشفاعة والدعاء وغيرهما. وهذا الخلاف محله إذا قرئ القرآن بغير أجر، أما إن قرئ بأجر فالجمهور على عدم انتفاع الميت به، لأن القارئ أخذ ثوابه الدنيوى عليها فلم يبق لديه ما يهديه أو يهدى مثل ثوابه إلى الميت، ولم تكن قراءته لوجه الله حتى يدعوه بصالح عمله أن ينفع بها الميت، بل كانت القراءة للدنيا، ويتأكد ذلك إذا كانت هناك مساومة أو اتفاق سابق على الأجر أو معلوم متعارف عليه، أما الهدية بعد القراءة إذا لم تكن نفس القارئ متعلقة بها فقد يرجى من القراءة النفع للميت. والأعمال بالنيات، وأحذر قارئ القرآن من هذا الحديث الذى رواه أحمد والطبرانى والبيهقى عن عبد الرحمن بن شبل: "اقرؤوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به " قال الهيثمى: رجال أحمد ثقات، وقال ابن حجر فى الفتح: سنده قوى، وفسر الأكل به بأخذ الأجرة عليه، كما فسر بالاستجداء به والتسول. وقد قال الشيخ حسنين محمد مخلوف فى أخذ الأجرة على قراءة القرآن: مذهب الحنفية لا يجوز أخذها على فعل القرب والطاعات كالصلاة والصوم وتعليم القرآن وقراءته، ولكن المتأخرين من فقهاء الحنفية استثنوا من ذلك أمورا منها تعليم القرآن، فقالوا: بجواز أخذ الأجرة عليه استحسانا، خشية ضياعه، ولكن بقى حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن على ما تقرر فى أصل المذهب من عدم الجواز. ومذهب الحنابلة لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ولا على قراءته، استنادا إلى حديث "اقرؤوا القرآن " الذى تقدم. ومذهب المالكية لا يجوز أخذ الأجرة على ما لا يقبل النيابة من المطلوب شرعا كالصلاة والصيام، ولكن يجوز أخذ الأجرة على ما يقبل النيابة، ومنها تعليم القرآن وقراءته، ومذهب الشافعية يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه، سواء أكانت القراءة عند القبر أو بعيدة عنه، مع الدعاء بوصول الثواب إلى الميت اهـ. انظر موضوع "الأجر على قراءة القرآن " بالمجلد الثانى (8/302) ________________________________________ تلقين الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال بعد دفن الميت يجلس أحد الفقهاء ويلقنه كلاما ليجيب به الملكين فهل هذه سنة أم عادة عن الأجداد، وما حكم الشرع فيه؟
الجواب رأى بعض العلماء أن يلقن الميت المكلف بعد دفنه، فقد روى عن بعض التابعين، منهم راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عميرة أنهم قالوا: إذا سوى على الميت قبره وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه "ثلاث مرات " يا فلان قل: ربى اللَّه، ودينى الإسلام، ونبيى محمد، ثم ينصرف. وعندهم فى هذا حديث أبى أمامة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقف أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة الثانية، فيستوى قاعدا، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تسمعون فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما - فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون اللَّه تعالى حجته دونهما. فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه؟ فال "فلينسبه إلى حواء" رواه ابن شاهين فى كتاب الموت بإسناده. وهذا الإسناد صالح وقواه بعضهم. وقال النووى: هذا الحديث وإن كان ضعيفا فليستأنس به. وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة فى أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد اعتضد بشواهد، كحديث "واسألوا له التثبيت " ورواية عمرو بن العاص، وهما صحيحان. ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا فى زمن يقتدى به وإلى الآن، وذهبت المالكية فى المشهور عنهم وبعض الحنابلة إلى أن التلقين مكروه، جاء فى المغنى لابن قدامة (ج 2 ص 377) : ليس فيه لأحمد ولا للأئمة شيء، سوى ما رواه الأثرم، قال: -قلت لأبى عبد اللَّه: فهذا الذى يصنعون إذا دفن الميت، يقف الرجل ويقول ... فقال: ما رأيت أحدا فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة، جاء إنسان فقال ذاك، قال: وكان أبو المغيرة يروى فيه عن أبى بكر بن أبى مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه، وكان ابن عباس يرويه، ثم قال فيه: إنما لأثبت عذاب القبر. قال القاضى وأبو الخطاب: يستحب ذلك، ورويا فيه حديث أبى أمامة المذكور. جاء فى "مشارق الأنوار" للعدوى ص 10 أن التلقين مشروع عند الشافعية، وارتضاه صاحب المدخل وجزم به القرطبى وكذلك عند أبى حنيفة وغير واحد من المالكية كما قال صاحب المدخل، وذلك لحديث سعيد بن عبد الله الأسدى الذى قال: شهدت أبا أمامة الباهلى فى النزع فقال: إذا مت فاصنعوا بى كما أمر النبى صلى الله عليه وسلم (وذكر الحديث المتقدم) قال العدوى: ومشهور مذهب مالك يرى ضعف الحديث وأن شرط العمل به ألا يشتد ضعفه وأن يندرج تحت أصل كلى، قال الشيخ عبد الباقى: ولم يوجد فى هذا الحديث اندراج تحت أصل كلى، فلا يعمل به وإن كان فى المقاصد تقويته.اهـ. قال العلامة الأمير فى حاشيته عليه: وأورد أن هذا مندرج فى نفع المؤمن أخاه {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} اهـ. فيكون هذا مقويا لما درج عليه صاحب المدخل وجزم به القرطبى فيكون الاعتماد عليه. لا سيما والحديث قواه الحافظ السخاوى فى "المقاصد" ولكل وجهة رضى الله عن الجميع. انتهى كلام العدوى. ويقول السيد/ عبد الله بن محمد الصديق الحسنى: إن التلقين جرى عليه العمل قديما فى الشام زمن أحمد بن حنبل وقبله بكثير، وفى قرطبة ونواحيها حوالى المائة الخامسة فما بعدها إلى نكبة الأندلس، وذكر بعض العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة الذين أجازوه، وذكر أن حديث أبى أمامة ضعيف، لكن الحافظ ابن حجر قال فى "التلخيص " إسناده صحيح، ورأى الصديق الحسنى صلاح إسناده لأن له طرقا وشواهد "مجلة الإسلام -مجلد 3 عدد 10 ". وفى المجلد الرابع من الفتاوى الإسلامية ص 1391 أن الشيخ قراعة أفتى سنة 1922 م بأن التلقين فيه خلاف واختار عدم المنع، أخذا مما روى عن القاضى الكرمانى حينما سئل عنه فقال: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللَّه حسن، وإنما لا ينهى عن التلقين بعد الدفن لأنه لا ضرر فيه، بل فيه نفع، فإن الميت يستأنس بالذكر على ما ورد فى الآثار، انتهى ملخصا من حاشية مراقى الفلاح ورد المحتار. وفى المجلد نفسه ص 1256 أن الشيخ عبد المجيد سليم أفتى سنة 1936 م بأنه مستحب عند الشافعية والحنابلة ومكروه عند الإمام مالك رضى اللَّه عنه ووافق على ما جنح إليه الشيخ قراعة. ونقل كلام النووى فى الجزء الخامس من كتابه المجموع "ص 303 " من استحبابه والكلام الذى يقال فيه وأن التلقين يكون للمكلف وليس للصبى ونقل رأى الإمام مالك بالكراهة، من شرح الرسالة لأبى الحسن. وأنه لم يجد فى كتب الحنفية ولا فى غيرها اشتراط شيء فيمن يلقن الميت بعد الدفن، ورأى أنه ينبغى أن يكون ممن يحسن التلقين. انتهى. وبعد هذا العرض أرى أن هذا العمل لا يضر الأحياء ولا الأموات، بل ينتفع به الأحياء تذكرة وعبرة، فلا مانع منه. هذا، وتلقين الشهادة للمحتضر مشروع ندبا أو وجوبا، لحديث الجماعة إلا البخارى "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " ويزاد عليه "وأن محمدا رسول اللَّه " ومع مشروعيته أجمع العلماء على كراهة الإكثار منه لئلا يتألم المحتضر وربما يرفض "نيل الأوطار ج 4 ص 22 " (8/303) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:41 pm | |
| سماع الميت أثناء تشييع الجنازة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الميت يسمع الكلام أثناء تشييع الجنازة؟
الجواب جاء فى كتاب "مشارق الأنوار" للعدوى ص21: أن الميت يعرف من يغسله ويحمله ومن يكفنه ومن يدليه فى حفرته، وأن روح الميت فى يد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل وكيف يكفن، ويقال له وهو على سريره: اسمع ثناء الناس عليك،وأن الميت يرى ما يصنع أهله، ولو قدر على الكلام لنهاهم عن العويل والصراخ. وكل ذلك وردت به أحاديث أخرجها أحمد وابن أبى الدنيا والطبرانى وابن منده وأبو نعيم وأبو داود. وقد حكم على بعض الأحاديث بالضعف. ومعلوم أن العقائد والغيبيات لا تثبت إلا بالدليل القطعى من الكتاب والسنة، وأحوال الموتى من الغيب الذى يعلمه الله وحده، ولا يطلع عليه أحدا إلا من ارتضاه، ولا يجب علينا الإيمان إلا بما ورد من طريق صحيح، والأخبار المروية فى سماع الموتى كلام المشيعين لم ترق إلى هذه الدرجة، فلا نجزم بالنفى ولا بالثبوت، حيث إن ذلك ممكن لم يرد ما يمنعه، وحيث إن ما أثبته لم يكن بطريق الجزم، فمن صدَّق بذلك فهو حر ومن كذَّب لا يكفر (8/304) ________________________________________ هل يتزاور أهل الجنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يتزاور أهل الجنة كما يتزاور أهل الأرض؟
الجواب ذكر الحافظ المنذرى فى كتابه "الترغيب والترهيب " أن أهل الجنة يتزاورون على المطايا والنُّجب، وأنَّ بعضهم يشتاق إلى بعض فتسير بهم السرر حتى يتلاقوا ويتذكروا كيف غفر الله لهم. وذكر المنذرى أن بعض هذه الأحاديث موقوف غير مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأن رواة بعضها مختلف فى صحبته،وبهذا لا يثبت تزاورهم بطريق صحيح يكون سبيلا للاعتقاد. غير أن الأمر فى حد ذاته ممكن، ولو طلبه أحد من أهل الجنة لأجيب طلبه بناء على عموم قوله تعالى {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} الزخرف: 71، وقوله تعالى {ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} الحجر: 47، ويؤكد أن لهم لقاءات يتذاكرون فيها ماضيهم فى الدنيا ويسألون عمن كانوا معهم فيها وعصوا ربهم، قوله تعالى {إلا عباد الله المخلصين. أولئك لهم رزق معلوم. فواكه وهم مكرمون. فى جنات النعيم. على سرر متقابلين. يطاف عليهم بكأس من معين. بيضاء لذة للشاربين. لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون. وعندهم قاصرات الطرف عين. كأنهن بيض مكنون. فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قال قائل منهم إنى كان لى قرين. يقول أئنك لمن المصدقين. أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون. قال هل انتم مطلعون. فاطلع فرآه فى سواء الجحيم. قال تالله إن كدت لتردين. ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين. أفما نحن بميتين. إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين. إنَّ هذا لهو الفوز العظيم. لمثل هذا فليعمل العاملون} الصافات: 45 - 161 (8/305) ________________________________________ تزاور الموتى فى القبور
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الموتى يتزاورون فى القبور؟
الجواب جاء فى صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه " قيل: العلة فى ذلك تزاور الموتى وتباهيهم بالأكفان، كما نص عليه فى أحاديث أخرى، منها ما أخرجه الترمذى وابن ماجه والبيهقى "إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يتزاورون فى قبورهم " وقال ابن تيمية فى فتاويه: إنهم يتزاورون سواء أكانت المدائن متقاربة فى الدنيا أم متباعدة. وقال الفقهاء بتحسين الأكفان لهذه العلة. وللسيوطى كتاب فى ذلك عنوانه "شرح الصدور" وقال ابن القيم فى كتاب الروح: إن الحى يرى الميت فى منامه فيستخبره، ويخبره الميت بما لا يعلمه الحى فيصادف خبره كما أخبر فى الماضى والمستقبل. والأمر مغيب واعتقاده يحتاج إلى دليل قاطع، ومع ذلك فهو ممكن يجوز تصديقه ولا يؤدى تكذيبه إلى الكفر (8/306) ________________________________________ وضع الطعام مع الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى أثناء تشييع الجنازة أصر أحد أبناء الميت على أن يضعوا فى قبر أبيهم بعضا من الخبز والبيض والماء، وقال إن هذه سنة، فهل هناك حديث يدل على ذلك؟
الجواب إن أحوال القبر والحياة الآخرة من أمور الغيب التى لا تعرف إلا بتوقيف صحيح من الله ورسوله، والميت إذا وضع فى قبره صار فى عالم آخر لا يحتاج فيه إلى أكل وشرب، وإنما يحتاج إلى عمل صالح كان قد عمله فى الدنيا ولم يزل أثره باقيا وهو ما يُعرف بالصدقة الجارية أو عمله غيره، ووهب له ثوابه كصدقة وصيام ونحوهما، وقد صح فى الحديث الذى رواه مسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " كما جاء أيضا "يتبع الميت إلى قبره ثلاثة، أهله وماله -يعنى الأرقاء المملوكين - وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى معه عمله " رواه البخارى ومسلم. وفى حديث رواه ابن ماجه "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا بناه لابن السبيل، أو نهرا أكراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته ". فالذي يفيد الميت في قبره عمله هو أو عمل غيره الذى يهديه إليه، وبخاصة الصدقة والصيام والحج وقراءة القرآن، والصلاة له لا عنه. أما وضع الطعام معه فى قبره فممنوع، لأنه أولا لا ينتفع به. فوضعه عبث لأنه ميت لا يأكل، وثانيا ضياع مال أولى به الأحياء، وضياع المال منهى عنه. ولم يرد أى حديث مقبول أو غير مقبول يزعم به أحد أن ذلك سنة، ولا يقال: إنه بدعة جديدة لم تكن عند السلف من الأمة، بل هو تقليد فرعونى قديم منذ آلاف السنين، إلى جانب تقاليد أخرى ذكرها المؤرخون. جاء فى كتاب تاريخ الحضارة المصرية الذى ألفه نخبة من العلماء المتخصصين أن المصريين القدامى حتى نهاية العهد الإغريقى الرومانى كانوا يحرصون على تزويد المتوفى بالطعام والشراب، لأنهم كانوا يعتقدون فى حياة أخرى فإذا مات الميت ووضعت جثته فى القبر لا تعود إليه روحه إلا إذا مُدَّ بالطعام والشراب، ويتولى ذلك ابنه الأكبر، وانطلاقا من عقيدة خلود الروح والحياة الأخرى كان فن تحنيط الموتى وتحنيط ما يوضع معه من طعام حتى لا يفسد، بل كانت نساء كبارهم تدفن معه محنطة، ليكمل له التمتع فى حياته الآخرة، وظهرت عادة تقديم الأطعمة إلى الموتى بصور مختلفة، فكانوا يقدمون القرابين للكاهن الذى يوصلها بطريقته إلى الميت، ويعلم الله مصير هذه القرابين. وظهرت عند البعض عادة الذبح عند القبر، وتوزيع الطعام عند زيارة القبور "ج 1 ص 232 وما بعدها". وألفت نظر أولاد الميت الذين يريدون البر بأبيهم بوضع الطعام في قبره -ألفت نظرهم إلى ما رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان أن رجلا قال: يا رسول الله، هل بقى من بر أبوى شيء بعد موتهما؟ قال "نعم، الصلاة عليهما -أى الدعاء لهما -والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما" (8/307) ________________________________________ سرادقات العزاء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم إقامة السرادقات للعزاء، وما حكم أخذ الأجر على قراءة القرآن فيها؟
الجواب ستتناول الإجابة ثلاث نقط، مشروعية التعزية، أسلوبها، مدتها، وإليك موجزها. ا -تعزية الإنسان لغيره فيما يصيبه مستحبة، لأنها تخفف عنه وقع الألم، وهو خير، وكل خير يقدَّم للغير له أجره إن خلصت النية، يقول النبى صلى الله عليه وسلم "ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة" رواه ابن ماجه وهى لا تستحب إلا مرة واحدة، ويستوى فى ذلك أن تكون قبل الدفن أم بعده. 2 - ليس هناك تحديد لأسلوبها وإن كان الأفضل أن تكون بالمأثور، فقد روى البخارى عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبى صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنا لها قبض وطلبت أن يأتى إليها، فأرسل يقرئ السلام ويقول "إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده لأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب " وقد يكون فى هذا الكلام عزاء من الرسول لنفسه، وأمرها أن تصبر وتحتسب، وأفضل ما يعزى به الإنسان نفسه ما جاء فى قوله تعالى {وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} البقرة:155، 156 وجاء فى صحيح مسلم أن من قالها وقال: اللهم آجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها استجاب الله له. وكما كان يفعل السلف الصالح لا حاجة إلى الجلوس والإعداد لتقبل العزاء. يقول النووى: قال الشافعى وأصحابه رحمهم الله: يكره الجلوس للتعزية، قالوا: ويعنى بالجلوس أن يجتمع أهل الميت فى بيت ليقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغى أن ينصرفوا فى حوائجهم، ولا فرق بين الرجال والنساء فى كراهة الجلوس لها، صرح به المحاملى ونقله عن نص الشافعى رضى الله عنه، وهى كراهة تنزيه - لا تحريم -إذا لم يكن معها محدث آخر، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرمة كما هو الغالب منها فى العادة كان ذلك حراما من قبائح المحرمات، فإنه محدث، وثبت فى الحديث الصحيح أن كل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة [الأذكار للنووى ص ا15] . وذهب أحمد وكثير من علماء الأحناف إلى هذا الرأى، وذهب المتقدمون من الأحناف إلى أنه لا بأس بالجلوس فى غير المسجد ثلاثة أيام للتعزية من غير ارتكاب محظور. هذا، وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، نشر وزارة الأوقاف المصرية ما نصه: ويباح لأهل المصيبة أن يجلسوا فى المنزل لقبول العزاء ثلاثة أيام. أما الجلوس على قارعة الطريق وفرش البسط نحوها - السرادقات - مما اعتاد الناس فعله فهو بدعة منهى عنها، أما الحنابلة فقالوا: الجلوس للعزاء مكروه، سواء كان فى المنزل أو غيره، والحنفية قالوا: الجلوس للتعزية خلاف الأولى، والأولى أن يتفرق الناس بعد الدفن ويكره الجلوس فى المسجد، انتهى. فهناك اتفاق بين الأئمة على أن إقامة السرادقات - ومثلها دور المناسبات - لتقبل العزاء غير محمودة، وأقل درجاتها الكراهة أو خلاف الأولى، مع العلم بأنها إذا كانت للمباهاة كانت حرامًا، وإذا أنفق عليها من أموال القصَّر كانت حراما أيضا. أما القرآن الذى يتلى فى السرادقات فإن كان بأجر، فلا ينتفع به الميت، وإن كان بغير أجر ووهب الثواب إلى الميت يرجى انتفاعه، وما يأخذه القارئ إن كان مشروطا فهو أجر حرمه أكثر العلماء، وإن لم يكن مشروطا فإن كان القارئ ممن يستحق الصدقة فهو صدقة ينتفع بها الميت إن وهب المعطى ثوابها إليه، وإن لم يكن ممن يستحق الصدقة فهى هبة أو هدية لا حرمة فى أخذها ولا منفعة للميت بها. 3-والعزاء إن كان مع جلوس أو بدونه مدته ثلاثة أيام، ويكره بعدها لما فيه من تجديد الحزن، اللهم إلا لمن لم يعلم بالوفاة إلا بعد مدة فلا كراهة فى التعزية، والتحديد بثلاثة أيام أخذه الشافعية من حديث الإحداد على الميت يقول صاحب "كفاية الأخيار " فى فقه الشافعية "ج اص 153 " وتكون فى ثلاثة أيام لأن قوة الحزن لا تزيد عليها فى الغالب، وبعد الثلاثة مكروه، لأنها تجدد الحزن، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاية الحزن ثلاثا ففى الصحيحين "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" ثم يقول المؤلف أبو بكر بن محمد الحصنى الحسينى الدمشقى المتوفى سنة 829 هـ: وابتداء الثلاثة من الدفن جزم به النووى فى شرح المهذب ونقله عن الأصحاب، نعم جزم الماوردى أنها من الموت وبه جزم ابن الرفعة وصححه الخوارزمى. ويستثنى ما إذا كان المعزِّى أو المعزَّى غائبا، فإنها تمتد إلى قدوم الغائب، فإذا قدم فهل تمتد ثلاثة أيام أم يختص بحالة الحضور؟ قال: كلام الرافعى والنووى يوهم مشروعية الثلاث عند قدوم الغائب وهو كذلك، أم تختص بحالة الحضور قال المحب الطبرى شيخ مكة: لم أر فيه نقلا، والظاهر مشروعية الثلاثة بعد الحضور انتهى. أما ما يعمل للميت من تجديد الحزن وتقبل العزاء فى يوم الخميس أو الخامس عشر أو الأربعين، أو الموعد السنوى فأمر لا يتفق مع الدين، ويمكن الرجوع إلى ص 434 من الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام لمعرفة أصل هذه العادات وما فيها من طقوس أوصت بها فِكَر دينية وضعية (8/308) ________________________________________ حساب الأنبياء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك حساب للأنبياء والرسل يوم القيامة؟
الجواب ليكن معلوما أن أحوال الآخرة من الغيب لا تعرف إلا بخبر صادق من القرآن والسنة، واعتقاد هذه الأحوال يكون عن نص قطعى الثبوت والدلالة وما وراء ذلك يدخل فى دائرة الاجتهاد الذى لا يلزم اعتقاد نتيجته، ولا يكفر من لا يصدقه. وقد جاء فى القرآن الكريم قوله تعالى: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين} الأعراف: 6. وهو سؤال عن التبليغ لا عن الأعمال التى يمارسها كل مؤمن ليجازى عليها، فذلك ما يطلق عليه اسم الحساب الذى يتصل به عرض الكتاب وقراءته {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} الأنبياء: 47. غير أن هناك استثناءات من الحساب جاء بعضها فى الحديث المتفق عليه أن سبعين ألفا من أمة النبى صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وعينهم بقوله "وهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ". ومن المعلوم أن الرسل قد عصمهم الله من الذنوب وغفر لهم ما عسى أن يكون قد صدر عنهم فى صورة ذنب وهو ليس بذنب، وما دام الله قد غفر لهم فعلى أى شيء يحاسبهم حساب مناقشة، وإذا كان المذكورون من السبعين ألفا لا يرقون إلى درجة الأنبياء والرسل قد أعفاهم الله من الحساب فهل يكون للأنبياء والرسل حساب؟ نعم سيسألون عن تبليغ الرسالة كشهادة على أممهم أما سؤال الحساب وما يترتب عليه من جزاء فلا. وإذا كان الأنبياء لا يسألون فى القبر فكيف يحاسبون يوم القيامة؟ يقول الشيخ العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار" ص 29: اتفق جمهور أهل السنة على عدم سؤال شهيد الحرب، والسر فى ذلك كونهم أحياء فلذلك لا يُغسَّلون وكذلك الرسل والأنبياء لا يسألون أيضا على التحقيق (8/309) ________________________________________ لغة السؤال بعد الموت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن سؤال القبر سيكون باللغة السريانية؟
الجواب سؤال الإنسان على ما قدم من عمل أمر مقطوع به فى القرآن والسنة، ويكفى قول الله تعالى {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} الأعراف: 6، أما اللغة التى يسأل بها الإنسان فعلمها عند الله. ومن المؤكد الذى تقره العقول أن المسئول سيفهم ما يوجه إليه من أسئلة حتى يستطيع الرد عليها، أما كيف يفهم فلا يوجد نص يحدده، والله سبحانه يقول فى المحاورة بين الإنسان وأعضائه التى تشهد عليه {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شيء} فصلت: 21، ويقول {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} النور: 24. فمن الجائز - وهو الأقرب للمعقول مع أن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا -أن يكون السؤال لكل إنسان بلغته، ومن الجائز أن يكون بلغة موحدة يستطيع أن يفهمها كل إنسان، وذلك بقدرة الله الذى أنطق كل شيء كما أنطق الأعضاء الصماء. وهل هى العربية أو السريانية أو غيرهما؟ ذلك ما لا دليل عليه، ولا أدرى على أى شيء اعتمد البلقينى فى فتواه أن سؤال القبر بالسريانى، فنترك ذلك إلى الله، ولنستعد للجواب بالعمل الصالح (8/310) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:48 pm | |
| حساب الأولين والآخرين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هذه الأجيال ستحاسب بمقدار ما تحاسب به الأجيال الماضية مثل أجيال الرسول عليه الصلاة والسلام؟
الجواب روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " وروى مسلم.أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء "وروى مسلم أيضا حديث "عبادة فى الهرج كهجرة إلى" وصح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة " وروى مسلم أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى المقبرة فقال " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا" قالوا: يا رسول الله ألسنا بإخوانك؟ فقال " بل أنتم أصحابى وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض "تفسير القرطبى ج 18 ص 32 " وروى ابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب - أى رواه واحد فقط أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ضمن حديث "فإن من ورائكم أياما، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله "وزاد أبو داود: قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال "بل أجر خمسين منكم " وروى أحمد والدارمى والطبرانى عن أبى عبيدة بن الجراح أنه قال يا رسول الله أحد أفضل إيمانا منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك، قال "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بى ولم يرونى" وإسناده حسن، وصححه الحاكم وأخرج أحمد والبخارى فى التاريخ وابن حبان والحاكم وصححه "طوبى لمن رآنى وآمن بى مرة، وطوبى لمن لم يرنى وآمن بى سبع مرات " وذلك لأن الله مدح المؤمنين بإيمانهم بالغيب، وكان إيمان الصحابة بالله واليوم الآخر غيبا، وبالنبى صلى الله عليه وسلم شهودا للآيات والمعجزات، ومن بعدهم آمنوا غيبا بما آمنوا به شهودا وروى أن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة كتب إلى سالم ابن عبد الله بن عمر أن يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب ليعمل بها، فكتب إليه سالم: إن عملت بسيرة عمر فأنت أفضل من عمر، لأن زمنك ليس كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب بمثل قول سالم. يقول عمر بن عبد البر، بعد ذلك وبعد أحاديث أخرى: فهذه الأحاديث تقتضى مع تواتر طرقها وحسنها - التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها فى فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية. وذلك لنص النبى صلى الله عيه وسلم على أفضلية أهلها على من سواهما. بعد هذه النقول من كتب الأحاديث والسيرة أرى أن السلف فى مجموعهم أفضل ممن بعدهم، فخير القرون قرن الرسول ثم من بعدهم، وذلك لكثرة المؤمنين الطائعين الذين بذلوا كثيرا ولكن لا يعدم أن يكون فيهم أفراد لا يدخلون فى الخيرية كالمنافقين وبعض العاصين. والأجيال اللاحقة فى مجموعها أقل فضلا من السابقة، لكن لا يعدم أن يكون فيهم أفراد على درجة كبيرة من الفضل، وذلك لعدة عوامل منها: أنهم آمنوا بالرسول ولم يروه، وأن الجو العام السابق كان أقل فتنة، وبالتالى لا يحتاج إلى مجاهدة نفسية، بخلاف الأجيال اللاحقة حيث كثرت الفتن وإغراء المغريات وصاروا فيها غرباء. وذلك كله فيما عدا الصحبة، وإنما فى الأعمال الأخرى. ومن هنا أرى على المستوى الفردى أن العبرة بالعمل كما وكيفا {كل امرئ بما كسب رهين} الطور: 21، وعليه فقد يكون فى الخلف من هو أفضل من السلف وإن كان العدد قليلا، وعلى المستوى الجماعى العبرة بالعدد، وعليه فالأجيال السابقة يكثر فيها ذوو الفضل ويقل المفسدون، وما دمنا جميعا سنرجع إلى الله ويحاسب كل واحد على ما عمل فلابد أن نؤمن بقوله تعالى {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى} الأنعام: 164، وقوله {ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير} فاطر: 18، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى ج 5 ص 354 وما بعدها (8/311) ________________________________________ اجتماع شمل الأسرة فى الجنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يعيش الإنسان بمفرده إذا دخل الجنة أم يعيش مع أسرته وأصدقائه وأحبابه؟
الجواب يقول الله تعالى {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما} النساء: 69، ويقول تعالى: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} الرعد: 23، 24. ويقول تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شىء كل امرئ بما كسب رهين} الطور: 21. ويقول: {إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون. هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون} يس:55، 56. وفى حديث متفق عليه أن رجلا قال: يا رسول الله كيف تقول فى رجل أحب قوما ولم يلحق بهم، فقال له "المرء مع من أحب ". تدل هذه النصوص وغيرها على أن المؤمن إذا أكرمه الله بدخول الجنة لا يمنعه شيئا تشتهيه نفسه من طعام وشراب وملذات أخرى مادية ومعنوية، ومنها لقاء الأصحاب وتعارف الإخوان، واجتماع شمل الأسرة من الأزواج والذرية، حتى لو تفاوتت درجات هؤلاء وتباعدت منازلهم، فسبل الاتصال ميسورة لا تعجز عنها قدرة الله، وقد أخرج الطبرانى وغيره بسند لا بأس به أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إنك لأحب إلىَّ من نفسى وولدى، وإنى لأكون فى البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتى فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتى وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأنى إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فأنزل الله {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين} إلى آخر الآية: وفى رواية عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه فى الجنة، وإن كانوا دونه فى العمل لتقر بهم عينه، وتلا قوله تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} يقول أبو جعفر النحاس، هذا الحديث يصير مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم لأنه لا يقوله إلا عنه. هذا، والناس فى المحشر مرهونون بأعمالهم لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، لكن بعد أن ينتهى الحساب وبعد أن يستقر المؤمنون فى الجنة سيكون من تمام نعيمها لقاء الأحبة إخوانا على سرر متقابلين فلنعمل على أن نكون من أهل الجنة، ولنحسن اختيار أصدقائنا فالمرء يحشر مع من أحب، والمتحابون فى الله يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله، إن هذا لهو الفوز العظيم، ولمثل هذا فليعمل العاملون (8/312) ________________________________________ تقبيل الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرى بعض المشيعين للجنازة يقبلون الميت عند نزوله إلى القبر ويقولون: سامحك الله، فما حكم الدين فى ذلك؟
الجواب روى البخارى وغيره عن عائشة رضى الله عنها أن أبا بكر رضى الله عنه دخل فبصر برسول صلى الله عليه وسلم وهو مسجًّى-مغطى- ببردة، فكشف عن وجهه وأكب عليه فقبَّله. وجاء فى رواية أخرى أنه قبله بعد موته. وفى حديث صحيح رواه الترمذى وأحمد وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت، وبكى حتى سالت الدموع على وجهه. فى هذا دليل على جواز تقبيل الميت، وقول الناس للميت: سامحك الله، أمر مشروع بل مندوب، فهو من صفات المتقين الذين أعد الله لهم المغفرة والجنة التى عرضها السماوات والأرض، حيث قال الله فيهم {والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} آل عمران: 134 (8/313) ________________________________________ قضاء الواجبات عن الأموات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كثر السؤال عن حكم قضاء ما فات الأموات من واجبات، وهل ينتفعون بما يهدى إليهم من قربات؟
الجواب الواجبات التى لم يؤدها الميت ديون عليه، وهى نوعان: ديون للعباد، وديون لله، فأما ديون العباد فالإجماع على مشروعية قضاء الحى لها عن الميت، والأخبار الصحيحة كثيرة فى خطورة الديْن وأثره على الميت، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا جاءت جنازة ليصلى عليها سأل: هل عليه دين أم لا، فإن كان عليه دين لم يصل عليه. وجاء الخبر بأن رحمة الله معلقة عن الميت حتى يُقضى عنه دينه وسيجىء قول النبى صلى الله عليه وسلم لمن سألته عن قضاء الحج عن أمها: "أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته "؟ رواه البخارى. وأما حقوق الله كالعبادات فإليك بعض ما ورد فيها من نصوص وما فهمه العلماء منها: (1) الصلاة: الصلاة عبادة بدنية محضة، لم يرد نص خاص عن النبى صلى الله عليه وسلم بجواز قضائها عن الميت، والوارد هو عن بعض الصحابة، فقد روى البخارى أن ابن عمر رضى الله عنهما أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء-يعنى ثم ماتت -فقال: صلى عنها. وروى ابن أبى شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس رضى الله عنهما: أن أمها نذرت مشيا إلى مسجد قباء، أى للصلاة، فأفتى ابنتها أن تمشى لها. وأخرجه مالك فى الموطأ أيضا. والصلاة المرادة هنا صلاة نفل نذر أداؤها فى قباء فوجبت ولزمت، ومن هنا رأى بعض العلماء جواز قضاء الصلاة عن الميت، سواء أكانت مفروضة أصلا أم منذورة، لكن الجمهور قال بعدم جواز قضاء المفروضة. ونقل ابن بطال الإجماع على ذلك، ومع عدم التسليم بهذا الإجماع، فإن الجمهور رد استدلال القول المجيز للقضاء بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف، فقد جاء فى موطأ مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلى أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائى عن ابن عباس مثل ذلك القول. ولكن لعل المنع فى حق غير المنذورة. وقال الحافظ: يمكن الجمع بين النقلين بجعل جواز القضاء فى حق من مات وجعل النفى فى حق الحى (نيل الأوطار ج 9 ص 155) وبهذا يعلم أن ما يعمله بعض الناس مما يسمى بإسقاط الصلاة عن الميت غير مشروع، والواقع أن الله سبحانه وتعالى جعل أداء الصلاة من اليسر بحيث تصح بأية كيفية من الكيفيات عند العجز، حتى إنه لم يسقطها عن المجاهد وهو فى ساحة القتال أثناء المعركة، وعن المقيد بالأغلال واكتفى بما يستطاع ولو بالإيماء، فقول الجمهور بعدم جواز قضائها عن الميت هو المختار للفتوى، ولا يصح غيره، حتى لا يكون هناك تهاون بعمود الدين. (ب) الصيام. الصيام عبادة بدنية أيضا إذا تركه الميت وكان قادرا على أدائه، جاء فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه " رواه البخارى ومسلم. وروى أحمد وأصحاب السنن أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أمى ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم فدين الله أحق أن يقضى" وبناء على هذا قال الشافعية والحنابلة بجواز قضاء الصوم من الولى، بل قالوا باستحبابه، وبجوازه من الأجنبى إن أذن الولى، لكن الأحناف والمالكية قالوا: إن وليه لا يصوم عنه، بل يطعم مدا عن كل يوم. وحجتهم أن الصيام عبادة بدنية كالصلاة لا تقبل النيابة، لكن النووى قال فى جواز القضاء: إنه هو الصحيح المختار والنصوص تشهد له. (ب) الزكاة: الزكاة، وأطلق عليها اسم الصدقة أحيانا، عبادة مالية محضة، فيها حق لله وحق للعباد، وقضاؤها عن الميت قضاء لدين الله ودين العباد، والقول بجواز ذلك لا ينبغى الخلاف فيه، وتقدم أن دين العباد مفروغ من جواز قضائه، وحق الله أولى أن يقضى. وروى مسلم وغيره أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أن أبى مات وترك مالا ولم يوص، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: (نعم) والتعبير بقوله: "فهل يكفر عنه " يفيد أن ما فات الميت كان واجبا عليه، إما زكاة وإما صدقة منذورة. وروى البخارى ومسلم أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن أمى افتلتت نفسها -ماتت فجأة- وأراها لو تكلمت تصدقت، فهل لها من أجر إن تصدقت عنها؟ قال: (نعم) وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه نذر مالى يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص. إلا إذا وقع النذر فى مرض الموت فيكون من الثلث. وشرط المالكية والحنفية أن يوصى بذلك "نيل الأوطار ج 8 ص 156 ". (د) الحج: الحج عبادة بدنية ومالية معا، ورد فى قضائه حديث البخارى أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمى نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: (حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا فالله أحق بالقضاء) . وإذا كان الحج المنذور يجب قضاؤه عن الميت فالحج الواجب أصلا على المستطيع الذى لم يقم به يكون قضاؤه واجبا. ووجوب القضاء عنه لا يحتاج إلى وصيته بذلك ويجب إخراج الأجرة من رأس المال، وهذا هو قول الجمهور، تغليبا للجانب المالى فيه كالزكاة والكفارة ونحوهما، وقال مالك: يشترط أن يوصى الميت بذلك، وإذا أوصى حج عنه من الثلث (8/314) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:50 pm | |
| صلة الأحياء بالأموات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد توضيحا لقوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وصلته بانتفاع الأموات بأعمال الأحياء؟
الجواب ذهب المعتزلة إلى أن أية قربة يهديها الحى إلى الميت لا تنفعه، بناء على قولهم بوجوب العدل، واستدلوا على رأيهم هذا بقوله تعالى: {أم لم ينبأ بما فى صحف موسى " وإبراهيم الذى وفَّى. ألا تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يرى. ثم يجزاه الجزاء الأوفى} النجم: 36 - 41، أما أهل السنة فقالوا: هناك قُرَبٌ يجوز للحى أن يفعلها ويستفيد منها الميت، بل وسع بعضهم الدائرة حتى شملت كل القرب، قال فى شرح الكنز: إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره، صلاة كان أو صوما أو حجا أو صدقة أو قراءة قرآن أو غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت، وينفعه عند أهل السنة "نيل الأوطار ج 4 ص 142 " ودليلهم على ذلك عدم ورود نص مانع، وكذلك الرجاء فى رحمة الله وفضله أن يفيد الميت بعمل الحى فى النوافل، كما أفاده فى الفرائض المقضية عنه، فضلا عن الأدلة الواردة فى بعض القرب من حيث ندب عملها ليفيد منها الميت كما سيأتى بيانه. وردوا دليل المعتزلة بما يأتى: 1 - أن الآية المذكورة منسوخة بقوله تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين} الطور: 21، كما قاله ابن عيسى، فإن الكبار يلحقون بآبائهم فى الجنة وإن لم يكونوا فى منزلتهم إكراما - للآباء باجتماع الأولاد إليهم، وضعف ابن القيم هذا القول فى كتابه "الروح ". 2 - أن هذه الآية خاصة بشريعة موسى وإبراهيم، وأما فى شريعتنا فالحكم بخلاف ذلك. 3 -أن عدم انتفاع الإنسان بعمل غيره مخصوص بالكافر، أما المؤمن فيجوز أن ينتفع بسعى غيره من المؤمنين. 4 - أن اللام فى "للإنسان " بمعنى "على" مثل قوله تعالى {ولهم اللعنة} أى عليهم، والمعنى أن الإنسان ليس عليه إلا عمله، أى أن ذلك فى العقاب، أما الثواب فليس هناك ما يمنع انتفاع الإنسان بعمل غيره وهذه الردود يمكن أن تناقش. 5 -إن الآية تبين أنه ليس للإنسان إلا عمله استحقاقا بطريق العدل، أما تفضلا من غيره فلا مانع من أن ينتفع به، فالدعاء والشفاعة عمل الغير ويستفيد منه الميت. وهذا الجواب هو أصح الأجوبة، وركز عليه ابن تيمية فى فتاويه "ج 24 ص 366" حيث قال ما ملخصه: الاتفاق على وصول ثواب العبادات المالية، كالصدقة والعتق، كما يصل إليه الدعاء والاستغفار. أما الأعمال البدنية كالصلاة والصيام والقراءة فاختلفوا فيها. والصواب أن الجميع يصل إليه ... إلى أن قال: وهذا مذهب أحمد وأبى حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعى. وأما احتجاج بعضهم بأن ليس للإنسان إلا ما سعى فيقال ثبت بالسنة المتواترة وإجماع الأئمة أنه يصلى ويستغفر له ويدعى له، وهذا من سعى غيره. والجواب الحق أن الله لم يقل إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعى نفسه وأنه قال {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فهو لا يملك إلا سعيه، ولا يستحق غير ذلك. وأما سعى غيره فهو له، كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه، فمال غيره ونفع غيره هو كذلك للغير، لكن إذا تبرع له الغير بذلك جاز. اهـ. وقد ارتضى هذا القول ابن عطية فى تفسيره. هذا، وقد جاء فى معجم الفقه الحنبلى "ص 941 طبعة أوقاف الكويت " أن أية قربة يفعلها الحى ويهب ثوابها للميت تنفعه إن شاء الله، وقال ابن قدامة فى "المغنى" قال أحمد بن حنبل: الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه. لأن المسلمين يجتمعون فى كل مصر يقرؤون ويهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعا. وإن كان هذا العمل لا يعتبر حجة والإجماع عليه ليس دليلا كما رأى بعض العلماء. وقال ابن القيم: والعبادات قسمان: "مالية، وبدنية" وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول سائر العبادات المالية، ونبه بوصول ثواب الصيام على وصول سائر العبادات البدنية، وأخبر بوصول ثواب الحج المركب من المالية والبدنية، فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتبار. هذا هو الحكم الإجمالى فى إهداء القرب، وإليك شيئا من التفصيل. أخرج أبو داود وابن عباس عن أبى أسيد مالك بن ربيعة قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بنى سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقى من بر أبوى شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال "نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، صلة الرحم التى لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما من بعدهما". (ا) الصلاة عليهما. قال بعض الشراح: إن المراد بالصلاة عليهما فى هذا الحديث صلاة الجنازة، كما فى قوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} التوبة: 184 وقيل المراد بها الدعاء، كما فى قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} التوبة: 03 ا، أى ادع الله لهم بالنماء والبركة. ويرجح أن يراد بها هنا الدعاء لأن رواية البخارى فى "الأدب المفرد" لم يرد فيها ذكر الصلاة بل ورد (الدعاء لهما) . والدعاء مجمع على جوازه وعلى نفع الميت به إن قبل، ومعنى نفع الميت به حصول المدعو به إذا استجيب، واستجابته محض فضل من الله، ولا يسمى فى العرف ثوابا، أما الدعاء نفسه وثوابه فهو للداعى، لأنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها للمشفوع له. وأدلة مشروعية الدعاء للميت كثيرة، فصلاة الجنازة نفسها تشتمل على دعاء له، ودعاء الولد الصالح لأبيه مما يفيده بنص الحديث الذى رواه مسلم، وقد تقدم، ومن آداب زيارة القبور الدعاء للأموات، كما روى مسلم فى تعليم النبى صلى الله عليه وسلم لمن يزورون القبور أن يدعوا للأموات، ومما جاء فيه "ونسأل الله لنا ولكم العافية" وكذلك "ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين " ... وروى أبو داود عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال (استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل) . أما حكم الصلاة للوالدين فقد جاء فى رواية الدارقطنى "إن من البر بعد الموت أن تصلى لهما مع صلاتك، وان تصوم لهما مع صيامك " وتعدية فِعْلَىْ الصلاة والصيام باللام تشعر بأن ذلك فى النوافل المهداة لا فى الفروض من حيث قضاؤها، وقد مر ذلك ولو لم يرد هذا الحديث أو لم يصح فليس هناك نص يمنع أداء الصلاة للميت وقد تقدم كلام ابن تيمية وغيره فى ذلك. (ب) الاستغفار لهما: الاستغفار هو دعاء بطلب المغفرة من الله للميت، وأدلة الدعاء عامة تشهد لمشروعيته، وقد دعا الأنبياء وغيرهم بالمغفرة لغيرهم، فقال نوح {رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا} نوح: 28، وقال إبراهيم: {ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} إبراهيم: 41، وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا لأهل بقيع الغرقد بالمغفرة وسبق طلبه من المسلمين الاستغفار لأخيهم بعد دفنه، وروى أحمد وابن ماجه والبيهقى عن أبى هريرة بسند صحيح مرفوع أو موقوف عليه "أن الرجل لترفع درجته فى الجنة فيقول: أنَّى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك ". (ج) انفاذ عهد الأبوين وصلة الرحم وإكرام الصديق: كل ذلك قرب بدنية أو مالية يقوم بها الولد فيؤجر عليها، ويصل أثرها للوالدين برا وإكراما وإحسانا، وقد تقدم قول شارح الكنز فى هذه القرب وغيرها، وما جاء فى معجم الفقه الحنبلى عن ذلك. (د) الصيام لهما: يدل حديث الدارقطنى السابق على جواز التنفل بالصيام وإهدائه إلى الميت، وقد شرط العلماء لذلك ولغيره من القرب أن يكون بنية سابقة أو مقارنة للفعل، لا أن تكون النية بعد الانتهاء منها. (هـ) الصدقة عليهما: روى أحمد والنسائى وغيرهما أن أم سعد بن عبادة لما ماتت قال: يا رسول الله، إن أمى ماتت، أفأتصدق عنها، قال "نعم" قلت: فأى الصدقة أفضل؟ قال: "سَقىُ الماء". قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة، والظاهر أن هذه الصدقة ليست واجبة، وإلا لكانت متعينة ولم يسأل سعد عن أفضلها، وهذا الحديث وإن كان لبعض المحدثين فيه مقال فإن كثيرا من النصوص تشهد بأن الصدقة تفيد الميت سواء أكانت واجبة أم مندوبة. قال الشوكانى: أما صدقة الولد فلا كلام فيها لثبوتها بالنص، ولأن الولد من كسبه فلم يصل إليه عمل غيره، بل عمله هو، مثل الصدقة الجارية والعِلْم الذى ينتفع به ودعاء الولد الصالح، فلا حاجة لوصول صدقته إلى وصية، أما الصدقة من الأجنبى فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابها إلى الميت، فيوقف عليها حتى يأتى دليل يقتضى تخصيصها اهـ. لكن الرافعى والنووى من الشافعية قالا: يستوى فى الصدقة الوارث وغيره، وحكى النووى الإجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصل ثوابها من الولد وغيره "نيل الأوطار ج 4 ص 142 ". هذا، ويجب أن يفهم أن ما جاء فى كلام الشوكانى وغيره من أن الذى وصل إلى الميت من ولده هو عمله وليس عمل الولد، ليس المراد به أن كل ما يعمله الولد لأبيه محسوب لأبيه وليس محسوبا للولد، وإلا لضاع الولد وحرم ثواب عمله البدنى بالذات، بل المراد وصول مثل ثوابه لأبيه، كما سيأتى فى كلام العلماء عن القراءة للميت. (و) الحج للوالدين: مر جواز قضاء الحج عن الوالدين بعد الموت، ولم يرد ما يمنع برهما بالحج أو، بغيره من القرب كما تقدم. (ز) قراءة القرآن: فى قراءة القرآن للميت خلاف للعلماء بين المنع من استفادته بها بناء على أنها عبادة بدنية لا تقبل النيابة، وبين الجواز بناء على رجاء رحمة الله وما ورد من بعض النصوص، ومن تتبع أقوال الكثيرين يمكن استنتاج ما يلى: 1 - إذا قرئ القرآن بحضرة الميت فانتفاعه بالقراءة مرجو، سواء أكان معها إهداء أم لم يكن، وذلك بحكم المجاورة، فإن القرآن إذا تلى، وبخاصة إذا كان فى اجتماع، حفت القارئين الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، روى مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم "ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يقرؤون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة "! والقرآن ذكر بل أفضل الذكر، وقد روى مسلم وغيره حديث: " لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده ". بل لا يشترط لنزول الملائكة وغيرهم أن تكون القراءة أو الذكر فى جماعة، فيحصل ذلك للشخص الواحد، روى البخارى ومسلم حديث أُسَيْد بن حُضَيْر الذى كان يقرأ القرآن فى مربده وبجواره ولده وفرسه، وجاء فيه. فإذا مثل الظلة فوق رأسى، فيها أمثال السُّرَج عرجت فى الجو حتى ما أراها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "تلك الملائكة تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم ". على أن النص قد جاء بقراءة {يس} عند الميت، روى أحمد وأبو داود والنسائى واللفظ له، وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "قلب القرآن يس، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله له، اقرءوها على موتاكم " وقد أعل الدارقطنى وابن القطان هذا الحديث، لكن صححه ابن حبان والحاكم، وحمله المصححون له على القراءة على الميت حال الاحتضار، بناء على حديث فى مسند الفردوس "ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون الله عليه " لكن بعض العلماء قال: إن لفظ الميت عام لا يختص بالمحتضر، فلا مانع من استفادته بالقراءة عنده إذا انتهت حياته، سواء دفن أم لم يدفن، روى البيهقى بسند حسن أن ابن عمر استحب قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن. وابن حبان الذى قال في صحيحه معلقا على حديث "اقرءوا على موتاكم يس" أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه رد المحب الطبرى، بأن ذلك غير مسلم له وإن سلم أن يكون التلقين حال الاحتضار. قال الشوكانى: واللفظ نص فى الأموات، وتناوله للحى المحتضر مجاز فلا يصار إليه إلا لقرينة "نيل الأوطار ج 4 ص 52 " والنووى ذكر فى رياض الصالحين تحت عنوان: الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة "الباب الحادى والستون بعد المائة" ذكر أن الشافعى قال: يستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن، وإن ختموا القرآن كان حسنا، وجاء فى المغنى لابن قدامة "ص 758": تسن قراءة القرآن عند القبر وهبة ثوابها، وروى أحمد أنه بدعة، ثم رجع عنه. وكره مالك وأبو حنيفة القراءة عند القبر حيث لم ترد بها السنة. لكن القرافى المالكى قال: الذي يتجه أن يحصل للموتى بركة القراءة، كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده. 2 -إذا قرئ القرآن بعيدا عن الميت أو عن القبر وامتنع انتفاعه به بحكم المجاورة وحضور الملائكة، اختلف الفقهاء فى جواز انتفاع الميت به، وهناك ثلاث حالات دار الخلاف حولها بين الجواز وعدمه: الحالة الأولى: إذا قرىء القارىء ثم دعا الله بما قرأ أن يرحم الميت أو يغفر له، فقد توسل القارىء إلى الله بعمله الصالح وهو القراءة، ودعا للميت بالرحمة، والدعاء له متفق على جوازه وعلى رجاء انتفاعه له إن قبله الله، كمن توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فانفرجت عنهم الصخرة التى سدت فم الغار، وفى هذه الحالة لا ينبغى أن يكون هناك خلاف يذكر فى عدم نفع الميت بالدعاء بعد القراءة. الحالة الثانية: إذا قرئ القارئ ثم دعا الله أن يهدى مثل ثواب قراءته إلى الميت، قال ابن الصلاح: وينبغى الجزم بنفع: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه، أى مثله، فهو المراد، وأن يصرح به لفلان، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعى فما له أولى، ويجرى ذلك فى سائر الأعمال. ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعى يدعو الله أن يرحم الميت: والرحمة ليست ملكا له بل لله، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهى ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب القراءة أو مثلها. وكذلك يجوز فى كل قربة يفعلها الحى من صلاة وصيام وصدقة، ثم يدعو بعدها أن يوصل الله مثل ثوابها إلى الميت. وقد تقدم كلام ابن قدامة فى المغنى عن ذلك. والدعاء بإهداء مثل ثواب القارئ إلى الميت هو المراد من قول المجيزين: اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان. الحالة الثالثة: إذا نوى القارئ أن يكون الثواب، أى مثله، للميت ابتداء أى قبل قراءته أو فى أثنائها يصل ذلك إن شاء الله، قال أبو عبد الله الأبى: إن قرأ ابتداء بنية الميت وصل إليه ثوابه، وإن قرأ ثم وهبه لم يصل، لأن ثواب القراءة للقارئ لا ينتقل عنه إلى غيره. وقال الإمام ابن رشد فى نوازله: إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز وحصل للميت أجره، ووصل إليه نفعه، ولم يفصل بين كون الهبة قبل القراءة أو معها أو بعدها، ولعله يريد ما قاله الأبى. هذا، وانتفاع الميت بالقراءة مع الإهداء أو النية هو ما رآه المحققون من متأخرى مذهب الشافعى، وأولوا المنع على معنى وصول عين الثواب الذى للقارئ أو على قراءته لا بحضرة الميت ولا بنية ثواب قراءته له، أو نيته ولم يدع له، وقد رجح الانتفاع به أحمد وابن تيمية وابن القيم، وقد مر كلامهم فى ذلك. قال الشوكانى "نيل الأوطار ج 4 ص 142 "المشهور من مذهب الشافعى وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن. وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعى إلى أنه يصل، كذا ذكره النووى فى الأذكار، وفى شرح المنهاج: يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته، وينبغى الجزم به لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء. وهذا المعنى لا يختص بالقراءة، بل يجرى فى سائر الأعمال. والظاهر أن الدعاء متفق عليه أن ينفع الميت والحى، والقريب والبعيد، بوصية وغيرها وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب. اهـ. هذا، وقد قال الأبى: والقراءة للميت، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغى إهمالها فلعل الحق الوصول، فإن هذه الأمور مغيبة عنا، وليس الخلاف فى حكم شرعى إنما هو فى أمر هل يقع كذلك أم لا. وأنا مع الأبى فى هذا الكلام، فإن القراءة للميت إن لم تنفع الميت فهى للقارئ، فالمستفيد منها واحد منهما، ولا ضرر منها على أحد. مع تغليب الرجاء فى رحمة الله وفضله أن يفيد بها الميت كالشفاعة والدعاء وغيرهما. وهذا الخلاف محله إذا قرئ القرآن بغير أجر، أما إن قرئ بأجر فالجمهور على عدم انتفاع للميت به. لأن القارئ أخذ ثوابه الدنيوى عليها فلم يبق لديه ما يهديه أو يهدى مثل ثوابه إلى الميت، ولم تكن قراءته لوجه الله حتى يدعوه بصالح عمله أن ينفع بها الميت، بل كانت القراءة للدنيا، ويتأكد ذلك إذا كانت هناك مساومة أو اتفاق سابق على الأجر أو معلوم متعارف عليه، أما الهدية بعد القراءة إذا لم تكن نفس القارئ متعلقة بها فقد يرجى من القراءة النفع للميت. والأعمال بالنيات، وأحذر قارئ القرآن من هذا الحديث الذى رواه أحمد والطبرانى والبيهقى عن عبد الرحمن بن شبل "اقرءوا للقرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به} قال الهيثمى: رجال أحمد ثقات، وقال ابن حجر فى الفتح: سنده قوى. وفسر الأكل به بأخذ الأجرة عليه، كما فسر بالاستجداء به والتسول. وقد قال الشيخ حسنين محمد مخلوف فى أخذ الأجرة على قراءة القرآن: مذهب الحنفية لا يجوز أخذها على فعل القرب والطاعات كالصلاة والصوم وتعليم القرآن وقراءته ولكن المتأخرين من فقهاء الحنفية استثنوا من ذلك أمورا، منها تعليم القرآن فقالوا: بجواز أخذ الأجرة عليه استحسانا، خشية ضياعه، ولكن بقى حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن على ما تقرر فى أصل المذهب من عدم الجواز، ومذهب الحنابلة لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ولا على قراءته، استنادا إلى حديث "اقرءوا القرآن. . . " الذى تقدم. مذهب المالكية لا يجوز أخذ الأجرة على ما لا يقبل النيابة من المطلوب شرعا كالصلاة والصيام، ولكن يجوز أخذ الأجرة على ما يقبل النيابة، ومنها تعليم القرآن وقراءته، ومذهب الشافعية يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه، سواء أكانت القراءة عند القبر أو بعيدة عنه، مع الدعاء بوصول الثواب إلى الميت اهـ (8/315) ________________________________________ الصلاة على جنازات من الجنسين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى اجتماع جنازات فى وقت واحد للصلاة عليها، مع العلم بأن بعضها لرجال وبعضها لنساء؟
الجواب إذا اجتمع أكثر من ميت وكانوا ذكورا أو إناثا يصفُّون واحدا بعد واحد، بين الإمام والقبلة، ليكونوا جميعا بين يدى الإمام. ووضع الأفضل مما يلى الإمام، وصلى عليهم جميعا صلاة واحدة. وإن كانوا رجالا ونساء جاز أن يصلى على الرجال وحدهم والنساء وحدهن، وجاز أن يصلى على الجميع صلاة واحدة. يجعل الرجال أمام الإمام، ويجعل النساء مما يلى القبلة. فعن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما: أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء، فجعل الرجال مما يلى الإمام، وجعل النساء مما يلى القبلة، وصفَّهم صفا واحدا، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت على زوجة عمر وابن لها يقال له زيد والإمام يومئذ هو سعيد بن العاص وفى الناس يومئذ ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة - فوضع الغلام مما يلى الإمام. قال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبى هريرة وأبى سعيد وأبى قتادة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هى السنة. رواه النسائى والبيهقى. وقال الحافظ: وإسناده صحيح. وفى الحديث أن الصبى إذا صُلِّى عليه مع امرأة كان الصبى مما يلى الإمام، والمرأة مما يلى القبلة " نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص72"وإن كان فيه رجال ونساء وصبيان، تقدم الرجال ويليهم الصبيان ثم النساء (8/316) ________________________________________ قبور من طوابق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى إقامة المقابر من عدة طوابق ودفن الموتى فيها؟ وهل يفضل إزالتها مع الإبقاء على المقبرة الملاصقة للأرض؟
الجواب الأصل فى دفن الميت أن تحفر له حفرة فى الأرض، ويوضع تحت مستوى سطحها، ولا يتحقق الدفن بغير ذلك، قال تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} طه: 55، وينبغى تعميق القبر بحيث يمنع رائحة الجثة وسطو السباع والوحوش عليها، لحديث النسائى والترمذى فى شهداء أُحد "احفروا وأعمقوا" ولا يجوز رفع القبر زيادة على قدر شبر من الأرض، كما لا يجوز البناء عليه، لحديث مسلم عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك. وعلى هذا لا يجوز الدفن فى مقابر ذات طوابق بعضها فوق بعض، لأن شرط القبر أن يكون تحت مستوى الأرض فهل يتحقق ذلك فى قبر متعدد الطبقات؟ ومع ذلك لا توجد ضرورة الآن إلى هذه الطبقات، ويجب تدبير مكان آخر إذا لم يوجد متسع فى المقبرة الحالية، وإذا بليت عظامها جاز الدفن فيها مرة أخرى (8/317) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:50 pm | |
| الصلاة عن الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز للابن أن يصلى الفوائت عن والده المتوفى؟
الجواب الصلاة فرض عين لا تقبل النيابة ولا الوكالة، لأنها حق الله سبحانه على كل عبد، وليس هناك عذر لتركها أبدا، فهى تؤدى من قيام أو قعود أو اضطجاع، فى السلم وفى الحرب، بحركات الجسم والعقل وبأية وسيلة ممكنة، لأنها صلة بين العبد وربه، لا يمكن للعاقل أن يستغنى عنها، ولا يقبل الله من يقوم بها بدل العبد، فالشحنة الروحية لا يمكن أن تنتقل ممن حصل عليها إلى غيره أبدا، فالصلة مقطوعة. ولأهمية الصلاة جعلها الحديث الشريف الذى رواه مسلم الفرق بين المسلم والكافر فمن تركها عمدا جحدا أو استهزاء كفر، وإذا فاتت وجب قضاؤها، ومن لم يقضها يحاسب عليها حسابا عسيرا إن لم يغفر الله له. ولهذا لا يجوز للابن ولا لغيره أن يصلى الفوائت عن المتوفى، لقول الله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} النجم: 39، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم، ولأن الأصل فى الفروض العينية أن يؤديها الشخص بنفسه إلا ما استثنى كالصوم والزكاة والحج، فإنه يمكن أن يؤديها عنه غيره لورود النص الصريح فى ذلك. أما الصلاة للوالد المتوفى - لا الصلاة عنه - فجائزة، حيث يمكن للولد أن يصلى نافلة ويهب ثوابها لوالده فينتفع بها إن شاء الله. إن جمهور العلماء على أن قضاء الصلاة المفروضة عن الميت ممنوع، ونقل ابن بطال الإجماع عليه ولكن الإجماع غير صحيح، لأن هناك من يقول بجواز ذلك، ودليله: 1 - ما رواه البخارى أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء -يعنى ثم ماتت -فقال: صلى عنها. 2 -ما رواه ابن أبى شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس رضى الله عنهما: إن أمها نذرت مشيا إلى مسجد قباء، أى للصلاة، فأفتى ابنتها أن تمشى لها. وأخرجه مالك أيضا فى الموطأ. 3-أن بعض التابعين وعلماء السلف أجاز الصلاة عن الميت. قياسا على الدعاء والصدقة والحج. ورد الجمهور على ذلك بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف، فقد جاء فى الموطأ للإمام مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلى أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائى عن ابن عباس مثل ذلك القول. فالنقل متضارب عنهما، وإن كان يمكن الجمع بأن المنع عن القضاء هو فى الفرض أو النذر، وأن الجواز هو فى النفل وقال الحافظ: يمكن الجمع بين النقلين بجعل جواز القضاء فى حق من مات، وجعل النفى فى حق الحى" نيل الأوطار للشوكانى ج 9 ص 155 ". يقول النووى فى مقدمة شرحه لصحيح مسلم: جاء فى البخارى فى باب من مات وعليه نذر أن ابن عمر أمر من ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلى عنها، وحكى صاحب "الحاوى" وهو الماوردى عن عطاء بن أبى رباح وإسحاق بن راهويه أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت، ومال الشيخ أبو سعيد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبى عصرون من أصحابنا المتأخرين فى كتابه " الانتصار" إلى اختيار هذا. وقال الإمام أبو محمد البغوى من أصحابنا فى كتابه " التهذيب ": لا يبعد أن يطعم عن كل صلاة مُدٌ من طعام. وهو أساس القول بإسقاط الصلاة بالصدقة وغيرها. قال النووى: وكل هذه المذاهب ضعيفة، ودليلهم القياس على الدعاء والصدقة والحج، ثم ساق دليل من يمنعون الصلاة عن الميت. وقد سبق ذكره. فقول الجمهور بعدم جواز قضاء الصلاة عن الميت هو المختار للفتوى، ولا يصح غيره حتى لا يتهاون الناس بهذه الفريضة التى هى من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، أما الصلاة للميت أى الصلاة النافلة التى يهب ثوابها له فلا مانع منها وقد جاء النص عليها كالعبادات الأخرى. ونقل الآلوسى فى تفسيره عن ابن حزم جواز صلاة النذر والفرض إن نسيه أو نام عنه ولم يصل حتى مات، لدخول ذلك تحت قول النبى صلى الله عليه وسلم "فحق الله أحق أن يقضى "ووجهة نظره أن الصلاة مقيسة على الصوم والحج والدَين الذى منه الزكاة، حيث ورد النص بقضائها عن الميت. ومهما يكن من شىء فرأى الجمهور على عدم قضاء الصلاة المفروضة عن الميت، أساسه أنها لا تقبل النيابة استقلالا ولا تبعا، وما قيل من أن الذى يحج عن الميت سيصلى ركعتين عنه للطواف عند مقام إبراهيم، فلماذا لا يصلى عنه الصلوات الأخرى - فهو مردود، لأن صلاة ركعتى الطواف سنة لا فريضة، وتابعة للفريضة لا مستقلة، ولا تجوز النيابة فيها فى الحياة ولا بعد الممات " الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع -صفحة 1491 وما بعدها" (8/318) ________________________________________ موازين يوم القيامة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الموازين التى توزن بها الأعمال يوم القيامة، وكيف يكون الوزن؟
الجواب قال الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} الأنبياء: 147. الموازين هى الوسائل التى تقدر الشىء، وهى مختلفة فى أشكالها وتصميماتها كما نرى فى الدنيا، وموازين الأعمال يوم القيامة لا يعرف حقيقتها إلا الله سبحانه، وإن كانت وردت آثار تذكر ما فيها من كفة توضع فيها الحسنات وأخرى توضع فيها السيئات على ما كان معهودا للناس عند نزول القرآن. وموازين الدنيا تطورت وتدخلت الإليكترونيات فى تقدير الأثقال والأزمنة وتحركات الأجسام والأحاسيس التى تنفعل بها النفوس وكل شىء. وموازين الله أدق من كل الموازين، فهى قسط أى عدل، والله لا يظلم أحدا ما يزن أقل مقدار كان يعرف قبل بحبة الخردل، والميزان وسيلة لاطمئنان الإنسان ليعرف ماله وما عليه، وإن كان عدل الله لا يحتاج إلى ميزان يطلع عليه الإنسان {وكفى بنا حاسبين} . وجاء فى تفسير القرطبى "ج 7 ص 65 " أن الذى يوزن هو صحائف الأعمال كما قال ابن عمر وهو الصحيح. وقد أنكر المعتزلة الميزان، بناء منهم على أن الأعراض يستحيل وزنها، لأنها لا تقوم بنفسها. ومن المتكلمين -علماء الكلام والتوحيد-من يقول: إن الله تعالى يقْلب الأعراض أجساما فيزنها يوم القيامة. والصحيح أن الموازين تثقل بالكتب التى فيها الأعمال مكتوبة، وبها تخف. وقد روى أن ميزان بعض بنى آدم كاد يخف بالحسنات فيوضع فيه رَقٌّ مكتوب فيه "لا إله إلا الله " فيثقل. وفى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما معناه: " إن الله يعطى صحيفة الحسنات للعبد الذى غفر له وستر ذنوبه " وهو دليل على أن الأعمال تكتب فى الصحف وتوزن. كما روى ابن ماجه أن رجلا ينشر عليه يوم القيامة تسعة وتسعون سجلا، كل سجل مدُّ البصر. وبعد، فهذه أمور سمعية نؤمن بها ونترك معرفة حقيقتها لله تعالى، وسنعرفها حتما عند لقاء الله، ونرجو أن نعمل صالحا لتثقل موازيننا بالحسنات (8/319) ________________________________________ تعزية غير المسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز أن يعزى الإنسان شخصا غير مسلم فى وفاة قريب له، وهل يقول المرحوم، أو الله يرحمه؟
الجواب أما مبدأ التعزية فمشروع، وهو من ضمن البر الذى جاء فى قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} الممتحنة: 8، وقرر الفقهاء أن يقال لغير المسلم: أخلف الله عليك، ومن صور المجاملات أن النبى صلى الله عليه وسلم عاد غلاما يهوديا كان يخدمه وعرض عليه الإسلام فأسلم، كما رواه البخارى فى "الأدب المفرد " وذكره ابن حجر فى "المطالب العالية "ج اص 212 فالمجاملات جائزة ولكن فى حدود المشروع. وقد يجرى على بعض الألسنة عند العزاء أو الحديث عن ميت غير مسلم عبارة: المرحوم فلان، أو الله يرحمه، فإن كانت العبارة إخبارا عن الميت بأنه مرحوم فذلك لا يصح، لأنه ذهب إلى ربه بما عمل وهو أعلم به، حتى الإخبار عن المسلم بأنه مرحوم هو أمر ظنى لا ينبغى أن يؤخذ مأخذ الحقيقة. روى الترمذى أن غلاما استشهد يوم أحد، فوجد المسلمون على بطنه حجرا مربوطا، بسبب الجوع، فمسحت أمه التراب عنه وقالت: هنيئا لك الجنة يا بنى، فقال صلى الله عليه وسلم "وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، ويمنع ما لا يضره ". فإذا كان هذا فى المسلم فغير المسلم من باب أولى لا نخبر عنه بأنه مرحوم أو ذهب إلى رحمة الله. وإذا كانت رحمة الله وسعت كل شىء لكنه كتبها للمؤمنين الصالحين، الذين يتبعون النبى الموصوف فى التوراة والإنجيل. أما الدعاء له بالرحمة، أو قراءة الفاتحة ليرحمه الله، فذلك للمسلم جائز إذا مات على الإيمان بأن لم يصدر عنه شىء يكفر به، أما غير المسلم فقد تحدث العلماء عن الاستغفار أو طلب الرحمة له، فى حال حياته أو بعد مماته، فقالوا: إن كان حيًّا جاز الاستغفار وطلب الرحمة والهداية بالتوفيق إلى الإيمان، وعليه يحمل ما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال عن قومه المشركين "اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون " رواه البخارى ومسلم وذلك على بعض الأقوال التى قالت: إن هذا إنشاء من الرسول، وليس حكاية عن نبى سابق دعا لقومه. ويحمل أيضا ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لما زار عمه أبا طالب فى مرضه الذى مات فيه وعرض عليه الإسلام فأبى، قال " أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْه عن ذلك " فأنزل الله تعالى {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم. وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} التوبة: 113، 114. فالاستغفار للأحياء جائز لأن إيمانهم مرجو، أما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعى له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت، فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا. فالدعاء لمن مات غير مؤمن بأن الله يرحمه أو غفر له، أو قراءة الفاتحة له لذلك لا يجوز، وقد روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له. لا يقال إن الآية خاصة بالموتى المشركين، أما اليهود والنصارى فليسوا كذلك، لا يقال هذا لأن الله قال فى كل من كان على غير الإسلام {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران:85، وقال فى عباد الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية} البينة: 6، ووصف بعض أهل الكتاب بأنهم كفار فقال جل شأنه {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} وقال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} المائدة: 72، 73. وقال تعالى فى الكفار جميعا {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} البقرة: 161، 162،. ومن هنا لا يجوز وصف الميت غير المسلم بأنه مرحوم، ولا الدعاء له بالرحمة (8/320) ________________________________________ دفن مسيحية حامل بمسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الزوجة المسيحية إذا ماتت وفى بطنها جنين مسلم، أين يكون الدفن؟
الجواب روى البيهقى عن وائلة بن الأسقع: أنه دفن امرأة نصرانية فى بطنها ولد مسلم فى مقبرة ليست بمقبرة النصارى ولا المسلمين، واختار هذا الإمام أحمد، لأنها كافرة لا تدفن فى مقبرة المسلمين، فيتأذوا بعذابها، ولا فى مقبرة الكفار، لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم. وقال بعض العلماء: لماذا لا يجوز شق بطنها وإخراج الجنين منه، ليدفن كلٌّ فى مقبرته؟ وذلك عند تعذر وجود مقبرة تصلح لكل الأديان (8/321) ________________________________________ الحور العين ونساء الدنيا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال وصف الله الحور العين فى الجنة بأوصاف لا توجد فى كثير من نساء بنى آدم، فهل تكون فيهن غيرة من جمال الحور، وهل الغيرة تتناسب مع نعيم الجنة؟
الجواب جاء فى تفسير القرطبى"ج 16 ص 154" أن هناك رأيين فى التفاضل بين النساء الآدميات والحور العين، فذكر ابن المبارك أن نساء الدنيا إذا دخلن الجنة فُضِّلن على الحور العين، لما عملنه من الصالحات فى الدنيا، وروى مرفوعا أنهم أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف، وقيل: إن الحور العين أفضل لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى دعائه " وأبدله زوجًا خيرا من زوجه ". نترك ذلك لنرى بأنفسنا عندما يَمُنُّ الله علينا بدخول الجنة، مع الأخذ فى الاعتبار أن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا، وأن الغيرة بين الزوجات ممنوعة، قال تعالى {ونزعنا ما فى صدورهم من غل} الحجر: 47 وسورة الأعراف: 43، وقال عن أهل الجنة {وقالوا الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن} فاطر: 34 (8/322) ________________________________________ الجنات وأسمائها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما أسماء الجنات التى وعد الله بها المؤمنين؟
الجواب هناك أحاديث تدل على أن للجنة ثمانية أبواب. ويقول القرطبى بعد ذكر أحاديث فيها أبواب كثيرة باسم الطاعات من الصلاة والصيام والجهاد وغيرها: هذا يدل على أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية وانتهى عددها إلى ثلاثة عشر بابا. كذا قال. لكن هل هى جنة واحدة أم جنات متعددة؟ وإذا كانت جنات متعددة. هل هى على مستوى واحد تختلف مواقعها حسب منزلتها، أم هى طبقات بعضها فوق بعض، وإذا جاء فى الحديث "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى" هل يدل على علو المكان أم على علو المكانة؟ نترك علم ذلك لله، وعندما نعاين بأنفسنا إن شاء الله. وقد جاء فى القرآن ما يدل على أن هناك عددا من الجنات، والآيات فى ذكر لفظ "جنات "كثيرة، وجاء أيضا قوله تعلى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} الرحمن: 146، وقوله: {ومن دونهما جنتان} الرحمن: 62. كما ورد فى القرآن والأحاديث أوصاف للجنة، فإن كانت جنة واحدة كانت هذه أوصافا لها، وإن كانت جنات متعددة كانت أسماء للجنات، وفى الوقت نفسه تتحقق فيها صفاتها. فمن الأوصاف أو الأسماء سبعة: جنات عدن، ودار السلام، ودار الخلد، والفردوس، وجنة المأوى، وجنة النعيم، ودار الإجلال. واختار هذا ابن عباس وجماعة. وذهب الجمهور إلى أن عدد الجنات أربعة فقط، بدليل الآيتين السابقتين المذكورتين فى سورة الرحمن، فهناك جنتان: لمن خاف مقام ربه هما جنة النعيم وجنة المأوى، والجنتان اللتان دونهما هما جنة عدن وجنة الفردوس. هذا، والحق الذى يجب أن نؤمن به أن هناك دار ثواب أعدها الله تعالى للمؤمنين من عباده سماها بالجنة، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. والأولى الإمساك عن كونها جنة واحدة أو أكثر، وتفويض ذلك إلى علم الله تعالى، وإلى ما سنراه بإذن الله فيها إن ختم لنا بالإيمان (8/323) ________________________________________ أبواب الجنة وأبواب النار
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما أسماء أبواب الجنة وأبواب النار السبعة؟
الجواب جاء فى كتاب مشارق الأنوار للعدوى ص 178 أن للجنة ثمانية أبواب كما رواه البخارى ومسلم، منها باب الريان الذى يدخل منه الصائمون، وفى رواية أخرى "من أنفق زوجين من ماله فى سبيل الله دعى من أبواب الجنة، وللجنة أبواب. فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الصيام دعى من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة ومن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد" وأخرج الطبرانى حديث "وإن فى الجنة بابا يقال له الضحى" وذلك لمن يديمون صلاة الضحى. هذا ما ذكره عن أسماء الأبواب ولم يذكرها كلها مع أن عددها ثمانية. فلنقتصر على الوارد بطريق صحيح، والقرطبى فى التذكرة نقل عن الترمذى الحكيم أن فى الجنة بابا خاصا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يدخل منه غيرهم والرسول يدخل من باب محمد وهو باب الرحمة والتوبة. هذا ما ذكره وفيه روايات ضعيفة والعقائد والغيبيات بالذات لا تقبل فيها أمثال هذه الروايات، وعند وصولنا إلى الجنة سنرى ونعلم الحقيقة إن شاء الله. وجاء فى المشارق ص 175 أن للنار سبعة أبواب من واقع قوله تعالى {وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} الحجر: 43، 44، وذكر أن الباب الأول اسمه: جهنم، والثانى: لظى، والثالث: سقر، والرابع: الحطمة، والخامس: الجحيم، والسادس: السعير، والسابع: الهاوية، وهى أسماء مأخوذة من طبقات جهنم، والله أعلم بالحقيقة (8/324) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:52 pm | |
| بناء القبور بالطوب الأحمر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن بناء القبر بالطوب الأحمر تشاؤم بدخول من دفن فيه النار، فهل هذا صحيح؟
الجواب دخول الجنة أو النار رهن بالإيمان والعمل ومشيئة الله تعالى، وليس للقبر من حيث إنه مادة دخل فى هذا الموضوع، ومع ذلك استحسن العلماء ألا يكون فيه شىء دخل النار، كالآجر وهو الطوب المحروق. جاء فى تفسير القرطبى "ج 15ص 381" قوله: ويكره الآجر فى اللحد، وقال الشافعى: لا بأس به لأنه نوع من الحجر، وكرهه أبو حنيفة وأصحابه، لأن الآجر لإحكام البناء، والقبر وما فيه للبلى، فلا يليق به الإحكام، وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر، وقيل: إن الآجر أثر النار فيكره تفاؤلا، فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر. هذا، وقد روى مسلم وغيره عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تجص القبور. وفى لفظ النسائى: أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص. والتجصيص معناه الطلاء بالجص وهو الجير المعروف. والجمهور حملوا النهى على الكراهة، وحمله ابن حزم على التحريم، والحكمة ما تقدم ذكره من أن القبر للبلى لا للبقاء، أو التفاؤل، فلا يدخله عند التجصيص شىء أحرق بالنار، ويؤيده ما جاء عن زيد بن أرقم أنه قال لمن أراد أن يبنى قبر ابنه ويجصصه: جفوت ولغوت، لايقربه شىء مسته النار. وكما كرهوا تجصيصه بالجير كرهوا بناءه بالطوب الأحمر المحرق بالنار، وذلك إذا لم تكن الأرض رخوة أو ندية فإن كانت كذلك فلا كراهة (8/325) ________________________________________ بيع المقبرة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أمتلك قبرا لأدفن فيه موتانا فهل يجوز أن أبيعه لشخص آخر ليدفن فيه موتاه؟
الجواب عندما تحدث العلماء عن القبر وقالوا: إنه حبس على صاحبه، وتحدثوا عن نبش القبر وتحويله إلى منفعه أخرى كالزراعة أو البناء أو شق نهر أو طريق، ما بين مجيز لذلك ومانع، آخذين فى الاعتبار بقاء جز من أجزاء الميت كعظم أو صيرورته كله ترابا -لم يتطرقوا إلى نقل ملكية القبر من شخص إلى آخر ليستعمل فى الدفن لا فى شىء آخر من الاستعمالات المشار إليها من قبل. وبناء على جواز دفن عدد من الموتى فى قبر واحد، كل فى لحد ومكان خاص لا يختلط مع غيره يمكن القول بجواز نقل الملكية لهذا القبر من شخص إلى آخر لاستعماله للدفن، حيث لا يوجد نص يمنع ذلك. أما المقبرة الموقوفة والمستَلة للدفن فلا ملكية فيها لأحد، وبالتالى لا يجوز بيع شىء منها (8/326) ________________________________________ ماء البئر بين المقابر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز استخدام ماء بئر موجود بين المقابر فى التطهر؟
الجواب بئر الماء الموجود بين المقابر يستمد ماءه من أماكن عميقة لا تصل إليها مخلفات الموتى البالية، وعليه فماء البئر هذا طاهر ومطهر، ولا يحرم استعماله لغرض من الأغراض المشروعة (8/327) ________________________________________ سكن الأحياء فى المقابر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى اتخاذ المقابر مساكن، حيث يسكن بعض الناس فى غرف مجاورة للقبر فى مبنى يجمع بينهما؟
الجواب المشى والقعود والنوم على غرف فوق القبر قال جمهور الفقهاء إنه مكروه، ويشهد لهم حديث مسلم وغيره " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " وحديث أحمد بإسناد صحيح فيمن رآه الرسول صلى الله عليه وسلم متكئا على قبر "لا تؤذوا صاحب القبر" أما البول والغائط فهو مكروه كراهة تحريم عند الحنفية وحرام عند المالكية. أما السكن فى غرف مجاورة للقبر وليست مقامة عليه فجائز لا مانع منه، حيث لا يوجد دليل على المنع. ونوصى هؤلاء الساكنين أن يتعظوا ويعتبروا بمن يجاورونهم من الموتى، فإنهم سيصيرون فى النهاية مثلهم (8/328) ________________________________________ حساب القبر وحساب يوم القيامة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: إذا مات ابن آدم قامت قيامته، وما الفرق ببن حساب القبر وحساب يوم القيامة؟
الجواب هذا كلام مأثور، ونسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم ضعيفة "العراقى على الإحياءج 4 ص 421". والمعنى أن الحياة الشخصية للإنسان قد انتهت بموته كما تنتهى الحياة كلها بقيام الساعة، حين ينفخ فى الصور فيصعق من فى السماوات ومن فى الأرض إلا من شاء الله. وعودة الروح إليه وهو فى القبر تشبه عودتها إليه حين يبعث من القبر إلى الحشر يوم القيامة، وإن كانت العودة فى كلتا الحالتين على نحو يعلمه الله سبحانه. وما فى القبر من نعيم وعذاب هو صورة لما يكون يوم القيامة من نعيم فى الجنة وعذاب فى النار، وقد ورد فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده ... ويقال: هذا مقعدك حتى تبعث إليه يوم القيامة" وفى الترمذى "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ". وحساب القبر يكون عن العقائد، وذلك باتفاق، وإن اختلفوا هل هو فى كل العقائد أو بعضها، أما حساب يوم القيامة فهو لكل شىء قال تعالى {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} الأنبياء: 47 (8/329) ________________________________________ حساب القبر لمن أكلته الوحوش
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف يحاسب الإنسان فى القبر إذا مات غريقا أو محروقا، أو أكلته الحيوانات أو الأسماك المتوحشة، او استخدم جسمه فى منفعة علمية مثل التشربح؟
الجواب اتفق أهل السنة على أن الميت يسأل بعد موته، سواء دفن أم لم يدفن، فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار رمادا ونسف فى الهواء، أو غرق فى البحر فلا بد من سؤاله ومجازاته. قال الحافظ ابن حجر فى "فتح البارى ج 3 ص 277": ذهب ابن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عودة إلى الجسد، وخالفهم الجمهور فقالوا: تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت فى الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه، لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه. ومعنى كلام ابن حجر أن من أكلته الحيوانات أو الأسماك سيحاسب ويسأل وهو فى جوف الحيوانات أو الأسماك، ومن استخدم جسمه فى منفعة علمية فيسأل أيضا، ولكن متى؟ قال بعض العلماء: إن كانت هناك نية لدفنه سيؤخر الحساب إلى أن يدفن، وقال بعضهم: يسأل قبل الدفن وبعد الدفن. لكن أحسن ما قيل فى هذا الموضوع ما نقل عن العلامة الأمير: أن هذه مغيبات لا مجال للعقل فيها، فيترك أمرها إلى الله، ذكره العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار "ص 27. وبعد، فإنى أعرض أحيانا بعض الأقوال الاجتهادية فى أمور غيبية لأبين ما شغل به العلماء من تفكير لا أدرى هل خلا لهم الجو من كل العقد فصرفوا وقتهم فى هذا الترف الذهنى، ومع كل هذا فنشكرهم لإثرائهم الحياة الفكرية بكل ما يمكن من معلومات أو معارف أو تصورات (8/330) ________________________________________ الشهداء من المؤمنين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى موت غير المسلم الذى كان يقاتل مع المسلمين ضد أعداء الدولة، وهل يعتبر شهيدا؟
الجواب الشهادة التى وعد الله عليها الثواب العظيم بالجنة لا تكون إلا للمؤمن، وعلى أن تكون الحرب من أجل أن تكون كلمة الله هى العليا، وهذه هى الشهادة العظمى، فهناك شرطان لاستحقاق الإنسان ثوابها العظيم، الإيمان والإخلاص فى الجهاد. وقبل الإسلام كان هناك شهداء أبلوا بلاء حسنا فى الدفاع عن عقيدتهم وأطلق عليهم لقب "الشهيد" ففى هؤلاء تحقق الإيمان بالنبى المرسل إليهم، أما الإخلاص فمرجعه إلى النية، والله وحده هو العليم بها، ونحن لنا الظاهر فى إطلاق الاسم ومعاملة صاحبه فى الدنيا على ضوئه، مع ترك الحكم عليه فى الآخرة لله سبحانه. وبعد الإسلام لا يقبل من أحد غير هذا الدين ليكون مؤمنا، قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} آل عمران: 119 وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران: 20. فالذى يحارب الآن دفاعا عن العقيدة والحقوق ويموت إن لم يكن مسلما فلم يتحقق فيه الشرط الأول، وبذلك لا يعتبر من وجهة النظر الإسلامية شهيدا، وإن كان مسلما فقد تحقق الشرط الأول ويبقى الشرط الثانى لا لإطلاق اسم الشهيد عليه، ولكن لاستحقاقه المنزلة العالية فى الجنة، وهو الإخلاص الذى نص عليه فى الحديث "من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " رواه البخارى ومسلم. أما ما قام به غير المؤمنين من جهاد وبطولات فليس لهم ثواب فى الآخرة عليها كما قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: 23. ولهم ثوابهم فى الدنيا من مثل تقدير الناس لهم والتعامل معهم وأخذ استحقاقاتهم على أعمالهم، فحينما دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق أهل البلد "مكة " المؤمنين من الثمرات بين له ربه أن الرزق الدنيوى ينال منه المؤمنون وغير المؤمنين قال تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره الى عذاب النار وبئس المصير} البقرة: 126، وقال سبحانه فى موضع آخر {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغيرالحق وبما كنتم تفسقون} الأحقاف: 20. ذلك ما قاله رب العزة وأكده رسوله، وهو الحق الذى لا معدى عنه،فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (8/331) ________________________________________ نعى الموتى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى نعى الموتى بمكبرات الصوت أو بالنشر فى الصحف أو الإعلانات ونحوها؟
الجواب النَّعْى أو النَّعِىُّ هو الإخبار بموت الميت، قال الأصمعى: كانت العرب إذا مات فيها ميت ركب راكب فرسا وجعل يسير فى الناس ويقول: نعاء فلانا، أى أنعيه وأظهر خبر وفاته. فإذا كان النعى على ما كان يفعله أهل الجاهلية من ذكر المآثر والمفاخر فهو ممنوع، كما يدل عليه ما أخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند حسن أن حذيفة بن اليمان قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النعى، وما رواه الترمذى عن عبد الله بن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إياكم والنعى، فإن النعى من عمل الجاهلية " وهو حديث حسن. أما إذا كان النعى من أجل إخطار الأقارب والأصدقاء ليشهدوا جنازته ويكثر المصلون عليه فلا بأس به، لأن من يصلى على الجنازة له قيراط من الأجر كما صح فى الحديث المتفق عليه ولقول النبى صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب " يعنى وجبت له الجنة رواه أبو داود وابن ماجه والترمذى وقال: حديث حسن. بل يكون النعى من أجل هذا القصد مستحبا، ففيه فائدة للميت وفائدة لمن يصلون عليه، ويشهد لهذا ما رواه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى للناس "النجاشى" فى اليوم الذى مات فيه. وفى لفظ "إن أخاكم النجاشى قد مات، فقوموا فصلوا عليه " وما رواه البيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى جعفر بن أبى طالب وزيد بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال فيمن دفن ليلا وكان يقم المسجد - أى ينظفه ويرفع القمامة منه- "أفلا كنتم آذنتمونى"؟ وفى رواية: "ما منعكم أن تعلمونى"؟ وما روى أن رافع بن خديج مات بعد العصر فأتى ابن عمر فأخبر بموته فقيل له: ما ترى، أيخرج بجنازته الساعة؟ فقال: إن مثل رافع لا يخرج به حتى يؤذن به من حولنا من القرى، فأصبحوا وأخرجوا بجنازته. من هذا نرى أن النعى إن كان يحمل معنى التفاخر والتباهى فهو مذموم، وإن كان من أجل إعلام الناس بالوفاة للاشتراك فى الصلاة على الميت وتشييع الجنازة فلا بأس به، والأعمال بالنيات ولكل امرىء مانوى، وبهذا يمكن التوفيق بين ما ورد من الأحاديث والآثار فى ذم النعى وعدم ذمه انظر "الفتح الربانى وشرحه ج 7 ص 184، المغنى لابن قدامة ج 2 ص 432 " (8/332) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:53 pm | |
| أفعال النساء فى الجنائز
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز ضرب النساء إذا مشين يصرخن فى الجنائز ويفعلن أفعال الجاهلية؟
الجواب تشييع النساء للجنازة ورد فيه حديث البخارى ومسلم عن أم عطية قالت: نهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا، أى لم يؤكد المنع، فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم، كما ذكره ابن حجر فى "فتح البارى". فالنهى للتنزيه وبه قال جمهور العلماء، ومال مالك إلى الجواز وهو قول أهل المدينة كما ذكره القرطبى. ويدل على الجواز ما رواه ابن أبى شيبة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فى جنازة ورأى عمر امرأة فصاح بها فقال "دعها يا عمر فإن العين دامعة، والنفس مصابة والعهد قريب " وإسناد هذا الحديث صحيح. والأحاديث التى نهت عن اتباعهن الجنازة ضعيفة والمنهى عنه هو ارتكاب ما يخالف الدين مما جاء فى الحديث الصحيح "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية". وإذا حدث من النساء منكر من هذا وغيره وجب تغييره بالصورة التى جاءت فى الحديث الصحيح: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ". وجاء فى فتاوى الشيخ شلتوت (ص 198) أن عمر بن الخطاب سمع ندبا ونياحة فدخل مكان الصوت وأخذ الحاضرين بِدرته حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها، وقال لمن معه: اضرب فإنها نائحة ولا حرمة لها، إنها لا تبكى لشجوكم، إنها تريق دموعها على أخذ دراهمكم، وإنها تؤذى موتاكم فى قبورهم وأحياءكم فى دورهم إنها تنهى عن الصبر وقد أمر الله به، وتأمر بالجزع وقد نهى الله عنه". ويلاحظ أن عمر قام بهذا بحكم ولايته العامة وتمكنه من تغيير المنكر بيده، وعلى غيره من الناس أن يراعى الأسلوب المناسب الذى لا يكون له رد فعل غير كريم (8/333) ________________________________________ الدفن بجوار الصالحين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل دفن الإنسان بجوار الصالحين وأولياء الله يخفف من عذابه فى القبر؟ وهل بناء القبور بالصورة الحالية صحيح؟
الجواب جاء فى كتاب "مشارق الأنوار" للعدوى ص 25 ما نصه: ومما ينبغى أن يدفن بجوار قوم صالحين، ففى شفاء الصدور: أخرج أبو نعيم وابن منده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحى بجار السوء" وأخرج ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا مات لأحدكم الميت فأحسنوا كفنه وعجلوا إنجاز وصيته وأعمقوا له قبره وباعدوه عن جار السوء" قيل يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح فى الآخرة. قال "هل ينفع فى الدنيا"؟ قالوا نعم، قال "كذلك ينفع فى الآخرة" انتهى. هذا ما ورد فى الموضع وهى أخبار لا يعتمد عليها فى معرفة الغيب، فيحتمل أن يكون الأمر كما ورد ولا مانع منه عقلا ولا شرعا، وإذا كان هناك انتفاع بمجاورة الصالحين، أو تأذ بمجاروة غيرهم فلا يتعارض ذلك مع قوله تعالى"كل امرئ بما كسب رهين " وقوله "ولا تزر وازرة وزر أخرى" فلا يتحتم أن يكون الانتفاع ثوابا والتأذى عقابا، بل يكون على مثال ما يحصل في الدنيا من الارتياح وعدمه. هذا، وأما القبر فهو حفرة فى الأرض تعمق وتحكم بحيث تمنع الرائحة وتحمى من الوحوش، ويندب أن يكون العمق قدر قامة وبسطة. ويسن أن يرفع عن سطح الأرض قدر شبر ونحوه ليعرف حتى لا يمشى الناس عليه، والخلاف جاء فى بناء القباب وعدمه، جاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: يكره أن يبنى على القبر بيت أو قبة أو مدرسة أو مسجد أو حيطان تحدق به كالحيشان. أما الشافعية فقالوا: يجوز أن تبنى قبور الأنبياء والشهداء والصالحين وأن ترفع عليها القباب ولو فى الأرض الموقوفة لإحياء ذكرهم انتهى. ورأى الجمهور أقوى وهو الكراهة لا التحريم الذى تحمس له الشوكانى. وقال: صرح به أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعى ومالك (8/334) ________________________________________ أين أطفال المشركين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم أطفال المشركين الذين يموتون قبل البلوغ، هل سيكونون فى النار؟
الجواب إن أحوال الآخرة من الغيب الذى لا يعلمه إلا الله، ومن أطلعه عليه عن طريق إرسال الرسل ليخبروا الناس به، والأطفال الذين يموتون قبل البلوغ، وهو حد التكليف يتبعون أشرف دين يدين به آباؤهم وأمهاتهم، وبهذا يكون مصير أولاد المسلمين هو الجنة، وقد جاءت بذلك أحاديث صحيحة، منها ما رواه مسلم أن الأطفال يشفعون لآبائهم يوم القيامة، فيقول الله لهم {ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم} وأنهم يسرحون فى الجنة لا يمنعون من بيت أطلقت عليهم بعض الأحاديث "الدعاميص " وعليه حمل بعض المفسرين قول الله تعالى {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} الرعد: 23، وقوله {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} الطور: 21، أما أطفال المشركين فلا يلحقون بآبائهم فى النار، لأنهم لم يكلفوا حتى يعاقبوا، فهم ماتوا على الفطرة لهم الجنة إن شاء الله، ويدل عليه حديث البخارى عن سمرة بن جندب فى رؤيا رآها النبى صلى الله عليه وسلم حيث جاء فيها أنه رأى روضة فيها رجل حوله ولدان كثيرون، وهو إبراهيم عليه السلام، يرعى كل مولود يولد على الفطرة، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال "وأولاد المشركين "فهم سيدخلون الجنة، لا يعلم حالهم فيها إلا الله. وأما ما رواه الطبرانى من أنهم سيكونون خدما لأهل الجنة فهو حديث ضعيف النسبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وموقوف على سلمان بسند حسن أو صحيح، وقد قال المفسرون بذلك عند قوله تعالى {يطوف عليهم ولدان مخلدون} الواقعة: 17، وقوله {ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون} الطور: 24، والقلب يطمئن إلى دخولهم الجنة كما فى حديث البخارى. يقول النووي في شرح صحيح مسلم "ج 12 ص 55": إن أولاد الكفار حكمهم في الدنيا حكم آبائهم، وأما في الآخرة ففيهم إذا ماتوا قبل البلوغ ثلاثة مذاهب، الصحيح أنهم في الجنة، والثاني في النار، والثالث لا يجزم فيهم بشيء "انظر: الخطيب على متن أبي شجاع ج 2 ص 256" (8/335) ________________________________________ أرض الميعاد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الحشر يوم القيامة سيكون إلى أرض الميعاد وهى فلسطين؟
الجواب روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقى ليس فيها علم لأحد"والعفراء غير ناصعة البياض، وقرصة النقى خبز مصنوع من دقيق أبيض، وقال تعالى {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} إبراهيم: 48. بناء على ما ورد من نصوص حول هذا الموضوع قيل: إن أرض المحشر هى بيت المقدس بالشام، وذلك لحديث رواه البزار والطبرانى بسند حسن عن سمرة بن جندب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول لنا "إنكم تحشرون إلى بيت المقدس ثم تجتمعون يوم القيامة" وهذه الأرض تبدل بمقتضى الآية، إما ذاتا وإما صفة، حيث تقض حكمة الله أن يكون المحل الذى يقض فيه بالحق وللعدل طاهرا من المعصية والظلم، وقد قال المفسرون إنها تبدل مرتين، إحداهما فى الدنيا قبل نفخة الصعق التى تفنى بها الدنيا فتموج الأرض وتنشق، ثم تعاد كما كانت فيها القبور، والثانية فى الآخرة بعد النفخة الثانية عند القيام من القبور، حيث يكون الحشر إلى الأرض التى تقال لها "الساهرة" فيحاسب الناس عليها، وهى طاهرة نقية، قال تعالى {ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} الزمر: 68، وقال {يوم ترجف الراجفة. تتبعها الرادفة. قلوب يومئذ واجفة. أبصارها خاشعة. يقولون أئنا لمردودون فى الحافرة. أئذا كنا عظاما نخرة. قالوا تلك إذًا كرة خاسرة. فإنما هى زجرة واحدة. فإذا هم بالساهرة} النازعات: 6 - 14. هذا ما يمكن أن يقال من الربط بين فلسطين وأرض المحشر يوم القيامة، أما الربط بينهما وبين ما يدعيه الأعداء فى الدنيا فلا يستند إلى دليل مقبول، والله سبحانه رقيب حسيب. ولا يورث الله أى أرض فى الدنيا والآخرة إلا الصالحين من عباده، وأرجو أن نهتم بما نحاسب عليه يوم القيامة من أعمال، ولتكن ما تكون الأرض التى سنحاسب عليها، فملك الله واسع وهو على كل شىء قدير (8/336) ________________________________________ أمه النبى يوم القيامة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يعرف النبى صلى الله عليه وسلم أمته يوم القيامة؟
الجواب يقول الله تعالى عن يوم القيامة {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} الإسراء: 71، يقول المفسرون: الإمام هو الكتاب، وقيل: الرسول. فيقال يا أمة القرآن، ويا أمة الإنجيل، أو يقال: يا أمة محمد، ويا أمة عيسى، وكذلك كل من يتبعون فكرا معينا يسيرون خلف صاحب هذا الفكر، فهو إمامهم فى ذلك، ويصنف القوم إلى مؤمنين وكافرين، كما يصنف المؤمنون إلى من يدخلون الجنة رأسا، ومن يدخلون بعد عقابهم فى النار إلى أجل. ومن هذا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أمته إجمالا عند هذا النداء، كما أنه يعرفهم أيضا بعلامة أخرى جاءت فيما رواه مسلم فى حديث طويل أنه صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة - بضم الباء وفتحها - فقال "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم من قريب لاحقون وددت أنا قد رأينا إخواننا" قالوا: أو لسنا بإخوانك يا رسول الله؟ قال "أنتم أصحابى وإخواننا الذين لم يأتوا بعد" قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال "أرأيت لو أن رجلا له خيل غير محجلة بين ظهرى خيل دهم بُهم، ألا يعرف خيله " قالوا: بلى يا رسول الله قال: "فانهم يأتون غرًا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض " يعنى لهم بياض فى وجوههم وفى أرجلهم من أثر الوضوء. وإذا كان الحديث يثبت أنه سيكون على الحوض يوم القيامة ليسقى منه أمته التى عرفها بهذه السيما، فإن بعضهم لا يستحق التكريم بشربه من الحوض، حيث لم يعرف الرسول تفاصيل أعمالهم، ولذلك جاء فى رواية لمسلم قريبة من رواية البخارى "ترد علىَّ أمتى الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله " قالوا: يا نبى الله تعرفنا؟ قال "نعم،لكم سيما ليست لأحد غيركم، تردون علىَّ غرًا محجلين من آثار الوضوء، وليصدن عنى طائفة منكم فلا يقبلون، فأقول: يارب هؤلاء من أصحابى فيجيبنى ملك فيقول: وهل تدرى ما أحدثوا بعدك " (8/337) ________________________________________ المسلم فى جنازة الكتابى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى مشاركة المسلم فى جنازة رجل من أهل الكتاب؟
الجواب الصلاة على غير المسلم لا تجوز، وقد قال الله تعالى فى المنافقين {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} التوبة: 84 ذلك أنهم لا يستحقون الرحمة بالصلاة عليهم والدعاء لهم ولا يستحقون التكريم بشهود دفنهم، ومن هنا قال العلماء: لا يجوز الاشتراك فى تشييع جنازة غير المسلم، لأن التشييع فيه تكريم قال بعضهم: إنه حرام، وقال آخرون: إنه مكروه. أما القيام لها فجائر، لأنه للعبرة فقط وللإحساس بجلال الموت ورهبته لا لتكريم الميت، وقد صح فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودى ولما سئل قال "أليست نفسا"؟ واختلف العلماء فى حكم القيام للجنازة هل هو مشروع أو نسخ؟ والصحيح أنه مشروع، والتعزية جائزة، بل قيل إنها مستحبة وصيغتها: أخلف الله عليك (8/338) ________________________________________ رفع الأصوات فى المساجد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: من علامات الساعة رفع الأصوات فى المساجد؟
الجواب النهى عن رفع الأصوات فى المساجد بغير ذكر الله والعبادة وارد فى الأحاديث الصحيحة، مثل نشدان الضالة والبيع والشراء، وجاء فيما يكون فى آخر الزمان حديث رواه ابن حبان فى صحيحه "سيكون فى آخر الزمان قوم يكون حديثهم فى مساجدهم، ليس لله فيهم حاجة" والمراد به الحديث الذى لا فائدة فيه، أو يشوش على المصلين والمتعبدين، أو الذى يخل بحرمة المساجد. وجاء فى كتاب "مشارق الأنوار" للعدوى صفحة 117 فى علامات الساعة الصغرى نقلا عن الإمام الشعرانى: روى الترمذى عن على رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا فعلت أمتى خمسة عشر حل بها البلاء، إذا كان المغنم دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات فى المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا أو مسخا" وفى روايات أخرى وذكر الكتاب بقية العلامات الصغرى، وقال عن رفع الأصوات فى المساجد: إنه من علامات الساعة حتى لو كان بالعلم، لقول الإمام مالك: ما للعلم ورفع الصوت؟ والمراد ما يكون فيه تشويش على المتعبدين، أو كان للرياء والفخر، وذلك للتوفيق بين الروايات (8/339) ________________________________________ أوقات الصلاة فى القطبين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف يؤدى أهل المناطق القطبية صلواتهم وقد قيل إنهم لا يرون الشمس إلا كل ستة أشهر؟
الجواب للعلماء اجتهادات فى هذه المسألة حيث لم يرد فيها نص خاص، والصلاة الواجبة هى خمس فى كل يوم وليلة، والتكليف بها مرتبط بالأوقات المحددة لها متى وجدت. فإذا فقدت الأوقات تقديرا كبلاد القطبين حيث لا تشرق الشمس إلا كل ستة أشهر ثم تغيب ستة أخرى: وهى فى ظهورها تبدو الحركة فى علو وهبوط كل أربع وعشرين ساعة، يمكن أن يقدر بها اليوم وتصلى فيه خمس صلوات لكن عند غيابها تكون المشكلة. وقد صح فى الحديث المروى عن الدجال أنه يمكث أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر الأيام كأيامنا. فسأله الصحابة ماذا يفعلون فى اليوم الذى كالسنة أتكفيهم صلاة يوم - أى خمس صلوات- قال "لا، اقدروا له " رواه مسلم. وطريقة التقدير كما نقلها النووى عن القاضى عياض: أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر فى كل يوم فصلوا الظهر، ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر، وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا حتى ينقضى ذلك اليوم وقد وقع فيه صلوات ستة فرائض كلها، مؤداه فى وقتها، وأما الثانى الذى كشهر والثالث الذى كجمعة فقياس اليوم الأول أن يقرر لهما كاليوم الأول على ما ذكرنا والله أعلم. هذا ما رآه الشافعية، وأما الحنفية فعندهم رأيان، رأى العلامة البرهان الكبير كرأى الشافعية وهو التقدير على النحو المذكور، واختاره الكمال بن الهمام فى "فتح القدير" وأيده كثيرون من علماء الحنفية، ورأى البكالى عدم وجوب الصلاة لفقد سببها وهو الوقت، لأن الحكم يدور مع السبب وجودا وعدما، ووافقه على ذلك جمع من العلماء والقول الأول أقوى لأنه قال به إمام مجتهد وهو الشافعى (8/340) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:54 pm | |
| الصلاة بين الأعمدة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الصلاة بين أعمدة المسجد مكروهة؟
الجواب الصلاة بين أعمدة المسجد ليست مكروهة، لا للإمام ولا للمنفرد، فقد صح فى حديث البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة صلى بين الساريتين. وكان كثير من التابعين يؤمون قومهم وهم بين الأعمدة فى المساجد. وأما المؤتمون فتكره صلاتهم بين الأعمدة إذا كان فى المسجد سعة، حتى لا تقطع الصفوف، أما عند الزحام والضيق فلا مانع من أن يصلى المأمومون بين الأعمدة. روى الحاكم وصححه عن أنس قال: كنا نُنْهَى عن الصلاة بين السوارى ونُطرد منها وروى ابن ماجه بإسناد فيه مجهول عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: كنا نُنْهَى أن نصفَّ بين السوارى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونطرد عنها طردا، وروى سعيد بن منصور فى سننه النهى عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة (8/341) ________________________________________ صلاة الضحى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى صلاة الضحى وما عدد ركعاتها، وهل تجوز صلاتها جماعة؟
الجواب صلاة الضحى هى صلاة النافلة التى تؤدى فى الوقت الذى بعد شروق الشمس بنحو ثلث ساعة إلى وقت الظهر، وفضلها عظيم جاء فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهى عن منكر صدقة، ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى". وأقلها ركعتان، وأكثرها قيل ثمانى ركعات وقيل ثنتا عشرة ركعة. أما صلاتها جماعة فجائزة وليست ممنوعة كسائر النوافل، فقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين تطوعا وصلى معه أنس من يمينه، كما صلت أم سليم وأم حرام خلفه، وتكرر هذا ووقع أكثر من مرة (8/342) ________________________________________ الصلاة فى المقابر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل تجوز صلاة الجنازة بين المقابر وكذلك صلاة الفرائض؟
الجواب صلاة الجنازة بين المقابر صحيحة وإن كانت مكروهة على رأى الجمهور، وفى رواية لأحمد أنه لا بأس بها، لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وهو فى المقبرة، وصلى أبو هريرة على عائشة وسط قبور البقيع، وحضر ذلك ابن عمر، وفعله عمر بن عبد العزيز. وصلاة الفرائض وسط المقابر صحيحة أيضا وإن كانت مكروهة إذا كانت على التراب مباشرة دون فراش طاهر يصلى عليه.. خشية أن يكون التراب متنجسا، وكذلك لكراهة جعل القبر أمام المصلى حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد (8/343) ________________________________________ صلاة الجنازة على الطفل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف نصلى صلاة الجنازة على الطفل وهو غير مكلف؟
الجواب صلاة الجنازة على الميت تكريم له كإنسان ودعاء له بالرحمة ورفع الدرجات ولابد من أدائها على كل ميت مسلم صغيرا كان أو كبيرا، إلا ما استثناه الشرع كالشهداء، وهى فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط الطلب عن الباقين، وقد رغب فيه النبى صلى الله عليه وسلم فقال فيما رواه مسلم "من صلى على جنازة فله قيراط،وإن شهد دفنها فله قيراطان، والقيراط مثل أُحد" ويرجى من كثرة عدد المصلين انتفاع الميت، ففى حديث رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه "ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب " أى وجبت له الجنة. وإذا كان الميت طفلا يصلَّى عليه، والدعاء بعد التكبيرة الثالثة لا يكون بالرحمة والمغفرة لأنه غير مكلف وليست عليه ذنوب، بل يكون الدعاء مثل: اللهم اجعله فرطا وسلفا وذخرا لأبويه، واجعله شافعا لهما يوم القيامة. وهذه الصلاة واجبة ليست بالنسبة للطفل الميت فقط، بل للسقط الذى لم يتم الأشهر التسعة ونزل بعد نفخ الروح فيه وظهرت فيه حياة بالاستهلال وهو الصراخ أو العطاس ونحوهما وذلك باتفاق العلماء، أما إذا لم يستهل صارخا كما يعبرون، فإن الأحناف والمالكية لا يقولون بوجوب الصلاة عليه، وذلك لحديث رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه والبيهقى، "إذا استهل السقط صلِّى عليه وورث " ففى الحديث اشتراط الاستهلال فى الصلاة عليه، وذهب أحمد إلى أنه يصلى عليه بناء على حديث رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه. "والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" ولأنه نسمة نفخ فيها الروح فيصلى عليه كالمستهل، وأجاب أحمد بأن الحديث الذى اشترط الاستهلال مضطرب ومعارض بما هو أقوى منه فلا يصلح للاحتجاج به. أما إذا نزل سقط لم تنفخ فيه الروح فلا يغسل ولا يصلى عليه ويلف فى خرقة ويدفن من غير خلاف بين جمهور الفقهاء "نيل الأوطار ج 2 ص 49" (8/344) ________________________________________ ثمرات الأشجار وسط المقابر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى أكل الثمار من الأشجار التى وسط المقابر وجذورها تمتص فضلات الموتى؟
الجواب لا مانع من أكل ثمر الشجر الذى ينمو وسط المقابر، ولا عبرة بما يقال: إن جذور الشجر تمتص دماء الموتى وفضلاتهم فالثمرة تكون نجسة، ذلك على فرض هذا الامتصاص، أن تحول النجس يجعله طاهرا، وقد تحول فى الشجرة غذاء لها وأنتج الثمرة، تماما كالطيور التى تتناول النجاسة فى بعض الأحيان، وكأى زرع يسمد بالسماد البلدى النجس، فذلك لا يصيب الثمر بالنجاسة (8/345) ________________________________________ تجهيز الكفن قبل الوفاة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فيمن يجهزون أكفانهم قبل وفاتهم، وهل عليها زكاة؟
الجواب لا حرج فى تجهيز الكفن قبل الموت، فهو أمر لا واجب ولا ممنوع، وإذا كانت نيته أن يتعظ به كلما رآه ليجتهد فى العمل للقاء الله فهو خير، والأعمال بالنيات، وكذلك إذا علم أو غلب على ظنه أنه لو مات ربما يحتار أهله فى إحضار كفن له فهو يجهزه مقدما، أما الزكاة على الكفن فهى غير مشروعة (8/346) ________________________________________ الحياة البرزخية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الحياة البرزخية، ومتى وأين تكون؟
الجواب الحياة البرزخية هى الفترة ما بين موت الميت أو ما بين وضعه فى قبره وقيامه منه للبعث يوم القيامة، نسبة إلى البرزخ وهو الحاجز بين الشيئين، وقد عقد ابن القيم فصلا فى كتابه "حادى الأرواح " ذكر فيه أقوال العلماء فى مستقر الأرواح، وقال: منها أرواح فى أعلى عليين فى الملأ الأعلى، وهى أرواح الأنبياء مع تفاوت منازلهم، ومنها أرواح فى حواصل طير خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت، وهى أرواح الشهداء، ومنها ما يكون محبوسا على باب الجنة، وما يكون محبوسا فى القبر، ومنها غير ذلك. وذكر أن النفس لها أربع دور، كل دار أعظم من التى قبلها، الأولى فى بطن الأم، والثانية دار الدنيا، والثالثة دار البرزخ، والرابعة دار القرار وهى الجنة والنار. ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب "مشارق الأنوار" للعدوى ص 39 فهناك كلام كثير واجتهادات فى نصوص بعضها قطعى وبعضها غير قطعى، والأفضل عدم الخوض فى هذه المسائل لتقرير رأى معين يثير نزاعا لا فائدة فيه (8/347) ________________________________________ الكفن الحسن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث "إذا وَلِىَ أحدكم أخاه فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون فى قبورهم"؟
الجواب الحديث رواه مسلم "إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه " وفى رواية ابن ماجه والترمذى وقال: حديث حسن، وفى بعض الروايات زيادة " فإنهم يتزاورون فى قبورهم " وفى بعضها زيادة "يتباهون " ذكره العدوى فى "مشارق الأنوار" ص 35. ومن الإحسان فى الكفن أن يكون أبيض، لحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه "البسوا من ثيابكم البيض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم ". ومن الإحسان أيضا أن يكون الكفن ثلاث لفائف للرجل وخمس لفائف للمرأة وكل ذلك سُنة وليس بواجب فيكفى ثوب واحد يغطى جميع الجسم، ومن أى لون يكون من الأقمشة الحلال، أى غير الحرير للرجل. ومع الإحسان فيه تكره المغالاة فى ثمنه، ففى الحديث، "لا تغالوا فى الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا" رواه أبو داود وفى إسناده أبو مالك، وفيه مقال، وأوصى بعض الصحابة أن يكفن فى ملابسه التى يلبسها ولا داعى لشراء كفن جديد، فالحى أولى بالجديد من الميت (8/348) ________________________________________ الموتى يسمعون
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كلم بعض الموتى فى قبورهم، وهل يتناقض ذلك مع قوله تعالى {وما يستوى الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من فى القبور} فاطر 22
الجواب ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم نادى قتلى المشركين فى بدر بعد إلقائهم فى القليب - البئر- فقال "هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ... " قال عمر: يا رسول الله ما تخاطب من أقوام جيَّفوا- صاروا جيفا- فقال "والذى بعثنى بالحق ما أنتم بأسمع منهم لما أقول، ولكنهم لا يستطيعون جوابا" رواه البخارى ومسلم. وجاء أن النبى صلى الله عليه وسلم شرع لأمته السلام على أهل القبور"السلام عليكم دار قوم مؤمنين " وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، والسلف مجمعون على ذلك. رواه النسائى وابن ماجه. فسماع الموتى لكلام الأحياء ثابت، وأما قوله تعالى {فإنك لا تسمع الموتى} الروم: 52 وقوله {وما أنت بمسمع من فى القبور} فاطر: 22 فالمنفى هنا هو سماع القبول والإيمان، حيث شبه الله الكفار الأحياء بالأموات، لا من حيث انعدام الإدراك والحواس، بل من حيث عدم قبولهم الهدى والإيمان "انظر الجزء الثانى ص 107، 108 " من بيان للناس من الأزهر الشريف " (8/349) ________________________________________ أرواح الموتى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أين تذهب أرواح الموتى، وهل تبقى على قبر صاحبها أربعين يوما أو عاما؟
الجواب تحدث العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار" فى مساحة أربع صفحات أو خمس من القطع الكبير عن أرواح المؤمنين السعداء من غير الأنبياء والشهداء فقال: هناك اختلاف كبير فى مقرها، فقيل: إنها على أفنية القبور فى بعض الأحيان، وفى غير ذلك تسرح حيث شاءت، وأورد أحاديث ليست قطعية الثبوت، وبناء عليها قال ابن القيم: التحقيق أن الأرواح متفاوتة فى مستقرها فى البرزخ أعظم تفاوت، وعلى كل تقدير فللروح بالبدن اتصال، بحيث يصح أن تخاطب ويسلم عليها، ويعرض عليها مقعدها ... إلى أن قال: لا منافاة بين كون الروح فى عليين أو الجنة أو السماء وأن لها اتصالا بالبدن بحيث تدرك وتسمع وتصلى وتقرأ، وإنما يستغرب هذا لقياس الغائب على الشاهد، والأمر مختلف فأمور البرزخ على نمط غير المألوف فى الدنيا. وانتهى ابن القيم إلى قوله: والحاصل أنه ليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد، وكلها على اختلاف محالها وتباين مقارها لها اتصال بأجسادها فى قبورها. وقال ابن حجر: أرواح المؤمنين فى عليين، وأرواح الكفار فى سجين، ولكل روح بجسدها اتصال معنوى لا يشبه الاتصال فى الحياة الدنيا، بل أشبه شىء به حال النائم وإن كان هو أشد اتصالا من حال النائم. واقرأ فى هذا الكتاب "ص 46 " وصف الصور الذى سينفخ فيه إسرافيل، أن فيه أربع شعب، للمشرق والمغرب والأرض والسماء، وفى كل منها ثقوب، بعضها لأرواح الأنبياء، وبعضها لأرواح الملائكة، وبعضها لأرواح الجن، وبعضها لأرواح الإنس وبعضها لأرواح البهائم، وهكذا إلى سبعين صنفا، وكل ذلك ليس عليه دليل صحيح تبنى عليه العقائد، فالأولى عدم الخوض فيه. وقد ذكرته لعرض بعض التصورات القديمة عن عالم الغيب، الذى يجب الاحتياط والدقة فى الحديث عنه (8/350) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:55 pm | |
| العمل مع صاحبه فى القبر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يأتى عمل الرجل الصالح فى قبره على هيئة رجل أبيض جميل الثياب، أما غيره فيأتيه عل هيئة رجل أسود ردئ الثياب؟
الجواب جاء فى "الترغيب والترهيب " للحافظ المنذرى ج 4 ص 124 ما يلى: روى أحمد بإسناد رواته محتج بهم فى الصحيح حديث قبض الروح وسؤال الملكين، وجاء فيه أن العبد المؤمن يأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول له: أبشر بالذى يسرك، هذا يومك الذى كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الحسن يجىء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح. وجاء فيه عن الكافر: "ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذى يسوءك هذا يومك الذى كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه القبيح يجىء بالشر؟ قال: أنا عملك الخبيث ". ومما يدل على أن العمل هو الذى يصاحب الميت فى قبره، بصرف النظر عن كون الله يجعله فى صورة رجل أو لا، قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الميت حين يشيع إلى قبره، إن المشيعين يتركونه فى القبر، ويعودون إلى بيوتهم، ولا يصاحبه فى قبره إلا عمله -فقد روى البخارى ومسلم أنه قال "يتبع الميت ثلاث: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله" وفسر المال فى الحديث بالعبيد المملوكين له (8/351) ________________________________________ ضمة القبر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما الحكمة من ضمة القبر، وهل ينجو منها أحد، وهل هناك عمل ينجى منها؟
الجواب جاء فى "مشارق الأنوار" للعدوى ص 30 أن النبى صلى الله عليه وسلم قال -كما رواه النسائى-فى سعد بن معاذ بن جبل "لقد تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفا من الملائكة، ولقد ضم ثم فرِّج عنه " وفى رواية عن عائشة رضى الله عنها أنه قال "للقبر ضغطة لو نجا أحد منها لنجا منها سعد بن معاذ" وقوله "لو نجا منها أحد" لا يتناقض مع قوله "ما عفى لأحد عن ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد" وهى زوجة عمه أبى طالب: قيل يا رسول الله ولا ابنك القاسم؟ قال "ولا إبراهيم الذى هو أصغرهما" لأن نجاة فاطمة بنت أسد بسبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم نزل فى قبرها ونرغ قميصه وتمعَّك فى لحدها، ولما سئل عن ذلك قال "أردت ألا تمسها النار أبدا إن شاء الله وأن يوسع عليها قبرها" قال الحكيم الترمذى: سبب هذه الضمة أنه ما من أحد إلا وقد ألمَّ بخطيئة ما وإن كان صالحا، فجعلت هذه الصغطة جزاء له، ثم تدركه الرحمة، ولهذا كانت ضغطة سعد للتقصير فى البول فأما الأنبياء فلا ضم ولا سؤال لعصمتهم. هذا ما قاله الزرقانى فى شرح المواهب، وناقشه العدوى بأن ضغطة القبر لا تكون بسبب الخطيئة، فما هى خطيئة إبراهيم بن الرسول وقد مات صغيرا ولم يكلف؟ ولا يظن بسعد أنه قصر فى البول تقصيرا يؤدى إلى فساد فى عبادته أو مكروه، ويؤيد هذا أن ضمها للمؤمن الكامل ضمة شفقة ورأفة فالذين لا تشملهم ضغطة القبر مستثنون لخصوصية فيهم. قال الشعرانى فى مختصر التذكرة: لا ينجو من ضمة القبر أحد إلا أربعة، فاطمة بنت محمد، وفاطمة بنت أسد، والأنبياء، ومن قرأ {قل هو الله أحد} فى مرضه ولو مرة واحدة. وروى مرفوعا، "إن العبد إذا وضع فى قبره فقال أهله: واسيداه واأميراه، واشريفاه، قال له الملك: اسمع ما يقولون. أكنت سيدا؟ أكنت أميرا؟ أكنت شريفا؟ فيقول الميت: ليتهم سكتوا عنى، قال: فيضغطه القبر ضغطة تختلف فيها أضلاعه. . فالخلاصة: أن ضغطة القبر عامة، ولا ينجو منها إلا من لهم خصوصيات، وهى لا تستدعى ذنبا وقع، وهى تكون شفقة ورأفة على المؤمن الكامل، والذى يجعلها خفيفة هو العمل الصالح بوجه عام، ومنه قراءة {قل هو الله أحد} كما تقدم، وهذه كلها من الغيب الذى يحتاج فى اعتقاده إلى دليل قوى " الزرقانى ج 2 ص 142 " (8/352) ________________________________________ التعرف على الأقارب يوم القيامة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل سيتعرف الإنسان على أقاربه يوم القيامة؟
الجواب التعرف على الأقارب بمعنى رؤيتهم ومعرفتهم أمر ممكن إن تيسر اللقاء بهم، أما التعرف بمعنى النفع والإفادة فقد ورد فيه قول الله تعالى {يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه ث وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} عبس: 34-37. وستكون هناك شفاعة الولد الصغير الذى صبر أبوه على موته، ويأخذ بيده ويدخل معه الجنة كما ثبت فى الحديث (8/353) ________________________________________ العزاء فى المنتحر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز تقديم العزاء فى المنتحر؟
الجواب المنتحر إن لم يعلم أنه استحل الانتحار فهو مؤمن غير كافر، ومن هنا يجوز تقديم العزاء فيه، ولو علم أنه كفر فلا مانع أيضا من عزاء أهله فيه، فالمراد من التعزية تسليتهم، وذلك من حق المسلم على المسلم، وفيه حديث رواه ابن ماجه والبيهقى بسند حسن "ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة" وقال العلماء فى هذا الصدد: إن عزى مسلما بكافر قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك. ولا يقول: غفر لميتك أو رحمه الله (8/354) ________________________________________ الوصية بالدفن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أوصانى والدى إذا مات أن يدفن فى مكان معين، فهل يجب تنفيذ هذه الوصية؟
الجواب الوصية هى التصرف المضاف لما بعد الموت. كالوصية ببناء مسجد من ماله بعد موته، أو الوصية لولده بحفظ القرآن ونحو ذلك. وتنفيذ الوصية يكون فيما ليس فيه ظلم أو خروج على المصلحة المشروعة، وهذا التنفيذ مطلوب قال تعالى {فمن بدَّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه} البقرة: 181 وذلك بعد الأمر بالوصية للوالدين والأقربين بالمعروف، وقال {فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه} البقرة: 182 والجنف هو الميل عن الحق. ومن البر بالوالدين تنفيذ وصيتهما بعد موتهما، لحديث أبى داود وابن ماجه وابن حبان أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم: هل بقى من بر أبوى شىء بعد موتهما؟ فقال "نعم، الصلاة عليهما -أى الدعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما ". وإنفاذ عهدهما من بعدهما قد يراد به أن ينفذ الولد العهود التى تعهد بها والداه لغيرهما من الناس ولم يستطيعا تنفيذها قبل الموت، كالديون مثلا، وقد يراد تنفيذ العهود والوعود التى عهد الوالدان للولد أن ينفذها بعد الموت، لكن ذلك كله فى الشىء الواجب فيكون التنفيذ واجبا، وفى المندوب يكون التنفيذ مندوبا وفى غير ذلك فلا تنفيذ لأى عهد، مثل أن يوصى بأن يدفن فى بلد كذا، أو فى مقبرة فلان مثلا، فقد قرر العلماء أن الأولى دفن الميت فى البلد الذى مات فيه، وقال المالكية بجواز نقله للمصلحة، كمكان ترجى بركته أو تتيسر فيه زيارة أهله له. وحرَّم الشافعية نقله إلا لجوار قوم صالحين. أو لجهة مشرفة كمكة والمدينة والقدس إن كانت قريبة. وعلى هذا فإن تنفيذ الوصية بالدفن فى مكان معين يكون من البر إن كان لهذا المكان ميزة كفضل البقعة أو القرب من الأهل لسهولة الزيارة، وفى غير ذلك لا يجب تنفيذ الوصية، بل يحرم نقله عند الشافعية (8/355) ________________________________________ الذكر عند تشيع الجنازة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز ترديد بعض العبارات مثل "لا إله إلا الله " اثناء تشييع الجنازة؟
الجواب يقول النووى فى كتابه "الأذكار": واعلم أن الصواب والمختار وما كان عليه السلف رضي الله عنهم -السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهى أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما تعلق بالجنازة، وهو مطلوب فى هذا الحال، فهذا هو الحق. قال ابن المنذر، كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند الجنازة وعند الذكر وعند القتال، وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعى وأحمد وإسحاق قول القائل خلف الجنازة: استغفروا له. قال فضيل بن عمر: بينما ابن عمر فى جنازة إذ سمع قائلا يقول: استغفروا له غفر الله له. فقال ابن عمر: لا غفر الله لك. هذا الحكم فى رفع الصوت بالذكر، أما الإسرار به بحيث لا يسمع إلا نفسه فلا مانع منه (8/356) ________________________________________ من وصايا الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يحدث أن بعض الناس عندما تقرب نهايتهم يتركون وصية بأن يصلى عليه الجنازة فلان، وأن يدفن فى مكان معين، أو يكون كفنه من قماش معين، وغير ذلك من الوصايا، فهل يجب تنفيذ تلك الوصية، حتى لو صادف التنفيذ بعض الصعاب؟
الجواب جاء فى كتاب "الأذكار" للنووى "ص 165 " حديث رواه البخارى عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخلت على أبى بكر رضى الله عنه، يعنى وهو مريض فقال: فى كم كفنتم النبى صلى الله عليه وسلم فقلت: فى ثلاثة أثواب، قال: فى أى يوم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الإثنين، قال فأى يوم هذا؟ قالت: يوم الإثنين، قال: أرجو فيما بينى وبين الليل. فنظر إلى ثوب عليه كان يمرَّض فيه، به رَدْعٌ -أثر- من زعفران فقال: اغسلوا ثوبى هذا، وزيدوا عليه ثوبين، فكفنونى فيها، قلت: إن هذا خلق - قديم - قال؟ إن الحى أحق بالجديد من الميت، إما هو للمهلة -بضم الميم وفتحها وكسرها وسكون الهاء، وهو الصديد الذى يتحلل من بدن الميت - فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح. وروى البخارى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لمَّا جرح: إذا أنا قبضت فاحملونى، ثم سلِّم وقل - لعائشة -: يستأذن عمر، فإن أذنت لى فأدخلونى، وإن ردتنى ردونى إلى مقابر المسلمين. وروى مسلم عن عامر بن سعد بن أبى وقاص قال: قال سعد: ألحدوا لى لحدا، وانصبوا علىَّ اللَّبِن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم وروى مسلم أيضا عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه قال، وهو فى سياقة الموت: إذا أنا مت فلا تصحبنى نائحة ولا نار، فإذا دفنتمونى فشنوا علىَّ التراب شنا، ثم أقيموا حول قبرى قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربى، قوله شنوا، روى بالسين المهملة، وبالمعجمة يعنى بالشين، ومعناه صبوه قليلا قليلا. ثم قال النووى بعد هذه الروايات: وينبغى ألا يقلِّد الميت ويتابع فى كل ما وصَّى به، بل يعرض ذلك على أهل العلم، فما أباحوه فعل وما لا فلا، وأنا أذكر من ذلك أمثلة، فإذا أوصى بأن يدفن فى موضع من مقابر بلدته، وذلك الموضع معدن الأخيار يعنى بجوار الصالحين فينبغى أن يحافظ على وصيته، وإذا أوصى بأن يصلى عليه أجنبى فهل يقدَّم فى الصلاة على أقارب الميت؟ فيه خلاف للعلماء، والصحيح فى مذهبنا أن القريب أولى، لكن إن كان الموصى له ممن ينسب إلى الصلاح أو البراعة فى العلم مع الصيانة والذكر الحسن استحب للقريب الذى ليس هو فى مثل حاله إيثاره، ورعاية لحق الميت، وإذا أوصى بأن يدفن فى تابوت لم تنفذ وصيته، إلا أن تكون الأرض رخوة أو ندية يحتاج فيها إليه، فتنفذ وصيته، وكذلك إذا كان فى الأرض سباع يخشى أن تأكل الجثة ولا يحميها إلا التابوت، ويكون من رأس المال كالكفن، وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذى قاله الأكثرون وصرح به المحققون، وقيل مكروه، قال الشافعى رحمه الله: إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس، فينقل إليها لبركتها، وإذا أوصى بأن يدفن تحته مضربة أو مخدة تحت رأسه أو نحو ذلك لم تنفذ وصيته، وكذا إذا أوصى بأن يكفن فى حرير فإن تكفين الرجال فى الحرير حرام، وتكفين النساء فيه مكروه ليس بحرام. ولو أوصى بأن يكفن فيما زاد على عدد الكفن المشروع أو فى ثوب لا يستر البدن لا تنفذ وصيته، ولو أوصى بأن يقرأ عند قبره أو يتصدق عنه وغير ذلك من أنواع القرب نفذت، إلا أن يقترن بها ما يمنع الشرع منها بسببه، ولو أوصى بأن تؤخر جنازته زائدا عن المشروع لم تنفذ، ولو أوصى بأن يبنى عليه فى مقبرة مسبَّلة للمسلمين لم تنفذ ولو أوصى بأن يبنى عليه فى مقبرة للمسلمين لم تنفذ وصيته، بل ذلك حرام (8/357) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:56 pm | |
| صلاة الجنازة بعد الدفن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال توفى ولد صغير لى فى مكان منعزل فغسلته وكفنته فى ملابسه ودفنته حيث مات دون صلاة عليه، لأنى لم أجد أحدا يصلى عليه فماذا أعمل؟
الجواب المفروض فى صلاة الجنازة أن تكون قبل دفن الميت، فلو دفنت بدون صلاة عليها وجب إخراجها من القبر إن لم تتحلل ولم تنتهك حرمتها، فان تعذر إخراجها لذلك وجبت الصلاة عليها وهى فى القبر، وتكون أمام المصلى كما لو كانت قبل الدفن. أما الصلاة عليها بعيدة عن القبر فقيل بعدم جوازها، وما حصل من صلاة النبى صلى الله عليه وسلم على النجاشى فهو خصوصية له. وقيل بالجواز ونفى الخصوصية إن كانت بعد الموت بشهر فأقل كما رآه الحنابلة، وقيل بالجواز مطلقا كما رآه الشافعية "انظر الفقه على المذاهب الأربعة ". هذا، وصلاة الجنازة فى المقبرة بين القبور كرهها جماعة لحديث "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" وقال آخرون لا بأس بها، لأن الرسول صلى على قبر وهو فى المقبرة وصلى أبو هريرة على عائشة وسط قبور البقيع، ولم ينكره ابن عمر (8/358) ________________________________________ إتباع الجنازة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف يكون السير بالجنازة، وهل المشى أمامها أفضل أم خلفها؟
الجواب اختار جمهور العلماء السير أمام الجنازة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عمر كانوا يمشون أمامها، كما رواه أحمد وأصحاب السنن. ويرى الحنفية أن السير خلفها أفضل، لأنه هو الذى يدل على معنى "اتباع الجنازة" الذى أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم والمتبع هو الذى يمشى خلف من يتبعه. ويرى أنس بن مالك أن كل ذلك سواء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "الراكب يسير خلف الجنازة والماشى يمشى خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها" وروى البيهقى وابن أبى شيبة بإسناد حسن أن أبا بكر وعمر كانا يمشيان أمام الجنازة، وكان على يمشى خلفها فقيل لعلىٍّ إنهما - أى أبا بكر وعمر - يمشيان أمامها، فقال: إنهما يعلمان أن المشى خلفها أفضل من المشى أمامها، كفضل صلاة الرجل فى جماعة على صلاته فذًّا ولكنهما يسهلان للناس (8/359) ________________________________________ الدفن فى مقبرة خاصة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أوصى رجل أن يعمل له قبر خاص بجوار بيته، فهل يجب تنفيذ الوصية أم الأفضل أن يدفن فى المقبرة العامة؟
الجواب جاء فى "المغنى لابن قدامة" ج 2 ص 388 أن الدفن فى مقابر المسلمين أولى عند الإمام أحمد من الدفن فى البيوت، لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته، وأشبه بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء له والترحم عليه، ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون فى الصحارى. فإن قيل: فالنبى صلى الله عليه وسلم قُبر فى بيته، وقبر صاحباه معه، قلنا: قالت عائشة رضى الله عنها: إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا، رواه البخارى، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع، وفعله أولى من فعل غيره، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك ولأنه روى: يدفن الأنبياء حيث يموتون، وصيانة لهم عن كثرة الطُّراق، وتمييزا للنبى عن غيره. اهـ. وفى مشارق الأنوار للعدوى "ص 52 " أن الدفن فى مقابر المسلمين أولى من الدفن فى البيت، وأرى أن الوصية بالدفن فى قبر خاص فى بيته لا يلزم تنفيذها، فالدفن فى المقابر أفضل (8/360) ________________________________________ توجيه الميت فى القبر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجب أن يوجه الميت في قبره إلى جهة القبلة، أم يجوز توجهه إلى غيرها؟
الجواب جاء فى فقه المذاهب الأربعة أنه يجب أن يوضع الميت فى قبره مستقبل القبلة، وذلك رأي الجمهور، أما المالكية فقالوا: إن توجيهه إلى القبلة بوضعه على جنبه الأيمن مندوب وليس بواجب. وجاء فيه أنه لو وضع الميت غير موجَّه للقبلة ولم يُهَلْ عليه التراب وجب تدارك ذلك، فإن أهيل عليه التراب لم ينبش، ورأى الشافعية والحنابلة وجوب نبش القبر ولو بعد إهالة التراب عليه، لتوجيهه إلى القبلة، وذلك قبل أن تتغير الجثة، وإلا فلا (8/361) ________________________________________ عمل الكافر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل المفكرون والمخترعون والمكتشفون والمصلحون ممن لم يعتنقوا الإسلام، يأخذون من الله أجرا على أعمالهم التى أفاد منها الكثيرون؟
الجواب ليكن معلوما أن الثواب فى الآخرة بدخول الجنة شرطه الإيمان بالله والإخلاص له، فالكافر بالله لا يستحق ثوابا لأنه لم يؤمن والمؤمن غير المخلص لا يستحق كذلك ثوابا، لأنه عمل لغير الله، وكل ما فعله غير المؤمن من صالحات مردود عليه يوم القيامة، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى فى الذين لا يؤمنون بلقاء الله {وقدِمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: 23 وقوله {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتى ورسلى هزوا} الكهف: 103 - 106 {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة: 217 وقوله عن المنافقين {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين. وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون} التوبة: 53، 54 وقوله {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران: 85. فالكافر محروم من الثواب على أعماله الصالحة ولن يدخل الجنة أبدا {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء:48 والمؤمن الذى يرائى بعمله هو مشرك شركا خفيا، والنصوص فى حرمانه من الثواب كثيرة. هذا بالنظر إلى الآخرة، أما بالنظر إلى الدنيا فإن كل إنسان يستحق أن ينال جزاء عمله فيها بمشيئة الله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فالكافر لا يحرم من ثواب على أعماله الصالحة بمثل احترام الناس له ومكافأته على خدماته وتكريمه بأية وسيلة من وسائل التكريم ولا يحرمه الله من الرزق على الرغم من كفره قال تعالى {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير} البقرة: 126 وقال {لا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} آل عمران: 196، 197 وقال {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} هود: 15، 16 وقال {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا. ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا. كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا} هود: 18 - 20 العاجلة - الدنيا - فهذه الآيات تدل على أن الكافر الذى يريد الدنيا بأعماله قد ينال ثوابا دنيويا إذا أراد الله ذلك لقوله {ما نشاء لمن نريد} وليس له فى الآخرة نصيب من التكريم، والمؤمن والكافر يتمتعان فى الدنيا بنعم الله، وفى الآخرة يفترقان، فالمؤمن مصيره الجنة، والكافر مصيره النار. روى مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جُدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال "لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين" وابن جدعان اسمه عبد الله كان من بنى تيم بن مرة من أقرباء عائشة لأنه ابن عم أبى قحاقة والد أبى بكر، اتخذ جفنة للضيفان يرقى إليها بسلم، وكان من رؤساء قريش فى الجاهلية، وروى ذلك عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها فى الدنيا ويجزى بها فى الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها فى الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها". هذا هو حكم الكافر إذا مات على كفره، لا يجازى بخير فى الآخرة، وقد يعترض على هذا بأن الله أثاب أبا طالب على حمايته للنبى على الرغم من موته على الكفر، فقد روى مسلم أن العباس عم النبى صلى الله عليه وسلم قال له: يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال "نعم وجدته فى غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح " وروى مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال "لعله تنفعه شفاعى يوم القيامة، فيجعل فى ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه ". لا يعترض بهذا لأن أبا طالب لا تشفع له حمايته للنبى ألا يدخل النار، فهو داخل فيها لا محالة، محروم من الجنة، وإن كان عذاب النار خفيفا عليه، فإن الفائز هو من ينتهى إلى الجنة، قال تعالى {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} آل عمران:185. بقى أن نعرف حكم الكافر إذا أسلم ومات على الإسلام، هل تنفعه أعمال الخير وهو كافر فيثاب عليها فى الآخرة، أو يحبطها الله بسبب أنها عملت بدون إيمان بالله الآخر؟ روى مسلم حديث حكيم بن حزام الذى قال للنبى صلى الله عليه وسلم أرأيت أمورا كنت أتحنث بها فى الجاهلية، من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال صلى الله عليه وسلم "أسلمت على ما أسلفت من خير" وحكيم عاش مائة وعشرين سنة، منها ستون سنة فى الجاهلية. وستون سنة فى الإسلام، أعتق فى الجاهلية مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، فما معنى قول النبى له "أسلمت على ما أسلفت من خير"؟ يقول بعض العلماء: إن المعنى أنك كنت ذا طبع جميل فى الجاهلية، وصحبك طبعك فى الإسلام، فالاستعداد الطيب هو الذى ساقه إلى الإسلام، وبهذا يكون ثوابه على أعماله الطيبة مسكوتا عنه. أو يعطى حكم أعمال الكافرين. لا ثواب لها فى الآخرة، وثوابها فى الدنيا أن الله وفقه إلى الإسلام. ويقول البعض الآخر: إن المعنى أن من أسلم يحفظ الله له ما قدمه حال كفره ولا يحرمه من ثوابها، أما من لم يسلم فلا ينفعه ذلك عند الله. من هذا نرى أن من أدرك الإسلام ولم يسلم ومات على كفره يحبط عمله فى الآخرة ولا يثاب عليه، أما فى الدنيا فينال أجر عمله، من رزق الله له وتمتعه بمكاسب الدنيا المادية والأدبية، وكفى ذلك ثوابا (8/362) ________________________________________ القيام للجنازة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال مرت علينا جنازة ونحن جالسون، فقام بعضنا ولم يقم البعض الآخر وكل يقول: إن ما فعله هو السنة، فهل هذا صحيح؟
الجواب روى مسلم عن على رضى الله عنه أنه قال: رأينا النبى صلى الله عليه وسلم قام فقمنا فقعد فقعدنا، يعنى فى الجنازة قال الترمذى: حديث علىٍّ حسن صحيح، وفيه أربعة من التابعين بعضهم عن بعض، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وقال الشافعى: هذا أصح شىء فى هذا الباب. يؤخذ من هذا أن القيام للجنازة عندما تمر بالإنسان مشروع، بل هو مندوب لفعل النبى صلى الله عليه وسلم بل لأمره بذلك أيضا كما فى رواية أحمد عن على: كان النبى صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام فى الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس، وقال الإمام أحمد: إن شاء قام وإن شاء لم يقم، ووافقه ابن الماجشون من المالكية قال النووى: والمختار أنه مستحب. قال ابن حزم: ويستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء وإن كانت جنازة كافر حتى توضع أو تخلِّفه، فإن لم يقم فلا حرج. وذلك لحديث رواه الجماعة. وروى البخارى ومسلم عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد أنهما كانا قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما: إنها من أهل الأرض -أى من أهل الذمة- فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودى، فقال "أو ليست نفسا"؟ والحكمة فى القيام لها ما جاء فى رواية أحمد وابن حبان والحاكم مرفوعا، "إنما تقومون إعظاما للذى يقبض النفوس" ولفظ ابن حبان "إعظاما لله تعالى الذى يقبض الأرواح". فالخلاصة أن القيام للجنازة فيه أقوال، قيل بالكراهة، وقيل بالاستحباب، وقيل بالتخيير بين الفعل والترك، ولكل واحد أن يختار القول الذى يطمئن إليه (8/363) ________________________________________ صلاة الجنازة على الطفل والشهيد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما فائدة الصلاة على الميت إذا كان طفلا وهو لم يرتكب معصية وكذلك الشهيد المغفور له؟
الجواب من المتفق عليه بين الفقهاء أن صلاة الجنازة على الميت المسلم واجبة أو فرض والفرض كفائى، بمعنى أن البعض لو صلى عليها سقط الطلب عن الباقين وذلك لأمر النبى صلى الله عليه وسلم بها، ولترغيبه فيها بأن من صلى عليها وتبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر، ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط واحد مثل جبل أحد كما رواه مسلم وغيره، ولم يستثن من وجوبها إلا الشهيد والسقط الذى نزل من بطن أمه قبل تمام حمله فى بعض الصور. والحكمة فيها هى تكريم الميت ومجاملة أهله، وتوديع له حين فارق أهله ودنياه، والدعاء أن يغفر الله له ويرحمه، حتى لو لم يكن قد اقترف إثما ومن أجل هذا صلَّى الصحابة على النبى صلى الله عليه وسلم وإن كان الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والصلاة على الشهيد جائزة وإن كانت غير واجبة، ففيها تكريم ومجاملة وإن كان مغفورا له بالنظر لما رأيناه منه، أما الحقيقة فهى عند الله وحده، والطفل الذى لم يكلَّف يصلى عليه للتكريم لابن آدم وللمجاملة، وفى الدعاء المفروض فى الصلاة يدعى لأهله بالصبر، فقد روى البخارى والبيهقى أن الحسن البصرى كان يقول فى الصلاة على الطفل: اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وذخرا. قال النووى: إن كان الميت صبيا أو صبية يقتصر على ما جاء فى الحديث الذى رواه أحمد وأصحاب السنن: "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحيبته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده" ويضم إلى ذلك: اللهم اجعله فرطا لأبويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا، وثقِّل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره. هذا فى الطفل الذى مات بعد أن ولد وعاش، أما الطفل الذى ولد ميتا فإن نزل قبل مرور أربعة أشهر على بدء الحمل به فلا يغسَّل، ولا يصلَّى عليه ويلفُّ فى خرقة ويدفن، وهذا ما اتفق عليه جمهور الفقهاء. فإن نزل بعد أن تم له أربعة أشهر فأكثر واستهل أى صاح أو عطس أو ظهرت منه علامة تدل على أنه كانت فيه حياة فهذا لو مات يغسل ويصلَّى عليه باتفاق، فإذا لم يستهل فلا يصلى عليه عند الحنفية والمالكية لحديث رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه والبيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا استهل السقط صُلِّى عليه وورث " فاشترط الحديث الاستهلال لأجل الصلاة عليه، أما الحنابلة فيرون الصلاة عليه، لحديث رواه أحمد وأبو داود جاء فيه "والسقط يصلَّى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" فلم يقيد الحديث السقط بالاستهلال، فيصلى عليه لأنه نسمة نفخت فيها الروح فيعطى حكم المستهل فى الصلاة عليه، وقال الحنابلة: إن الحديث الذى اشترط الاستهلال مضطرب ومعارض بما هو أقوى منه فلا يصلح لأن يكون حجة. وجاء فى فقه المذاهب الأربعة عند الكلام على غسل الميت الذى يتصل بالصلاة عليه أن الحنفية قالوا: إن السقط إذا نزل حيًّا بأن سمع له صوت أو رويت له حركة وإن لم يتم نزوله وجب غسله، سواء كان قبل تمام مدة الحمل -وهى ستة أشهر ولحظتان- أو بعدها. أما إذا نزل ميتا فإن كان تام الخلق فإنه يغسل كذلك، وإن لم يكن تام الخلق بل ظهر بعض خلقه فإنه لا يغسل الغسل المعروف وإنما يصب عليه الماء ويلف فى خرقة وعلى كل حال فإنه يسمى لأنه يحشر يوم القيامة. والمالكية قالوا: إذا كان السقط محقق الحياة بعد نزوله بعلامة تدل على ذلك كالصراخ والرضاع الكثير الذى يقول أهل المعرفة إنه لا يقع مثله إلا ممن فيه حياة مستقرة وجب تغسيله، وإلا كره. والحنابلة قالوا: السقط إذا تم فى بطن أمه أربعة أشهر كاملة ونزل وجب غسله، وأما إن نزل قبل ذلك فلا يجب غسله. والشافعية قالوا: إن السقط النازل قبل عدة تمام الحمل -وهى ستة أشهر ولحظتان إما أن تعلم حياته فيكون كالكبير فى افتراض غسله، وإما ألا تعلم حياته، وفى هذه الحالة: إما ألا يكون قد ظهر خلقه فيجب غسله أيضا دون الصلاة عليه، وإما أن يظهر خلقه فلا يفترض غسله، وأما السقط النازل بعد المدة المذكورة فإنه يفترض غسله وإن نزل ميتا، وعلى كل حال فإنه يسن تسميته بشرط أن يكون قد نفخت فيه الروح. ولتوضيح صلاة الجنازة على الشهيد، وهو الذى قتل فى معركة بين المسلمين والكافرين، نقول: قد وردت أحاديث صحيحة تصرح بعدم الصلاة عليه، منها ما وراه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أُحد فى دمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم كما قال جابر. كما وردت أحاديث أخرى صحيحة تصرح بأنه يصلى عليه، منها ما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات. لكن يرد على هذا الحديث بأن الكلام فى الصلاة على الشهيد قبل الدفن، وروى البيهقى حديثا مرسلا-سقط منه الصحابى-عن أبى مالك الغفارى قال: كان قتلى أُحد يؤتى منهم بتسعة وعاشرهم حمزة فيصلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يحملون ثم يؤتى بتسعة فيصلى عليهم وحمزة مكانه حتى صلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحديث جابر أصح من حديث أبى مالك الغفارى. ومن هنا قال ابن حزم يجوز أن يُصلَّى على الشهيد وألا يصلى عليه، فإن صلى عليه فحسن، وإن لم يصل عليه فحسن، وهو إحدى الروايات عن أحمد، واستصوب ابن القيم هذا الرأى وقال: والأظهر من أمر شهداء أحد أنه لم يصل عليهم عند الدفن، وقد قتل معه بأحد سبعون نفسا فلا يجوز أن تخفى الصلاة عليهم. وحديث جابر فى ترك الصلاة عليهم صحيح، لأن أباه عبد الله كان أحد القتلى يومئذ فعنده من الخبرة ما ليس عند غيره. ويرجح أبو حنيفة وجوب الصلاة على الشهيد، ويرجح مالك والشافعى وأحمد فى رواية عدم وجوب الصلاة عليه. ومع كون الصلاة على الشهيد غير واجبة فإنها تجوز ولا تحرم، لعدم الدليل على المنع، وللحديث الذى رواه البيهقى. هذا فى الشهيد الذى قتل فى المعركة بين المسلمين والكافرين، أما الشهيد فى غير ذلك كالمبطون وبقية شهداء الآخرة المذكورين فى الأحاديث فيغسلون ويصلى عليهم. "راجع ما سبق فى ص 620 من المجلد الرابع بخصوص صلاة الجنازة على الطفل " (8/364) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 9:59 pm | |
| التوالد فى الجنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا كان فى الجنة زوجات يدخلنها مع أزواجهن، وزوجات من الحور العين، هل يكون هناك توالد وتناسل؟ ومن أين يجئ الولدان المذكورون فى القرآن؟
الجواب يقول الله سبحانه: {إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون. هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون} يس: 55، 56 قال المفسرون: إن الشغل هو المتعة التى تكون بين الأزواج والزوجات، ونُسِبَ هذا التفسير إلى ابن عباس رضى الله عنهما، بل نُسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث رواه أبو يعلى والطبرانى والبيهقى، وجاء فى ذلك حديث أخرجه البزار والطبرانى وغيرهما" أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عُدْنَ أبكارا". وفى مجال الحديث عن هذه المتعة تحدث العلماء عن أثرها فى الإِنجاب والتوالد، فذكر العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار ص 186" أن العلماء اختلفوا فى ذلك، فقال بعضهم هناك توالد ونسل، مستدلين بحديث رواه الترمذى بسند حسن "المؤمن إذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله ووضعه وسِنُّه فى ساعة كما يشتهى" قال الترمذى: اختلف أهل العلم فى هذا، فقال بعضهم: فى الجنة جماع ولا يكون ولد، وهو مروى عن طاوس وعن مجاهد والنخعى، وقال إسحاق بن إبراهيم فى هذا الحديث: إذا اشتهى ولكن لا يشتهى. وقال جماعة: فيها الولد إذا اشتهاه الإِنسان. فالخلاصة أن هناك رأيين فى التوالد، قال بعضهم: لا توالد، وقال بعضهم الآخر: فيه توالد ولكن إذا اشتهى الرجل ذلك، ويكون الحمل والوضع والسِّنُّ -الذى يريده الإِنسان طفلا أو شابا مثلا- فى ساعة أى زمن وجيز، وهذا الكلام قيل: إنه موقوف لم يرفع إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل: مرفوع إليه بإسناد حسن، أو كالمرفوع إليه لأنه لا مجال فيه للرأى. ومثل هذه الأمور الغيبية لا يقبل فى اعتقادها إلا الدليل القوى بدرجة خاصة من القرآن والسنة فى قطعية الثبوت والدلالة، فالأولى ترك الجدال فيها، وسنعرف ذلك عند دخول الجنة إن شاء الله. وطريق ذلك الإيمان والعمل الصالح. هذا، وعلى رأى من يقولون: ليس فى الجنة توالد ونسل فمن أين يجىء الولدان المذكورون فى القرآن بأنهم من متعة الجنة؟ . يقول الله سبحانه فى أهل الجنة {على سرر موضونة. متكئين عليها متقابلين. يطوف عليهم ولدان مخلدون. بأكواب وأباريق وكأس من معين} الواقعة: 15-18 وجاء ذكر الولدان فى مواضع أخرى من القرآن. ففى بعض الأقوال أن الله أنشأهم لأهل الجنة كما شاء من غير ولادة، وقال على بن أبى طالب والحسن البصرى: الولدان هاهنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة، وقال سلمان الفارسى: أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة. قال الحسن: لم تكن لهم حسنات يجزون بها، ولا سيئات يعاقبون عليها، فوضعوا هذا الموضع. ثم قال القرطبى بعد ذكر هذه الأقوال: والمقصود أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة، والنعمة إنما تتم باحتفاف الخدم والولدان بالإِنسان. وفَسَّر كلمة {مخلَّدون} بأنهم لا يموتون، أو لا يهرمون ولا يتغيرون، أو مُقَّرطون أى لابسون للقُرْطِ كما قال سعيد بن جبير، حيث يقال للقُرْط الخَلَدَة، ولجماعة الحلى الخِلْدة، وقيل هم مسوَّرون، وقيل ممنطقون أى لابسون للمناطق وهى الأحزمة، " تفسير القرطبى ج17 ص 202،203" يقول ابن كثير "ج 8 ص 317 ": إن أنواع الحلية التى تكون على الولدان دليل على أنهم صغار، لأن الكبار لا يليق بهم ذلك، وقد جاء فى وصفهم قوله تعالى {إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا} الإِنسان: 19 يقول ابن كثير أى إذا رأيتهم فى انتشارهم فى قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلؤا منثورا، ولا يكون فى التشبيه أحسن من هذا، ولا فى المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن. هذا والتمتع بالولدان هو كالتمتع بالخدم من حيث وجودهم مع الإِنسان على غرار ما كان فى الدنيا، وليس تمتعا كما ظن بعض المتحدثين فى الدين بلا علم أو ببواعث ليست لائقة (8/365) ________________________________________ مصير الحيوانات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قال تعالى فى سورة التكوير: 5 {وإذا الوحوش حشرت} هل معنى هذا أن الحيوانات ستحشر يوم القيامة، وما هى الحكمة من ذلك مع أنها غير مكلفة؟
الجواب اختلف العلماء فى حشر الحيوانات يوم القيامة وحسابها، فقال الأشعرى: تحشر الحيوانات ولا يجرى القصاص بينها لأنها غير مكلفة. وما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم "يقتص من القرناء للجماء، ويسأل العود: لم خدش العود". فهو على سبيل المثل والإِخبار عن شدة التقصى فى الحساب والانتصاف من الظالم للمظلوم، وقال الإِسفرايينى: يجرى القصاص بينها، وليس القصاص انتقاما، لأنها غير مكلفة، ولكن لإظهار عدل الله، وجاء فى القرآن الكريم قوله تعالى {وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم إلى ربهم يحشرون} الأنعام: 38 وفى صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء والجلحاء هى التى ليس لها قرون تدافع بها عن نفسها من الشاة القرناء ذات القرون التى تنطحها، ومثلها الجماء. وجاء فى تفسير القرطبى فى سورة الأنعام من قول أبى هريرة أنه بعد اقتصاص الله للشاة الجماء من القرناء يقول للبهائم "كونى ترابا" يعنى لا تدخل جنة ولا نارا، حيث لا تكليف عليها فى الدنيا تستحق به جزاء فى الآخرة، وتوضيح ذلك فى كتابه "التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الأخرة". فالحكمة من حشرها إظهار العدل، وقد تكون شاهده للعبد كالأضحية النى ورد أنها تأتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، كما رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم عن عائشة مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم. فحشر الدواب صحيح كما رآه المحققون وصححه النووى واختاره. وعدم حشرها قول مرجوح "مشارق الأنوار للعدوى ص 146". ومهما يكن من شىء فالواجب أن نهتم بمصيرنا نحن، وأن نستعد ليوم الحشر بعمل الطاعات والبعد عن المعاصى، وأن نؤمن بعدل الله فى مجازاتنا، وبرحمته لمن يشاء من عباده (8/366) ________________________________________ البكاء على الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم البكاء على الميت، وهل صحيح أنه يعذب بالبكاء عليه؟
الجواب لقد أمرنا الله بالصبر والرضا بقضائه عند وقوع أى مكروه، كما قال تعالى {وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} البقرة: 155-157. وحرم كل قول أو فعل يتنافى مع الإِيمان بالله فيما قضاه وقدره، فقد صح فيما رواه البخارى ومسلم " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" والمعنى أنه ليس بمؤمن من فعل ذلك معتقدا أنه حلال. أما من فعله على أنه حرام فهو مؤمن عاص ناقص الإِيمان. وجاء فى تأثر الميت بمظاهر الحزن عليه التى لا يقرها الدين قوله صلى الله عليه وسلم "ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه واسيداه أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه: هكذا أنت"؟ رواه ابن ماجه والترمذى وقال: حديث حسن، واللهز هو الدفع فى الصدر بجميع اليد. وقوله " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " وفى رواية "يعذب بما نيح عليه". يقول النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 6 ص 228": اختلف العلماء فى تأويل الأحاديث التى وردت بتعذيب الميت بما نيح عليه، فحملها الجمهور على من وصَّى بأن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم، لأنه بسببه ومنسوب إليه. فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب، لقول الله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فاطر: 18 وكان من عادة العرب الوصية بذلك، ومنه قول طرفة بن العبد: إذا مت فانعينى بما أنا أهله * وشُقِّى علىَّ الجيب يا ابنة معبد وقيل: إن الميت يعذب، أى يتألم بسبب بكائهم عليه وكان يحب لهم ألا يبكوا، وإليه ذهب محمد بن جرير الطبرى. وقال عياض: هو أولى الأقوال، واحتجوا بحديث " إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم " والمراد بذلك كله ليس مجرد البكاء ولكن النياحة. وقال النووى فى كتابه " الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" ص 148: روينا فى صحيحيهما - أى البخارى ومسلم - عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة. قلت: الصالقة التى ترفع صوتها بالنياحة، والحالقة التى تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة التى تشق ثيابها عند المصيبة، وكل هذا حرام باتفاق العلماء. وكذلك يحرم نشر الشعر ولطم الخدود وخمش الوجه والدعاء بالويل، وروينا فى صحيحيهما عن أم عطية رضى الله عنها قالت: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البيعة ألا ننوح، وروينا فى صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم " اثنتان فى الناس هما بهم كفر، الطعن فى النسب والنياحة على الميت " وفى سنن أبى داود عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة. والنياحة هى رفع الصوت بالندب، والندب تعديد النادبة بصوتها محاسن الميت، وقيل: هو البكاء عليه مع تعديد محاسنه. ثم قال النووى: قال أصحابنا: ويحرم رفع الصوت بإفراط فى البكاء، وأما البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة فليس بحرام. فقد روينا فى صحيحى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة ومعه عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبى وقاص وعبد الله بن مسعود، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال "ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم" وأشار إلى لسانه. وروينا فى صحيحيهما عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه ابن ابنته وهو فى الموت ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: " هذه رحمة جعلها الله تعالى فى قلوب عباده وإنما يرحم الله تعالى من عباده الرحماء" وفى صحيح البخارى أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم - فى دار ظئره المرضع - أبى سيف القين أى الحداد - وهو يجود بنفسه، أى يحتضر، فجعلت عينا الرسول صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال " يا ابن عوف إنها رحمة" ثم أتبعها بأخرى فقال "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون". وأما الأحاديث الصحيحة أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فليست على ظاهرها وإطلاقها، بل هى مؤولة، واختلف العلماء فى تأويلها على أقوال، أظهرها - والله أعلم - أنها محمولة على أن يكون له سبب فى البكاء، إما بأن يكون أوصاهم به أو غير ذلك. وقد جمعت كل ذلك أو معظمه فى كتاب الجنائز من شرح المهذب. قال أصحابنا: ويجوز البكاء قبل الموت وبعده، ولكن قبله أولى، للحديث الصحيح "فبذا وجبت فلا تبكين باكية" وقد نص الشافعى رحمه الله والأصحاب على أنه يكره البكاء بعد الموت كراهية تنزيه ولا يحرم، وتأولوا حديث " فلا تبكين باكية" على الكراهة. انتهى ملخصا من الأذكار. من هذا نعلم: 1- أن الصبر على المكاره ومنها الموت مطلوب. 2- مظاهر الجزع والسخط على القضاء ممنوعة، من استحلها كفر، ومن لم يستحلها كان عاصيا. 3- الميت إذا أوصى بالحزن الخارج عن الحدود يناله نصيب من المسئولية، وإن لم يوص لا يعذب بذلك، ولكن كان يود ألا تقع منهم هذه المظاهر. 4- أن مجرد البكاء على الميت مسموح به طبعا وشرعا، فهو رحمة فى قلوب الرحماء، والرسول عليه الصلاة والسلام جرت عليه هذه السنة الطبيعية، فبكى محتفظا بإيمانه ورضائه بالقضاء. 5- إذا صحب البكاء قول أو فعل يتنافى مع الإيمان بقضاء الله كان معصية. وبناء على جواز البكاء بدون مظاهر الجزع ماذا نقول فيما رواه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يَحْثُوَ التراب فى أفواه النساء وهن يبكين جعفر بن أبى طالب؟ والجواب أن ابن الأثير أورد هذا الخبر فى كتابه " أسد الغابة " وذكر معه أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على امرأة جعفر، وهى أسماء بنت عميس، فعزاها، ودخلت فاطمة وهى تبكى فقال "على مثل جعفر فلتبك البواكى" ثم وفق ابن الأثير بين الخبر المانع للبكاء والخبر المبيح له، بأن المنع كان لنسوة يبكين مع ندب ونياحة ولطم خدود، والإِباحة كانت للبكاء المجرد عن ذلك. وجاء التوضيح فى رواية أحمد عندما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه، فقال له " مهلا يا عمر ثم قال " إياكن ونعيق الشيطان " ثم قال " إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان " (8/367) ________________________________________ موت الجن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى القرآن إن الله أجاب إبليس بعدم الموت قبل يوم القيامة، فهل ذريته كذلك لا يموتون؟
الجواب يقول الله تعالى لما طرد إبليس من الجنة {قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون. قال فإنك من المنظرين. إلى يوم الوقت المعلوم} ص: 79 -81 وقال مثل ذلك فى آيات أخرى تدل على أن إبليس لا يموت إلا يوم القيامة الذى يموت فيه كل كائن حى {كل نفس ذائقة الموت} آل عمران:185 {كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإِكرام} الرحمن: 26، 27. أما ذرية إبليس فيموتون كما يموت بنو آدم، ولكل أجل طال أو قصر، وذلك لما يأتى: 1 -أنه لا يوجد دليل على أنهم منظرون كإبليس، فيصدق عليهم ما يصدق على كل كائن حى. 2 - قوله تعالى عن الكفار {أولئك الذين حق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس} الأحقاف: 18 فهناك أمم سبقت من الجن والإنس، أى ماتت. 3-وردت أخبار عن جن ماتوا ودفنوا وكان بعضهم ممن لقى النبى صلى الله عليه وسلم " آكام المرجان للمحدِّث الشبلى ص 38 - 44 ". 4 -وردت آثار تدل على أن ابن عباس رضى الله عنه سئل عن موت الجن فقال: يموتون إلا إبليس. "المرجع السابق ص 152" (8/368) ________________________________________ دخول الجنة قبل الموت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نعلم أن الجنة دار النعيم يدخلها بعد القيامة المؤمنون، فهل دخلها أحد قبل يوم القيامة وهو على قيد الحياة؟
الجواب سبق فى ص 506 من المجلد الأول بيان أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وهو رأى جمهور العلماء، وأن أرواح الشهداء فى حواصل طير خضر تسرح فى الجنة تأوى إلى قناديل تحت العرش كما رواه مسلم وغيره، وذلك بعد مفارقة الحياة لهم بالموت فى سبيل الله، حيث يحييهم الله وينعم عليهم كما قال سبحانه {ولا تحسبن الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: 169. أما أن يدخل الجنة أحد فى الدنيا قبل موته فذلك ممكن إذا رأى ذلك فى المنام،كما يرى أشياء من الصعب تحققها فى عالم اليقظة كالطيران والطواف حول الأرض وما إلى ذلك وقد رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى منامه الجنة، وأنه ارتقى إلى مدينة مبنية بلبنٍ ذهب ولَبِنٍ فضة فدخلها، وقال له الملكان: هذه جنة عدن وهذا منزلك. فطلب منهما دخوله فقالا له: إنه بقى لك عمر لم تستكمله، فلو استكملته أتيت منزلك. رواه البخارى. "رياض الصالحين ص 563، 565" فظاهر الحديث أنه دخل الجنة ولم يدخل منزله. وثبت فى البخارى وغيره أنه صلى الله عليه وسلم دخل الجنة ليلة المعراج " الزرقانى على المواهب اللدنية ج6ص90" حيث قال كما رواه أبو ذر وأخرجه البخارى فى كتاب الصلاة "ثم أدخلت الجنة" ومعلوم أن الصحيح فى الإِسراء والمعراج أنهما كانا بالروح والجسد ولم يكونا مناما، ليظهر امتياز الرسول على غيره ممن يُسْرى بأرواحهم مناما ويرون العجائب. وقال صلى الله عليه وسلم عن ليلة المعراج كما ذكره أنس ورواه البخارى ومسلم "بينما أنا أسير فى الجنة" "المرجع السابق ص 91". فالخلاصة أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل الجنة ليلة المعراج بروحه وبجسده على الصحيح، كما دخلها فى الرؤيا المنامية ورؤيا الأنبياء حق. وذلك فضل كرَّم الله به رسوله، ونرجو أن ننعم بدخولها معه بعد الحساب، وذلك عن طريق الإِيمان والعمل الصالح والأمل فى رحمة الله وفضله (8/369) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 10:01 pm | |
| حساب العلماء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأنا فى بعض الكتب أن الله لا يحاسب العلماء يوم القيامة، فهل هذا صحيح؟
الجواب هناك تحذير شديد فى القرآن والسنة من عدم عمل الإِنسان بعلمه، وبخاصة إذا كان يعلِّم الناس الخير والبر، وينسى نفسه فلا يعمل الخير والبر، وكذلك من يعلِّم الناس غير مخلص لله فى ذلك، بل للرياء والسمعة، وهو من أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة كالذى يقاتل ليقال: إنه شجاع، ويتصدق ليقال: إنه جواد. والآيات والأحاديث فى ذلك معروفة. لكن ذكر السفارينى فى كتابه غذاء الألباب "ج 1 ص 29 " أنه روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "يجمع الله تعالى العلماء يوم القيامة ثم يقول: يا معشر العلماء، إنى لم أضع علمى فيكم إلا لعلمى بكم، ولم أضع علمى فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم " قال ابن القيم فى كتابه " مفتاح دار السعادة " ص 128: وهذا وإن كان غريبا فله شواهد حسان، فقد ذكر ابن عبد البر عن عبد الله بن داود قال: إذا كان يوم القيامة عزل الله سبحانه العلماء عن الحساب، فيقول: ادخلوا الجنة على ما فيكم، إنى لم أجعل علمى فيكم إلا لخير أردته بكم قال ابن عبد البر: وزاد غيره فى هذا الخبر: إن الله يحبس العلماء يوم القيامة فى زمرة واحدة، حتى يقضى بين الناس، ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يدعو العلماء فيقول: يا معشر العلماء إنى لم أضع حكمتى فيكم وأنا أريد أن أعذبكم، قد علمت أنكم تخلطون من المعاصى ما يخلط غيركم، فسترتها عليكم وغفرتها لكم، وإنما كنت أُعْبَدُ بفتياكم وتعليمكم عبادى، ادخلوا الجنة بغير حساب، ثم قال: لا معطى لما منع الله ولا مانع لما أعطى الله. قال ابن عبد البر: وروى نحو هذا المعنى بإسناد متصل مرفوع. وقال ابن القيم عن بعض السلف قال: بلغنى أنه إذا كان يوم القيامة توضع حسنات الرجل فى كفة وسيئاته فى كفة، فتميل سيئاته، فإذا أيس وظن أنها النار جاء شىء مثل السحاب حتى يقع مع حسناته فتميل حسناته، قال: فيقال له: أتعرف هذا من عملك؟ فيقول: لا، فيقال: هذا ما علَّمت الناس من الخير فعمل به من بعدك. انتهى ما نقله السفارينى. إن حساب العلماء على التقصير ثابت بالقرآن والسنة الصحيحة، والأخبار المذكورة لا تصل فى القوة إلى درجة القرآن والسنة الصحيحة، فهى لا تفيد فى الأمور الغيبية من جهة الاعتقاد، وقد يقصد به الترغيب فى نشر العلم، وتجاوز الله عن بعض الهفوات فى مقابل ذلك كما قال سبحانه {إن الحسنات يذهبن السيئات} هود: 114 مع العلم بقول الله سبحانه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48 وهذه المغفرة المقيدة بالمشيئة تفيد فى الكبائر والصغائر، ومن الذي يدرى بأنه سيكون ممن تشملهم المشيئة بالمغفرة؟ فالواجب هو الالتزام بمنهج الله تعالى وتغليب الخوف على الرجاء، حتى لا تتغلب الشهوات والمغريات، وعند ضعف هذه المؤثرات وبخاصة فى أواخر العمر-الذى لا يعلم تماما- ينبغى تقوية الرجاء، كما قال علماء التوحيد، فيقوى الأمل فى الله ورحمته ليختم له بالحسنى (8/370) ________________________________________ الغسل من غسل الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قمت بغسل ولدى المتوفى، ثم توضأت وصليت عليه، فقال البعض: إن صلاتى عليه باطلة لأننى لم أغتسل بسبب قيامى بغسله، فهل هذا صحيح؟
الجواب الغسل لمن غسل ميتا مستحب وليس بواجب، كما قاله جمهور العلماء، وذلك لحديث رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم "من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ" وقد طعن جماعة فى صحة هذا الحديث، لكن الحافظ ابن حجر قال: حسَّنه والترمذى وصححه ابن حبان، وهو بكثرة طرقه أقل أحواله أنه حسن يحتج به، والأمر فى الحديث للندب لما روى عن عمر رضى الله عنه قال: كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل. رواه الخطيب بإسناد صحيح، ولما غسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق رضى الله عنه حين توفى خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إن هذا يوم شديد البرد، وأنا صائمة، فهل علىَّ من غسل؟ فقالوا: لا، رواه الإِمام مالك (8/371) ________________________________________ غسل من مات جنبا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال مات رجل فجأة ثم علمنا أنه كان جنبا ولم يغتسل من جنابته، فهل نغسله مرتين، مرة لرفع الجنابة، ومرة للموت، أو يكتفى بغسل واحد؟
الجواب يستحب للجنب أن يبادر بالغسل، ولا يحرم عليه تأخيره بل يكره له فقط، وقد دلت الأحاديث على ابتعاد ملائكة الرحمة عنه حتى يغتسل، وهذا الغسل واجب من أجل الصلاة لقوله تعالى عند الأمر بالقيام إلى الصلاة {وإن كنتم جنبا فاطهروا} المائدة: 6. ولو مات الجنب قبل أن يغتسل فقد حدث أمران موجبان للغسل، الجنابة والموت، وإذا تعددت الأسباب فلا يلزم لكل سبب غسل، بل يكفى غسل واحد، وقد قال الشافعية والمالكية: إن الشهيد لا يغسل لو مات جنبا، ورأى الحنفية وجوب غسله، والخلاف مبنى على استشهاد حنظلة وهو جنب حيث لم يغسله النبى صلى الله عليه وسلم وأخبر أن الملائكة تغسله. وعليه فإن الجنب إذا مات ولم يغتسل يكفى لصحة الصلاة عليه غسله بعد موته مرة واحدة على ما رآه الشافعية والمالكية، ولو فاتته صلاة بخروج وقتها ولم يغتسل سيحاسب على تركها، لأنها وجبت عليه ولم يصلها، فالحساب على ترك الصلاة وليس على ترك الغسل (8/372) ________________________________________ أهل الأعراف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أرجو تفسير قوله تعالى {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعرن. وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قلوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما اغنى عنكم جمعكم وما كنتا تستكبرون} الأعراف: 46 _ 48؟
الجواب المعنى باختصار أن بين الجنة والنار سورا، وعلى أعراف السور أى أعاليه أناس يعرفون أهل الجنة بعلامات، وهى بياض الوجوه وحسنها، وأهل النار بعلامات، هى سواد الوجوه وقبحها، وينادون أهل الجنة بالتحية ويهنئونهم بالسلام من النار أى السلامة من عذابها. إن أهل الأعراف لم يدخلوا الجنة ويطمعون فى دخولها، منتظرين رحمة الله لهم، وهؤلاء هم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم، وهو احسن الأقوال العشرة فيهم، وذلك لحديث رواه خيثمة عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى. عندما ينظر أهل الأعراف إلى أهل النار يدعون ربهم ألا يكونوا معهم فيها، ويتفرسون فى جماعة من أهل النار كانوا مستكبرين على الله بما يملكون من متاع الحياة الدنيا فكفروا به، ويقولون لهم مبَكِّتيَن: لم يُغْنِ عنكم ما جمعتم من الدنيا وما أستكبرتم به على الله. والخلاصة أن أهل الجنة هم المؤمنون الصالحون حتى لو كانوا فقراء، وما دامت حسناتهم أكثر من سيئاتهم، فلن يدخلوا النار لأن الحسنات يذهبن السيئات وأن أهل النار هم الكفار حتى لو كانوا أغنياء ما دامت سيئاتهم أكثر من حسناتهم، مع العلم بأن حسنات الكفار صارت فى الآخرة هباء منثورا كما قال رب العزة {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: 23 أما من استوت حسناتهم وسيئاتهم من المؤمنين فينتظرون على الأعراف رحمة الله بهم ليلحقهم بأهل الجنة (8/373) ________________________________________ ستر الأضرحة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى ستر الأضرحة بالأقمشة الفاخرة؟
الجواب ستر الأضرحة لم يرد فيه حديث خاص، وإنما جاء حديث عام ينهى عن كسوة الحجارة، فقد روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج فى غزاة، فأخذت نمطا -النمط ضرب من البسط له خمل رقيق -فسترته على الباب، فلما قدم رأى النمط فجذبه حتى هتكه ثم قال: " إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين ". والسر فى ذلك أن فيه ضياعا للمال بدون فائدة وفى الحديث أن الله كره إضاعة المال كما رواه البخارى ومسلم. ويستثنى من عموم عدم كسوة الحجارة كسوة الكعبة فإنها كانت معهودة قبل الإسلام، على الخلاف فى أول من كساها " تاريخ الكعبة المعظمة لحسين عبد الله باسلامه " ص 244 ولم ينه الإسلام عن كسوتها، بل جاء فى الروايات أن النبى صلى الله عليه وسلم كساها بالقباطى والحبرات، كما كساها أبو بكر وعمر وعثمان وما زالت تكسى إلى الآن دون معارض. وتفصيل ذلك فى الكتاب المذكور. وعلى هذا فمن نذر إن قضى الله حاجته أن يكسو ضريح الشيخ الفلانى لا ينعقد نذره، لأن النذر لا يكون إلا فى طاعة (8/374) ________________________________________ الصيام عن الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال توفى والدى وعرفنا انه افطر شهر رمضان فى بعضى السنوات ولم يقض ما فاته، فماذا نفعل، هل نصوم عنه أو نخرج فدية؟
الجواب أجاب: روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " وصح عنهما أيضا أن.امرأة قالت: يا رسول الله إن أمى ماتت وعليها صيام نذر، أفأصوم عنها؟ فقال " أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها"؟ قالت: نعم قال " فصومى عن أمك ". هذان الحديثان حجة قوية للذين يرون من الفقهاء أن من مات وعليه صيام، سواء أكان صيام رمضان أم صيام نذر، يصوم عنه وليه، والولى هو كل قريب، سواء أكان وارثا أم غير وارث، وقيل: يجوز أن يصوم عنه غير وليه من الأصدقاء مثلا، كالدَّين لا يختص بسداده القريب. وذهب أبو حنيفة ومالك الشافعى فى القول الجديد إلى أن الميت لا يصام عنه مطلقا، متمسكين بقول ابن عباس رضى الله عنهما الذى رواه النسائى بإسناد صحيح: لا يصل أحد عن أحد، ولا يصم أحد عن أحد. وبقول عائشة رضى الله عنها: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم: وقد أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه. لكن هذين الأثرين لايعارضان ما هو أقوى منهما، وهو رواية البخارى ومسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم أن ولى الميت يصوم عنه. وقال عبد الحق فى أحكامه: لا يصح فى الإطعمام شىء، يعنى مرفوعا، وكذا قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى، ومن أراد توضيحا أكثر فليرجع إلى " نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 248- 251" (8/375) ________________________________________ الدَّين على الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم من مات وعليه دين لم يقم أهله بسداده، هل تحجب الرحمة عن الميت؟
الجواب إذا مات الإنسان وعليه دين لغيره وجب أن يقوم ورثته بسداد الدين قبل تقسيم التركة كما قال تعالى فى آية المواريث {من بعد وصية يوصى بها أو دين} النساء: 11 وذلك إذا كان عنده مايسدُّ به الدين، فإن لم توجد له تركة تفى بسداد الدين فلا يجب على الورثة شىء، وإن كان من السنة أن يقوموا هم بذلك حتى تنزل عليه رحمة الله. فهى لا تزال محبوسة عنه. ويمكن لغير أهله أن يتصدقوا بسداد دينه حتى يرحمه الله. ومحل حجب الرحمة عنه حتى يسد دينه إذا كان ناويا قبل الموت ألا يسد الدين، أما إذا كان ناويا السداد فنرجو ألا يحجب الله عنه رحمته، لقول النبى صلى الله عليه وسلم " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أحنها يريد إتلافها أتلفه الله " رواه البخارى. وروى مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل " هل ترك لدينه قضاء"؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال " صلوا على صاحبكم " فلما فتح الله عليه الفتوح قال " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفى وعليه دين فعلىَّ قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته " وفى حديث الطبرانى " من دان بدين فى نفسه وفاؤه ومات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء " وروى أحمد وأبو نعيم والبزار والطبرانى عن النبى صلى الله عليه وسلم " يدعى صاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يدى الله عز وجل فيقول: يا ابن آدم، فيمَ أخذت هذا الدين، وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب إنك تعلم أنى أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع، ولكن أتى علىَّ إما حرق وإما سرق وإما وضيعة، فيقول الله: صدق عبدى، وأنا أحق من قض عنك، فيدعو الله بشىء فيضه فى كفة ميزانه فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل رحمته ". والميت الذى عليه دين لم ينو الوفاء به تحجب عنه الرحمة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "نفس الميت معلَّقة بدينه حتى يقض عنه " رواه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال: حديث حسن، وإذا كان الشهيد نفسه، وهو من هو منزلة عند الله، لا ينال هذه الدرجة إذا كان عليه دين للعباد، كما صح فى الحديث " يغفر للشهيد كل شىء إلا الدين " رواه مسلم، فكيف بغير الشهيد؟ وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن المفلس يوم القيامة فقال " إن المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتى وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقض ما عليه أخذ من خطاياها فطرحت عليه ثم طرح فى النار " رواه مسلم وروى البخارى مثله بلفظ " من كانت عنده مظلمة لأخيه، من عِرضه أو من شىء، فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ". إن الدين خطير تجب المبادرة بسداده قبل الموت وقبل أن تكون المواجهة بين المدين وأصحاب الحقوق يوم القيامة فربما لا يسامحون، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم تذكو فى الصلاة أن فى بيته بعض الأموال لم تسلم إلى أصحابها، فتوجه بعد الانتهاء منها بسرعة لافتة للنظر وأمر بدفعها إلى أصحابها وعاد إلى المسجد ولما سألوه قال " تذكرت مالاً فخشيت أن يحبسنى " أى يحبسه الله يوم القيامة ويسأله: لمَ لم تؤده. رواه البخارى. ومن أراد التوسعة فى معرفة خطر الدين على الميت فليراجع " نيل الأوطارج 4 ص 5 2، وتفسير القرطبى ج 4 ص 272 " (8/376) ________________________________________ الإنسان وقت الاحتضار
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يمكن معرفة ما يعانيه الميت عند الاحتضار؟
الجواب إن أمر الروح والآحوال الآخرة من الأمور المغيبة التى لا تُعْلمُ إلا بالأخبار الصادقة من القرآن الكريم وقد كثرت الأقوال عنها وتعددت الاجتهادات، والتمس البعض لآرائهم واجتهاداتهم سندا من تأويل القرآن فى نصوصه التى تحتمل أكثر من معنى ولا تفيد القطع فى الدلالة، ومن روايات ضعيفة أو مكذوبة على النبى صلى الله عليه وسلم. وخروج الروح من الإنسان انتقال من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، ومن الدنيا إلى الآخرة، وقد يكون خروج، أو فجأة لا تسبقها معاناة، وقد يكون خروجها مصحوبًا بالكرب والشدة، ولكن لا يصح أن يكون هناك ربط بين سهولة خروجها وكرامة صاحبها فقد يكون العكس، ولا بين المعاناة عند خروجها وهوان صاحبها عند الله فقد يكون العكس، فكثيرا ما نرى أشرارا انسلت أرواحهم فى لحظات وكثيرا ما نرى صالحين ظلوا أياما أو ساعات طوالا وهم يجودون بأنفاسهم الأخيرة حا ففى الترمذى عن عائشة رضى الله عنها قالت: رأيت رسول الله في صلى الله عليه وسلم وهو بالموت وعنده قد يدخل يده فى القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول " اللهم أعنىِّ على سكرات الموت " وحكمة هذه الشدة على االابتلاء والاختبار ورفع الدرجات. أما ملك الموت فتقول الروايات إنه كان يأتى للمحتضر عِيانًا ويعرفه، فرحم الله الأمة المحمدية ومنع ظهو تدخل الرعب فى قلوب المؤمنين، ومن الثابت أن الملائكة الموكلة بقبض الروح تنزل إلى المحتضر، ويراها وتب مؤمنا على ما فسر به قوله تعالى { {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخاف بالجنة التى كنتم توعدون} [فصلت:30] . وأخوج الطبرانى فى الأوسط عن أبى بكر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على أبى سلمة رضى فى الموت فلما شق بصره، أى شخص مدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فأغمضه، فلما أغمضه صاح أهل افسكَّتهم وقال " إن النَّفْس إذا خرجت يتبعها البصر، وإن الملائكة تحضر الموت، فيؤمنون على ما يقول أهل اللهم ارفع درجة أى سلمة فى المهديين واخلفه فى عقبه فى الآخرين، واغفر لنا وله يوم الدين ". ذلك شئ مما جاء فى الكتب المعنية بأمور الصوت، ومع ذلك نكرر ما قلناه من أن كل الأحوال الأخروية ومقدما إلا بخبر صادق، فينبغى عدم الإكثار من الجدال فيها، ولنهتم بالعمل الصالح الذى يختم الله به حياتنا ب بالله كلما اقترب الأجل، فهو سبحانه عند حسن ظن عبده به، وبخاصة عند القدوم عليه، ومن أحب لقاء الله لقاءه (8/377) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 10:02 pm | |
| دفن موتى الرجال والنساء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى دفن الرجال مع النساء فى قبر واحد؟
الجواب الأصل فى الدفن أن يكون لكل ميت قبر خاص به، أما دفن أكثر من واحد فى قبر واحد فهو حرام عند جمهور الفقهاء، ومكروه فقط عند أبى حنيفة، ومحل ذلك إذا لم تكن هناك ضرورة أو حاجة. فإن وجدت ضرورة ككثرة الموتى وتعسر إفراد كل بقبر، أو وجدت حاجة كالمشقة فى حفر قبر لكل ميت جاز جمع أكثر من واحد فى قبر، سواء أكانوا من جنس واحد أم من جنسين، على أن يقدم الذكر على الأنثى فى دفنه جهة القبلة. والدليل على ذلك ما رواه أحمد والترمذى وصححه أن الأنصار جاءوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقالوا: يا رسول الله أصابنا جرح وجهد، فكيف تأمرنا؟ قال وأعمقوا واجعلوا الرجلين والثلاثة فى قبر قالوا: فأيهم نقدم؟ قال: " أكثرهم قرآنا ". . . وروى عبد ال عن واثلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة فى القبر الواحد، فيقدم الرجل وتجعل المرأة وراءه. ذكر (ج 3 ص 251) . وجاء فى كتاب " الإقناع " للخطيب فى ففه الشافعية "ج 1 ص 182 " ما يأتى: ولا يجمع رجل وامرأة فى قبر إلا لضرورة، فيحرم عند عدمها ويعنى عدم الضرورة ـ كما فى الحياة ـ يعنى كما لو كانوا أحياء ـ قال ابن الصلاح: محله إذا لم يكن بينهما محرمية أو زوجية، وإلا فيجوز الجمع. قال الأسنوى: وهو متجه ـ يعنى كلا والذى فى المجموع ـ كتاب للنووى ـ لا فرق، فقال إنه حرام حتى فى الأم مع ولدها، وهذا هو الظاهر، إذ االجمع هى الإيذاء، لأن الشهوة قد انقطعت فلا فرق بين المحرم وغيره، ولا بين أنا يكونا من جنس واحد أم بينهما بتراب حيث جمع بينهما ـ وذلك على سبيل الندب ـ حتى لو اتحد الجنس. . . انتهى. وجاء فى فتوى لدار الإفتاء بتاريخ 6 2 من أكتوبر 963 1 (الفتاوى الإسلامية مجلد 7 ص 2426) يجوز دفن الرجل مع المرأة فى قبر واحد عند الضرورة بشرط الحيلولة بينهما بحائ وخلاصة الكلام أن دفن الرجل مع المرأة حتى لو كانت أمه أو زوجته لا يجوز إلا عند الضرورة (8/378) ________________________________________ غسل ملابس الميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعت أن غسل ملابس الميت فى اليوم الثالث من الوفاة يطرى على روحه لأن روحه تكون معلقة بملابسه، فهل هذا صحيح؟
الجواب روح الميت إذا خرجت ذهبت إلى ربها، وأنزلها المنزلة التى تستحقها، ولم يأت خبر صحيح من قرآن أو سنة بأنها تكون معلَّقة بملابس الشخص بعد موته، فذلك من أنباء الغيب التى لا تثبت بكلام لا أصل له، وعليه، فلا بأس بغسل ملابس الميت فى أى وقت بعد وفاته، وينبغى أن نتحرر من الأفكار والعادات التى لم يدل عليها دليل صحيح (8/379) ________________________________________ أنهار الجنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد توضيحا لأوصاف أنهار الجنة؟
الجواب جاء فى القرآن الكريم وصف نعيم الجنة بأوصاف فيها بعض الغرابة، بالنسبة لما نراه فى عالم الدنيا، حيث تختلف طبيعة الأشياء ويختلف الحكم المنوط باستعمالها إباحة ومنعا، فهناك زواج بلا تناسل، وأكل وشرب بلا مخلفات وخمر بلا سكر ولا غول، ولا لغو ولا تأثيم، وهناك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والحق -كما قيل -أن كل ما خطر ببالك فالجنة على خلاف ذلك، فقوانين الآخرة غير قوانين الدنيا، وقد يكون هناك تشابه فى الأسماء مع اختلاف المسميات شكلا وموضوعا كما يقولون، قال تعالى {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأوتوا به متشابها} البقرة: 25. وقد جاء فى القرآن الكريم أن فى الجنة أنهارا لم تعهد صورتها فى الدنيا كما قال تعالى {مثل الجنة التى وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفَى} محمد: 15، وهى كلها مشروبات تهفو إليها النفس، كثيرة لا ينضب معينها، طيبة لا يخشى فسادها، هنيئة لا تخاف عاقبتها، فالماء غير اَسن لم تتغير ريحه، واللبن طازج لم يفسد طعمه، والخمر لذيذة مستساغة، والعسل نقى مصفَّى من الشوائب. ويجئ فى القرآن وصف هذه الأنهار بأنها تجرى تحت الجنة، قال تعالى {مثل الجنة التى وعد المتقون تجرى من تحتها الأنهار أُكلها دائم وظلها} الرعد:35. فكيف يتصور أن تجرى الأنهار تحت الجنة؟ إن الصورة الحقيقية لا يعلمها إلا الله سبحانه، ومن أخبره بها، وسيعلمها علم اليقين من يتفضل الله عليه بدخول الجنة، ولكن المفسرين حاولوا تقريب هذه الصورة بما يعهدونه فى الدنيا، فقالوا: إن الجنات بساتين على ربوات عالية بقصورها الشاهقة وأشجارها السامقة، والأنهار تجرى حولها منخفضة عند قاعدة الربوات، والمعهود أن الأرض إذا كانت فوق مستوى الماء كانت أصلح وأطيب، وفى الوقت نفسه توجد الفرصة لمن ينعمون بالجنات وغرفها العالية أن يتمعتوا بالنظر إلى هذه الأنهار بألوانها المختلفة. ذلك تصوير بالقدر المستطاع للعقل البشرى، وليس فيه ما يخالف نصًّا قاطعا ولا حكما مقررا، ويكفينا من أوصاف الجنة ما جاء فى القراَن وثبت فى السنة، وهو كاف لإغرائنا بالجد والعمل حتى نفوز بهذا النعيم، وحتى نرى بأنفسنا كيف تجرى الأنهار من تحتها، وقد صح فى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "بينما أنا أسير فى الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوَّف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذى أعطاك ربك، قال: فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر - أى فى أعلى الدرجات من طيب الرائحة" (8/380) ________________________________________ ثواب الآخرة للمؤمن فقط
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يدخل الجنة من أهل الديانات الأخرى من لم يفعل الفاحشة وكان مستقيما فى حياته ومعاملاته مع الناس؟
الجواب معلوم أنه لا يعتد بدين بعد مجئ الإسلام كما قال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران:85. والجنة لا يدخلها بعد مجئ الإسلام إلا من آمن بالإسلام ما دام قد بلغته دعوة الإسلام ولم يؤمن به والأعمال الصالحة لغير المسلم لا ثواب عليها فى الآخرة قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: 23. وقال فى حق المنافقين {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين} التوبة: 53. أما فى الدنيا فيثاب عليها، روى مسلم أن عائشة رضى الله عنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم -: إن ابن جدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: "لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين " يقول القرطبى فى تفسيره (ج 8 ص 161) روى عن أنس أن النبى-صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها فى الدنيا ويجزى بها فى الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها فى الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " فالإيمان شرط للثواب فى الآخرة. قال تعالى: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا} الإسراء: 19. وقد يعترض على إحباط عمل الكافر بحديث رواه مسلم أن العباس قال للنبى- صلى الله عليه وسلم -إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال "نعم وجدته فى غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح " وأجيب عنه بأن تخفيف عذاب أبى طالب كان بشفاعة أما غيره فقد أخبر عنه القرآن بقوله: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} المدثر: 48. وقوله مخبرا عن الكافرين: {فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم} الشعراء: 100، 101. وقد روى مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ذكر عنده عمه أبو طالب فقال " لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه " ومن حديث العباس "ولولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار". هذا، ولو أسلم الكافر ومات على الإسلام قال بعض العلماء: يرجى أن يثيبه الله فى الآخرة على الحسنات التى فعلها وهو كافر، فقد روى مسلم عن حكيم بن حزام أنه سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم -عن الصدقة والعتق وصلة الرحم التى كان يتعبد بها فى الجاهلية فقال له "أسلمت على ما أسلفت من خير". ورأى بعض العلماء أنه لا يثاب، وقول النبى صلى الله عليه وسلم هذا معناه أن الأعمال الخيرة التى عملتها فى الجاهلية تدل على أن معدنك طيب وأن فيك خيرا، وهذا الخير هو الذى قادك إلى الإسلام فالعبارة محتملة وليس فيها تصريح بأن حسنات الكافر قبل إسلامه يثاب عليها عند الله والذى يقصد بعمله دنيا يصيبها ماديا أو أدبيا ولا يريد وجه الله يحرم من ثواب الآخرة سواء أكان مسلما أم غير مسلم، لعموم قوله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} هود: 15، 16. وقوله: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى الآخرة من نصيب} الشورى:20. وقوله: {من كان يريد العاجلة عجَّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} الإسراء: 18. وحديث. .. الثلاثة الذين تسعَّر بهم النار معروف رواه مسلم، وهم المجاهد الذى قصد أن يقال إنه شجاع، والكريم الذى قصد أن يقال إنه كريم والعالم الذى قصد أن يقال إنه عالم، وقد قيل: ثم يسحبون على وجوههم ويلقون فى النار"راجع ص 274 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى " (8/381) ________________________________________ دواب الجنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل فى الجنة حيوانات وطيور كالتى نراها فى الدنيا؟
الجواب الإجابة على السؤال ذات شقين الشق الأول دخول الحيوانات والطيور فى الجنة، والشق الثانى وجودها فى الجنة. أما الأول فإن بعض المفسرين قال: هناك عشرة من دواب الدنيا تدخل الجنة وهى: البراق الذى ركبه النبى صلى الله عليه وسلم وليلة الإسراء، وناقة صالح التى عقرها المكذبون، وحمار العزيز الذى أماته الله مائة عام ثم بعثه فوجد حماره بجواره كما هو، والعجل الذى ذبحه إبراهيم لضيفه من الملائكة، والكبش الذى فدى الله به إسماعيل من الذبح لرويا أبيه، والهدهد الذى أتى بالأخبار لسليمان عن ملكة سبأ، والنملة التى قالت {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} وكلب أهل الكهف والحوت الذى التقم يونس، وبقرة بنى إسرائيل التى دلت على القاتل لما ضرب بعض أجزائها. ونقل الألوسى عند تفسير {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} أن سائر الحيوانات المستحسنة فى الدنيا كالظباء والطواويس وما ينتفع به المؤمن كالغنم تدخل الجنة على كيفية لائقة ولكن ليس فى ذلك خبر يعول عليه. وأما الشق الثانى فمن الجائز أن يخلق الله حيوانات وطيورا لمتعة أهل الجنة تشبه ما فى الدنيا فى الصورة وتخالفها فى المادة، فقد صح فى مسلم أن أرواح الشهداء فى جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوى إلى تلك القناديل، وروى الترمذى بإسناد ضعيف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأعرابى "إن دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة لها جناحان فتحمل عليها فتطير بك فى الجنة حيث شئت " وذكر ابن عدى بإسناد ضعيف حديثا جاء فيه " إن أهل الجنة يتزاورون على نجائب بيض كأنهن الياقوت " كما نقل الدميرى (808 ط) فى "حياه الحيوان الكبرى" مادة خيل حديثا فيه لا إن فى الجنة شجرة يخرج من أعلاها حلل ومن أسفلها خيل بلق من ذهب مسرجة ملجمة من در وياقوت لا تروث ولا تبول، لها أجنحة خطوالَها مد بصرها يركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا، وأنها للصائمين القائمين المنفقين المجاهدين. وأحاديث الآحاد وإن كانت لا تثبت بها عقيدة لكن لا مانع من أن يخلق الله فى الجنة خلقا على صفة خاصة لمتعة أهلها كالحور العين، أما دخول حيوانات فى الجنة فلا دليل عليه، حيث إنها غير مكلَّفة لا ثواب لها، ومن لم يصدق ذك فلا يخدش إيمانه (8/382) ________________________________________ المرور على الصراط
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف يمر الناس على الصراط يوم القيامة؟
الجواب الصراط فى اللغة هو الطريق الواسع، وفى الشرع -كما قال الدردير فى شرح خريدته - جسر ممدود على متن جهنم بين الموقف والجنة أرق من الشعرة وأحد من السيف، وأنكر الإمام الغزالى والعز بن عبد السلام كونه أرق من الشعرة وأحد من السيف، بل هو متسع لورود ما يدل على ذلك، وعلى فرض صحة هذا الوصف يؤول على أنه كناية عن شدة المشقة، فهو مختلف فى الضيق والاتساع بحسب الأعمال كما قال الدردير، فالمارون عليه منهم سالم بعمله ناج من نار جهنم - لأنه منصوب على متنها كما فى الحديث -وهم على أقسام: منهم من يجوزه كلمح البصر، ومنهم من يجوزه كالبرق الخاطف، ومنهم كالريح العاصف أو كالطير أو كالجواد السابق، ومنهم من يسعى سعيا ومنهم من يمشى ومنهم من يمر عليه حبوًا ومنهم من تخدشه كلاليب فيسقط ولكن يتعلق بها فيعتدل ويمر ويجاوزه بعد أعوام، ومنهم غير السالم من الوقوع فى النار، وهم متفاوتون بقدر تفاوتهم فى الجرائم، فمنهم من يخلد فى النار وهم الكفار، ومنهم من يخرج منها بعد مدة على حسب ما شاء الله وهم عصاة المؤمنين، والصراط ثابت بالقرآن والسنة والإجماع - كما ذكره العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار ص 171 " قال تعالى {فاستبقوا الصراط} يس: 66، وقال صلى الله عليه وسلم "ينصب الصراط على متن جهنم فأكون أول من يجوزه وأمتى". والحق تفويض معرفة حقيقته إلى الله تعالى، ويمر عليه الأولون والآخرون حتى من لا حساب عليهم قال العلاَّمة الأمير-وكلهم سكوت إلا الأنبياء -وقولهم إذ ذاك: اللهم سلَّم سلَّم، كذا فى الصحيح الذى رواه مسلم "الترغيب والترهيب للمنذرى ج 4 ص 149 " ثم ذكر العدوى أخبارا لا تبنى عليها عقيدة، وقال الفاكهانى: إنه موجود الآن والأخبار عنه صحيح، وأهل السنة أبقوها على ظاهرها من تفويض علم حقيقته إلى الله تعالى، وقال بعضهم: إنه يوجد عند الحاجة إليه. وذكر حديثا أخرجه ابن مردويه فى تفسيره بسند لا بأس به عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدميه إلى عنان السماء يضف له إلى يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين " وهذا النور يكون على الصراط كما فى حديث رواه الطبرانى، وفى حديث للديلمى "الصلاة نور على الصراط " وكلها أحاديث للترغيب فى العمل الصالح. والحقيقة هناك يعلمها الله سبحانه وتعالى (8/383) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 10:03 pm | |
| دواب الجنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن هناك دواب ستدخل الجنة؟
الجواب معلوم أن أمور الغيب ومنها أحوال الآخرة لا تعرف إلا عن طريق الخبر الصحيح الثابت فى القرآن والسنة، ولم يرد دليل يعتمد عليه فى دخول الحيوانات الجنة، وإن كان هناك حشر لها كما سبق الكلام عليه فى صفحة 409 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى. وقد جاء فى حاشية الدردير على قصة الإسراء والمعراج للقيطى أن عشرة من الحيوانات قد تدخلها وهى: البراق وناقة صالح وحمار العزيز وعجل إبراهيم وكبش إسماعيل وهدهد سليمان ونملته وكلب أهل الكهف وحوت يونس وبقرة بنى إسرائيل، وسئل المرحوم الشيخ محمد بخيت المطيعى المفتى الأسبق عن ذلك فقال: راجعنا معظم كتب التفسير والحديث والتوحيد فلم نجد ما يثبت ذلك من حديث صحيح يعتمد عليه، بل رأينا ما ينفى دخول تلك الحيوانات العشرة الجنة، ونقل عن بعض كتب التفسير أقوالا فى دخولها، بل ودخول سائر الحيوانات المستحسنة فى الدنيا كالظباء والطواويس وما ينتفع به المؤمن كالغنم، ولكن على كيفية تليق بذلك المكان وتلك النشأة، وليس فيما ذكر خبر يعول عليه فيما أعلم "الآلوسى" نعم فى الجنة حيوانات مخلوقة فيها، وفى خبر يفهم من الترمذى صحة التصريح بالخيل منها والله أعلم وقال: وقد اشتهر القول بدخول كاب أهل الكهف الجنة حتى إن بعض الشيعة يسمون أولادهم بكلب على، ويؤمل من سمى بذلك النجاة بالقياس الأولوى على ما ذكر، وينشد: فتية الكهف نجا كلبهم * كيف لا ينجو غدا كلب على؟ ولعمرى إن قبله على كرم الله وجهه كلبا له نجا، ولكن لا أظن يقبله لأنه عقور، انتهى. ونقل عن تفسير ابن كثير أنهم اختلفوا فى لون هذا الكلب على أقوال لا حاصل ل مما، ولا طائل تحتها ولا دليل عليها، ولا حاجة إليها، بل هى مما ينهى عنه، فإن مستندها رجم بالغيب. "مجلة الإسلام - المجلد الثالث - العدد 25 " (8/384) ________________________________________ الذبح للميت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال رأينا فى بعض البلاد أن أهل الميت يذبحون ذبيحة ساعة خروج نعشه من البيت، فهل لهذا الذبح من أصل فى الشريعة الإسلامية؟
الجواب جاء فى حديث رواه أبو داود "لا عقر فى الإسلام " قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة. وقال الخطابى: كان أهل الجاهلية يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد، يقولون: نجازيه على فعله، لأنه كان يعقرها فى حياته فيطعمها الأضياف فنحن نعقرها عند قبره لتأكلها السباع والطير، فيكون مطعما بعد مماته كما كان مطعما فى حياته، ومنهم من كان يذهب فى ذلك إلى أنه إذا عقم في راحلته عند قبره حشر فى يوم القيامة راكبا، ومن لم يعقر عنه حشر راجلا ماشيا وهذا على رأى من كانوا يؤمنون بالبعث. إن ذبح الأغنام أو غيرها عند خروج الميت من البيت صورة شبيهة بالصورة التى تقدم ذكرها، لكن لو ذبحت الماشية بقصد توزيع لحمها على الفقراء صدقة على روح الميت فلا مانع منه، لأنه جاء فى الحديث عن بر الأبوين بعد موتهما قول الرسول صلى الله عليه وسلم للسائل "الصدقة عليهما والدعاء لهما". وإذا كان الذبح لإطعام من يحضرون للعزاء فهو مناف لهدى النبى صلى الله عليه وسلم فى إعداد الناس طعاما لأهل الميت لا العكس، فقد أمر بإعداد الطعام لآل جعفر لأنه نزل بهم ما شغلهم. أما سرادقات العزاء فقد مرت الإجابة عليها فى المجلد الثالث ص 175 (8/385) ________________________________________ أين يصلى على الجنازة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الأفضل أن يصلى على الجنازة فى المسجد أو خارج المسجد، وهل تجوز الصلاة عليها فى المقبرة؟
الجواب الصلاة على الجنازة جائزة غير محرمة فى أى مكان من الأرض لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "جعلت لى الأرض مسجدا فأينما أدركتك الصلاة فصل ". لكن الخلاف هو فى المكان الأفضل لها، فقال الشافعية: تندب الصلاة على الجنازة فى المسجد، لأنه خير بقاع الأرض، وروى مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا فى المسجد. وصلى الصحابة على أبى بكر وعمر فى المسجد بدون إنكار من أحد، لأنها صلاة كسائر الصلوات. والحنفية والمالكية قالوا بكراهتها فى المسجد، واستدلوا بقول النبى صلى الله عليه وسلم -كما رواه أبو داود-"من صلى على جنازة فى المسجد فلا شىء له " أى ليس له ثواب، لكن هذا الحديث ضعيف ومعارض لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصحح بعضهم هذا الحديث لأنه جاء فى بعض النسخ "فلا شىء عليه "يعنى من الوزر، وكما كرهوا الصلاة عليه فى المسجد كرهوا إدخاله ولو من غير صلاة. والحنابلة أباحوها فى المسجد إن لم يخش تلويثه، وإلا حرمت وحرم إدخاله ولو لغير الصلاة عليه، يقول ابن القيم: ولم يكن من هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة على الميت فى المسجد، وإنما كان يصلى على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر، وربما صلى أحيانا على الميت كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه وكلا الأمرين جائز، والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد، وقد أطال فى الكلام على حديث أبى داود ومقابلته بحديث عائشة فيرجع إليه "ج 1 ص 140 ". أما الصلاة على الميت فى المقبرة فكرهها الجمهور، وفى رواية لأحمد أنه لا بأس بها، لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلَّى على المرأة التى كانت تنظف المسجد بعد أن دفنت، وصلى أبو هريرة على عائشة وسط قبور البقيع وحضر ذلك ابن عمر وغيره، لأن صلاة الجنازة أساسها الدعاء للميت، وليست كالصلوات الأخرى ذات الركوع والسجود التى يتعبد بها إلى الله سبحانه "انظر ص 600 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى ". وسهيل بن بيضاء قديم فى الإسلام، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدرا وغيرها ومات بها سنة تسع، وأخوه سهل كان ممن أظهر الإسلام بمكة، ومشى إلى النفر الذين قاموا بنقض الصحيفة التى كتبها مشركو مكة، ضد بنى هاشم حتى نقضوها وأنكروها "أسد الغابة " (8/386) ________________________________________ ثواب الصلاة على الجنازة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كثير من المشيعين للجنازة لا يصلون عليها، فهل هم مقصرون، وهل يؤثر ذلك على الجنازة نفسها؟
الجواب صلاة الجنازة فرض كفاية، بمعنى أنه لو صلاها بعض الناس سقط الطلب عن الباقين، أى لا يعذبون، ولكن فاتهم ثواب كبير، والمؤمن الصادق لا ينبغى أن تفوت منه فرصة يكسب فيها ثوابا مهما كان حجمه. فقد جاء أن كل مؤمن سيندم يوم القيامة، إن كان مسيئا ندم ألا يكون قد أحسن، وإن كان محسنا ندم ألا يكون قد ازداد إحسانا. ومع مراعاة أن كل المشيعين ربما لا يكونون متطهرين للصلاة، وفى التطهر بعض المشقة أو تأخير لدفن الجثة، فإن المتطهر ينبغى أن يشارك فى الصلاة، فقد روى الجماعة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من تبع جنازة وصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان، أصغرهما - أو أحدهما - مثل أحد" وروى مسلم عن خبَّاب رضى الله عنه قال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة - وذكر الحديث - فأرسل ابن عمر رضى الله عنهما خبابا إلى عائشة رضى الله عنها يسألها عن قول أبى هريرة، ثم يرجع فيخبره ما قالت: فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة، فقال ابن عمر رضى الله عنهما: لقد فرطنا فى قراريط كثيرة. هذا فيما يعود من الثواب على المصلى، أما المصلَّى عليه وهو الميت فإنه يستفيد من كثره المصلين عليه، لأن المهم فيها هو الدعاء له بعد التكبيرة الثالثة، وذلك إذا استجاب الله الدعاء، وكلما كان عدد الداعين فى الصلاة كبيرا كانت فرص الاستجابة أكثر، وفى هذا جاءت الأحاديث التى منها ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وحسنه والحاكم وصححه عن مالك بن هبيرة"ما من مؤمن يموت فيصلِّى عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له " فكان مالك بن هُبيرة يتحرى إذا قلَّ أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف. وأخذ بظاهر الحديث أحمد بن حنبل وقال: أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف، قالوا: فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم؟ قال: يجعلهم صفين، فى كل صف رجلين، وكره أن يكونوا ثلاثة فيكون فى كل صف رجل واحد. وما رواه مسلم وأحمد والترمذى عن عائشة رضى الله عنها "ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شُفَعوا" وما رواه مسلم وأحمد وأبو داود عن ابن عباس رضى الله عنهما"ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفَّعهم الله فيه " أى قبل الله دعاءهم وشفاعتهم. هذا، وكثرة المصلين على الجنازة يدفع إليها حب الميت أو تكريمه ومحاولة عمل شىء ينفعه، والغالب أن ذلك لا يكون إلا من استقامته وحسن معاملته للناس. فهم يترحمون عليه ويذكرونه بالخير، وذلك إمارة على حب الله له، والحديث يشهد لذلك، فقد مرت جنازة أمام النبى صلى الله عليه وسلم فأثنى الصحابة عليها خيرا، فقال "وجبت " ثم مرت جنازة أخرى فتحدثوا عنها شرا، فقال "وجبت " ولما سألوه عن الإجابتين المتحدثين مع اختلاف حديثهم عن الجنازتين قال "من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرض " رواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه، وحدث مثل ذلك لعمر رضى الله عنه. حين مرت عليه ثلاث جنازات واختلف الناس فى الكلام عليها فقال كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "أيما مسلم شهد له أربعة نفر بخير أدخله الجنة"قال: فقلنا وثلاثة، فقال "وثلاثة" فقلنا: واثنان قال "واثنان " ثم لم نسأله عن الواحد. رواه البخارى. وروى أبو يعلى وابن حبان فى صحيحه عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أهل أبيات من جيرانه الأدنين انهم لا يعلمون إلا خيرا، إلا قال الله: قد قبلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون ". كل هذا يؤكد قيمة ثناء الصالحين على الميت، ويدعو إلى كثرة المصلين على الجنازة (8/387) ________________________________________ تكرار صلاة الجنازة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل تجور صلاة الجنازة على ميت سبق أن أقيمت عليه الصلاة؟
الجواب تكرار الفرد لصلاة الجنازة على الميت غير حرام، لعدم وجود دليل يحرمه، وإنما هو مكروه فقط، بمعنى أن من صلى على جنازة يكره له أن يصلى عليها مرة أخرى، أما من لم يصل على جنازة فيجوز له أن يصلى عليها بعد أن يصلى عليها غيره. جاء فى فقه المذاهب الأربعة "نشر أوقاف مصر " ما نصه، يكره تكرار الصلاة على الجنازة، فلا يصلى عليها إلا مرة واحدة، حيث كانت الصلاة الأولى جماعة، فإن صلى عليها أولا بدون جماعة أعيدت ندبًا فى جماعة ما لم تدفن، والشافعية قالوا: تسن الصلاة على الجنازة مرة أخرى لمن لم يصل عليها أولا ولو بعد الدفن، وقال الحنابلة: يجوز تكرار الصلاة على الجنازة لمن لم يصل أولا ولو بعد الدفن، ويكره التكرار لمن صلى أولا. هذا، وفى وفاة النبى صلى الله عليه وسلم يقول ابن عباس -كما رواه ابن ماجه - لما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء [توفى يوم الإثنين ودفن يوم الثلاثاء ليلا، أى ليلة الأربعاء] وضع على سريره فى بيته، ثم دخل الناس عليه صلى الله عليه وسلم أرْسالا - جماعات متتابعين - يصلون عليه، حتى إذا فرغوا دخل النساء، حتى إذا فرغن دخل الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، يقول ابن كثير: هذا أمر مجمع عليه، وهو عدم الصلاة عليه جماعة، وعلل الشافعى ذلك - كما فى كتابه الأم - بأنه لعظم أمره صلى الله عليه وسلم وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه "الزرقانى على المواهب ج 8 ص 291" (8/388) ________________________________________ غطاء النعش
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال والدى أوصى قبل وفاته أننا لا نغطى جثته وهى على النعش حتى لا يكون بينه وبين الله ستار، فما حكم الدين فى ذلك؟
الجواب ستر النعش لم يرد فيه نص يأمر به أو ينهى عنه، لكن الفقهاء قالوا: يسن ستر نعش المرأة حتى لا يظهر جسمها، وذلك بغطاء من خشب أو نحوه كما قال الجمهور، وعليه فلو كشف الميت وهو على النعش فلم يوضع عليه غطاء فلا مانع منه ولا حرمة ولا كراهة. أما تعليل كشفه بألا يكون بينه وبين الله ستار فلا وجه له، فالله سبحانه عليم بكل شىء، ولا ينفع الميت إلا عمله،ولا يجب تنفيذ هذه الوصية (8/389) ________________________________________ من آداب تشييع الجنازة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال اضطر شخص أن يخرج لتشييع جنازة ثم تذكر انه لم يغتسل من الجنابة، فهل فى هذا إثم؟
الجواب لا يحرم على الجنب إلا أمور معروفة وهى الصلاة والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف وحمله والمكث فى المسجد. وما عدا ذلك فهو حلال غير حرام، سواء أكان فى أمور الدنيا كالأكل والشرب أم فى أمور الآخرة كالذكر والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والدعاء، وإن كان الأفضل ألا يمارس هذه الأشياء وهو جنب. ففى حديث رواه البزار بإسناد صحيح "ثلاثة لا تقربهم للملائكة: الجنب والسكران والمتضمخ بالخلوق " وهو طيب خاص بالنساء، وكذلك كراهة النوم مع الجنابة إلا أن يتطهر ولو بالوضوء. ومعلوم أن الملائكة قد تشيع بعض جنازات الصالحين. واشتراكهم فى التشييع دليل رحمة الله ورضائه عنه. ومن هنا يكره للجنب أن يسير فى الجنازة حتى تشترك فيها الملائكة، وحتى لا يحرم الميت من الرحمة، وبخاصة إذا كان من الصالحين، ففى حديث رواه أبو داود وغيره "إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر ولا المتضمخ بزعفران ولا الجنب " (8/390) ________________________________________ العيد وزيارة القبور
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كثير من المسلمين يحرصون على زيارة المقابر عقب صلاة العيد، فما مدى مشروعية هذه الزيارة؟
الجواب زيارة المقابر فى الأصل سنة لأنها تُذكر الإنسان بالآخرة، وقد جاء فى ذلك حديث النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: زار النبى صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال "استأذنت ربى فى أن أستغفر لها فلم يؤذن لى، واستأذنته فى أن أزور قبرها فأذن لى، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " وروى ابن ماجه بإسناد صحيح قوله صلى الله عليه وسلم "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور فإنها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة. وليس لهذه الزيارة وقت معين وإن كان بعض العلماء يجعل ثوابها أكبر فى أيام معينة كيوم الخميس والجمعة لشدة اتصال الأرواح بالموتى، وإن كان - الدليل على ذلك غير قوى، ومن هنا نعلم أن زيارة الناس للمقابر عقب صلاة العيد إن كانت للموعظة وتذكر من ماتوا وكانوا معهم فى الأعياد ينعمون بحياتهم، وطلب الرحمة لهم بالدعاء فلا بأس بذلك أبدا للرجال، أما النساء فقد مر حكم زيارتهن للمقابر فى صفحة 588من المجلد الأول من هذه الفتاوى. أما إذا كانت الزيارة بعد صلاة العيد لتجديد الأحزان ولتقبل العزاء على القبر أو إقامة سرادق أو تهيئة مكان لذلك فهو مكروه، لأن التعزية بعد دفن الميت بثلاثة أيام ممنوعة على جهة الحرمة أو الكراهة. ولأنة يوم عيد وفرح وسرور فينبغى عدم إثارة الأحزان فيه (8/391) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 10:45 pm | |
| البناء على المقابر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى المقابر والأضرحة المرتفعة عن الأرض؟
الجواب روى مسلم وغيره أن ثمامة بن شُفَى قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم "رودس " فتوفى صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوى ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "يأمر بتسويتها، وروى عن أبى الهياج الأسدى قال: قال لى على بن أبى طالب: ألا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته قال الترمذى: بعض أهل العلم يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض إلا بمقدار ما يعرف أنه قبر، لكيلا يطأه الناس ولا يجلسوا عليه. قال الشافعى: وأحب ألا يزاد فى القبر تراب من غيره، وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه، وأحب ألا يبنى ولا يجصص ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة، وقد رأيت من الولاة من يهدم ما يبنى فى المقابر، ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك، وقد صرح بتحريم الزيادة على ذلك أصحاب أحمد ومالك وبعض الشافعية. جاء فى فقه المذاهب الأربعة، نشر أوقاف مصر، يكره أن يبنى على القبر بيت أو قبة أو مدرسة أو حيطان تحدق، "كالحيشان " إذا لم يقصد بها الزينة والتفاخر وإلا كان ذلك حراما، ويحرم ذلك إذا كانت الأرض مسبلة أو موقوفة للدفن، لأن فى البناء تضييقا وتحجيرا على الناس، والشافعية قالوا: يجوز أن تُبنى قبور الأنبياء والشهداء والصالحين، وأن ترفع عليها القباب ولو فى الأرض الموقوفة، وذلك إحياء لذكرهم. يؤخذ مما سبق أن البناء على القبور ورفعها فوق ما تتميز به مكروه وليس بحرام إلا إذا كان للتفاخر أو فى الأرض المسبلة والموقوفة للدفن فيكون حراما، واستثنى الشافعية من الكراهة والحرمة قبور الأنبياء والشهداء والصالحين فأجازوا البناء عليها لإحياء ذكرهم ورأى الجمهور أقوى (8/392) ________________________________________ فرش القبر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال مات رجل عظيم بين أهله فأكرموه عند دفنه فوضعوا له مخدة وفرشوا قبره ووضعوا فيها الحناء، فهل هذا جائز؟
الجواب أما وضع الحناء فى القبر فهو كوضعها فى الكفن لا غبار عليه كما قال جمهور الأئمة، أما وضع فراش فى القبر أو وسادة فقد جاء فى " المواهب اللدنية للقسطلانى ج 2 ص 380" فى الكلام على وفاه النبى صلى الله عليه وسلم أنه روى أنه بنى فى قبره تسع لبنات وفرش تحته قطيفة نجرانية كان يتغطى بها، فرشها مولاه "شُقران " فى القبر وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك. قال النووى: وقد نص الشافعى وجميع أصحابه وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مضربة أو مخدة ونحو ذلك تحت الميت فى القبر، وشذَّ البغوى من أصحابنا فقال فى كتابه "التهذيب " لا بأس بذلك، لهذا الحديث، والصواب كراهة ذلك كما قاله الجمهور، وأجابوا عن هذا الحديث بأن "شُقران " انفرد بفعل ذلك ولم يوافقه أحد من الصحابة ولا علموا بذلك، وإنما فعله "شُقران " لما ذكرناه عنه من كراهية أن يلبسه أحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم انتهى. ثم يقول القسطلانى: وفى كتاب "تحقيق النصرة" للزين المراغى قال ابن عبد البر: ثم أخرجت -يعنى القطيفة-من القبر لما فرغوا من وضع اللبنات التسع، حكاه ابن زَبَالَة، يقول الزرقانى عنه: كذبوه ومات قبل المائتين، روى له أبو داود "ج 8 ص 293 ". ويؤخذ من هذا أن مجرد وضع الحناء فى القبر لتخفيف رائحة الجثة لا مانع منه، أما،في وضع فراش فى القبر فمكروه، لأنه إضاعة مال دون حاجة، والفراش الذى ينفع الميت ويريحه هو عمله الصالح. وفى الحديث "يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله -عبيده -وعمله. فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى معه عمله " رواه البخارى ومسلم (8/393) ________________________________________ البهرة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نسمع عن طائفة مسلمة تعيش فى الهند تسمى بالبهرة، فما أصل هذه الطائفة وما صلتها بالأمة الإسلامية؟
الجواب 1 - البهرة - طائفة من الشيعة مركزها الآن " بومباى " بالهند يقرب عددهم من مليون ونصف المليون، والبهرة هى الوسط من كل شىء، أو الوسط من الطريق، وهو فى الأصل اسم لقبيلة من اليمن، يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين " أمير الجامعة السيفية": الدعاة الفاطميون حين نزلوا على الساحل الغربى للهند " ساحل بحر العرب " سألهم أهل الهند: من أنتم؟ قالوا: جئنا للتجارة. والتجار فى اللغة الهندية المحلية كانوا يسمون " وهرة " وبلغة الهند حيث الواو والباء مترادفتان سموا " البهرة " فاسمهم مشتق من اللغة الكجراتية " الجو جاراتيه " السائدة فى غربى الهند. 2 - البهرة أصلهم فاطمى، خرجوا من مصر والدولة الفاطمية قائمة، وعند زوالها من مصر واغتيال الخليفة العشرين " العامر بالله " سنة 1130 م ادعى قبل موته التنبؤ ببداية مرحلة من الفوضى، وأن استمرار دعوته لابد أن يكون فى الستر والخفاء، وقد ورث عنه ابنه الأوسط " الطيب " الإمامة وهاجر مع أتباعه إلى اليمن، وقد تسلسل الدعاة فى اليمن أربعة قرون تقريبا، ثم نقلوا مركز الدعوة إلى الهند. ويحاول البهرة أن يكون طراز حياتهم فاطميا، فقد كانوا أولا فى المدينة إلى أيام جعفر الصادق ثم انتقلوا إلى عدة مراكز فى " سلمية " بسوريا، وأرادوا أن يقيموا دولة، فأقاموها أولا فى " أبكجان " بالجزائر، ثم بنوا عاصمتهم " المهدية " فى تونس، واختاروا " المنصورية " عاصمة لهم، ثم القاهرة، وقد تم ذلك فى عهد أربعة أئمة: المهدى بالله، القائم بأمر الله، المنصور بالله، ثم المعز لدين الله الذى نقل العاصمة إلى القاهرة. بعد المعز لدين الله ت جاء العزيز بالله، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، والمستعلى، والآمر بأحكام الله، والأخير هو الإمام العشرون فى عداد الأئمة الفاطميين بعد على بن أبى طالب. وابنه "الطيب " هو الحادى والعشرون، والإمام الآمر هو الذى أمر بحمل ابنه الإمام وإبعاده عن القاهرة إلى بقعة أخفوها عن الناس، ثم أقاموا لهم فى اليمن نائبا، فالفاطميون يعتقدون أن الأئمة من نسل الإمام الطيب، وأن النواب والدعاة تسلسلوا من نسله إلى وقتنا هذا، فوجود الداعى يدل على وجود الإمام. وسوف يأتى يوم يظهر فيه الإمام. يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: نحن نختلف مع الاثنى عشرية، فالذى اختفى عندهم هو الإمام الثانى عشر والذى سيظهر بشخصه يوما ما، أما نحن فنقول: إن الذى اختفى هو " الطيب " وحين انتهى عمره الطبيعى خلفه ابنه إماما، وهكذا فنحن لا نعتقد أن الإمام يعيش فوق عمره الطبيعى. وسلاطين البهرة هم النواب، ورتبهم الدينية هى رتبة الداعى المطلق، واشتهروا بالسلاطين فى اليمن والهند، وهم دون الأئمة رتبة. ويدعون لهم ولا يدعون لأنفسهم. والعصمة للإمام ومن ينوب عنه من الدعاة حتى لا يخرج عن المذهب. 3-جاء فى الحديث عنهم: أن العامر بالله المتوفى سنة،1130 م عين قبل وفاته مجلسا للوصاية من بعض الدعاة على ورثته وهو ابنه "الطيب " كما عين أخاه " عبد الماجد " لرعاية شئون الجماعة الدنيوية نيابة عن الطيب، ولكن بعد موت " العامر " اغتصب عبد الماجد الإمامة من ابن أخيه بمساعدة قائد الجيش، فلما شعر أعضاء المجلس بتعرض " الطيب " للخطر أخفوه عن الأنظار، ولم يعرف عنه شىء بعد ذلك، واعتبروا هذا بداية عهد الستر، وقد نشطت الدعوة فى اليمن منذ أواخر القرن الحادى عشر حيث كانت مقرا لداعيهم، وانتشرت عن طريق التجارة فى شرقى أفريقيا وغربى الهند، وهم مشهورون بمزاولة التجارة والثراء العظيم. ولابد أن يدفع كل بالغ مبلغا من المال للجماعتين على دفعتين فى العام، يتناسب مع ثروته وأهمية المناسبة، وغالبا ما يكون من 5 - 1، شلنا. يذهب جزء من المبالغ إلى خزينة السلطان، ويحتفظ مندوبوه المعروفون بالعمال فى الأقاليم بالباقى، ويحصل كل منهم على مرتب ثابت ومقر لإقامته بالمجان، فضلا عن مكافأة من خزينة المجلس للطائفة، ولهذا يطمع الكثيرون فى هذه المناصب. 4 - أركان الإسلام عندهم سبعة: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والولاية، والطهارة، وتتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام، ويقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: قولنا بالطهارة احتياط، لأننا فى وسط بيئة غير مسلمة -بالهند- وهم فى صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يصلون الجمعة، بل يصلونها ظهرا، ويصلون العيد بدون خطبة أربع ركعات، ويقدسون مأساة كربلاء لمدة عشرة أيام، ويحتفلون بيوم " غديرخم " فى يوم 18 من ذى الحجة حيث تمت الوصية للإمام على، يصومون فيه ويجددون العهد للداعى المطلق فى بومباى أو الدعاة المبايعين وهم نوابه فى الأقاليم. وأتباع الداعى يطيعونه طاعة عمياء، وهناك عهد قديم بالولاء للإمام الطيب والإمام المنتظر. والداعى المطلق عندهم معصوم فى كل تصرفاته. 5 - زعيمهم الراحل هو الدكتور: ملا صاحب أبو محمد طاهر سيف الدين، كان شاعرا، ورأس جامعة " عليكره " واهتم بالعلوم الدينية وإحياء التراث الفاطمى، وهو الداعية رقم 51 فى سلسلة الدعاة الفاطميين، وتولى هذه الدعوة من 1915 - 1965 م وطور الدراسة فى الجامعة " السيفية " فى مدينة " سورت " وهى حصن الثقافة الإسلامية والعربية، وكان يلقى محاضرات باللغة العربية فى رمضان وتطبع بعنوان " الرسالة الرمضانية ". والزعيم الحالى هو الدكتور محمد برهان الدين الداعية رقم 52. وقد أقاموا للداعية الراحل مسجدا وضريحا فى قلب الحى التجارى فى بومباى فى منطقة: "بهاندى بازار " واحتفلوا بافتتاحه يوم السبت 8 من ربيع الآخر سنة 1395 هـ (9 / 4 / 1975 م) فى شارع إبراهيم رحمة الله. ودعى إليه علماء كثيرون، منهم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، والشيخ محمد خاطر مفتى مصر، ومعهما الشيخان محمود خليل الحصرى وعبد الباسط محمد عبد الصمد لقراءة القرآن، والشيخ محمد الطوخى للأناشيد. ويوجد فى مكتبة السلطان ومكتبة الجامعة السيفبة مخطوطات فاطمية نقلت بعد ضعف الدولة الفاطمية من مصر إلى اليمن ثم الهند، وحافظوا عليها حتى منعوا تداولها، ثم أباح السلطان أو الزعيم الراحل نشر بعضها. والضريح مبنى على الطراز الفاطمى حيث حضر إلى مصر مهندس منهم اسمه " يحيى مرتد" وصور عدة مساجد من ذلك العهد، والمسجد يسمى " روضة طاهرة" مساحته ثلاثة آلاف متر مربع، عرض كل جدار إحدى وخمسون قدما، رمزا لرقم الداعية المتوفى، والارتفاع ثمانون قدما، رمزا لعمره، وغطيت جدرانه بالمرمر المضاهى لمرمر "تاج محل " من منطقة " راجستان " بالهند، ومن مميزاته أنه يظل باردا على الرغم من حرارة الجو، ونقش القرآن كله على ألواح مرمرية عددها 772 كل لوح 3x 2 من الأقدام، ورصعت البسملات بخمسة أنواع من الجواهر: الياقوت، المرجان، الدر الزمرد، الماس. وسورة الإخلاص كلها مرصعة بالياقوت الأحمر، واستغرق البناء ثمانى سنوات منها أربع لحفر القرآن وطلائه [سنتان للحفر وسنتان للنقش، والطلاء والترصيع] . المراجع: 1 -استطلاع مجلة العربى عدد سبتمبر 1975 م بقلم محمد حسنى زكى. 2 - الأهرام 2/5/1975 بقلم الدكتور ياسين مراد. 3-مجلة المصور 20/1/1978 تحقيق أحمد أبو كف (8/394) ________________________________________ إخوان الصفا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نسمع عن إخوان الصفا وأن لهم رسائل فمن هم هؤلاء وهل هم مسلمون؟
الجواب إخوان الصفا جماعة دينية سرية عنيت بالسياسة والفلسفة، ويرجح بعض الكاتبين أنهم من الشيعة الباطنية وكانوا حريصين على إخفاء نسبتهم إليها وقد ظهرت بالبصرة فى النصف الثانى من القرن العاشر الميلادى " الرابع الهجرى" وسموا أنفسهم " إخوان الصفا وخلاَّن الوفا وأهل العدل وأبناء الحمد". وزعموا أن جماعتهم تجمعت بالعشرة وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة، فوضعوا بينهم مذهبا زعموا أنه يقربهم إلى فوز برضوان اللَّه، وقالوا: لا سبيل إلى إصلاح الشريعة إلا بالفلسفة، كتبوا خمسين رسالة قى جميع أجزاء الفلسفة العلمية والعملية ونشروها بين الناس دون أن يصرحوا بأسمائهم، وفيها ضروب من المعارف محشوة بخرافات وكنايات وتلفيقات بين الفلسفة والأحاديث التى تحشى قى طياتها حشوا بلا اتساق وتعاليمهم فيها لا تتقيد بواجبات الشريعة، وإن كانت اراؤهم الطبيعية والعلمية دقيقة إلى حد كبير وتنقسم رسائلهم إلى أربعة أقسام: الرياضيات، الجسمانيات أو الطبيعيات، النفسيات أو العقليات، الناموس أو الإلهيات. إلى جانب الرسالة الجامعة التى توضح وتجمع كل مسألة تعرضت لها الرسائل الأصلية، كما ذكر الكاتبون أسماء مؤلفيها الخمسة، لكن لا تهمنا معرفتهم (8/395) ________________________________________ العلمانية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يتحدث الناس كثيرا عن العلمانية، فما هو أصلها وما هو موقف الإسلام منها؟
الجواب مما هو مقرر أن الحكم على الشىء فرع عن تصوره، فلابد من تحديد المفاهيم حتى يمكن الحكم عليها حكما صحيحا، والعلمانية لفظ وجد فى كتبنا العربية حديثا عند ترجمة ما يقابلها فى اللغات الأجنبية عن طريق الإدارة العامة للتشريع والفتوى بمجلس الأمة المصرى - آنذاك - كما هو ثابت فى الموسوعة العربية للدساتير العالمية التى أَصدرها المجلس المذكور سنة 1966 م. وبعيدا عن صحة النطق بهذه الكلمة، الذى ذهب فيه الكاتبون مذاهب شتى، وكان فرصة استغلت للدعوة إلى وجهة نظر معينة كما هو شأن المتشابه من النصوص الذى جاء فيه قول الله تعالى: {فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. . .} آل عمران: 7،. بعيدا عن ذلك، فإن نسبة العلمانية إلى العلم أو العالم ليست على قياس لغوى، وهى ترجمة للكلمة الإفرنجية " لاييك " أو" سيكولا ريسم " وتعنى " لا دينية" على أى وجه تكون، وفى أى ميدان تطبق، وعلى أى شىء تطلق. وهى نزعة أو اتجاه أو مذهب اعتنقه جماعة فى أوروبا فى مقابل ما كان سائدا فيها فى العصور المظلمة، التى تسلط فيها رجال الدين على كل نشاط فى أى ميدان، مما تسبب عنه ركود وتخلف حضارى بالنسبة إلى ما كان موجودا بالذات عند المسلمين من تقدم فى كل المجالات. وكان معتنقو هذا المذهب فى أول الأمر فى القرنين السابع عشر والثامن عشر قد وقفوا من الدين موقف عدم المبالاة به، وتركوا سلطانه يعيش فى دائرة خاصة، واكتفوا بفصله عن الدولة. ومن أشهر هؤلاء "توماس هوبز " الإنجليزى المتوفى سنة 1679 م، " جون لوك " الإنجليزى المتوفى سنة 1704 م، " ليبنيتز" الألمانى المتوفى سنة 1716 م، " جان جاك روسو" المتوفى سنة 1778 م. وفى القرن التاسع عشر كانت المواجهة العنيفة بين العلمانية والدين، وذلك لتغلغل المادية فى نفوس كثير ممن فتنوا بالعلم التجريبى، إلى حد أنكروا فيه الأديان وما جاءت به من أفكار، واتهموها بتهم كثيرة كرد فعل للمعاناة التى عانوها من رجال الدين وسلطانهم فى زمن التخلف الذى نسبوه إلى الدين، ذلك الدين الذى كان من وضع من تولوا أمره، والدين الحق المنزل من عند الله برىء منه. ومن أشهر هؤلاء المهاجمين " كارل ما كس " الألمانى المتوفى سنة 1883 م، " فريدريك أنجلز " الألمانى المتوفى1895 م، " فلاديمير أوليانوف لينين " الروسى المتوفى سنة 1924 م. هؤلاء لم يقبلوا أن تكون هثاك سلطة ثانية أبدا، حتى لو لم تتدخل فى شئون الدولة، وإن كانت هذه العداوة للدين بدأت تخف، وتعاونت السلطات السياسية والاستعمارية على تحقيق أغراضها. لقد تأثر بهذا المذهب كثيرون من الدول الغربية، وقلدها فى ذلك بعض الدول الشرقية، ووضعت دساتيرها على أساس الفصل بين السياسة والدين، مبهورة بالتقدم والحضارة المادية الغربية، اعتقادا أنها وليدة إقصاء الدين عن النشاط السياسى والاجتماعى. إن العلمانية بهذا المفهوم، وهو عدم المبالاة بالدين، يأباها الإسلام، الذى هو من صنع الله وليس من صنع البشر، فهو منزه عن كل العيوب والمآخذ التى وجدت فى الأديان الأخرى التى لعبت فيها الأصابع وحرفتها عن حقيقتها. ذلك لأنه دين الإصلاح الشامل، الذى ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بالمجتمع الذى يعيش فيه، ويوفر له السعادة فى الدنيا والاَخرة على السواء، فهو كما يقال، دين ودنيا، أو دين ودولة، أو عبادة وقيادة. . . ومن مظاهر ذلك ما يأتى: 1 - عقائد الإسلام ليست فيها خرافات ولا أباطيل، فهو يقدس العقل ويأمر بتحكيمه إلى حد كبير. 2 - الإسلام ليس منغلقا على معلومات معينة يتلقاها بنصها من الوحى، بل هو كما يقال، دين منفتح على كل المعارف والعلوم ما دامت تقوم على حقائق وتستهدف الخير. 3 - الإسلام يمقت الرهبنة التى تعطل مصالح الدنيا، ويجعل النشاط الذى يبذل لتحقيق هذه المصالح فى منزلة عالية، لأنه جهاد فى سبيل الله، والتاجر الصدوق الأمين يحشر مع النبيين والصديقين، فهو دين يعمل للدنيا والآخرة معا. 4 - الإسلام يقرر أن السلوك الاجتماعى مقياس لقبول العبادة، فمن لم تثمر عبادته، بمفهومها الخاص من العلاقة بين العبد وربه، استقامة فى السلوك فهى عبادة مرفوضة لا يقبلها اللَّه {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون} الماعون: 4 - 7. هـ - الإسلام ليس فيه كهنوت يتحكم فيه بعض من الناس فى مصائر الناس بإدخالهم الجنة أو حرمانهم منها، بناء على اعتبارات خاصة، فمدار ذلك على العقيدة الخالصة والعمل الصالح، وليس المشتغلون بعلوم الدين إلا معلمين ومرشدين، والأمر متروك بعد ذلك لمن شاء أن يستفيد أو لا يستفيد بالتطبيق. وقد يكون المتعلم أقرب إلى الله من معلمه، بالتزام الطريق المستقيم الذى رسمه الله لهم جميعا، فما دامت العبادة للَّه وحده فهو وحده الذى يقبل منها ما يشاء. 6 -الإسلام ليس فيه سلطة مقدسة مستمدة من سلطة اللَّه، وليس فى البشر من هو معصوم من الخطأ، إلا من اصطفاه الله لرسالاته، والحكم من ذوى السلطان ليس لذواتهم، بل الحكم للدين أولا واَخرا، فكل شىء فيه اختلاف رأى يرد إلى اللَّه وإلى الرسول، أى الكتاب والسنة. 7- مبادىء الشريعة تستهدف تحقيق المصلحة، فإذا لم يوجد نص واضح فى أمر تعددت فيه وجهات النطر من أهل النظر وكان يحقق المصلحة العامة كان مشروعا، وبخاصة فى أمور الدنيا، فالناس أعلم بشئونها. 8 - الإسلام دين تقدم وتطور وحضارة، ليس جامدا ولا متمسكا بالقديم على علاته فهو ينهى عن التبعية المطلقة فى الفكر أو السلوك الذى يظهر بطلانه، بل يقرر أن الله يبعث مجددين على رأس كل قرن، يوضحون للناس ما أبهم، ويصححون لهم ما أخطأوا فيه ويوائمون بين الدين والحياة فيما تسمح به المواءمة، لأنه دين صالح لكل زمان ومكان، ومن مبادىء التربية المأثورة عن السلف: لا تحملوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم. والمراد بالأخلاق العادات التى تقبل التغيير، أما أصول الأخلاق فثابتة. بهذا وبغيره نرى الإِِسلام يرفض العلمانية، وأن المسلمين ليسوا فى حاجة إليها، وإنما هم فى حاجة إلى فهم دينهم فهما صحيحا، وتطبيقه تطبيقا سليما كاملا، كما فهمه الأولون وطبقوه، فكانوا أساتذة العالم فى كل فنون الحضارة والمدنية الصحيحة، وضعف المسلمين وتأخرهم ناتجان عن الجهل بحقائق الدين وبالتالى عدم العمل بما جاء به من هدى، وبالجهل قلدوا غيرهم فى مظاهر حضارتهم، وآمنوا بالمبادىء التى انطلقوا منها دون عرضها على مبادىء الإِِسلام، لأنهم لا يعرفون عنها إلا القليل. ولئن رأينا بعض دول المسلمين الآن قد نقلوا معارف غيرهم ممن يدينون بالعلمانية، فليس ذلك دليلا على أنهم آمنوا بما آمنوا به، وإنما هو للاطلاع على ما عندهم حتى يعاملوهم على أساسه، وإذا كانوا قد قبسوا من مظاهر حضارتهم فذلك للاستفادة من نتائج علمهم وخبرتهم فيما يقوى شوكة المسلمين ويدفع السوء عنهم، والتعاون فى المصالح أمر تفرضه طبيعة الوجود، وهو مشاهد فى كل العصور على الرغم من اختلاف العقائد والأديان. والمهم ألا يكون فى ذلك مساس بالعقيدة أو الأصول المقررة وأن يستهدف الخير والمصلحة. هذا، والأدلة على ما قلناه مما جاء به الإِِسلام كثيرة تركتاها للاختصار، والمقصود هو إلقاء بعض الضوء على هذا المصطلح وموقف الدين منه (8/396) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 10:50 pm | |
| الماسونية وموقف الدين منها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الماسونية وما موقف الدين منها؟
الجواب الماسونية جمعية سرية يهودية يرجع تاريخها إلى العصر الرومانى، تأسست فى مدينة " أورشليم " زمن الوالى " هيرودوس أغريبا " ملك اليهودية من سنة 37 - 44 بعد الميلاد، وهو حفيد "هيرودوس الكبير " الذى قتل أطفال بيت لحم، خشية أن يكون فيهم المسيح الذى سيقضى على ملكه. وكان الغرض من تأسيسها مناهضة الدين المسيحى، ثم تطور غرضها إلى مناهضة الأديان عامة وإعادة مجد إسرائيل والعودة إلى أرض فلسطين، ثم عدل اسمها وظهرت بنشاطها فى المحاربة وسميت " الجمعية الماسونية " أو البنائين الأحرار، وكان ذلك سنة 1717 م وشعارهم: المثلث والفرجار، وأسسوا فى بريطانيا أول محفل ماسونى، جعلوا شعاره: الحرية والإخاء والمساواة، وأصدر فى لندن القرار التالى الذى يبين حقيقة أغراضهم: 1 - المحافظة على اليهودية. 2 - محاربة الأديان عامة والكاثوليكية خاصة. 3- بث روح الإلحاد والإباحة بين الشعوب. ثم تأسست لها محافل فى أمريكا وغيرها، وقد اغتر بشعارها بعض المسلمين فانضم إليها، حتى إذا ما ظهر له هدفها تبرأ منها، وخاف أكثرهم أن يذيع أسرارها حتى لا يقتل، وتوجد شهادات لكبار الكتاب الغربيين ونشرات رسمية يهودية وأبحاث من مختصين، تبين تخطيط اليهود الواسع لإفساد العالم تحت شعارات براقة يجب أن يتنبه إليها المسلمون، فمن أكبر شعاراتهم: الأديان تفرقنا والماسونية تجمعنا. جاء فى دائرة المعارف الماسونية الصادرة فى "فيلادلفيا" سنة 1906 م: يجب أن يكون كل محفل رمزا لهيكل اليهود، وهو بالفعل كذلك، وأن يكون كل أستاذ على كرسيه ممثلا لملك اليهود، وكل ماسونى تجسيدا للعامل اليهودى. وجاء فى نشرة ماسونية صادرة فى لندن سنة 1935: إن أمنيتنا هى تنظيم جماعة من الناس يكونون أحرارا جنسيا، نريد أن نخلق الناس الذين لا يخجلون من أعضائهم التناسلية، ولذلك أسسوا نوادى للعراة فى دول كثيرة، وسعوا بكل وسيلة لتدمير مقومات الشعوب غير اليهودية والقضاء على القيم الأخلاقية. وحتى لا يفتضح أمرها أكثر، وللحرص على انتشارها بشكل أوسع ظهرت الماسونية تحت عناوين مختلفة، وأنشأت فروعا متعددة، منها: البناى برث، والكيوانى، والليونز، والاكستشانج، وشهود يهوه، ومنها الاتحاد والترقى، ونادى القلم، ونادى الصلبان الزاهرة، وكذلك الروتارى. وقد ذكر بعضها " تشارلس ماردن، فى كتابه " الروتارى وأخوته " الذى نشر سنة 1936 م، وهذه نبذة بسيطة عنها: 1 - بناى برث، أو أبناء العهد، أنشئت فى نيويورك سنة 1843 م على نظام الماسونية، واقتصرت فى قبول الأعضاء بمحافلها على اليهود، ثم انتشرت فروعها فى العالم كله. يقول " فوستر دالاس " فى حفل أقامته هذه المؤسسة فى 8 من مايو سنة 1956 م: إن مدنية الغرب قامت فى أساسها على العقيدة اليهودية، ولذلك يجب على الدول الغربية أن تعمل بعزم أكيد من أجل الدفاع عن المدنية فى معقلها الحالى "إسرائيل ". 2 - الكيوانى، أصل التسمية من الكلمة الهندية " كى-وانى " أى اعرف بنفسك كيف تجعل صوتك مسموعا، ومع عدم وضوح العلاقة بين العنوان والهدف، فقد أسسه بعض الماسونيين فى "ديترويت " بأمريكا، ورخص لهم به فى 21 من يناير سنة 1915 م. وفى مايو سنة 1917 م ظهرت المنظمة العالمية لنوادى الليونز إلى الوجود وعقدت اجتماعاتها الأولى فى شيكاغو، الوطن الأم لنوادى الروتارى وجاء فى جريدة الأهرام الصادرة فى 2 / 12 / 1985 م أن وزيرة التأمينات والدولة للشئون الاجتماعية تدشن اليوم فى فندق شيراتون القاهرة أحدث ناد لسيدات الليونز ويحمل رقم 19 فى قائمة نوادى الليونز سيدات ورجال، ويتم فى حفل التدشين تسليم الإشارات والشهادات للمؤسسات البالغ عددها 27 مؤسسة، وذكر الخبر أسماء هيئه النادى، الذى أطلق عليه اسم " نادى سيدات ليونز شمال القاهرة ". 4 - الاكستنشانج، تأسس فى ديترويت فى 27 / 3 / 1916 م بمساعى تاجر المجوهرات " تشارلس بركى ". وفى أغسطس سنة 1917 م عقد المؤتمر الوطنى الأول. 5 - شهود يهوه مؤسسة يهودية ترتدى ثوبا مسيحيا، أخذت اسم "يهوه " كما جاء فى التوراة، تأسست فى ولاية بنسلفانيا بأمريكا سنة 1884 م ثم انتقلت إلى نيويورك سنة 1909 م. ومن طرق دعوتها اقتحام البيوت لإلقاء دروس دينية من التوراة، وهى من أخطر الجمعيات اليهودية، لأنها تخدع الجماهير المسيحية الساذجة وتدخل نبوءات التوراة المحرفة فى النفوس بعودة اليهود إلى أرض الميعاد. لقد كشف أمر الماسونية سنة 1951 م فى مجلة القوات المسلحة حين تظاهر صحفى باعتناقها وعرف أسرارها. وفى صحف سرية كانت مرسلة إلى جهة ما بمعرفة ضابط أمريكى، عبث ولده برباطها فتبعثرت، فقرأ ما فيها ونشرها، فقتلوه، والظابط اسمه " سبير سفيتش " ألف كتابا بالعنوان "الدنيا لعبة إسرائيل " ترجم إلى العربية، وقدم له وزير التعليم بالسعودية. وكان للماسونية محافل وجمعيات فى مصر صدر قرار وزارة الشئون الاجتماعية بحلها فى 18 / 4 / 1964 (8/397) ________________________________________ الروتارى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نسمع عن تشكيل يطلق عليه اسم " الروتارى " فهل فيه تعاليم تخالف تعاليم الإسلام؟
الجواب جاء فى المصادر التى كتبها المنتسبون إلى الروتارى، والمعلقون عليه أن المحامى اليهودى " بول هاريس " الذى كان يعيش فى شيكاغو أحس بالوحدة وبحاجته الملحة إلى الزمالة والصداقة، ففكر فى جمع بعض الأصدقاء فى مكتبه فى روح أخوية، ليتدارسوا كيفية رفع مستوى كل منهم. وأول اجتماع كان فى 23 من فبراير سنة 1905 م حضره أربعة من الأصدقاء، واتفقوا على أن يكون الاجتماع أسبوعيا فى مكان عمل واحد منهم، ومن هنا جاء اسم: " الروتارى ". ولما كثر عددهم وضاقت بهم أماكن العمل أصبحت اجتماعاتهم حول موائد للطعام، مع مناقشة ما يرون من مسائل. ثم أنشأوا ناديا ثانيا فى " فرنسيسكو " سنة 1908 م، وتكونت نواد خارج أمريكا، كان أولها نادى " وينينج " فى كندا سنة 1912، ثم انتشرت فى كثير من البلاد، حتى صار عددها 17800 فى 154 دولة ومنطقة جغرافية حسب إحصاء نوفمبرسنة 1978 م. وهذه النوادى تعقد مؤتمرات كان أولها فى شيكاغو سنة 1910 م وكان أول مؤتمر خارج أمريكا سنة 1921 م فى " أدنبرة " باسكوتلاندا حيث أطلق عليه اسم: الروتارى الدولى. وفى سنة 1922 م عقد المؤتمر فى " لوس أنجلوس " بأمريكا، واستمرت المؤتمرات تنعقد سنويا منذ ذلك التاريخ، وكان آخرها رقم 69 فى طوكيو سنة 1978 م. ونوادى الروتارى تعتبر أعضاء فى مؤسسة الروتارى الدولية، ومقرها مدينهَ " أفنسنون " بولاية " ألينوى " بالولايات المتحدة الأمريكية. تبين أن فكرة النادى نبعت من الحاجة إلى، طرد شبح الوحدة والعزلة وإلى الاندماج مع الناس، والتفكير فى تحسين حال الزملاء الذين يجمعهم النادى، ثم وضح نادى الروتارى فى مصر الغرض من إنشائه وركزه فى أمور أربعة: 1 - توسيع مدى التعارف لإتاحة الفرصة للخدمة. 2- بلوغ مستوى خلقى سام فى الأعمال والمهن. 3 - تمسك كل روتارى بمبدأ الخدمة فى حياته الشخصية العملية والاجتماعية. 4 - تعزيز روح التفاهم الدولى والنية الصادقة وحب السلام، وذلك بتوثيق أواصر الزمالة فى العالم بين الروتاريين أصحاب الأعمال والمهن. وهذه الأغراض فى شكلها وفى جملتها قد تغرى بالانضمام إلى هذه النوادى، أو على الأقل عدم التعرض لنشاطها ما دام يستهدف تحقيق هذه الأغراض. ومن المعلوم أن هناك صلة بينها وبين الماسونية، ومن شواهد ذلك: 1 - أن شعار جميع الأعضاء هو " الأديان تفرقنا والروتارى يجمعنا" وهو شعار الماسونية. وقد قرر مجلس إدارة الروتارى الدولى فى اجتماع عام 40 / 1941 م أن نوادى الروتارى تضم أعضاء من مختلف الأديان والمبادئ، ولكل أن يتمسك بعقيدته الدينية، مع الاحترام الكامل لعقيدة الآخرين. وقد وضع الأديان كلها فى مستوى واحد من الاحترام، بصرف النظر عما هو سماوى أو أرضى، وفى ذلك -كما يقال -غسل القلوب والعقول تمهيدا لغرس ما يراد فيها مما تخطط له الماسونية من سيطرة الدين اليهودى وأفكار التلمود التى استغنوا بها عن التوراة. 2 - أن المجموعة الأولى التى اشتركت مع "بول هاريس " فى تأسيس الروتارى كانت أعضاء فى المحافل الماسونية، بل إنه فى بعض الحالات قصرت عضوية النادى على الماسون فقط مثل نادى "أدنبرة " فى بريطانيا سنة 1921 م. 3 - يقول الصحفى التركى (شهاب طان) -كما جاء فى كتاب "فى زنزانات إسرائيل " -. ولكن المحافل الماسونية غيرت اسم بعضها إلى جمعيات الروتارى بعد أن عرفت أسرارها وأهدافها. 4 - حذر الفاتيكان من خطر هذه الأندية، فصدر مرسوم من المجلس الأعلى فى 0 2 من كانون أول سنة 1950 م قرر فيه الكرادلة ما يأتى: " دفاعا عن العقيدة والفضيلة تقرر عدم السماح لرجال الدين بالانتساب إلى الهيئة المسماة بنوادى الروتارى، وعدم الاشتراك فى اجتماعاتها ". 5 - أن بعض الجمعيات والتنظيمات الحديثة التى دخلت المحيط الإسلامى ظهر أن لها صلة قوية بتنظيمات غربية تستهدف مصالح الغرب وبخاصة اليهود، كجمعية: " أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكية " التى يعمل " هوبكنز " نائبا لرئيسها، وقد كان قسيسا ومنتسبا لطائفة خطيرة، وله نشاط واسع فى السياسة لصالح أمريكا وبريطانيا، وقد قاطعت شخصيات إسلامية هامة مؤتمره الذى عقد سنة 1954 م. فى " بحمدون " بلبنان، معلنة أن الإسلام ليس فى حاجة إلى توجيهات أجنبية. إن أقل ما يقال فى الروتارى وأمثاله أنها تشكيلات تحوم حولها الشبهة لما يأتى: 1 - أن المؤسسين الأول يهود، ونحن نعرف ماضيهم وما ارتكبوه من جرائم فى حق الإنسانية كلها، وسجل القرآن كثيرا منها، وما يزال العرب والمسلمون يعانون منهم إلى اليوم. 2 - هل عقمت تعاليم الإسلام وأفكار المسلمين أن تضع أهدافا إنسانية كالتى يدعيها المؤسسون للروتارى؟ وهل نحن فى حاجة إلى ما يضعه لنا الأجنبى المعروف بعدائه، والذى يصبغه بألوان ينخدع بها المصابون بعقدة الخواجة؟ . 3 - إن اللمسة الروحية تنقص هذه النوادى فالاهتمام كله فى الخدمة بالمفهوم الذى يعرفه من تورط فيها وقتا أو راقب نشاطها، دون اهتمام بالثواب الأخروى فهو أمر ثانوى، وقد فطن لخطرها آباء الكنيسة المسيحية، فقد خطب " تشيسترون " فى حفل أقيم سنة 1931 م فى نيويورك، ووصف منظمة الروتارى بأنها تنقصها اللمسة الروحية وأن شيئا غير أخلاقى يهيمن عليها وعلى علاقات أفرادها. انتهى. 4 - جاء فى جريدة "الشهاب " بتاريخ 13 / 5 / 1964 م أن أول مؤتمر ماسونى روتارى عقد فى " رامات غان " بفلسطين المحتلة، وامتدحوا فيه إسرائيل. هذه هى نوادى الروتارى من كلام أعضائها والمتصلين بها، والمسلمون بالذات ليسوا فى حاجة إليها، وإذا كان لبعض أعضائها نشاط دينى فهو ليس نتيجة الانتساب إليها، وإذا كان لبعض الشخصيات اتصال بها فى مناسبة ما فليس ذلك شهادة بأنها بعيدة عن الشبهة، ومن أراد أن يباشر نشاطا اجتماعيا لا شبهة فيه فما أكثر ميادينه البريئة، ولتكن لنا شخصية مستقلة فى فكرها وسلوكها، تتخذ مقوماتها من الدين الذى أكمله الله وأتم به النعمة، ووعد على التمسك به حياة طيبة فى الدنيا والأخرى. الروتارى فى مصر: فى مطلع سنة 1928 م زار مصر المستر " جلاكستين " وهو من أعضاء نادى " هامر سميث " بانجلترا، وتقابل مع مجموعة من الرجال كانوا يجتمعون على الغداء مرة فى كل أسبوع، فدعاهم إلى إنشاء أول ناد للروتارى فى المنطقة، فوافقوا وأصبح عددهم 16 وفى يناير 1929 م بعث الروتارى الدولى مندوبا عنه هو المستر دافيد سن من كالجرى بكندا لحضور أول اجتماع للنادى فى 2 من يناير سنة 1929م فى فندق شبرد وكان عدد الأعضاء 22 عضوا، وبعث الروتارى الدولى مندوبا عنه هو المستر " كوك بونينج " من هولندا ليسلم رئيس النادى وقتذاك المستر "مارتن " شهادة تأسيس النادى المؤرخة فى 11 من مارس 1929 م. وتمت تلك المراسم على متن السفينة " مصر " فى 8 / 12 / 1929 م. وفى الفترة من سنة 29- 1939 م كان أغلب الأعضاء من الأجانب ولم يكن من بين الأعضاء المؤسسين، وعددهم 22، إلا خمسة من المصريين، منهم اثنان فقط من المسلمين، وكانت اللغة المستعملة هى الإنجليزية، ولم يشترك أحد من المصريين فى مجلس الإدارة حتى عام 1931 م، وكانت رئاسة النادى لغيرهم حتى سنة 1934 م، ومنذ سنة 1939 م أنشئت نواد فى الإسكندرية وبورسعيد والمنصورة والزقازيق وأسيوط، والمشتركون فيها خليط من المسلمين والمسيحيين واليهود. والمقر الدائم لنادى الروتارى المصرى رقم 3 شارع بهلر، افتتح فى 21 من مارس 1955 م. ومن 14 من أبريل سنة 1959 م انتقلت اجتماعاته من فندق سميراميس إلى فندق النيل هيلتون وهو تابع لوزارة الشئون الاجتماعية. ومن أراد أن يعرف أسماء الأعضاء والرؤساء فليرجع إلى كتاب "العيد الذهبى للروتارى فى مصر " 1929 -1979 م فى 13 من مارس 1979 - 15 من مارس 1979 م. هذا مختصر من بحث طويل عن الروتارى ربما أنشره فى فرصة أخرى (8/398) ________________________________________ الدروز
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هم الدروز وهل هم مسلمون؟
الجواب هم أتباع أبى محمد الدرزى - بفتح الدال المشددة - وكانوا أولا من الإسماعيلية ثم خرجوا عليهم، ويسكنون سوريا ولبنان. تقوم عقيدتهم على تأليه الحاكم بأمر الله الفاطمى وبرجعته، ويتخذون سنة 408 هجريه مبدأ لتاريخهم الذى أعلن فيه الدعاة الوهية الحاكم، وهم يعتبرون فى الرسميات مسلمين، وإن كانت مبادئهم الدينية سرية لا يصرحون بها، فنشأت شائعات عن عقائدهم وعباداتهم، حتى كانت حملة الجيش السورى على جبل الدروز فى أواخر عهد "الشيشكلى" فعثر على بعض مخطوطاتهم التى شرحت مذهبهم، وألف بعض مؤرخى العصر الحديث كتابا عليهم. يقولون بالتقية أى التظاهر بموافقة الآخرين، ويقولون أيضا بالتناسخ وهم ثلاث درجات: الأولى: العقل أو العقال -بتشديد القاف المفتوحة - وهم رجال الدين ذوو النفوذ الكبير، والثانية: الأجاويد المطلعون على تعاليم الدين والملتزمون بها، والثالثة: العامة أو الجهال. وليس لهم مساجد بل خلوات خاصة لا يدرى ما يجرى فيها،ولا يصومون إلا ما يقال عن الشيوخ العقَّل من صيام أيام غير رمضان، ولا يحجون إلى الكعبة، بل إلى خلوة البياضية فى بلدة "حاصبية" التابعة لبيروت، ويقال إنهم لا يقرون تعدد الزوجات ولا الرجعة فى الطلاق، ولا يورثون البنات. هذا بعض ما تسرب من المعلومات عنهم فى الكتب والأخبار، ونظرا للسرية التامة ولتشددهم فى مبدأ التقية فإن حقيقة مذهبهم لا يعرف منها إلا القليل، لكن كتب عنهم، عصام الجيتاوى كلاما تفصيليا نشرته مجلة " المجتمع " التى صدرت بالكويت بتاريخ 25/ 4 /1978 م، فيرجع إليه. وقد صدرت عن دار الإفتاء المصرية فتوى فى15 من ديسمبر سنة 1934 م مأخوذة عن ابن عابدين (رد المختار - الجزء الثالث - باب المرتد) نصها: تنبيه، يعلم مما هنا حكم الدروز والنيامنة فإنهم فى البلاد الشامية يظهرون الإسلام والصوم والصلاة مع أنهم يعتقدون تناسخ الأرواح، وحل الخمر والزنا، وأن الألوهية تظهر فى شخص بعد شخص، ويجحدون الحشر والصوم والصلاة والحج، ويقولون: المسمى بها غير المعنى المراد، ويتكلمون فى جناب نبينا صلى الله عليه وسلم كلمات فظيعة، وللعلامة المحقق عبد الرحمن العمادى فيهم فتوى مطولة، وذكر فيهم أنهم ينتحلون عقائد النصيرية والإسماعيلية الذين يلقَّبون بالقرامطة والباطنية الذين ذكرهم صاحب المواقف، ونقل عن علماء المذاهب الأربعة أنه لا يحل إقرارهم فى ديار الإسلام بجزية ولا غيرها، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم - انتهى. وقال ابن عابدين أيضا فى رد المحتار فى فصل المحرمات عند قول المصنف: وحرم نكاح الوثنية بالإجماع ما نصه: قلت: وشمل ذلك الدروز والنصيرية والنيامنة فلا تحل مناكحتهم ولا تؤكل ذبيحتهم، لأنهم ليس لهم كتاب سماوى. انتهى (الفتاوى الإسلامية - المجلد الأول صفحة 202) (8/399) ________________________________________ الشياطين...... لماذا؟
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا خلق الله الشياطين؟
الجواب خلق الله الشياطين ليمتحن بها بنى آدم هل يستجيبون لأمر الله أو لأمر الشيطان، وإيمان المؤمن لا تكون له قيمته إذا كان نابعا منه ذاتيا بحكم أنه خلق مؤمنا كالملائكة، فإن استقر الإيمان بعد الانتصار فى معركة الشيطان الذى أقسم أن يغوى الناس أجمعين كان جزاء هذا المؤمن عظيما، لأنه حصل بتعب وكد ومجاهدة، دفع بها أجر الحصول على تكريم الله له. والحياة الدنيا لابد فيها من معركة بين الخير والشر، لتتناسب مع خلق الله لأدم على وضع يتقلب فيه بين الطاعة والمعصية، وقد تزعَّم الشيطان، هذه المعركة انتقاما من آدم الذى طرد من الجنة بسبب عدم السجود له فقال: {قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} الأعراف: 16، 17. \\\وحذر الله الإنسان من طاعة الشيطان فقال، {ألم أعهد إليكم يا بنى اثم أن لاتعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} وقال: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} فاطر: 6. فمجاهدة الشيطان بعصيانه لها ثواب، ووجوده يساعد على الحركة القائمة على المتقابلات، والحركة سر الحياة، وقد سئل أحد العلماء: لماذا خلق الله إبليس فقال: لنتقرب إلى الله بالاستعاذة منه وعصيانه، فكل شر فيه خير ولو بقدر (8/400) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 10:51 pm | |
| خلق الأصنام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أرجو تفسير قوله تعالى: {أم خلقوا السماوات والأرض} الطور: 36؟
الجواب هذه آية من سورة الطور جاء قبلها قوله تعالى: {أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون. أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون} الطور: 35، 36. وهما من ضمن الأساليب التى ترد على المشركين الذين كذَبوا الرسول صلى الله عليه وسلم فى دعوته أن هناك إلهًا واحدًا خلقهم جميعًا، وأن الأصنام التى يعبدونها عاجزة عن خلق أى شىء. فتستنكر الآية الأولى أنهم خلقوا من غير شىء أى من غير إله خلقهم وقدرهم كما قال ابن عباس، ولم يعرفوا المادة التى خلقوا منها وهى ماء مهين سواه الله ونفخ فيه من روحه، فهل خلقوا هم أنفسهم أو خلقتهم الأصنام التى يعبدونها. والآية الثانية تستنكر أن الأصنام خلقت أى شىء، بل هى نفسها مخلوقة وصنعها من يعبدونها بأيديهم، وأين كان هؤلاء الأصنام حين خلق السموات والأرض، وما داموا لم يخلقوا السموات والأرض ولم يخلقوا أنفسهم فبأى شىء يستحقون العبادة؟ إن المشركين لا يؤمنون بالحق الذى جاءهم به محمد-صلى الله عليه وسلم - ولا يوقنون بإجابة صحيحة عن هذه التساؤلات (8/401) ________________________________________ الجن والتوراة والإنجيل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال جاء فى القرآن الكريم قول الجن للرسول صلى الله عليه وسلم {إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى} فلمَ لم يذكروا الكتاب الذى أنزل على عيسى، وهل آمن هؤلاء الجن بسيدنا موسى وكانوا من اليهود؟
الجواب من المعلوم أن الرسالات السابقة كانت خاصة لأقوام دون آخرين ولعصر دون آخر، وهنا يقال: لماذا لم يذكر الجن الكتاب الذى نزل على عيسى وهو الإنجيل، واقتصروا على ذكر كتاب موسى وهو التوراة مع أن الإنجيل نزل بعدها وهو أقرب عهدا بالقراَن؟ قال المفسرون: هؤلاء الجن من منطقة لم يرسل إليها عيسى، وكانت داخلة ضمن حدود الرسالة الموسوية فهم آمنوا بموسى ولم يبلغهم دعوة عيسى: وقيل إن التوراة كانت مشهورة لأن كثيرا من أنبياء بنى إسرائيل تتابعوا على الحكم بها، فعرفها الجن أكثر من معرفتهم للإنجيل وقيل: إن كلام الجن ليس فيه حصر لما أنزل من الكتب، وبالتالى ليس فيه نفى لنزول الإنجيل بعد ما ذكروا التوراة. وقيل: إن التوراة كتاب شريعة مفصَّلة فالجن الذين آمنوا بها كانوا أشد اتصالا بمعرفة ما فيها أكثر من الإنجيل الذى كان أكثره مواعظ وأخلاقا. هذا بعض ما ظهر لى من الإجابة على هذا السؤال (8/402) ________________________________________ الشيعة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هم الشيعة وما هى أهم فرقهم الموجودة الآن؟
الجواب الشيعة هم أتباع سيدنا على رضى الله عنه والموالون لاَل البيت، والمسلمون جميعا مأمورون بحب آل البيت وتكريمهم وقد وردت فى ذلك عدة نصوص، منها قول الله تعالى {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى} الشورى: 23، وقوله: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} الأحزاب: 33، وذلك على خلاف للمفسرين فى تحديد القربى وأهل البيت. وقوله صلى الله عليه وسلم "أذكركم الله فى أهل بيتى" ثلاث مرات رواه مسلم وقوله:"يا أيها الناس ارقبوا محمدا فى أهل بيته " رواه البخارى. غير أن بعضا من المسلمين اشتد حبهم لسيدنا على وذريته، وتغالوا فى تكريمهم لدرجة أن بعضهم اعتقد ألوهية سيدنا على، وبعضهم اعتقد أنه النبى المرسل وغلط جبريل فنزل بالوحى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال، إنهما شريكان فى النبوة، وقالوا إنه الإمام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالنص الجلى أو الخفى، دون أبى بكر وعمر وعثمان وان الإمامة لا تخرج عنه ولا عن أولاده، وإن خرجت فبظلم أو بتقية. وأشهر فرقهم الموجودة الآن خمسة: 1 - الزيدية: وهم أتباع زيد بن على بن الحسين، لما دعى الشيعة لحرب الأمويين سألوه رأيه فى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، فأثنى عليهما فرفضوه وسموا بالرافضة وهم يوجدون الآن فى اليمن، ومذهبهم قريب من مذهب أهل السنة، وهم وإن اعتقدوا أفضلية على على أبى بكر وعمر أجازوا إمامة المفضول مع قيام الفاضل. 2 - الإمامية: وهم الذين قالوا بإمامة اثنى عشر من آل البيت، ويسمون بالاثنى عشرية وبالموسوية، لأن الأئمة عندهم هم: على، الحسن، الحسين، على زين العابدين بن الحسين، وكانت الإمامة لابنه الأكبر "زيد" فلما رفضوه كما تقدم ولوا بدله أخاه محمدا الباقر، ثم جعفر الصادق، وكان له ستة أولاد، أكبرهم إسماعيل ثم موسى، ولما مات إسماعيل فى حياة أبيه أوصى والده بالإمامه إلى ابنه موسى الكاظم، وبعد وفاة جعفر انقسم الأتباع فمنهم من استمر على إمامة إسماعيل وهم: الإسماعيلية أو السبعية، والباقون اعترفوا بموسى الكاظم، وهم الموسوية، ومن بعده على الرضا، ثم ابنه محمد الجواد، ثم ابنه على الهادى، ثم ابنه الحسن العسكرى نسبة إلى مدينة العسكر "سامرا" وهو الإمام الحادى عشر، ثم ابنه محمد الإمام الثانى عشر، وقد مات ولم يعقب فوقف تسلسل الأئمة وكانت وفاته سنة265 هـ. ويقول الإمامية: إنه دخل سردابا فى "سامرا" فلم يمت، وسيرجع بعد ذلك باسم المهدى المنتظر. وهذه الطائفة منتشرة فى إيران والعراق وسوريا ولبنان، ومنهم جماعات متفرقة فى أنحاء العالم، ولهم كتب ومؤلفات كثيرة من أهمها كتاب "الوافى" فى ثلاثة مجلدات كبيرة جمعت كثيرا مما فى كتبهم الأخرى، كتب عليه أحد أهل السنة نقدا سماه "الوشيعة فى نقد عقائد الشيعة" وكان ذلك فى فبراير سنة1935 م كما كتب رئيس أهل السنة بباكستان "محمد عبد الستار التونسوى" رسالة فى ذلك. ومن أهم أصولهم: 1 - تكفير الصحابة ولعنهم، وبخاصة أبو بكر وعمر رضى الله عنهما إلا عددا قليلا جدا كانوا موالين لعلى رضى الله عنه. وقد رووا عن الباقر والصادق: ثلاثة لا يكلَّمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. من ادعى إمامة ليست له ومن جحد إماما من عند الله، ومن زعم أن أبا بكر وعمر لهما نصيب فى الإسلام. ويقولون: إن عائشة وحفصة رضى الله عنهما كافرتان مخلدتان، مؤولين عليهما قول الله تعالى {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط} التحريم: 10. 2 - ادعاء أن القرآن الموجود فى المصاحف الآن ناقص، لأن منافقى الصحابة (هكذا) حذفوا منه ما يخص عليا وذريته، وأن القرآن الذى نزل به جبريل على محمد سبعة آلاف آية، والموجود الآن 6263 والباقى مخزون عند آل البيت فيما جمعه على، والقائم على أمر آل البيت يخرج المصحف الذى كتبه على، وهو غائب بغيبة الإمام. 3-رفض كل رواية تأتى عن غير أئمتهم، فهم عندهم معصومون بل قال بعضهم: إن عصمتهم أثبت من عصمة الأنبياء. 4 - التقية: وهى إظهار خلاف العقيدة الباطنة، لدفع السوء عنهم. 5 - الجهاد غير مشروع الآن، وذلك لغيبة الإمام، والجهاد مع غيره حرام ولا يطاع، ولا شهيد فى حرب إلا من كان من الشيعة، حتى لو مات على فراشه. وهناك تفريعات كثيرة على هذه الأصول منها: عدم اهتمامهم بحفظ القرآن انتظارا لمصحف الإمام، وقولهم بالبداء بمعنى أن الله يبدو له شىء لم يكن يعلمه من قبل ويتأسف على ما فعل، والجمعة معطَّلة فى كثير من مساجدهم وذلك لغيبة الإمام، ويبيحون تصوير سيدنا محمد وسيدنا على وصورهما تباع أمام المشاهد والأضرحة، ويدينون بلعن أبى بكر وعمر. . . 3 - الإسماعيلية: وهى تدين لإسماعيل بن جعفر الصادق، وهم أجداد الفاطميين والقرامطة، يعتقدون التناسخ والحلول، وبعضهم يدعى ألوهية الإمام بنوع من الحلول، وبعضهم يدعى رجعة من مات من الأئمة بصورة التناسخ. وهذه الفرقة طائفتان، إحداهما فى الهند وتسمى " البهرة" ويتركزون فى بومباى، يعترفون بالأركان الخمسة الواردة فى الحديث وهو: " بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" رواه البخارى. ويزيدون عليه ركنا اسمه " الطهارات " ويتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام، وهم فى صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، ولا يصلون الجمعة ويحتفلون بغدير "خم " فى 18 من ذى الحجة كل عام، حيث تمت فيه الوصية لعلى (مجلة العربى سبتمبر 1975، المصور 20/1/ 1978) . والطائفة الأخرى فى "سلمية" بسوريا وفى زنجبار وشرقى أفريقيا وتسمى "الأغاخانية" نسبة إلى زعيمهم " أغاخان ". 4 - النصيرية: وهم أتباع أحد وكلاء الحسن العسكرى واسمه محمد بن نُصير، والذين تسموا فى عهد الاحتلال الفرنسى بسوريا باسم "العلويين ". ومن كتاب "تاريخ العلويبن " لمحمد أمين غالب الطويل، وهو نصيرى ومن غيره من الكتب والمراجع نوجز أهم مبادئهم فيما يلى: (1) الولاية لعلى، زاعمين أن النبى صلى الله عليه وسلم بايعه ثلاث مرات سرًّا، ومرة رابعة جهرا. (ب) عصمة الأئمة، لأن الخطايا رجس وقد قال الله فى أهل البيت: "ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ". وبناء على ذلك يعتقدون أن الإمام أعلى من بعض الوجوه من الأنبياء، لأنهم معرضون للخطأ ولم يرد فى القرآن ما ينزههم عنه، أما الأئمة فمعصومون بنص القرآن. (ج) التقية: أو التكتم فى الدين فإخفاء عقيدتهم من كمال الإيمان. (د) علم الباطن: فهو فى زعمهم مختص بهم،وهم على صواب دائم فى تفسير القرآن وعلم أسراره لأنهم معصومون. وبناء على هذه الأصول قالوا بألوهية متحدة الحقيقة مثلثة الأجزاء فالألوهية معنى وحقيقة، وهو علي، ولها اسم وحجاب، وهو محمد، ولها باب يوصل إليها، وهو سلمان، فعلي رب العالمين، والقرآن منه، وكل نبى بعث فهو الذى بعثه ليتكلم بلسانه، وكان هو مع كل رسول متجسدا فى صورة وصى له، ويرمزون إلى هذا الثالوث برمز" ع. م. س ". ولهم تفريعات على ذلك: فالعبادات الواردة فى القرآن بما فيها من أوامر ونواه، هى أسماء أماكن، والأشهر الحُرم عندهم هى: فاطمة والحسن والحسين وعلى ابنه، والقيامة عندهم فى قيامة المحتجب صاحب الزمان. والمنتسبون إلى هذا المذهب طبقات، منهم متعلمون لا يدينون به، لكن لا يجدون عوضا عنه، ومنهم الشيوخ والرؤساء المتمسكون، ومنهم العامة الذين يعيشون على غير هدى، والحكم عليهم مذكور مع الدروز (8/403) ________________________________________ ذرية إبليس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل ذرية إبليس نتجت عن زواج، وهل فى الجن ذكر وأنثى؟
الجواب يقول الله تعالى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو} . الكهف: 50، تفيد هذه الآية الكريمة أن إبليس له ذرية، ولكن كيف أتت هذه الذرية؟ ومع أن معرفة الجواب ليست مهمة لكن العلماء شغلوا أنفسهم به، فنقلوا من الأقوال ما نقلوا واستنبطوا ما شاء لهم الاستنباط وذكر القرطبى حديثا فى ذلك قال إنه صحيح وهو "لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فبها باض الشيطان وفرَّخ " ذكره الحميدى فى الجمع بين الصحيحين عن الإمام أبى بكر الباقلانى أنه خرجه فى كتابه عن سلمان عن النبى صلى الله عليه وسلم وإذا كان هذا الحديث يدل على أن للشيطان ذرية من صلبه كما قال القرطبى وهو موافق لما جاء فى الآية الكريمة فإن عبارة "باض الشيطان وفرخ " ليست نصا قاطعا فى أن الذرية نتجت عن وضع الشيطان للبيض ثم التفريخ كما يحدث للطيور، فقد يكون المراد ذرية إبليس يكثر وجودها فى الأسواق من أجل الإفساد. يقول القشيرى أبو نصر: والجملة أن الله تعالى أخبر أن لإبليس أتباعا وذرية وأنهم يوسوسون إلى بنى آدم وهم أعداؤهم، ولا يثبت عندنا كيفية فى كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس، فيتوقف الأمر فيه على نقل صحيح. انتهى، وهذا هو الكلام الصحيح. يقول الشعبى: سألنى رجل فقال: هل لإبليس زوجة؟ فقلت: إن ذلك عرس لم أشهده. ثم ذكرت قوله تعالى {أفتتخذونه وذريته أولياء} فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة، فقلت نعم. وينقل القرطبى "ج 10 ص 420 " عن مجاهد أن إبليس أدخل فرجه فى فرج نفسه فباض خمس بيضات، فهذا أصل ذريته، وقيل: أن الله تعالى خلق له فى فخذه اليمنى ذكرا، وفى اليسرى فرجا، فهو ينكح هذا بهذا، فيخرج له كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون شيطانا وشيطانة، فهو يخرج وهو يطير. . . ذلك بعض ما فى الكتب وغيره كثير مما أربأ بالمسلمين اليوم أن يعنوا به (8/404) ________________________________________ الوضوء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل كان الوضوء للصلاة مشروعا فى الأديان السابقة؟
الجواب هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء وضحه الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية للقسطلانى " الجزء الخامس " وخلاصة ما جاء فيه: قيل إنه خاص بالأمة الإسلامية، وكان من قبل ذلك للأنبياء خاصة وليس للأفراد، ولكن عورض هذه القول بأن "سارة " زوج إبراهيم عليهما السلام لما استدعاها الطاغية توضأت وقامت تصلى فعصمها اللَّه منه، والحديث رواه البخارى ومسلم. وهذا الطاغية مختلف فيه، فقيل: هو عمرو بن امرئ القيس بن سبأ وكان على مصركما ذكره السهيلى وهو قول ابن هشام فى التيجان، وقيل: اسمه صادق وكان على الأردن، كما حكاه ابن قتيبة، وقيل: سنان بن علوان. . . بن سام بن نوج، حكاه الطبرى، ويقال: إنه الضحاك الذى ملك الأقاليم. ولا تهمنا معرفته، بل المهم أن سارة تحصنت بالوضوء والصلاة فمنعها اللَّه من شر،وهى لم تكن نبية كما قال الجمهور، وعلى هذا فالوضوء كان للأفراد أيضا كما كان للأنبياء. وفى قصة جريج الراهب الذى اتهمته المرأة بالزنا بها ونسبت إليه غلاما منها، قام وتوضأ وصلى وسأل الغلام فنطق باسم والده الحقيقى، وبرأ اللَّه جريجا، والحديث رواه أحمد عن أم سلمة. فالظاهر أن خصوصية أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى الغرة والتحجيل، لا فى أصل الوضؤ. وحديث هذا وضوئى ووضوء الأنبياء من قبلى ضعيف. وروى الطبرانى أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا بوَضُوء، فتوضأ واحدة واحدة وقال " هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به "، ثم توضأ مرتين مرتين وقال " (هذا وضوئى ووضوء الأنبياء من قبلى ". " الزرقانى على المواهب ج 5 ص 368 " (8/405) ________________________________________ نقض الوضوء بمس الفرج؟
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل ينتقض الوضوء بمس الفرج؟
الجواب 1 -عن بُسْرَة بنت صفوان قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من مس ذكره فلا يصلى حتى يتوضأ " رواه الخمسة وصححه الترمذى، قال البخارى: هو أصح شىء فى هذا الباب. 2 -وعن بسرة أيضا قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " ويتوضأ من مس الذكر" رواه أحمد والنسائى. 3-وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: " ويل للذين يمسون فروجهم ولا يتوضأون ". أخرجه الدارقطنى. 4 -وعن أم حبيبة رضى اللَّه عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من مس فرجه فليتوضأ " رواه ابن ماجه وصححه أحمد. 5 -سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره: أعليه وضوء؟ فقال: "إنما هو بضعة منك " رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وأحمد، وصححه عمر بن القلاس، وقال: هو عندنا أثبت من حديث بسرة، وصححه ابن حبان. بناء على الأحاديث الأربعة الأولى قال جماعة من الصحابة والتابعين بنقض الوضوء بمس الفرج، وعليه جمهور الفقهاء، على أن يكون المس بغير حائل، لحديث رواه أحمد وابن حيان والحاكم وصححاه " من أفض بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء" وإليك بعض التفصيل لأقوال الفقهاء: أ- قالت المالكية: ينتقض الوضوء بمسي الإنسان ذكر نفسه المتصل به، فلو مس ذكر غيره يكون لامسا يجرى عليه حكم اللمس - وقد تقدم ذلك فى نقض الوضوء باللمس -ويشترط أن يكون بدون حائل وببطن الكف أو باطن الأصابع أو جنبها أو رأس الأصبع، ولا ينتقض بمس امرأة فرجها ولو أدخلت فيه إصبعها ولو التذت، ولا بمس حلقة الدبر، ولا بإدخال أصبعه فيه على الأصح وإن كان حراما لغير حاجة، أما مس دبر غيره أو فرج امرأته فهو لمس يجرى عليه حكم الملامسة- وقد تقدم. ب - وقالت الشافعية: مس الذكر المتصل أو المنفصل الذى لم يتجزأ ينقض الوضوء بشرط عدم الحائل، وأن يكون ببطن الكف أو الأصابع، ولا فرق بين ذكر نفسه أو غيره، ولو صغيرا أو ميتا، ومثله مس حلقة الدبر وقبل المرأة. ج - وقالت الحنابلة: ينتقض الوضوء بمس ذكر الآدمى من نفسه ومن غيره صغيرا أو كبيرا، حيا أو ميتا، بشرط الاتصال وبغير حائل وباليد ظهرا أو بطنا إلا الأظافر، وينتقض بمس حلقة دبره أو دبر غيره، وبمس فرج الأنثى، ولا ينتقض بمس امرأة فرج نفسها، إلا إذا أولجت إصبعها إلى الداخل. وبناء على الحديث الخامس ذهب بعض الصحابة والتابعين، وعليه أبو حنيفة والثورى إلى أن مس الذكر غير ناقض للوضوء وردوا على رأى الجمهور بأن الوضوء الوارد فى الأحاديث الأولى هو الوضوء اللغوى أى غسل اليدين. أما الجمهور فردوا رأى الأحناف بأن الحديث الخامس الذى اعتمدوا عليه ضعفه الإمام الشافعى وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطنى والبيهقى وابن الجوزى، وادعى ابن حبان والطبرانى واَخرون أنه منسوخ، وقالوا: إن راوى هذا الحديث وهو طلق بن على روى أيضا حديث " من مس فرجه فليتوضأ " كما صححه الطبرانى، فقيل سمع. أولا عدم النقض، ثم سمع آخرا النقض. وبهذا يظهر رجحان رأى الجمهور وهو النقض (8/406) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 10:52 pm | |
| ما يخرج من القبل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجب الغسل نتيجة لنزول سائل أبيض عند الاستيقاظ من النوم؟
الجواب السائل الذى يخرج من القبل - الذكر أو الفرج - عادة أربعة أنواع: البول والمذى والودى والمنى، والبول نجس لابد من تطهير ما يصيبه بغسله، والمذى سائل أبيض لزج يخرج عند التفكير فى الناحية الجنسية أو الملاعبة، وربما لا يحس الإنسان بخروجه، وهو يكون من الرجل والمرأة إلا أنه منها أكثر، وهو نجس بالاتفاق، يجب غسل ما أصاب البدن أو الثوب منه، ولا يجب الاغتسال أى غسل الجسم كله منه، روى البخارى وغيره أن عليا رضى اللَّه عنه كان مذاء واستحيا أن يسأل النبى عن حكمه لأنه زوج بنته فاطمة، فأمر رجلا أن يسأله فقال له " توضأ واغسل ذكرك " غسل الذكر يكون قبل الوضوء. والودى ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول، وهو كالمذى والبول نجس باتفاق ولا يجب منه الاغتسال، روى البيهقى ذلك عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما. والمنى ماء يخرج بلذة وتدفق ويعرف برائحته كالعجين أو طلع النخل، وهذا يوجب الغسل باتفاق، ففى الحديث الذى رواه مسلم "الماء من الماء " أى الاغتسال بالماء يكون من نزول الماء أى المنى. وفى حديث البخارى ومسلم أن أم سليم قالت: يا رسول اللَّه، إن اللَّه لا يستحى من الحق، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: "نعم، إذا رأت الماء ". ولكن مع وجوب الغسل هل يكون المنى طاهرا بحيث لو أصاب الملابس مثلا لا تنجس ويمكن أن يصلى فيها، أو يكون نجسا كالبول لابد من تطهير ما يصيبه؟ جمهور العلماء على أنه طاهر، لأنه الأصل الذى خلق منه الإنسان الطاهر الذى لا ينجس حيا ولا ميتا، ولا يوجد دليل على نجاسته، فعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن المنى يصيب الثوب فقال " إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة" رواه الدارقطنى والبيهقى، واختلف فى رفعه إلى النبى ووقفه على ابن عباس، والإذخر نوع من الحشائش. وقال جماعة: إن المنى نجس، واستدلوا بحديث رواه الدارقطنى والبزار وأبو عوانة عن عائشة رضى الله عنها قالت: كنت أفرك المنى من ثوب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا، وأغسله إذا كان رطبا. ورد عليه الجمهور، بأن فرك النجاسة لا يطهرها، وإنما فعلت عائشة ذلك من باب الحياء أن يظهر النبى صلى الله عليه وسلم أمام الناس وفيه آثار الجماع، وهو أمر مستحب فليس عملها نصا فى نجاسته (8/407) ________________________________________ الوضوء فى الحمام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى الأبنية الحديثة يوجد حوض الغسل وأدوات الاستحمام وقضاء الحاجة فى حجرة واحدة. فهل يجوز أن أتوضأ فى هذا المكان. وهل يجوز أن أسمى وأذكر الله أثناء الوضوء؟
الجواب من المعروف عند الفقهاء أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن الكراهة تراعى قبل الندب والاستحباب، كما تراعى الحرمة قبل الوجوب، وذلك للاحتياط على الأقل 0 ومعلوم أن المكان الواحد الذى يجمع هذه المرافق يغلب عليه التلوث والتعرض للنجاسة إن لم تكن هناك عناية بالغة بالنظافة 0 والوضوء من الصنبور " الحنفية " داخل الحمام مكروه إن خشى الإنسان النجاسة من تساقط المياه على الأرض المنتجسة، ووجد مكانا آخر يتوضأ فيه غير هذا المكان، فإن أمن النجاسة أو لم يوجد مكان آخر للوضوء فلا بأس بالوضوء فى الحمام 0 ومن آداب قضاء الحاجة عدم الكلام ومنه الذكر والدعاء وقراءة القرآن، حتى لو عطس لا يحمد الله، ولو سلَّم عليه إنسان لا يرد عليه السلام. ولو سمع الأذان لا يجيب المؤذن، أى لا يقول مثل قوله. فقد روى مسلم فى صحيحه عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رجلا مر على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام. ورأى العلماء أن هذا المنع لا يقتصر على حالة قضاء الحاجة "التبول والتغوط " بل يشمل وجود الإنسان فى هذا البيت المعد لقضاء الحاجة. وعليه فإن المتوضئ فى الحمام لا يسمى ولا يذكر الله أثناء الوضوء ولا قبله ولا بعده حتى يخرج منه، والحكم هو الكراهة لا الحرمة، فليس فى المخالفة عقوبة، والأفضل عدمها. . مع التنبيه على أن النية الواجبة فى الوضوء أو الغسل محلها القلب، ولا يجب التلفظ بها باللسان، فلا داعى لهذه النية القولية ما دام فى الحمام، ويكتفى بالنية القلبية عند من يقول بوجوبها. ومحل كراهة الكلام إذا لم تكن هناك ضرورة أو حاجة تدعو إليه، كالتنبيه على خطر أو الرد على من ينادى ونحو ذلك، فإن وجدت فلا كراهة، والضرورة تقدر بقدرها (8/408) ________________________________________ الحمامات العامة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الإسلام فى دخول الحمامات العامة؟
الجواب الحمامات أماكن خاصة للاستحمام، وكانت للبيوت الموسرة حمامات خاصة بها، ثم اقيمت حمامات عامة للناس، وهى قديمة موجودة قبل الإسلام، يقول المقريزى، فى خططه " ج 3 ص 129 ": قال محمد بن إسحاق فى كتاب " المبتدى": إن أول من اتخذ الحمامات والطلاء بالنورة سليمان وإنه لما دخله ووجد حميمه قال: أوَّاه من عذاب الله أواه! ! وذكر المستحى فى تاريخه أن أول من بنى الحمامات فى القاهرة " العزيز باللَّه نزار بن المعز " وكان بها ثمانون حماما فى سنة 685 ط. وأقل حمامات كانت ببغداد زمن الناصر أحمد بن المستنصر ألفا حمام. انتهىـ. . ولهذه الحمامات آثار باقية إلى الآن بالشام. وهى آخذة فى الانقراض. وقد ألف الحافظ ابن كثير كتابا فى الحمام. ووردت فيه أحاديث كثيرة لم يتفق على صحة شىء منها، قال المنذرى: وأحاديث الحمام كلها معلولة، وإن ما يصح منها فهو عن الصحابة "نيل الأوطار ج 1 ص 277 ". ومن هذه الأحاديث ما يأتى: 1 - روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إنها ستفتح لكم أرض العجم،،ستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات. فلا يدخلها الرجال إلا بالإزار، وامنعوا النساء، إلا مريضة أو نفساء " نيل الأوطار ج اص 178 والترغيب والترهيب ج اص 65. وقد تكلم فى هذا الحديث بما يضعف حجيته. 2 -وأخرج المنذرى فى كتابه " الترغيب والترهيب "ج اص 66 أن نساء من أهل حمص، أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت: أنتن اللاتى تدخلن نساءكن الحمامات؟ سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " ما من امرأة تضع ثيابها فى غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها " رواه الترمذى وقال: حديث حسن وأبو داودو وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. وروى معنى هذا الحديث عن أم سلمة حين دخل عليها نساء حمص. رواه أحمد وأبو يعلى والطبرانى والحاكم. 3- وعن طاووس عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " احذروا بيتا يقال له الحمام ". قالوا: يا رسول اللَّه ينقى الوسخ. قال " فاستتروا " رواه البزار وقال: رواه الناس عن طاووس مرسلا. قال الحافظ المنذرى: رواته كلهم محتج بهم فى الصحيح. ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. ورواه الطبرانى فى الكبير بنحو ما رواه الحاكم " الترغيب ج اص 65 " وصححه الألبانى. 4 -عن عائشة قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " الحمام حرام على نساء أمتى " رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد " الترغيب ج 1 ص 65". د -وعن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئرر. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ". رواه النسائى والحاكم وصححه، وحسنه الترمذى "المرجع السابق " وفي ص 66 روى مثله عن طريق أبى سعيد الخدرى. قال القرطبي فى تفسيره "ج 12 ص 224 ": حرم العلماء دخول الحمام بغير مئزر، وصح عن ابن عباس أنه دخل الحمام وهو محرم بالجُحْفَة، فدخوله للرجال بالمآزر جائز، وكذلك النساء للضرورة، والأولى بهن البيوت إن أمكن. وذكر حديثا لم يصح: أن النبى صلى الله عليه وسلم لقى أم الدرداء عندما خرجت من الحمام فقال لها " والذي نفسى بيده ما من امرأة تضع ثيابها فى غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهى هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل " وذكر حديثا هو أصح إسنادا عن طاووس عن ابن عباس " تقدم تحت رقم 3 ". ثم يقول القرطبي: دخول الحمام فى زماننا حرام على أهل الفضل والدين، لعدم مراعاة الأدب فى ستر العورة، لا سيما بالديار المصرية، ثم ذكر أن العلماء اشترطوا لدخوله عشرة شروط: أ - أن يدخل بنية التداوى أو التطهر من العرق إثر الحمى. 2 -أن يتعمد أوقات الخلوة أو قلة الناس. 3-أن يستر عورته بإزار صفيق. 4 -أن يكون نظره إلى الأرض أو الحائط، لئلا يقع على محظور. د -أن يغير ما يرى من منكر برفق، نحو، استتر سترك الله. 6 -إن دلكه أحد فلا يمكنه من عورته، من سرته إلى ركبته. 7 - أن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو بعادة الناس. 8 -عدم الإسراف فى الماء. 9 -إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع أمناء على الدين على كرائه. 10 -أن يتذكر به جهنم. وذكر حديثا فيه مدح دخوله الحمام، لانه يذكر الإنسان بالنار، فيستعيذ منها ويسأل الجنة، وفيه ذم دخول بيت العروس، لأنه يرغبه فى الدنيا وينسيه الآخرة، ولكن الحديث ليس صحيحا. وجاء فى القرطبي أيضا أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة: إنه بلغنى أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين، فامنع من ذلك، وحُلْ دونه، فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة. فقام أبو عبيدة وابتهل وقال: أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسوَّد الله وجهها يوم تبيض الوجوه. انتهىـ. "ج 12 ص 224 ". وفى الشوكانى "ج 1 ص 145 " أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يدخل الحمام ويتنور، أى يستعمل النورة لإزالة الشعر، ولم يبين درجة هذا الحديث، مع أن الحمام لم يكن معروفا ببلاد العرب، أو لم يكن شائعا على الأقل، ويبدو-إن صح هذا الحديث - أن المراد به مكان منعزل يستحم فيه الشخص، وليس حماما عاما بالمعنى المعروف. وإذا كانت الحمامات المبنية لا يرغب فى دخولها، فما بالك بالحمامات المكشوفة فى النوادى والساحات، وعلى الشواطىء التى لا يلتزم فيها حجاب يستر العورة ولا يعزل الجنسين بعضهما عن بعض؟ إنها أشد نكرا (8/409) ________________________________________ سلس البول
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال عندى مرض فى المسالك البولية ولا أتحكم في البول فكيف أصل ووضوئى لا يستمر إلا دقائق بسيطة لا تسع أداء الصلاة؟
الجواب قال العلماء: إن الوضوء ينتقض بالخارج من السبيلين إن كان خروجه فى حال الصحة فإن خرج حال المرض كالسلس كان صاحبه معذورا، وللفقهاء فى ذلك خلاف: 1 -فالشافعية قالوا: ما خرج على وجه السلس يجب على صاحبه التحفظ منه، بأن يحشو محل الخروج ويعصبه، فإن فعل ذلك ثم توضأ ثم خرج منه شىء فهو غير ضار فى إباحة الصلاة وغيرها بهذا الوضوء، وذلك بشرط أن يقدم الاستنجاء على الوضوء، وأن يوالى بين الاستنجاء وبين الوضوء والصلاة، وأن تكون هذه الأعمال بعد دخول الوقت، ويصلى بهذا الوضوء فرضا وما شاء من النوافل، وتكون النية فى الوضوء هى الاستباحة، لا رفع الحدث لأنه لا يرفع بل مستمر. 2 - والمالكية قالوا: لا ينتقض الوضوء بما خرج حال المرض كالسلس، بشرط أن يلازم أغلب أوقات الصلاة أو نصفها، وأن يكون غير منضبط، وألا يقدر على رفعه بعلاج ونحوه، وذلك على المشهور من مذهب مالك، وهناك رأى بأن السلس لا ينتقض وضوءه ولكن يستحب منه الوضوء إذا لم يلازم كل الزمن، ومن استوفى السلس هذه الشروط ندب الوضوء منه، ويصلى صاحب السلس بوضوئه ما شاء إلى أن ينتقض بناقض آخر. 3 - والحفنيه قالوا: من به سلس بول أو ريح أو استحاضة مثلا يقال له معذور، إذا استمر عذره وقتا كاملا لصلاة مفروضة، ويتوضأ لوقت كل صلاة ويصلى ما شاء من الفرائض والنوافل، وينتقض وضؤه بخروج الوقت على تفصيل فى ذلك، وعلى المعذور أن يدفع عذره بكل ما يستطيع. 4 -والحنابلة قالوا: لا ينتقض وضوء من به سلس، بشرط أن يغسل المحل ويعصبه جيدا، وأن يكون الحدث دائما، وأن يكون الوضوء بعد دخول الوقت، وعليه أن يتوضأ لكل وقت، ويصلى بوضوئه مع الفرض ما شاء من فروض ونوافل " ملخص من الفقه على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف " (8/410) ________________________________________ أذكار الوضوء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نسمع بعض من يتوضأون يأتون بأذكار خاصة تتناسب مع أعضاء الوضوء، فهل لهذه الأذكار أصل صحيح؟
الجواب 1 -ليكن معلوما أن من لم يذكر اللَّه أثناء الوضوء فوضوءه صحيح، ومن تكلم بكلام الدنيا فوضوءه أيضا صحيح. 2 - لكن هل الأفضل السكوت أو ذكر اللَّه؟ قال جماعة: الأفضل السكوت، وذلك لاتباع النبى صلى الله عليه وسلم. وقال جماعة: الذكر أفضل، وذلك للأمر بالذكر عموما، وعدم ورود نهى عنه من النبى صلى الله عليه وسلم. والخلاف جاء بسبب الحديث " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخارى ومسلم. فالقائلون بالسكوت قالوا: إن إحداث ذكر يعتبر إحداثا لأمر ليس من الدين، والقائلون بالذكر قالوا: الذكر مطلوب بوجه عام دون التقيد بزمان أو مكان كما قال تعالى {يا أيها الذين أمنوا اذكروا اللَّه ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا} الأحزاب: 41، 42، فالذكر أثناء الوضوء داخل تحت الأمر العام، وعليه فليس فيه إحداث أمر فى الدين ليس منه 3-تسن التسمية فى أول الوضوء، لحديث " كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم اللَّه الرحمن الرحيم فهو أقطع " وفى رواية بالحمد للَّه. رواه أبو داود وغيره وحسنه ابن الصلاح وغيره ولحديث " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " رواه أبو داود وغيره، ولأحاديث أخرى فى سنن البيهقى وحكم هو وغيره بضعفها. ومن تركها سهوا أو عمدا فوضوءه صحيح على رأى جمهور العلماء. وقال الحنابلة بوجوبها لو تركت عمدا بطل الوضوء. ويسن بعد الانتهاء من الوضوء قول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ففى حديث مسلم أن من قالها فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء. وقى رواية الترمذى زيادة " اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين " وفى رواية ضعيفة للنسائى زيادة " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ". كما رويت أحاديث ضعيفة فى تكرار الشهادة ثلاث مرات " الأذكار للنووى ص 32 " أما الذكر أثناء الوضوء، فقد ورد فيه حديث صحيح عن أبى موسى الأشعرى أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم بوَضوء-بفتح الواو أى الماء الذى يتوضأ به -فسمعته يقول "اللهم اغفر لى ذنبى، ووسع لى فى دارى، وبارك لى فى رزقى " وفيه اختلاف فى مكان هذا الذكر، فرواه ابن السنى على أنه فى خلال الوضوء، ورواه النسائى على أنه بعد الوضوء، وفيه أن أبا موسى قال: يا نبى اللَّه سمعتك تدعو بكذا وكذا، قال " وهل تركن من شىء "؟ . 4 -أما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يرد فيه شىء عن النبى صلى الله عليه وسلم. يقول النووى فى كتابه " الأذكار". قال الفقهاء: يستحب فيه دعوات جاءت عن السلف وزادوا ونقصوا فيها، فالمتحصل مما قالوه: أن يقول بعد التسمية: الحمد للَّه الذى جعل الماء طهورا، ويقول عند المضمضة: اللهم اسقنى من حوض نبيك صلى الله عليه وسلم كأسا لا أظمأ بعده أبدا، ويقول عند الاستنشاق: اللهم لا تحرمنى رائحة نعيمك وجناتك، ويقول عند غسل الوجه: اللهم بيض وجهى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ويقول عند غسل اليدين: اللهم أعطنى كتابى بيمينى وحاسبنى حسابا يسيرا، اللهم لا تعطنى كتابى بشمالى ولا من وراء ظهرى، ويقول عند مسح الرأس اللهم حرم شعرى وبشرى على النار، وأظلنى تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك. ويقول عند مسح الأذنين: اللهم اجعلنى من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويقول عند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمى على الصراط المستقيم. فهذه الأدعية وإن لم يرد بها حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم لا بأس بها، وبخاصة أنها وردت عن السلف، وداخلة تحت الأمر العام بذكر اللَّه ولم يرد نهى عنها (8/411) ________________________________________ التيمم لضيق الوقت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قمت من النوم قبل شروق الشمس بدقائق ولو توضأت أو اغتسلت فاتنى وقت الصبح، فهل يجوز لى أن أتيمم لإدراك الصلاة أو لا يجوز؟
الجواب إذا وجد الماء وكان الإِنسان قادرا على استعماله ولكنه خشى باستعماله خروج الوقت بحيث لو تطهر لا يدركه، ولو تيمم لأدركه، فللعلماء فى ذلك خلاف. 1 - فأبو حنيفة يقول: لا يجوز التيمم إذا خاف فوات الوقت، ويجوز إذا خاف فوت صلاة الجنازة أو العيد، وقال: الصلاة فى هذه الحالة ثلاثة أنواع، نوع لا يخشى فوته أصلا، وذلك لعدم توقيته، كالنوافل المطلقة غير المؤقتة، ونوع يخشى فواته بدون بدل عنه، كالجنازة والعيدين، ونوع يخشى فواته مع وجود بدل عنه كالجمعة والصلوات المكتوبة المفروضة، فان للجمعة بدلا هو الظهر، وللمكتوبات المفروضة بدلا هو قضاؤها فى غير وقتها. فأما النوافل فإنه لا يتيمم لها مع وجود الماء، إلا إذا كانت مؤقتة كالسنن الراتبة بعد الظهر والمغرب والعشاء، فإن أخرها بحيث لو توضأ فات وقتها فإن له أن يتيمم ويدركها وأما الجنازة والعيد فإنه يتيمم لهما مع وجود الماء إن خاف فواتهما لحديث " إذا فاجأتك جنازة وأنت على غير وضوء فتيمم ". وأما الجمعة والمكتوبة فإنه لا يتيمم لهما مع وجود الماء، بل يجب الوضؤ ولو خاف فوت الوقت، ويصلى بدلها ظهرا، ويقضى المكتوبة، فإن تيمم وصلاها فى الوقت وجبت عليه إعادتها. 2 -والشافعى يقول: لا يتيمم مطلقا خوف خروج الوقت، أو خوف فوات الجنازة أو العيد، لأنه يكون قد تيمم مع فقد شرط التيمم، وهو عدم وجود الماء، فالجمعة لو فاتت تقضى ظهرا، والصلوات المفروضة لو فاتت تقضى فى غير وقتها، والصلوات الأخرى غير واجبة أو غير مؤقتة فلا داعى لصلاتها بالتيمم. 3-وقال مالك: إذا خشى باستعمال الماء فى الأعضاء الأربعة فى الحدث الأصغر، وتعميم الجسد بالماء فى الحدث الأكبر-خروج الوقت، فإنه يتيمم ويصلى، ولا يعيد الصلاة على المعتمد، أما صلاة الجنازة فإنه لا يتيمم لها إلا إذا كان فاقدا للماء وتعينت عليه بأن لم يوجد شخص متوضىء يصلى عليها بدله، وإذا كان تيمم للفرض فإنه يصح له أن يصلى بتيممه على الجنازة تبعا، وأما الجمعة ففى صحة التيمم لها قولان والمشهور لا يتيمم لها. 4 -وقال الحنابلة: لا يجوز التيمم لخوف خروج الوقت إلا إذا كان المتيمم مسافرا وعلم وجود الماء فى مكان قريب، وأنه إذا قصده وتوضأ منه يخاف خروج الوقت، فإنه يتيمم فى هذه الحالة، ويصلى ولا إعادة عليه، وكذلك لو وصل إلى الماء وقد ضاق الوقت عن الطهارة به، أو لم يضق لكنه علم أنه يوزع بالنوبة وأن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت، فإنه فى هذه الحالة يتيمم ويصلى ولا إعادة عليه. " الفقة على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف " (8/412) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 10:54 pm | |
| الكولونيا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس إن الكولونيا والعطور المحلولة فى الكحول نجسة، فهل هذا صحيح؟
الجواب الحكم فى استعمال الكولونيا والعطور المحلولة فى الكحول متوقف على حكم الكحول نفسه. هل هو نجس أو طاهر، وقد اختلفت أنظار العلماء فيه، بناء على أنه من قبيل المسكرات كالخمر أو من قبيل المواد السامة أو شديدة الضرر، والكل متفقون على حرمة شربه، فهو مسكر وكل مسكر خمر وكل خمر حرام، كما جاء فى السنة النبوية والإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار كما جاء فى السنة أيضا بنصوص كثيرة. والقائلون بأنه كالخمر اختلفوا فى نجاسته، فالأئمة الأربعة على أن الخمر نجسة، بدليل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} المائدة: 90،حيث قالوا: إن الرجس هو النجس أو المستقذر والخبيث، والشرع قد حكم عليها بأنها رجس وأمر باجتنابها فتكون مع حرمتها نجسة، وعلى هذا يكون الكحول نجسا. وخالف فى هذا الحكم الإمام ربيعة شيخ الإمام مالك، والليث بن سعد، والمزنى صاحب الإمام الشافعى، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين، فقالوا: إن الخمر طاهرة، واستدل سعد بن الحداد القروى على طهارتها بِسَكْبِها فى طرق المدينة عند ما جاء النص بتحريمها، حيث قال: لو كانت نجسة ما فعل الصحابة ذلك، ولنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه كما نهى عن التخلى فى الطرق -أى البول والغائط فيها-وعلى هذا يكون الكحول طاهرا. وهؤلاء ردُّوا دليل الجمهور على نجاستها-وهو الآية المذكورة - فقالوا: إن الرجس إذا أريد به النجس فالنجاسة هنا حكمية، كنجاسة المشركين الواردة فى قوله تعالى {إنما المشركون نجس} التوبة: 28،ولا شك أن كل محرم نجس حكما، ويقوى ذلك أن الرجس وصف به كل ما ذكر فى الآية مع الخمر، وهو الميسر والأنصاب والأزلام، ولم يقل أحد بنجاسة هذه الأشياء نجاسة عينية، فالخمر لذلك ليست نجاستها عينية بل هى حكمية، ويبقى القول بنجاستها العينية محتاجا إلى دليل، وأجاب الجمهور على ادعاء أن نجاسة الخمر لا نص فيها، وعلى أنه لا يلزم من كونها محرمة أن تكون نجسة، فقالوا: إن قوله تعالى {رجس} يدل على نجاستها، لأن الرجس فى اللسان -أى اللغة العربية - النجاسة، ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم إلا إذا وجدنا فيه دليلا منصوصا لتعطلت الشريعة، فإن النصوص فيها قليلة. لكن كما قدمنا إذا كان الرجس هو النجاسة فهو محتمل للنجاسة الحسية والمعنوية كما ذكر فى المشركين، فالدلالة اللفظية هنا ظنية، وليست قطعية، ولو صح قولهم -كما قدمنا-للزم عليه نجاسة الميسر والأنصاب والأزلام، ولم يقل أحد بنجاستها نجاسة حسية،- وقد يرد عليهم بأن الأصل فى الأشياء الإباحة والطهارة ما لم يدل دليل على غير ذلك، ولا يوجد دليل على نجاستها، أما الدليل على حرمتها فثابت بالكتاب والسنة ومن هنا يعوزكم الدليل الخالى من الاحتمال على نجاستها. كما أجاب الجمهور القائلون بنجاسة الخمر على دليل القائلين بطهارتها وهو سَكْبُها فى طرق المدينة، بأن الصحابة فعلت ذلك لأنه لم يكن لهم سروب - حفر تحت الأرض -أى المجارى، ولا آبار يريقون الخمر فيها، لأن الغالب من أحوالهم اْنهم لم يكن لهم (كُنُف) فى بيوتهم. والضرورات تبيح المحظورات. وهذا الخلاف كله فى الخمر المتخذة من عصير العنب، أما باقى المسكرات المتخذة من.الشعير والعسل والتين وغيرها فالأئمة الثلاثة على نجاستها، والمذهب المفتى به عند الحنفية أنها نجسة أيضا وإن قال بعضهم بطهارتها. والخلاصة أن الخمر نجسة عند الجمهور، فيكون الكحول نجسا أيضا عندهم، أما عند غير الجمهور فهى طاهرة، وبالتالى يكون الكحول طاهرا أيضا. هذا عند من جعل الكحول من المسكرات، أما من جعله من المواد السامة والضارة فهو طاهر كطهارة الحشيش والأفيون وكل ضار، حيث لم يقل أحد بنجاستها نجاسة عينية، وإن كانت نجسة حكما بمعنى أنها محرَّمة. ومن القائلين بطهارة الخمر من المتأخرين الشوكانى والصنعانى صاحب " سبل السلام " وصدِّيق حسن خان فى كتابه " الروضة البهية " ذاهِبَا إلى أن الأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح، والشيخ محمد رشيد رضا فى تفسير " المنار " مال إلى القول بعدم نجاسة الكحول والخمر، وكذلك العطور المختلطة به، لعدم وجود الدليل الصحيح على النجاسة، ولأن الرجس فى الخمر رجس حكمى بمعنى التحريم، والكحول موجود فى كثير من المواد الغذائية بنسب متفاوتة وهو غير مستقذر لأنه يستعمل فى التطهير، وشيوع استعماله فى الأغراض الطبية والنظافة وغيرها يجعل القول بنجاسته من باب الحرج وهو منفى بنص القرآن، كما حكى الغزالى وجها فى الخمر المحترمة وهى التى اعتصرت بقصد أن تتخذ خلا. ثم ذكر القول بأن ما اعتصره أهل الكتاب من المحترمة، بناء على عدم تكليفهم بفروع الشريعة، فكل خمور أهل الكتاب طاهرة على هذا الوجه. وينتهى الشيخ محمد رشيد رضا فى تفسيره إلى أن الخمر مختلف فى نجاستها عند علماء المسلمين، وان النبيذ طاهر عند أبى حنيفة وفيه الكحول قطعا، وأن الكحول ليس خمرا، وأن الأعطار الإفرنجية ليست كحولا، وإنما يوجد فيها الكحول كما يوجد فى غيرها من المواد الطاهرة بالإجماع، وأنه لا وجه. للقول بنجاستها حتى عند القائلين بنجاسة الخمر " انظر تفسير المنار- المجلد الرابع ص 505، 821، 866 ". هذا بعض من المعركة التى، دارت حول نجاسة الكحول وطهارته بسطناها فى كتابنا " الإسلام ومشاكل الحياة "ج 1. وما دام الأمر خلافيا فلعل من التيسير بعد شيوع استعماله فى الطب والتطهير والتحاليل المختلفة والعطور وغيرها - الميل إلى القول بطهارته إن جعل من المواد السامة والضارة، وإن كان يستعمل أحيانا كالخمر فإن نجاستها غير متفق عليها، وبخاصة إن كانت من غير عصير العنب، وهو يستخرج الآن من مواد مختلفة. وعليه فلا يجب غسل ما أصابته الكولونيا من البدن والملابس وغيرها، وتصح الصلاة مع وجودها. " انظر الفتاوى الإسلامية المجلد الخامس ص 1652 " (8/413) ________________________________________ الدواجن التى تتغذى بالنجاسات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم أكل الطيور والحيوانات التى تتغذى على النجاسات؟
الجواب ثار الجدل فى هذه الأيام حول لحم الدجاج الذى يضاف إلى علفه بعض المواد النجسة أو الكيماوية التى تسرع نموها وتزيد حجمها أو وزنها، وكان محور الجدل فى نقطتين، إحداهما صحية والأخرى دينية. وقد اختلف ذوو الاختصاص والخبرة فى تأثير ذلك على صحة الإنسان، ما بين مثبت للضرر، وبخاصة فى علاقته بالفشل الكلوى والسرطان، وناف لهذا الضرر، وبخاصة بهذه الصورة الرهيبة، مع إشارة بعضهم إلى أن ما يمكن أن يكون من ضرر فهو ليس بهذا الحجم الذى يحرم تناول هذه اللحوم. ومبدئيا نقول: مادام لم يجزم أهل الذكر بوجود الضرر البيِّن الذى يؤثر تأثيرا بالغا بالصحة والمال والعقل وسائر ما حاطه الإسلام بالرعاية من أجل تأدية الإنسان وظيفته فى الحياة على الوجه المطلوب، فلا وجه للقول شرعا بمنع تناوله لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فما دامت العلة، وهى الضرر المذكور غير محققة فالأصل فى الأشياء الحل، فإن تحققت كان المنع، وقد جاء الشرع لتحقيق المصلحة ومنع المفسدة، والله سبحانه يقول {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة:195 والنبى صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث " لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجه والدارقطنى وغيرهما مسندا: ورواه مالك فى الموطأ مرسلا، كما قال النووى فى متن " الأربعين حديثا النووية " وقال: حديث حسن. وعلماء الإسلام تحدثوا عن هذا الموضوع من قديم الزمان بناء على نصوص وردت فى ذلك منها: 1 - عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الجلالة وشرب ألبانها حتى تحبس. أخرجه الدارقطنى والحاكم والبيهقى، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال البيهقى: ليس بالقوى. 2 - عن ابن عمر أيضا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها، رواه الخمسة إلا النسائى. وقال الشوكانى " نيل الأوطار ج 8 ص 128 ": حسَّنه الترمذى، واختلف فيه على لد ابن أبى نجيح " فقيل: عن مجاهد عنه، وقيل: عن مجاهد مرسلا، وقيل: عن مجاهد عن ابن عباس. 3 - عن ابن عباس رضى الله عنهما: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلاَّلة، رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه الترمذى، وقال الشوكانى:،وأخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقى، وصححه أيضا ابن دقيق العيد، ولفظه: وعن الجلالة وشرب ألبانها. 4 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحُمر الأهلية، وعن الجلالة، عن ركوبها وأكل لحومها رواه أحمد والنسائى وأبو داود- وقال الشوكانى: أخرجه أيضا الحاكم والدارقطنى والبيهقى، وفى الباب عن أبى هريرة مرفوعا، وفيه النهى عن الجلالة، قال فى التلخيص: إسناده قوى. هذا بعض ما ورد عن الجلالة، والكلام فى هذا الموضوع يدور حول تعريف الجلالة ومناط النهى، ودرجة هذا النهى وما ينبغى أن يتخذ حيالها. وما هو المنهى عنه منها. أ- فالجلالة هى كل ما يتناول العَذِرَة - بكسر الذال - والأرواث، مأخوذ من الجَلَّة-بفتح الجيم -وهى البعرة، وهى تشمل الإبل والبقر والغنم والدجاج والأوز وغيرها من كل ما يتناول هذه المواد. قال العلماء: ولا يطلق عليها وصف الجلاَّلة إلا إذا كان غالب علفها من النجس، كما جزم به النووى فى تصحيح التنبيه، يقول الخطابى: فأما إذا رعت الكلأ واعتلفت الحب، وكانت تتناول مع ذلك شيئا من الجلة فليست بجلالة، وإنما هى كالدجاج المخلاّة ونحوها من الحيوان الذى ربما نال الشىء منها وغالب غذائه وعلفه من غيره، فلا يكره أكلها، وجاء فى حياة الحيوان الكبرى للدميرى " مادة سخلة " قوله واختلفوا فيما يناط به الحرمة والكراهة، فقال الرافعى عن " تتمة التتمة ": إنه إن كان أكثر أكلها الطاهرات فليست بجلالة، والأصح أنه لا اعتبار بالكثرة، بل بالرائحة، فإن كان يوجد فى مرقتها أو فيها أدنى ريح النجاسة وإن قلَّ فالموضع موضع النهى، وإلا فلا، وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن موضع النهى ما إذا وجدت رائحة النجاسة بتمامها أو كانت تقرب من الرائحة، فأما إذا كانت الرائحة التى توجد يسيرة فلا اعتبار بها، والصحيح الأول، إلحاقا لها بالتغير اليسير بالنجاسة فى المياه: فإن علفت الجلالة علفا طاهرا مدة حتى طاب لحمها وزالت النجاسة زالت.الكراهة، ولا تقدر مدة العلف عندنا بزمن، بل المعتبر زوال الرائحة بأى وجه كان. ب - يؤخذ من هذا أن مناط النهى هو وجود رائحة النجاسة وتغير اللحم أو اللبن أو البيض، وذلك تابع فى الغالب إلى كثرة ما تعلف به الدابة من النجاسة أو قوة تأثيره، يقول الدميرى: ثم إن لم يظهر بسبب ذلك تغير فى لحمها فلا تحريم ولا كراهة، ويقول القرطبى فى تفسيره "ج 7 ص 122" بعد ذكر الجلالة: هذا نهى تننزيه وتنظف، وذلك أنها إذا اغتذت الجلة وهى العذرة وجدنتن رائحتها فى لحومها. ب - فإذا وجدت الرائحة أو تغير اللحم طعما وقال العلماء بمنع تناول لحمها وما ينتج عنه. فما هى درجة هذا المنع هل هى الحرمة أو الكراهة؟ يقول الشوكانى: والنهى حقيقة فى التحريم فأحاديث الباب ظاهرها تحريم أكل لحم الجلالة وشرب لبنها وركوبها، وقد ذهبت الشافعية إلى تحريم أكل لحم الجلالة، وحكاه فى البحر عن الثورى وأحمد بن حنبل، وقيل: يكره فقط، كما فى اللحم المذكى إذا أنتن قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لو غذَّى شاة عشر سنين بأكل حرام لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره، وهذا أحد احتمالى البغوى. قال الدميرى فى السخلة المرباة بلبن كلبة أن لها حكم الجلالة، فيكره أكلها كراهة تنزيه على الأصح فى الشرح الكبير والروضة والمنهاج، وبه جزم الرويانى والعراقيون. وقال أبو إسحاق المروزى والقفال: كراهة تحريم، ورجحه الإمام الغزالى والبغوى والرافعى فى المحرر. ثم قال الدميرى: وسئل سحنون "من فقهاء المالكية "عن خروف أرضعته خنزيره فقال: لا بأس بأكله، وقال الطبرى: العلماء مجمعون على أن الجَدى إذا اغتذى بلبن كلبة أو خنزيره لا يكون حراما ولا خلاف فى أن ألبان الخنازير نجسة كالعذرة، وقال غيره: المعنى فيه أن لبن الخنزيرة لا يدرك فى الخروف إذا ذبح بذوق ولا شم ولا رائحة، فقد نقله الله تعالى وأحاله كما يحيل الغذاء، وإنما حرم الله تعالى أكل أعيان النجاسات المدركات بالحواس، كذا قاله أبو الحسن على بن خلف بن بطال القرطبى فى شرح البخارى [ووفاته سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وهو أحد شيوخ أبى عمرو بن عبد البر رحمة الله تعالى عليه] انتهى ما فى الدميرى. د - وإذا كان المنع من أكل لحم الجلالة وشرب لبنها منوطا بوجود النتن والتغير فى الطعم والرائحة، فكيف تزول هذه العلة حتى يزول المنع؟ قال جماعة: يكفى زوال الرائحة والطعم بأية وسيلة من الوسائل، وقال آخرون: لابد من حبس الدابة مدة حتى تزول الرائحة. وقال جماعة من هؤلاء لابد مع الحبس من العلف الطيب، وبدون ذلك يكره أكل اللحم وشرب اللبن، جاء فى تفسير القرطبى: وقال أصحاب الرأى والشافعى وأحمد: لا تؤكل حتى تحبس أياما وتعلف علفا غيرها، - يعنى غير الجلة - فإذا طاب لحمها أكلت. وكان ابن عمر يحبس الدجاج ثلاثا ثم يذبح، وقال إسحاق: لا بأس بأكلها بعد أن يغسل لحمها غسلا جيدا، وكان الحسن لا يرى بأسا بأكل لحم الجلالة، وكذلك مالك بن أنس. ويقول القرطبى: ومن هذا الباب نهُى أن تلقى فى الأرض العذرة عن ابن عمر أنه كان يكرى أرضه ويشترط ألا تُدْمن - تُسَمَّد - بالعذرة، وروى أن رجلا كان يزرع أرضه بالعذرة فقال له عمر: أنت الذى تطعم الناس ما يخرج منهم. انتهى. يقول الدميرى فى كتابه حياة الحيوان " مادة دجاج " وفى الكامل والميزان فى ترجمة غالب بن عبد الله الجزرى وهو متروك -عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أياما ثم يأكلها بعد ذلك. وذكر فى مادة " سخلة " حديث ابن عمر فى نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وشرب ألبانها حتى تحبس. وجاء فى" نيل الأوطار "للشوكانى: قال ابن رسلان فى شرح السنن: وليس للحبس مدة مقدرة، وعن بعضهم: فى الإبل والبقر أربعين يوما، وفى الغنم سبعة أيام، وفى الدجاج ثلاثة، واختاره فى المهذب والتحرير، قال الإمام المهدى فى البحر: فإن لم تحبس وجب غسل أمعائها ما لم يستحل ما فيه استحالة تامة ... وقد اختلف فى طهارة لبن الجلالة، فالجمهور على الطهارة، لأن النجاسة تستحيل فى بلطنها، فيطهر بالاستحالة، كالدم يستحيل فى أعضاء الحيوانات لحما ويصير لبنا. ويقول الدميرى فى " مادة سخلة " بعد نقل ما قيل عن مدة الحبس وأنها محمولة على الغالب عندهم: فإن لم تعلف لم يزُل المنع بغسل اللحم بعد الذبح.ولا بطبخه وشَيَّه وتجفيفه فى الهواء وإن زالت الرائحة بمرور الزمان عند صاحب التهذيب، وقيل بخلافه. ر- هذا، والممنوع فى الجلالة بوصف كونها جلالة، هو أكل لحمها وشرب لبنها وكذلك أكل البيض، وأيضا حمل الأمتعة عليها، وركوبها بغير حائل بين ما يحمل عليها وبين جلدها، وذلك على سبيل الكراهة فى الركوب. بعد العرض لأحاديث الجلالة وأقوال العلماء نستخلص أن الدواب التى يخلط علفها بمادة نجسة ولم يظهر فساد فى لحمها أو لبنها أو بيضها، ولا ضرر فى تناوله لا يحرم أكل ذلك ولا يكره، لزوال علة النهى وهى الفساد، أما إن كان علفها كله من مادة نجسة وظهر فساد اللحم واللبن والبيض فالخلاف موجود بين الحكم بالحرمة أو الكراهة التحريمية أو الكراهة التنزيهية، وإن لم يكن فساد فلا حرمة، والأولى علفها بمادة طيبة مدة من الزمان حتى تقبل النفس عليها، فإن بعض النفوس لا تقبل الحلال الذى لا شك فى حله، فقد امتنع النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الضب وهو حلال، وجاء فى الصحيحين أنه قيل له: أحرام هو؟ قال " لا، ولكنه لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه " وفى رواية مسلم " لا آكله ولا أحرمه " وفى رواية " كلوه فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامى ". وكلام الأطباء والمختصين فى هذا المقام له وزنه إن أجمعوا عليه (8/414) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 10:55 pm | |
| الفسيخ
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم أكل الفسيخ والأسماك المملحة؟
الجواب نشرت مجلة الأزهر فى المجلد الخامس صفحة 243 إجابة للمرحوم الشيخ يوسف الدجوى عن الأسماك المحفوظة بالتمليح جاء فيها، مع زيادة للتوضيح: إن السمك لا شك فى طهارته حيا أو ميتا لحديث " أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال " رواه أحمد والشافعى وابن ماجه والبيهقى والدارقطنى، وهو ضعيف، وصحح الإمام أحمد وقفه على ابن عمر، كما قاله أبو زرعة وأبو حاتم، ومثل هذا له حكم المرفوع، لأن قول الصحابى: أحل لنا كذا وحرم علينا كذا، مثل قوله أمِرْنا ونُهينا. ولحديث الخمسة أى أحمد وأصحاب السنن الأربعة وقد سئل الرسول عن الوضوء بماء البحر فقال لا هو الطهور ماؤه الحل ميتته ". لكن الدم المسفوح نجس، وهو السائل عن مقره فى حال الحياة بنحو الفصد أو بعد الموت ولو بعد التذكية الشرعية من سائر الحيوانات ولو من السمك، خلافا للقابسى وابن العربى، حيث قالا: إن الدم المسفوح من السمك طاهر. فالسمك إذا مُلِّح ووضع بعضه على بعض صار فسيخا، فإن لم يتحلل منه دم مسفوح كان طاهرا وحل أكله، أما إن خرج منه دم مسفوح بواسطة الضغط عليه بمثقل مثلا فقد صار نجسا لا يحل منه إلا الصف الأعلى، مع غسله قبل أكله، أما الطبقات السفلى فلا يحل أكلها على القول المشهور، وذلك لنجاستها بمرور الدم عليها وعدم إمكان تطهيرها لامتزاجها بالدم. ويحل أكل جميعه على رأى القابسى وابن العربى، وعلى المشهور إن شك فى كونه من الصف الأعلى أو غيره جاز أكله، لأن الطعام لا يطرح بالشك. هذا هو حكم الفسيخ على مذهب الإمام مالك، ومذهب الحنفية أن السمك لا دم له، فإذا ملِّح حتى صار فسيخا حَل أكله، سواء أكان من الصف الأعلى أم من غيره، وذلك كله ما لم يخش ضرره، وإلا حرم أكله من أجل الضرر لا من أجل النجاسة. انتهى. بعد هذا العرض يكون أكل الفسيخ حلالا عند الأحناف وبعض المالكية، فليست الحرمة متفقا عليها، والدين يسر، وذلك بشرط عدم الضرر من أكله، ويختم الشيخ الدجوى كلامه بقوله: والورع تركه (8/415) ________________________________________ دخول بيت الخلاء بما فيه قرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز دخول بيت الخلاء بحلية أو كتاب فيه اسم الله أو شىء من القرآن؟
الجواب روى أصحاب السنن وصححه الترمذى عن أنس رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه، وقد صح أن نقش خاتمه كان " محمد رسول الله " وذلك أن بيوت الخلاء مستقذرة وتأوى إليها الشياطين والحشرات والهوام، ولذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخلها يقول " اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث " رواه البخارى ومسلم، والخبث -بضم الخاء والباء-جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، والمراد بهم ذكور الشياطين وإناثهم، وليس من اللائق أن توضع الأشياء الكريمة أو يدخل بها فى مثل هذه الأمكنة. هذا هو حكم الدخول بأى شىء فيه اسم الله مثل " ما شاء الله " أما الدخول بالقرآن أو بأية منه فقال الأحناف والشافعية بكراهته، وقال المالكية والحنابلة بحرمته، وذلك لمجرد الدخول إذا كان حامله طاهرا أما إذا كان غير طاهر من الحدثين فانه يحرم حمله بصرف النظر عن الدخول وعدم الدخول به فى بيت الخلاء، وذلك عند الشافعية. ثم قالوا: محل حرمة الدخول أو كراهته إذا لم يكن القرآن مستورا بما يمنع وصول الرائحة الكريهة إليه ولم يخف الضياع عليه، فإن اتخذ كحجاب مجلد، أو خاف ضياعه أو ضياع الحلية المكتوب عليها القرآن جاز الدخول به. فالمرأة الحاملة لحلية فيها القرآن إن كانت فى بيتها يجب أو يستحب أن تخلعها عند دخول بيت الخلاء، وذلك للأمن عليها. أما إذا كانت فى سفر أو محل عام أو فى محل عمل فيه غيرها وخافت عليها الضياع لو خلعتها فلا بأس بدخول بيت الخلاء وهى لابسة لها. " انظر: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف، ونيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 85، 86، والفتاوى الإسلامية، المجلد الخامس ص 1599 (8/416) ________________________________________ نقض الوضوء بخروج الدم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل ينتقض الوضوء بخروج الدم؟
الجواب عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أصابه قىء أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ، ثم لِيَبن على صلاته وهو فى ذلك لا يتكلم " رواه ابن ماجه والدارقطنى، وهو حديث ضعيف كما قاله غير واحد، وقال الحفاظ من أصحاب ابن جريح: يروونه عن ابن جريح عن أبيه عن النبى مرسلا، أى سقط منه الصحابى، وصحح كونه مرسلا الدارقطنى وأبو حاتم والبيهقى. 2 - وورد أيضا حديث لا إذا رعف أحدكم فى صلاته فلينصرف فليغسل عنه الدم ثم لِيُعدْ وضوءه وليستقبل صلاته لا وهو ضعيف أيضا. 3 - وعن ابن عمر رضى الله عنهما عند مالك فى الموطأ: أنه كان إذا رعف رجع فتوضأ ولم يتكلم ثم يرجع ويبنى. الرعاف هو الدم الذى ينزل من الأنف. والقىء ما يخرج من المعدة إلى الحلق. والقلس -بفتح القاف وسكون اللام أو فتحها - ما خرج من الحلق أو الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقىء، قاله الجوهرى فى الصحاح وابن الأثير فى النهاية. والمذى هو الماء الأبيض الرقيق الذى ينزل من القبل عقب ثوران الشهوة بدون لذة أو تدفق. 4 - أصيب عباد بن بشر بسهام وهو يصلى فاستمر فى صلاته، رواه البخارى تعليقا بدون سند، ورواه أبو داود وابن خزيمة. 5 - عن أنس قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه، وهو حديث ضعيف. بناء على هذه المرويات اختلف الفقهاء فى نقض الوضوء بالدم الخارج من الجسم، فقال الشافعى وأصحابه بعدم نقض الوضوء بخروج الدم من غير السبيلين لا القُبل والدبر" إلا إذا كان من ثقبة تحت المعدة تقوم مقام السبيلين فى خروج الفضلات، وكذلك قال مالك بعدم النقض بخروج الدم من غير السبيلين إلا إذا كان من ثقبة تحت المعدة أو من الفم إذا صار ذلك مخرجا للفضلات يقوم مقام السبيلين مع بعض التوضيحات عندهما فى الخارج من الثقبة. وسند هؤلاء فى عدم النقض للوضوء بالرعاف والحجامة والجرح أن الأصل عدم النقض للمتوضئ إلا بما يدل عليه دليل مقبول، ولا يوجد هذا الدليل. يقول الشوكانى: لا يصار إلى القول بأن الدم أو القئ ناقض إلا بدليل ناهض، والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة النقل، والكل من التقول على الله بما لم يقل [يشير بهذا إلى قوله تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} النحل: 116،ويؤيد قول هؤلاء الحديث عباد بن بشر، فإنه يبعد ألا يطلع النبى صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة ولم ينقل أنه أخبره بأن وضوءه بطل كما يؤيد هذا القول حديث احتجام النبى صلى الله عليه وسلم وعدم وضوئه وإن كان ضعيفا. أما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا بنقض الوضوء بالرعاف وبنزول الدم من أى مكان فى الجسم، بشرط السيلان الذى يجاوز به الدم محل خروجه، وكذلك قال أحمد بن حنبل بشرط كثرة الخارج من الدم. وسند هؤلاء هو المرويات الثلاثة الأولى، وهى ضعيفة. أما المذى فهو نافض للوضوء باتفاق لخروجه من القبل. فإذا خرج بعض الدم من الأسنان أو من أثر الحلافة أو من سكين أو غير ذلك فالوضوء صحيح على مذهب جمهور الفقهاء، والواجب هو تطهير المحل الذى أصابه الدم. " نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 257 - 209، الفقه على المذاهب الأربعة " (8/417) ________________________________________ قص الشعر وتقليم الظفر للجنب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز قص الشعر أو الظفر أثناء الجنابة قبل الغسل؟
الجواب جاء فى شرح الإقناع لمتن أبى شجاع "ج 1 ص 60 "فى فقه الشافعية: قال فى الإحياء -أى إحياء علوم الدين للأمام الغزالى- لا ينبغى أن يحلق أو يقلم أو يستحد -يحلق عانته- أو يخرج دما، أو يُبين -يقطع- من نفسه جزًا وهو جنب، إذْ ترد سائر أجزائه فى الآخرة فيعود جنبا، ويقال: إن كَل شعرة تطالبه بجنابتها. لكن هذا الكلام لا دليل فيه على منع ذلك أثناء الجنابة، ولا فى مطالبة الجز المفصول بجنابته يوم القيامة، وقد وُجِّه مثل هذا السؤال لابن تيمية كما قال السفارينى فى كتابة " غذاء الألباب ج 1 ص 382 " فأجاب: قد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكر الجنب قال " إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا " فال: وما أعلم لكراهة إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا، بل قد قال النبى صلى الله عليه وسلم للذى أسلم " ألق عنك شعر الكفر واختتن " فأمر الذى أسلم بذلك ولم بأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر حتى يغتسل، فإطلاق كلامه يقتضى جواز الأمرين، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط فى غسلها مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر، فعلمنا عدم كراهة ذلك. وأن ما يقال فيه مما ذكر لا أصل له. قال عطاء: يحتجم الجنب ويقلم أظفاره ويحلق رأسه وإن لم يتوضأ، رواه البخارى. وعلى هنا فلا كراهة فى قص الشعر والظفر أثناء الجنابة. أما دفن قلامة الظفر ومشاطة الشعر فله موضع آخر (8/418) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 11:37 pm | |
| الدراسة الدينية أثناء الجنابة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سألت مدرسة للدين عن حمل كتاب الدين وفيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأحيانا تقرأ بعض الآيات وهى فى عادتها الشهرية، وأحيانا تقرأ القرآن وهى مكشوفة الرأس، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب يحرم على الجنب -ومن الجنابة الحيض والنفاس- الصلاة والطواف والمكث فى المسجد وقراءة القراَن ومس المصحف وحمله. كما يحرم على الحائض والنفساء الصيام، وعلى الرجل اعتزالها حتى تطهر. أما حملها لكتاب الدين فليس ممنوعا، لأنه ليس بمصحف ولا ينطبق عليه قول الله تعالى {إنه لقرآن كريم. فى كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 77-79، وأما قراءتها للقرآن من غير مس المصحف ولا حمله فممنوعة أيضا عند جمهور الفقهاء، وذلك للحديث الذى رواه أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القراءة شىء إلا الجنابة، وصحح الترمذى هذا الحديث، وقيل: إنه حديث حسن يصلح للاحتجاج به، وكذلك للحديث الذى رواه أحمد عن على رضى الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال " هكذا لمن ليس بجنب،. أما الجنب فلا ولا آية " قال الهيثمى: رجاله موثقون قال الشوكانى: فإن صح هذا الحديث صلح للاستدلال به على التحريم. كما تمسكوا بحديث رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن " وقد ضعف هذا الحديث وغير الجمهور أجازوا للحائض والجنب قراءة القراَن، ومنهم أهل الظاهر والطبرى والبخارى الذى قال: لا بأس أن تقرأ الحائض الآية، ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا. قال ابن حجر: لم يصح عند البخارى شىء من الأحاديث الواردة فى منع الجنب والحائض وإن كان مجموع ما ورد فى ذلك تقوم به الحجة عند غيره، لكن أكثرها قابل للتأويل. هذا، وذهب أبو حنيفة، إلى قراءة ما دون الآية (انظر الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام) . وبعد عرض هذه الآراء يختار قول الجمهور فى المنع، ولا يجوز للحائض أن تقرأ شيئا من القرآن عند دراسة لدين ما دامت لا توجد ضرورة لقراءتها. كالامتحان مثلا، ويمكنها أن تؤجل دراسة الباب الذى فيه القرآن حتى تطهر، فإن تحتمت القراءة جازت قراءة آية أو أقل أى الاقتصار على الضرورى، محافظة على قدسية القرآن. أما قراءة الأحاديث النبوية وذكر الله بما ليس بقرآن، والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وإجابة المؤذن فلا حرمة ولا كراهة فيها مع الجنابة. وقراءة القرآن جائزة ورأس المرأة مكشوف أو كانت بملابس البيت ما دام لا يوجد اْجنبى يراها، وإن كان الأفضل الستر الكامل والطهارة واستقبال القبلة، وذلك لزيادة الأجر. ولا يجوز لمن عندها العذر الموجب للغسل أن تدخل المسجد وتمكث فيه لحضور مجلس علم حتى تطهر، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك كما رواه أبو داود وابن ماجه، ويمكنها أن تتلقى العلم بعيدا عن المسحد أو فى مكان ملحق به لا يصلى فيه. أما حمل المصحف ومسه ففى موضع آخر. توجيهات للجنب من المستحب أن يبادر الجنب بالطهارة بالغسل لأنها كمال ولأن فيها تنشيطا للبدن وتعويضا لما فقد من قوة، ويكره له أن يؤخرها إلا إذا كان هناك عذر، وهنا يستحب له أن يتوضأ بدل الغسل لمزاولة أعمال غير التى حرمت عليه كالأكل والشرب والنوم والسفر وإن ترك الطهارة بالغسل أو الوضوء عند التمكن من أحدهما كانْ ذلك مكروها لأنه يدل على الاستهانة وقد يصير عادة له. ومما ورد فى استحباب المبادرة بالطهارة ما ثبت فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ، وما رواه أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب " وما رواه البزار بإسناد صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: " ثلاثة لا تقربهم الملائكة الجنب والسكران والمتضمخ بالخلوق " وهو طيب كان خاصا بالنساء. وما روى من أن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر والجنب. ويكره للجنب تشييع الجنازة لأن الملائكة تشيع بعض الجنازات كما ثبت فى الصحيح، وربما لا تشيع لوجود جنب مع المشيعين فيمنع الرحمة عن الجنازة. يقول العلماء: إن الملائكة التى لا تقرب الجنب حتى يغتسل أو يتوضأ هم ملائكة الرحمة، أما الحفظة وغيرهم فلا يفارقونه أبدا، والمراد بالصورة المجسمة وبالكلب غير ما أذن فيه كالحراسة والصيد، ولا بأس من الذبح مع الجنابة وذكر اسم الله، وإن كان الأولى الطهارة (8/419) ________________________________________ التيمم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هي فروض التيمم، وما أسباب نزول آياته في القرآن الكريم؟
الجواب يجوز للإنسان أن يتيمم بدلاً من الوضوء أو الغسل في عدة حالات، منها: إذا لم يجد الماء أصلاً، أو وجده ولكن لا يكفيه للطهارة، أو كان به جراحة أو مرض وخاف من الماء زيادة المرض أو تأخر الشفاء أو كان الماء شديد البرودة وغلب على ظنه حصول ضرر باستعماله وقد عجز عن تسخينه، أو كان الماء قريبا منه وخاف من طلبه فوت الرفقة أو خاف على نفسه أو عرضه أو ماله ضرر من عدو أو حيوان مفترس مثلا، وكذلك إذا عجز عن استخراج الماء من العمق، أو خاف تهمة له يتضرر بها عند استعمال الماء في الغسل، كمن بات عند صديق متزوج وأصبح جنباً بالاحتلام مثلا أو كان محتاجًا إلى الماء في شرب أو طبخ أو عجن أو إزالة نجاسة، أو خاف من استعماله خروج وقت الصلاة. والتيمم يكون بالتراب الطاهر وكل ما كان من جنس الأرض كالرمل والحجر والجص، وكيفيته: أن يقدم النية ثم يضرب الصعيد الطاهر بيديه ويسمح بهما وجهه ويديه إلى الرسغين، ويكفى في ذلك ضربة واحدة كما تدل عليه الأحاديث القوية. وقال بعض الأئمة، لابد من ضربتين، إحداهما للوجه، والأخرى لليدين، على أن يكون مسحهما إلى المرفقين لا إلى الرسغين. ويصلي بالتيمم الواحد للوقت ما شاء من الفرائض والنوافل، وقال بعض الأئمة: لا يصلي بالتيمم الواحد إلا فرضا واحدًا وما شاء من النوافل، واشترط بعضهم لصحة التيمم دخول وقت الصلاة ولم يشترط البعض الآخر. والتيمم ينتقض بكل ما ينتقض به الوضوء والغسل، وكذلك ينتقض بوجود الماء أو القدرة على استعماله لمن عجز عنه. أما سبب نزول آية التيمم في القرآن الكريم فقد ورد فيه حديث السيدة عائشة رضي اللَّه عنها الذي رواه البخارى ومسلم وغيرهما، قلت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقد لى، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معه ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ فجاء أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم على فخذي قد نام، فعاتبني وقال ما شاء اللَّه أن يقول، وجعل يطعن بيده خاصرتي فما يمنعني من التحرك إلا مكان النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام حتى أصبح على غير ماء، فأنزل اللَّه تعالى آية التيمم {فتيمموا صعيدًا طيبًا} قال أسيد بن حضير: ما هي أول بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته (8/420) ________________________________________ حمل كيس البول
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال عملت لى عملية جراحية تحول بها مجرى البول إلى أنبوبة تصب فى كيس أحمله، وقد تتسرب منه بعض النقط، فكيف أصلى؟
الجواب معلوم أن الصلاة لا تقبل بغير طهارة من الحدث والنجس، وخروج شىء من السبيلين المعتادين وهما القبل والدبر، من بول أو غائط أو ريح يبطل الوضوء أما الخارج من غير السبيلين كفتحة فى البطن، فقد اختلف فيه العلماء، فالشافعية والمالكية يقولون: إذا انقطع الخروج من السبيلين أو من أحدهما، أو انسد المخرج المعتاد لعارض، فإن الخارج ينقض الوضوء، والحنابلة يقولون بالنقض فى كل الأحوال. أما الحنفية فيقولون: إن الخارج النجس من غير السبيلين ينقض الوضوء إذا سال وتجاوز موضع خروجه واستمر نزوله وكان صاحبه معذورا. والحالة الواردة فى السؤال ينطبق عليها حكم سلس البول، فصاحبها يوالى بين الاستنجاء والوضوء والصلاة ويصلى بالوضوء فى الوقت ما شاء من الفرائض والنوافل، " فتاوى معاصرة للشيخ جاد الحق على جاد الحق ص 81، 82" (8/421) ________________________________________ الصبيان والمساجد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يصحب بعض المصلين أولادهم إلى المساجد فيعارضهم آخرون لما يحدث منهم من تشويش، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب نحن مأمورن بأن نعود أولادنا منذ الصغر على الصلاة والصيام وسائر أعمال الخير، حتى إذا بلغوا حد التكليف كانت ممارستها سهلة عليهم، وفى ذلك يقول النبى صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم فى المضاجع ". رواه أبو داود بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وثبت أن الصحابة عندما فرض الصيام كانوا يصومون أطفالهم، ويحضرون لهم كرات الصوف ليتسلوا بها حتى يحين وقت الإفطار، كما رواه البخارى ومسلم عن الربيِّع بنت معوِّذ. وكما يندب تدريب الأولاد على الصلاة والطاعات فى المنازل، يندب تدريبهم على الأعمال الجماعية لتقوية روح الاجتماع فى نفوسهم، ومن ذلك شهودهم لصلاة الجمع والجماعات فى المساجد، وتحدث الفقهاء عن ترتيب صفوف الجماعة فقالوا: يكون الرجال فى الصفوف الأولى ثم يليهم الصبيان ثم يليهم النساء. ومع ذلك جاء حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخدوا على أبوابها المطاهر وجمروها فى الجمع " رواه ابن ماجه عن واثلة بن الأسقع ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير عن أبى الدرداء وأبى أمامة وواثلة، ورواه أيضا فى الكبير بتقديم وتأخير من رواية مكحول عن معاذ ولم يسمع منه. هكذا قال الحافظ المنذرى فى كتابه " الترغيب والترهيب ". وإذا كان فى الحديث ضعف فإن هناك مرويات قوية بخصوص ما جاء فيه، ويمكن قبوله فى فضائل الأعمال التى منها المحافظة على نظافة المساجد وتوفير الجو الهادى الذى يليق بمكانتها ويساعد المتعبدين على أداء عبادتهم فى خشوع، ومن أجل هذا نهى الحديث عن الأمور المذكورة فيه. وقد جاء فيه تجنيب الصبيان والمجانين للمساجد لأن الغالب منهم صدور أعمال تتنافى مع كرامة المسجد وتؤذى المتعبدين، وحتى لا يكون هناك تعارض بين صلاة الصبيان فى المساجد والأمر بإبعادهم عنها قال العلماء: إن التجنيب يكون للأطفال غير المميزين الذين يكثر منهم العبث، أما المميزون العقلاء فلا بأس باصطحابهم إلى المساجد ومشاركتهم للكبار فى الصلاة والعبادة وأعمال الخير، مع متابعة تنبيههم على المحافظة على آداب المساجد والآداب الاجتماعية بوجه عام. وقد حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ الحسن معه إلى المسجد فكان يركب على ظهره وهو ساجد فى الصلاة فيطيل السجود رحمة به، كما جاء فى روايات لأحمد والنسائى والحاكم وغيرهما، وحمل العلماء ذلك على ضمان ألا يكون فى دخولهم المسجد تشويش وعبث، أما ترك الأطفال يعبثون بدون رقابة فهو الممنوع. وكذلك لم يكن اصطحاب النبى للأطفال اعتياديا ومستمرا، بل فلتات أو فى بعض الأحيان (8/422) ________________________________________ الكلام أثناء الوضوء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى الحديث أثناء الوضوء؟
الجواب الحديث أثناء الوضوء لا يبطله وإن كان مكروها، فالمستحب الانصراف إلى العبادة ومقدماتها وذلك لإتقانها، وإن كان هناك كلام فليكن بذكر الله وبالخير، وسوف يجىء الكلام عن الأذكار التى تقال عند الوضوء، قبله أو أثناءه أو بعده (8/423) ________________________________________ التطهير بالمسح
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز أن يكتفى فى تطهير السكين من أثر الدم بمسحها دون غسلها؟
الجواب كان الصحابة رضى اللَّه عنهم يصلون وهم حاملو سيوفهم وقد أصابها الدم فكانوا يمسحونها ويجتزئون بذلك، ويقاس على السيوف كل صقيل ليست له مسام مثل المرآة والسكين والظفر والعظم والزجاج والأوانى، فيكتفى بالمسح الذى يزول به أثر النجاسة "فقه السنة ص ا 3 من المجلد الأول نشر دار الكتاب العربى-بيروت " (8/424) ________________________________________ الوشم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعت من أحد العلماء أن الرجل الذى بيديه وشم لا يصح أن يكون إماما فى الصلاة فهل هذا صحيح؟
الجواب قال الخطيب الشافعى: الوشم -وهو غرز الجلد بالإبرة-حرام للنهى عنه، فتجب إزالته وذلك إذا لم يخف ضررا من الأضرار التى تبيح التيمم - بإحداث مرض أو زيادته - فإن خاف لم تجب إزالته ولا إثم بعد التوبة. وهذا كله إذا فعله برضاه بعد بلوغه، وإلا فلا تلزمه إزالته، وتصح صلاته وإمامته لغيره، ولا ينجس ما وضع يده فيه مثلا إذا كان عليها وشم. ومن هذا يعلم أن الرجل المذكور فى السؤال تجب عليه إزالة الوشم الذى فعله باختياره بعد البلوغ، وهذا إن كانت إزالته بطريقة لا تضر العضو الموشوم، فإن كانت الإزالة تضره فلا حرج وتصح صلاته، أما من وُشِمَ صغيرا فلا يجب عليه إزالة الوشم وبالتالى تصح صلاته وإمامته. والوشم منهى عنه بحديث "لعن اللَّه الواشمة والمستوشمة" والصحيح أن حرمته مرتبطة بقصد الغش والتدليس، أو الفتنة والإغراء، وإن كان البعض حرمه لأن فيه تغييرا لخلق اللَّه، ولأن الدم النجس انعقد بسبب اللون الموشوم به،ولا تزول نجاسته بالغسل كسائر النجاسات، ومن هنا حكم بعدم صحة الصلاة إلا بعد إزالته إن أمكن بدون ضرر كما تقدم توضيحه. وكان الوشم معروفا عند العرب قبل الإسلام كغيرهم من الأمم. وكان يقصد به الجمال إن كان فى شفتى المرأة، ويعرف باللَّمَى، فاللمياء حسنة فى أعين الرجال عندهم، كما قصد به فى بعض البلاد تمييز القبائل بعضها عن بعض، بخطوط ذات اتجاهات وأعداد متنوعة، كالموجودة فى بلاد النوبة جنوبى مصر، كما يعمل لأغراض أخرى فى مواضع معينة من الجسم من أجل الجمال فى عرف بعض القبائل، أو إظهار البأس والقوة وغير ذلك من الأغراض. ولزيادة المعلومات عنه انظر ص 298 من الجزء الثالث من كتابنا "الأسرة تحت رعاية الإسلام" (8/425) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 11:38 pm | |
| احتلام الضيف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يحدث أن ينزل إنسان ضيفا على إنسان آخر ويعتريه فى نومه الاحتلام الذى يوجب الغسل، فكيف يتصرف منعا للشبهة؟
الجواب إذا علم الضيف من صلته القوية وصداقته المتينة لصاحب البيت أنه لا يظن به سوءا كان عليه أن يطلب الاستحمام للصلاة، أما إذا تيقَّن أو غلب على ظنه أنه سيتهمه بسوء فإنه يمكن بأسلوبه اللبق أن يطلب ذلك، كأن يدعى أنه يريد النظافة لطول عهده مثلا بالاستحمام أو يريد التبرد من شدة الحر مثلا، وذلك محاولة أن يصرف ذهن صاحبه عن الظن السيئ به، وذلك على مثال ما قال العلماء للمصلى الذى يخرج منه ناقض "للوضوء" وهو فى الصلاة فإنه ينصرف منها واضعا يده على أنفه لإيهام الناس أن به رعافا لا أنه أحدث فى الصلاة. على أن جماعة من العلماء قالوا: يجوز له التيمم عند ضيق الوقت ويصلى حتى لا تفوته الصلاة، ثم يتصرف فى الغسل بعد ذلك بطريقة تنقذه من هذا الحرج. هذا وخوف اتهام الضيف بالسوء يكون لو نام فى الدور أو الشقة التى فيها حريم، أما لو كان نائما فى مكان منعزل عن الحريم فالواجب عليه أن يغتسل فى البيت أو خارجه، ولا يعبأ بشك صاحب البيت، لأنه حينئذ يكون متجنيا عليه وظالما له، وبخاصة إذا كان الضيف معروفا بالخلق الطيب واستقامة السلوك، فلا يخشى بأسا من الاغتسال، فالمؤمن المستقيم جدير بأن يدفع اللَّه عنه قالة السوء. وإذا أعيته الحيل لدفع الشكوك والظنون السيئة عنه قال بعض العلماء: إنه صار كالسجين فى بيت صديقه، فيسقط عنه الغسل اتقاء للتهمة، ولأن الضرورات تبيح المحظورات، وهنا يقول بعض علماء الحنفية: يجب عليه أن يصلى بدون غسل فى الوقت، لحرمة الوقت ولكن صلاة غير حقيقية، بل يتشبه بالمصلين فى الحركات ولا ينوى ولا يقرأ ولا يصلى إماما، ثم يعيد الصلاة بعد التمكن من الغسل. وقال بعض المحققين: يستحسن له أن يتوضأ عقب الاحتلام ويصلى الصلاة الصورية رمزا لمواظبته على طاعة اللَّه ثم يعيدها بعد الغسل "نور الإسلام - مايو - 1949 م " (8/426) ________________________________________ نجاسة الخنزير
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الفراجين "الفُرش " التى تصنع من شعر الخنزير؟
الجواب معلوم أن لحم الخنزير يحرم أكله كما قال تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} المائدة: 3، وتحريم أكل اللحم يشمل تحريم كل أجزائه من الشحم والكبد والطحال وغيرها، لقوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحى إلىَّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس} الأنعام:145، لأن الضمير فى قوله {فإنه رجس} عائد على لفظ الخنزير لا على لفظ "لحم " لأن تحريم اللحم معلوم بالنص عليه، فلو عاد الضمير عليه لزم خلو الكلام من فائدة التأسيس، فوجب عوده إلى كلمة "خنزير" ليفيد الكلام تحريم بقية أجزائه. ومع تحريم أكل أى جزء منه فهو نجس، لأن الله وصفه بأنه رجس، والرجس هو النجس، وجمهور الفقهاء على نجاسته حيا وميتا بدليل هذه الآية، وإن كان فى الدليل مناقشة، فقد يراد بالنجاسة النجاسة الحكمية وهى حرمة الأكل، وليس النجاسة العينية، كنجاسة المشركين فى قوله تعالى {إنما المشركون نجس} فالمراد نجاسة الاعتقاد وليس النجاسة العينية، حيث لم يقل أحد بأن المشرك ينجس. على مثل ما جاء فى قوله {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} فنجاسة الأنصاب والأزلام حكمية وهى الحرمة وليست نجاسة عينية. ولما كانت الآية لا تدل دلالة قطعية على نجاسة الخنزير نجاسة عينية استدل بعض العلماء على ذلك بالقياس على نجاسة الكلب، لأنه أسوأ حالا منه حيث لا يجوز الانتفاع به، لكن هذا الدليل غير مسلَّم، لأن الحشرات لا ينتفع بها ومع ذلك هى طاهرة. ومن هنا قال النووى: ليس لنا-أى الشافعية-دليل على نجاسة الخنزير، بل مقتضى المذهب طهارته كالأسد والذئب والفأر، وقال ابن المنذر الإجماع على نجاسة الخنزير، لكن دعوى الإجماع فيها نظر، لأن مالكا يخالف فيه ويقول بطهارته. نخلص من هذا إلى أن الخنزير يحرم أكله، أما طهارته فالجمهور على أنه نجس، والبعض قال إنه طاهر كالحمار والذئب يحرم أكلهما ومع ذلك طاهران. وكل حيوان لم يذبح ذبحا شرعيا أو كان مما يحرم أكله حتى لو كان طاهرا حال حياته كالحمار فإنه يعتبر "ميتة" ولحم الميتة مع حرمة أكله نجس، والنجاسة تشمل الجلد والشعر وكل ما يتصل به، غير أن جلد الميتة يطهر بالدباغ عند الجمهور، إلا جلد الكلب والخنزير فلا يطهره الدباغ، ومثله الفراء والشعر، ومذهب داود الظاهرى وأبى يوسف أن الدباغ يطهر كل جلود الميتة حتى الكلب والخنزير، لأن الأحاديث الواردة فى ذلك (من هذه الأحاديث ما رواه مسلم " أيما إهاب دبغ فقد طهر" وما رواه الدارقطنى " طهور كل أديم دباغه ".) لم يفرق فيها بين الكلب والخنزير وما سواهما، ذكره النووى فى شرح صحيح مسلم ونقله الشوكانى فى نيل الأوطار " ج 1ص 75". وعليه فلا يجوز استعمال جلد الخنزير وشعره فى ملابس أو أحذية أو غيرهما على رأى جمهور العلماء. هذا هو حكم شعر الخنزير إذا أخذ بعد موته، أما إذا أخذ حال حياته فإن حكمه كحكم ميتته، وميتته نجسة فشعره بالتالى نجس، وذلك لحديث رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين "ما قطع من حى فهو كميتته " [الإقناع للخطيب ج 1 ص 24] واستثنى العلماء من هذا الحديث شعر وصوف ووبر مأكول اللحم فهى طاهرة، وعلى هذا لا يجوز استعمال شعر الخنزير إذا قص منه وهو حى فى عمل الفراجين "الفرش " حتى لو غلى هذا الشعر وعقم سواء أخذ حال الحياة أو بعد الموت، لأن هذه الإجراءات الصحية لا تطهره، بل هى للتأكيد من خلوه من الأمراض المعدية، والنجاسة باقية، لأنها نجاسة عين لا تطهر بهذه الوسائل مطلقا، بخلاف الشيء الطاهر الذى لاقته النجاسة فإنه يقال عنه إنه متنجس، ويطهر بالغسل بالماء على ما هو مفصل فى كتب الفقه. هذا، وقد يُقرأ فى بعض الكتب أن شعر الخنزير يجوز الانتفاع به فى خرازة النعال، لما روى أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس، كما رواه ابن خويز منداد، فكانت الخرازة به موجودة فى عهد النبى وبعده، ولم يعلم أنه أنكرها ولا أحد من الأئمة بعده. لكن جواز خرازة النعال بشعر الخنزير لا ينفى نجاسته، ولذلك لا يجوز المسح على النعل المخروز به ولا الصلاة فيه، وإن أجاز بعضهم ذلك فهو عند الضرورة "حياة الحيوان الكبرى للدميرى-خنزير برى" (8/427) ________________________________________ الوضوء من لحوم الإبل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال وردت أحاديث تأمر بالوضوء من لحوم الإبل ومما مسته النار، وتنهى عن الصلاة فى مبارك الإبل دون مرابض الغنم، فهل هذا صحيح وما الحكمة فى ذلك؟
الجواب روى مسلم أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال "إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ" قال الرجل: أتوضأ من لحوم الإبل، قال: "نعم فتوضأ من لحوم الإبل " قال الرجل: أصلى فى مرابض الغنم؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم "نعم " قال الرجل: أصلى فى مبارك - الإبل؟ قال "لا". وروى مسلم أيضا "إنما الوضوء مما مست النار، توضأوا مما مست النار". وروى أبو داود عن جابر: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار"؟ ذهب أكثر العلماء إلى أن أكل لحوم الإبل لا ينقض الوضوء، قال النووى: ممن ذهب إلى ذلك الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبى بن كعب وابن عياض. . . وجماهير من التابعين، ومالك وأبو حنيفة والشافعى وأصحابهم، محتجين بحديث جابر المذكور وهو عام يشمل لحوم الإبل وغيرها، وذهب أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه ويحيى ابن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة،، وحكى عن أصحاب الحديث وعن جماعة من الصحابة، إلى انتقاض الوضوء بأكل لحوم الإبل اعتمادا على الحديثين الأولين. والجمع بين أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالوضوء من لحوم الإبل وما كان عليه فى آخر الأمر من ترك الوضوء مما مست النار-هذا الجمع فيه كلام كثير لعلماء الأصول لا يتسع له المقام، وقد رأى بعض العلماء أن الأمر بالوضوء يراد به غسل اليدين، أى الوضوء اللغوى. وإن كان هذا الرأى فيه مناقشة عند إيراده للجمع بين الوضوء وعدمه. والمختار للفتوى هو رأى جمهور الفقهاء من عدم نقض الوضوء بأكل لحوم الإبل أو ما مسته النار ... . أما الصلاة فى مبارك الإبل فهى حرام عند أحمد، وقال: لا تصح،فإن صلى فعليه الإعادة، وسئل مالك عمن لا يجد إلا عطن إبل هل يصلى فيه؟ فقال: لا يصلى فيه، قيل: فإن بسط عليه ثوبا؟ قال: لا، وقال ابن حزم: لا تحل فى عطن إبل. أما جمهور الفقهاء فقالوا: إن الصلاة تصح فى مبارك الإبل، وحملوا النهى على الكراهة إذا لم تكن هناك نجاسة، وعلى التحريم إن وجدت النجاسة، وليست علة قولهم هى النجاسة، فإنها موجودة فى مرابض الغنم، بل لأن الإبل فيها نفور، فربما نفرت والإنسان يصلى فيؤدى نفورها إلى قطع الصلاة أو إلى أذى يحصل له منها، أو يشوش بخاطره ويلهيه عن الخشوع، ويؤيد هذا التعليل حديث أحمد بإسناد صحيح "لا تصلوا فى أعطان الإبل فإنها خلقت من الجن، ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت " أما الصلاة فى مرابض الغنم فهى جائزة بنص الحديث لعدم وجود العلة الموجودة فى مبارك الإبل (8/428) ________________________________________ التيمم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو القدر الواجب مسحه من اليدين بالتراب عند التيمم؟
الجواب روى البخارى ومسلم عن عمار بن ياسر رضى الله عنه أنه لما أصابته الجنابة ولم يجد ماء تمرغ فى التراب قال له الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما كان يكفيك هكذا" وضرب بكفيه الأرض "ونفخ فيهما " ثم مسح بهما وجهه وكفيه. وجاء فى رواية الدارقطنى أنه قال له "ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين ". يفيد هذا أن ضرب الأرض بالكفين كان مرة واحدة، وأنه مسح بهما وجهه وكفيه إلى الرسغين وليس إلى المرفقين. وجمهور الفقهاء على أن الضرب يكون مرتين، مرة للوجه ومرة لليدين، وذلك لورود حديث بذلك "التيمم ضربتان " والشافعية والحنفية قالوا: مسح اليدين يكون إلى المرفقين، أما المالكية والحنابلة فقالوا: الفرض هو المسح إلى الكوعين "الرسغين ". وأما المسح إلى المرفقين فهو سنة، كما فى "فقه المذاهب الأربعة ". وفى نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 286، 287 مناقشة للأدلة ظهر منها أن حديث " التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " ضعيف، ونقل عن النووى فى شرح مسلم أن المسح إلى المرفقين هو قول مالك وأبى حنيفة، وأن المسح إلى الكفين هو مذهب أحمد، الأمر يحتاج إلى توفيق بين ما فى فقه المذاهب والنقل عن النووى، لكن الخلاصة أن هناك رأيين فى عدد الضربات أحدهما يكتفى بضربة واحدة، والآخر يوجب ضربتين، وكذلك هناك رأيان فى القدر الواجب مسحه من اليدين، أحدهما إلى الرسغين والآخر إلى المرفقين (8/429) ________________________________________ إزالة النجاسة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك رأى يقول: إن إزالة النجاسة وتطهير البدن والثوب منها أمر مستحب غير واجب، بحيث تصح الصلاة مع النجاسة؟
الجواب جاء فى تفسير القرطبى"الجامع لأحكام القرآن "ج 8 ص 262: اختلف العلماء فى إزالة النجاسة من الأبدان والثياب - بعد إجماعهم على التجاوز والعفو عن دم البراغيث ما لم يتفاحش - على ثلاثة أقوال: الأول: أن إزالتها واجبة مفروضة، فلا تجوز صلاة من صلى بثوب نجس عالما كان بذلك أو ساهيا، وهو قول الشافعى وأحمد، ورواه ابن وهب عن مالك، وهو قول أبى الفرج المالكى والطبرى، إلا أن الطبرى قال: إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف فى مراعاة قدر الدرهم، قياسا على حلقة الدبر. الثانى: أن إزالة النجاسة واجبة بالسنة من الثياب والأبدان، وجوب سنة وليس بفرض، قالت بذلك طائفة، فمن صلى بثوب نجس أعاد الصلاة فى الوقت فإن خرج الوقت فلا شىء عليه، هذا قول مالك وأصحابه إلا أبا الفرج ورواية ابن وهب عنه، وقال مالك فى يسير الدم: لا تعاد منه الصلاة فى الوقت ولا بعده. وتعاد من يسير البول والغائط، ونحو هذا كله من مذهب مالك قول الليث. الثالث: قال ابن القاسم: تجب إزالة النجاسة فى حال الذّكْر دون النسيان، وهى من مفرداته. والقول الأول أصح، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال "إنهما ليعذبان، وما يعذبان فى كبير، أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " رواه البخارى ومسلم، ولا يعذب الإنسان إلا على ترك واجب. وروى أحمد وابن ماجه والحاكم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أكثر عذاب القبر من البول ". واحتج من قال بأن إزالتها سنة والصلاة بها صحيحة بخلع النبى نعليه فى الصلاة لما أعلمه جبريل عليه السلام أن فيهما قذرا وأذى كما رواه أبو داود وغيره، قالوا: ولمَّا لم يعد الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى دل على أن إزالتها سنة وصلاته صحيحة، ويعيد ما دام فى الوقت، طلبا للكمال. وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن إزالة النجاسة واجبة عن بدن المصلى وثوبه ومكانه، إلا ما عفى عنه لتعذر إزالته أو عسر الاحتراز منه، دفعا للحرج، أما عن ثوب المصلى فلقوله تعالى: {وثيابك فطهر} المدثر: 4، وأما عن البدن فلأن البدن أولى بالطهارة من الثوب المنصوص على طهارته فى الآية. والمالكية لهم قولان مشهوران فى إزالة النجاسة، أحدهما أنها تجب شرطا فى صحة الصلاة، وثانيهما أنها سنة، وشرط وجوبها أو سنيتها أن يكون ذاكرا للنجاسة قادرا على إزالتها، فإن صلى أحد بالنجاسة وكان ناسيا أو عاجزا عن إزالتها فصلاته صحيحة على القولين، ويندب له إعادتها فى الوقت، أما إن صلى بها عامدا أو جاهلا فصلاته باطلة على القول الأول وصحيحة على القول الثانى، فتجب عليه إعادة الصلاة أبدا، فى الوقت أو بعده على القول الأول لبطلانها، ويندب له إعادتها أبدا على القول الثانى. انتهى. 2 - وجاء فى كتاب المغنى لابن قدامة "ج 1 ص 717". أن الطهارة من النجاسة فى البدن والثوب شرط لصحة الصلاة فى قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعى وأصحاب الرأى [الأحناف] . ويروى عن ابن عباس أنه قال: ليس على ثوب جنابة، ونحوه عن سعيد بن جبير والنخعى، وقال ابن أبى ليلى: ليس فى ثوب إعادة، ورأى طاوس دمًا كثر فى ثوبه وهو فى الصلاة فلم يباله، يقول ابن قدامة: ولنا -أى الحنابلة- قول الله تعالى {وثيابك فطهر} قال ابن سيرين: هو الغسل بالماء، وعن أسماء بنت أبى بكر قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون فى الثوب فقال "اقرصيه وصلى فيه ". وفى لفظ قالت: سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تصلى إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر، أتصلى فيه؟ قال: "تنظر فيه، فإن رأت فيه دما فلتقرصه بشىء من ماء، ولتنضح ما لم تر، ولتصل فيه "رواه أبو داود ثم ذكر حديث صاحبى القبرين، وقال: لأنها - أى طهارة الثوب - إحدى الطهارتين - الحدث والنجس - فكانت شرطا للصلاة كالطهارة من الحدث. انتهى. والخلاصة أن طهارة الثوب والبدن شرط لصحة الصلاة عند جمهور الأئمة وليست شرطا عند بعض التابعين كسعيد بن جبير وطاوس وبعض العلماء كالنخعى وابن أبى ليلى، وعن ابن عباس روايتان. ودليل الجمهور "فى الثوب "" قوله تعالى {وثيابك فطهر} والمراد غسل النجاسة بالماء كما قال ابن سيرين، ويؤيده قول النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة عن دم الحيض فى الثوب " اقرصيه وصلى فيه " وفَسَّر القرص بالغسل كما فى رواية لأبى داود " فلتقرصيه بشىء من ماء". وفى بعض روايات أبى داود: بلَّته بريقها ثم قصعته بظفرها. وهو يدل على العفو، لأن الريق لا يطهر به ودليل الجمهور "فى البدن " حديث الاستبراء أو الاستنزاه من البول، وقياسه على طهارته من الحدث. وشبهة المخالفين عدم وجود آية فى ذلك، أى فى غسل الثياب، وأن الثياب ليس عليه جنابة، وعدم مبالاة طاوس بالدم الكثير فى الصلاة. والرد عليهم أن الآية موجودة وهى {وثيابك فطهر} وأن عدم الجنابة على الثوب لا ينافى نجاسته، وعدم مبالاة طاوس لا تدل على صحة الصلاة، فهو رأى له، ولعل الدم الكثير كان دم براغيث يشق الاحتراز عنه. أما طهارة المكان فقد يستدل عليها بصب الماء على بول الأعرابى فى المسجد (8/430) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 11:44 pm | |
| التطهير بماء زمزم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نحن نعلم أن ماء زمزم مقدس، فهل يجوز التطهر منه بالوضوء والغسل؟
الجواب جاء فى فتاوى النووى المسماة بالمسائل المننثورة، فى المسألة الخامسة: لا تكره الطهارة بماء زمزم عندنا-الشافعية-وبه قال العلماء كافة، إلا أحمد فى رواية. دليلنا أنه لم يثت فيه نهى، وثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " الماء طهور لا ينجسه شىء"-أخرجه أحمد من حديث أبى سعيد الخدرى - وأما ما يقال عن العباس من النهى عن الاغتسال بماء زمزم فليس بصحيح عنه. انتهى (8/431) ________________________________________ الإسراف فى الماء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نحن نعلم أن الإسراف بوجه علم مذموم، فهل الإسراف فى الماء عند الوضوء أو الغسل مذموم على الرغم من توافر الماء؟
الجواب من المعلوم أنه من السنة فى الوضوء والغسل أن يكون ثلاث مرات، حتى يتأكد الإنسان من طهارة ما يغسل، مع العناية بالأماكن التى تحتاج إلى مزيد من النظافة. وما زاد على المرات الثلاثة التى عمت العضو كله أو البدن كله كان إسرافا منهيا عنه، بالنصوص العامة المعروفة. ذلك إلى جانب نصوص خاصة بذلك: جاء فى "كشف الغمة" للشعرانى "ج 1 ص 61 " حديث "لا تسرف فى الماء ولو كنت على طرف نهر جار"وحديث "لا تسرف " قيل: يا رسول الله: وفى الوضوء إسراف؟ قال "نعم، وفى كل شىء إسراف لما رواه الحاكم وابن عساكر مرسلا. وحديث "لا تسرف " رواه ابن ماجه عن ابن عمر. وجاء فى "المغنى لابن قدامة ج 1 ص 228" عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبى وقاص وهو يتوضأ، فقال " ما هذا السرف "؟ فقال: أفى الوضوء إسراف؟ قال " نعم وإن كنت على نهر جار" رواه ابن ماجه. وعن أبى بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن للوضوء شيطانا يقال له "ولهان " فاتقوا وسواس الماء" رواه أحمد وابن ماجه. هذا، وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد. وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضئه المد. وتحدث ابن قدامة فى صفحة 226 عن الصاع والمد بالتقديرات المعروفة قديما. ورأى الفقهاء فيها. والمهم أن الزيادة على ما يعم العضو ثلاث مرات يعد إسرافا. وحكم هذا الإسراف أنه مكروه إذا كان الماء مملوكا أو مباحا، أما الماء الموقوف على من يتطهر. ومنه ماء المرافق العامة-فإن الزيادة فيه على الثلاث حرام، لكونها غير مأذون فيها. أخرج أحمد والنسائى وابن ماجه وأبو داود وابن خزيمة من طرق صحيحة أن أعرابيا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا وقال "هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم " قال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد فى الوضوء على الثلاث أن يأثم. وقال أحمد وإسحاق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى " نيل الأوطار ج 1 ص 190 " (8/432) ________________________________________ البول قائما
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن التبول والإنسان واقف منهى عنه، مع أن كثيرا من دورات المياه فى الأماكن العامة يكون التبول فيها عن قيام؟
الجواب جاء فى "زاد المعاد" لابن القيم "ج 1 ص 43" أن أكثر ما كان يبول النبى صلى الله عليه وسلم وهو قاعد، يرتاد لبوله اللين الرخو من الأرض، وإذا كانت هناك أرض صلبة أخذ عودا من الأرض فنكت به حتى يثرى، يعنى حتى يكون فيه ثرى ورماد، وقالت عائشة رضى الله عنها: من حدثكم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا. وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث حذيفة أنه بال قائما، فقيل هذا بيان للجواز، وقيل: إنما فعله من وجع كان بمأبطه، وقيل: فعله استشفاء. قال الشافعى رحمه الله: والعرب تستشفى من وجع الصلب بالبول قائما، والصحيح أنه إنما فعل ذلك تنزها وبعدا من إصابة البول، فإنه إنما فعل هذا لما أتى سباطة قوم - وهو ملقى الكناسة، ويسمى المزبلة وهى تكون مرتفعة - فلو بال فيها الرجل قاعدا لارتد عليه بوله، وهو صلى الله عليه وسلم استتر بها وجعلها بينه وبين الحائط، فلم يكن بد من بوله قائما، والله أعلم. ثم قال ابن القيم: وقد ذكر الترمذى عن عمر بن الخطاب قال: رآنى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما، فقال " يا عمر لا تبل قائما" فما بلت قائما بعد، قال الترمذى: وإنما رفعه عبد الكريم بن أبى المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث. وفى مسند البزار وغيره من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث من الجفاء، أن يبول الرجل قائما، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ فى سجوده " ورواه الترمذى وقال: هو غير محفوظ، وقال البزار: لا نعلم من رواه عن عبد الله بن بريدة إلا سعيد بن عبيد الله، ولم يجرحه بشىء، وقال ابن أبى حاتم، هو بصرى ثقة مشهور. فالخلاصة أن التبول من قيام مكروه وليس بحرام، لما يترتب عليه من خوف التلوث من الرشاش، واطلاع الغير على العورة (8/433) ________________________________________ الاستنجاء من الريح
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجب الاستنجاء من الريح الخارج من الدبر؟
الجواب شرع الاستنجاء لإزالة النجاسة الخارجة من السبيلين، القبل والدبر، وهى البول والغائط وما فى حكمهما من مائع وجامد، والريح الخارج من اسبر ليس نجسا، وبالتالى لا يجب الاستنجاء منه، حيث لم يرد نص فيه، والبلوى تكثر به، ولعدم حصر ما يصيبه من الجسم أو الثوب، بل قال بعض الأئمة بكراهة الاستنجاء منه، والدين يسر، فلو خرج الريح بعد الاستنجاء لا يجب الاستنجاء مرة ثانية حتى لو كان المحل لا يزال رطبا. جاء فى كتاب "الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع " للشربينى الخطيب ما نصه: نقل الماوردى وغيره الإجماع على أنه لا يجب الاستنجاء من النوم والريح. قال ابن الرفعة: ولم يفرق الأصحاب بين أن يكون المحل رطبا أو يابسا، ولو قيل بوجوبه إذا كان المحل رطبا لم يبعد، كما قيل به فى دخان النجاسة. وهذا مردود، فقد قال الجرجانى: إن ذلك مكروه، وصرح الشيخ نصر الدين المقدسى بتأثيم فاعله، والظاهر كلام الجرجانى "ج 1 ص 47 ". وجاء فى المغنى لابن قدامة"ج 1 ص 141 "ما نصه: وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء، ولا نعلم فى هذا خلافا، قال أبو عبد الله: ليس فى الريح استنجاء فى كتاب الله ولا فى سنة رسوله إنما عليه الوضوء، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم "من استنجى من ريح فليس منا" رواه الطبرانى فى معجمه الصغير، إلى أن قال: لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة. النجاسة ولا نجاسة هاهنا. أى فى النوم والريح (8/434) ________________________________________ مآذن المساجد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن المآذن الموجودة فى المساجد بدعة لا يقرها الدين فهل هنا صحيح؟
الجواب من المعلوم أن الأذان شرع لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة وندائهم لشهود صلاة الجماعة فى المسجد، وهو علامة على أن أهل هذا الحى الذى أذن فيه مسلمون، وللمؤذن ثواب عظيم لأنه يدل الناس على الخير، والدال على الخير كفاعله كما صح فى الحديث، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة" رواه البخارى وأحمد والنسائى وابن ماجه. ومن أجل كثرة من يستجيبون للأذان فيصلون، وكثرة من يسمعون ليشهدوا للمؤذن كان من السنة رفع الصوت بأقصى ما يمكن، ولهذا استعان الأولون عليه بأن يؤذن المؤذن على مكان مرتفع، وحدث فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم أن بلالا كان يؤذن من فوق بناء مرتفع بجوار المسجد، روى أبو داود والبيهقى أن امرأة من بنى النجار قالت: كان بيتى من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، وجاء فى كتاب "خلاصة الوفا" للسمهودى "ص 192 " أن دار عبد الله بن عمر كان فيها اسطوانة فى قبلة المسجد يؤذن عليها بلال، يرقى إليها بأقتاب. والقتب هو رحل البعير الذى يوضع على ظهره ليركب الراكب. فاتخاذ مكان عال للأذان عليه مشروع ومستحب، وتبعا لسنة التطور بنيت أبراج عالية فى المساجد للأذان، وهى التى تسمى بالمآذن أو المنارات، لأن الأنوار كانت ترفع عليها فى مناسبات الأفراح، أو لأنها منارات وعلامات تدل على المساجد أو إسلام أهلها، كما أن للإسلام صُوًى ومنارات هى شرائعه التى تدل عليه كما قال ابن الأثير فى النهاية. وجاء فى خلاصة الوفا للسفهودى "ص 191" أن عمر بن عبد العزيز جعل لمسجد النبى صلى الله عليه وسلم أربع منارات فى زواياه الأربع، طول كل منها نحو ستين ذراعا، وعرضها ثمانية أذرع فى ثمانية، وأن إحداها جددت سنة 706 هـ أيام الناصر محمد بن قلاوون، وكان طول بعض المنارات فى بعض التجديدات قد بلغ مائة وعشرين ذراعا فى عهد الأشرف قايتباى 892 هـ. وجاء فى خطط المقريزى "ج 4 ص 27" أن معاوية بن أبى سفيان أمر ببناء منار لمسجد الفسطاط "عمرو بن العاص " وإن كان عمر بن الخطاب نهى عَمْرًا عن اتخاذ المنابر والمآذن كما فى صبح الأعشى "ج 3 ص 341" لكن بعد وفاة عمر اتخذت "مساجد مصر ج 1 ص 64". وعلى مدى التاريخ بنيت المآذن وارتفعت شامخة، وأذِّن من فوقها وامتلأت الأجواء بإعلان الشهادتين والدعوة للصلاة، فأى ضرر فى ذلك؟ ومهما يكن من شىء فإن لم تكن فيها فائدة فليس فيها ضرر، وإذا كانت للمشيدين لها نيات فالله يجزيهم بما نووا، لكنها على كل حال مظهر من المظاهر الإسلامية، وبخاصة فى هذه الأيام التى تحتاج إلى تكثيف للدعوة للإسلام بكل الوسائل الممكنة. فالمآذن ليست بدعة منكرة، وإذا كان المؤذن يرقى فوقها لإبلاغ صوته لأكبر عدد ممكن، فإن مكبرات الصوت الآن ساعدت كثيرا على بلوغ الصوت مدى بعيدا، مع الرجاء ألا نقنع برفع المآذن ونقصر فى ارتياد المساجد، بل ينبغى أن يكون هناك تناسب بين المظهر والمخبر، والإعلان والواقع (8/435) ________________________________________ كشف الجبهة عند السجود
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجب أن تكون الجبهة مكشوفة عند السجود، وما الحكم فيما لو جاء طرف الخمار على موضع السجود فسجدت عليه؟
الجواب الأعضاء التى يسجد عليها الإنسان سبعة هى اليدان والركبتان والقدمان والجبهة، وهى كلها من العورة فى الصلاة بالنسبة إلى المرأة يجب سترها على خلاف فى القدمين عند بعض الفقهاء، وذلك فيما عدا الجبهة فلا يجب سترها، لأن الوجه ليس بعورة فى الصلاة. لكن هل يجوز سترها أو لا يجوز؟ الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل قالوا: يجوز سترها بحيث لا تلمس موضع السجود وهى مكشوفة. والإمام الشافعى قال: يجب كشفها ولا يجوز أن يحول بينها وبين موضع السجود حائل. وعلى رأى الجمهور يجوز السجود على جزء من الملبوس الذى يتحرك بحركة المصلى، كالكم وطرف الثوب وطرف الخمار، وكور العمامة التى يلبسها الرجال. ودليلهم على هذا ما رواه البخارى ومسلم عن أنس قال: كنا نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود. كما قاسوا الجبهة على بقية أعضاء السجود حيث يصح السجود وهى مستورة. وممن رخص فى السجود على طرف الثوب عطاء وطاوس من التابعين، وكذلك النخعى والشعبى والأوزاعى، وذلك لاتقاء شدة الحر والبرد من الرمل أو الحصباء التى يسجدون عليها. ورخص أيضا فى السجود على كور العمامة ومثله -طرف الخمار الحسن البصرى ومكحول وعبد الرحمن بن زيد. وسجد شريح القاضى على برنسه، والبرنس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به، من دُراعة أو جبة أو مِمْطر أو غيره، وقال الجوهرى: هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها فى صدر الإسلام. وهو من البرس -بكسر الباء -وهو القطن والنون زائدة، وقيل: إنه غير عربى كما فى النهاية لابن الأثير: وما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد على كور العمامة فسنده ضعيف، والاستدلال هو القياس على طرف الثوب المتقدم ذكره. ودليل الشافعى على وجوب كشف الجبهة حديث رواه مسلم عن خباب قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فى جباهنا وأكفنا فلم يُشكنا-يعنى لم يُزل شكوانا بالترخيص بالسجود على حائل يقينا حرارة الأرض -كما قال فى الاستدلال على ذلك: لو سجد على ما هو حامل له لأشبه ما إذا سجد على يديه -أى وضع جبهته على يديه وهو ممنوع. قال ابن قدامة فى "المغنى ج 1 ص 561، 652": المستحب مباشرة المصلى بالجبهة واليدين ليخرج من الخلاف ويأخذ بالعزيمة. قال أحمد: لا يعجبنى-أى الستر. إلا فى الحر والبرد. وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة. وكان عبادة بن الصامت إذا قام إلى الصلاة يحسر عمامته، أى يكشف جبهته بإزاحة العمامة عنها. وقال النخعى: أسجد على جبهتى أحب إلىَّ. فالخلاصة: أن الجمهور على جواز السجود على طرف الثوب والكم والخمار وكور العمامة، ولكن يكره إلا عند الحاجة كَشدة الحر والبرد فى موضع السجود. أما الشافعى فلا يرى جواز ذلك أبدا، ورخص فى المنديل الذى يحمله فى يده أن يضعه ليسجد عليه، كما رخص فى ستر الجبهة لعذر كجراحة يخاف من نرغ العصابة أو الساتر حصول مشقة. أما السجود على اليد أو اليدين فلا يجوز، وتبطل الصلاة به عند الجمهور. وأبو حنيفة رخص فيه مع كراهة "الفقه على المذاهب الأربعة " (8/436) ________________________________________ المسبوق وتحمل الإمام الفاتحة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا دخل الإنسان فوجد الجماعة قائمة فنوى الصلاة ولم يدرك الفاتحة أو بعضها فركع الإمام هل يركع أو ينتظره لقراءة الفاتحة أو ما بقى منها، وإذا ركع هل تحسب له ركعة أم لا تحسب لأنه لم يقرأ الفاتحة؟
الجواب ثبت فى الحديث الذى رواه الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " قال الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد: قراءة الفاتحة لا بد منها لصحة الصلاة، فلو تركت كلها أو ترك بعضها بطلت الصلاة، وعند أبى حنيفة: الفرض هو قراءة ما تيسر من القرآن ولا يتحتم أن يكون الفاتحة، ومناقشة هذا الرأى ليس محلها هنا، ويمكن الاطلاع عليها فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 2 ص 218" وكل ذلك فيمن يقدر على القراءة. وقراءة الفاتحة مفروضة فى كل ركعة كما علم النبى صلى الله عليه وسلم المسىء لصلاته، وكما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقروها فى كل ركعة ورأى أبو حنيفة أنها تقرأ فى الركعتين الأوليين، وفيما زاد تجوز قراءتها أو التسبيح أو السكوت. ولو نسى المصلى قراءتها بطلت صلاته عند الشافعية والحنابلة، أما المالكية فقالوا: إن كان النسيان فى صلاة ثنائية بطلت، وإن كان فى ثلاثية أو رباعية ففى ذلك روايات عن مالك، رواية بالبطلان، ورواية بالصحة مع سجود السهو، ورواية بإعادة الركعة التى نسى فيها الفاتحة مع سجود السهو بعد السلام. هذا هو الحكم بالنسبة للمنفرد وللإمام، أما المأموم فقد ذكرنا حكمه فى إجابة سابقة عن القراءة خلف الإمام، وملخصها: أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم عند الشافعية ومكروهة كراهة تحريم عند الحنفية، فى الصلاة السرية والجهرية، ومندوبة فى السرية مكروهة فى الجهرية عند المالكية، وكذلك قال الحنابلة: إنها مستحبة فى السرية وفى سكتات الإمام من الجهرية وكره حال قراءة الإمام فى الصلاة الجهرية. وبعد استعراض الآراء ومناقشة الأدلة انتهى الشوكانى إلى قوة الرأى القائل بوجوب قراءتها على الإمام والمأموم فى كل ركعة. ثم قال: ومن هنا يتبين لك ضعف ما ذهب إليه الجمهور أن من أدرك الإمام راكعا دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئا من القراءة، واستدلوا على ذلك بحديث أبى هريرة "من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة فى صلاته يوم الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى" رواه الدارقطنى من طريق ياسين بن معاذ وهو متروك، وأخرجه الدارقطنى بلفظ "إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك، وإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى" وقال الشوكانى: فى أحد السندين راو متروك وفى الآخر راو ضعيف، وأن الحديث هو فى الجمعة وذلك يشعر بأن غيرها مخالف لها، ثم وضح بطلان رأى الجمهور. وذكر أن السبكى كان يختار عدم الاعتداد بالركعة لمن لا يدرك الفاتحة. وأن حديث أبى بكرة الذى ركع ليدرك الرسول فى الركوع، وأن الرسول قال له " لا تعد" فيه مناقشة فى معنى "لا تعد" وأن حديث "ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" يشمل فوت الركعة والركن والذكر المفروض لأن الكل فرض لا تتم الصلاة إلا به، فلا يجوز تخصيص شىء من ذلك بغير نص آخر، ثم انتهى الشوكانى إلى القول بأن العلامة محمد بن إسماعيل الأمير ألَّف رسالة رجح فيها مذهب الجمهور، وكتب هو أبحاثا فى الجواب عليها. فخلاصة الموضوع: أن المسبوق إن أدرك مع الإمام الركوع ولم يقرأ الفاتحة أو شيئا منها فاتتة الركعة خلافا للجمهور الذى قال بالاعتداد بالركعة، وحجتهم ضعيفة، ودعوى الإجماع غير صحيحة "نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 218 ت 228 " (8/437) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس الأربعاء 17 يناير 2024, 11:45 pm | |
| الكلام فى دورات المياه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز للمتوضىء فى دورة المياه أن يستعيذ بالله من الشيطان؟
الجواب من الأماكن التى يكره ذكر اسم الله فيها، بل يكره الكلام مطلقا بيوت الخلاء "المراحيض" وإذا أراد الإنسان أن يتوضأ فليكن فى مكان غير المرحاض، وذلك خشية التعرض للنجاسة، فإذا لم يجد غيره توضأ فيه وأخذ الحيطة حتى لا يتلوث بالنجاسة. ومع الوضوء يكره، له أن يذكر الله، وإذا نوى الوضوء فالنية بالقلب لا باللسان. والاستعاذة بالله لا تكون داخل المرحاض، وإنما قبل دخوله كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يفعل، حيث كان يقول "اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث" رواه البخارى ومسلم. وجاء فى كتاب " الأذكار للنووى ص 20" أن الذكر والكلام فى بيوت الخلاء وعند قضاء الحاجة فيها مكروه إلا للضرورة، حتى إذا عطس لا يحمد الله، ولا يرد السلام، ولا يجيب المؤذن. والكراهة تنزيهية لا تحريمية، أى لا عقاب فيها. ومهما كانت دورات المياه الحديثة نظيفة ومجهزة بآلات طرد النجاسة فالأفضل عدم الوضوء فيها إذا وُجد مكان آخر، وكذلك يكره الكلام والذكر أيًّا كان (8/438) ________________________________________ تطهير حبل الغسيل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يحدث أن بعض الطيور تنجس بروثها الحبال التى ننشر عليها الثياب المغسولة لتجف، وقد يصعب علينا معرفة مكان النجاسة فكيف نتصرف؟
الجواب قال بعض العلماء وهم المالكية: إن فضلات مأكول اللحم طاهرة فلا حاجة إلى غسل ما يصاب بها، ولو تنجس الحبل بغير ذرق الطيور المأكولة فإن جفافها بالشمس أو الريح يطهرها، ولا حاجة لصب الماء عليها (8/439) ________________________________________ غسل دهن الشعر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجب على المرأة عند الغسل أن تزيل الزيوت والمواد التى فى شعرها؟
الجواب روى أحمد وأبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا من النار ". قال العلماء: لابد من وصول الماء إلى كل جزء من الجسم من جلد أو ظفر أو شعر، ولو لم يصل الماء إلا بنقض الضفائر المشدودة فلابد من نقضها، أما إذا كانت غير مشدودة بقوة ويمكن للماء أن يصل إلى كل الأجزاء والمواضع فلا داعى لنقضها كما صح فى حديث مسلم عن أم سلمة، وفى سنن ابن ماجه عن عائشة. وعليه فلابد من إزالة الدهن أو غسله جيدا حتى يزول. ورخص الإمام مالك للعروس فى أيامها الأولى إن كان فى شعرها دهن أو طيب له جرم ألا تغسل رأسها، لما فى ذلك من إتلاف المال، ويكفيها المسح على الشعر. ولا يترخص فى ذلك لغير العروس. وفى أيامها الأولى فقط، بل قال: إذا كان الطيب فى جسمها كله تيممت "الفقه على المذاهب الأربعة". لكن جاء فى فتوى الشيخ أحمد هريدى بتاريخ 10 من أغسطس سنة 1966 م أن المالكية قالوا: يجب على المرأة عند الغسل جمع الشعر المضفور وتحريكه ليعمه الماء، وطبقا لما ذكر فإنه يجب على المرأة عند الغسل من الجنابة إزالة ما على الشعر من الطيب مما يمنع من وصول الماء إلى باطنه ولو عروسا، ولا يمنع من هذا الوجوب أن تكون المرأة قد صففت شعرها على أى وجه كان، وأنفقت فى ذلك مالا قليلا أو كثيرا. "الفتاوى الإسلامية - المجلد الخامس ص 1648،1649" (8/440) ________________________________________ تطهير المصقول بمسحة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن السكين التى عليها دم يمكن أن تطهر بمسحها بقطنة دون غسل بالماء؟
الجواب فى فقه المذاهب الأربعة عند الحنفية أن من وسائل تطهير النجاسة المسح الذى يزول به أثر النجاسة، ويطهر به الصقيل الذى لا مسام له كالسيف والمرآة والظفر والعظم والزجاج والآنية المدهونة ونحو ذلك، وفيه أيضا عندهم أن القطن إذا تنجس يطهر بندفه ولا حاجة إلى غسله (8/441) ________________________________________ الفراء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن الفراء الذى تلبسه النساء نجس فهل هذا صحيح؟
الجواب الفراء الذى يتخذ من جلود بعض الحيوانات اختلف العلماء فى طهارته ونجاسته تبعا لاختلافهم فى حل أكل الحيوان المأخوذ منه وحرمته، وفى حكم طهارة جلد الميتة عن طريق الدباغ. فقال الشافعى: يحل أكل الثعلب ولكن إذا ذبح ذبحا شرعيا، فلو مات بدون ذلك فلحمه نجس وكذلك جلده ولكنه يطهر بالدباغ، وحرمه أحمد بن حنبل، وكرهه أبو حنيفة ومالك. على أن بعض القائلين بحرمة أكله أجازوا استعمال فروه للبس لا للصلاة فيه. وقد ذكر النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 4 ص 54" سبعة مذاهب فى طهارة جلد الميت بالدباغ، وجاء فى أحد الأقوال أنه يطهر كل الجلود حتى جلود الخنازير والكلاب. وذلك ظاهرا وباطنا، أى تستعمل للصلاة عليها والصلاة فيها، وهو مذهب الظاهرية، وحكى عن أبى يوسف صاحب الإمام أبى حنيفة. وعلى هذا فلا مانع من لبس الفراء والصلاة فيه. وجاء فى كتاب "غذاء الألباب " للسفارينى ج 2 ص 220- 222 كلام كثير عن حكم الفراء من هذه الحيوانات. وذكر أن أول من اتخذ الفراء والجلود من مثل السنجاب ولبسها وألبسها هو"شيخ شاه " الملقب عند العجم "بيش داديان " كان ملكا عادلا، وله كتاب فى الإلهيات، حتى قال العجم بنوته، وهو أول من ترك الملك وتخلى للعبادة، فقتل فى معبده، وانتقم له "طمهورث " من القتلة، وبنى موضعه مدينة "بلخ " (8/442) ________________________________________ الوضوء بالماء المالح
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز الوضوء من ماء البحر الملح؟
الجواب نعم يجوز فقد روى أحمد وأصحاب السنن أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وقال الترمذى حسن صحيح، والميتة هى السمك الذى يموت (8/443) ________________________________________ دخول الخلاء بما فيه قرآن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ألبس "دَلاَّية" منقوشا عليها اسم الله، فهل يجوز دخول الحمَّام بها؟
الجواب روى أحمد وأصحاب السنن عن أنس رضى الله عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه، قال الترمذى: حديث صحيح وقد صح أن نقش خاتمه "محمد رسول الله ". بيوت الخلاء مستقذرة طبعا، وهى أكثر الأمكنة التى تردها الحشرات والهوام بل والشياطين، كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء "اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث " أى ذكور الشياطين وإناثها. رواه الجماعة. وليس من اللائق أن توضع الأشياء الكريمة أو يدخل بها فى مثل هذه الأمكنة، وذلك إن لم يكن تشريعا منصوصا عليه فهو ذوق واحترام. وبناء على هذا قال الحنفية والشافعية: يكره دخول المرحاض بالمصحف أو بعضه ولو آية واحدة، وقال مالك وأحمد: يحرم ذلك، ومحل المنع إذا لم يتخذه حرزا، بأن يكون مستورا بما يمنع وصول الرائحة إليه، أو لم يخف عليه الضياع، فإن كان مصونا أو خاف ضياعه لو تركه خارج المرحاض جاز الدخول به. هذا فى القرآن، أما فيما ينقش عليه اسم كريم فقالوا: يكره دخول بيت الخلاء بما فيه اسم الله، من أوراق وغيرها كالحلية التى نقش عليها اسم الله، ومعنى الكراهة، عدم العقوبة على الدخول بذلك، ومحله أيضا إذا لم يكن مغَّلفا بما يمنع وصول الرائحة إليه، أو لم يخف عليه الضياع إذا تركه خارجا "نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 85، 86، غذاء الألباب للسفاريني ج 2 ص 246، الفقه على المذاهب الأربعة (8/444) ________________________________________ الوضوء مما تشرب منه المواشى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أنا أعمل راعيا للمواشى، وأحيانا يصيبنى بعض رشاش من بولها، وقد تشرب من ماء واحتاج إلى الوضوء مما بقى منه، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب قال تعالى {وثيابك فطهر} المدثر: 4 وقال صلى الله عليه وسلم "الطهور شطر الإيمان " رواه مسلم. أكثر الفقهاء على أن طهارة الثوب والبدن شرط لصحة الصلاة، ونقل عن الإمام مالك قول بأن إزالة النجاسة سنة وليست بفرض، وفى قول قديم للشافعى أنها غير شرط لصحة الصلاة "نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 123 ". فعلى هذين القولين تجوز الصلاة فى الثوب إذا كانت فيه نجاسة، وهذا الحكم فى النجاسة المتفق على أنها نجاسة كالبول والغائط وهناك أشياء مختلف فى نجاستها منها أبوال الحيوانات التى يؤكل لحمها وكذلك أرواثها، مثل البقر والإبل والغنم والدجاج والحمام والعصافير، فقد قال الإمام مالك: إنها ليست نجسة، وعلى هذا يجوز لراعى المواشى أن يصلى بالملابس التى أصيبت ببعض البول أو الروث من مأكول اللحم، وليس منه الحمار والكلب، وإن كان الأفضل تطهيرها مراعاة للنظافة والصحة. أما الوضوء من الماء المتبقى من شرب الحيوانات، فقد جاء فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُصغى إلى الهرة الإناء حتى تشرب -أى يميل الإناء الذى فيه ماء لتشرب منه القطة: ثم يتوضأ بفضلها، أى بما بقى فى الإناء وقال "إنها ليست بنجس " رواه أحمد وأصحاب السنن وقال الترمذى: حسن صحيح. وروى أنه سئل: أنتوضأ بما أفضلت الحُمُر؟ قال "نعم وبما أفضلت السباع كلها" أخرجه الشافعى والدارقطنى والبيهقى. وقال: له أسانيد يقوي بعضها بعضا. بناء على هذا قال العلماء: إن الحيوانات الطاهرة -غير الكلب والخنزير-إذا شربت من الماء وكان كثيرا لا ينجس مطلقا، أما إذا كان قليلا كملء دلو أو قِدْرٍ فإنه لا ينجس أيضا ما دمنا لا نعلم أنها وضعت فى فمها شيئا نجسا، وغالب حيوانات الحقل كالبقرة والغنم لا تأكل نجسا، وعلى هذا فإن الماء المتبقى من شربها تجوز الطهارة به، ومع ذلك لو وجد ماء غيره أنظف منه يكون الوضوء منه أفضل (8/445) ________________________________________ القبلة وقضاء الحاجة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا أنه لا يجوز أن يكون الإنسان متوجها إلى القبلة وهو يقضى حاجة البول، فماذا نفعل وبعض البيوت قد يكون الاتجاه فى ذلك إلى القبلة دون قصد؟
الجواب روى مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". يدل هذا الحديث على احترام القبلة، فلا يكون الإنسان أثناء قضاء حاجته المعروفة متوجها إليها ولا موليا ظهره إياها، وذلك أمر مندوب إليه وليس واجبا، فلو لم يفعل ذلك لم يرتكب إثما، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يلتزمه، فقد روى الجماعة عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: رقيت يوما بيت حفصة -وهى أخته أم المؤمنين -فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، ورأى جماعة من الفقهاء أن حرمة استقبال القبلة واستدبارها أو كراهته إنما يكون فى الصحراء والخلاء، حيث لا يوجد بناء ولا حواجز، أما إذا كان ذلك فى البنيان فلا حرمة ولا كراهة. ومعلوم أن أماكن قضاء الحاجة فى المدن وغيرها توجد فى أبنية مستورة، فلا ينطبق عليها هذا الحديث. ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم بسند حسن -كما فى فتح البارى لابن حجر-أن ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها، فقال له مروان: أليس قد نُهى عن ذلك؟ قال: بلى، إنما نُهى عن هذا فى الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شىء فلا بأس (8/446) ________________________________________
|
|
| |
| فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس | |
|