الفصل الثاني:
مؤلفاته في مفردات القراء وأصول القراءات
----------------------------------------------
تمهيد:
بعدما تعرضنا في الفصل السابق إلى مؤلفات ابن الجزري في القراءات مجتمعة العشر والسبع والثلاث والزائدة على العشر بقي لنا أن نعرض مؤلفاته في مفردات القراء وفي أصول القراءات أو فيما يتعلق بدراسة مسألة خاصة في أصول القراءات أو مبادئها أو أحكامها.
وهذا ما سنبينه خلال المبحثين التاليين:
المبحث الأول: مؤلفاته في مفردات القراء وأصول القراءات.
المبحث الثاني: مؤلفاته في مسائل القراءات وألغاز القراءة.
=================================
المبحث الأول:
مؤلفاته في مفردات القراء وأصول القراءات.
وتناولنا في هذا المبحث المطلبين التاليين:
المطلب الأول:
مؤلفاته في مفردات القرَّاء:
كثيراً ما ينفرد بعض القرَّاء في أوجه قراءاتهم في مسائل متعددة من أصول القراءة أو من فرشها، وقد أفراد بعض الأئمة لتلك القراءات مصنفات خاصة يتناولون فيها تفصيل أحكامها وبيان أصولها وإيضاح خلاف فرشها لفرش غيرها من القراءات، كما أفرد الإمام أبو محمد الصعيدي قراءة يعقوب في مؤلف أسماه مفردة يعقوب وفعل مثل ذلك الإمام الداني.
ونحا نحو ذلك الإمام ابن الجزري فألف ما يلي:
أولاً: التذكار في رواية أبان بن يزيد العطار
التذكار قصيدة لامية تناول فيها ابن الجزري أحكام قراءة أبان بن يزيد العطار من حيث أصولها وفرشها وذلك في نحو ثمانين بيتا مطلعها:
وأهديت تسليمي إلى أشرف الملا
حمدت إلهي في ابتدائي أولاً
هو ابن يزيد العالم الحبر ذو العلا
وبعد فخذ نظمي حروف أبانهم
وختامها:
وأبياته فاعدد ثمانين كمـــلا
وقد تم تذكار القراءة كافياً
على خير خلق الله طراً وفضلاً
وصلى إله العرش جلاله
وكان ابن الجزري قد أتم هذه القصيدة قبل سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة واتضح ذلك من خلال ذكره في ترجمة مؤمن بن على بن أجمعين أنه قرأه عليه حين قدم الشام خلال هذه السنة، وأبان بن يزيد العطار هو أحد الرواه الذين قرأوا على عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة، وأورد ابن الجزري قراءته من خلال طرقه الثلاث: طريق بكار ويونس وعبيد.
منهجه في هذا المؤلف:
إن منهج ابن الجزري في هذا المؤلف هو أنه يورد هذه الرواية وطرقها الثلاث على ما ثبت في كتاب الكفاية الكبرى لأبي العز القلانسي وما قرأ به أبن الجزري من كتاب المستنير لابن سوار البغدادي على شيوخه.
وصرح بذلك في قوله:
قرأت به في المستنير محصلاً
علـى ما أتانا في الكفاية والـذي
و عبيد في الكفاية وصــلا
فيروي لهم بكار هم فيها و يونس
و كان ابن الجزري قد رمز لهؤلاء الرواة، بحروف يشير بها إليهم حين تتعذر تسمية الراوي لضرورة الشعر، فرمز لأبان بالحرف (أ) و لبكار بـ (ب) و لعبيد بالحرف بـ (ع) وليونس بالحرف (ح).
فقال في ذلك:
وعين عبيد جا ويونس حصـلا
ألف عن أبانهـم ثـم بكار بـاؤه
وفي هذه الطريقة طريقة الرمز للقراء والرواة هو جد متأثر بطريقة ومنهج الشاطبي في حرزه.
وإذا كانت قراءة أبان موافقة لقراءة شعبة وهو أحد الرواة عن عاصم وهو المقدم عند الشاطي على حفص فإن ابن الجزري يكتفي بالموافقة ويهمل ذكر ذلك ولا يشير إليه، وأما إن خالف أبان أو أحد رواته شعبة فإنه يذكر ذلك وينص عليه ولا يعتمد في رواية شعبة ولا غيرها من روايات القراء السبعة الإ على ما ثبت الشاطية فقط.
قال ابن الجزري:
سأذكره حيث الموافق أهمـــلاً
فمـا خالفـوا فيه شعبـة إنــي
وباللفظ أستغنى عن القيد إن جلا
وذاك مما قد كان في الشاطبيــة
وكان ابن الجزري يكتفي بذكر اللفظ بشكله وحركاته ولا يقيد ذلك بالألفاظ إذا كان الأمر جلياً لا لبس فيه.
وهذا معنى قوله:
وباللفظ أستغني عن القيد إن جلا.
نسبته إلى ابن الجزري
لقد ذكر ابن الجزري هذا المؤلف واعتبره من مؤلفاته في ترجمة مؤمن بن علي بن محمد بن أجمعين حيث ذكر أنه قرأه عليه حين قدم الشام سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، وذكره أيضاً كل من الداودي وبروكلمان في مؤلفات ابن الجزري، وبذا فإنه ليس لأحد أن يشكك في صحة نسبه هذا الكتاب إلى ابن الجزري.
مخطوطاته:
توجد من هذا المؤلف نسخ مخطوطة عديدة أهمها:-
- نسخة مكتبة الأسد بدمشق مسجلة برقم: م ف / م / 3945، مؤلفة من ورقتين، واشتملت على 78 بيتاً.
- وأخرى بالمكتبة نفسها مسجلة برقم: م س / م / 3377 من مؤلفة من أربع ورقات ما بين ( 13 ب – 15 ب ).
- ونسخة بمكتبة رامبور بالهند مسجلة برقم: 281 قراءات، عددا أوراقها: 3 ما بين ( 8 – 10) نسخت خلال القرن 12 هـ.
- ونسخة من المكتبة الظاهرية مسجاة برقم: 5465، عددا أوراقها: ؟ ما بين ( 12 – 15 ) نسخت خلال القرن 13 هـ
- ونسخة بمكتبة الفاتكان مسجلة برقم: 2 / 1468، عددا أوراقها: 6 ما بين ( 20 – 26 ).
ثانيـا: الدر النظيم لرواية حفص:
تعتبر رواية حفص إحدى الرويات المروية عن عاصم بن أبي النجود، وهو أحد قرَّاء الكوفة، وقد أعتمد هذه الرواية كل من صنف في القراءات السبع كالشاطبي والداني قبله وابن مجاهد قبلهما وغيرهم..، وموضوع هذا المؤلف واضح من عنوانه إذ هو في إفراد رواية حفص من بين الروايات الأخرى، وإبراز جملة أحكامها -أصولاً وفرشاً- وبيان ما اختصت به هذه الرواية إذ جاءت بانفرادات لم تأت في قراءة سبعية أخرى ومن ذلك مثلاً ضم هاء الكناية المسبوقة بياء ساكنة مدية في بعض المواضيع كما هو في أنسانيه" من قوله تعالى: "وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره" وفي "عليه" من قوله تعالى: "ومن أوفى بما عاهد عليه الله".
نسبته إلى ابن الجزري
لم أجد من ذكر هذا المؤلف ونسبه إلى إبن الجزري غير بروكلمان في الذيل، كما أنني لم أعثر على هذا المؤلف مذكوراً أو مشاراً إليه في مصنفات ابن الجزري التي هي في متناول أيدينا، وذكر بروكلمان أن هناك نسختين مخطوطتين من هذا المؤلف أولهما في مكتبة فاتح وقف بالسليمانية باستانبول، والثانية بالقاهرة مسجلة برقم: (1، 108 ) ولم يذكر أي بيانات أخرى عن هذين المخطوطتين.
ثالثـا: فتح القريب المجيب في قراءة حمزة بن حبيب:
موضوع هذا المؤلف واضح من خلال عنوانه أنه في أحكام قراءة حمزة الزيات -أصولاً وفرشاً- وبيان ما انفردت به وتوجيه ما أنكره النحاة منها، ذلك لأن انفراداتها الكثيرة كانت سبباً للطعن في قبولها وصحتها من طرف نحاة البصرة، ومن ذلك ما جاء عنه في باب الوقف على المهموز.
نسبته إلى ابن الجزري:
لقد ذكر هذا المؤلف ونسب إلى ابن الجزري في الفهرس الشامل للثرات العربي المخطوط ولم أجده مذكوراً في غير هذا كما أن ابن الجزري لم يذكره ولم يشر إليه في مصنفاته.
مخطوطاته
لقد جاء في الفهرس الشامل أن من هذا المؤلف نسخة مخطوطة في مكتبة الحرم المكي بمكة المكرمة مسجلة برقم: 1 / 11 دهلوي، عدد أوراقها: 19، نسخت في سنة 1018هـ.
المطلب الثاني:
مؤلفات في أصول القراءات
تتنوع مسائل علم القراءات إلى نوعين: مسائل كلية منضبطة وفق قواعد مطردة كالمد والإدغام والإمالة وأحكام الهمز وغيرها.. وهو ما يسمى بأصول القراءات، ومسائل جزئية لكل منها حكم مستقل، لا يتعدى نظائرها ولا تخضع لقاعدة مطردة، وهو ما يسمى بفرش الحروف، كخلاف القراء في "ملك يوم الدين" بين قارئ "مالك"، وقارئ "ملك"، وما عني في هذا المطلب هو إبراز مؤلفات ابن الجزري التي أفردها لدراسة أصول القراءات إما مجتمعة أو منفردة، وهي المتمثلة فيما يلي:
أولاً: أصول القراءات
أصول القراءات مؤلف مختصر تناول فيه ابن الجزري مذاهب القراء وخلافهم في أصول القراءات: المد والإدغام والإمالة وهاء الكناية والوقف والهمز والتفخيم وغيرها من أصول القراء.
نسبته إلى ابن الجزري
ذكر هذا المؤلف ونسبه إلى ابن الجزري حاجي خليفة وقال عنه: مختصر لابن الجزري، وذكره أيضاً ضمن مؤلفات ابن الجزري كل من إسماعيل البغدادي ولم أجد ابن الجزري يشير إليه في مصنفاته.
مخطوطاته
من هذا المؤلف نسخ مخطوطة عديدة أهمها:
نسخة في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء مسجلة برقم: 67 مجامع عدد أوراقها: 35 ما بين (1 – 34) نسخت في سنة 949 هـ ونسخة أخرى بالمكتبة نفسها مسجلة برقم: 1087، عدد أوراقها: 39، ونسخة أخرى في سنة: 1100 هـ.
ثانياً: الإعلام في أحكام الإدغام
الإعلام في أحكام الإدغام مؤلف لابن الجزري تناول فيه شرح قصيدة أحمد المقري في أحكام الإدغام.
وهي قصيدة مطلعها:
الحـمد لله والشكر بغير حصـر
يقــول أحمد الفقير المقــري
علــى النبي العربي الهاشمـي
ثـم الصـلاة والسلام الدائمـي
فـي حكم الإدغـام أتت مقيـدة
وبعــد إن هـــذه قصيــدة
أسألـــه التوفيق قـولاً وعمل
والله حسبـي وعليـه المتوكــل
وختامها:
وصلى الله على سيدنا محمد سيد الأنام
الحمد لله على كمال هذه الأحكـام
صلاة وسلاماً دائمين مد الـــدوام
وعلى آله والصحب والكـــرام
وكان شرح ابن الجزري على هذه القصيدة شرحاً مؤجراً تناول فيه تعريف الإدغام وبيان أقسامه العشرة وإظهار أسبابه الستة وتفصيل موانعه الستة عشر، وكل ذلك دون إغفال للتوجيه اللغوي لهذه المسائل.
نسبته إلى ابن الجزري:
لم أجد هذا المؤلف مذكوراً في مصنفات ابن الجزري، ولا أشار إليه وإنما ذكره ونسبه إليه حاجي خليفة وقال: "شرح فيه أرجوزة أحمد المقري" وإسماعيل البغدادي وبروكلمان وبهذا يمكننا القطع بأن هذا الشرح من تأليف ابن الجزري.
مخطوطاته:
لم أجد في فهارس المخطوطات إشارة إلى وجود نسخ من هذا المؤلف، غير أنني عثرت على نسخة مخطوطة بمكتبة الأسد بدمشق مسجلة برقم: م ف / م / 3945 عدد أوراقها: 2 ما بين ( 251 – 252 ) عليها تاريخ إهدائها من مكتبة صالح كيخيا إلى المكتبة الوطنية في سلقين المؤسسة وهو سنة 1266 هـ 1948م، وهذه النسخة وحيدة في مكتبة الأسد.
ثالثاً: التوجيهات في أصول القراءات
هذا المؤلف تناول فيه ابن الجزري مسائل في أصول القراءات ومن تلك الأصول أحكام الوقف وأنواعه، وتعرض بخصوص هذه المسألة إلى عدم جواز الوقف على المعني القبح، ومما أثاره هنا أن عدم الجواز يراد بن الحرمة لا المعني الاصطلاحي عند القراء، واستدل على ذلك بالحديث الذي رواه عن شيخه عمر بن أمليلة أن عدي بن حاتم قال: جاء رجلان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فتشهد أحدهما فقـال: من يطـع الله ورسـوله فـقد رشد ومن يعصهـما، ووقف فقـال رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- "قم واذهب بئس الخطيب"، هذا من جملة ما جاء في هذا الكتاب، وكان ابن الجزري قد أحال عليه هذه المسألة حين تحدث عنها في كتابة التمهيد.
نسبته إلى ابن الجزري:
لقد ذكر ابن الجزري هذا المؤلف ونسبه إلى نفسه في كتابه التمهيد فقال في سياق حديث الوقف السابق: "قلت: وقد بينت معنى هذا الحديث، وكيف روى في كتابي المسمى بـ: التوجيهات في أصول القراءات فأغنى عن إعادته هنا، فاطلبه تجده.." وذكره أيضاً البغدادي وعدَّه في مؤلفات ابن الجزري، ومن خلال هذا لا يبقى شك في نسبة هذا المؤلف إلى ابن الجزري وإن كنا لا نجد من ذكره ولا من أشار إليه غير إسماعيل البغدادي، إستناداً إلى إحالة ابن الجزري عليه، ونحن إذ نؤكد صحة نسبة هذا المؤلف إلى ابن الجزري تؤكد أيضاً في الوقت نفسه أنه مؤلف مفقود ضاع فيما ضاع من التراث العلمي حيث لم نجد من أشار إلى أحد مواضعه من أصحاب فهارس المخطوطات.
رابعاً: الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء
الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء مؤلف ضخم استوعب فيه ابن الجزري جميع أوقاف القرآن، وبين فيه ما يجوز أن يوقف عليه وما لا يجوز، ووضع لذلك ضوابط وقواعد فصلها فيه .
وكان ابن الجزري قد استهل مؤلفه هذا بمقدمتين ضمنهما بيان مصطلحات الأئمة في الوقف وتقسيماته وأهمية معرفة الوقف التي تظهر في تبيين معاني القرآن الكريم وإظهار مقاصده وإعجازه، وقد أشار إلى ما جاء فيه باختصار شديد في باب الوقف والابتداء من كتابه النشر في القراءات العشر فقال: والكلام هنا على معرفة ما يوقف عليه وما يبتدأ به، وقد ألف الأئمة فيها كتباً –قديماً وحديثاً ومختصراً ومطولاً– أتيت على ما وقفت عليه من ذلك واستقصيته في كتاب الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء وذكرت في أوله مقدمتين جمعت بها أنواعا من الفوائد، ثم استوعبت أوقاف القرآن سورة سورة، وها أنا أشير إلى زبد ما في الكتاب المذكور.."
نسبته إلى ابن الجزري:
لم يذكر أحد من أصحاب التراجم هذا المؤلف ولم أعثر على من أشار إليه من قريب أو بعيد غير ابن الجزري الذي صرح في كتابه النشر بأن له مؤلف بهذا العنوان، ويكفي لتأكيد هذه النسبة أن ابن الجزري نفسه ذكره ونسبه إلى نفسه وقدم زبدة ما فيه في كتاب النشر.
مخطوطــاته:
توجد من هذا المؤلف نسخة مخطوطة وحيدة في دار الكتب الوطنية بتونس مسجلة برقم: 3537، عدد أوراقها: 220ورقة.
خامسا: إمالات قتيبة بن مهران
الإمام قتيبة بن مهران أحد القراء الثقات اشتهر بالرواية عن الإمام الكسائي بأصبهان، وكانت له في روايته إمالات عجيبة مزعجة معروفة عند الأئمة القراء، حتى أنه كان يرى إمالة كل ألف قبلها كسرة أو بعدها كسرة، ولم يستثني شيئاً من ذلك.
ولهذا الأفراط والإكثار في شأن الإمالة عند ابن مهران، ولهذا التعجب والانزعاج من إمالاته لدى جلة القراء كان الجزري قد وعد بتأليف كتاب يتناول فيه هذه الإمالات بالبيان والتصحيح فقال: "... وسأفرد لإمالاته كتاباً أبين فيه اختلاف الرواة عنه فيها، وأوضح الصحيح من ذلك إن شاء الله تعالى".
ولست أدري أأوفى ابن الجزري بوعده الذي قطعه على نفسه أم أدركته المنية قبل أن يتم ذلك، وإن كانت كتب التراجم لم تذكر أنه ألفه كما لم تذكر فهارس المخطوطات مواضعه، مما يجعلنا نؤكد أن هذا الكتاب مفقود سواء ألفه ابن الجزري أم لم يؤلفه.
سادساً: رسالة في الوقف على الهمز لحمزة وهشام
يعد باب الوقف على الهمز لحمزة وهشام من أصعب أبواب القراءات وأطولها وأشكلها، إذا"يحتاج إلى معرفة تحقيق مذاهب أهل العربية وأحكام رسم المصاحف العثمانية وتمييز الرواية وإتقان الدراية".
قال أبو شامة:
"هذا الباب من أصعب الأبواب نظماً ونثراً في تمهيد قواعده".
ورغبة من ابن الجزري في تذليل صعاب هذا الباب وحل إشكالاته وبسط أحكامه قام بتأليف هذه الرسالة التي كانت خلاصتها في كتاب النشر قد استغرقت أزيد من 62 صفحة.
نسبته إلى ابن الجزري:
لم أجد من ذكر هذه الرسالة ونسبها إلى ابن الجزري مِمَّنْ ترجم له كما أنه لم يشر إليها في مصنفاته غير أنني وجدتها رسالة مخطوطة في مكتبة الأسد واقعة ضمن مجموعة من الرسائل في القراءات مسجلة برقم: م ش / م / 3277، والأصل فيهـا أنها عائدة من المكتبة الظاهرية بدمشق التي سجل فيها المجموع برقم: 5465.
المبحث الثاني:
مؤلفاته في مسائل القراءات وألغاز القراءة
وتناولنا في هذا المبحث مطالب ثلاثة تتم من خلالها مؤلفات ابن الجزري في علم القراءات، وهي:
المطلب الأول:
مؤلفات في مسائل القراءات
قد تشكل بعض المسائل في علم القراءات بخصومها – حيث تكثر الأقوال فيها أو تتعدد أوجهها أو تتغير أحكامها بتغيير مواضيعها أو بتفرع فروعها، فتؤلف في ذلك المصنفات لإيضاح ما أبهم وحل ما أشكل وألبس، وكان ابن الجزري قد اهتم ببعض هذه المسائل فأفرد لها بعضاً من مصنفاته.
وجملة تلك المؤلفات في هذا الشأن نورودها فيما يلي:
أولاً: مسألة الآن
لقد ورد لفظ "الآن" في موضعين من القرآن الكريم، وهي لفظة اجتمعت فيها أحكام متعددة متداخلة، فعسر إدارتها وشق فهمها خاصة إذا جاءت مع مد البدل وأحكامه الثلاثة وحكم النقل لورش وأبي جعفر وأحكام العارض للسكون لجميع القراء.
وخلاصة ما يكون عليه هذا اللفظ أحوال خمسة عند الإمام ورش ومن وافقه هي:
1- حالة انفراده عن مد بدل سابق أو لاحق وعند الوقف وهذه الحالة فيها سبعة أوجه.
2- حالة انفرادها عن بدل سابق أو لاحق لكنها مع الوقف وهده الحالة فيها تسعة أوجه.
3 - حالة اجتماعها مع مد بدل لاحق وهذه الحالة فيها ثلاثة عشر وجهاً.
4 - حالة اجتماعها مع مد بدل سابق ومع الوقف عليها، وهذه الحالة فيها سبعة وعشرون وجهاً.
5 - حالة اجتماعها مع مد بدل لاحق بعدها وهذه الحالة فيها ثلاثة عشر وجهاً.
كل هذه الحالات تناولها وفصلها ابن الجزري في هذه الرسالة مبيناً ما تجوز به القراءة وما به تمتنع وقد أشار إلى جزء من ذلك في كتابه النشر.
نسبته إلى ابن الجزري:
لم أجد ابن الجزري يذكر هذا المؤلف في مؤلفاته التي بين أيدينا وإنما ذكر في الفهرس الشامل ونسب إلى ابن الجزري، ولم أجده في غيره في كتاب التراجم.
مخطوطاته:
توجد من هذا الرسالة نسخة وحيدة في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء مسجلة برقم: 1549، عدد أوراقها: 4 ما بين ( 44 – 47 ) نسخت في سنة: 1024هـ.
ثانياً: مسائل في القراءات
هذا مؤلف واضح من خلال عنوانه أنه يتناول جملة من المسائل الشائعة في علم القراءات، ونسب إلى ابن الجزري في الفهرس الشامل.
مخطوطاته:
توجد من هـذا المـؤلف نسخـة وحيـدة بـدار الكتب المصرية مسجلة برقم: (21649 ب) عدد أوراقها: 2 ما بين (136 – 137 ) وليس عليها تاريخ نسخها.
المطلب الثاني: مؤلفاته في ألغاز القراءة
علم الألغاز هو علم تعرف منه دلالة الألفاظ على المراد دلالة خفية في الغاية، لكن لا بحيث تنبو عنه الأذهان السليمة بل تستحسنها وتنشرح إلها بشرط أن يكون المراد من الألفاظ الذوات الموجودة في الخارج، والغرض فيه إرادة الخفاء وستر المراد بقصد امتحان الأذهان واختبارها، وكان من هذه الألغاز ما شمل علم القراءات، فقد ألغز بعض القراء بعض المسائل فتولى بعضهم كشفها وإيضاحها وشرحها، وكان ابن الجزري ممن أسهم في التأليف في ألغاز القراءة بما يلي:
أولاً: ألغاز القراءة:
أربعون مسألة من المسائل المشكلة في القراءات
ألغاز القراءة منظومة رجزية لامية الروي مؤلفة من أحد وأربعين بيتاً، وهي المسماة بالألغاز الرجزية تناول فيها ابن الجزري أربعين مسألة من المسائل المشكلة في القراءات في صورة ألغاز نظمها سؤالاً لمشايخ الإقراء طالباً منهم أن يجيبوه نظماً أو نثراً، وهو في هذا يحاكي الإمام أبا الحسن الحصري حين سأل مقرئي الغرب كله أن يجيبوه عن أسئلته.
ومطلع هده القصيدة:
حروفاً أتت في الذكر للسبعة الملا
سألتكم يا مقـري الأرض كلهـــا
ولكـن إذا كان للدراية حصــلاً
يعرفهـا مـن كـان للحرز راويـاً
وهـذا هو الداني إلى الرتب العلا
ويفهم بالتيسيـر حـل رمـزهــا
ونهايتها:
يكن لكم عـذر إذا القصـر حصلا
أجيبوا بنظـم أو بنثـر بحيـث لـم
محمد الهـادي إلـى الخلق أرسلا
ومن بعده صلوا على أشرف الورى
ومن مثلهم في الذكر بعدهم تــلا
وآلــه والصحـــب مـع مـن
وكان قد مهد لها بمقدمة بين فيها قصده من هذه الألغاز فقال: "الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وحسبنا الله وكفى وبعد: فهذه أربعون مسألة من المسائل المشكلة نظمنها سؤالاً لمشايخ أقرأ البلاد من كل العباد، سلكت فيها أحسن المسالك لموجب دعاني إلى ذلك... ونحن لنا أسوة بالإمام أن الحسن الحصري حيث قال من ثلاثمائة سنة: سألتكم يا مقرئ الغرب كله...".
نسبته إلى ابن الجزري:
لم أجد ابن الجزري يذكر هذا المؤلف في مصنفاته وإنما ذكره ونسبه إليه كل من حاجي خليفة وإسماعيل البغدادي، وتتأكد هذه النسبة بما وجدناه قد استهلت به بعض مخطوطات هذا المؤلف حيث جاء في مطلعها: قال الشيخ الإمام العلامة وحيد دهره وفريد عصره شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن الجزري الشافعي رحمة الله عليه ونور قبره...
مخطوطاته:
توجد من هذا المؤلف نسخ مخطوطة عديدة أهمها:
نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق مسجلة برقم: 5987، عدد أوراقها: 2 – نسخت في سنة 974هـ.
ونسخة في المكتبة الأكادمية بطشقند مسجلة برقم: 2669، عدد أوراقها: 2 مابين (345 – 346 ) نسخت في سنة 1173هـ.
ونسخة في المكتبة الأزهرية بالقاهرة مسجلة برقم: (1173 حليم ) عدد أوراقها 3 ما بين (10 – 12 ) نسخت خلال القرن 13 هـ
ونسخة بمكتبة الأسد بدمشق مسجلة برقم: م ف / م / 5270 عدد أوراقها: 2 ما بين (92 ب – 93 ب ) نسخت في سنة: 1175هـ وأخرى برقم: م ف / م / 5262 في ورقتين ونسخت خلال القرن 13 هـ، وأخرى برقم: م ش / م 8177 في ورقتين، نسخت في سنة 1260 هـ، و أخرى برقم: م ف / م / 5 في ورقتين نسخت سنة 974 هـ.
ثانياً: العقد الثمين في ألغاز القرآن المبين
العقد الثمين هو مؤلف تناول فيه ابن الجزري شرح قصيدته التي ضمنها السائل الأربعين والتي أسماها ألغاز القراءة.
نسبته إلى ابن الجزري:
لم أجد لهذا المؤلف ذكر ولا إشارة في مؤلفات ابن الجزري وإنما نسبه إليه كل من حاجي خليفة وإسماعيل البغدادي، قال حاجي: "ألغاز شمس الدين محمد بن محمد بن الجزري.. وهي همزية في القراءة.. ثم شرحها وسماها العقد الثمين".
مخطوطاته:
يوجـد من هذا المؤلف نسخة مخطوطة وحيدة في مكتبة طلعت مسجلة برقم: 127 قراءات.
المطلب الثالث: مؤلفاته الأخرى في القراءات
بقيت جملة المؤلفات ابن الجزري في علم القراءات لم تدرج تحت المطالب السابقة رأينا أن نفرد لها هذا المطلب لنجعلها فيه ولنتم بها قائمة المؤلفات الجزرية فيما يتعلق بالقراءات.
وجملة ذلك ما يلي:-
أولاً: قصيدة في القراءة:
ذكر هذا المؤلف في الفهرس الشامل ونسب إلى إبن الجزري، ويوجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة خدابش ببتنة مسجلة برقم: 1217 في أربع ورقات نسخت في سنة 864 هـ.
ثانياً: منظومة في القراءات
ذكر هذا المؤلف في الفهرس الشامل، وتوجد من نسخة في مكتبة جامعة قار يونس ببنغازي مسجلة برقم: 353 عدد أوراقها: 50 نسخت في سنة 1130هـ. ونسخة بالمكتبة السليمانية باستانبول مجموعة 1047، وهذا المنظومة هي في موضوع سابقتها، ولست أدري أهما مؤلفان مستقلان أم هما مؤلف واحد جاء باسمين مختلفين، ولولا ذكرهما في الفهرس الشامل على إنهما مؤلفان مستقلان واختلاف مواضع نسخهما وتباين عدد أوراقها لجعلتهما مؤلفاً واحداً.
ثالثـاً: طرق حديث الأحرف السبعة
حديث الأحرف السبعة هو حديث تعددت ألفاظه وكثرت طرقه حتى وصل بها إلى درجة المتواتر معنى، وكانت كل رواية من رواياته تزيد على غيرها بألفاظ تحمل معاني مغايرة مما جعل الحديث في معنى الأحرف السبعة كالحديث في المتشابه، ونظراً لذلك قام ابن الجزري بتأليف مؤلف جميع فيه كل طرق هذا الحديث واستنباط المعنى الراجع في المراد بالأحرف السبعة، فقال في معرض حديثه عن روايات الحديث: "وقد تنبعث طرق هذا الحديث في جزء مفرد جمعته في ذلك، فرويناه من حديث عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم و... وعد تسعة عشر صحابياً"، ولم أجد هذا المؤلف مذكوراً في كتب التراجم التي ترجمت لابن الجزري ولا في الكتب المفهرسة للمخطوطات مما يدل على أنه مؤلف مفقود لا أثر له اليوم سوى دلالة قول ابن الجزري عليه.
رابعاً: حواشي على الطيبة
طيبة النشر قصيدة لابن الجزري، ونظراً لطبيعة النظم وما يمكن أن يكتنفه من غموض وإلباس المعاني بغير المقصود قام ابن الجزري بوضع حواش على متن الطيبة إيضاحاً وبياناً لما خفي من معانيها، وقد ذكر ابن الجزري ذلك في ترجمة ابنه فقال عنه: "... فشرح طيبة النشر ولم يكن عنده نسخة بالحواشي التي كنت كتبتها من قبل"، والجدير بالذكر أن أصحاب التراجم لم يشيروا إلى هذه الحواشي كما لم يشر إليها مفهرسوا المخطوطات.
خامساً: منجد المقرئين ومرشد الطالبين
هذا المؤلف من أحسن وأجود ما ألف الإمام ابن الجزري إذ خصه بدراسة تواتر القراءات العشر وركز على الثلاث منها حيث هي موضع الخلاف بين الأئمة وحشد الأدلة لذلك بما يحسم الخلاف ويجلي الصواب وتناول هذه المسألة في هذا الكتاب من خلال سبعة أبواب هي:
1- تعريف القراءات والقارئ والمقرئ وما يلزمهما.
2- أنواع القراءات: المتواترة والصحيحة والشاذة وخلاف العلماء في ذلك.
3- اشتهار القراءات العشر منذ ظهورها حتى عصر ابن الجزري.
4- ذكر مشاهير من قرأ بها وأقرأ في الأمصار عبر طبقات أسانيدها.
5- أقوال العلماء في تواترها ومناقشة المخالفين.
6- تقرير أن القراءات العشر بعض الأحرف السبعة وأنها متواترة أصولاً وفرشاً وحال اجتماع القراء وحال افتراقهم.
7- الإنكار على من اقتصر على القراءات السبع وإنصاف ابن مجاهد مما نسب إليه.
وكان ابن الجزري قد استهل هذا الكتاب بقوله: "أما بعد: حمداً لله تعالى الذي خلقنا على السنة نعتقد أن العشرة، والصلاة والسلام على خير الخلق محمد وآله وصحبه الكرام البررة، فهذا منجد المقرئين ومرشد الطالبين.."، وختمه بدعائه قائلاً: "اللهم ارزقنا فهماً لشريعتك وحفظاً لكتابك وقياماً به عملاً وعلماً وتلاوة وتدبراً وجمعية عليه متصلة بالموت وذرية صالحة برحمتك يا أرحم الراحمين".
وصادف يوم فراغه من تأليفه نهار الأحد الخامس عشر من رجب سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بمنزله بدرب هريرة داخل دمشق، ويعد هذا الكتاب من أوائل ما ألف ابن الجزري حيث كان عمره حين ألف اثنتي وعشرين سنة.
نسبته إلى ابن الجزري:
لقد جاء هذا المؤلف مذكوراً في كتاب ابن الجزري غاية النهاية على أنه من مؤلفاته، كما ذكره ونسبه إليه كل من السخاوي وحاجي خليفة وإسماعيل البغدادي ولم يخالف أحد من المترجمين في صحة نسبة هذا المؤلف إلى ابن الجزري.
مخطوطاته:
توجد من هذا المؤلف نسخ مخطوطة عديدة متناثرة في خزائن المخطوطات العالمية.
ومن أهم تلك النسخ ما يلي:
- نسخة بمكتبة جاريت ( يهودا ) برنستون مسجلة برقم: 23 / 1 (459 ) عدد أوراقها: 24 ما بين ( 23 ب – 46 ب )
وهي تعتبر أقدم النسخ حيث نسخت في سنة 816هـ أي في حياة المؤلف.
- نسخة بمكتبة جامعة مشهد بكلية الإلهيات مسجلة برقم: 493، عدد أوراقها: 42، نسخت في سنة 843هـ.
- نسخة في مكتبة تشتستربيتي بدبلين مسجلة برقم: 625 تفسير عدد أوراقها: 33، نسخت في سنة 464 هـ.
- نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق مسجلة برقم: 4963 / علوم القرآن، عدد أوراقها: 50، نسخت خلال القرن 10هـ.
- نسخة بمكتبة الدولة ببرلين مسجلة برقم: 606 WE 1698 عدد أوراقها: 49، نسخت في سنة 1009هـ.
- نسخة في مكتبة جامعة أم القرى بمكة المكرمة مسجلة برقم: 507 عدد أوراقها: 41 نسخت في سنة 1310هـ.
- نسخة بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة مسجلة برقم: ( 155 ) 19193 عدد أوراقها: 26، نسخت في سنة 1314هـ.
ونسخة أخرى بالمكتبة نفسها مسجلة برقم: 500 قراءات نسخت في سنة 1038هـ.
طبعاتـه:
طبع هذا المؤلف طبعات عديدة هـي:
- طبع بمكتبة حسام الدين القدسي وبإشرافه سنة 1350هـ / 1931م في 79 صفحة مع مقدمة.
- وطبع بدار النشر جمهورية مصر العربية بتحقيق د . عبد الحي الفرماوي في سنة 1397هـ / 1977م في 297 صفحة.
- وطبع بدار الكتب العلمية بيروت سنة 1400هـ / 1980م في 79 صفحة.
وما نلاحظه أن جميع طبعات هذا الكتاب لم تكن طباعة محققة تحقيقاً علمياً، وهذا ما يجعل الكتاب في حاجة إلى من يخدمه ويحققه ثانية.
سادساً: كتاب في الرد على ما أنكره النجاة من القراءات
لقد بالغ بعض الأئمة النحاة في رد قراءات بعض الأئمة الثابتة بالسند المتواتر، والمحققة لشروط قبول القراءة الأخرى، بحجة أنها لم توافق قياس اللغة الذي قعدوا وأصلوا له، وجعلوا القياس اللغوي أصلاً وما جاء من القراءات القرآنية فرعاً يجب أن يخضع له، وإلا فهو مردود، ورداً على هؤلاء الأئمة، وكفاً لشطحات أنصارهم وأمثالهم كان ابن الجزري قد وعد بتأليف كتاب يشفي القلوب ويشرح الصدور، يبين فيه الحق في ذلك.
فقال بعد تعرضه لهذه المسألة:
"ولكن إن مد الله في الأجل لأضعن كتاباً يشفـي القلب ويشرح الصدر أذكر فيه جميع ما أنكره من لا معرفة له بقراءة السبعة والعشرة".
ولست أدري أوفق لكتابه هذا الكتاب أم أدركته المنية قبل أن يوفي بوعده، والمؤكد أن هذا الكتاب لم يرد له أثر في الكتب التي ترجمت لابن الجزري ولا في فهارس المخطوطات غير تلك الإشارة التي كانت من ابن الجزري نفسه مما يدل على أنه كتاب مفقود سواء وفق لكتابه أم مات قبل ذلك.
يتبع شاء الله...