الفصل الأول: مؤلفاته في القراءات المتواترة والشاذة
------------------------------------------------------
تمهيد:
لقد تنوعت مؤلفات ابن الجزري في علم القراءات فكتب في العشر منها والسبع والثلاث وهي القراءات المتواترة على خلاف بين الأئمة في الثلاث المتممة للعشر، كما خص بعض تآليفه بالقراءات الشاذة وهي القراءات الزائدة على العشر، كالأربع عشر والثلاث عشر وغيرها، ونظراً للتباين الحاصل بين أنواع القراءات فإني أفردت لكل منها مبحثاً خاصاً، فإن كان المؤلف خالصاً في نوع منها جعلته فيه، وإن كان مفرداً لمسألة خاصاً أو لأحد قراء ذلك النوع فإني أرجأت الحديث عنه في فصل لاحق.
وعلى إثر ذلك فإني قسمت هذا الفصل إلى المباحثين التاليين:
المبحث الأول: مؤلفاته في القراءات العشر والسبع.
المبحث الثاني: مؤلفاته في القراءات الثلاث والشاذة.
----------------------------------------------------
المبحث الأول: مؤلفاته في القراءات العشر والسبع
وفيه مطلبان هما:
المطلب الأول: مؤلفاته في القراءات العشر
يراد بالقراءات العشر عند الأئمة القراء تلك القراءات المنسوبة إلى الأئمة العشرة وهم: أبو جعفر المدني، ونافع بن أبي نعيم، وعبد الله بن كثير المكي، ويعقوب الحضري، وأبو عمرو بن العلاء البصري وعبد الله بن عامر الشامي وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وكل هؤلاء الأربعة الأخيرين من قراء الكوفة، ولقد كانت أهم مؤلفات ابن الجزري في القراءات العشر؛ ذلك لأنه عني بإلحاق القراءات الثلاث بالسبع، ولم ير فرقا بينهما من حيث الصحة، وإن كانت السبع أكثر شهرة من الثلاث؛ ولهذا نجده يخص بعض مؤلفاته بالقراءات العشر جملة دون أن يميز بين السبع والثلاث.
وجملة ما ألفه في القراءات العشر نبينه فيما يلي:
أولا: تحبير التيسير في القراءات العشر
التيسير هو مصنف للإمام أبي عمرو الداني جمع فيه القراءات السبع من أربع عشرة طريق ورواية، وهو الذي نظمه الإمام الشاطبي من بعده وسماه حرز الأماني ووجه التهاني، ولما جاء الإمام ابن الجزري أخذ كتاب التيسير وضمنه القراءات الثلاث فصار مشتملاً على القراءات العشر، وسماه تحبير التيسير واتبع في منهجه المنهج الذي سلكه الداني وحافظ على لفظه ولم يعمد إليه بتخطئة ولا تصحيح ولا إلى إضافة ولا تعليق، وإنما كان حسبه أن يلحق القراءات الثلاث بالسبع، وأن يقحم أحكام الثلاث: أصولاً وفرشاً وإسناداً ضمن أحكام السبع التي أوردها صاحب التيسير مع مراعاة سلامة التركيب وحسن السياق، وإن كان ما أضافه قليلاً أضافه باللون الأحمر، وإن كان كثيراً قدم عليه بقوله: قلت، ويختمه بقوله: والله الموفق.
قال ابن الجزري مبيناً عمله في التحبير: "..وأضيف إلى السبعة الثلاثة في أحسن منوال يكون له كالتحبير، مع ما أضيف إليه من تصحيح وتهذيب، وتوضيح وتقريب من غير أن أغير لفظ الكتاب أو أعدل به إلى غيره من خطأ أو صواب، وحيث كانت الزيادة عليه يسيرة ألحقتها بالحمرة فيه، وإن كانت كثيرة قدمت عليه لفظ: "قلت"، وختمتها بقولي: فاعلم، والله الموفق".
ومن بين الأمثلة التي توضح ذلك أنه بعد عرض الداني أسانيده التي روى بها القراءات السبع وقال: "فهذه بعض الأسانيد التي أديت إلينا الروايات رواية وتلاوة وبالله التوفيق" عطف ابن الجزري على ذلك أسانيده التي روى من خلالها القراءات الثلاث فقال بعد ذلك مباشرة: "قلت إسناد قراءة أبي جعفر، فأما من رواية ابن وردان فحدثنا بها الشيخ.." متبعاً في ذلك أسلوب الداني نفسه.
ومن الأمثلة أيضاً أن الداني حين فصل في حكم ياءات الزوائد الواقعة في سورة يوسف عطف ابن الجزري على ذلك بقوله: " قلت: (فأرسلون) ولا (تقربون)، (أن تنقذون) أثبتها في الحالين يعقوب والله الموفق"، وهذه إضافة لم يوردها الداني ليعقوب؛
لأنه ليس من السبعة.
نسبته إلى ابن الجزري:
هذا المؤلف ذكره أحمد بن الجزري في ترجمة أبيه، والإمام السخاوي وكان قد ذكر أنه ألفه قديماً وعمره آنذاك سبع عشرة سنة، وهذا غير صحيح؛ ذلك أن ابن الجزري كان قد ذكر أنه ألفه بعد تأليفه طيبة النشر في القراءات العشر، وذكر أنه انتهى من النشر في عام تسعة وتسعين وسبعمائة أي كان عمره آنذاك ثمان وأربعين سنة، وذكر هذا المؤلف أيضاً حاجي خليفة وإسماعيل البغدادي.
مخطوطاته:
توجد من كتاب تحبير التيسير نسخ كثيرة مخطوطة.
أهمها ما يلي:
- نسخة بالمكتبة الظاهرية بدمشق مسجلة برقم : 6015، عدد أوراقها: 100، نسخت في سنة: 981هـ.
- نسخة بمكتبة جامعة القاهرة مسجلة برقم : 18726، عدد أوراقها: 142 نسخت في سنة: 1086هـ.
- نسخة بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة، مسجلة برقم: 1136، عدد أوراقها: 67 نسخت في سنة 1102هـ.
- نسخة بدار الكتب بصوفيا مسجلة برقم (2809 .o.p) عدد أوراقها: 161، نسخت في سنة: 1106هـ.
- نسخة بمكتبة جامعة الإمام محمد ين سعود-بالرياض- مسجلة برقم: 1387، عدد أوراقها: 89، نسخت في سنة: 1120هـ.
- نسخة بدار الكتب الوطنية بتونس مسجلة برقم: 3481، عدد أوراقها: 271، نسخت في سنة: 1343هـ.
- نسخة بمكتبة الحرم المكي بمكة المكرمة مسجلة برقم: 29/علوم القرآن، عدد أوراقها: 133، نسخت خلال القرن 14هـ.
- نسخة بمتحف قونيا بتركيا مسجلة برقم: 5028، عدد أوراقها: 133، تاريخ نسخها.
طبعاتــه:
لقد طبع هذا المؤلف طبعات عديدة هي:
- طبع بدار الكتب العلمية ببيروت، مرتين، إحداهما سنة: 1404هـ / 1983م، والأخرى سنة: 1409هـ /1989م في 208 صفحة.
- وطبع بدار الوعي بحلب سنة: 1393هـ /1973م، في 206 صفحة بتحقيق العلامة عبد الفتاح القاضي.
والملاحظ في هذا أن هذا الكتاب لم يطبع طباعة محققة، وما هذه الطبعات إلا إخراج لنص المخطوط دون مقابلات نصوص نسخه، مع افتقارها لكثير من عناصر التحقيق العلمي للنصوص.
ثانياً: تقريب النشر في القراءات العشر
كتاب النشر في القراءات العشر هو أحد مؤلفات ابن الجزري، لكن لكبر حجمه وتشعب مسالكه، وكثرة مسائله، واحتوائه على الكم الهائل من الطرق والروايات ثقل وعسر إدراكه على الطلبة وكثير من أصحاب الفن قام باختصاره في كتاب أسماه تقريب النشر وبدأه بقوله: "الحمد لله على التقريب والتيسير، وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له نعم المولى ونعم النصير..".
سبب تأليف الكتاب:
لقد ذكر سبب تأليفه فقال: "فلما كان كتابي نشر القراءات العشر مما عرف قدره واشتهر بين الطلبة ذكره، ولم يسع أحدهم تركه ولا هجره، غير أنه في الإسهاب والإطناب ربما عز تناوله على بعض الأصحاب وعسر تحصيله على كثير من الطلاب، فالتمس مني أن أقربه وأيسره وأقتصره على ما فيه من الخلاف، فأختصره لثقل لفظه فيسهل حفظه ويروق رشفه ويهون كشفه، ويكون نشراً للطيبة وبشرى للهمم الطيبة، فاستخرت الله تعالى في ذلك سالكاً فيه أقرب المسالك والله ينفع به في الحال والمآل، ويجعله لوجهه من خالص الأعمال"، وكان ابن الجزري قد ذكر تاريخ انتهائه من تأليفه فقال: "وافق فراغه في يوم الأحد عاشر محرم سنة أربع وثمانمائة" وكان قد أجاز لأبنائه ولجميع المسلمين روايته عنه عموماً.
نسبته إلى ابن الجزري:
وذكر هذا المصنف ونسبه إلى ابن الجزري كل من ابنه في غاية النهاية والإمام السخاوي وحاجي خليفة وبروكلمان، كما أن ابن الجزري نفسه ذكره في ترجمة ابنه.
مخطوطاته:
توجد من هذا المؤلف نسخ مخطوطة كثيرة في خزائن المخطوطات العالمية.
وأهم تلك النسخ ما يلي:
- نسخة بمكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض مسجلة برقم: 2528، عدد أوراقها: 79، نسخت في تاريخ: 822 هـ.
- نسخة بمكتبة تونك بالهند مـسـجلـة برقم: (57 قراءات T 31)، عدد أوراقها: 115، نسخت في تاريخ: 829 هـ.
- نسخة بمكتبة الأزهرية بالقاهرة مسجلة برقم : (1131حليم/ 32820)، عدد أوراقها: 122، نسخت في تاريخ: 856 هـ.
- نسخة بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء مسجلة برقم: 1573، عدد أوراقها: من 84 إلى 132، أي 48، نسخت في سنة: 902 هـ.
- نسخة بمكتبة الحرم المكي بمكة المكرمة مسجلة برقم: (29 /2 علوم القرآن)، عدد أوراقها: 112، نسخت في سنة: 936 هـ.
- نسخة بمكتبة الأزهرية بالقاهرة مسجلة برقم : ( 1177حليم/32866) ،عدد أوراقها :117 ، نسخت في تاريخ : 975 هـ.
- نسخة بمكتبة بلدية الإسكندرية مسجلة برقم: (1/ 2121د)، وهي ضمن مجموع من المتون ، نسخت في سنة: 1130هـ.
- نسخة بمركز جمعية المساجد للثقافة والتراث بدبي مسجلة برقـم: (5754)، عدد أوراقها: 94، نسخت في سنة: 1130هـ.
- نسخة بدار الكتب بالقاهرة مسجلة برقم: (19182 ب)، عدد أوراقها: 97 (من 40 إلى 137)، نسخت خلال القرن 12هـ.
- نسخة بالمكتبة الظاهرية بدمشق مسجلة برقم: (5741 علوم القرآن)، عدد أوراقها: 128، نسخت خلال القرن 12هـ.
- نسخة بمكتبة جامعة استنبول مسجلة برقم: ( 302 - A-2693)، عدد أوراقها: 88، وهي من دون تاريخ نسخها هـ.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض النسخ قبل تاريخ تأليفها، وهو خطأ واضح في تدوين تاريخ النسخ ومن تلك النسخ ما وجد في مكتبة داماد إبراهيم باشا باستانبول مسجلة برقم: 11، والتي نسخت في سنة: 802 هـ أي قبل تأليفها بعام كامل.
طبعاتــه:
طبع هذا المؤلف بدار الحديث بالقاهرة مرتين، ثانيتهما كانت في سنة 1412هـ / 1992م، بتقديم وتحقيق الأستاذ: إبراهيم عطوة عوض، وذلك في 200 صفحة، بإضافة مقدمة في 98 تناول فيها بعض المسائل في علم القراءات بإيجاز غير أن هذه الطبعة تفتقد إلى الكثير من عناصر التحقيق العلمي، وطبع أيضاً مرات عديدة بمطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة منها ما كان سنة 1381هـ / 1961.
ثالثاً: طيبة النشر في القراءات العشر:
طيبة النشر ألفية منظومة على البحر الرجز عدة أبياتها ألف واثنتا عشرة بيتاً، تناول فيها ابن الجزري مذاهب القراء العشرة أصولاً وفرشاً، واستهلها بمقدمة في مبادئ علم القراءات.
وابتدأها بقوله:
قال محمد هو ابن الجزري
يا ذا الجلال ارحمه واستر واغفر
الحمـد لله على ما يسـره
من نشـر منـقـول العـشره
وختمها بقوله:
وهـا هنـا تم نظـام الطيبة
ألفيـة سـعـيـدة مـهـذبـة
بالروم من شعبان وسط سنة
تـسع وتسـعيـن وسـبعمائة.
وكان ابن الجزري قد نظم هذه الأرجوزة استكمالاً لعمل الإمام الشاطبي في حرز الأمـاني ووجه التهاني حيث أضاف عليها قراءات الأئمة الثلاثة، كما أضاف أيضاً طرقاً جديدة للأئمة القراء على تلك التي في الشاطبية، فجاءت الطيبة مشتملة على قراءات عشر وعلى ثمانين طريقاً بدلاً من الشاطبية المشتملة على قراءات سبع وعلى طرق أربع عشرة فقط، وقد ذكر ابن الجزري أنه وضع على متن الطيبة حواشي لإيضاح ما غمض وأبهم من معانيها، ولفك ما ألغز من ألفاظها وتراكيبها.
منهجه في الطيبة:
واعتمد ابن الجزري في نسجها على أسلوب الشاطبي في الرمز إلى القراء وإلى رواتهم بالحروف الأبجدية حين يتعذر التصريح باسم القارئ أو الراوي مع تعديل بسيط وزيادة طفيفة تناسبا مع ما زيد على الشاطبية، وقد أشار ابن الجزري إلى اتباعه طريقة الشاطبي في استعمال الرموز مع إبقائه على الكثير من رموز الشاطبية.
فقال:
ليسـهل استحضار كل طالب
وكل ذا اتبعت فيه الشاطبي
جمعت فيـها طـرقاً عزيزة
وهذه أرجـوزة وجيـزة
حرز الأماني بل بها قد كملت
ولا أقـول إنها قد فضلت
وضعف ضعفه مـع التحرير
حوت لمـا فيه مع التيسير
فهـي بـه طيـبة في النشر
ضمنتها كتاب نشر العشر
زمن تأليف الطيبة:
وكان ابن الجزري قد شرع في نظمها حين كان بمدينة بورصة التي كانت آنذاك تحت حكم السلطان بايزيد بن الملك مراد والتي دخلها ابن الجزري في أواخر شهر رجب من سنة 798 هـ، وانتهى من تأليفها في منتصف عام 799هـ.
نسبته إلى ابن الجزري:
لقد جاء هذا النظم مذكوراً في كتب التراجم منسوباً إلى ابن الجزري، فقد ذكره أحمد بن الجزري في طبقات القراء في ترجمة أبيه وأيضاً أشار إليه الإمام السخاوي وطاش كبرى زاده والشوكاني وبروكلمان في الذيل.
مخطوطاته:
نظراً لأهمية هذه المنظومة وقيمتها العلمية لدى أئمة علم القراءات وطلبته فقد تهافت طلبة العلم إلى حفظها ونسخها ونشرها، وبذلك نالت خزائن المخطوطات حظا وافرا من نسخها.
ومن أهم تلك النسخ ما يلي:
- نسخة بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة مسجلة برقم: 24 - 1947 عدد أوراقها: 27، نسخت في سنة: 823 هـ.
- نسخة بمكتبة جامعة الملك سعود بالرياض مسجلة برقم: 299، عدد أوراقها: 45 نسخت قبل سنة: 874 هـ.
- نسخة بمتحف طوبقبو سراي باستانبول مسجلة برقم: (1666/ H/ 18) عدد أوراقها: 104، نسخت في سنة: 884هـ.
- نسخة بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء مسجلة برقم: 1542، عدد أوراقها: 30 (من 60 إلى 90)، نسخت في سنة: 1086هـ.
- نسخة بمتحف الجزائر، مسجلة برقم: (365- R-388) عدد أوراقها: 24 من (94 -118) ضمن مجموع، نسخت في سنة 1101هـ.
- نسخة بالمكتبة الظاهرية بدمشق مسجلة برقم: 6404 / علوم القرآن، عدد أوراقها: 36 من (98 -134)، ضمن مجموع، نسخت خلال القرن 12هـ.
- نسخة بمكتبة الحرم المكي بمكة المكرمة، مسجلة برقم: (17/ 15) عدد أوراقها: 60 ورقة ضمن مجموع، نسخت في سنة: 1204هـ.
- نسخة بمعهد الاستشراق بموسكو، مسجلة برقم: (363 - B-3029) عدد أوراقها: 16 من (1/ 124- 1 /140)، نسخت في سنة: 1307هـ.
- نسخة بدار الكتب الوطنية بتونس، مسجلة برقم: (9/ 384) موجودة ضمن مجموع من 185 ورقة، ولم يسجل عليها سنة نسخها.
طبعاتــه:
- قام بطبع هذا النظم طباعة حجرية ونشره حسن الطرخي بالقاهرة سنة: 1302هـ / 1882م وذلك ضمن مجموعة من المتون في القراءات.
- طبع هذا النظم بطبعة شرف بالقاهرة ضمن سبعة من المتون في القراءات وذلك سنة: 1308هـ / 1888م.
- وطبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة سنة : 1354هـ/1935م ونشر ضمن مجموعة من الرسائل في القراءات وكانت الطيبة خامستها وهي واقعة بين الصفحتين :168و 263.
رابعاً: هداية المهرة في ذكر الأئمة العشرة المشتهرة:
يظهر من خلال تسمية هذا المؤلف أن ابن الجزري تناول فيه تراجم أئمة القراءات العشرة التي اشتهرت بين القراء، ولم أجد ابن الجزري يشير إلى هذا الكتاب في مؤلفاته بينما ذكره له كل من حاجي خليفة وإسماعيل البغدادي.
مخطوطاته:
يوجد من هذا المؤلف مجموعة من النسخ منها:
- نسخة بمكتبـة تشتربيـتي مسجـلة بـرقـم: 4432، عـدد أوراقـها: 12 (من 41 إلى 52)، نسخت في سنة: 879 هـ.
- نسخة بمكتبة آيا صوفيا السليمانية باستانبول مسجلة برقم: 39.
- نسخة بمكتبة راشد أفندي مسجلة برقم: 1007.
- نسخة بالمكتبة العمومية باستانبول مسجلة برقم: 161(35).
- نسخة بمكتبة الفاتيكان مسجلة برقم: 2/ 1456،عدد أوراقها: 11ورقة ضمن مجموع من (25 إلى 36).
وهو مؤلف لا يزال غير مطبوع.
خامساً: الإسعاد في الخلف بين الكفاية والإرشاد
كتاب الإرشاد مؤلف للأستاذ أبي العز محمد بن الحسين القلانسي الواسطي، تناول فيه خلاف القراء العشرة، غير أنه كان مختصراً فلم يشمل طرقاً كثيرة، وأما كتاب الكفاية فهو للمؤلف نفسه تناول فيه ذكر خلاف القراء العشرة أيضاً، غير أن هذا الأخير كان مشتملا على طرق وأوجه كثيرة، فجاء أكبر وأشمل، ثم جاء الإمام ابن الجزري وقرأ الكتابين على شيوخه وحصلت له بهما رواية عالية، ثم قرأ بمضمونهما القرآن كله ثم بدا له أن يؤلف كتاباً يذكر فيه خلاف الكتابين وأسماه الإسعاد.
قال ابن الجزري:
"محمد بن الحسين أبو العز الواسطي القلانسي شيخ العراق.. وألف كتاب الإرشاد في العشر وهو مختصر.. وكتاب الكفاية أكبر من كتاب الإرشاد، وقد قرأت الكتابين، وقرأت بهما وحصلت لي رواية الإرشاد عالياً جداً، وذكرت خلفه في كتابي الإسعاد".
ويلاحظ أن هناك مؤلفاً آخر باسم الكفاية وهو للإمام أبي القاسم الحريري، وهو في القراءات السبع، ويفرق ابن الجزري بينهما بأن يطلق على مؤلف الحريري الكفاية الصغرى، وعلى الآخر الكفاية الكبرى، وهناك كفاية أخرى من نظم الإمام أبي محمد عبد الله بن عبد المؤمن الواسطي نظم فيه كتابه الكنز على وزن الشاطبية ورويها، ولم أجد من أشار إلى هذا المؤلف مِمَّنْ ترجموا لابن الجزري، ولو لم يذكره ابن الجزري نفسه لم أذكره له.
سادسا: النشر في القراءات العشر
يعتبر النشر في القراءات العشر من أجمع كتب القراءات وأنفعها؛ إذ تناول فيه ابن الجزري كل صحيح من طرق وروايات القراءات العشر، ويعتبر هذا الكتاب أيضا زبدة ما ألفه ابن الجزري في علم القراءات حيث جمع فيه جميع موضوعات هذا العلم التي أفردها في مصنفاته الأخرى.
وكان الإمام العلامة الضباع قد أثنى على هذا المؤلف فقال: ".. فهو كتاب حقيق أن تشد له الرحال، لما حواه من صحيح النقول وفصيح الأقوال، جمع فيه مؤلفه -رحمه الله تعالى- من الروايات والطرق ما لا يعتريه وهن، ولا يتطرق إليه شك ولا طعن، على تواتر محكم، وسند متصل معلم، فهو البقية المغنية في القراءات؛ بما حواه من محرر طرق الروايات، وهو البستان الجامع والروضة الزهية والإرشاد النافع والتذكرة الواقية"، وكان ابن الجزري قد استفتحه بقوله: "الحمد لله الذي أنزل القرآن كلامه ويسَّره، وسهَّل نشره لمَنْ رامَهُ وقدَّره، وللقيام به مَنْ اختاره وبصَّره، وأقام لحفظه خيرته من بريَّته الخيِّرة…".
وكان ختامه:
"هذا آخر ما قدر الله جمعه وتأليفه من كتاب نشر القراءات العشر.. وأجزت جميع المسلمين أن يروه عني بشرطه والحمد لله..".
سبب تأليفـه:
تمثل السبب الذي دعا ابن الجزري إلى تأليف هذا المؤلف في رغبته في أحياء هذا العلم -علم القراءات- بعد اندثار معالمه، وازدهاره من بعد تقهقر اعتراه وأصابه، وبعث همم طالبيه بعد قصور شابها وانتابها فقال: "وإني لما رأيت الهمم وقد قصرت ومعالم هذا العلم وقد دثرت وخلت من الأئمة الآفاق.. وترك لذلك أكثر القراءات، ونسي غالب الروايات الصحيحة المذكورة، حتى كاد الناس لم يثبتوا قرآناً إلا ما في الشاطبية والتيسير، ولم يعلموا قراءات سوى ما فيهما من النزر اليسير، وكان من الواجب أن علي التعريف بصحيح القراءات والتوقيف على المقبول من منقول مشهور الروايات، فعمدت إلى أن أثبت ما وصل إلي من قراءاتهم، وأوثق ما صح لدي من رواياتهم عن الأئمة العشرة قراء الأمصار، والمقتدى بهم في سالف الأعصار".
منهجه في الكتاب:
لقد كان ابن الجزري ملتزما بالمنهج العلمي الذي سلكه في جل كتبه، ومن ذلك أن يبين منهجه المتبع في أغلب مؤلفاته ومنهجه الذي سلكه في كتابه النشر أوضحه في قوله: "واقتصرت عن كل إمام براويين وعن كل راو بطريقين وعن كل طريق بطريقين: مغربية ومشرقية، مصرية وعراقية، مع ما يتصل إليهم من الطرق، ويتشعب عنهم من الفرق".
ثم قال بعد سرده للأئمة القراء ورواتهم وطرقهم:
"لم أدع عن هؤلاء الثقات الإثبات حرفاً إلا ذكرته، ولا خلفاً إلا أثبته، ولا إشكالاً إلا بنيته، منبهاً على ما صحَّ عنهم وشذَّ، وما انفرد به منفرد وفذَّ، ملتزماً للتحرير والتصحيح والتضعيف والترجيح معتبراً للمتابعات والشواهد، رافعاً إبهام التركيب بالعزو والمحقق إلى كل واحد جمع طرق بين الشرق والغرب، فروى الوارد والصادر بالعزب وانفرد بالإتقان والتحرير"، والمتتبع لعمل ابن الجزري في هذا الكتاب يجده –فعلاً- قد التزم بهذا المنهج الذي نص عليه وقرره، فلا يكاد يغفل عن شرط مما اشترط، ولا يهمل شيئاً ممَّا التزم به.
زمن تأليف الكتاب:
لقد ألف ابن الجزري هذا الكتاب في غضون ثمانية أشهر فقط، إذ بدأه في أوائل شهور ربيع الأول من سنة تسع وتسعين وسبعمائة للهجرة بمدينة بورصة، وفرغ منه في شهر ذي الحجة من السنة نفسها، وليس في هذا إلا دلالة على نبوغ ابن الجزري وسعة علمه وعلو شأنه وسمو قدره؛ إذ كيف يؤلف كتابا بهذا الحجـم وبهذه الدقة العلمية وبهذه الغزارة الفنية ولا يستغرق ذلك سوى ثمانية أشهر؟
موضوعات الكتاب:
لقد قسم ابن الجزري كتابه النشر إلى ثلاثة أقسام رئيسة بالإضافة إلى مقدمة تتقدم هذه الأقسام.
وجملة ما حوته تلك الأقسام من فروع ما يلي:
أ - المقدمة: وتضمنت ما يلي:
فضل القرآن الكريم.
جمع القرآن الكريم في أطواره الثلاثة.
أركان القراءة الصحيحة.
حكم القراءة بالشاذ والصلاة به.
حكم تلفيق القراءة.
حديث الأحرف السبعة والخلاف فيه.
المصحف العثماني والأحرف السبعة والقراءات المشهورة.
فائدة اختلاف القراءات.
ترجمة موجزة للقراء العشرة ورواتهم وطرقهم.
أسانيد المؤلف في الكتب التي روى منها القراءات.
أسانيد المؤلف إلى القراء العشرة.
ب - قسم تجويد الحروف وتضمن ما يلي:
مخارج الحروف.
صفات الحروف.
أنواع القراءة وأيها أفضل؟.
قاعدة الترقيق والتفخيم.
أحكام الميم الساكنة.
أحكام الإظهار والإدغام والإخفاء.
الوقف والابتداء: أنواعهما وأحكامهما ومذاهب الأئمة في ذلك.
الوقف والقطع والسكت.
ج - قسم أصول القراءات العشر: وتضمن ما يلي:
خلاف القراء في الاستعاذة والبسملة.
خلاف القراء في سورة الفاتحة.
حكم هاء ضمير التثنية والجمع.
حكم ميم الجمع.
الإدغام الكبير عند أبي عمرو البصري.
هاء الكناية.
باب المد: أسبابه ومراتبه وأنواعه وما اختلف فيه.
باب الهمز: أنواعه وأحكامه
التقارب والتجانس والتماثل في الحروف المدغمة.
مذاهب القراء في الفتح والإمالة وما بينهما.
مذاهب القراء في اللامات والراءات تفخيماً وترقيقاً.
الوقف على أواخر الكلم وخلاف القراء فيه.
الوقف على المرسوم الخطي وخلاف القراء فيه.
مذاهب القراء في ياءات الإضافة.
مذاهب القراء في الياءات الزوائد.
د - قسم فرش الكلمات: وتضمن ما يلي:
حكم جمع القراءات وكيفية الأخذ بها.
فرش حروف السور القرآنية بدءا من الفاتحة وانتهاء بالناس.
التكبير: حكمه وسبب وروده وصيغته.
ما يتعلق بختم القرآن الكريم.
وكان ابن الجزري بهذا التقسيم والتبويب قد اتبع منهج المتقدمين في طريقة التصنيف حيث جعل لأصول القراءات قسما وللفرش قسما آخر، وهذه الطريقة ورثت عن الإمام ابن مجاهد.
قال د. عبد الفتاح بحيري إبراهيم:
"..وقد فعل ذلك أيضا تلميذه أبو عمرو الداني في كتابه التيسير وكذلك فعل ابن مهران في كتابه المبسوط في القراءات العشر وكذلك فعل ابن الجزري في النشر في القراءات العشر".
خواصـه:
يتميز هذا الكتاب بالمميزات التالية:
1- يعتبر هذا الكتاب من أصح ما كتب في القراءات إذ تميز باستيعاب كل الصحيح من القراءات، فجمع بين خصلتين لم تجتمعا معا في المؤلفات التي ألفت قبله وهما: حشد كل القراءات وجمعها، وتحقيق شرط الصحة في كل ذلك، فلم تبق قراءة صحيحة إلا اشتمل عليها، وما ألف من قبل من كتب القراءات عني فيه بإحدى الخصلتين فقط، إما بالجمع دون مراعاة لشرط الصحة، وإما باشتراط الصحة دون مراعاة استيعاب كل القراءات الصحيحة.
2- يعتبر كتاب النشر من أجمع ما ألف في القراءات؛ إذ أورد فيه قراءة الأئمة العشرة من عشرين رواية، ومن ثمانين طريقاً إجمالاً، ومن نحو ألف طريق تفصيلاً، ومثل هذا نادر وعزيز في كتب القراءات الأخرى؛ إذ اقتصر بعضها على بعض القراءات العشر، واكتفى البعض الآخر ببعض الروايات وأهمل بعضها الكثير من الطرق.
قال حاجي خليفة:
"..وهو الجامع لجميع طرق العشرة، لم يسبق إلى مثله".
3- يعتبر كتاب النشر خلاصة ما ألّفه ابن الجزري في علم القراءات وما يتبعه من فروع، فهو قد اشتمل على القراءات بطرقها الألف كما اشتمل على مقدمات ومبادئ وأصول في علم التجويد والرسم القرآني، وعني فيه بدراسة أسانيد القراءات وتصحيحها بناء على ما أثبته في كتابيه طبقات القراء الصغرى والكبرى.
4- لم يكن هذا الكتاب مؤلفاً في القراءات وما يتعلق بها فحسب بل تناول فيه ابن الجزري أيضاً مباحث هامة في فنون أخرى في ثنايا حديثه عن مسائل القراءة، فقد كانت القواعد النحوية مرجعاً له، وكانت الأصول اللغوية شاهداً لما يُرجِّحه ويختاره خاصة فيما تعلّق بمباحث الإدغام والإمالة ومخارج الحروف وصفاتها.
يتبع إن شاء الله...