المبحث الثالث: الأصول والقواعد في الوقف
قاعدة كلية: أوجه الوقف ثلاثة: سكون وإشمام وروم.
قاعدة: الإشمام لا يكون إلا في المرفوع والمضموم.
قاعدة: الروم لا يكون إلا في المضموم، والمرفوع، والمجرور، والمكسور.
قاعدة كلية: الروم: هو الإتيان ببعض الحركة.
قاعدة كلية: الروم يسمعه القريب المصغي دون البعيد.
قاعدة كلية: المحذوف من الحركة في الروم أكثر من الثابت منها.
قاعدة كلية: الروم كالوصل.
قاعدة كلية: الإشمام: هو ضم الشفتين من غير صوت بعد النطق بالحرف ساكنا.
وبعضهم يقول: تسعة السكون والروم والإشمام والإبدال والنقل والإدغام والحذف
والإثبات والإلحاق.
ولكن الستة الأخيرة داخلة في الثلاثة الأول.
وأما الإبدال فهو في الاسم المنصوب المنون يوقف عليه بالألف بدلا من التنوين،
وأما النقل ففيما آخره همزة بعد ساكن فإنه يوقف عليه عند حمزة بنقل حركتها إليه فتحرك بهاء ثم تحذف، وأما الإدغام ففيما آخره همز بعد ياء أو واو زائدتين فإنه يوقف عليه عند حمزة أيضا بالإدغام بعد إبدال الهمز من جنس ما قبله نحو النسيء و بريء و قروء، وأما الحذف ففي الياءات الزوائد عند من يثبتها وصلا ويحذفها وقفا وياءات الزوائد، وأما الإثبات ففي الياءات المحذوفات وصلا عند من يثبتها وقفا نحو هاد و وال و واق و باق، وأما الإلحاق فما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت عند من يلحقها في عم و فيم و بم و لم و مم والنون المشددة من جمع الإناث نحو هن و مثلهن والنون المفتوحة نحو العالمين.
فيعامل المد وقفا كالوصل، والمفخم والمرقق كالوصل مثل: والفجر فالراء هنا مرققة
وصلا فعند رومها ترقق كذلك.
قاعدة كلية: ضم الشفتين في الإشمام يكون عقب سكون الحرف من غير تراخ.
قاعدة كلية: الإشمام يرى بالعين ولا يسمع بالأذن.
قاعدة كلية: الإشمام حكمه حكم الوقف بالسكون.
قاعدة كلية: كل ما كان مرفوعًا أو مضمومًا لزومًا جاز فيه وقفا السكون والروم والإشمام.
قاعدة كلية: كل ما كان مجرورًا أو مكسورًا لزومًا جاز فيه وقفا السكون والروم فقط.
قاعدة كلية: كل ما كان منصوبًا أو مفتوحًا وقف عليه بالسكون فقط.
قاعدة كلية: كل ميم جمع لا يجوز فيها وقفًا إلا السكون.
قاعدة كلية: كل ما كان محركا بحركة عارضة للنقل أو للتخلص لا يجوز فيه وقفا إلا السكون.
قاعدة: كل هاء كناية ضم أو كسر ما قبلها أو أتى قبلها واو مدية أو لينية, أو ياء مدية أو لينية لم يجز فيها وقفا إلا الإسكان.
قاعدة: كل هاء كناية فتح ما قبلها أو أتى قبلها ألف أو ساكن صحيح فكما يمد العارض للسكون 2- 4- 6 فكذلك عند الإشمام.
وكذلك المفخم والمرقق فإذا فخم أو رقق مع السكون فكذلك مع الإشمام.
مثل: قل أوحي لورش مثلا.
مثل: قل ادعوا، وحينئذ ونحوها.
جاز فيها الإسكان والروم والإشمام.
قاعدة: كل هاء تأنيث رسمت بتاء مبسوطة جاز فيها السكون والروم والإشمام لمن مذهبه الوقف بالتاء.
قاعدة كلية: كل هاء تأنيث رسمت ة بتاء مربوطة لا يوقف عليها إلا بالسكون فقط.
قاعدة: كل هاء تأنيث رسمت بتاء مبسوطة لا يوقف عليها إلا بالسكون فقط لمن مذهبه الوقف بالهاء.
قاعدة: كل فعل لحقته تاء تأنيث فتاؤه مبسوطة ووقف عليها بالتاء.
قاعدة: كل ما وقع فيه الخلاف في تاء التأنيث فهو مضاف غير منون.
قاعدة: كل ما اختلف القراء فيه بين الإفراد والجمع فهو مرسوم بالتاء المفتوحة.
وقد وقع ذلك في سبع كلمات في اثني عشر موضعاً في القرآن الكريم وقد قرأها قالون كلها بالجمع ووقف عليها بالتاء وقد جمعها المتولي في قوله:
وكل ما فيه الخلاف يجري جمعاً وفرداً فبتاء فادري وذا جمالات وآيات أتى في يوسف والعنكبوت يا فتى وكلمت وهو في الطول معا أنعامه ثم بيونس معا وبعضهم أجاز دخول الروم والإشمام في جميع الأحوال, والمذهب الأول المفصل هو المختار.
والغرفات في سبأ وبينت في فاطر وثمرات فصلت غيابت الجب وخلف ثاني يونس والطول فع المعاني وإليك بيانها:
الكلمة الأولى: كلمت » وقد وقعت في أربعة مواضع في القرآن الكريم وهي:
1 -1 قوله تعالى) وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا).
2 -2 قوله تعالى) كذلك حقت كلمات ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون).
3 -3 قوله تعالى:) إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون).
4 -4 قوله تعالى:) وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار).
الكلمة الثانية: يابات: وقد وقعت في القرآن الكريم في موضعين بيوسف:
1 -1 قوله تعالى) وألقوه في غيابات الجب(.
سورة الأنعام الآية: 116
سورة يونس الآية: 33
سورة يونس الآية: 96
سورة غافر الآية: 6
سورة يوسف الآية: 10
2 -2 قوله سبحانه: وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب.
الكلمة الثالثة: «بينات » وقد وقعت في موضع واحد في قوله تعالى:
أم ءاتيناهم كتاباً فهم على بينات منه.
الكلمة الرابعة: «جمالات وقد وقعت في القرآن الكريم في موضوع واحد هو قوله تعالى: كأنه جمالات صفر.
الكلمة الخامسة: آيات وقد وقعت في موضعين:
1. قوله تعالى: لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين.
2. قوله تعالى: وقالوا لولا أنزل عليه ءايات من ربه.
الكلمة السادسة: غرفات وقد وقعت في القرآن الكريم في موضع واحد هو قوله تعالى: وهم في الغرفات ءامنون.
الكلمة السابعة: ثمرات » وقد وقعت في القرآن في موضع واحد هو قوله تعالى:
وما تخرج من ثمرات من أكمامها.
قاعدة: كل ما انفصل رسما جاز الوقف على أوله اختبارا لا اختيارا.
سورة يوسف الآية 15
سورة قاطر الآية 40
سورة المرسلات الآية 33
سورة يوسف الآية 7
سورة العنكبوت الآية 50
سورة سبأ الآية 37
سورة فصلت الآية 47
قاعدة: كل ما فصل فيه بين العامل وما عمل فيه فهو وقف قبيح.
قاعدة: كل ما فصل فيه بين الشرط وجزائه والأمر وجوابه والابتداء وخبره والصلة والموصول والصفة والموصوف والبدل والمبدل والمعطوف والمعطوف عليه فهو وقف قبيح.
قاعدة: كل ما فصل فيه بين المؤكد والتوكيد والمضاف والمضاف إليه فهو وقف قبيح.
قاعدة: كل ما فصل فيه بين حروف المعاني وما بعدها فهو وقف قبيح.
قاعدة: لا يوجد وقف واجب يأثم القارئ بتركه، ولا حرام يأثم القارئ بفعله إلا لسبب.
وهذا كله لا يتمكن معرفته للقراء إلا بنصيب وافر من علم العربية وذلك من آكد ما يلزمهم تعلمه والتفقه فيه إذ يفهم الظاهر الجلي ويدرك الغامض الخفي وبه يعلم الخطأ من الصواب ويميز السقيم من الصحيح.
قاعدة: بالسو في الصديق والنبي) معاً لدى الأحزاب يا صفيّ في الوقف بالهمز لقالون ورد فخذ به ورد قول من جحد قاعدة: إذا وقف على مثل: شاء أو جاء ونحوها فلا يصح الوقف إلا إلا رؤوس الآي فهو حسن.
وعطف الجمل فيصح الوقف.
كقوله تعالى: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون.
فيصح الوقف على مرض ومرضا.
في قوله تعالى: وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد وقوله تعالى: لا تدخلوا بيوت النبي إلا. بالهمز.
قاعدة: كل ما في القرآن من الذي والذين يجوز فيه الوصل بما قبله نعتا والقطع على أنه خبر إلا في سبعة مواضع فإنه يتعين الابتداء بها.
الأول: قوله: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ.
الثاني والثالث: قوله الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ. في البقرة و الأنعام.
الرابع: قوله: }الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ{.
الخامس: في سورة التوبة: } الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا في سَبِيلِ الله بِأَمْوَالهم وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ الله {.
السادس: قوله في سورة الفرقان: }الَّذِينَ يحشرون على وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ{.
السابع: قوله في سورة حم المؤمن: }أَنهم أَصْحَابُ النَّارِ الَّذِينَ يحملُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ{.
قاعدة: كل ما في القرآن من القول لا يجوز الوقف عليه؛ لأن ما بعده حكايته.
قاعدة: أجمعوا على لزوم اتباع رسم المصحف في الوقف إبدالا وإثباتا من قوله -تعالى-:)شاء أنشره( وقوله )جاء أحد(؛ لأن هذا من الضبط وليس من مرسوم الخط.
وهذا الإطلاق مردود.
نماذح من الوقف التام والكافي والحسن والقبيح:
الوقف التام:
أكثر ما يوجد عند رءوس الآي كقوله: }وَأُولَئِكَ هُمُ المفلِحُونَ{ ثم يبتدئ بقوله: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا{ وكذا: } وَأَنهم إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{ ثم يبتدئ بقوله: }يَا بَنِي إِسْرائيلَ{. وكذلك: }عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَني{ هو التمام؛ لأنه انقضاء كلام الظالم الذي هو أبي بن خلف ثم قال تعالى: }وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً{ وهو رأس آية.
الوقف الكافي:
ويهدي به كثيرا، ونقدس لك، أنبئهم بأسمائهم، ولو حرصتم، يفتيكم في الكلالة ونحو ذلك.
الوقف الحسن:
قَدْ أفَلْحَ المؤمِنوُنَ ) 1( الَّذِينَ هُمْ في صلاتهم خَاشِعُونَ ) 2( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) 3( وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) 4(.
الوقف القبيح:
وأقبح وأشنع الوقف على النفي دون حروف الإيجاب.
بعض التنبيهات:
وقف المراقبة أو التعانق:
وهو ما إذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر كمن أجاز الوقف على لا ريب فإنه لا يجيزه على فيه والذي يجيزه على فيه لا يجيزه على لا ريب.
ومثله قوله: محرمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وألست بربكم قالوا بلى شهدنا.
قال ابن الجزري: وأول من نبه على المراقبة في الوقف أبو الفضل الرازي.
قال الطبري: اختلف أهل التأويل في الناصب لِ «الأربعين .»
فقال بعضهم: الناصب له قوله: »محرّمة »، وإنما حرم الله جل وعزّ على القوم الذين عصوه وخالفوا أمره من قوم موسى وأبوا حَرْب الجبارين دخولَ مدينتهم أربعين سنة، ثم فتحها عليهم وأسكنهموها، وأهلك الجبارين بعد حرب منهم لهم، بعد أن انقضت الأربعون سنة وخرجوا من التيه.
وقال آخرون: بل الناصب لِ «الأربعين « ،» يتيهون في الأرض ».
قالوا: ومعنى الكلام: قال، فإنها محرمة عليهم أبدًا، يتيهون في الأرض أربعين سنة.
واختلف في قوله:)شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين(، فقال السدي: هو خبرٌ من الله عن نفسه وملائكته، أنه جل ثناؤه قال هو وملائكته إذ أقرَّ بنو آدم بربوبيته حين قال لهم ألست بربكم؟ فقالوا: «بلى ».
فتأويل الكلام على هذا التأويل: «وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ».
فقال الله وملائكته: شهدنا عليكم بإقراركم بأن الله ربكم، كيلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.
وقال آخرون: ذلك خبر من الله عن قيل بعض بني آدم لبعض، حين أشهد الله بعضهم على بعض. وقالوا: معنى قوله: )وأشهدهم على أنفسهم(، وأشهد بعضهم على بعضٍ بإقرارهم بذلك.
الوقف التعسفي: ويسمى ب )الوقف المتكلف(
وهو ما يتعسفه بعض المعربين أو يتكلفه بعض القراء أو يتأوله بعض أهل الأهواء.
نحو الوقف على )وارحمنا أنت( والابتداء )مولانا فانصرنا( على معنى النداء نحو )ثم جاؤك يحلفون( ثم الابتداء )بالله إن أردنا( ونحو )وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك( ثم الابتداء بالله إن الشرك على معنى القسم ونحو )فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح( ونحو )فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقاً( ويبتدأ )عليه أن يطوف بهما، وعلينا نصر المؤمنين( بمعنى واجب أو لازم ونحو الوقف على تسمى من )عيناً فيها تسمى سلسبيلا( أن الوقف على )تسمى( أي عيناً مسماة معروفة. والابتداء )سل سبيلا( هذه جملة أمرية أي اسأل طريقاً موصلة إليها، وهذا مع ما
فيه من التحريف يبطله إجماع المصاحف على أنه كلمة واحدة، ومن ذلك تعسف بعضهم إذ وقف على )وما تشاؤون إلا أن يشاء( ويبتدئ )الله رب العالمين( ويبقي «يشاء » بغير فاعل فإن ذلك وما أشبهه تمحل وتحريف للكلم عن مواضعه يعرف أكثره بالسباق والسياق.
قال ابن الجزري: كانوا يكرهون أن يقرؤا بعض الآية ويدعوا بعضها، وهذا أعم من أن يكون في الصلاة أو خارجها.
* ينبغي أن يوقف على الآية التي فيها ذكر العذاب والنار وتفصل عما بعدها نحو: }أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ ولا توصل بقوله: }وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ{ وكذا قوله: }حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا أنهم أَصْحَابُ النَّارِ{ ولا توصل بقوله: }الَّذِينَ يحملُونَ الْعَرْشَ{.
وكذا: }يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ رَحمتهِ{ ولا يجوز أن يوصل بقوله: }وَالظَّالمونَ{ وقس على ذلك.
وعلى القارئ الوقف على قوله: }عِوَجَا{ ثم يبتدئ: }قَيِّماً{ لئلا يتخيل كونه صفة له إذا العوج لا يكون قيمًا.
وأما قولهم: العرب لا تقف على متحرك فإطلاق ذلك غير مسلّم، والذي ينبغي أن يقال: إن أصل الوقف الإسكان، ويجوز الوقف بالحركة في الروم.
فائدة:
عَنْ تيم الطَّائِىِّ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «مَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِ ». فَقَالَ «قُمْ ». أَوْ قَالَ «اذْهَبْ فَبِئْسَ الخطيبُ أَنْتَ.
وفي رواية لمسلم عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أيضًا: «أَنَّ رَجُلاً خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ يُطِعَ الله وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِ* فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بِئْسَ الخطيبُ أَنْتَ، قُلْ:وَمِنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ .»
قال العلماء: سبب قوله -صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- للخطيب: «بئس الخطيب أنت» هو جمعه بين ضمير الله تعالى وضمير رسوله صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وقال: قل: «ومن يعص الله ورسوله .»
وقد عارض هذا ما ورد عن أنسٍ -رضي الله عنه-، عن النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بهن حَلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سَوَاهما، وَأنْ يحب المَرْءَ لاَ يحبهُ إلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ الله مِنْهُ، كَما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ.
وأجيب بأنه صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلّم نهى الخطيب؛ لأن مقام الخطابة يقتضي البسط والإيضاح، فأرشده إلى أنه يأتي بالاسم الظاهر، لا بالضمير، وأنه ليس العتب عليه من حيث جمعه بين ضميره تعالى وضمير رسوله صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلّم.
والثاني أنه صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلّم له أن يجمع بين الضميرين وليس لغيره لعلمه بجلال ربه وعظمة الله).
قال القرطبي: )ويعارضه أيضًا قوله تعالى: }إن الله وملائكته يصلون على النبي{، فجمع بين ضمير اسم الله وملائكته، ولهذه المعارضة صرف بعض القُرَّاء هذا الذّم إلى أن ذلك الخطيب وقف على: «ومن يعصهما »،]وهذه رواية أبي داود[، وهذا تأويل لم تساعده الرواية؛ فإن الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في مساق واحد، وأن آخر كلامه إنما هو: «فقد غوى ».
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ عليه وعلّمه صواب ما أخلّ به، فقال: )) قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ((؛ فظهر أن ذمّه له إنما كان على الجمع بين الاسمين في الضمير(.
قال النووي: )والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز(.
قال ابن رجب: )وقد قيل: إن قوله: «قل: ومن يعص الله ورسوله » مدرجة في الحديث، وإنما أنكر عليه وقفه في قوله: «ومن يعصهما ».
وقد ذكر هذا الاختلاف ابن عطية في «تفسيره » وغيره(.
تم بحمد الله.