الأزهر في ألف عام
تأليف الدكتور: محمَّد عبد المنعم خفاجي
(المتوفى: 1427هـ)
عدد الأجزاء: 3
الناشر: عالم الكتب - بيروت
مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة
الطبعة: الثانية، 1407هـ - 1987م
أعده للشاملة: //محمود الجيزي - عفا الله عنَّا وعنه//
--------------------------------------------------
[الجزء الأول]
آراء المفكرين في الأزهر
-----------------------
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
كتب عباس محمود العقاد عن الأزهر:
«يكفي تاريخ كل فترة من حياة هذا المعهد الخالد للتعريف بوظيفته التي استقر عليها، وبيان مكانته التي تبوأها من الأمة في أيام خضوعها لسلطان الدخلاء الواغلين عليها، فقد تقرر بحكم العرف والتقليد وحكم العقيدة والسمعة أنه صوت الأمة الذي يسمعه الحاكم الدخيل من المحكومين. وأنه ملاذ القوة الروحية في نفوس أبناء الأمة وفي نفوس الحاكمين الذين يدينون بعقيدتها..».
وكتب دائرة معارف كوليرز « Colliers »:
... ويفد إلى الأزهر الألوف من دول العالم الإسلامي ويعتبر أقدم جامعة في العالم تدرس علوم القرآن والشريعة مع العلوم التطبيقية والأكاديمية.
وقال د. ثروت عكاشة وزير الثقافة في مصر في الندوة الدولية للعيد الألفي للقاهرة المنعقدة في مارس 1969.
ولقد هيىء لهذه المدينة منذ إنشائها أن تقوم فيها أقدم جامعة في العالم وهي جامعة الأزهر التي كانت منذ إنشائها منهلاً للثقافة الدينية، مكنت القاهرة بذلك أن تحمي لواء الثقافة الدينية بين شعوب العالم الإسلامي. كما كانت تلك الجامعة الأزهرية مشعلاً للفكر.
فأيقظت الرأي وأنارت الطريق أمام المفكرين، وكذلك كانت المنبعث للنهضة العربية في القرن الماضي، وأصبحت كعبة للقاصدين في الشرق والغرب.
ثم قال:
إن مما زاد من شأنها وقوعها في منطقة بين بحرين وبين قارتين ولقد مكن لها هذا الموقع أن تصبح حاضرة من حواضر العالم منذ زمن قديم وأن تتجمع فيها ثقافات فرعونية وأغريقية ولاتينية وبيزنطية وإسلامية ومسيحية، فاكتسبت بهذا مكانة ومنزلة على مر السنين.
يقول الدكتور بيير دودج P. Dodge في كتابه عن «الأزهر»:
«إن الأزهر ظاهرة ظهرت مع الزمن شيئاً فشيئاً، عشرة قرون قام فيها حارساً أميناً على الدين الاسلامي وعلى اللغة العربية»:
وكتب الشيخ علي الطنطاوي من علماء سوريا:
«أولئكم علماء الأزهر، وهل في الدنيا معهد علم له قدم الأزهر، وعظمة الأزهر، وأثر الأزهر في الفكر البشري وفي الحضارة الإنسانية؟ أي معهد يجر وراءه أمجاد الف سنة؟ فالأزهر درة الدهر تكسرت على جدرانه أمواج القرون وهو قائم..».
وكتب الدكتور أحمد زكي:
«إني أدعو كل مفكر أن يفكر في الأزهر، وكل كاتب أن يكتب في الأزهر مدرسة الإسلام الكبرى، ليتحقق للأزهر ما يبتغيه وما ينبغي له على ضوء من الفكر هاد إن شاء اللّه».
وكتبت دائرة معارف القرن العشرين:
إن الجامع الأزهر هو أقدم جامعة علمية في العالم، ويعتبر مركزاً لنشر علوم القرآن عبر التاريخ.
تصدير
-------
الأزهر هو النشيد الإسلامي الخالد، الذي تردده الأجيال، وتتناقله الألسن من جيل إلى جيل، على مر العصور..
والجامع الأزهر هو الدعامة الأولى التي استطاع الفاطميون من ألف سنة أن يحققوا بها أهدافهم الدينية والسياسية، وأن يهيمنوا بها على الشعوب الاسلامية؛ ولا يزال المحراب الرابع الذي يقدسه ويجله المسلمون كافة، في مشارق الأرض ومغاربها.
والجامعة الأزهرية هي أقدم وأعرق الجامعات العلمية في العالم كله حتى اليوم.
وإن هذا التاريخ الخالد، والتراث العظيم، والمشاركة الجبارة، للأزهر الشريف، في الحياة المصرية والإسلامية عامة.. لهي الدافع الأكبر لنا على إخراج هذا التاريخ الحافل للأزهر، في ذكرى بنائه الألفية.
وإنه لمن دواعي الفخر للأزهر الشريف أن ينظر إليه المسلمون كافة خلال العشرة القرون الماضية، نظرة مملوءة بالإكبار والإجلال، وأن يعتبروه كعبتهم الثانية التي استبدت بشرف المحافظة على التراث الإسلامي المجيد.
وفي هذه الدراسة تأريخ لحياة هذه الجامعة العريقة، من شتى جوانبها الروحية والعقلية والعلمية والتاريخية.. واللّه ولي التوفيق، وواهب السداد، وما توفيقي إلا باللّه.
المؤلف.
----------
المقدّمة
الأزهر في مقدمة الجامعات العلمية التي سارت مع التاريخ أجيالا طوالا، فهو أطولها عمرا، وأجلها أثرا في تاريخ الفكر العربي والإسلامي؛ وإن ألف سنة أو تزيد، قضاها الأزهر الجامعي، وشاهد أحداثها الضخمة، واشترك فيها في هذه الأحداث مؤثرا وموجها وبانيا؛ لتاريخ ممعن في الطول، لا يمكن استيعاب حياة جامعة علمية لم تدون أخبارها فيه، إلا بمشقة وعسر وجهد وإرهاق شديد. .
ولم تعمر في الشرق جامعات علمية غير الأزهر في القاهرة، والزيتونة في تونس..
ولكن الأزهر ينفرد بضخامة ما أحدث من آثار في تاريخ العرب والمسلمين، من شتى النواحي الروحية والثقافية والفكرية والسياسية والقومية والاجتماعية، بل والاقتصادية كذلك.
والأزهر-طول عصور التاريخ- حارس التراث العربي، ومجدد الثقافة الإسلامية، والمشعل الذي يضيء ولا يخبو، والملاذ الذي تهوي إليه أفئدة المسلمين من كل مكان، والضوء ينير لهم الطريق، ويبصرهم سواء السبيل...
والأزهر اليوم يتدثر برداء هذا المجد الخالد، وذلك التاريخ القديم المجيد، وإن كان قد أصبح وئيد الأثر والتأثير في حياة الناس، في المادية المظلمة التي يعش فيها عصرنا الحاضر، وسار وراء المتنافسين في ميدان التجديد والابتكار واليقظة الفكرية، وقيدته أغلال ثقيلة من الركود وفقدان الحيوية، وأساءت إلى سمعته بين الناس التيارات السياسية التي كانت تدخل في العصور السابقة إلى أروقته ومحاريبه ومعاهده، هدامة، قاطعة ما بين الأزهر والناس من أسباب، واستغلال بعض الناس له، حفاظا على منصب، أو تملقا لذي سلطان.
ولكن الأزهر-مع ما انتابه في بعض الأحايين من الحيرة والتردد- يسير اليوم منطلقا إلى غاياته وأهدافه ومثله، يتطلع في نظرة الواثق إلى المستقبل، ويحتقر هؤلاء المترددين والحائرين والمعوقين، وتنظر مئذنته الشماء في سخرية وإشفاق واحتقار، إلى الذين يحاولون أن يبنوا وأن يهدموا، فلا يستطيعون هدما ولا بناء.
والأزهر اليوم يأبى النوم والحياة حوله صاخبة مضطربة متحركة، وهو يكره اللهو وقد خلقه اللّه وخلق الحياة للعمل والجد والحيوية والنشاط.
وإذا كانت أول خطوة لفهم الإنسان لنفسه ولرسالته في الحياة هي أن يعرف تاريخه، ويعي ماضيه، ويدرس ما يتصل به من مقومات وخصائص وتراث، فإن هذا الكتاب لمما يساعد على هذه الدراسة وتلك المعرفة وهذا الوعي؛ التي هي العنصر الأول في البعث واليقظة والإحياء 1..
وإني لأقدمه إلى القارىء، معتزاً بأني أقدم له ثمرة مجهود شاق، وبتوفيق اللّه الذي لا ينساني، وما توفيقي إلا باللّه...
المؤلف.
_____________________________________________
1) راجع كتابات لي عن الأزهر في: - ص 147 قصص من التاريخ- للمؤلف: قصة الأزهر الجامعي بعد عشرين عاما. - ص 50 نداء الحياة- للمؤلف: الأزهر الخالد. - ص 58 نداء الحياة-للمؤلف: الأزهر العظيم. - ص 65 نداء الحياة-للمؤلف: رسالة الأزهر في القرن العشرين. - ص 55 فصول من الثقافة المعاصرة - رسالة الأزهر في النصف الثاني من القرن العشرين.