منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28) Empty
مُساهمةموضوع: السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28)   السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28) Emptyالأربعاء 26 فبراير 2014, 6:28 am

السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28)

اِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيي اَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَاَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ اَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهمْ وَاَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذَا اَرَادَ الله بِهذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ اِلاَّ الْفَاسِقِينَ 26 الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما اَمَرَ الله بِهِ اَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الاْرْضِ اُولئِك هُمُ الْخاسِرُونَ 27

اعلم! ان في هذه الآية أيضاً الوجوه الثلاثة النظمية وان مآل المجموع ينظر الى سوابقه والى لواحقه والى مجموع القرآن الكريم.

وأما نظمها بالنظر الىلواحقها فاعلم! ان القرآن لما مثّل بالذباب والعنكبوت وبحث عن النمل والنحل انتهز الفرصةَ - للاعتراض- اليهودُ واَهلُ النفاق والشركِ فتحمقوا وقالوا: أيتنزل الله تعالى مع عظمته الى البحث عن هذه الأمور الخسيسة التي يستحي من بحثها أهل الكمال؟ فضرب القرآن بهذه الآية ضرباً على أفواههم.

وأما نظمها بالقياس الى سوابقها، فاعلم! أن القرآن لما أثبت النبوّة بالإعجاز والإعجاز بالتحدِّي والتحدِّي بسكوتهم.. وكذلك أثبت في رأس السورة ان القرآن مشتمل على صفات عالية ومزايا كاملة لا تجتمع في كلام؛ سكتوا في نقطة التحدي حتى لم ينبض لهم عرق عصبية لكن اعترضوا وغالطوا في نقطة كماله وقالوا ان التمثيل في امثال (كمثل الذي استوقد ناراً) و (كصِّيب من السماء) من الأمور العادية سبب لنزالة درجة الكلام فيشبه المحاورة العادية بين الناس؛ فالقرآن ألقمهم حجراً وأفحمهم بهذه الآية.

وايضاحه: ان لهم شبهات واهية منشؤها أوهام متسلسلة مبناها مغالطات:

احداها: القياس مع الفارق ومنشؤه انهم ينظرون الى كل شئ بمرآة مألوفهم. 

فحينما يرون الانسان ذهنه جزئي وفكره جزئي ولسانه جزئي وسمعه جزئي؛ لا يتعلق كلٌ بأمرين معا بالذات، ويعرفون أن مقياس الهمة موضوع المشغلة والاهتمام، ويرون ان القيمة والعظمة بنسبة الهمة حتى انهم لا يسندون أمراً حقيراً نزيلاً الى شخص عال جليل؛ ظناً منهم انه لايتنزل للاشتغال بمثله ولايسع ذلك الأمر الحقير همته العظيمة، ينظرون بهذا النظر المشط الى الواجب تعالى ويقولون: كيف يتنزل بعظمته وجلاله للتكلم مع البشر بمثل محاورة الانسان وللبحث عن هذه الأمور الجزئية لاسيما هذه الأشياء المحقّرة؟ أفلا يعقل هؤلاء السفهاء ان ارادة الله تعالى وعلمه وقدرته كلية عمومية شاملة محيطة وليس مقياس عظمته تعالى الاّ مجموع آثاره، وما ميزان تجليه الاّ كافة كلماته التي لو كان البحر مداداً لها مانفدت. 

مثلاً (ولله المثل الأعلى) اذا القت الشمس - بعد فرض كونها مختارة عاقلة - ضياءها على ذرّة ملوّثة، أيُقال لها كيف تنزلت بعظمتها للاشتغال والاهتمام بمثل هذه الذرة؟

نعم! ان الله تعالى كما خلق العالم واتقنه صنعاً واهتم به؛ كذلك خلق الجوهرَ الفردَ وأتقن صنعه. ففي نظر القدرة الجواهر الفردة كالنجوم السيارة، لأن قدرته تعالى وعلمه وارادته وكلامه لازمة للذات، وذاتية، فليست متجددة ولا قابلة للزيادة والنقصان ولا متغيرة حتى يتداخل فيها المراتب؛ اذ العجز ضدٌ لها لا يمكن تداخله بينها. 

فلا فرق بين الذرة والشمس. 

اذ الممكنُ بتساوي طرفَيه كالميزان ذي الكفتين، لا فرق في صرف القوة التي ترفع كفة وتضع أخرى بين ان يكون في الكفتين شمسان أو ذرتان، وهكذا نسبة المقدورات بالنسبة الى القدرة الذاتية اللازمة. 

وأما بالنسبة الى قوة الممكنات العارضة المتغيرة المتداخل بينها العجز فلا موازنة.

والحاصل: ان الذرات والأمور الخسيسة لما كانت مخلوقة له تعالى كانت معلومة له بالضرورة، فلا مُشاحّة بالبداهة أن يبحث عنها. 

وعلى هذا السر قال (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) 1 فكيف لا يبحث عنها ولا يتكلم بها مَنْ عَلِم وهو العزيز الحكيم.

وثانية المغالطات: هي انهم يزعمون انهم يرون في اسلوب القرآن خلف المتكلم تمثال انسان، بدليل البحث عن هذه الأشياء الحقيرة والأمور العادية كأسلوب محاورة البشر. 

أفلا يتذكر هؤلاء المتجاهلون ان الكلام كما ينظر الى متكلمه بجهة؛ كذلك ينظر الى المخاطب به بجهات، على ما تقتضيه البلاغة للتطبيق على مقتضى حال المخاطب. 

_____________________

1 سورة الملك: 14.

فلما كان المخاطب بشراً وكان البحث عن أحواله والمقصد تفهيمه، لبس القرآن اسلوبَ البشر الممزوج بحسيّاته المسمى بـ"التنزّلات الالهية الى عقول البشر" للتأنيس.. ألا تراك اذا حاورت مع صبيّ تتصبّى له؟

فان قلت: ان حقارة الأشياء وخساستها تنافي عظمة القدرة ونزاهة الكلام؟

قيل لك: ان الحقارة والخساسة والقبح وأمثالها انما هي بالنظر الى مُلك الأشياء وجهتها الناظرة الينا وبالنظر الى نظرنا السطحيّ. وقد وُضعت الأسباب الظاهرية للتوسط في هذه الجهة لتنزيه العظمة. 

وأما بالنظر الى ملكوتية الأشياء فكلها شفّافة عالية. 

وهذه الجهة هي محل تعلق القدرة، لايخرج من التعلق شئ؛ فكما اقتضت العظمة وضع الأسباب في الظاهر كذلك تستلزم الوحدة والعزة شمول القدرة لكلٍ واحاطة الكلام به؛ على ان القرآن المكتوب على ذرّة بالجواهر الفردة ليس بأقل جزالةً من القرآن المكتوب على صحيفة السماء بمداد النجوم، وان خلقة الذباب ليست بأدنى صنعا من خلقة الفيل. 

فالكلام كالقدرة.

فان قلت: الى أيّ شئ تعود الحقارة الظاهرية في هذه التمثيلات؟

قيل لك: انما تعود الى الممثَّل له دون الممثِّل، فكلما كانت مطابقته للممثَّل له أحسن، كانت درجة الكلام أعلى ونظام البلاغة أرفع. 

ألا ترى ان السلطان اذا أعطى راعيه ما يليق به من اللباس وألقى الى الكلب ما يشتهيه من العظم.. الخ. 

لايقال انه فعل بدعة، بل يقال انه أحسن بوضع كل شئ في موضعه. فاذاً كلما كان الممثل حقيراً كان مثاله حقيراً، وان كان عظيماً فعظيماً. ولما كانت الأصنام أدنى الامور سلط الله الذباب على رؤوسها. 

ولما كانت عبادتها أهون الأشياء جعل الله تعالى نسج العنكبوت عنوانها.

وثالثة المغالطات: 

انهم يقولون ما الحاجة الى امثال هذه التمثيلات المومئة الى العجز عن اظهار الحقيقة؟.

الجواب: لما كان المقصد من انزال التنزيل ارشاد الجمهور، والجمهور عوام، والعوام لايرون الحقائق المحضة والمجردات الصرفة عراة عن متخيلاتهم ـ ألبس الله تعالى بلطفه واحسانه الحقائق لباس مألوفاتهم لتحسن الُفتهم كما عرفت في سرّ المتشابهات.

أما نظم الجمل بعض مع بعض، فاعلم! أن (ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) ردٌّ وطرد لاعتراضات متسلسلة. 

كأنهم يقولون أية حكمة في مكالمة الله تعالى مع البشر، وعتابه عليهم، والتشكِّي منهم؛ فانها علامة ان للانسان أيضاً تصرفاً آخر في العالم؛ لاسيما كالمحاورة الجارية بين الناس فانها علامة انه كلام البشر.. ولاسيما يتراءى من خلف الكلام تمثال انسان.. ولاسيما بتصويرات وتمثيلات فانها علامة العجز عن اظهار الحقيقة.. ولاسيما اذا كانت التمثيلات عادية فانها علامة انحصار ذهن المتكلم .. ولاسيما بأمور حقيرة فانها علامة خفة المتكلم.. ولاسيما اذا كانت مما لا اضطرار اليه وكان تركه أولى.. ولاسيما اذا كان بعض تلك الأمور مما يستحي أهلُ العزّة عن البحث عنه.. ولاسيما اذا كان الباحث ذا العظمة والجلال.. فأجاب القرآن هدما لهذه السلسلة من المبدأ الى المنتهى بضربة واحدة فقال (ان الله لايستحيي...) الخ؛ لان جهة الملكوتية لا تنافي العظمة والجلال فلا يتركها ولا يهملها؛ اذ الالوهية تقتضي كذلك. 

فاذاً يمثَّل بالأمور المحقّرة للمعاني المحقّرة؛ اذ حكمته مع سر البلاغة هكذا تقتضي.. فاذاً يذكر التمثيلات العادية بناء على انها الموافقة للتربية والارشاد.. 

فاذاً يصوّر الحقائق بتمثيلات - بناء على ما تقتضيه العناية مع التنزلات الالهية .. فاذاً يختار اسلوب محاورة البشر بعض مع بعض بناء على ما تقتضيه الربوبية مع التربية.. فاذاً يتكلم مع الناس بناءً على ماتقتضيه الحكمة مع النظام.

والحاصل: ان الله تعالى لما أودع في الانسان جزءاً اختيارياً وجعله مصدراً لعالم الأفعال، أرسل كلامه لينظم ذلك العالم.

وان نظم جملة (فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم) هو: انه لما ذكر في الأولى المدعى، أشار بهذه الى طريق دليله. 

وكذا رمز وأومأ الى وجه دفع الأوهام، أي من نظر بنور الايمان ومن جانب الله تعالى ومن جهة قدرته جاعلا حكمته وعنايته وربوبيته نصب العين، علم انه حق وبلاغة. 

واما من نظر من جانب حضيض نفسه، ومن جهة الممكنات، فلا جرم ستهوي به الأوهام.. ومثلهما كمثل شخصين صعدا منحدراً رأيا جداول ماء. 

أما أحدهما فيصعد ويرى رأس العين ويذوق فيعلم ان الماء كله عذب؛ فكلما يصادف قطعة ماء من تفرعات الجداول يتفطن - ولو بامارة ضعيفة - انه عذب، فلا تقدر الأوهام ولو قوية على تغليطه. وأما الآخر فيتسفل وينظر من جانب التفرعات ولا يرى منبع العين فيحتاج لمعرفة عذوبة كل قطعة ماء الى دليل قطعي. 

فأدنى وهمٍ يُورطه في الشبهة. 

أو كمثال شخصين بينهما مرآة ينظر أحدهما الى الوجه الشفّاف، والآخر الى الوجه الملوّن.

والحاصل: انه لابد في النظر الى صنعه تعالى ان ينظر اليه من جانبه تعالى مع ملاحظة عنايته وربوبيته وليس هذا النظر الا بنور الايمان ولاتكون الأوهام حينئذ - ولو قوية - إلا أوهن من بيت العنكبوت. 

ولو نظر اليه من جهة الممكنات بنظر المشتري وبفكره الجزئي لقويت في عينه الأوهامُ الضعيفة فيتستر عنه الحقيقةُ كما يمنع جناحُ بعوضةٍ رؤية العين لجبل الجوديّ.

وان نظم جملة: (وأما الذين كفروا..) الخ هو: انه لما ارى طريق فهم حكمة اسلوب التمثيلات - وهي النظر بنور الايمان من جانب الواجب الوجود - بيّن هنا الطريق المقابل الذي هو منشأ الأوهام والتعللات بأن ينظر من طرف نفسه بظلمة الكفر التي تصور كل شئ مظلما مع مرض القلب الذي يثقل به اخفّ وَهْم. 

ثم يضل طريق الحق ثم يتردد ثم يستفهم ثم ينكر. فالقرآن بالايجاز والكناية أورد - اشارةً الى استفهامهم الانكاري - قوله: (ماذا أراد الله بهذا مثلا) بدل "لايعلمون" مع انه المطابق للسابق ظاهراً.

وان نظم جملة: (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً) هو: انها جواب عن صورة استفهامهم فلغاية الايجاز نزلت الغاية والعاقبةُ منزلة العلة الغائية كأنهم يسألون ويقولون: لأي شئ كان هكذا؟ ولِمَ لم يكن اعجازه بديهيا؟ ولِمَ لم يكن كونه كلام الله ضرورياً؟ ولِمَ صار معرض الأوهام بسبب هذه الأمثال؟ فأجاب القرآن بقوله: (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً) أي: لأجل ان من تفكر فيه بنور الايمان ازداد نوراً. 

ومن تفكر بظلمة الكفر والتنقيد ازداد ظلمة.. وهذا لأجل انه نظريّ ليس بديهياً.. وهذا لأجل تفريق الأرواح الصافية العلوية عن الأرواح الكدرة السفلية.. وهذا لأجل تمييز الاستعدادات العالية بالنشوء والنماء عن الاستعدادات الخبيثة.. وهذا لأجل تمييز الفطرة الصحيحة بالتكمل والمجاهدة والاجتهاد عن الفطرة المتفسخة الفاسدة.. وهذا لأجل ان أمتحان البشر يستلزمه.. وهذا لأجل ان الابتلاء يقتضيه..

وهذا لأجل ان سر التكليف لتكميل البشر وسعادته يستلزمه. 

فأوجز التنزيل في الجواب.

ان قلت: قد قلت ان التكليف لتأمين سعادة البشر مع انه يكون سببا لوقوع الأكثر في الشقاوة، ولولاه لما صار التفاوت بهذه الدرجة؟.

قيل لك: ان الله تعالى كما كلّف الجزء الاختياريَّ بكسبه تشكيل عالم الأفعال الاختيارية؛ كذلك جعل التكليف سبب اسقاء وانبات البذور الغير المحصورة المودوعة في روح البشر. ولولاه لبقيت الحبوبات يابسة. 

واذا تأملت في أحوال النوع بنظر نافذ رأيت كل ترقيات الروح المعنوية، وكل تكملات الوجدان الالهية، وتكملات العقل، وترقيات الفكر المثمرة بدرجة تحير فيها العقول انما وجدت كافة بالتكليف.. وانما استيقظت ببعثة الأنبياء.. وانما تلقحت بالشرائع.. وانما ألهمت من الأديان. 

ولولاها لبقي الانسان حيوانا ولانعدمت هذه الكمالات الوجدانية وتلك المحاسن الاخلاقية. 

أما القسم القليل فقبلوا التكليف اختيارا ففازوا بالسعادة الشخصية وصاروا سببا للسعادة النوعية. وأما القسم الكثير كميةً فهم وان كفروا بقلوبهم وفيما هم فيه مختارون لكن لما لم يكن كل حال كل كافر كافراً وكل صفته كافرة يابسة كانوا بسبب ايقاظ البعثة للحسِّيات الوجدانية، وتنبيه النبوة للسجايا الاخلاقية، وبتسامع الشرائع ، وتعارف آثارها بحيث قد قبلوا أنواعاً من التكليف اضطراراً.

فان قلت: سعادة القليل مع شقاوة الكثير كيف تكون مظهراً لسعادة النوع حتى تكون الشريعة رحمة، مع ان سعادة النوع انما تكون بالكل او الأكثر؟

قيل لك: اذا كان لك مائة بيضة ووضعتها تحت طير، فافرخت عشرين وأفسدت ثمانين؛ أفلا تقول قد تكمل هذا النوع؟ اذ حياة عشرين تساوي ألوف بيضةٍ. 

أو كان لك مائة نواة تمر فأسقيتها بالماء فصار عشرون منها نخلات باسقات وتفسخ ثمانون، أفلا تقول: الماء سعادة لهذا النوع؟ او كان لك معدن فسلطت عليه النار فأصفت خُمسه ذهبا وصيرت الباقي فحماً ورماداً، افلا تكون النار سبب كماله وسعادته؟ وقس على هذا!.. فاذاً نشوء الحسيات العالية ونموّ الأخلاق انما هو بالمجاهدة، وتكمل الأشياء انما هو بمقابلة الأضداد ومزاحمتها. 

ألاترى ان حكومة اذا جاهدت ينمو فيها الجسارة واذا تركت انطفأت.. تأمل!..

وان نظم جملة (وما يضل به الاّ الفاسقين) هو: انه لما ابهم في (يضل به كثيراَ) انتبه ذهن السامع وخاف فاستفسر قائلاً: من هم الضالون؟ وما السبب؟ وكيف تجئ الظلمة من نور القرآن؟.. فأجاب: بأنهم الفاسقون، وان الاضلال جزاء لفسقهم، وبالفسق ينقلب النور في حق الفاسق ناراً والضياء ظلمة. ألا ترى ان ضياء الشمس يعفن ما استقذرت مادته. 

وان وجه التوصيف بقوله (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض) هو انه شرحٌ وكشف للفسق اذ الفسق عدول عن الحق وتجاوز عن الحد وخروج من القشر الحصين. 

وان الفسق انما هو بالافراط أو التفريط في القوى الثلاث التي هي القوّة العقلية والغضبية والشهوية.. وان الافراط والتفريط سببان للعصيان في مقابلة الدلائل التي كالعهود الالهية في الفطرة.. وكذا وسيلتان لمرض الحياة النفسية وأشير الى هذا بالصفة الأولى.. وكذلك محرِّكان للعصيان في مقابلة الحياة الاجتماعية وتمزيق الروابط والقوانين الاجتماعية وأشير الى هذا بالصفة الثانية.. وأيضا هما سببان للفساد والاختلال المنجر الى فساد نظام الأرض وأشير الى هذا بالصفة الثالثة. 

نعم! ان الفاسق بتجاوز القوة العقلية عن حد الاعتدال يكسر رابطة العقائد ويمزق القشر الحصين اي الحياة الأبدية.. وبتجاوز القوة الغضبية يمزق قشر الحياة الاجتماعية.. وبتجاوز القوة البهيمية واتباع الهوى يزيل عن قلبه الشفقة الجنسية فيفسد ويورط الناس فيما تورط فيه فيكون سببا لضرر النوع وفساد نظام الأرض.

وان نظم جملة (أولئك هم الخاسرون) هو: انه لما ذكر جنايات الفاسق ورهب بها أكد التهديد بنتيجتها وجزائها ليؤثر الترهيب. فقال: هم الذين خسروا ببيع الآخرة بالدنيا واستبدال الهدى بالهوى.. 1

ولنشرع في نظم هيئات جملة جملة، فاعلم! ان الآيات وجملها وهيئاتها كأميال الساعة التي تعدّ الثواني والدقائقَ والساعاتِ، فكلما يثبت هذا شيئاً يؤيده ذاك بدرجته ويمده ذلك بنسبته، وكذا اذا اراد هذا شيئاً عاونه ذاك وساعده الآخر بحيث يُخطر الحال ما قيل: عِبَارَاتُنا شَتّى وَحُسْنُكَ وَاحِدٌ وَكُلٌ الى ذَاكَ الْجَمالِ يُشِيرُ ولهذا السر قد بلغت سلاسة القرآن وعلوّ طبقته ودقة نقشه الى مرتبة الاعجاز.

_____________________

1 لعله: استبدال الهوى بالهدى.

أما هيئات جملة (ان الله لايستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) فاعلم! ان (ان) للتحقيق وردّ التردد والانكار فهي اشارة الى الترددات المتسلسلة المذكورة.. وان لفظة "الله" لتنبيه الذهن على الخطأ في القياس المذكور.. وان ايثار (لايستحيي) على "لايترك" مع ان الحياء - وهو انقباض النفس - محال في حقه تعالى ونفى المحال لا فائدة فيه، اشارة الى ان الأسباب من الحكمة والبلاغة وغيرهما تقتضي حسن التمثيل فلا علة للترك الا الحياء، والحياء عليه تعالى محال فلا سبب للترك أصلا فألزمهم أشدّ إلزام وألطفه.. وكذا رمز بمشاكلة الصحبة الى كلمتهم الحمقاء من قولهم: "أما يستحي ربّ محمد من التمثيل بهذه المحقّرات".. وان ايثار (ان يضرب) على "من المثل الحقير" مع انه الأنسب، اشارة الى اسلوب لطيف وهو: ان التمثيل كضرب الخاتم للتصديق والاثبات، أو كضرب السكة للقيمة والاعتبار. 

وفي الاشارة رمز الى حسن التمثيل طرداً للأوهام، وكذا اشارة الى ان التمثيل منهاج مشهور مستحسن، لأن ضروب الأمثال من القواعد المعروفة.. وان ايثار (ان يضرب) على "ضرب" مع انه الأوجز للايماء الى أن منشأ الاعتراض ليس إلاّ الخساسة. 

لأن (ان يضرب) لعدم استقلاله كأنه لطيف يُمرّ القصدَ الى المفعول.. وأما "ضرب" فلاستقلاله كأنه كثيف يستوقف القصد.. وان (مثلا) ايماء الى خاصية التمثيل من تصوير المعقول بالمحسوس، والموهوم بالمحقق، والغائب بالشاهد. ومنه ايماء الى رد الوهم.. وتنكير (مثلا) رمز الى ان مدار النظر هو ذات التمثيل، وأما الصفات فمحمولة على طبيعة المقام وحال الممثَّل له.. وان التعميم في (ما) اشارة الى تعميم القاعدة لئلا يختص الجواب بما اعترضوا به فالممثَّل له أية صورة أقتضى استحسنتها البلاغة. 

وان تخصيص (بعوضة) اشارة الى كثرة استعمال البلغاء للتمثيل بها كقولهم "أضعف من البعوضة" 1 و"أشد عنادا من البعوضة" و "كلفتني مخ البعوضة" و "أعزّ من مخ البعوضة" 2 و "قالت البعوضة للنخلة استمسكي انا أطير" و "الدنيا لا توزن عند الله جناج بعوضة" وقس.. وفي الاشارة رمز الى ضعف وهمهم.. وان المعنى بـ (ما فوقها) مادونها في الصغر وما فوقها في قيمة البلاغة أو في الصغر أيضا فالتعبير بـ (مافوقها) اشارة الى ان الصغير اغرب بلاغة وأعجب خلقة.

_____________________

1 جمهرة الامثال للعسكرى 2/.3.

2 جمهرة الامثال للعسكرى 2/33.

واعلم! ان الهيئات كخيوط الحرير باجتماعها يظهر النقش الحسن. وأما هيئات جملة (فأما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا) فاعلم! ان الفاء للتفريع، والتفريع اشارة الى دليل ضمني ينتج هذه الجملة ذات الشقين: أي لايترك التمثيل لأن البلاغة تقتضيه؛ فمن انصف يعرف انه بليغ وحق وكلام الله تعالى. ومن نظر بالعناد لايعلم الحكمة فيتردد.. فيسأل.. فينكر.. فيستحقر. 

فانتج: ان المؤمن - لأنه منصف - يصدق انه كلام الله، والكافر - لأنه معاند - يقول ما الفائدة فيه؟ وان "اما" فلانها شرطية لزومية في الوضع اشارة الى ان الخبر لازم للمبتدأ وضروريّ له، يعني من شأن المبتدأ هذا الخبر.. وان ايراد (الذين آمنوا) بدل "المؤمنين" اشارة الى التنصيص على ان الايمان هو سبب العلم بحقيته وان العلم بحقيته ايمان 1.. وان (انه الحق) بدل "انه البليغ" الأنسب بالمقام اشارة الى آخر نتيجة اعتراضهم اذ غرضهم نفى كونه كلام الله.. وان حصر "انه الحق" اشارة الى ان هذا هو المستحسن الذي لا يستقبح بخلاف ما يزعمون اذ السلامة من العيب لاتثبت الكمال.. وان (من ربهم) اشارة الى ان هدف غرضهم انكار النزول.. وان "اما" في "واما الذين كفروا" للتأكيد والتحقيق والتفصيل.. وان ايراد (الذين كفروا) بدل "الكافرين" الأوجز ايماء كما مر الى ان انكارهم يجئ من الكفر ويذهب الى الكفر.. وان ايثار (فيقولون) على "فلا يعلمون" مع انه الظاهر كما مر فلاختيار طريق الكناية للايجاز أي: من كفر لايعرف الحقيقة فينجر الى التردد.. فينجر الى الانكار.. فينجر الى الاستحقار بصورة الاستفهام.. وأيضاً في "يقولون" رمز الى أنهم كما كانوا ضالّين، كذلك كانوا مضلين بأقوالهم.

_____________________

1 الظاهر: ان ههنا حذفاً من نسيان النساخ - كما انه نسي تحليل ماذا اراد الله بهذا مثلاً برمته - مع الاسف - يُعلم من عدم ارتباط الكلام، ومن فقد كلمة "فيعلمون " ومن عديله "الذين كفروا " مع الاحالة هناك على ما هنا. فاقول بدلاً عن المؤلف على نسق ما يأتي، فان حلّ محله فبها والاّ فعليّ:

ان ايراد الذين آمنوا بدل "المؤمنين " الاوجز ايماء الى ان انصافهم يجئ من الايمان، ويذهب الى الايمان.. وان ايثار "فيعلمون " على "فيقولون " الانسب بما يأتي اشارة الى التنصيص على ان الايمان هو سبب العلم بحقيقته، وان العلم بحقيقيته ايمان (ش).

وأما هيئات جملة (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراَ) فاعلم! ان الترتيب يقتضي تقديم الثانية لكن لما كان الغرض ردّ اعتراض المتردِّد المستفهِم المستنكِر المستقبح كان (يضل) أهمّ. 

أما العدول عن "الضلالة والهداية" المناسبتين للسؤال الى صورة الفعل المضارع فاشارة الى ان كفرهم يتكاثف ظلمة على ظلمة بنسبة تزايد النزول تجدداً؛ كما ان المؤمن يتزايد ايمانه بدرجات النزول نوراً على نور.. وكذا في الفعل - بناء على كونه جوابا - رمز الى بيان حال الفريقين وبيان السبب. وأما (كثيراً) ففي الأُولى كمية وعدداً، وفي الثانية قيمة وكيفية. 

نعم! ان كرام الناس كثيرون وان قلّوا. فالتعبير بالكثير في الثانية رمز الى سرّ كون القرآن رحمة للبشر 1. تأمل..

وأما جملة (وما يضل به الاّ الفاسقين) فاعلم! انه لما ذكر الكثير في الاولى دفع الوسوسة والخوف والتردد وتهمة النقص في القرآن ببيان: ان الضالين من هم؟ وان منشأ الضلالة فسقهم، وان سببها كسبهم، وان القصور منهم لا من القرآن، وان خلق الضلالة جزاء لفعلهم..

ثم اعلم! ان كل واحدة من هذه الجمل كما انها كشّافة لسابقتها؛ كذلك مفسَّرة بلاحقتها كأنها دليل للسابقة نتيجة للاحقة.

وايضاحه: ان فيها سلسلتين.

إحداها هكذا: انه لايستحي.. لأنه لايترك.. لأنه بليغ... لأنه حق.. لأنه كلام الله.. لان المؤمن يعلمه.

والثانية هكذا: انه لايستحي كما يقول المنكر.. لأنهم يقولون يلزم تركه.. لأنهم لايعلمون حكمته.. لأنهم يقولون ما الفائدة فيه.. لأنهم ينكرونه.. لأنهم يستحقرونه.. لأنهم يقعون في الضلالة بسماعه.. لأنهم يضلهم القرآن.. لأنهم هم الذين فسقوا وخرجوا عن قشرهم.. لأنهم نقضوا عهد الله.. لأنهم مزقوا ما اتصل بأمر التكوين والتشريع.. لأنهم يفسدون النظام الالهيّ في الارض. 

فاذاً هم الخاسرون في الدنيا باضطراب الوجدان وبقلق القلب وبتوحش الروح، وفي الآخرة بالعذاب الأبديّ وبغضب الله، فتأمل في سلاسة السلسلتين!..(2).

_____________________

1 اِذ من لطف القرآن وشمول رحمته للناس اظهار فضائل المهتدين القليلين كثيرةً، وبيان ان صاحب فضلية وهداية اولى" من الفٍ من المحرومين منها، لذا فالكرام كثيرون وان قلّوا (ت: 196).

(2) جزاك الله خيراً كثيراً لقد أحسنت في فهم السلسلتبن وتفهيمهما( بخط المؤلف على نسخة مطبوعة).

يتبع إن شاء الله...



السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 05 مايو 2021, 1:05 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28) Empty
مُساهمةموضوع: رد: السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28)   السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28) Emptyالأربعاء 26 فبراير 2014, 7:23 am

وأما هيئات جملة (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به ان يوصل ويفسدون في الأرض) فاعلم! ان توصيف الفاسقين المشككين في اعجازه ونظمه بهذه الأوصاف في هذا المقام، انما هو لمناسبة لطيفة عالية. كأن القرآن يقول: ليس ببعيد من الفساق - الذين لم يروا اعجاز القدرة في نظام الكائنات التي هي القرآن الأكبر - ان يترددوا ويجهلوا اعجاز نظم القرآن؛ اذ كما يرون نظام الكائنات تصادفيا، والتحولات المثمرة عبثا اتفاقية فتستر عنهم - لفساد روحهم - حِكَمَه؛ كذلك بفطرتهم السقيمة وتهوسهم الفاسد رأوا النظم المعجز مشوشا ومقدماته عقيمة وثمراته مرّة.
اما جملة (ينقضون عهد الله) فلأن النقض لغةً تفريق خيوط الحبل وتمزيقها اشارة الى اسلوب عال،كأن عهده تعالى حبل نوراني فتل بالحكمة والعناية والمشيئة فامتد من الازل الى ان اتصل بالأبد. 
فتجلى في الكائنات بصورة النظام العمومي وأرسلت تلك السلسلة سلاسلها الى الأنواع وامتدّ أَعْجُبُها 1 الى نوع البشر فاورثت واثمرت في روح البشر بذور استعدادات وقابليات تسقى وتتزاهر بالجزء الاختياريّ المعدَّل بالأمر التشريعيّ، أي الدلائل النقلية. 
فوفاء العهد صرف الاستعدادات فيما وضعت له؛ ونقض العهد خلافه وتفريقه، كالايمان ببعض الأنبياء وتكذيب بعض.. وقبول بعض الأحكام ورد بعض.. واستحسان بعض الآيات واستنكار بعض .. فانه يخل بالنظام والنظم والانتظام.
وأما جملة (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) فاعلم! ان هذا الأمر عام للأمر التشريعيِّ والأمر التكوينيِّ المندمج في القوانين الفطرية والعادات الالهية. 
فالقطع لما أمر بوصله شرعاً كقطع صلة الرحم وقطع قلوب المؤمنين بعض عن بعض. 
وعلى هذا القياس!.. وتكويناً كقطع العمل عن العلم.. وقطع العلم عن الذكاء .. وقطع الذكاء عن الاستعداد. 
وقطع معرفة الله عن العقل.. وقطع السعي عن القوة.. وقطع الجهاد عن الجسارة وهكذا!.. اذ إعطاء القوة أمر معنوي تكويني بالسعي، وإعطاء الذكاء أمر معنوي بالعلم.. الى آخره...
وأما جملة (ويفسدون في الأرض) فاعلم! ان من فسد وتورط في الوحل يطلب أن يكون له رفقاء متورطون ليتخفف عنه دهشة الحال بسر "اذا عمّت البلية طابت" وكذا اذا وقع في قلب أحد اختلالٌ، تخرب في قلبه الكمالاتُ وتتساقط الحسيات العالية، فيتولد فيه ميل التخريب فينتج له لذة في التخريب فيتحرى لذته في الافساد والاختلال.
_____________________
1 جمع عجب وهو الدنب.
- فان قلت: كيف يؤثر فساد فاسق في عموم الأرض المشار اليه بلفظ في الأرض؟
قيل لك: الذي فيه نظام ففيه موازنة، حتى ان النظام مبني على الموازنة فتداخل شئ حقير بين دواليب ماكينة تتأثر به، وان لم يُحس. 
والميزان الذي في كفتيه جبلان يتأثر بوضع جوزة على كفة..
وأما جملة (اولئك هم الخاسرون) فاعلم! ان حق العبارة "هم خاسرون في عدم الهداية به " فلفظ "اولئك" ولفظ "هم" والتعريفُ والاطلاقُ لنكت:
أما (اولئك) فلأن وضعه لإِحضار محسوسٍ، فالإِحضار المستفاد منه اشارة الى ان السامع اذا سمع حالهم الخبيثة من شأنه ان يحصل له حدّة عليهم ونفرة منهم. 
فلتطمين نفرته وتشفّي حدّته يطلب أن يستحضروا إلى خياله ليشاهدهم وقت اتصافهم بالعاقبة الوخيمة.. والمحسوسية اشارة الى أن أوصافهم الرذيلة تكثرت بدرجة تجسمهم محسوسين نصب نظر النفرة. 
فمن الإِشارة ايماء إلى علة الحكم بالخسارة.. والبعدية إشارة إلى أنهم قد بعدوا عن طريق الحق بدرجة لايرجعون فيستحقون الذم والتشنيع بخلاف من كان في معرض الندامة ومسافة الرجوع.. و(هم) اشارة الى ان الخسارة منحصرة عليهم حتى ان خسارات المؤمنين لبعض اللذائذ الدنيوية ليست خسارة. 
وكذا خسارات أهل الدنيا في تجاراتهم ليست خسارة بالنسبة إلى خساراتهم.. والألف واللام اشارة الى تصوير الحقيقة أي من أراد أن يرى حقيقة الخاسرين فلينظر اليهم.. وكذا ايماء الى أن مسلكهم محض خسارة لا كالخسارات الأخر التي فيها وجوه من النفع لكن الضر أكثر. 
فالتعريف اما للكمال أو للبداهة أو لتصوير الحقيقة.. واطلاق الخسارة اشارة باعانة المقام الخطابيّ الى عموم أنواع الخسارات. 
أي خسروا في وفاء العهد بالنقض، وفي صلة الرحم بالقطيعة، وفي الاصلاح بالإِفساد، وفي الايمان بالكفر، وبالشقاوة خسروا السعادة الأبدية..
* * * * * * * * * * 
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله وَكُنْتُمْ اَمْوَاتاً فَاَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ اِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 28
اعلم ان لهذه الآية أيضاً الوجوه الثلاثة النظمية:
أما نظم مآلها بسابقها، فاعلم! ان الله تعالى لما دعا الناس إلى عبادته والاعتقاد به، وذكر أصول العقائد والأحكام مشيراً إلى دلائلها إجمالاً؛ عاد في هذه الآية مع لواحقها الثلاث إلى سرد الدلائل عليها بتعداد النعم المتضمنة للدلائل. 
ثم إن أعظم النعم "الحياة" المشار اليها بهذه الآية، ثم "البقاء" أي كمال الحياة بتنظيم السموات والأرض المشار اليه بالآية الثانية، ثم تفضيل البشر وتكريمه على الكائنات بالآية الثالثة، ثم تعليمه العلم بالرابعة.. فهذه النعم نظراً الى "صورة النعمة" دليل العناية والغاية، وكذا دليل العبادة؛ اذ شكر المنعم واجب وكفران النعم حرام في العقول. 
ونظراً الى "الحقيقة" دليل اختراعيّ على وجود المبدأ والمعاد.. وكذا ان هذه الآية كما تنظر الى سابقتها كذلك تنظر إلى الأسبق من بحث الكافرين والمنافقين فأشار بهذا الاستفهام الانكاريّ التعجبيّ إلى تقريعهم وتشنيعهم وتهديدهم وترهيبهم.
وأما نظم الجمل، فاعلم! ان هنا إلتفاتاً من الغيبة الى الخطاب؛ اذ حكى عنهم اوّلاً ثم خاطبهم، لنكتة معلومة في البلاغة وهي:
انه اذا ذكر مساوئ شخص شيئاً فشيئاً تزيد الحدّة عليه، الى ان يلجئ المتكلم - لو كان انساناً - الى المشافهة والمخاطبة معه.. وكذا اذا ذكرت محاسن أحد درجة درجة يتقوى ميل المكالمة معه الى أن يلجئ إلى التوجه اليه والخطاب معه. 
فلنزول القرآن على أسلوب العرب التفت فقال: (كيف تكفرون) مخاطباً لهم.
ثم اعلم! انه لما كان المقصد هنا سرد البراهين على الأصول السابقة من الايمان والعبادة، ورد الكفر ومنع كفران النعمة. 
ثم ان أوضح الدلائل هو الدليل المستفاد من سلسلة أحوال البشر، وان أكمل النعم هي النعم المتدلّية في أنابيب تلك السلسلة والمندمجة في عقدها؛ قال: (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون) اشارة الى تلك السلسلة العجيبة المترتبة ذات العقد الخمس التي تدلت من أنابيبها عناقيد النعم. 
فلنمهّد خمس مسائل لحلّ تلك العقد:
المسألة الأولى: في (وكنتم أمواتا).
اعلم! ان الانسان باعتبار جسده بينما كان ذرّاتٍ جامدةً منتشرةً في العالم، اذ تراها دخلت بقانون مخصوص ونظام معيّن تحت انتظام.. ثم بينما تراها متسترة ساكتة في عالم العناصر اذ تراها انتقلت متسلّلة بدستور معّين وانتظام يومئ إلى قصد وحكمة الى عالم المواليد.. ثم بينما تراها متفرقة ساكنة في ذلك العالم اذ تراها تحزبت بطرز عجيب وصارت نطفة.. ثم بانقلابات متسلسلة علقة فمضغة.. فلحماً وعظاماً وهلم جرا.. فكلٌّ من هذه الأطوار وان كان مكمَّلاً بالنسبة الى سابقه الا انه ميّت وموات. 1
- فان قلت: الموت عدم الحياة وزوالها ولا حياة فيها حتى تزول؟
قيل لك: اختار المجاز لاعداد الذهن لقبول العقدة الثالثة والرابعة.
المسألة الثانية: في (فأحياكم).
اعلم! ان أعجبَ معجزات القدرة وادقّها الحياةُ.. وكذا هي أعظم كل النعم وأظهر كل البراهين على المبدأ والمعاد.
أما وجه أدقيتها وغموضها فهو:
ان ادنى أنواع الحياة حياة النبات، وان أوّل درجاتها تنبه العقدة الحياتية في الحبة. 
وهذا التنبه مع شدة ظهوره وعمومه والالفة به من زمان آدم الى الآن قد بقي مستوراً عن نظر حكمة البشر.
وأما وجه كونها أعظم النعم فهو:
ان الجسم الذي لاحياة فيه ليس له مناسبة إلاّ مع مكانه المشخص وما به يختلط فيكون يتيماً منفرداً ولو كان جبلا. 
لكن اذا رأيت جسما ولو صغيراً كالنحل مثلا وقع فيه الحياة حصل له دفعةً مناسباتٌ مع عموم الكائنات وتجارة مع الأنواع حتى يحقّ له أن يقول: "مكاني الكائنات وهي كملكي". 
اذ اذا انتقل إلى الحياة الحيوانية تراه يجول بحواسه ويتصرّف بها في أطراف الكائنات فيحصل بينه وبين أنواعها اختصاص ومبادلة ومحبة.. ولا سيما اذا ترفع إلى طبقة الانسانية تراه بنور العقل يجول في عوالم. 
_____________________
1 بالنسبة الى لاحقه.
فكما يتصرّف في العالم الجسماني يجول في العالم الروحاني، ويطوف في العالم المثالي. 
وكما يسافر هو الى تلك العوالم؛ كذلك تسافر هي اليه بالتمثل في مرآة روحه حتى يستحق أن يقول: "ان العالم مخلوق لأجلي بفضل الله تعالى".. فتتنوع حياته وتنبسط الى الحياة المادية والمعنوية والجسمانية والروحانية التي يشتمل كل منها على طبقات. 
فحق أن يقال: كما ان الضياء سبب لظهور الألوان والأجسام؛ كذا ان الحياة كشافة لكافة الموجودات وسبب لظهورها، وان الحياة هي التي تصيّر ذرّة كعالم. 
وان الحياة هي الوسيلة لإِحسان مجموع العالم لذي حياة برأسه مع عدم المزاحمة والانقسام إلاّ في أقل قليل بين البشر.
وأما وجه كونها أظهر الدلائل على الصانع وكذا على الحشر:
فاعلم! ان انتقال بعض ذرات جامدة وانقلابها دفعة الى هيئة ووضعية تخالف الوضعية الأولى - بلا توسط سبب معقول - برهان أيّ برهان. 
حتى ان الحياة لكونها أشرف الحقائق وأنزهها، لا خسّة فيها بوجهٍ ولا رَيْن عليها، لا في جهة الملك ولا في جهة الملكوت، فكلا وجهيها لطيفان، حتى ان حياة أخس حيوان جزئي أيضاً عالية. 
ولهذا السر(1) لم يتوسط بينها وبين يد القدرة سبب ظاهريّ؛ اذ مباشرتها لا تنافي عزة القدرة، مع ان وضع الأسباب الظاهرية - كما مر - لمحافظة عزة القدرة في مباشرة الأمور الخسيسة في ظاهر النظر.
وأما وجه كونها أظهر الدلائل على المبدأ والمعاد فقد سمعت آنفا، فلنلخص لك وهو:
ان من نظر في هذه الحياة وتدرج بنظره الى الأطوار المترتبة إلى أبسط صور الجسم يرى أجزاء منتثرة في عالم الذرات. 
ثم يبصرها قد تلبس في عالم العناصر صوراً أخرى. 
ثم يصادفها في عالم المواليد في وضعية أخرى.. ثم يلاقيها في نطفة ثم في علقة ثم في مضغة. 
ثم يراها دفعة بانقلاب عجيب قد لبست صورة ويرى في هذه الانقلابات حركات منتظمة على دساتير معينة يتراءى منها: ان كل ذرة كانت معينة في أول الأطوار كأنها موظفة للذهاب إلى الموضع المناسب من جسد الحي، فيتفطن الذهن انها بقصد تُساق وبحكمة تُرسل، وكانت الحياة الثانية في نظره أهون وأسهل وأمكن بدرجات فيقنع بها قلبه بالطريق الأَولى. 
فهذه الجملة كالدليل للاحقتها والكل معا برهان على الانكار المستفاد من "كيف".
_____________________
(1) تدقيق حسن (بخط المؤلف على نسخة مطبوعة)
المسألة الثالثة: في (ثم يميتكم).
اعلم! ان آية (خلق الموت والحياة) 1 تدل على ان الموت ليس إعداماً وعدماً صرفاً، بل تصرف، وتبديل موضع، واطلاق للروح من المحبس. 
وكذا ان ما وجد في نوع البشر الى الآن من امارات غير معدودة، ونَجَمَ من اشارات غير محدودة؛ القت الى الأذهان قناعة وحدسا بأن الإِنسان بعد الموت يبقى بجهة، وان الباقي منه هو الروح. 
فوجود هذه الخاصة الذاتية في فرد يكون دليلا على وجودها في تمام النوع للذاتية. 
ومن هنا تكون الموجبة الشخصية مستلزمة للموجبة الكلية، فحينئذ يكون الموت معجزة القدرة كالحياة. 
لا انه عدمٌ علتُه عدمُ شرائط الحياة.
فإن قلت: كيف يكون الموت نعمة حتى نُظِّم في سلك النِعَم؟
قيل لك: أما:
أوّلا: فلأنه مقدمة للسعادة الأبدية، ولمقدمة الشئ حكم الشئ حُسنًا وقبحاً؛ اذ مايتوقف عليه الواجب واجب وما ينجر إلى الحرام حرام..
وثانيا: فلأن الموت عند أهل التحقيق من المتصوِّفين نجاة للشخص بخروجه عن نظير المحبس المشحون بالحيوانات المضرّة الى صحراء واسعة..
و ثالثا: فلأنه باعتبار نوع البشر نعمة عظمى؛ اذ لولاها لوقع النوع في سفالات مدهشة..
ورابعا: فلأنه باعتبار بعض الأشخاص نعمة مطلوبة اذ بسبب العجز والضعف لا يتحمل تكاليف الحياة وضغط البليات وعدم شفقة العناصر، فالموت باب فوزه.
_____________________
1 سورة الملك: 2.
المسألة الرابعة: في (ثم يحييكم).
اعلم! ان باشارة آية (اَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَاَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) 1 وكذا برمز تعقيب هذه بـ ثم اليه ترجعون مع النظر إلى ايجاز القرآن، ايماء الى حياة القبركما تدل على حياة الحشر.
- فإن قلت: اذا اُحرق انسان واُعطي رماده للهواء كيف يتصور فيه الحياة القبرية؟
قيل لك: ان البنية ليست شرطا للحياة عند أهل السنة والجماعة فيمكن تعلق الروح ببعض الذرات.
- فإن قلت: كيف يتصور عذاب القبر مع انه لو وضعت بيضة على صدر جنازة بأيام لا يحس فيها أدنى حركة فكيف الحياة والعذاب؟
قيل لك: ان العالم المثاليّ قد بُرهن عليه في موقعه، حتى ان وجوده قطعي عند المحققين الإلهيين. وخاصةُ ذلك العالم تحويلُ المعاني أجساماً والأعراضُ جواهرَ والمتغيرات ثابتةً. 
والعيون الناظرة من عالم الشهادة اليه، الرؤيا الصادقة والكشف الصادق والأجسام الشفافة فانها تلوِّح بوجوده. 
ثم ان عالم البرزخ اثبتُ حقيقةً من عالم المثال الذي هو تمثاله. 
وظل هذا العالم عالم الرؤيا، وظل هذا عالم الخيال، ونظير هذا الاجسام الشفافة كالمرآة. 
فاذ تفهمت هذا فانظر في عالم الرؤيا وتأمل في شخص نام عندك وهو ساكن وساكت مع انه في عالمه يقاتل ويضارب فيصير مجروحا أو تلدغه الحية فيتألم. 
ولو أمكن لك أن تدخل في رؤياه وتقول له: يا هذا! لا تعجز ولا تغضب فإن هذا ليس حقيقة وحلفتَ له ألف يمين لما يصدقك. 
ويقول لك: هذا ألمي يوجعني وهذا جرحي! أما ترى هذا وبيده السيف، واما ترى الحية تهجم عليّ؛ اذ تجسم معنى وجع الكتف أو نزلة الرأس 2 في صورة سيف جارح، اذ النتيجة واحدة. 
أو تصوَّر معنى الخيانة الموجعة لقلبه في لباس الحية اذ الألم واحد. 
فيا هذا! اذ ترى ذاك في ظل عالم المثال أفلا تصدقه في عالم البرزخ الذي هو أثبت حقيقة بدرجات وأبعد منا؟ أما (يحييكم) بالنظر الى الحياة الأخروية. 
فاعلم! ان تلك الحياة نتيجة لكل العالم. 
ولولاها لم تكن الحقيقة ثابتة ولانقلبت الحقائقُ - كالنعمة - نقمةً. 
وقس!.. ولقد لخصنا دلائلها في تفسير (وبالآخرة هم يوقنون)..
_____________________
1 سورة غافر: 11.
2 مرض الزكام.
المسألة الخامسة: 
في (ثم اليه ترجعون) آخر العقد من تلك السلسلة.
اعلم! ان الخالق جلّت قدرته مزج الاضداد في عالم الكون والفساد لِحِكَم دقيقة ووضع أسبابا ظاهرية ووسائط اظهاراً لعزته فترتبت سلسلة العلل والمعلولات. 
ثم لما تصفّت الكائنات وتميزت وتحزبت في الحشر ارتفعت الأسباب واُسقطت الوسائط فارتفع الحجاب وكُشف الغطاء فيرى كلٌّ صانعَه ويعرف مالكه الحقيقي.
تذييل لخلاصة نظم الجمل: 
اعلم! انه تعالى لما أنكر كفرهم الواقع بطريق الاستفهام الاستخباريّ في "كيف" ودعا الناس الى التعجب منه؛ برهن عليه بما بعد الواو الحالية أي باراءة أربعة انقلابات عظيمة كلها وكل منها شاهد على وجوب الايمان. 
ثم ان كل انقلاب منها مشتمل على أطوار ومراتب، ومقدمة ومُعدّة للانقلاب الذي يليه فمن الطور الاول من الانقلاب الأول إلى الطور الآخر من الانقلاب الآخر يتجدد أصلُ جسد الحي دائما فيلقى قشراً ويلبس الأكمل ثم يخلعه ويلبس صورة أعلى ثم يلقيها أيضاً فيلبس صورة أحسن وهلم جرا!.. فهو دائماً في استبدال صورة بأخرى كاملة إلى أن يصل إلى أعلى الأعالي فيستقر بتقرر السعادة الأبدية، وكلها بنظام معيّن وقانون منتظم. 
فأشار إلى أول الانقلابات بقوله (وكنتم أمواتا) وهذا مشتمل على أطوار آخر الأطوار ينتج مآل (فأحياكم) الدال على الانقلاب الثاني الذي هو أعجب حقائق العالم المشتمل على أطوار آخرها تنتهي بانقلاب (ثم يميتكم) المشتمل أيضاً على أطواره البرزخي التي تتم بانقلاب (ثم يحييكم) المشتمل على أطواره القبرية ثم الحشرية المختومة بقوله (ثم اليه ترجعون). 
فمن أمعن في هذه الانقلابات كيف يتجاسر على الانكار؟
ولنشرع في نظم هيئات جملة جملة:
أما الجملة الأولى أعني (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا) فالاستفهام فيها لتوجيه ذهنهم الى قباحتهم ليروا بأنفسهم فينصفوا فيقرّوا. 
و(كيف) اشارة الى الاستدلال على عدم الكفر بانكار الحال اللازم. 
والخطاب في (تكفرون) ايماء كما مر الى شدة الغضب ولم يقل "لاتؤمنون" اشارة الى شدّة تمردهم اذ يتركون الايمان الذي عليه الدلائل ويقبلون الكفر الذي على بطلانه البراهين. 
و واو الحالية في (وكنتم) تشير إلى مقدر، اذ الجملتان ماضيتان. 
والأُخريان مستقبلتان كلاهما لا يوافق قاعدة مقارنة الحال لعامل ذي الحال، فاذاً التقدير "والحال انكم تعلمون". 1
فإن قلت: انهم وان علموا بالموت والحياة الأُولى لكنهم لايعلمون انهما من الله، وكذلك لايقرون بالحياة الثانية ولايصدقون بالرجوع اليه تعالى؟
قيل لك: من البلاغة تنزيل الجاهل منزلة العالم عند ظهور دلائل ازالة الجهل. 
فلما كان التفكر في أطوار الموت الأول والحياة الأُولى ملجأ الى الاقرار بالصانع وكان العلم بها مقنعا للذهن بوقوع الحياة الثانية؛ كانوا كأنهم عالمون بهذه السلسلة. 
والخطاب في (كنتم) اشارة الى ان لهم في عالم الذرات أيضاً وجوداً وتعينًا. 
لا ان الذرات كيفما اتفقت صارت أجسادَهم المعينة بالتصادف. 
وإيثار (أمواتا) على جماد 2 أو ذرات ايماء الى مآل (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) 3.
وأما جملة (فأحياكم):
فان قلت: الفاء للتعقيب والاتصال مع تخلل تلك الأطوار وتوسط مسافة طويلة الى الحياة؟
قيل لك : الفاء للإشارة إلى منشأ دليل الصانع وهو ان انقلابها من الجمادية الى الحيوانية دفعةً من غير توسط سبب معقول يُلجئ الذهن الى الاقرار بالصانع. 
وكذا ان الأطوار في حالة الموات ناقصة غير ثابتة شأنها التعقيب. 
وإيثار (أحياكم) على "صرتم أحياء" للتصريح، أي صرتم أحياء ولايمكن ذلك بغير قدرة الصانع. 
فانتج ان الله تعالى هو الذي أحيا.
وأما جملة (ثم يميتكم) بدل "تموتون" فإشارة كما مر الى أن الموت تصرف عظيم للقدرة بمقياس القدر. 
ألا ترى ان من استوفى عمره الطبيعيّ ثم انتهى إلى الأجل اقلُّ قليل. 
فيتيقظ الذهن الى ان الموت ليس نتيجة طبيعية. 
فالموت انحلال الجسد لا فناء الروح بل اطلاقه.
_____________________
1 انكم تعلمون انكم كنتم امواتاً (ش).
2 على جمادات (ش)
3 سورة الانسان: 1.
وأما جملة (ثم يحييكم) فـ "ثم" اشارة الى توسط عالم البرزخ ذي العجائب.
وأما جملة (ثم اليه ترجعون) فـ "ثم" اشارة الى توسط الغطاء العظيم. 
و"ترجعون" اشارة الى كشف الغطاء وطرد الأسباب واسقاط الوسائط.
فإن قلت: الرجوع الى الله تعالى يقتضي ان يكون المجئ منه اوّلا، ومن هنا توهمَ بعضٌ الاتصالَ واشتبه بعض أهل التصوف.
قيل لك: ان في الدنيا وجوداً وبقاء وكذا في الآخرة وجود وبقاء. 
فالوجود في الدنيا يصدر من يد القدرة بلا واسطة وأما البقاء المحفوف بالتحليل والتركيب والتصرف والتحول في عالم الكون والفساد فيتداخل بينه العلل وتتوسط الأسباب للحكمة المذكورة سابقا. 
وأما في الآخرة فالوجود وكذا البقاء بلوازمه وتركيباته يظهر بالذات من يد القدرة ويعرف كلُّ شئ مالكَه الحقيقي. 
فاذا تأملت في هذا علمت معنى الرجوع.


السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (26-28)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (23-25)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (29-30)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (31-33)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (01-04)
» السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ (05-08)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: إشارات الإعجاز-
انتقل الى: