| الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته الخميس 21 يوليو 2016, 5:09 am | |
| [الجزء الثالث] الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته =================== -1- كانت الغفوة الكبرى التي أصابت العالم الإسلامي في القرون الوسطى ذات أثر بعيد في حياته السياسية والعقلية والاجتماعية في القرن التاسع عشر.
لم يبعد المسلمون هذه الحقبة الطويلة كثيرا عن تقاليد الشرق، وإنما جافوا روح الإسلام، وجهلوا مبادئه وأهدافه، ووقفوا أمام تيار النهضة الغريبة جاهلين عاجزين أذلاء.
وبادرهم المستعمرون بتحطيم ما بقي في أجسامهم من منعة، وفي قلوبهم من إيمان، وفي أرواحهم من عزة ومثل عليا... وكانت الأحداث الكبرى التي هزت العالم الإسلامي هزاً عنيفاً داعية للمفكرين والمصلحين أن يجاهدوا في سبيل البعث والإحياء وتجديد الحياة والأمل في نفوس المسلمين.
واقترن ذلك بدعوات جريئة للإصلاح، انبعثت من رجال الدين حينا، ومن غيرهم حينا آخر.
من أمثال محمد بن عبد الوهاب م 1206ه، والسيد أحمد خان الهندي 1898م، والسيد أمير علي، والكواكبي 1902م، وجمال الدين الأفغاني 1897م، ومحمد عبده 1905م، وسواهم من دعاة الإصلاح، وحملة رسالته.
كان السيد جمال الدين الأفغاني يريد تحرير الشعوب الإسلامية من العبودية والاستعمار، وتكوين حكومة إسلامية موحدة تهتدي بهدى الإسلام، وبعث الروح القومي في الشرق عن طريق الإصلاح الديني العام..
وكان محمد عبده يريد النهوض بالشرق الإسلامي سياسيا عن طريق النهضة الثقافية به، ويرى أن الإسلام هو السبيل لتمهيد حركة الإصلاح وتغذيتها، وأنه هو والعقل والعلم إخوة، ولذلك دأب على الدعوة إلى تصحيح العقيدة، وإذاعة رسالة الإسلام، وإيقاظ الشعور العام بإيقاظ الروح الديني..
وخفتت بعد محمد عبده دعوة الإصلاح في الشرق، وإن لمعت جذوتها حينا في أفكار الشيخ مصطفى المراغي، رحمه اللّه، الذي كان يعمل للنهوض بالأزهر الحديث حتى يصل إلى مستوى الجامعات الكبرى في الشرق والغرب..
كما أضاءت الشعلة حيناً آخر في آراء الشيخ مصطفى عبد الرازق وحمروش وعبد المجيد سليم، الذين كانوا يحرصون على إحياء التعارف والتعاون بين المسلمين عامة.
ولكن هذه الآثار لم تكن على جانب خطير من الأهمية في الإصلاح الديني في الشعوب الإسلامية في القرن العشرين.
-2- رسالة الأزهر في رأي المراغي: رسالة الأزهر عنده هي حمل رسالة الإسلام.. ومتى عرفت رسالته عرفت رسالة الأزهر.
والإسلام دين جاء لتهذيب البشر ورفع مستوى الإنسانية والسمو بالنفوس إلى أرفع درجات العزة والكرامة، طوح الإسلام بالوسطاء بين الناس وربهم، ووصل بين العبد وربه، ولم يجعل لأحد فضلاً على أحدٍ إلا بالتقوى، وقدَّر العلم والعلماء، وقرر في غير لبس ما يليق بذات الخالق من الصفات.
وما قرره في ذلك هو منتهى ما سمت إليه الحكمة، ووصل إليه العقل، وفرض عبادات كلها ترجع إلى تهذيب النفس وتلطيف الوجدان، وإبان أصول الأخلاق، وقرر التمتع بالطيبات ولم يحرم إلا الخبائث، ووضع حدودا تحد من طغيان النفوس ونزوات الشهوات، ووضع أصول النظم الاجتماعية وأصول القوانين: قواعد كلها لخير البشر وسعادة المجتمع الإنساني..
هذه صورة مصغرة جدا للدين الإسلامي، وشرح قواعده وأسراره، ومتى أدى الأزهر هذه الرسالة على وجهها فقد أدى نصيبا عظيما من السعادة والخير للجمعية الإنسانية.
وفي القرآن الكريم حث شديد على العلم، وعلى معرفة اللّه وعلى تدبر ما في الكون، وليس هناك علم يخرج موضوعه عن الخالق والمخلوق.
فالدين الإسلامي يحث على تعلم جميع المعارف الحقة.
وليس في المعارف الصحيحة المستقرة شيء يمكن أن يناقض أصول الدين ويهدمها، نعم قد توجد معارف تناقض ما وضعه العلماء في شرح القرآن والحديث والفقه وغير ذلك، ولكنا لا نهتم لهذا.
فلنيسر العلم في طريقه، ولنصحح معارف الماضين، ولكن على شريطة أن يكون ما يخالف معارفنا من العلم البرهاني المستقر، ولم يقصد من هذا أن يكون الأزهر مدرسة طب أو هندسة، أو كلية للكيمياء أو ما يشبه هذا: ولكنه يعني أن هناك علوما ومعارف لها صلة وثيقة بالدين، تعين على فهمه، وتبرهن على صحته، ويدفع بها عنه الشبهات.
فهذه العلوم يجب أن يتعلمها العالم الديني أو يتعلم منها القدر الضروري لما يوجه إليه.
وقد تغيرت في العالم طرق عرض السلع التجارية، وأصبح الإعلان عنها ضروريا لنشرها وترغيب الناس فيها.
ولديكم الحوانيت القديمة ومخازن التجارة الحديثة، فقارنوا بينها تدركوا ما في طريقة العرض الحديثة من جمال يجذب النفوس إليها، وما في طريقة العرض القديمة من تشويه ينفر النفس منها.
وقد توجد في الحوانيت القديمة سلع أحسن صنفاً وأكثر قيمة وأمتن مادة، ومع ذلك فهي في كساد، وكما تغيرت طريقة عرض السلع تغيرت طريقة عرض العلم، وأحدث العلماء طرائق تبعث الرغبة الملحة في العلم، وتنفي عنه الملل والسأم.
حدثت هذه الطرق في إلقاء الدروس والمحاضرات، وحدثت في تأليف الكتب أيضا، وهذا المثل ينطبق علينا، ففي جميع الكتب التي تدرس في الأزهر، وفي جميع العلوم التي تدرس في الأزهر، أعلاق نفيسة لا تحتاج إلا إلى تغيير طريقة العرض في الدرس والتأليف، وفي الفقه الإسلامي نظريات تعد الآن أحدث النظريات عند رجال القانون، وفي الفقه الإسلامي آراء يمكن أن يسير عليها الناس الآن من غير حرج، وهي تحقق العدالة في أكمل صورها.
ولكن هذه النظريات البالغة منتهى الجمال والحكمة يحجبها عن الناس أسلوب التأليف القديم.
على الأزهر أن يسهل فهم علومه على الناس، وأن ييسر لهم هذه المعارف، وأن يعرضها عرضاً حديثاً جذاباً مشوقاً.
ومسألة أخرى يجب أن يعني الأزهر بها: هي تطهير الدين الإسلامي من البدع، وما أضيف إليه بسبب الجهل بأسراره ومقاصده، فهناك آراء منثورة في كتب المذاهب وفي غير كتب المذاهب يحسن سترها ضنا بكرامة الفقه والدين.
من الواجب أن يعترف بأن المذاهب الإسلامية جملة تغني عن الاجتهاد في المسائل التي عرضت من قبل متى تخير العلماء منها، وأذكر قصة طريفة تجدونها في كتاب الولاة والقضاة للكندي: «كان في مصر قاض شافعي المذهب في عصر الإمام الطحاوي.
وكان يتخير لأحكامه ما يرى أنه محقق للعدل من آراء الأئمة ولا يتقيد بمذهب.
وكان مرضى الأحكام لم يستطع أحد أن يطعن عليه في دينه وخلقه، سأل ذلك القاضي الإمام الطحاوي عن رأيه في واقعة من الوقعات.
فقال الطحاوي: أتسألني عن رأيي أم عن رأي أبي حنيفة؟ قال القاضي: ولم هذا السؤال؟ قال الطحاوي: ظننتك تحسبني مقلداً. فقال القاضي: ما يقلد إلا عصبي أو غبي؟».
فتخير الأحكام نوع من الاجتهاد، ولكنه الاجتهاد الذي لم يغلق الناس أبوابه، فإصلاح التعليم في الأزهر واجب اجتماعي لإصلاح الأمم الإسلامية على مختلف أقطارها وأجناسها، وعلى كل مسلم أن يساهم فيه إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، وأن نرجو اللّه سبحانه أن يوفق العلماء وطلاب العلم إلى الإخلاص في ذلك إخلاصا للّه ولرسوله وللمؤمنين وللدين الحق الذي وعد اللّه أن يظهره على الدين كله، وجعله هداية عامة لجميع البشر..
ونصيحة أقدمها إلى العلماء وطلاب العلم في الأزهر راجيا تدبرها، وهي احترام حرية الرأي، والتحرج من الاتهام بالزندقة والكفر، ولا نطالب بشيء يعد بدعة، ولا نحدث في الدين حدثا بهذه النصيحة، فهي موافقة للقواعد التي وضعها سلف الأمة رضى اللّه عنهم.
وترونها مبسوطة واضحة في كتب الأصول وفي جميع كتب الإمام الغزالي، وحاصلها -على ما أذكر- أن المسائل الفقهية يكفر منكر الضروري منها كالصلاة والزكاة وحرمة الزنا وشرب الخمر وقتل النفس والربا، أما إنكار أن الإجماع حجة، وخبر الواحد حجة، والقياس حجة، فلا يوجب الكفر، وما عدا ذلك من المسائل الفقهية لا إثم في إنكاره مطلقا، على شرط أن يكون الإنكار غير مصادم لنص أو إجماع.
على هذا أجمع الصحابة رضي اللّه عنهم، وأجمع عليه الأئمة، ولم يعرف أن بعضهم أثم بعضاً، وعلى الجملة فما دام المسلم في دائرة القرآن لا يكذب شيئا منه، ولا يكذب ما صح عن رسوله صلى اللّه عليه وسلم بطريق قاطعة، فهو مسلم لا يحل لأحد أن يتهمه بالكفر..
عرضنا لهذه النصيحة لأنها تسهل على أهل الأزهر معاشرة الناس، والعمل بها يمّكن من نشر الدعوة ومن الجدل بطرقه المقبولة، والعمل على خلافها منفر يحدث الشقاق ويورث العداوة.
وإذا كانت مهمة الأزهر حمل رسالة الإسلام للعالم، فمن أول واجب على أهله أن يعدوا أنفسهم لتعلم اللغات، لغات الأمم الإسلامية وغير الأمم الإسلامية، واللّه لم يرسل رسولا إلا بلسان قومه ليبين لهم، فليحقق الأزهر القدوة، وليرسل إلى الناس رسلا يفقهونهم في دينهم بلسانهم..
وقد عنى المراغي بهذه المسألة كما عنى بتثقيف إخواننا الذين أسماهم القانون «أغرابا»، فإن لهم من الحقوق والحرية في هذا الوطن ما لكل فرد من أهل البلاد، ونرجو أن يفكروا طويلا فيما يفرضه عليهم دينهم من الهداية والإرشاد وإسعاد المجتمع.
- 3 - وكان الشيخ عبد المجيد سليم يرى وهو في أول مشيخته الأولى اقتران الإصلاح الديني في العالم الإسلامي بإصلاح الأزهر الشريف.
ومهمة الأزهر في رأيه جد خطيرة، فهي تشتمل: «تعليم أبناء الأمة الإسلامية دينهم ولغة كتابهم، تعليما قويا مثمرا، يجعلهم حملة للشريعة، أئمة في الدين واللغة، حفّاظا حرّاسا لكتاب اللّه وسنة رسوله وتراث السلف الصالح والقيام بما أوجبه اللّه على الأمة من تبليغ دعوته، وإقامة حجته، ونشر دينه...
فعلى رعاية هذين الجانبين يجب أن تقوم خطة الإصلاح في الأزهر، وأن يعمل العاملون على تحقيق آمال الأمة فيه 1».
ووسائل إصلاح هذه الجامعة الإسلامية العتيدة تتلخص في رأيه فيما يلي: 1 - مراجعة الكتب الدراسية، وإبقاء الصالح منها، واختيار لون جديد يوجه الطلاب توجيها حسنا إلى العلم النافع من أقرب طريق وأيسره.
2 - تشجيع حركة التأليف والتجديد عن طريق الجوائز العلمية وغيرها حتى يتصل حبل العلم... وتوجيه العلماء إلى وضع بحوث في الفقه والتشريع تساير الروح العلمي الحاضر. __________ 1) من حديث له في المؤتمر الصحفي بإدارة الأزهر في أول نوفمبر عام 1950م. __________ 3 - إعداد جيل قوي من أبناء الأزهر يستطيع أن يحمل الرسالة، فإن الأمة تريد من الأزهر أن يخرج لها علماء في الدين والشريعة واللغة وسائر العلوم العقلية والاجتماعية المتصلة بها، على أن يكون هؤلاء العلماء مزودين مع هذا بقدر صالح من العلوم الأخرى التي تفيدهم في مجتمعهم ثقافة عامة.
وفي هذا يقول أيضا موجها كلمته إلى الأزهريين: نصيحتي إليكم أن تعلموا أنكم مجندون في سبيل اللّه، فأقبلوا على دراستكم، وتجملوا بالفضيلة بينكم وبين الناس، لتحقيق آمال الأمة فيكم، وإعلاء كلمة الدين والعلم بكم 1.
4 - تشجيع حركة البعوث العلمية التي يرسلها الأزهر إلى جامعات أوروبا للتزود من شتى الثقات..
ولا بدع فإن العلم رحم «بين الناس كافة» كما يقول الأستاذ سليم لعلماء جامعات أوروبا الذين زاروا مكتبه في زيارتهم للأزهر الشريف.
5 - تنظيم هذه الجامعة الكبرى تنظيما يتفق مع خطر رسالتها، ويساعدها على أداء هذه الرسالة، بإنشاء مكتبة كبرى، ودار كبيرة للطباعة، وإكمال مباني الأزهر الجامعي، تمهيدا للاحتفال بعيده الألفي، إلى غير ذلك من وسائل الإصلاح.
أما مهمة الأزهر في سبيل الإصلاح الديني في مصر والشرق الإسلامي فتتلخص فيما يلي: 1 - العناية بإصلاح حالة الأسر بإصلاح شئونها، ودعم كيانها، عن طريق بحث التشريعات اللازمة لها: في الزواج، والطلاق، والنفقة، والحضانة، والولاية، وما إليها 2.
2 - نشر الدين والثقافة في كل ناحية. __________ 1) من كلمة أذاعها في أول العام الهجري 1370 ه. 2) من حديث له نشر في الأهرام في 28 - 10 - 1950. __________ 3 - إرسال البعوث الأزهرية إلى شتى أرجاء البلاد الإسلامية لدراسة أحوالها وتهذيب أبنائها.
4 - تشجيع البعوث الوافدة على الأزهر، وبناء دار كبرى لإقامتهم، ورعاية شئونهم العلمية والخلقية والدينية.
5 - ربط الأزهر بشتى الجامعات الشرقية، وإنشاء مراكز ثقافية له في عواصم البلاد الإسلامية.
وأما مهمة الأزهر في الدعوة إلى الدين في العالم، فهي كما يرى تشمل ما يأتي: 1 - توجيه العلماء إلى وضع مؤلفات باللغات الأجنبية، لبيان حقيقة الإسلام ومزاياه.
2 - إنشاء إدارة للدعاية الإسلامية، تتولى توجيه الناس إلى الإسلام ومبادئه الخالدة.
3 - ترجمة تفسير القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية.
- 4 - ويرى الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش أن رسالة الأزهر تقوم على دعامة التوجيه العلمي لنظم الدراسة فيه، لتكوين جيل قوي كفء من أبنائه يتحلى بصفات العلماء، ومواهب وأخلاق رجال الدين، دون نظرة إلى الكثرة والعدد، وأن هذا الجيل القوي يستطيع أن يؤدي رسالة الأزهر العلمية والدينية في مصر والشرق الإسلامي، وقد بدأ الشيخ في مشيخته بالتفكير في طبع رسائل للتعريف بالدين بشتى اللغات، وبفتح القاعة الكبرى للأزهر لمحاضرات علمية وتوجيهية يلقيها كبار شيوخ الأزهر.
وقد نشر الأستاذ الكبير الشيخ محمد عرفة عضو جماعة كبار العلماء كتابا عنوانه «رسالة الأزهر في القرن العشرين»، ذهب فيه إلى أن رسالة الأزهر هي أن يفهم الناس الدين على وجهه وأن ننقيه من التفسيرات الخاطئة التي دخلت عليه، وفوق ذلك عليه أن يعني بأخلاق الأمة وتقاليدها.
وقد أخذ الأستاذ على الأزهر أن التعليم في الأزهر لم يعن بالخلق كما يجب، وأن الإقبال على العلم بين جدرانه أصبح ضعيفا، وأن المادية قد دخلت فيه وأفسدت الكثير من حياته.
وإبان أن ثقة الأمة في الأزهر تضعف شيئا لعوامل كثيرة: منها قلة الإنتاج العلمي في محيطه، وانقلاب الأزهريين إلى موظفين لا غير، وضعف نفسية الأزهري وثقافته وأفق تفكيره، وعدم وجود بيئة صالحة في وسط الأزهر.
كما ترجع إلى الفساد الذي استشرى في الأزهر من الناحية الإدارية وغيرها، وإلى بعد الأزهر عن الحياة العامة، وإلى عدم انتظام الأمور فيه في الكثير، وانعدام تنفيذ قوانين الأزهر، وعدم أخذ الأمور بالحزم، والسياسة الحزبية التي تفسد على الأزهر كل شيء، وتدخل في وسطه للهدم والتدمير.
- 6 - وفي عام 1362هـ - 1944م، ألقى الأستاذ محمود شلتوت عضو جماعة كبار العلماء محاضرة في دار كلية الشريعة عنوانها «السياسة التوجيهية العلمية في الأزهر» تتصل برسالة الأزهر...
وجاء فيها: الغرض من الجامع الأزهر، كما جاء في المادة الأولى من القانون رقم 26 لسنة 1936م، بإعادة تنظيم الجامع الأزهر، وهو آخر تعديل لهذا التنظيم: 1 - القيام على حفظ الشريعة الغراء: أصولها، وفروعها، واللغة العربية، وعلى نشرهما.
2 - تخريج علماء يوكل إليهم تعليم علوم الدين واللغة في مختلف المعاهد والمدارس ويلون الوظائف الشرعية في الدولة.
وهذا هو الغرض من الجامع الأزهر، لا من تاريخ هذا القانون فقط، ولا من تاريخ أول قانون وضع لتنظيم الأزهر، ولكنه غرضه من يوم أن انسلخت عن الأزهر الصبغة الشيعية التي أنشىء لتركيزها وتنميتها والقضاء بها على المذاهب الأخرى.
من يوم أن تولى الظاهر بيبرس ملك مصر سنة 658 هجرية، وأعاد إلى الأزهر حياته العلمية التي أبطلها صلاح الدين الأيوبي عملا منه على إزالة كل أثر للفاطميين، فمن ذلك الحين -فقط- تبتدىء حياة الأزهر العلمية التي لا تتقيد برأي ولا مذهب، ولا تقتصر على علم من العلوم.
فقد درست فيه جميع العلوم الشرعية على اختلاف المذاهب والأصول، ودرست فيه علوم اللغة العربية بجميع مذاهبها وآرائها، ودرست فيه آراء علماء العقيدة لا فرق بين فرقة وفرقة.
كما درس فيه كثير من العلوم الرياضية والعقلية، مما رأى سلفنا أن له نفعا في تكوين الفكرة الإسلامية، وخدمة الشريعة والعقلية، مما رأى سلفنا أن له نفعا في تكوين الفكرة الإسلامية، وخدمة الشريعة واللغة.
كان هذا هو الغرض من الجامع الأزهر منذ ذلك الحين، ولم يكن موزعا على طلاب العلم بحيث يختص كل فريق منهم بناحية معينة على نحو ما نرى اليوم، بل كان جميع طلابه ينهلون من جميع علومه، لا اختصاص لأحد بعلم، إلا ما كان عن طريق الاستعداد الفطري، والميل النفسي، وقد مرت بالأزهر أطوار مختلفة، كان فيها بين الصحة والمرض، والتقدم والتأخر، والنهوض والتقاعد، والإنتاج والعقم.
ولسنا بصدد الكلام عن هذه الأطوار التي طواها التاريخ بما لها أو عليها، ولكن مما يهمنا في هذا الحديث، أن نعرف أن هذه الأطوار ختمت بعهد تجمعت فيه علل ماض طويل، وأخذت تعمل عملها في صرف الأزهر عن التفكير والإنتاج، وعن كل نافع من العلوم العقلية والكونية. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته الخميس 21 يوليو 2016, 5:14 am | |
| وانتهت مظاهر العلم والتفكير فيه إلى أن تغلبت المبادىء الآتية: 1 - تغلبت العناية بالمناقشات اللفظية، وتتبع كلمات المؤلفين في المصنفات والشروح والحواشي والتقارير على الروح العلمية الموضوعية التي من شأنها أن تخدم الفكرة، بقطع النظر عما يتصل بها من لفظ وعبارات.
2 - تغلبت روح التقديس للآراء والأفهام التي دونها السابقون، والسمو بها على مستوى النقد، وعدم الاكتراث بما قد يظهر من آراء جديدة، ولو كان لها من السداد والقوة ما لها.
3 - تغلبت نزعة الإشتغال بالفروض والاحتمالات العقلية التي لا تقع وما يتصل بها من أحكام، فتراهم يقولون: لو طلقها نصف تطليقة أو ربع تطليقة، ولو قال لها أنت طالق إن شئت، فقالت له: شئت إن شئت، وتراهم يقولون: لو تزوج جنية، فالحكم في النسب والميراث كذا...
ولقد أكثروا من هذا في العبادات والمعاملات، وأنفقوا فيه من الوقت والتفكير ما كان جديرا بهم أن يدخروه للنافع المفيد، ووصل الأمر في ذلك إلى أن الكمال بن الهمام وهو من أفذاذ علماء القرن التاسع يقول: ومن مسائل قبل وبعد ما قيل منظوما.
رجل علق الطلاق بشهر قبل ما بعد قبله رمضان.
ثم يندفع في تخريج هذا الفرض وبيان حكمه، ثم يأتي بعده ابن نجيم الحنفي -صاحب البحر والأشباه- فيتولى الشرح والبيان والتكميل ويقول: «إن هذا البيت يمكن إنشاده على ثمانية أوجه، الخ.
ويشاركه في ذلك علماء عصره ثم يأتي من بعدهم ابن عابدين من علماء القرن الثالث عشر فيضع رسالة في هذا الفرض تحت عنوان «إتحاف الذكي النبيه، بجواب ما يقول الفقيه».
ويشرح فيها أبياتاً أولها: ما يقول الفقيه أيده الله ما ولا زال عنده الاحســـان في فتى علق الطلاق بشهر قبل ما بعده قبله رمضان
ويورد في الرسالة آراء جميع من تقدمه من العلماء في الشرح والحكم، ولابد أن يجعل الجواب نظما كالسؤال، وهكذا اشتغل المتأخرون بمثل هذه الفروض وأعرضوا بها عن تنمية الفقه العملي الذي يحتاج إليه الناس في معاملاتهم وقضيتهم.
4 - تغلبت نزعة الاشتغال باختراع الحيل التي يتخلص بها من الحكم الشرعي، ولقد تناولت هذه الحيل كثيرا من أبواب الفقه، ولم تقف عند الحد الذي أثر عن الأئمة من جعلها وسيلة للتخلص من ضرر أو مكروه، بل افترضوا حيلا يسقطون بها الواجبات، ويفسدون بها الالتزامات، فتجد حيلا لإسقاط الزكاة وحيلا لإسقاط حق الشفعة، وحيلا لإسقاط عدة المطلقة، وحيلا لإسقاط الحدود..
وهكذا مما لا يتفق ومقاصد الشريعة - ولقد أطنب ابن القيم أحد أفذاذ علماء القرن الثامن في كتابيه «أعلام الموقعين، وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان» في الرد على فكرة الاحتيال على هذا النحو، وبين أنها مضادة لروح التشريع، وقال: «إن المتأخرين أحدثوا حيلاً لم يصح القول بها عن أحد من الأئمة، ونسبوها إليهم وهم مخطئون».
وإذا علمنا أن العناية بالاحتيال الفقهي وصل أمرها إلى أن جعلوه فنا من كتبهم، وبابا من أبوابها، لأخذ منا العجب مأخذه، فهذا ابن نجيم من علماء القرن العاشر يضع عنوانا في كتابه (الأشباه والنظائر) فيقول «الفن الخامس من الأشباه والنظائر وهو فن الجبل».
5 - تغلبت روح التعصب المذهبي الشديد، حتى وصل الأمر في ذلك بين أتباع الأئمة إلى المناقشة في صحة الاقتداء بالمخالف في المذهب، وأخذت هذه المسألة في كل مذهب مجالا واسعا في البحث والتفريع، ووصل الأمر أيضا إلى البحث عن حكم التزوج من الشافعية، فترى الكمال بن الهمام وهو في الكلام على حكم التزوج بالوثنيات ينقل عن أحد علماء الحنفية: أنه لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال.
ثم يقول بعد هذا النقل: «و مقتضاه منع مناكحة الشافعية»، واختلف فيها هكذا: قيل يجوز، وقيل يتزوج بنتهم ولا يزوجهم بنته». وترى أثر هذه النزعة في حكم الحاكم بحل متروك التسمية عمدا، وفي حكم العقد الذي يشترط فيه بعض المذاهب ما لا يشترط البعض الآخر..
وهكذا وصل التعصب المذهبي إلى مثل هذا الحد، وصارت المذاهب بين المسلمين -وبين أبناء الأزهر- أدياناً يتقاتل أهلها، ويضلل بعضهم بعضا، وهي لا تخرج عن أنها آراء وأفهام حذر أئمتها الأولون من تقليدها والعمل بها دون الاطمئنان إليها بمعرفة الحجة والبرهان.
6 - تغلبت الفكرة القائلة بتحريم تقليد غير المذاهب الأربعة، فحجروا واسعا، ومنعوا رحمة اختص اللّه بها هذه الأمة، ولقد ظهرت هذه الفكرة على وجه أوضح منذ عهد قريب، يوم وضع الأستاذ الشيخ المراغي، مشروع الزواج والطلاق، فقام ثلاثة من علماء الأزهر بعمل مذكرة تناهض هذا المشروع، وتبني مناهضتها على أنه لا يجوز تقليد غير المذاهب الأربعة فكتب المراغي مذكرة قيمة، لها خطرها في التوجيه الفقهي والتشريعي، بين فيها كثيرا من مسائل الاجتهاد والتقليد، كما بين آراء العلماء في تأثر الفقه بالعرف والعادة.
ويجدر بنا في هذا المقام أن نعلم أن العلماء الذين تناولوا هذه المسألة قديما واستساغوا أن يحكموا بمنع تقليد غير الأربعة لم ينظروا إلى خصوصية في ذات المذاهب الاربعة، وإنما جعلوا مناط التقليد على وجه العموم الثقة بالمذهب الذي يقلد، واطمئنان النفس إلى صحة النقل عنه، فمن ثبت عنده رأي من آراء الأئمة أو الصحابة جاز له تقليده والعمل بمقتضاه، لا فرق بين إمام وإمام، ولا بين الأربعة وغيرهم.
ولهذا يقول الشيخ عز الدين بن عبد السلام: «لا خلاف بين الفريقين في الحقيقة، بل إن تحقق ثبوت مذهب عن واحد منهم جاز تقليده، وفاقا، وإلا فلا»، ويقول أيضا «إذا صح عن بعض الصحابة مذهب في حكم من الأحكام لم تجز مخالفته إلا بدليل أوضح من دليله».
ومن هنا يقول القرافي: «انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر، وأجمع الصحابة على أن من استفتى أبا بكر وعمر فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما، ويعمل بقولهما من غير نكير، فمن ادعى دفع هذين الإجماعين فعليه الدليل» أه.
هذا هو أصل الفكرة فانظروا كيف حرفت وجعل التقليد خاصا بالمذاهب الأربعة، بل جعل واجبا يذكر تبيين ما يجب على المكلف أن يدين به ويعتقده، فيقول بعض المؤلفين في منظومته: «و واجب تقليد حبر منهم».
ورث الأزهر أيضا فكرة أن من قلد إماما من الأئمة الأربعة فليس له أن يحيد عنه، بل يجب عليه أن يلتزمه بدون حجة ولا بحث وراء دليل، ولا يصح أن يقلد غيره ولو في غير ما قلده فيه، ومذكرة الثلاثة التي أشرنا إليها قد تأثرت بهذه الفكرة أيضا؛ فأوجبت على القاضي أن يحكم بمذهبه، وحظرت عليه أن يحكم بغيره، وذلك على الرغم من أن علماء الأصول يقولون في هذه المسألة «و الأصح أنه لا يلزم، إذ لا واجب إلا ما أوجبه اللّه ورسوله، ولم يوجب اللّه ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة فيقلده في دينه وفي كل ما يأتي ويذر دون غيره».
ورث الأزهر أيضا القول بحرمة تتبع رخص المذاهب حتى جعلوا عدم تتبع ذلك شرطا في صحة تقليد غير الإمام، وصاحب التحرير يقول أيضا في هذه المسألة: «ولا يمنع منه مانع شرعي» إذ للإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل، ولا أدري ما يمنع هذا من العقل والسمع، وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد، ما علمت من الشرع ذمه عليه، وكان صلى اللّه عليه وسلم يحب ما يخف على أمته».
وورث الأزهر فكرة كان لها أثر خطير في انحرافه عن سبيل التفكير الصحيح وتقدير الآراء بقيمتها العلمية: هي خطة المعاداة لطائفة من العلماء نضجت عقولهم وأدركوا أسرار الشريعة، وخالفوا الناس في كثير مما درجوا عليه، وتحرروا من الإغلال التي قيد المقلدون بها أنفسهم، حكم الأزهر عليهم بأحكام جائرة، وشكك في تدينهم وإخلاصهم وآرائهم، وشوهوا في الكتب وعلى ألسنة الدعاة بغير حق، وجعل ذلك سبيلا إلى رفض العمل بآرائهم، وعدم الاعتداد بأفكارهم فصرفت الأنظار عنهم.
وصرنا نسمع من أسباب رفض الرأي: هذا رأي ابن تيمية، وابن تيمية ضال مضل، وهذا قول ابن القيم تلميذه، كما يقال: هذا رأي الزمخشري وهو معتزلي، أو ابن رشد وهو فيلسوف...
وهكذا، كأن هؤلاء ليسوا من أهل العلم، ولا من رجال البحث أو كأن الحق وقف على طائفة من الناس لا يعدوها..
وأخيرا ورث الأزهر في ذلك العهد: القول بتحريم الاشتغال بالعلوم العقلية والرياضية وأخذ يحارب المشتغلين بها جيلا من الزمن، ولعل من الطريق في ذلك أن نشير إلى الاستفتاء الذي تقدم به بعض الناس إلى الشيخ الانبابي شيخ الجامع الأزهر، وإلى مفتي الديار المصرية الشيخ محمد البنا سنة 1305ه يسألون فيه: هل يجوز تعلم المسلمين للعلوم الرياضية، مثل الهندسة والحساب والهيئة والطبيعيات وغيرها من سائر المعارف؟ وهل يجوز قراءتها كما تقرأ العلوم الآلية من نحو وغيره في الجامع الأزهر؟
هذه هي التركة المثقلة التي خلقتها العصور المظلمة، واحتملها الأزهر في طور مرضه الشديد كعقائد دينية، وواجبات يرى أن يتمسك بها وأن يذود عنها، وأن يرمي خارج محيطه بمن يفكر في التحلل منها، ولقد كانت النتيجة الحتمية لهذا الميراث الثقيل أن وقفت حركة التفكير العلمي في الأزهر، وحرم نفسه لذة البحث والنقد.
وانحصرت مظاهر التبريز والنبوغ فيه في القدرة على حل المشاكل اللفظية في المتون والشروح والحواشي - التي تعود على العلم بكبير فائدة، وبهذا انقطعت علاقة الأزهر بالأمة في تفكيره وعلومه وتشريعه، وأصبحت النظرات المتبادلة بينهما كالنظرات المتبادلة بين طائفتين ضاقت كل منهما ذرعا بصاحبتها، وأخذت تتربص بها الأحداث والدوائر.
ظل الأزهر كذلك حتى هيأ اللّه له-على سنة اللّه سبحانه: من عدم إخلاء الأمم ممن يعرف الحق ويدعو إليه - واحدا من أبنائه لا ينسى التاريخ فضله، هو الاستاذ الإمام المصلح له الشيخ محمد عبده رحمه اللّه ورضي عنه.
صاح بالأزهر صيحة أيقظته من نومه، ونبهته بعض الشيء إلى واجبه، وكانت مبادئه وأفكاره بمثابة شعاع انبثق في أفق الأزهر، انتفع به من انتفع، وأزور عنه من أزور، ولكنه مع ما قوبل به من محاولات متعددة لإطفائه، ظل قويا وهاجا يجذب إليه أنظار المؤمنين، وينفذ إلى بصائر المخلصين، ويعلو ويتسع أنفه شيئا بعد شيء.
ومنذ ذلك الحين اتجهت الأنظار إلى وضع نظم من شأنها أن تمكن الأزهر من الانتفاع بهذا النور، والسير على هداه حتى يقوم برسالته، ويصل إلى غرضه المنشود، فوضعت نظم متلاحقة متشابهة ضمت إلى العلوم الشرعية والعربية كثيرا من العلوم العقلية والرياضية فاتسع لها صدر الأزهر، وهضمتها عقليته الجديدة.
والأزهر الآن في كلياته ومعاهدة والقضاء الشرعي والإفتاء، والوعظ والإرشاد في المساجد وغيرها، كل أولئك ينتفعون بطائفة كبيرة من العلماء الذين تخرجوا في ظلال هذه النظم، لهم أثر واضح في حياة الأمة من جميع نواحيها، واستمر الأزهر كذلك إلى أن تولى مشيخة الأزهر للمرة الأولى الشيخ محمد مصطفى المراغي، وهو من أبناء الأزهر الذين عرفوا تاريخه وأدركوا علله وأمراضه، وهو إلى جانب ذلك تلميذ بروحه وعلمه وعقله وتفكيره للأستاذ الإمام عبده، فوضع مذكرته التي تصف علل الأزهر وأداواءه وتصف الدواء الناجح لهذه العلل.
«و لكن العلماء في القرون الأخيرة استكانوا إلى الراحة، وظنوا أن لا مطمع لهم في الاجتهاد، فأقفلوا أبوابه، ورضوا بالتقليد، وعكفوا على كتب لا يوجد فيها روح العلم، وابتعدوا عن الناس فجهلوا الحياة وجهلهم الناس، وجهلوا طرق التفكير الحديثة، وطرق البحث الحديث، وجهلوا ما جد في الحياة من علم وما جد فيها من مذاهب وآراء، فأعرض الناس عنهم، ونقموا هم على الناس، فلم يؤدوا الواجب الديني الذي خصصوا أنفسهم له، وأصبح الإسلام بلا حملة، وبلا دعاة بالمعنى الذي يتطلبه الدين».
ويقول في شأن النظم المتقدمة: «و إني أقرر مع الأسف أن كل الجهود التي بذلت لإصلاح المعاهد منذ عشرين سنة لم تعد بفائدة تذكر في إصلاح التعليم، وأقرر أن نتائج الأزهر والمعاهد تؤلم كل غيور على أمته وعلى دينه، وقد صار من الحتم لحماية الدين، لا لحماية الأزهر، أن يغير التعليم في المعاهد، وأن تكون الخطوة إلى هذا جريئة، يقصد بها وجه اللّه تعالى، فلا يبالي بما تحدثه من ضجة وصراخ، فقد قرنت كل الإصلاحات العظيمة في العالم بمثل هذه الضجة».
ويقول في وصف الكتب: «هي كتب معقدة لها طريقة خاصة في التأليف، لا يفهمها كل من يعرف اللغة العربية، وإنما يفهمها من مارسها ومرن على فهمها، وعرف إصلاح مؤلفتها».
ويقول فيما يختص بدراسة الفقه: «يجب أن يدرس الفقه الإسلامي دراسة حرة خالية من التعصب لمذهب، وأن تدرس قواعده مرتبطة بأصولها من الأدلة، وأن تكون الغاية من هذه الدراسة عدم المساس بالأحكام المنصوص عليها في الكتاب والسنة، والأحكام المجمع عليها، والنظر في الأحكام الاجتهادية لجعلها ملائمة للعصور والأمكنة والعرف وأمزجة الأمم المختلفة، كما كان يفعل السلف من الفقهاء». ويقول فيما يختص بدراسة التفسير والحديث: «يجب أن يدرس القرآن دراسة جيدة، وأن تدرس السنة دراسة جيدة، وأن يفهمها على وفق ما تتطلبه اللغة العربية، وعلى وفق قواعد العلم الصحيحة، وأن يبتعد في تفسيرهما عن كل ما أظهر العلم بطلانه، وعن كل ما لا يتفق وقواعد اللغة العربية».
هذه هي مذكرة المراغي التي جعلها دستوره في الإصلاح، والتي علقت عليه الأمة من أجلها آمالها في إعلاء شأن الدين وانهاض أهله، وقد رأى تنفيذا لأغراض هذه المذكرة الإصلاحية، توزيع التعليم العالي في الأزهر على شعب ثلاث: شعبة للتفسير والتوحيد وتعرف باسم كلية أصول الدين، وشعبة للغة العربية وتعرف باسم كلية اللغة العربية، وشعبة للفقه والأصول وتعرف باسم كلية الشريعة.
تنوع التعليم العالي إلى هذه الكليات الثلاث، ووضعت مناهج لكل كلية تبين علومها الأساسية والإضافية، وجعل وراء ذلك تخصصات «و إجازات» موزعة على هذه الكليات الثلاث.
-7- ويرى الدكتور محمد عبد الله دراز: أن أبدع طابع تمتاز به الجامعة الأزهرية، ليس هو أنها قد جمعت في تعليمها بين هذين العنصرين الروحي والزمني، اللذين نراهما منفصلين في سائر الجامعات، بل ميزتها الكبرى هي أن الميدان الذي تتدفق فيه حيوتها يتجاوز كل حدود التعليم والتثقيف، ويرتقي إلى دور من أهم الأدوار في توجيه حياة الجماعة.
إن رسالة الأزهر على الجملة، إنما هي امتداد لرسالة الإسلام، ألا وإن الإسلام ليس مجموعة مبادىء نظرية تغرس في الأذهان فحسب، وإنما هو قوة دافعة خلاقة، غايتها أن تنظم السلوك الإنساني تنظيما فعليا، طبقا لاسمي المثل وأسلسها قيادا على التنفيذ العملي. فليس يكفيه إذا أن يبين هذه المبادىء دون أن يسهر على تطبيقها...
وهذا التطبيق لا يخص سلوك الفرد في نفسه، أو في أماكن عبادته وكفى، لأن قانون الإسلام، الذي هو موضوع التطبيق، لا يعرف هذا الفصل بين الدين وشئون الحياة، بل إن قواعده العملية تمتد إلى جميع ميادين النشاط الاقتصادي والأخلاقي، في حياة الفرد، والأسرة، والأمة، بل في حياة الجماعة الإنسانية كلها.
وقد عنى الأزهر -إلى جانب تكوينه لأسرة التدريس- بتخريج جماعة من المصلحين الاجتماعيين، ليكونوا في صلة دائمة بالشعب، ويتجهوا إليه بإرشاداتهم في كل مناسبة.
ولدى الأزهر منهم الآن أكثر من 250 واعظا، موزعون توزيعا متناسبا بين العاصمة وسائر الأقاليم، وإن «العدالة» و «الأمن» لمدينان أعظم الدين لجميل نصائحهم التي يوجهونها إلى الجماهير، وإلى الأسوة الحسنة التي يقدمونها لهم في سيرتهم الشخصية، وإلى طرق الإصلاح التي يمهدونها لهم في المنازعات، كما تشهد بذلك السجلات الرسمية.
وفي الوقت نفسه نجد في الأزهر لجنة دائمة من العلماء تتلقى المكاتبات من كل سائل، عما أشكل عليه من أحوال السلوك وشئون المعاملات، وتجيبه بما يزل شبهته، وينير له السبيل السوي.
ومن وراء ذلك كله -وفوق كل هذه الخدمات الجليلة- يتمتع الأزهر بسلطة معنوية أكثر عمقا، وأبعد حدودا، يستعملها في توجيه المجتمع الإسلامي، لا في مصر وحدها، بل في سائر البلاد الإسلامية.
وهاهنا أيضا لا تعوزنا الشواهد لإبراز هذه الحقيقة، فلقد أتى على عرش مصر لحظة من الزمن، في سنة 1805م، كان فيها يبدو مترددا بين «خورشيد» و «محمد علي».
فكان الثقل الذي وضعه نفوذ الأزهر هو الذي رجح كفة الميزان في جانب محمد علي، ووضع الباب العالي أمام الأمر الواقع في اختياره واليا على مصر.
وفي سنة 1919 كان الأزهر هو المنبر الذي ارتفع منه أقوى صوت في المطالبة بإلغاء الحماية الانجليزية، وكان حرم الأزهر هو المهد الذي ولدت فيه الوحدة التي لا تنفصم عراها بين أقباط مصر ومسلميها، لاحباط الدسائس البريطانية التي حيكت للتفريق بين العنصرين: أما نفوذ الأزهر في الأقطار الإسلامية فليس من نوع ذلك النفوذ الغامض البعيد، الذي يتمتع به الأزهر بفضل مهابة اسمه وجلال مركزه فحسب، بل إن له في تحقيقه وسائل حية، وأدوات ناطقة.
نعم، أليس للأزهر ممثلوه في أقطار الإسلام، ولتلك الأقطار ممثلوها فيه؟ أو ليس هؤلاء الممثلون من الجانبين هم حلقة الاتصال المتبادل الذي يحفظ وينمي هذه العلاقات الوثيقة بين الطرفين في مختلف النواحي الثقافية والأدبية والروحية؟
فأما من أحد الجانبين، فإن الدولة الإسلامية لا تفتأ تلتمس من الأزهر في كل عام، عددا من علمائه ليبصروا شعوبها بحقائق الإسلام، أو ليكونوا أعضاء في هيئات التدريس في جامعاتها ومعاهدها، ولا يسع الأزهر إلا أن يرحب دائما بندائهم فلا يرد لهم ملتمسا.
وقد بلغ الآن عدد المندوبين من علماء الأزهر في خارج القطر 125 مدرسا في الأقطار الممتدة من جزائر الفيليبين إلى مملكة ليبيا.
بل إن الدول الغربية قد أفادت من نظام الانتداب المذكور، سواء لتغذية جامعاتها، أو لإدارة مراكز الإسلام الثقافية فيها.
وما نحن أولاء نرى من أساتذة الأزهر مندوبين بالفعل في «لوندره» و «واشنطن» و «سان فرانسيسكو» وقد نرى قريباً وصول هذا المدد إلى «باريس» أيضاً. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته الخميس 21 يوليو 2016, 5:19 am | |
| ونعود إلى الأقطار الإسلامية فنقول: إن صلتها الوثيقة بالأزهر تقوم -من جهة أخرى- على تلك الألوف من شباب المتعلمين الوافدين منها، والذين يتبناهم الأزهر فيطبعهم بطابعه، ويصنعهم على طرازه.
وإن الحفاوة التي يقدمها لهم لمفعمة بأنواع الكرم والضيافة، فهو يؤويهم بالمجان، ويمنح كلا منهم شهريا مقدارا من المال كافيا لمعيشته، وعلى الرغم من زيادة عددهم عاما بعد عام، فإن هذه المرتبات يجدونها مكفولة لهم على الدوام، كما أن الجامعة تهيء لهم في أثناء العام رحلات مدرسية بالمجان إلى الأماكن الأثرية ومعالم السياحة، وتعد لهم في الصيف مقاما هادئا على شواطىء البحر في الأسكندرية.
وفي نهاية دراستهم تمنحهم شهادات ينتفعون بها عند عودتهم، لا في التدريس فحسب، بل في مختلف المناصب في بلادهم.
ولقد بلغ عدد هؤلاء الضيوف في هذا العام اكثر من ثلاثة آلاف طالب، هم سفراء الأزهر غدا إلى بلادهم.
فإذا سارت الأمور على هذا المنوال لم تمض بضع عشرات من السنين حتى يكون الأزهر قد جعل من جميع الشعوب الإسلامية أمة واحدة متجانسة في ثقافتها، كما هي متجانسة في عقيدتها وآدابها.
على أن الرسالة الحقيقة للأزهر لن تتحقق على وجهها الأكمل إلا إذا تجاوزت حدودها الإقليمية في الشرق الإسلامي، وأسمعت صوتها من وراء تلك الحدود.
نعم إننا اليوم -وقد تنازعت العالم قوى متناحرة، وآراء متنافرة، قد عجزت أطرافها أن تلتقي عند حد وسط يوفق بينها، وقد أخذت في صراعها تسرع بنا الخطا نحو الكارثة الكبرى- أقول إننا اليوم لفي أمس الحاجة إلى قوة ثالثة تتسم بطابع التعادل والتوازن، لا عن طريق التلفيق بين عناصر متناكرة، بل عن طريق وحدة طبيعية متماسكة يتألف فيها عنصر المادة والروح، وتتساند فيها مطامح المنفعة وعواطف الإيثار، وتتعانق فيها حرية الفرد وسلطان الدولة، وتندرج بها المصالح القومية في نطاق الرحمة الإنسانية العالمية.
وبالجملة فإننا اليوم في أشد الحاجة إلى تلك الحكمة الشرقية الإسلامية التي يعد الأزهر خير ممثل لآدابها، ويوم يتمكن الأزهر من أن يصوغ هذه السياسة الرشيدة في أسلوب واضح سائغ محدد، ويتيسر له من الوسائل ما ينشر به هذه المبادىء في الميدان العالمي، ويبدي فيه المعسكران المتصارعان في الوقت نفسه من حسن النية وقوة العزيمة ما يجعلهما يصغيان إلى ندائه الحكيم، يومئذ يكون لنا أن نتحدث بحق وصدق عن «السلام الشامل» و «الأمن العالمي الكامل» لا حلما من نسيج الأوهام، ولكن حقيقة حية صالحة للبقاء.
-8- ويرى مصطفى صادق الرافعي أن أول شيء في رسالة الأزهر في القرن العشرين عنده، أن يكون أهله قوة إلهية معدة للنصر، مهيأة للنضال، مسددة للإصابة، مقدرة في طبيعتها أحسن تقدير، تشعر الناس بالاطمئنان إلى عملها، وتوحي إلى كل من يراها الإيمان الثابت بمعناها، ولن يأتى لهم هذا إلا إذا انقلبوا إلى طبيعتهم الصحية، فلا يكون العلم تحرفا ولا مهنة، ولا يكون في أوراق الكتب خيال...
بل تظهر فيهم العظمة الروحانية آمرة ناهية في المادة لا مأمورة منهية بها ويرتفع كل منهم بنفسه، فيكون مقرر خلق في الحياة قبل أن يكون معلم علم، لينبث منهم مغناطيس النبوة يجذب النفوس بهم أقوى مما يجذبها ضلالات العصر، فما يحتاج الناس في هذا الزمن إلى العالم -وإن الكتب والعلوم لتملأ الدنيا- وإنما يحتاجون إلى ضمير العالم، وقد عجزت المدنية أن توجد هذا الضمير.
مع أن الإسلام في حقيقته ليس شيئا إلا قانون هذا الضمير، إذ هو دين قائم على أن اللّه لا ينظر من الإنسان إلى صورته ولكن إلى عمله، فأول ما ينبغي أن يحمله الأزهر من رسالته ضمائر أهله.
والناس خاضعون للمادة بقانون حياتهم، وبقانون آخر هو قانون القرن العشرين...
فهم من ثم في أشد الحاجة إلى أن يجدوا بينهم المتسلط على المادة بقانون حياته ليروا بأعينهم القوى الدنيئة مغلوبة، ثم ليجدوا في هذا الإنسان أساس القدوة والاحتذاء فيتصلوا منه بقوتين: قوة التعليم وقوة التحويل..
هذا هو سر الإسلام الأول الذي نفذ به من أمة إلى أمة ولم يقم له شيء يصده إذ كان ينفذ في الطبيعة الإنسانية نفسها.
ومن أخص واجبات الأزهر في هذا القرن العشرين أن يعمل أول شيء لإقرار معنى الإسلام الصحيح في المسلمين أنفسهم، فإن أكثرهم اليوم قد أصبحوا مسلمين بالنسب لا غير...
وما منهم إلا من هو في حاجة إلى تجديد الإسلام، والحكومات الإسلامية عاجزة في هذا، بل هي من أسباب هذا الشر لأن لها وجودا سياسيا ووجودا مدنيا، أما الأزهر فهو وحده الذي يصلح لإتمام نقص الحكومة في هذا الباب، وهو وحده الذي يسعه ما تعجز عنه، وأسباب نجاحه مهيأة ثابتة إذ كان له بقوة التاريخ حكم الزعامة الإسلامية، وكانت فيه عند المسلمين بقية الوحي على الأرض، ثم كان هو صورة المزاج النفسي الإسلامي المحض.
بيد أنه فرط في واجب هذه الزعامة وفقد القوة التي كان يحكم بها وهي قوة المثل لأعلى التي كانت تجعل الرجل من علمائه كما قلنا مرة، إنسانا تتخيره المعاني الإنسانية تظهر فيه بأسلوب عملي فيكون في قومه ضربا من التربية والتعليم بقاعدة منتزعة من مثالها مشروحة بهذا المثال نفسه، والعقيدة في سواد الناس بغير هذا المثل الأعلى هي أول مغلوب في صراع قوة الحياة.. لقد اعتاد المسلمون من قديم أن يجعلوا أبصارهم إلى علماء الأزهر، ولذلك فهم يتبعونهم ويتأنسون بهم ويمنحونهم الطاعة وينزلون على حكمهم ويلتمسون في سيرتهم التفسير لمشكلات النفس ويعرفون بهم معنى صغر الدنيا ومعنى كبر الأعمال العظيمة، وكان غنى العالم الديني شيئا غير المال بل شيئا أعظم من المال إذ كان يجد حقيقة الغنى في إجلال الناس لفقره كأنه ملك لا فقير، وكان زهده قوة حاكمة فيها الصلابة والشدة والهيبة والسمو وفيها كل سلطان الخير والشر لأن فيها كل النزعات الاستقلالية، ويكاد الزهد الصحيح يكون هو وحده القوة التي تجعل علماء الدين حقائق مؤثرة عاملة في حياة الناس أغنيائهم وفقرائهم، لا حقائق متروكة لنفسها يوحش الناس منها أنها متروكة لنفسها.
وعلماء الأزهر في الحقيقة هم قوانين نفسية نافذة على الشعب، وعملهم أرد على الناس من قوانين الحكومة، بل هم التصحيح لهذه القوانين إذا جرت الأمور على عللها وأسبابها، فيجب عليهم أن يحققوا وجودهم وأن يتناولوا الأمة من ناحية قلوبها وأرواحها، وأن يعدوا تلاميذهم في الأزهر كما يعدون القوانين الدقيقة لا طلابا يرتزقون بالعلم.
أين صوت الأزهر وعمله في هذه الحياة المائجة بما في السطح وما في القاع...
وأين وحي هذه القوة التي ميثاقها أن تجعل النبوة كأنها شيء واقع في الحياة العصرية لا خبر تاريخي فيها.؟
لقد أصبح إيمان المسلمين كأنه عادة الإيمان لا الإيمان نفسه، ورجع الإسلام في كتبه الفقهية وكأنه أديان مختلفة متناقضة لا دين واحد.
فرسالة الأزهر أن يجدد عمل النبوة في الشعب، وان ينقى عمل التاريخ في الكتب، وأن يبطل عمل الوثنية في العادات، وأن يعطي الأمة دينها الواضح السمح الميسر وقانونها العملي الذي فيه سعادتها وقوتها، ولا وسيلة إلى ذلك إلا أن يكون الأزهر جريئا في قيادة الحركة الروحية الإسلامية، جريئا في عمله لهذه القيادة، آخذا بأسباب هذا العمل، ملحا في طلب هذه الأسباب، مصرا على هذا الطلب.
وكل هذا يكون عبثا إن لم يكن رجال الأزهر وطلبته أمثلة من الأمثلة القوية في الدين والخلق والصلابة لتبدأ الحالة النفسية فيهم، فإنها إن بدأت لا تقف، والمثل الأعلى حاكم بطبيعته على الإنسانية مطاع بحكمه فيها، محبوب بطاعتها له.
والمادة المطهرة للدين والأخلاق لا تجدها الأمة إلا في الأزهر، فعلى الأزهر أن يثبت أن فيه تلك المادة بإظهار عملها لا بإلصاق الورقة المكتوب فيها الاسم على الزجاجة..
ومن ثم يكون واجب الأزهر أن يطلب الإشراف على التعليم الإسلامي في المدارس وأن يدفع الحركة الدينية دفعا بوسائل مختلفة: أولها أن يحمل وزارة المعارف على إقامة فرض الصلاة في جميع مدارسها، وأن يقود مدرسة حرية الفكر.. والأمة الإسلامية كلها تشد رأي الأزهر في هذا، وإذا نحن استخرجنا التفسير العملي لهذه الآية الكريمة: «اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَاَلْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ» دلتنا الآية بنفسها على كل تلك الوسائل، فما الحكمة هنا إلا السياسة الاجتماعية في العمل. وليست الموعظة الحسنة إلا الطريقة النفسية في الدعوة، العلماء ورثة الأنبياء.
وليس النبي من الأنبياء إلا تاريخ شدائد ومحن، ومجاهدة في هداية الناس، ومراغمة للوجود الفاسد، ومكابدة التصحيح للحالة النفسية للأمة.
فهذا كله هو الذي يورث عن الأنبياء لا العلم وتعليمه فقط.
وإذا قامت رسالة الأزهر على هذه الحقائق، وأصبح وجوده هو المعنى المتمم للحكومة المعاون لها في ضبط الحياة النفسية للشعب وحياطتها وأمنها ورفاهتها واستقرارها - اتجهت طبيعته إلى أداء رسالته الكبرى للقرن العشرين بعد أن يكون قد حقق الذرائع إلى هذه الرسالة من فتح باب الاجتهاد وتنقية التاريخ الفقهي وتهذيب الروح الإسلامي والسمو به عن المعاني الكلامية الجدلية السخيفة.
ثم استخرج أسرار القرآن الكريم المكتنة فيه لهذه العصور العلمية الأخيرة، وبعد أن يكون قد اجتمعت فيه القوة التي تمسك الإسلام على سنته بين القديم والجديد، لا ينكره هذا ولا بغيره ذاك، وبعد أن يكون الأزهر قد استفاض على العالم العربي بكتبه ودعاته ومبعوثيه من حاملي علمه ورسل إلهامه.
أما تلك الرسالة الكبرى فهي بث الدعوة الإسلامية في أوروبا وأمريكا واليابان، بلغات الأوروبيين والأمريكيين واليابانيين في ألسنة أزهرية مرهفة مصقولة لها بيان الأدب ودقة العلم وإحاطة الفلسفة، وإلهام الشعر، وبصيرة الحكمة، وقدرة السياسة، ألسنة أزهرية لا يوجد الآن منها لسان واحد في الأزهر، ولكنها لن توجد إلا في الأزهر، ولا قيمة لرسالته في القرن العشرين إذا هو لم يوجدها فتكون المتكلمة عنه والحاملة لرسالته، وما هذه البعثات التي قرر الأزهر ابتعاثها إلى أوروبا إلا أول تاريخ تلك الألسنة.
أنا مستيقن أن فيلسوف الإسلام الذي سينتشر الدين على يده في أوروبا وأمريكا لن يخرج إلا من الأزهر، وما كان الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه اللّه إلا أول التطور المنتهي إلى هذه الغاية، وسيكون عمل فلاسفة الأزهر استخراج قانون السعادة لتلك الأمم من آداب الإسلام وأعماله ثم مخاطبة الأمم بأفكارها وعواطفها والإفضاء من ذلك إلى ضميرها الاجتماعي فإن أول الدين هناك أسلوبه الذي يظهر به.
هذه هي رسالة الأزهر في القرن العشرين يتحقق بوسائلها من الآن، ومن وسائلها أن يعالن بها لتكون موثقا عليه، ويحسن بالأزهر في سبيل ذلك أن يضم إليه كل مفكر إسلامي ذي إلهام أو بحث دقيق أو إحاطة شاملة، فتكون له ألقاب علمية يمنحهم إياها وإن لم يتخرجوا فيه، ثم يستعين بعلمهم وإلهامهم وآرائهم، وبهذه الالقاب يمتد الأزهر إلى حدود فكرية بعيدة ويصبح أوسع في أثره على الحياة الإسلامية ويحقق لنفسه المعنى الجامعي.
وفي تلك السبيل يجب على الأزهر أن يختار أياما في كل سنة يجمع فيها من المسلمين (قرش الإسلام) ليجد مادة النفقة الواسعة في نشر دين اللّه.
وليس على الأرض مسلم ولا مسلمة لا يبسط يده، فما يحتاج هذا التدبير لأكثر من إقراره وتنظيمه وإعلانه في الأمم الإسلامية ومواسمها الكبرى وخاصة موسم الحج.
-9- ونشر العقاد كلمة عام 1947 عن الأزهر وإصلاح ورسالته قال فيها: خير ما يطلب للأزهر هو أن يزداد نصيبه من الجامعية العلمية، وأن يزدان نصيبه من المشاركة في الأعمال الدنيوية، وأن يحال بينه وبين العزلة والانقطاع، ونحن من المؤمنين بماضي الأزهر العظيم، ولكننا أشد إيمانا بمستقبله بنا بماضيه، لأن وظيفته في الماضي كانت وظيفة واحدة لا منازع فيها، أما وظيفته في المستقبل فوظيفتان ينهض بهما فيكون له شأنان متعادلان في حكمة الإسلام وحكمة العلم الذي يعمل به المسلمون وغير المسلمين، فالجامع الأزهر أحق مكان بأن يحيي الفلسفة القديمة التي عاشت فيه وحده يوم ماتت في جوانب الدنيا بأسرها، ومن إحياء هذه الفلسفة أن يزاوج بينها وبين مستحدثات التفكير في كل عصر وبين كل قبيل، والجامع الأزهر أحق مكان بتوسيع المنطق الذي تمكنت فيه أسسه وتهيأت لما يضاف إلى هذه الأسس من أركان جديدة، في مذاهب المناطقة المحدثين، والجامع الأزهر أحق مكان بأن يعرض العقيدة الإسلامية المستنيرة على أهل المشرق والمغرب لأنه أقدر على هذه الرسالة من الآحاد أو الجماعات التي تصدت لها في غير مصر من الأقطار الإسلامية، والجامع الأزهر أحق مكان بأن يقصده الصيني من أقصى الشرق كما يقصده «الفندلاندي» من أقصى الشمال، أو يقصده الزنجباري من أقصى الجنوب لأنهم يتعلمون فيه ما لا يجدونه في غيره من الجامعات المعصورة على العلوم الطبيعية.
والجامع الأزهر أحق مكان بأن يتدارك عيب العصر الحاضر وهو العيب الجسام الذي يتمثل في العزل بين عالم العقل وعالم الروح.
فيتعلم فيه الرجل وهو مؤمن ويؤمن فيه وهو عالم، ويحسن قيادة المتدينين المتعلمين، ونحن كبير والرجاء في إنجاز هذه المهمة العظمى بعد أن صارت مشيخة الأزهر إلى أستاذ الفلسفة الإسلامية على أحدث المناهج العصرية، فإنه أقدر الناس على أن يحقق للجامع الأزهر وظيفتيه في ثقافة العقل وثقافة الروح، وأعوانه من الأزهريين غير قليلين.
-10- ويقول الاستاذ مصطفى حبيب من كلمة له ألقاها في المؤتمر الثقافي العربي عام 1950، وقد كان من المندوبين فيه عن الأزهر: الاتجاهات التعليمية السائدة في الأزهر الآن هي: 1 - العمل على تعميم التعليم الديني في البلاد بافتتاح المعاهد الدينية في جميع العواصم والمراكز الكبيرة، وتيسير هذا التعليم على الناس بمتابعة ما جرى عليه عرف الأزهر من قديم، من مجانية التعليم الديني، وتشجيع الطلاب بتقرير مكافآت مادية تعينهم على مواصلة الدرس، وقد قطع الأزهر في هذا الاتجاه شوطا بعيدا فافتتح في السنوات الأخيرة خمسة معاهد، هي: قنا وسوهاج والمنيا والمنصورة وسمنود، وأعان على أن تنشر المعاهد الحرة في البلاد بما قدمه لها من العون العلمي والمادي. فقد تعهد الأزهر بتزويد كل معهد حر بالمدرسين على حساب ميزانيته فضلا عن تقرير إعانة استيفاء لكل معهد، مما حفز على انتشار التعليم الديني في البلاد وإنشاء المعاهد الحرة.
2 - تشجيع التعاون الثقافي بين الأزهر والمعاهد الإسلامية في البلاد الإسلامية جميعها، ليوحد بين ثقافة أبناء هذه الشعوب وثقافة الأزهر، وليعاون على إيجاد رأى عام إسلامي موحد، وليدخل على هذه المدارس الأنظمة الإصلاحية التي قام بتجربتها الأزهر، ليساهم بنصيب في الرقي الفكري والعلمي للشعوب العربية والإسلامية، وللأزهر الآن في جميع البلاد الإسلامية والعربية مدرسون من خيرة أبنائه المتأثرين بالأفكار الحديثة يبثون تعاليم الأزهر ورسالته الإصلاحية في نجد والحجاز وسوريا ولبنان والعراق والكويت وأسمرة، ويساهم الأزهر بنصيب كبير في تمويل هذه الحركة العلمية، إيمانا منه بفائدتها لمصر والعالم الإسلامي كله.
3 - نشر الثقافة الإسلامية في البلاد المتخلفة علميا والتي هي في مسيس الحاجة إلى التنوير في شئون دينها، والأزهر معنى بهذه الناحية أشد العناية، وقد وجه مبعوثين من رجاله لدراسة أحوال المناطق الأفريقية في جنوب السودان وأوغندة وأرتيريا وشرق أفريقيا، وقد وضعت تقارير مفصلة عن أوجه المساعدة المثمرة لهذه الجهات، وأرسل الأزهر فعلا بعثة علمية إلى أرتيريا وجوبا، وهو بسبيله إلى إرسال بعثات جديدة إلى الصومال ونيجيريا وأوغندة وشرق أفريقيا.
4 - العناية بنشر الإسلام وتعاليمه الصحيحة في جميع البلاد، وإيجاد صلة قوية ورابطة متينة بين المسلمين في كافة أقطار الأرض عن طريق التبادل الثقافي، وإنشاء مراكز إسلامية تزود بالمكتبات والعلماء الباحثين والوعاظ لسد حاجات الناس في هذه البلاد الى الثقافة الإسلامية، ويسير الأزهر في هذا الاتجاه بخطى حثيثة، وأستطيع القول بأن الأزهر اليوم متصل بجميع الهيئات العلمية والإسلامية في أوروبا وأمريكا وآسيا، وله مكتب ثقافي في لندن، وآخر في الباكستان، وثالث في الفلبين، وهو يدرس اليوم مشروعات متعددة لإنشاء مكاتب أخرى في الولايات المتحدة والأرجنتين والملايو وأندونيسيا، ولكنه على أية حال لم يحقق بعد كل ما يرجوه من التوسع في هذه الناحية لأنها تحتاج إلى المال والرجال.
5 - العناية بالبعوث الإسلامية الوافدة الى الأزهر من كل بقاع الأرض وتعليمها وتثقيفا دينيا وعلميا، ليكونوا هذاة لقومهم يرشدونهم إذا رجعوا إليهم، ولا يدخر الأزهر وسعا في هذا السبيل، فهو يشجع الطلاب الراغبين على الوفود، كما يحض الهيئات الإسلامية والحكومات الإسلامية على إرسال أبنائها إلى الأزهر، وهو يعد لهؤلاء الطلاب أماكن صحية للسكن، ويمدهم بمعونة مادية تيسر لهم طلب العلم وتعينهم على الحياة في مصر.
وفي الأزهر الآن ألفان من طلاب البعوث الإسلامية يمثلون كافة البلاد الإسلامية.
وقد أعد لهم الأزهر دراسات خاصة تعينهم على معرفة اللغة العربية معرفة تؤهلهم للاندماج في سلك الدراسة مع إخوانهم المصريين.
وقد بلغت البعوث الإسلامية اليوم حدا لم تبلغه في عصور الأزهر الذهبية في القرن الثامن الهجري حين سقطت بغداد وفر أبناء المسلمين إلى الأزهر بدينهم.
فقد كان تعدادهم حينذاك كما روى المقريزي 750 طالبا، وكان هذا يعتبر رقما قياسيا، أما اليوم فهم يربون على الألفين، والباب ما يزال مفتوحا على مصاريعه لتقبل كل من يريد العلم والتفقه فيه، فالأزهر لا يرد عن رحابة طالب علم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته الخميس 21 يوليو 2016, 5:30 am | |
| 6 - إعداد بيئة من العلماء النابغين في علوم الدين إعدادا يؤهلهم لنشر الدعوة الإسلامية والثقافة الإسلامية في البلاد التي تتكلم باللغات الأجنبية بتمكينهم من الدراسة في الجامعات الأوروبية، ليتصلوا بالحياة العقلية في الغرب، ويجيدوا اللغات الأجنبية كتابة وخطابة، ويكونوا مزاجا جديدا من الدراسة يلائم، حاجة العصر، ويسد حاجات البلاد الإسلامية الناطقة باللغات الأجنبية الى مدرسين وأساتذة.
وقد أدرك الأزهر قيمة هذا العمل العظيم فأرسل بعثة مكونة من عشرة من خيرة أبنائه إلى بريطانيا ليدرسوا في جامعاتها، وما يزال الأزهر في حاجة إلى المزيد من هذه البعثات ليكثر بين أساتذته ومدرسيه من يجمعون بين الثقافتين الأزهرية والغربية، ليكونوا في المستقبل القريب نواة لهيئة التدريس الجامعية.
7 - يتجه الأزهر منذ سنوات إلى التخلص من الكتب التقليدية القديمة في الدراسة، وتشجيع الأساتذة على تأليف كتب جديدة تتناسب مع العصر الحديث في حسن العرض والتبويب، ليسهل على الناس الاطلاع عليها، لأن الكتب القديمة على وضعها الحالي كتب معقدة لها طريقة خاصة في التأليف لا يفهمها إلا من مارسها ومرن على فهمها...
وقد بدأ الأزهريون يكتبون ويؤلفون، ولكنهم لم يحققوا بعد الآمال المعقودة عليهم، إذ لا يزال في أعناقهم للعالم الإسلامي وأبناء هذا الجيل دين يجب أن يوفوه: هو تبسيط الحقائق العلمية وتقريبها إلى الأذهان، وتشويق الناس للاطلاع على ما في الدين الإسلامي والتشريع الإسلامي من كنوز في المعرفة.
8 - يدرس الأزهر الآن الفقه الإسلامي دراسة خالية من التعصب لمذهب بعينه، بل ويدرس المقارنات بين المذاهب، وقد أتاحت هذه الروح التي تسود الأزهر الآن النظر في الأحكام الاجتهادية لجعلها ملائمة للعصر والعرف وتطور الأمم والشعوب، واستنباط الأحكام التي تتمشى مع سير الزمن.
وقد أصبح بفضل هذه الروح في الأزهر جماعة من أفاضل العلماء تعمل على تزويد رجال التشريع بالأحكام الاجتهادية من كافة الأئمة غير مقيدين بمذهب بعينه أو إمام بعينه.
وقد صدرت القوانين الأخيرة في أحكام الوقف والوصية بعد دراسة حرة لجميع الآراء، وأخذت الأحكام من جميع المذاهب ومن آراء الأئمة والمجتهدين بما يلائم مصلحة الأئمة ويسد حاجات الجيل.
وتلك خطوة جريئة إن أغضبت المتزمتين، فقد أرضت اللّه ورسوله.
ويتجه الأزهر في هذه الأيام إلى إنشاء معهد للفقه المقارن يقوم على هذه الدراسات الحرة وينميها، لينتفع العالم بآثار الاجتهاد، مما يحفز العقل البشري على التقدم لخدمة الإنسانية.
9 - يعني الأزهر بإحياء كتب السنة وجمعها في كتاب واحد حسن التبويب، تيسيرا للسنة على الراغبين في الاطلاع عليها، وتقوم بالأزهر الآن لجنة برئاسة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر للعمل على إخراج هذا المشروع.
10 - يعني الأزهر أشد العناية بدراسة اللغة العربية والنهوض بأساليبها التعليمية وإبراز كنوزها للناس.
وقد نهض بكلية اللغة العربية نهضة كبيرة أصبحت بفضلها تنافس معاهد اللغة العربية في مصر منافسة قوية، أفادت العلم واللغة في مصر والشرق.
وها هم أولاء أبناء كلية اللغة العربية منبثون في جميع المدارس والمعاهد الأزهرية والحكومية يؤدون رسالة الأزهر في خدمة اللغة والنهوض بها على نمط يثير الإعجاب والتقدير من الجميع.
11 - عمل الأزهر جادا على تقرير تعليم الدين في المدارس الحكومية وجعله مادة أساسية، لينشأ ناشيء الفتيان منا على التمسك بأحكام الدين والرعاية لفضائله، إيمانا منه بأن ما ينطبع في نفس الطفل منذ نعومة أظافره من إيمان وتدين، لا يمكن أن تؤثر فيه الأيام، بل يظل أساسا صالحا يوجه رجال المستقبل الى الخير، ويحفزهم على البر بأنفسهم وأهليهم وأوطانهم، وقد نجح الأزهر بتقرير دراسة الدين بالمدارس.
12 - يعني الأزهر بإحياء الشعور الديني، وتنمية روح التدين بين الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين، وتنويرهم في شئون دينهم، وتعريفهم بفضائله، لتتقوى فيهم روح المحبة والتآلف ويبعد عن صفوفهم المبادىء المنحرفة التي تتنافى مع الدين والخلق.
وينبث اليوم عشرات الوعاظ من أبنائه في صفوف الشعب يخاطبونه بالأسلوب القريب إلى نفسه، ويعالجونه علاجا نفسيا يقوي عزائمه ويثبت إيمانه.
13 - يعني الأزهر عناية جدية بوعظ السيدات وتعليمهن شئون دينهن، ليكن خير مربيات لأبنائهن، وليغرس في نفوسهن منذ الحداثة الإيمان باللّه وحب الوطن، وهو يعقد لذلك مئات الدروس كل يوم من أقصى الصعيد إلى القاهرة، ومن القاهرة إلى البحر الأبيض المتوسط، للوعظ والإرشاد والتعليم.
وفي نفوس رجال الأزهر مشروع لإنشاء معهد لتعليم البنات والسيدات العلوم الدينية والعربية، إحياء لسنن السلف الصالح من العناية بتثقيف السيدات وإتاحة الفرصة لهن ليتفقهن في الدين، نرجو أن يتحقق في القريب العاجل.
وليس تعليم السيدات بالأزهر بجديد، فقد سبق الأزهر العالم كله منذ إنشائه حين كانت تعقد فيه دروس خاصة للسيدات، وكان بعضهن يحضرن الدروس العامة ليتفقهن في الدين كالرجال سواء بسواء.
هذه بعض جهود الأزهر في ربع قرن، وهذه هي خطواته بعد الإصلاح، وهي إن لم تكن أوفت على الغاية فقد جاوزت البداية القلقة، وثبتت أقدام الإصلاح.
والأزهر بعد يسير بخطى جبارة، وما هي إلا عشية أو ضحاها حتى يجمع فيها أنفاسه بعد هذا الجهد الشاق إلا ويستبق الزمن ويفقز إلى الطليعة يقود البلاد كعهده في الثقافة واللغة وعلوم الدين، ويهيء للمجتمع الإسلامي كله حياة طيبة نافعة تسلكه مع أمم الأرض في الرقي والحضارة.
اتخذوا شيوخ الأزهر صنائع للدعاية لهم، ولكن الذي جنى ثمرة ذلك هو محمد علي لا الفرنسيون.
ثم ذكر أن الأزهر أدى رسالته العلمية في القرن التاسع عشر أداء مناسبا، وكانت زعامة الأدب العربي في الكتابة والخطابة إلى ابن من أبنائه هو محمد عبده، ثم سعد زغلول..
ولكن الأزهر لم يظفر بأن ينال من زعامة الشعر شيئا..
وقد رفض الأزهر ما طلبه منه الخديوي إسماعيل من تشريع قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية لتكون قوانين للمحاكم الأهلية، فرجع الخديوي وحكومته الى القوانين الفرنسية تأخذ منها ما تشاء، وبذلك تحمل الأزهر هذا الإثم الشديد، ولكنه عاد فقدم للمحاكم الشرعية قوانين وقضاة.
وفي قوانين الأزهر الأخيرة ما يرشد إلى رسالة الأزهر، فهو المعهد الديني العلمي الإسلامي الأكبر، والغرض منه القيام على حفظ الشريعة الإسلامية الغراء وأصولها وفروعها واللغة العربية، وعلى نشرها تخريج من يوكل إليهم تعليم علوم الدين واللغة ويلون وظائف الدولة الشرعية..
واستطرد من ذلك إلى أن الأزهر أمامه طريق شائك وليل مظلم، وأنه لا يستطيع بحالته أن يسير لأداء رسالته، وطلب أن يرتفع الأزهر بأئمته وعلمائه ومفتيه، وأن يجتهد الأزهر فيصلح ما فسد فيه، ويسير لأداء رسالته الصحيحة، رسالة الهدى والإصلاح.
- 12 - وفي عام 1936 أعلن علي ماهر عن عدة مسابقات تمنح الحكومة فيها مكافات سخية للفائزين، وكان من موضوعات هذه المسابقة «رسالة الأزهر في القرن العشرين» وقد فاز بالجائزة الأولى فيها الأستاذ أحمد خاكي.
وقد ذهب هذا الباحث فيما ذهب إليه إلى أن تاريخ الأزهر يتصل اتصالا وثيقا بالحركات الفكرية التي قامت في مصر منذ السنة التي أنشيء فيها، ويتمثل فيه من ناحية أخرى مبادىء الإسلام وما كان لها من سلطان، لأن الأزهر معهد ديني كانت رسالته دائما رسالة الإسلام، وكانت لشيوخه الزعامة الفكرية في القديم، حتى أن بونابرت لما دخل مصر ووجد للأزهر الزعامة الدينية والاجتماعية والسياسية تقرب إلى شيوخه، وجعل أعضاء «الديوان» الذي أنشأه منه، وهذا اعتراف بسلطان الأزهر على الشعب.
ووسط الزوابع السياسية التي تلت عصر نابليون وسبقت ولاية محمد علي قام الأزهريون يثبتون حق الشعب ويؤيدون ما يذهبون إليه بنصوص من الدين الحنيف، ولقد كان للسيد عمر مكرم نقيب الأشراف حينئذ المكانة الأولى بين ممثلي الشعب، وكان الشعب غاضبا على خورشيد باشا راغبا في تولية محمد علي، وفي تاريخ الجبرتي نقاش بين السيد عمر مكرم وبين عمر بك أحد أنصار خورشيد، فقد كان عمر يذكره بالآية الكريمة: "أَطِيعُوا اَللّهَ وَأَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَأُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ" فلم يكن من السيد عمر إلا أن قال: «أولو الأمر العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل».
ألسنا نحس في ذلك الرد وحده تلك القوة الوليدة التي شعر بها زعماء الأزهر وألسنا نستطيع أن ندرك دهاء محمد علي حينما اجتذب الشيوخ إلى جانبه فتغلب على القوى التي كانت تنافسه؟ وسلطان هؤلاء الأزهريين هو الذي ظاهره على المماليك وهو الذي أرغم الخليفة على أن يعترف بولايته، كانت هذه إذن سابقة للأزهر أعلنت من مكانه فظل زعيما للجماعة المصرية بعد ذلك. وما برح الأزهر يساير الحركة الفكرية في مصر حتى تمخض في أواخر القرن التاسع عشر عن حركة شاملة من حركات الإصلاح توجهت ضد العناصر الدخيلة التي مشت بالسوء في أمم الشرق، وقد رفع هذه الحركة جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده، ولعل خير ما يذكر من أيادي الاستاذ الإمام أنه خرج الى فلاسفة الغرب يرد الحجة بالحجة ويقرع البرهان بالبرهان، ولم يكن الجدل الذي نشب بينه وبين هانوتو إلا ناحية من الصراع الفكري بين الشرق والغرب.
وكان المؤرخ الفرنسي يفتعل الذرائع والمسوغات التي تحلل ما اقترفته السياسة المادية التي استحلت لنفسها كل ما تحرمه الشرائع والقوانين، ولم يكن الإمام المصري في ردوده إلا مدافعا عن أصول الإسلام الأولى يلحق البينة بالبينة يميز بين ما هو من صلب الدين وبين ما هو دخيل على الدين على أن ذلك الكفاح الذي تولاه الأستاذ الإمام والذي خلق بعد ذلك مدرسة بأسرها من مدارس الفكر لم يزل حتى أصاب ساعدا قويا في أفراد من المتخرجين في الأزهر ثاروا على حكومة الدخلاء، واتصلوا بالجيش آملين أن يحققوا بعض مثلهم العليا، فكانت الثورة التي اتصلت باسم عرابي باشا، وقد نجح التفكير الأزهري في هذه المرة إلى ثورة عسكرية لم تكن موفقة لأنها لم تكن من طبيعة الأزهر، وعرابي نفسه كان أزهريا لكنه لم يكن بالأزهري الرشيد.
وقد جمعت هذه الثورة العسكرية إلى العناصر الواهية التي أنهكتها كثيرا من العناصر السامية التي خلقت في مصر أثرا بليغا، وكانت على الرغم مما انتابها من وهن نهضة قومية ما زالت تنمو حتى كانت شاملة بعد الحرب الكبرى، ولسنا ننسى أن الأزهر كان محطا لركاب هذه النهضة، فالأزهر كان مركزا للزعامة في أوائل القرن التاسع عشر وقد ظل مصدر للزعماء حتى بداية القرن العشرين، وقد ظهرت قوة الأزهر في الحالات التي احتكت بها مصر بالدخلاء الأجانب.
ظهرت تلك القوة أمام الفرنسيين بزعامة السيد عمر مكرم، ثم انتظمت في جسم الأمة حتى وضحت مرة أخرى بزعامة الشيخ محمد عبده، وكانت موجهة في هذه المرة إلى الذين بسطوا أقلامهم في الدين من الفلاسفة والمؤرخين الأجانب.
ثم كان لها بعد ذلك وجه قومي بدأ بقيادة عرابي وانتهى سلميا بزعامة سعد زغلول، وقد حاولت الحركة الأولى أن تتخلص من دخلاء الشركس، وحاولت الثانية أن تستقل عن كل أجنبي، لقد رأينا كيف كان الأزهر مصدرا للزعامة والكفاح، وقد رأينا كيف استعان الفكر المصري في كفاحه السياسي والديني والاجتماعي بسلطان الأزهر فقضى على المبادىء الخربة التي تربصت بالشرق الدوائر.
وقد تزعم شيوخ الأزهر المصريين لأن هؤلاء كانوا يستوحونهم الشعور الديني وكان يتمثل في خلقهم وإرشادهم تلك القوى الحية التي نماها الإسلام وقواها فإن نحن أردنا أن نضرب بسهم في سبيل التقدم وجب علينا أن نرجع إلى أصول الإسلام الأولى فنحي تراثه وتلك الرجعة إلى ديننا الحنيف هي من رسالة الأزهر لحمتها وسداها.
وجدير بالأزهر إذا أراد إحياء لذلك المجد الأثيل أن يعود سيرته الأولى من حيث الكفاح والزعامة وأن تتمثل فيه كل المثل العليا التي بسطنا القليل منها فيما تقدم، وبذلك يستطيع أن يلهم الناس دينهم خالصا نقيا، بل خليق به بعد ذلك-إذا أراد أن يكون في الرأس-أن يتصل أتصالا وثيقا بالحركات الاجتماعية التي تدب بين المصريين وقد بينا كيف كانت رسالة الأزهر دائما مزدوجة، فهي دينية من ناحية واجتماعية من ناحية أخرى ذلك بأن الإسلام كما أسلفنا دين يجمع بين العقائد والشرائع يسعى لخير الجماعة في شتى الصور ويؤلف بين خلق الفرد خاصة وبين الأمة بوجه عام.
لقد كان اهتمام الأزهر بالحركات الاجتماعية في مصر وحد به عليها أساسا لزعامته التي ظل الجميع يعترفون بها حتى أواخر القرن التاسع عشر وفي اليوم الذي يعتزل الأزهر فيه الحياة العامة يضحي من سلطانه الذي كفله الدين نفسه والذي عنا له المصريون خلال الأحداث التي اكتظ بها تاريخهم الطويل الحافل.
ويعتزل الأزهر الحياة العامة إذا هو اطمأن إلى القيود التي تعوق التقدم فإن ذلك لا يتفق مع روح الإسلام نفسه ومصر -ككل جزء من أجزاء الأرض- ما زالت تنشد الإيمان والخير والحرية لكل المصريين إذ يتشبثون بتلك المبادىء يتلفتون ذات اليمين وذات اليسار يريدون أن يجدوا ملجأ فيطمئنوا إليه ويعتصموا به.
فجدير بالأزهر إذا أن يساهم في كل نواحي الحياة المصرية وأن يكون -كما كان في القرن التاسع عشر- قوة دافعة تستمد من قوة الدين والحق، إن زعامة الأزهر لنواحي النشاط في مصر سوف تنتج خيرا شاملا، ذلك لأن التقدم المادي ينتهي دائما بكفاح يخلو من المثل الأعلى.
وكل كفاح يخلو من المثل الأعلى يؤدي حتماً إلى الفناء كالنار تأكل نفسها، وقد تقنعنا نظرة عجلى إلى تاريخ أوروبا بكل ذلك فقد تناست ممالكها في تنازعها كل المثل العليا التي جاء بها دينها وهي لا تزال تتناساها إلى اليوم في نزاعها مع القارات الأخرى. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته الخميس 21 يوليو 2016, 5:33 am | |
| وقد كفل الإسلام الحرية بما رفع من مقام الإنسان والنظام بما أتى من أحكام الشرع وجعل طاعة اللّه ورسوله وأولى الأمر واجبات نقوم بها ونحن راضون، وبذل النصح لأولي الأمر بأن يترفقوا بالناس، ثم أنه قد جعل الناس كلهم إخوة فكان خير الناس عند اللّه أتقاهم فضمن بذلك حق العامة أمام الخاصة، كل هذا أتى به الإسلام ونزله مبادىء دستورية يستطيع الفقهاء أن يلائموا بينها في بيئاتهم وبذلك كفل للإنسان أن يتقدم دائما.
ولسنا نرى تقدما أرشد من هذا الذي يقوم على مثل المبادىء، على أن التوفيق بينها أجمعين كان دائما أس التقدم عند دول الإسلام.
يقول النفسيون: إن الإنسان لا يبلغ حدا من الكمال إلا إذا وازن بين القوى والملكات التي يكسبها، وقد ذهب الى ذلك أفلاطون وقال مثل ذلك قوم آخرون قبل أن يدرس علم النفس، لكن التوازن بين قوى الإنسان وملكاته أصبح حقيقة علمية في العصر الحديث وينشأ كثير من أنواع الجنون إذا اختل هذا التوازن بل نحسب أن الانسجام محبب إلى النفس من الوجهة الجمالية وقد حاول كثير من الفلاسفة -وقد كانوا موفقين- أن يبحثوا في مثل هذا التوازن في المجتمع ويحدث جنون الفرد إذا هو أفرط في الأخذ بفكرة من الأفكار أو خيال من الخيالات وكذلك يحدث جنون الجماعة إذا هي أخذت بمبدأ واحد تمادت فيه - مهما كان هذا المبدأ سليما.
وما نظن إلا أن الإسلام كفيل بأن يؤلف بين كل تلك المبادىء فيرسل الانسجام فيها إرسالا.
ثم خلص من تلك الى أن رسالة الأزهر هي نشر رسالة التقدم الروحي والفكري والاجتماعي في البلاد الإسلامية.
-13- ويقول الدكتور حسين الهمداني الباكستاني حول رسالة الأزهر: حفلت البلاد الإسلامية منذ انبثق فجر الإسلام بدور العلم ومعاهد العرفان في وقت كانت ظلمات الجهل تجثم فيه فوق ربوع العالم العربي، ومع أن هذه الدرر كانت تتسم بطابع خاص هو الطابع الإسلامي فإنها كانت تتوسم في نظامها واتجاهاتها الحرص على توفير أسباب الطمأنينة في نفوس طلاب العلم وتوثيق الصلة بينهم وبين أساتذتهم وإشاعة تلك الروح الجامعية التي يجب توافرها في معاهد العلم العليا مثل ما يشاهده المرء الآن في أعرق الجامعات العربية.
ويلوح أنه لم يكن ثمة مناص من أن تغدوا المساجد والجوامع مقرا لنشر المعرفة كما كانت وما زالت مصدرا لبث الهداية والرشد في نفوس الناس في الوقت ذاته.
ولم يكن هناك تعارض في اضطلاعها بالمهمتين، فإن الدين الإسلامي الذي يأمر بالتسامح والمساواة ويحث على طلب المعرفة ولو اقتضى الأمر الاغتراب في مشارق الأرض ومغاربها ما كان ليجد خيرا من المساجد بجوها القدسي لغرس العلم والمعرفة في نفوس المسلمين، بل إن اختيار المساجد لهذا الغرض يحمل في طياته الإقرار بقداسة العلم ووجوب تطهيره من حمأة الأغراض الدنيوية والبعد به عن كل جو ينحرف به عن قدسيته.
وقد ظهر في الإسلام معاهد علمية عظيمة القدر رفيعة الاسم، وكان الحكام يتنافسون في إنشائها، فأنشىء الأزهر في عام 361 ه (971م) وأنشئت الكلية النظامية في عام 459 ه (1066م)، وأنشئت الصالحية في القدس عام 583 ه (1187م).
وكان الغرض من إنشاء هذه المعاهد هي وغيرها بادىء الأمر -و باستثناء المستنصرية- هو تدريس المذاهب الدينية والدعوة لها، فأنشىء الأزهر لتدعيم المذهب الشيعي في مصر بعد فتحها على يد الفاطميين.
وأنشئت النظامية هي والصلاحية لدعم المذهب الشافعي بينما أنشئت المستنصرية لتدريس المذاهب الأربعة وكان بها كلية لتدريس الطب وأخرى لتدريس الرياضيات واللغات وقد اختفت هذه المعاهد العظيمة واندثرت وعفا عليها الدهر فيما عدا الأزهر الذي ظل راسخا كالطود بالرغم مما مر به من أحداث بل واضطهاد في بعض العصور.
ولعمري أن المرء ليتساءل ماذا كان يصيب اللغة العربية وآدابها وما يتصل بهما من علوم ومعرفة لو أن الأزهر أصابه ما أصاب غيره من معاهد ولم يصمد للحوادث طيلة هذه الأجيال؟
لقد كان هذا الأزهر ولا يزال -وأرجو أن يظل على ذلك أبد الدهر- دعاية العلوم والمعارف في العالم الإسلامي.
وقد أراد اللّه بالأمم الإسلامية خيرا حين كلأ هذا الجامع بعنايته ورعايته وصانه من غوائل الدهر ومن الانهيار.
ولم يكن الأزهر بناء أو جدرانا لا حياة فيها، بل كان على الدوام فكرة نابضة وروحا متسامية وحياة فكرية ومبادىء حية، بدأ جامعا فانقلب جامعة لها خصائصها وتقاليدها وسمتها وطابعها. وقد ظلت هذه التقاليد والخصائص والطابع والسمة تلازمه على مر العصور. وكان من خير هذه التقاليد أن الطالب يظل يتلقى العلم حتى إذا آنس في نفسه القدرة على التصدر للعلم أذاع ذلك بين زملائه وشيوخه فتعقد في ديوان الأزهر حلقة من العلماء النابهين يجلس الطالب في صدرها ويناقش نقاشا حادا في المادة التي تدرسها وفي جميع المواد المتصلة بها، فإذا أثبت الطالب كفاءة ممتازة منح حق التدريس.
وهذا التقليد يذكرنا بما هو متبع في الجامعات العريقة وفي مناقشة رسالات الدكتوراه فيها في عصرنا الحديث.
وإذا كان الأزهر قد صعد نيفا وألف عام للأحداث وظل راسخا في أداء رسالته في دعم أركان الدين الإسلامي ونشر العلوم الإسلامية، واستطاع أن يحتفظ بمكانته المرموقة كدعامة قوية للإسلام ومنارة لنشر العلم والعرفان، فإن منهجه يجب أن يحتذى في كافة الأمصار الإسلامية فليس في وسع سكان الباكستان أو غيرها من البلاد الإسلامية أن يفدوا بقضهم وقضيضهم ليتزودوا من منهل الأزهر الذي لا ينضب وينهلوا من مورده العذب، عل أن الباكستان وغيرها من البلاد الإسلامية لا تستطيع أن تترسم الروح الأزهرية الفذة دون أن تنوه ببعض ما يجول في نفوس بعض العلماء من مخاوف بشأن اضمحلال هذه الروح بسبب تلك النظم الحديثة التي أدخلت في الأزهر مثل نظام الامتحانات وتحديد المقررات وكثرة المواد الدراسية التي لا تتصل بالدراسات الإسلامية - حتى أن البعض يعتقد أن مستوى التحصيل في الأزهر قد اخفض انخفاضا ملموسا بسبب انصراف الطلبة إلى إحراز الإجازات التي تعتبر سلاحا للتوظف دون الرغبة في التزود بالعلم لذاته والتعمق في المعرفة.
وقد كان النظام الذي سلكه الأزهر خلال القرون الماضية نظاما جامعيا بحتا وكانت الروح العلمية تسيطر على جوه، فكانت صلة الطالب بمدرسته صلة وثيقة دعامتها العلم والرغبة في اعتراف مناهله...
وحسبك أن تعلم أن الجامعات الغربية تتهيأ الآن هذا التهيؤ لتأدية رسالتها.
ولكن ما لبث النظام «المدرسي» الجديد الذي أدخل على الأزهر أن أضعف من هذه الرابطة العلمية بين الطالب وأستاذه. ثم إن النظام يعمل على شحن ذهن الطالب بعلوم لا طائل تحتها ولا يدع له وقتا ولا ميلا للتعمق في نوع عين من المعرفة الإسلامية تعمق من شأنه أن يخلق لنا علماء من طراز الشيخ محمد عبده والشيخ مصطفى عبد الرزاق والشيخ المراغي وإضرابهم من جهابذة العلماء الذين يفخر العالم الإسلامي بهم.
والحق أن النواة لأمثال هؤلاء العلماء موجودة فإن الطلبة الأزهريين ما زالوا يتسمون بالروح العلمية، وقد علمت من أحد القائمين على إدارة المعهد البريطاني في القاهرة أنه وجد في الطلبة الأزهريين الذين يتلقون اللغة الانجليزية في المعهد المذكور استعدادا وإدراكا وتعمقا وغيرة وإقبالا على العلم بما هو جدير بطلبة هذه الجامعة العريقة.
ونعتقد أن خير ما يمكن أن يفعله الأزهر هو أن يعمل جاهدا للعودة لذلك الجو العلمي البحث الذي عرف به وأن يقضي على نظام الامتحانات أو يعد له، بحيث ينصرف الطلاب للعلم وحده دون النظر للإجازات العلمية كهدف يتعين عليهم تحقيقه للحصول على الوظائف. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته الخميس 21 يوليو 2016, 5:51 am | |
| وبودنا لو عنى رجال الأزهر الأعلام الألمعيون بأمر جدير بعنايتهم وهو تعليم الفتيات، فالشاهد أن الأسر الإسلامية كثيرا ما تدخل فتياتها في المعاهد الأجنبية التبشيرية، ولسنا نجد مبررا لحرمان الفتيات المسلمات من الثقافة الدينية الإسلامية ما لم يمد يده لمعونتها.
والواقع أن رسالة الأزهر لا تقتصر ولا يجب أن تقتصر على مصر وحدها بل رسالته أعم وأشمل.
ومن حق البلاد الإسلامية أن تطالبه بأن يمد رسالته عبر البحار لا إلى البلاد الإسلامية فحسب بل وللبلاد غير الإسلامية أيضا.
ومن حسن الطالع ألا يكون هذا هو رأينا وحدنا بل هو رأي الحكومة المصرية نفسها بدليل ما وافق عليه مجلس الوزراء في إحدى جلساته الأخيرة من فتح الاعتمادات لإنشاء معهدين إسلاميين في مدريد وطنجة.
وفي وسع الأزهر أن يساهم مساهمة أدبية ومادية في إنشاء معاهد العلوم الإسلامية والدينية في البلاد الإسلامية فيبعث بعلمائه إلى هذه الأمصار التي ستلقاهم بصدر رحب وتحلهم منها مكانة الصدر والأعزاز، يبثون فيها تلك الروح الفقهية والعلمية العميقة التي انفرد الأزهر بها منذ حوالي عشرة قرون ويضعون برامج الدراسة في هذه المعاهد وفق النهج الذي مارسه الأزهر منذ إنشائه ويعملون على نشر اللغة العربية ودعمها في البلاد الإسلامية غير العربية.
ولسعادة علوبة باشا مشروع في هذا الشأن يستطيع علماء الأزهر دراسته وتنفيذه كله او بعضه.
أما بالنسبة للبلاد غير الإسلامية فإن واجب الأزهر يقتضيه -بوصفه دعامة العلوم الإسلامية ومنارة الدين والهدى- أن ينشىء المعاهد الإسلامية في عواصمها ومدنها الكبرى وأن يزودها ببعض زملائه الذين يتقنون اللغات حتى يكون في مقدورهم نشر العلوم الإسلامية في هذه البلاد.
وإذا كانت بعض الجميعات الإسلامية قد أحرزت توفيقا في هذا المضمار فأحرى بالأزهر وهو المؤسسة التليدة العريقة أن يصيب نجاحا عظيما بما يتوافر لديه من اعتبارات وعوامل تكفل له التوفيق والنجاح في القيام برسالته.
ويستطيع الأزهر مثلا أن ينشىء معاهد في لندن وبرلين وباريس وروما وواشنطون وغيرها من المدن الكبرى على غرار ما نراه من المعاهد الأجنبية التي تنشئها الدول الغربية بين ظهرانينا ونعتقد أن مثل هذا العمل يستدعي إنشاء معهد خاص للغات الأجنبية في الأزهر نفسه يدرس فيه العلماء والطلاب تلك اللغات بتوسيع وتعمق في وسط ازهري يكفل لهم تغلغل الروح الأزهرية العالية في نفوسهم.
- 14 - وفي عام 1952 نشر الأستاذ أمين الخولي في جريدة المصري مقالات متعددة عن «الدين والحياة» عرض فيها للأزهر بالتحليل والنقد، وندد بحيرته في أداء رسالته.
فقال في المقال الأول الذي نشره له المصري في 28 من أبريل من هذا العام: هل أدى الأزهر رسالته، بما هو بيئة التربية الدينية والتوجيه الديني؟ أن ذلك ليقتضيني أن أرجع بالذاكرة إلى ما قبل اثنين وأربعين عاما، إذ أعود إلى عهد من النشاط دخلت فيه «مدرسة القضاء الشرعي، لا تلقي تلك التجربة، السياسية والعلمية، والاجتماعية، التي أرادتها مدرسة الإصلاح الديني الحديث، من شيعة «محمد عبده» وعلى رأسهم، سعد زغلول باشا، فأرادوا في السياسة تجربة استقلالية مصرية، في معهد لا تمتد إليه يد أجنبية ويتولى أمر نفسه، في استقلال إداري وثقافي، لا صلة له بوزارة المعارف، ومستشارها العتيد إذ ذاك كما أرادوا تجربة علمية تلتقي فيها الثقافتان: القديمة والحديثة، والشرقية والغربية، إلتقاء معتدلا رزينا، لا تجوز فيه واحدة على صاحبتها، ولا تنكر واحدة منهما أختها..
وأرادوا مع ذلك كله تجربة اجتماعية، في الإصلاح بالقدوة والمثل، يشهدهما المجتمع، فيرى مبصر، ويسمع واع.. فعانيت في دار تلك التجربة ما عانيت أعواما.. دارسا ومدرسا، ورئيس تحرير مجلة القضاء الشرعي، أعود بالذاكرة إلى سنة 1342ه- 1923م- حين انطلقت أرقب الحياة الدينية، والتعليم الديني في أوروبا، وأرصد شئونها، لأقيد نتائج مقابلة ذلك كله بما في مصر، متتبعا ذلك، في إيطاليا مقر البابوية، بمعاهدها الدينية وفي المانيا وغيرها، بالجامعات المدنية.
ثم أعود بالذاكرة إلا ما بعد ذلك، إذ أرجع إلى مصر فأشارك في هذه الشئون بها، مشاركة مفكرة منظمة، مشرعة معلمة إلى حوالي سنة 1940م -نحو سنة 1360ه- ثم إلى ما بعد ذلك في تجربة معانية، مراقبة، عنيفة...
أعود بالذاكرة إلى ذلك كله، لأرقب سير التطور في هذه الناحية من صلة الدين بالحياة، وإصلاح الدين، والإصلاح به فأجيب عن أسئلتك، بما يحدث به اتجاه ذلك التطور، ودلالة سيره، على هذه الرسالة الأزهرية وأدائها وعلى غير ذلك من الشئون الدينية الحيوية..
وإذ أعود إلى هذه المذكرات المحفوظة أو المكتوبة؛ أذكر سنة 1355ه- 1936م إذ التقى ثلاثة من جلة الأشياخ، ومنهم رابع وآخر جامعي لتقدير ما كتب من أبحاث، في مسابقة من تلك المسابقات التي أثارها على ماهر، ومن بينها مسابقة عن رسالة الأزهر في القرن العشرين..
اجتمع هؤلاء المجتمعون ليروا كيف يقدرون ما كتب عن هذه الرسالة وبأي ميزان يزنونه..
فانتهى الأمر بعد لأي إلى أن للأزهر رسالات ثلاثاً: رسالة اجتماعية وأخرى دينية وثالثة علمية.. وقبل الانتهاء إلى هذه الرسالات الثلاث كانت الرسالة الاجتماعية من بين هذه الثلاث موضع اعتراضات ومناقشات حادة طويلة من أحد أولئك الذين عهد إليهم الدهر بعد بالإشراف على أدائها..
فقيل: ماذا تكون الرسالة الاجتماعية إلى جانب الدينية؟ وكيف تتغايران؟ وبم تختلفان؟ وهل للأزهر رسالة وراء وجوده الديني الإسلامي؟! وقيل في ذلك شيء كثير، سجل بعضه بحث عن تلك الرسالة الأزهرية لصاحب هذه الكلمات، بيانا لما كان من أمر الأزهر أول إنشائه دعاية لسياسة معينة وعقيدة معينة، فعرف بذلك التوجيه الاجتماعي في نشأته، فكيف به الآن، وقد عمر في قومه أكثر من عمر نوح بخمسين سنة وأكثر..
ثم هذا الأزهر بعد ذلك وغير بيئة دينية قد تهيأ لها من أسباب المناعة والصيانة ما تستطيع به حماية الشخصية المصرية خاصة والشرقية عامة والإسلامية جملة..
وقد كتب حول هذه المعاني وما إليها ما دفعته مطبعة الأزهر نفسه، في ذلك الحين، إلى أيدي القراء وخزائن الكتب تحت عنوان: رسالة الأزهر في القرن العشرين، وفيه أن رسالة الأزهر الاجتماعية إنما هي: حماية الروح القومية لمصر والشرق الإسلامي، جماعة عاقلة، متبصرة متدينة لا تقف عند القشور ولا تعني بالتافه.
وفي سبيل هذه الحماية يحتفظ هو لنفسه بالطابع المصري الإسلامي، ثم الشرقي، النافع، الذي لا يعوق الحياة في تجددها ونشاطها العمل.
مقدرا نواميس الاجتماع، وقوانين الحياة غير واقف في طريق شيء من ذلك، أو معارض إلا على أساس من النظر البعيد، والوزن الدقيق، أذاع الأزهر الحديث هذه الرسالة الاجتماعية على الناس شرقا وغربا.
والأزهريون بالأمس، يعرفون العالم بأنه: العاكف على دينه العارف بحال قومه.. وللأزهر صحافة غنية راتبة، فما الذي كان من بحث تفاصيل هذه الرسالة الاجتماعية؟ وما الذي درس من اتجاه التطور الاجتماعي.
والتجدد الدائم للحياة المصرية، والنشاط العملي لها؟ أما أنا فلا أعرف من ذلك شيئاً، ولعل غيري يهديني إلى شيء من هذا التعرف للواجب الاجتماعي على الأزهر لحياة الأمة التي ساير حياتها ألف عام.
وفي المقالة الثانية التي نشرت في أول مايو 1952 عن «الأزهر في حياة مصر الدينية» ذكر أن الأزهر هو الذي يحمي إحساس مصر، والشرق الإسلامي بذاتهما إحساسا قويا واضحا، وهو الذي يحمي روح مصر والشرق الإسلامي الخاصة، وهو الذي يحمي الذوق المصري الشرقي، الصالح، ويحييه.
وهو الذي يحمي الفضائل العملية المصرية والشرقية، ويغري الناس بها، وهو الذي يحمي العادات المصرية الشرقية الصالحة للبقاء، ويقف بها في وجه العادات الغربية التي لا تلائم البيئة المصرية والشرقية، وهو الذي ينظلأ فيما تقتبسه الحياة من جديد، ويتدخل في هذا الاقتباس، بتعقل ولباقة، ليقاوم الضار منه، على ضوء الهدى الإسلامي، والخبرة الاجتماعية والفهم الجيد لشئون الحياة..
فكل هذا وما إليه هو ما دعته تلك الهيئة الأزهرية رسالة الأزهر الاجتماعية، وبالنظر في هذه الرسالة، وجدناها حينا غير واضحة في أذهان رجال هذه البيئة، وحينا ير معتنى بتعرفها، وفهمها الفهم الصحيح، وآنا قد غلبت البيئة الأزهرية غير شخصيتها ذاتها فاندمجت في التيار الغالب بغربيته..
وطورا يعوز هذه البيئة الاتصال بالحياة، اتصالا قويا فعالا، مؤثرا في سيرها وتوجيهها.
وقد تألفت لجنة بحث المسابقة عن رسالة الأزهر في القرن العشرين، من الشيخ محمد مصطفى المراغي والشيخ مصطفى عبد الرازق والشيخ عبد المجيد سليم، والمرحوم عبد العزيز فهمي، ومعهم كاتب هذه الكلمات، الذي عرض عليهم بعد الحكم في المسابقة، ما كتبه قبلها ولم يدخل التحكيم، وقررت اللجنة أنه الصورة المطلوبة في ذلك، ونشره الأزهر مطبوعاً... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته الخميس 21 يوليو 2016, 5:54 am | |
| وفي الناحية الدينية، من رسالة الأزهر، أقرت اللجنة من هذا المكتوب نواحي ثلاثاً: 1 - بيان التدين الإسلامي المرجو اليوم. 2 - الهيئة الدينية التي تقوم به وتحققه في هذا العصر. 3 - الهدف الذي تعمل لتحقيقه، أو الرسالة الدينية للأزهر.
ومن الحق أن أعتمد على ما أقرته اللجنة من ذلك، فيما أحدث عنه، من أمر الأزهر في حياة مصر الدينية الآن، وأول ذلك أن تعرف الرأي في التدين الإسلامي المرجو اليوم، كما اطمأنت إليه تلك الهيئة الأزهرية، منذ ذلك الزمن غير القريب، فهل ترى، أنه تدين إنساني القلب، نبيل العاطفة، يؤيد التعاون البشري، ولا يعوق الإخاء الإنساني، وأنه ليس العصبية المقيتة، المتعمقة الأفق التي تحتقر الآخرين وتنزلهم من مرتبة الإنسانية، وتنكر صفتهم البشرية، وأنه تدين لا يعرف تلك السلطة الغاشمة التي ترهب العقل الطليق، وتفت في العزم الوثيق، وتفسد الذوق الدقيق.
وتحتكم بجبروت لاهوتي في حياة الدنيا، وتسد الطريق إلى الآخرة، وإنه تدين لا يخلق تلك الطبقة التي تحتكر الدين، وتسد المسالك إلى اللّه ولا يعترف بتلك الطبقة أن خلقتها الظروف، لأنه لا رياسة في الإسلام، وكلهم قريب إلى اللّه سبحانه وتعالى، ومن التدين على هذا الوجه، ترى الهيئة الجليلة أن يشتق الأزهر صنعته الدينية، ومن التدين على هذا الوجه يتبين الأزهر رسالته الدينية، وما أخال مفكرا يشك، في أن هذا التدين هو أولا، أقرب ما يكون من حقيقة الإسلام، وجوهره، ثم هو ثانيا ما تتطلع إليه الروح الصافية، الطامحة المخلصة، البارئة من كل وهم، أو جهل، أو تعصب أو جحود أو حمق يسيء إلى الحياة، وأعود بالذاكرة إلى سنة 1355ه- 1936م، فأرى مؤتمر الأديان العالمي يعقد في 3 يوليو من سنة 1936م نفسها، ويدعى إليه الأزهر، فيبعث إليه حضرة صاحب الفضيلة المرحوم الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر برسالة، في موضوع الزمالة الإنسانية، تنشر بمصر في شهر يوليو من السنة ذاتها.
وترى في هذه الرسالة أنوار من آفاق التدين الإسلامي الوضيء، الذي قرأت آنفا وصفه، فهي تحدثك عن زمالة عالمية يتعاون فيها أصحاب الأديان جميعا، تعاونا حقا جادا على تحقيق أغراض معنوية، وأغراض عملية جليلة مسعدة للإنسانية المعناة بالبغضاء والجهل والبؤس.
فأما الأغراض المعنوية التي تسعى هذه الزمالة الإنسانية لتحقيقها فهي في إجمال إزاحة العلل التي حالت دون تأثير الشعور الديني، في تقريب ما بين الناس..
وأما الأغراض العملية فهي -على الإجمال- جعل التدين أداة فعالة في تهذيب الجماعة وتمكين العوامل المعنوية، التي تشترك فيها الأديان، من التأثير في الحياة الإنسانية الواقعية، وتصيير الفضائل العملية التي تدعو إليها الأديان كلها نظما عملية...
كما أنها تعد الوسائل المختلفة لتحقيق تلك الأغراض النظرية والعملية من الدرس والتوجيه، وإيجاد الهيئات و.. و... مما تجده واضحا في تلك الرسالة التي نشرها الأزهر نفسه، بالعربية والانجليزية في يولية سنة 1936م - والتي نشر في أبريل منها ما كتبه عن رسالة الأزهر.
وفي مقالة أخرى نشرت بعنوان «الأزهر والعمل الديني» ذكر فيها فيما ذكره أن الأزهر هو هذه البيئة الدينية الأولى والكبرى، في مصر والشرق..
هذه البيئة التي لبثت كثيرا، تؤدي في مصر والشرق رسالة دينية، هذه البيئة التي ستظل دهرا طويلا تؤدي في مصر والشرق رسالة دينية وللدين عمله في الحياة، منذ دبت الحياة على ظهر الأرض.. وسيكون للدين أثره على الحياة، حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها.
في هذه البيئة آلاف مؤلفة -كما تعرف- ما بين طلبة دراسين وأساتذة مدرسين، وعلماء منقطعين للبحث، ورجال إدارة في مراكز مختلفة، بالأزهر، وموظفين موكلين بأعمال دينية لمصر كالواعظ ونحوهم...
وكل أولئك أهل للنشاط العملي، والتدبير الديني لحياة مصر، بل هم أحق بالتدبير العامل لحياة مصر، من أهل أية بيئة أخرى؛ علمية أو عملية بها..
وذلك أن ما يقوم به الآخرون، غير الأزهريين إنما يدفعهم إليه شعور الوحدة الاجتماعية، التي تربطهم بقومهم، ويحتاجون في إثارة هذا الشعور بتلك الوحدة، إلى معان بعيدة، لإدراك أنهم بإصلاح حال قومهم إنما يهيئون المجال الحيوي، الذي يجدون فيه فرصة تكميل أنفسهم وترقية وجودهم، والحياة السعيدة الكريمة التي يطمعون فيها، وبدون هذا المجال الحيوي، من المجتمع الصالح الخير، يستحيل على الفرد أن يجد فرصة لكمال نفسه هو، وتحقيق وجوده الصالح السعيد، وحين يتنادى أهل البيئات غير الدينية بهذه المعاني الاجتماعية، ويجهدون في العمل لتقوية الشعور بها، تجد أهل الدين يشعرون بمثل تلك الحقائق شعورا قويا، تمده عقيدة وجدانية، أصيلة بأن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر هو ما به دون غيره، تكون الأمة خير الأمم، وبدونه تكون الأمة ملعونة وهذا هو ما يتعبدون بتلاوته، ويتفقهون بدرسه، ويتواصون باتباعه، والأمر بالمعروف الزام بكل خير، والنهي عن المنكر تجنيب لكل شر، وعمل الفرد فيه يفيد الناس جميعا.
وإهمال الفرد له يضر الناس جميعا ومن هنا تكون تلك الآلاف المؤلفة بالأزهر، إذا سلمت فطرتها، وصحت عقيدتها، مصدر قوة كبرى في الشعور بوحدة الجماعة، ومبعث نشاط عامل للمعروف، مانع من المنكر، يتوارثون ذلك كابرا عن كابر، ويقلد فيهم لاحق سابقا، ويفتدى آخر بأول فهم جميعا يتنفسون في الجو الديني، وهم إما معلمون يقررون هذه الأسس الدينية، أو متعلمون يستمعون لهذا التقرير، أو مديرون قوامون على توجيه هذه البيئة نحو غايتها، والإشراف على خطوات سيرها إلى تلك الغاية..
وقد رد على الأستاذ أمين الخولي وآرائه الأستاذ الكبير الشيخ محمد عرفة عضو جماعة كبار العلماء في سلسلة طويلة من المقالات الممتعة، كما رد عليه الأستاذ الشيخ محمد الشربيني عضو الجماعة ورئيس جبهة علماء الأزهر في مقالة واحدة.
ويقول الأستاذ الجليل الشيخ محمد كامل حسن وكيل كلية اللغة العربية معبراً عن رأيه في رسالة الأزهر: رسالة الأزهر هي رسالة نبي الإسلام وإنما ينجح العلماء في أداء هذه الرسالة بما نجح به نبي الإسلام على عاملين لا ينفك أحدهما عن الآخر عامل البيان وعامل السلطان فقد بدأ الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه الدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يزل يتنقل بالعقول التي خضعت للوثنية، ويذلل لها طريق الهداية إلى المبادىء الإسلامية ويوجهها إلى النظر في الآفاق والاعتبار بالآيات ويتعدها بالأدلة المقنعة في أسلوب الحكيم الماهر حتى استطاع بحكمته السامية وحجته الباهرة أن يقنع الناس بصدق الوحدانية وأن يبين لهم أمر دينهم ودنياهم معا، حتى وضح لهم ما أحل اللّه لهم وما حرم عليهم ودخلوا في دين اللّه أفواجا عن بينة واختيار «لا إِكْراهَ فِي اَلدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ اَلرُّشْدُ مِنَ اَلْغَيِّ».
ومن طريق هذا البيان أصبح الحلال بينا والحرام بينا كما قال عليه الصلاة والسلام ومع ما قام به الرسول من بيان أوضح معالم الحلال والحرام فقد اعترضه في سبيل الدعوة إلى اللّه صناديد قومه الذين أكل الحقد قلوبهم فعز عليهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم برغم ما لمسوه من أنه نبي حقا وأن ما دعا إليه هو الحق وعرفوه كما يعرفون أبناءهم. وقف هؤلاء في سبيل دعوته وحرضوا على قتله وأذوا أصحابه بأنواع الأذى وكادت هذه الفتنة تزلزل أثر الدعوة التي قامت على الحجة والبيان لو لا أن تداركه مولاه بالعناية وأمره بالجهاد وأمده بالعامل الثاني عامل القوة والسلطان فأعطاه السيف لا حبا في إراقة الدماء ولكن ليزيل من طريق الدعوة هذه العقبات وليسعد العالم بالإسلام رغم أنوف هؤلاء المعاندين المعترضين سبيل الدعوة إلى اللّه، فلما وضع السيف في أعناقهم محا اللّه صولة الكفر والكافرين ورسخت دعوته التي قامت على الحجة والبيان بعد أن عززه اللّه بالقوة والسلطان لذلك يقول سيدنا عثمان بن عفان: «إن اللّه ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».
إنه لقول حق وفيه الموقف الفصل ومنه يتبين للمنصفين أن رسالة الإسلام إذا قامت على البيان فإنها لا تكمل ولا تتم إلا بالعامل الثاني عامل السلطان الذي غير معالم ظلم الظالمين وأزال صولة الكافرين والمعاندين ومهد للإسلام والمسلمين نعمة التمام والكمال في قول اللّه عز وجل: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلامَ دِيناً.
فتعالوا أيها السائلون عن رسالة الأزهر، وهل أدى العلماء رسالتهم أو لا؟ تعالوا لنقول لكم كلمة الحق والحق أحق أن يتبع. لقد قام العلماء بواجبهم بالنسبة للعامل الأول عامل البيان وتذكير الناس بمواطن الحلال والحرام ففريق منهم يعلم أبناء المسلمين أحكام دينهم في كلياتهم ومعاهدهم ليتخرجوا للناس دعاة إلى اللّه ينذرون قومهم إذا رجعوا إليهم- وفريق منهم يقوم بالوعظ والإرشاد وإصلاح ذات البين وما شجر بين الناس في البلاد وما زالوا يجاهدون ويتنقلون لهذا في كل وادّ.
وفريق من العلماء يقوم بتعليم العامة في بيوت اللّه تعالى حين يجتمعون للصلاة وإذا كان في كل مسجد عالم يدعو إلى دين اللّه فكثير ما هم.
وإذا أردت أن تعرف صدق القول في ذلك فاسأل أي رجل في عرض الطريق عما يعرف من واجبات دينه فيقول لك مثلا الصلاة الزكاة الحج الصوم صلة الأرحام وكل ما يعز دين اللّه ويسعد الأوطان ثم سله عما حرم اللّه فيقول لك: الربا الزنى الخمر الغيبة والنميمة وكل سعى بالفساد بين الناس وهكذا والعامي الذي يجيبك بهذا لم يولد من بطن أمه عالما بهذه الأحكام ولكنه مدين في علمه بذلك لبيان العلماء الذين هم ورثة الأنبياء.
بعد هذا اعترف للسائل بأن العلماء وإن أدوا رسالتهم بالنسبة لعامل البيان وعليه تقوم نصف الرسالة فإنهم لم يقوموا بتنفيذ ما بينوا للناس من معالم الحلال والحرام، فهم يرون شارب الخمر يشربها ولا يكسرون كأسه ويرون الربا قد فشا التعامل به، ولم يقضوا على آثاره ويرون النساء العاريات متبذلات ولا يتعرضون للقضاء على هذه المظاهر الخلقية بالقوة والسلطان.
ويرون كثيرا من النكرات يقوم بها العام والخاص ولا يستطيعون تغيير هذه المنكرات إلا بقلوبهم وذلك أضعف الإيمان.
أتدري أيها المنصف لماذا؟ لماذا ضعف العلماء عن تغيير هذه المنكرات؟ لأن زمام الأمور لما تولاه في الماضي قوم وهنوا في أمر دينهم استطاع المستعمرون أن يستخدموهم في نزع السلطة الدينية من العلماء ومكنوا لهم حتى شرعوا للناس قوانين وقفت عقبة في سبيل الدعوة إلى اللّه، وحالت دون تغيير ما حرَّم اللّه فالعالم إذا تعرض مثلا لكسر الكأس الذي بيد شارب الخمر أدين في القانون الذي رخص بشرائها وشربها والتجارة فيها وإذا تعرض لبيان قوله تعالى: "وَأَحَلَّ اَللّهُ اَلْبَيْعَ وَحَرَّمَ اَلرِّبا" اعترضه المشروع الذي أحل الربا ورخص للقضاء أن يحكم به.
وإذا نهى العالم عن مظاهر الفتنة التي يتسابق فيها النساء الفاجرات رموه بالرجعية وأنه عدو الحرية وإذا أبان للناس ما كرم اللّه به المرأة من قوامة الرجل عليها والقيام بخدمتها ونفقتها ووضعها دون الحجاب الذي يحفظ لها كرامتها ويديم عليها بهجتها لا يجد في المجتمع من يؤيده ويساعده لأن الناس مغرمون بالتشريعات التي تبيح للمرأة الاختلاط بالرجال ومثل هذه التشريعات تحمل المرأة على أن تترجل وتحمل الرجل على أن يتخنث.
الحق أقول لك أيها السائل: إن في النفس شيئاً كثيراً. ويكفي أن أقول لك: إن الرسالة الأزهرية لا يتم أداؤها إلا إذا تعاون معهم أهل السلطان، وهذا هو المنتظر بعد أن يتم القضاء على الاستعمار وأذنابه. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته الأحد 31 يوليو 2016, 6:20 am | |
| الأزهري وواجبه الديني والروحي ================== يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلا أن يتم ونوره ولو كره الكافرون.
ضلت الإنسانية وذلت البشرية، إن لم تهتد بنور الإسلام المشرق، وترو سحابة المغدق وتستظل بظله الوارف الأمين، وساء مثل الأمم والشعوب إن لم تؤمن بهذه الشريعة الباقية الخالدة، وذلك الكتاب السماوي الحكيم، الذي جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم نورا وهدى للناس وروحا وذكرى للعالم وللمؤمنين.
وشاهت وجوه أولئك الوارثين لمجد الإسلام الخالد وتراثه التليد، إن لم يضربوا أروع المثل في سبيل اللّه ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون كما ضرب أسلافهم الأرواع المشابيب أكرم الأمثال وقاموا بأروع التضحيات والجهاد، لتكون كلمة اللّه هي العليا.
لقد وقعت المعجزة منذ أربعة عشر قرنا: على يدي هادي الإنسانية وناشر السلام وعلم الدنيا والآخرة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وعلى أيدي أصحابه الأبطال الميامين، فعلت كلمة الحق، ونشرت راية الفضيلة، ورفع لواء الحضارة والمدنية والثقافة، وظهرت على دول العالم القديم الأمة الإسلامية المؤمنة، فكان لها الفوز الأكبر، والنصر المؤزر، والكلمة العليا، والشرف العظيم.
فلم لا يقوم الأزهر بمثل تلك المعجزة من جديد؟ فيقودها ثورة صارمة في وجه الباطل، وهداية حكيمة تملأ مشارق الأرض ومغاربها نورا، حتى يطمئن العقل الحائر، ويسعد العالم الشقي، وتنعم الإنسانية المعذبة، وتسود كلمة الحق والخير والفضيلة، وتعود الحياة سيرتها الأولى.
ولم لا يستصغر المشقات في جانب روح الأبد، وراحة الضمير... لا يأس في الدعوة، فإنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون، ولا ونى في الهداية، فإنه لا يبني في ميدان الجهاد إلا من لبس إيمانه بظلم، ولا عمل إلا للّه ورسوله، فإن أجدر عمل بالظفر والسداد ما كانت غايته اللّه ورسوله.
فإما أن يحيى للدعوة مجاهدا لإظهار كلمة اللّه، وإما أن يموت في ميدانها شهيدا.
أين الأزهري الذي يدعو الناس بخلقه وأدبه وطريقته، إلى ما يدعوهم إليه بقوله وبيانه وحجته؟.. وهل تكون العظة ذات أثر إلا إذا صدرت من مؤمن عامل بها، وممن يأمر بالمعروف ولا ينسى نفسه؟ فما أفحم الداعي إلى مكرمة لم يندب نفسه لها وإن كان بليغا منطقيا.
على الأزهري أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، والآية المبصرة...
يأخذ الناس على حسب عقولهم، ويكلمهم بما يؤثر في نفوسهم ويعرض عليه نواحي الجمال في العقيدة الإسلامية، ويبين لهم ما فيها من دعوة إلى الحق والخير والجمال والعدالة، ومن إعزاز للنفس الإنسانية وسمو بها، وتكريم لقدر الإنسان في الحياة، وما فيها من ألوان الإصلاح في السياسة والاجتماع والاقتصاد والعلم والعمران، ومن سماحة في المبادىء وسهولة في التشريع، ويسر في الشعائر، وما فيها من ديمقراطية عالية، وروحية سامية، وإخاء كريم وعدالة ومساواة وإيثار ضربت بها الأمثال بين الناس.
وعليه أن يضرب لهم الأمثال بالأسلاف الأولين، وما كان لهم من المواقف الرائعة، والمشاهد الماجدة، والصفحات الناصعة في كل ميدان... وأن يفصل لهم المدى الذي بلغته الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، وما كان لهما من آثار بعيدة في النهضة الغربية الحديثة.
وأن يعاضد رجال الفكر والثقافة والصحافة، ويتخذهم أصدقاء يساعدونه على أداء رسالته الدينية ونشرها بين الناس، وأن ينشىء الجمعيات الدينية التي تسهم بنشاط في نواحي المجتمع ومرافق الأمة، وعلى الأزهر أن يهضم الثقافة الإسلامية القديمة، ويحيلها غذاء عقليا جديدا بأسلوب يتفق وروح العصر والزمن، إن الأزهر داعية للدين والخير.. فعليه أن ينهض بالعبء ويحمل الرسالة، ويؤدي الأمانة.
وأن يرشد الناس من جديد إلى كل ما في الدين من حق وخير وجمال.
والتصوف والسمو الروحي في الإسلام جدير بتأمله ودراسته وإذاعته بين الناس، ليفهموا رسالة الروحية الحقة، والسلام الأبدي، والطمأنينة النفسية العميقة، التي هي «الطب الروحي» و «العلاج النفسي» الصحيح، الذي سبق بالكشف عنه فلاسفة الإسلام ومتصوفوه منذ أجيال مديدة في تاريخ الحياة.
الأزهري كما ينبغي أن يكون ================ كتب الأستاذ الأكبر المرحوم محمد مصطفى المراغي حول هذا الموضوع يقول: أول ما يجب أن يكون عليه الأزهري: هو المحافظة على الشعائر الإسلامية محافظة تامة بحيث لا يقصر في شيء منها، ولا يمكن غيره من الاحتفاظ عليه بزلة، حتى يكون قدوة بعمله لا بقوله فحسب، والقدوة العملية تترك في النفوس أثرا صالحا، تؤثر فيها ما لا تؤثره الأقوال، والشعائر الدينية في جملتها من أكبر الوسائل لطمأنينة النفس والتحلي بالأخلاق الفاضلة، وهي التي توجد الصلة بين العبد وربه، وتقوي صلات الأفراد، وتحسن حال الجماعات، ويصاحب هذا ملازمة الأخلاق النبوية، والتبصر في هدى القرآن والسنة، ومجاهدة النفس ورياضتها على احتمال الأذى والمكروه في سبيل العمل بالأخلاق الدينية وأداء الشعائر الإسلامية، حتى تصير الفضيلة شعارا وملكة، وحتى تصدر أعمال الخير من غير تعمل وروية.
ومن لوازم الداعي والمرشد أن يكون شجاعا صادقا قوي الإيمان بما يدعو إليه يرى في الإقدام لذة، وحقا للنفس الخيرة يؤديه احتسابا للّه لا على أنه مكلف به، يؤديه للأجر وزيادة الدرجات والمرتبات، ومن حق الداعي أن يكون بصيرا بالوسط الذي يعيش فيه، خبيرا بأحوال النفوس، واسع الحيلة في التنقل من طريق إلى طريق، يقصد إلى الهداية المطلوبة من طريقها النافع. وليس أفعل في النفوس من جلال تسكبه التقوى وملازمة حدود اللّه، ومن جمال يلقيه العلم الناضج على صاحبه، ومن هيبة يوجدها الإعراض عن الدنيا وعدم الحرص عليها، وقد شاهدنا فقراء ليس لهم جاه رسمي، ولا عزة عصبية، يهابهم أصحاب المقامات الرفيعة والأموال المكنوزة، وينكمشون أمام هيبتهم التي بسطتها التقوى وزانهم بها العزيز الحكيم.
والحرص على الدنيا يفسد على العالم لذة العلم، ويفسد عليه الغاية التي يطلبها، وهي الهداية، والناس لا شك زاهدون في العلماء إذا رأوهم مقبلين عليها معرضين عن الآخرة.
فلتكن الدنيا مطلوبة بالقدر الذي تستحقه، وفي الدرجة التالية لدراسة العلم وتحصيله واللذة به نفسه، وباعتباره وسيلة من وسائل الآخرة، وطريقا لرضي اللّه ورسوله.
ولقد كانت للأزهريين تقاليد متوارثة محمودة، وهي عطف الكبير على الصغير، وتوقير الصغير للكبير، واحترام الأسلاف، والصبر على الدرس والتحصيل، وتفهم المسائل بعللها وأسبابها وما يتفرع عنها ويتولد منها، لا يبالون في سبيل ذلك بالوقت والجهد ويرونه أكبر لذة للنفس وأكبر متاع للعقل، ويرونه واسطة المجد وطريق الشرف والكرامة، وكان طالب العلم إذا لم يفهم كتابا أعاده، وإذا لم يفهم مسألة فتش عمّن يفهمها منه، وكانت اجتماعاتهم لا تخلو من المذاكرة في مسألة من مسائل العلم، وقد رأينا منهم من كان أهلا للتدريس وللتقدم للامتحان وكان يحجم لأنه يريد الاستزادة وتكميل النفس، فالعلم نفسه تفوق لذته لذة الحصول على الدرجة، والدخول في مضمار الحياة. كانوا يجيدون تحضير الدروس قبل إلقائها على التلاميذ بقدر ما يسمح به الجهد.
وكان الطلبة يجيدون تحضير الدروس وفهمها قبل تلقيها عن الشيوخ بل كان نوابغ الطلبة لا يذهبون إلى تلقي الدروس إلا لحل مشكلة عرضت لهم.
أو انتظار لتحقيق مسألة من مسائلها.. كانوا يفعلون هذا مع الطمأنينة واللذة وسعة الصدر، لا للنجاح في الامتحان، ولا لطلب الرزق.
وكانت القناعة تجمل فقرهم وتزين علمهم، لا يمكن أن يمر في خاطر أحدهم أن الفقر نقيصة، وأن الإسراف في البحث مضيعة للوقت.
ولا ننكر مع هذا أن ملازمة بعض المؤلفات المختصرة، وترك المناهل العذبة من كتب الأسلاف، وعدم التوسع في الاطلاع على تراث الأقدمين، ضيق دائرة التفكير، وأوجد إسرافا في تحليل الألفاظ وإبداء ما تحتمله من الوجوه، وأوجد انحرافا عن الجادة القويمة في طلب العلم وبحث مسائله وتحقيقها، وبعدا عن أساليب اللغة العربية الصحية، وإعراضا عن مسايرة الناس في الحياة وإدراك ما تتطلبه الحياة بل وشغلهم عن القرآن والسنة من ناحية الهداية التي جاء لها القرآن، إلى نواح أخرى متكلفة. وتلك هي الأدواء التي ألم منها الناس وسعوا لإزالتها.
لكن في الوقت الذي نريد فيه إزالة هذه الأدواء، لا يصح أن ينسى الأزهري جوهر تقاليده، بل يجب عليه أن يحافظ عليها، وأن يصرفها إلى وجوه الخير، وما يعود على دينه وأمته وملته بالصلاح والفلاح. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته الأحد 31 يوليو 2016, 6:29 am | |
| حول رسالة الأزهر ========== في مساء الاثنين 5 من جمادى الأولى سنة 1375هـ (19 من ديسمبر 1955م) عقد في دار المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين مؤتمر إسلامي كبير ليبحث فيه «رسالة الأزهر الشريف اليوم».
افتتح المؤتمر فضيلة الأستاذ أحمد الشرباصي الرائد الديني لجمعيات الشبان المسلمين فقال: الأزهر اليوم في محنة، وما أكثر المحن التي مرت عليه، ولكن محنة اليوم كبطون الليالي المثقلات بالعجائب، وذكر أن مهاجمة الناس للأزهريين لم يقصد بها ذلك، وإنما قصد بها محاربة رسالتهم، وقال: والناس في شأن الأزهر ثلاثة أصناف: صديق محب، وناقد منصف، وعدو حقود.
فالصديق المحب يفضل مقام المؤيد على مقام المحاسب المؤاخذ، والناقد المنصف يروم الكمال ويبغي الرفعة، وأما العدو الحقود فهو الداء الذي يستعصي على الدواء.
ثم قال: وكبر مقتا عند اللّه أن ننكر ما بالأزهر من حاجة ملحة إلى الإصلاح، ولكنه جامعة كبرى يعروها ما يعرو كل كريم من تقلبات الزمن، وقد يكون لبعض المنتسبين إليه ذنوب تحتاج إلى التهذيب.
ثم ذكر فضيلته: الفرق بين كلمتي «الأزهر» و «الأزهريين» وقال: إن الأزهريين طائفة يجوز عليهم الخطأ والزلل، ولكن خطأ الأزهري يكون أوضح مما سواه لأنه مطالب بأن ينفي غاية جهده مواطن الشر من نفسه، لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ولقد يغدو الأزهري أو يروح على كلمة ثناء أو تقدير، ولكنه يغدو على سهام التجريح من مواطنيه.
وذكر فضيلته: أن الأزهر في غير وطنه حصن الإسلام الحصين، وأبناء الإسلام في جميع البلاد يتطلعون إليه كما يتطلعون إلى المساجد الثلاثة، وإذا كانت الرحال تشد إلى هذه المساجد تعبدا فإنها تشد إلى الأزهر تفقهاً وتدبراً، لينذر أصحابها أقوامهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، والتعبد لا يكون صحيحا إلا إذا قام على التفقه في الدين.
ثم قال: لعل الذين أنشأوا الأزهر أرادوا أن يكون مظهرا من مظاهر الطائفية في الملة، ولكن اللّه لم يرد للأزهر إلا أن يكون للإسلام والمسلمين، ولقد زال دعاة الطائفية المذهبية، وبقيت للأزهر عربيته وإسلاميته.
ثم ذكر فضيلته: أن الناس يرون في الأزهري أنه رجل الدين، وأن واجبه أن يقول للمخطىء: أخطأت، مهما كان شأن هذا المخطىء، وأن يغار على حرمات اللّه، ولكن الواجب على المجتمع أن يمكنه من ذلك.
وذكر: أن البرلمانات في الدول الحديثة تعطي حصانة للنائب تمنع عنه الأذى، فإذا أريد لرجل الدين ذلك كان من واجب المجتمع أن يضمن له حصانة حتى يأمن على نفسه وأهله وكرامته.
وإذا كنا نغار على الأزهر أشد الغيرة، ونذود عنه سهام الكائدين له فإننا في الوقت نفسه نذكر ما على أبنائه من واجبات ضخام ومسئوليات جسام، فما كان لهم أن يرضوا بموروث الذكر الحكيم ولا يمنوا أنفسهم بمقام كريم ما لم يؤدوا لذلك حقه، فعليهم أن يحسنوا القوامة، وأن يبرهنوا قولا وعملا على أنهم أهل لذلك، وإلا مكنوا غيرهم من مهاجمتهم، وأن يتقولوا عليهم بالحق والباطل.
واختتم فضيلته حديثه بقوله: فليحذر الأزهريون زائد الثناء، وليتذكروا دائما أن بقاءهم في الحياة لا يكون إلا بأداء الواجب، وليحذر أعداء الأزهر لعنة التاريخ ونقمة الجبار، واللّه يقول الحق وهو يهدي السبيل.
ثم تحدث فضيلة الأستاذ الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد عميد كلية اللغة العربية عن «الأزهر والعالم الإسلامي» فقال: إن صلة الأزهر بالعالم الإسلامي بدأت منذ بدأ الأزهر، واستمرت في كل طور من أطوار تاريخه.
الأزهر ذلك المعهد العتيد دارت الأزمان المتطاولة وعلوم الأمم المختلفة ما هو في أقصى الشرق وما هو في أقصى الغرب. الأزهر هو ذلك المعهد الخالد الباقي وإن رغمت أنوف وعفرت جباه.
ثم ذكر فضيلته أن المسلمين كانوا يعيشون بجوار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتعلمون، ويتهذبون حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى، ثم تفرقوا في البلاد غازين فاتحين معلمين للناس ما تعلموه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكيف أن هذه البلاد استفادت منهم وتخرج عليهم علماء كثيرون في مشارق الأرض ومغاربها، وأن الأزهر جمع علم هؤلاء جميعا وعلم مدارسهم كلها من مكة والشام والمغرب وغيرها من البلاد.
وقال بعد ذلك: إن الأزهر منذ بدأ وله علاقته بالعالم الإسلامي لا في الثقافات والمؤلفات فقط ولكن في عالم الأشخاص، وإلا فما هذه الأروقة الكثيرة من أروقة اليمن، والأتراك، والجاويين، والهنود، إلى غير ذلك.
إن الأزهر يبدو -كما يقولون- منطويا على نفسه، ولعمري إن هذه فرية، متى كان الأزهر منطويا على نفسه؟ الآن..؟ أم في أعماق التاريخ؟ لا أريد أن أقول: إن محمدا عبده قد ذهب إلى بيروت وأوروبا وغيرهما..
ولكني أريد ضرب مثل برجلين من رجال الأزهر القديم هما الشيخان حسن العطار، والدرديري، وذكر ما كان لهما من أثر جليل في محاربة الفرنسيين، وقيادة الشعب وتأليبه على الغاصب.
أما رجال الأزهر حديثاً فهم أكثر من أن يحصوا، فعلماؤنا اليوم في كل صوب وبلد، -ثم أشار إلى فضيلة الأستاذ عبد المنعم النمر- وقال: وهذا مثل قريب منا فضيلة الأستاذ النمر سيذهب إلى الهند في الأيام القليلة المقبلة مبعوثاً من الأزهر إليها.
ثم تحدث فضيلة الأستاذ الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي مدير التفتيش بالأزهر الشريف فقال: أستطيع أن أحصر كلمتي في سؤالين ثم أجيب عنهما أولا: لم كان الأزهر؟.. ثانيا: ولم كان في مصر وعاش بمصر؟.
ثم ذكر أن الدعوة الإسلامية كانت تمتد في أعماق البلاد على ألسنة من يرتحلون من قطر إلى قطر -وأن هذا ليس بكاف للتعليم- ظلت كذلك مرحلة من الزمن حتى جاء الفاطميون، وأقاموا الأزهر.
ويقول المؤرخون: إن الأزهر ولد لحاجة سياسية وهي الطائفية، وأعتقد غير هذا، وهبوا أنهم كذلك! فهل قصدوا من إيجاده أن يستأثروا به دون غيرهم، وأن يستخدموه للقضاء على المذاهب الأخرى؟ هم شيعة ولا شك أنهم مسلمون على أية حال لاشتراكهم معنا في الإيمان باللّه ربا وبالإسلام دينا - وإن الختلف مذهبهم الفقهي عنا أقول: إن مصر دخلها الإسلام سنة 20 هجرية، وقبل دخوله كانت مسيحية، وقبلها كانت يهودية أفلا يجوز في نظر العقل أن يكون قصدهم اكتساح اليهودية والنصرانية بإقامة الأزهر؟.
تأكدوا أن الأزهر لو كان موجودا لفكرة خبيثة لفني بفنائهم.. ولكنه بقي وبقي وسيظل بإذن اللّه باقيا.. ثم بين فضيلته أن الأزهر بقي على رسالته العلمية مع تطوره بتطور الزمن وأنه لم تبعث نهضة وطنية إلا والأزهر باعثها ومتعهدها.
وان الأزهر له مكانته العلمية في جميع البلاد، وما زالت الفتوى ترد إليه من جميع الأقطار لأنه قبلتهم الثانية وأن الأزهر يرسل علماءه إلى البلاد حسب إمكاناته.
ثم قال: هم يظلمون الأزهر بقولهم إنه جامد لا يجدد.
وقال فضيلته: إنه لابد وأن يكون للأزهر أعداء وخصوم لأن هذا شأن كل عظيم ثم اختتم كلمته بقوله: أعلن أن الأزهر كما أنه في ماضيه وأمام العقبات الوكداء لم يتخلف ولم يغلق أبوابه، ولم يسرح علماءه هو في حاضره كذلك، وسيظل فاتحا بابه ناشرا كتابه معلما أبناءه.
ثم تحدث فضيلة الأستاذ الشيخ كامل محمد حسن وكيل كلية اللغة العربية فبيَّن أن رسالة الأزهر هي رسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وأن علماء الأزهر لا ينجحون في دعوتهم إلا إذا سلكوا مسلك صاحب الدعوة، وبين أن هذا المسلك ينحصر في شيئين: الأول: البيان للناس وتعليمهم أمور الدين. والثاني: القوة.
وبيَّن فضيلته: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بدأ بالعامل الأول فكشف الحجب، وطهر العقيدة حتى آمن الناس عن رغبة، ولما تخلف عن ذلك قوم حقداً لا عن جهل، وحسداً لا عن عقيدة؛ أعطاه اللّه العامل الثاني ليسعد الناس بالإسلام رغم أنوفهم (والمرء يثاب رغم أنفه).
ثم قال: لقد علق أحد الغيورين على ذلك بقوله: إذا كانت للعلماء قوة التأثير فهم ليسوا بحاجة إلى القوة.
وجوابي أن ذلك ممكن لقوم يريدون معرفة الحق، ولكن قوما عاندوا لا بد لهم من القوة فقد عميت بصائرهم.
وليس العلماء مهما بلغوا من قوة التأثير بمثل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومع ذلك احتاج الرسول إلى الجهاد ليخرج به المعاندين إلى حكم الإسلام.
وقال فضيلته: وأخيراً أعود فأقول: هل أدى الأزهر رسالته؟ الحق أن الأزهريين أدوا نصف رسالتهم التي تتعلق بالبيان، وعجزوا عن النصف الآخر، وهو العمل.
ثم ذكر أن المسئول عن ذلك هو الاستعمار فإنه وضع العقبات في طريق الأزهر، وأيضا القوانين التي تحمي الخارجين على الدين.
واختتم فضيلته كلمته بقوله: لابد من العلاج لنؤدي النصف الآخر، وإن من حق الأزهر أن يتطلع إلى رجال الثورة في مد يد المساعدة على ذلك، ويوم أن يتم يكون العلماء كالماء يساق إلى الأرض الجرز فينبتها ويخرج ثمراتها يانعة، واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ثم تكلم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي فشرح كلمتي «المجتمع» و «الأزهر» فذكر أن المجتمع يطلق على الأسرة والقبيلة والشعب والأمة والعالم، وأن كلمة «الأزهر» كانت تطلق على الجامع ثم أطلقت على المعهد ثم على الجامعة العلمية ثم على الجامعة العلمية الإسلامية.
وقال فضيلته: فهل هذا التطور في كلمتي الأزهر والمجتمع له تطور في التلازم بينهما؟ أرى أن كلمة الأزهر تعني كلمة الإسلام، فالصلة بين الأزهر والمجتمع هي الصلة بينهما -الإسلام والمجتمع-.
ثم تساءل: هل يؤخذ على الأزهر ما يقع في المجتمع من الرقص التوقيعي والأغاني الخسيسة التي تغزو قلوب الشبان والشابات؟ هل يؤخذ عليه الحملات التي توجد في الصحف من صور عارية وقصص مثيرة؟ ليس الأزهر من القوة بحيث يطور هذا المجتمع أو يخلع عليه تلك القوة إلا إذا كان هناك تجاوب بينه وبين المسلمين.
ثم ذكر فضيلته: أن الأزهر في العرف التاريخي هو كالمسجد الذي ينشأ قبل المدينة ثم تبنى المدينة بعده، وضرب أمثلة لذلك بمسجد عمرو بن العاص ومدينة الفسطاط، وجامع طولون ومدينة القطائع، والمسجد الأموي ومدينة دمشق... الخ.
ثم حيَّ فضيلته كثيراً من رجال الأزهر أمثال عز الدين قائد الجيوش ضد التتار، والشيخ الدرديري وعمر مكرم الذي وقف أمام نابليون 37 يوماً، والشيخ عليش وغيرهم وغيرهم وغيرهم وحيَّ كذلك منبر الأزهر الحر الذي عامت جثث الضحايا حوله في بحر من الدماء.
ثم تساءل مرة أخرى: مَنْ الذين يباعدون بين الأزهر والمجتمع؟ أهؤلاء الذين لا يعرفون في هذه الأمة إلا التضليل، والحديث عن الوجودية؟ أم هؤلاء الذين يلبسون لكل عهد حلة ليأكلوا على كل مائدة؟ أهؤلاء هم الذين يرددون أن الأزهر بعيد عن المجتمع؟.
واختتم فضيلته حديثه بقوله: أرجو اللّه أن يكون الأزهر في هذا الجور الحر ونحن في وقت تتكتل فيه الجهود لمحاربة الاستعمار أن يدفع بالأزهر إلى الرعيل الأول ليدافع عن كل نافع، وأن تتجه أمم العرب والمسلمين جميعا إلى الإسلام.
ثم تحدث فضيلة الأستاذ عبد المنعم النمر مبعوث الأزهر إلى الهند قائلاً: إن الحديث عن الأزهر في الماضي، وعن تاريخه وجهاده في العلم والدين والاجتماع، شيء جميل نحب أن نكرره لنعرف الماضي فنصله بالمستقبل.
وإننا إذا دافعنا عن الأزهر فلأنه فكرة، وتاريخ مجيد، ولأنه دفاع عن الإسلام وكيانه، وليس معنى هذا أن الأزهر قد بلغ غايته من النضج.
ثم ذكر أن الأزهر له روحيته وشخصيته الموجهة، وله كذلك تربويته وعلمه، أما روحيته ومركزه في العالم الإسلامي فهو أقل مما يجب أن يكون، فنحن نريد أن يكون موجها حاكما بروحيته ونفوذه.
ثم قام الشاعر محمد بدر الدين فألقى قصيدة حرة جريئة بعنوان «الأزهر» مطلعها: ركع الزمان ببابك استرضاء وسعى إليك ليقبس الأضــــواء والشمس تطوي ليلها في لهفة لتطوف حولك في النهار ولاء
ثم أجاب بعد ذلك فضيلة الأستاذ أحمد الشرباصي عن أسئلة السامعين.
وتلا بعدها قرارات المؤتمر وهي: أولاً: إن السهام التي توجه إلى الأزهر محاولة النيل منه أو الغض من شأنه ليست موجهة إلى أبناء الأزهر بقدر ما هي موجهة إلى رسالة الأزهر الكبرى التي تدور حول الإسلام ولغة القرآن.
ثانياً: الأزهر الشريف هو المفخرة الكبرى لمصر العربية الإسلامية، وكل تعويق للأزهر عن السير في طريقه يعد تعويقا لمصر وإساءة لسمعتها الكريمة بين أبناء البلاد العربية والإسلامية.
ثالثاً: من واجب الدولة أن تبسط للأزهر ورجاله الأسباب الموصلة لتحقيق رسالته وليتم التعاون بين ولاة الأمر في الدولة وفي الأزهر، لبناء الوطن المؤمن السليم في عقائده وأخلاقه وتفكيره.
رابعاً: قد يكون من وسائل التمكين للعماء في أداء رسالتهم أن تصدر الدولة تشريعا يقضي بتجنيد بعض الأزهريين المختارين من معسكرات الأزهر التدريبية لتكون مهمتهم أن يقاوموا المنكرات الشائعة في المجتمع بصورة عملية، ويكون لهم الامتيازات المكفولة لبوليس الآداب ويسمون «الحرس الخلقي الاجتماعي» كما يكون لهم شعار خاص يعرفون به بين الجمهور.
خامساً: من واجب الأزهر أن يسارع إلى الأخذ بأسباب الإصلاح الجدي الصحيح حتى يستقيم الركب الأزهري على الطريق الموصل إلى تحقيق رسالته الإسلامية والعربية والقومية.
سادساً: يأمل الأزهر من الدولة أن تفسح أمام الأزهريين مجال العمل في المدارس وفي القضاء وفي الإذاعة وفي كل مجتمع يحتاج إلى دعاة ومرشدين. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته الأحد 31 يوليو 2016, 7:10 am | |
| رسالة الأزهر في النصف الثاني من القرن العشرين ============================= - 1 - هذا المعهد العريق، والبيت العتيق، والمنارة الشماء، لم يعد لمصر وحدها، ولا للعرب فحسب، وإنما صار مجدا للعالم الإسلامي كافة، وأصبح بعد ذلك كله خير مظهر للإسلام، شريعة اللّه المنزلة على رسوله محمد بن عبد الله صلوات اللّه وسلامه عليه، والتي كان كتابها المطهر هو القرآن الكريم..
ومصر في انتفاضتها الحاضرة، ووثبتها الراهنة، ونهضتها الباهرة، وفي زعامتها العالم العربي، وفي قيادتها الروحية للعالم الإسلامي وفي حملها لواء القومية العربية المجيدة، مصر هذه مدينة للأزهر بديون كثيرة في ماضيها وحاضرها، وهي مع ذلك كله -في ظلال ثورتها الكبرى- محتاجة إليه أشد الاحتياج، لتوطيد منزلتها في العالمين العربي والإسلامي، وليسهم معها في نشر الثقافة ورسالة الإسلام في ربوع أفريقيا وآسيا، وليكون الدعامة الأولى للقومية العربية، ولقيادة مصر الثقافية والروحية لشعوب العروبة والإسلام.
وعند ما نفكر في رسالة الأزهر في النصف الثاني من القرن العشرين، لابد أن نفكر أولا في طلاب الأزهر وخريجيه ومدرسيه، لابد أن نكفل لهم الطمأنينة والاستقرار في حياتهم، وأن نفتح أمامهم الأبواب للمستقبل، وأن نستعين بهم في كل الميادين الثقافية والروحية والإدارية، حتى يستطيعوا في ظل هذه الرعاية أن ينصرفوا بكل جهودهم إلى أداء رسالة الأزهر العلمية والروحية في كل مكان ولا بد مع ذلك كله أن نفكر في احتياجات الأزهر المالية، التي تعينه على أداء مهمته على الوجه الأكمل، والتي تساعد على رفع المستوى العلمي في معاهده وكلياته، وتعين على خلق نهضة فكرية وروحية في أروقته التي عاشت على مرور الأجيال تكافح في سبيل نشر ثقافة الإسلام وعلومه وآدابه وحضارته في كل مكان.
- 2 - وعند ما نتحدث عن رسالة الأزهر لا نستطيع أن نقول إنها يجب أن تتجه إلى العناية بالدراسات الإسلامية فحسب، ولا إلى الدعوة إلى الإسلام فحسب، ولكن يجب أن تبنى هذه الرسالة على أصول هاتين الغايتين الكبيرتين معا. على أن نلاحظ هذه الحقائق التي قام عليها الأزهر طول عصور التاريخ التي شاهدها: 1 - الأزهر رمز للفكر الإسلامي، لأنه أقدم الجامعات الإسلامية في بلاد المسلمين، ولأن ماضيه أهله لحمل رسالة الفكر الإسلامي..
2 - الأزهر جامعة أمم عربية وإسلامية، ففيه يجلس الطلاب من كل بلاد المسلمين بل من كل شعوب العالم تقريبا، جنبا إلى جنب، يتعلمون العلوم الإسلامية والعربية والفلسفية.
3 - الأزهر ليس ملكا لمصر وحدها، وإنما هو ملك العالم الإسلامي عامة، ومن ثم يجب أن تسهم الدول الإسلامية في نفقاته ليقوم الأزهر بنشر رسالة الإسلام في كل جهة.
4 - الأزهر ليس في عزلة ثقافية أو فكرية عن المجتمع في مصر ولا في البلاد العربية، إنه قطعة حية من صميم المجتمع الإسلامي، وهو مركز ثقافي ضخم، يسهم في النهوض بالثقافة في مصر خاصة وفي العالم الإسلامي عامة عن طريق بعثاته العلمية التي يوفدها الأزهر إلى الأمم العربية والإسلامية في أفريقيا وآسيا وغيرهما ولا يمكن أن يكون في عزلة وأبناؤه من طلاب وأساتذة هم من مختلف طبقات الوطن على أن التاريخ قد وعى اشتراك الأزهر في كل الثورات القومية والوطنية في مصر خلال تاريخها الطويل، وعلى أن ثورات التحرر في العالمين العربي والإسلامي إنما كان قادتها -في أغلب الأحيان- من أبناء الأزهر وخريجيه.
5 - تاريخ الأزهر مرتبط بتاريخ الإسلام، فلا يمكن أن يقول قائل: إن الأزهر لم تعد له ضرورة: فما دام دين اللّه باقيا على الأرض، فإن الأزهر باق بإذن اللّه لدراسة علوم الإسلام ولنشر هدايته في الأرض جميعا.
ورسالة الأزهر لابد أن تقوم أولا على خلق وعي فكري إسلامي داخل بيئة الأزهر العلمية، وهذا الوعي جدير بتكوين شخصية فكرية مستقلة للأزهر أولا ولكل من يتخرج منه ثانيا.
ولكي نعاون على خلق هذا الوعي يجب أن نفكر أولاً: في مناهج الأزهر التي يسير عليها، ففي رأيي أنها لم تعد صالحة كل الصلاحية للسير بالثقافة الإسلامية فيه إلى ما يتمناه لها وله المخلصون.
ثانياً: في الدراسات العليا في الأزهر الجامعي: هذه الدراسات التي لم يعد لها وجود في الأزهر، والتي ترجع بالأزهر من صبغته الجامعية الواسعة النطاق إلى صبغة مدرسية محدودة.
ثالثاً: في قوانين الأزهر كلها، المنظمة له، والموجهة للثقافة فيه ولا بد من الاستعانة في هذه السبيل بنظم الجامعات ولوائحها في مصر وفي كل مكان، على ألا يفقد ذلك الأزهر طابعه الإسلامي، وشخصيته التي عرف بها منذ أجيال بعيدة.
-3 - ورسالة الأزهر يجب أن تتناول كل شيء يتصل بفهم الإسلام ونشر هدايته في الآفاق.
ومن ثم يجب أن يكون من أهم ما تتناوله: 1 - خلق جيل جديد متثقف ثقافة واسعة من أبناء الأزهر، ليستطيع حمل رسالته إلى كل مكان.
2 - عرض الثقافة الإسلامية القديمة في أسلوب جديد، يلائم أسلوب العصر في الفهم والبحث والدراسة، وكتابة ونشر بحوث جديدة عميقة عن الإسلام وعلومه وثقافاته.
3 - فتح مراكز ثقافية إسلامية في كل عاصمة من عواصم العالم في الشرق والغرب، تكون مراكز الدعاية للإسلام عن طريق المحاضرة وعن طريق معاونة المشرقين للمترددين عليها من أبناء الإسلام وغيرهم في البحث والدراسة وعن طريق طبع رسائل للتعريف بالإسلام تقوم هذه المراكز بتوزيعها على الجامعات وعلى المفكرين والعلماء والمهتمين بالبحوث الإسلامية، وسوى ذلك من الطرق. . وتكون هذه المراكز بمثابة مأوى للمبعوثين من الأزهر إلى مختلف هذه الجهات، على أن تزود بجميع المصادر والكتب الإسلامية، وبشتى الأجهزة اللازمة لها...
4 - العمل بكل وسيلة على وحدة المسلمين الفكرية والروحية والدينية ليكون ذلك معينا على إمكان قيام وحدة سياسية بينهم في المستقبل.
5 - الاتصال بشتى المفكرين في مصر والعالم ليكونوا بمثابة أصدقاء وأنصار للأزهر ولرسالته، بشتى طرق هذا الاتصال.
6 - الإشراف على التعليم الديني وعلى الهيئات الدينية جميعها في مصر، والعمل على توجيه الجماعات الإسلامية في مصر وفي كل مكان توجيهاً صالحاً.
7 - إرسال بعثات أزهرية إلى كل مكان في العالم بقصد دراسة أحوال المسلمين وتفهم كل ما يحيط بهم من مشكلات، للعمل على معاونتهم في حلها، وخاصة في الجانب الروحي.
8 - الإشراف على ترجمة القرآن الكريم إلى الانجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، وعلى ترجمة طائفة مختارة من الحديث النبوي كذلك إلى هذه اللغات.
9 - إقامة مواسم ثقافية على نمط عال في «قاعة محاضرات الأزهر» يتحدث فيها كبار علماء الأزهر وكبار المهتمين بالدراسات الإسلامية من غير الأزهريين.
10 - التفكير حالياً في الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر 1، ليمكن عن هذا السبيل ربط الأزهر من جديد بشتى جامعات العالم، على أن يمهد لذلك بطبع مائة مؤلف من خير ما ألف الأزهريون في القديم والحديث لتوزيعها على الجامعات المختلفة وممثليها، وبطبع رسالة عن تاريخ الأزهر تترجم إلى شتى اللغات. __________ 1) احتفل فعلاً بهذا العيد بعد كتابة المؤلف لهذا الكتاب القيم. |
|
| |
| الباب السـابع: حول الأزهر ورسالته | |
|