أصول في التجويد
بسم الله الرحمن الرحيم
تجويد الحروف العربية -ككل الفنون- لها ثلاثة أسباب:
موهبة فطرية، ومعرفة نظرية، ودُربة عملية.
والمعرفة النظرية أربعة أقسام:
معرفة مخارج الحروف:
(أي محال حدوثها في أعضاء النطق)
ومعرفة صفاتها:
(أي كيفية هذا الحدوث)
ومعرفة أحكام ملاقاة بعضها بعضًا
ومعرفة التحذيرات من الأخطاء التي تقع في نطقها.
ولهذه المعرفة النظرية تكملة بأصول عامة تزيد الأقسام السابقة اتضاحًا وضبطًا، وتكون لها ميزانًا في الأداء، وتبين المراد من التجويد .
وهذه الأصول أجملها الإمام الداني في كتابه في التجويد المسمى : ( التحديد )، فقال :
" فتجويد القرآن هو إعطاء الحروف حقوقَها، وترتيبُها مراتبها، وردُّ الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله، وإلحاقُه بنظيره وشكله، وإشباعُ لفظه، وتمكين النطق به على حال صيغته وهيئته، من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلف:
وليس بين التجويد وتركهِ إلا رياضة من تدبره بفكهِ" (ص 68) .
ونظم الإمام ابن الجزري هذا في مقدمته ، فقال :
وهُو إعطاء الحروف حقَّها *
من كلِّ صفةٍ ومستحقَّها
وردُّ كلِّ واحدٍ لأصله *
واللفظُ في نظيره كمثله
مكمَّلاً من غير ما تكلُّف *
باللطف في النطق بلا تعسف
وليس بينه وبين تركه *
إلا رياضة امرئ بفكه
وقد تضمن ذلك قواعد:
القاعدة الأولى :التبيين
فلكل حرف هيئة وصيغة- وإن شئت (شخصية)- يمتاز بها عن غيره من الحروف.
وبيان الحروف يكون بأمرين:
- بإخراج الحرف من مخرجه على صفته الموصوف بها.
- وبإعطائه ما يستحقه من حكم بملاقاة غيره، ويكون بتفكيك الحروف، وفصل بعضها من بعض، وهذه هي القراءة المفسرة حرفًا حرفًا، كما جاء في بعض الأحاديث في وصف قراءة النبي- صلى الله عليه وسلم- وهذا بعض ما يدل عليه قوله تعالى-: ( ورتل القرآن ترتيلا )، قال ابن عباس - رضي الله عنه - : بينْه بيانًا.
- ولم يكتف بالأمر حتى أكده بالمصدر، وهذا التأكيد كما يكون لمعنى الطلب المدلول عليه بصيغة الأمر، يكون للمطلوب المدلول عليه بالمادة، فالترتيل مطلوب طلبًا مؤكدًا، والبيان الذي هو من معاني الترتيل مطلوبٌ كماله وغايته .
القاعدة الثانية: التنسيق
ومن معاني الترتيل: التنسيق، بأن يكون الأداء متناسبًا منتظمًا، وهذا يجري على الحروف والوقوف ومقادير المد والغنة، فيسوَّى بين النظائر في الحكم، ويلفظ الشيء آخرًا كما لفظ أولاً، وتكون القراءة على نمط واحد، بلا تفاوت ولا اختلاف .
القاعدة الثالثة: التمكين
أي تمكين النطق بالحرف وإشباعه، ومعناه أن يعطى حقه وافيًا تامًّا غير منقوص، كاللباس السابغ، وكالماء المروي، بلا بخس ولا تقصير، حتى لا يطلب مزيدًا، ولا يفتقر إلى تكملة .
القاعدة الرابعة: الاعتدال
ومعناه ألا يصل التمكين إلى حد الإسراف بالزيادة على المطلوب، وألا يخرج إلى الإفراط والمبالغة، فالنقصان لحن، والزيادة لحن .
القاعدة الخامسة: السهولة
ومعناها ألا يكون الناطق متكلفًا، يتجشم المشقة، ويأتي بالحروف مجهدًا، ولكن ينطق بلطف، ويلفظ برفق .
القاعدة السادسة: التلقي
ومعناه أخذ النطق الصحيح عن ناطق سابق، وسلف متقدم، تدرَّب ومَهَر، وأتقن وأحسن، فيقتفي أثره، ويحذو طريقته .
القاعد السابعة: الرياضة
ومعناها تدريب أعضاء النطق على التجويد حتى يكون لها ملكة وعادة، وإنما يكون ذلك بالتكرار والإعادة .
والقاعدتان الأخيرتان أشار إليهما ابن الجزري بقوله: "ولا أعلم سببًا لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد، ووصول غاية التصحيح والتسديد- مثل رياضة الألسن، والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن "النشر 1/213.