منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 50640
العمر : 72

المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية Empty
مُساهمةموضوع: المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية   المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية Emptyالثلاثاء 20 ديسمبر 2011, 1:03 am

المبحث الثامن عشر
المعارك الرئيسية على الجبهات العربية

أولاً: المعارك على الجبهة اللبنانية
1. معارك المالكية
لم تنته العملية "يفتاح" التي تمت الإشارة إليها في الفصل السابق باحتلال "صفد" فقط، فإزاء خشية القيادة الإسرائيلية من أي تقدم للجيش اللبناني في إصبع الجليل عن طريق المالكية، قامت بتكليف قيادة العملية "يفتاح" باستباق القوات اللبنانية والسيطرة على "المالكية" و"قدس" (قادش) وقلعة شرطة "النبي يوشع" قبل يوم 15 مايو، مع تخريب كل الجسور الواقعة عند مداخل فلسطين الشمالية حتى الموجودة في عمق الأراضي اللبنانية والسورية لعرقلة تقدم أية قوات عربية في ذلك الاتجاه (اُنظر خريطة العملية يفتاح (تأمين الجليل)) و(شكل معارك المالكية)

ومن ثم أصدر "إيجال آلون" قائد اللواء "يفتاح" أوامره يوم 13 مايو إلى "دان لانر" قائد الكتيبة الأولى بالماخ بالتقدم واحتلال "المالكية" والمرتفعات المحيطة بها لغلق الطريق في وجه القوات اللبنانية من هذا الاتجاه، مع عزل قلعة شرطة "النبي يوشع". وبعد سير منهك طوال ليلة 14/15 مايو ـ فقدت فيه الكتيبة اتجاهها ـ وصلت القوة قرية "قدس" فاحتلتها كما احتلت "المالكية" صباح 15 مايو.

وقبل أن تعزز الكتيبة الإسرائيلية أوضاعها قامت القوات اللبنانية بقيادة الزعيم (العميد) فؤاد شهاب بهجوم مضاد ناجح أجبر تلك الكتيبة على الانسحاب من "المالكية" و"قدس" إلى المرتفعات المجاورة بعد أن بلغت خسائرها أكثر من 120 قتيلاً وجريحاً.

وإزاء انسحاب كتيبة البالماخ الأولى من "المالكية" قلصت قيادة العملية "يفتاح" مهام التخريب المخططة وكلفت إحدى سرايا التخريب باحتلال قلعة شرطة "النبي يوشع" جنوب "المالكية" للاستفادة من وجود كتيبة البالماخ الأولى في المرتفعات المجاورة. وفي ليلة 16/17 مايو نجحت السرية في احتلال الحصن بعد أن مهد سرب الجليل لذلك الهجوم بإلقاء القنابل الحارقة على القلعة[1].

وقد شجع توقف اللبنانيين عن التقدم بعد احتلالهم "للمالكية" و"قدس" قيادة اللواء "يفتاح" على القيام بمحاولة جديدة لاسترداد "المالكية". وقد تلخصت فكرة الهجوم في القيام بهجوم مخادع على "قدس" و"المالكية" من الجنوب، بينما تقوم القوة الرئيسية بالالتفاف والهجوم على "المالكية" من الخلف عبر الأراضي اللبنانية، وفي ليلة 28/29 مايو تحركت القوة الرئيسية دون أضواء في عرباتها المدرعة من المنارة عبر الحدود اللبنانية، ثم انعطفت جنوباً نحو "المالكية" في الوقت الذي كانت فيه قوات الهجوم المخادع تهاجم "قدس" و"المالكية" من الأمام، وقبل أن يصل رتل القوة الإسرائيلية الرئيسية إلى "المالكية"، اضُطر للاشتباك مع وحدة لبنانية صغيرة كانت تتقدم لدعم القوة اللبنانية المدافعة عن تلك البلدة.

وقد نبهت أصوات الطلقات خلال هذا الاشتباك القوة اللبنانية في "المالكية"، إلا أنهم قبل أن يتمكنوا من تنظيم أنفسهم للدفاع ضد الهجوم الإسرائيلي المفاجئ من الخلف، كان الإسرائيليون يهاجمون مؤخرتهم. وبعد معركة قصيرة سقطت البلدة في أيدي القوات الإسرائيلية، كما اضطرت القوات اللبنانية إلى الانسحاب من "قدس" أيضاً إلى ما وراء حدودها.

وعلى الفور أخذ الجيش اللبناني يستعد لاستعادة "المالكية"، وكُلفت كتيبة مشاة من فوج القناصة الثالث اللبناني بالمهمة ودُعمت بست دبابات "رينو" وأربع عربات مدرعة وجماعة مهندسين، وقد تلخصت فكرة الهجوم في الانقضاض على قوات اللواء "عوديد" ـ المشكل حديثاً والتي حلت محل اللواء "يفتاح" في "المالكية" ـ من الشرق والغرب معاً بواسطة سرايا المشاة في الوقت الذي تقوم فيه المدرعات بقصف المواقع الإسرائيلية شمال "المالكية" وتقديم المعونة بالنيران لسرايا المشاة المهاجمة. وفي الساعة 1730 يوم 5 يونيه بدأت قوات المشاة اللبنانية تقتحم مواقع اللواء "عوديد" الذي فوجئ بالهجوم، في الوقت الذي كان فيه أحد أفواج جيش الإنقاذ المعزز بمتطوعين يوغسلاف يضغط على القوات الإسرائيلية جنوب المالكية[2].

وفي الساعة 1830 حاول قائد اللواء "عوديد" شن هجوم مضاد لاستعادة مواقعه إلا أنه باء بالفشل. وخلال ليلة 5/6 يونيه تمكنت كتيبة المشاة اللبنانية من إحكام سيطرتها على التلال الواقعة شمال شرق وجنوب غرب "المالكية" وقبل أن ينبلج صباح 6 يونيه كانت القوات الإسرائيلية قد انسحبت من البلدة بعد أن أحرقت مستودعات الوقود والذخيرة فيها.

وشجع ذلك النجاح القوات اللبنانية على التقدم واحتلال "قدس" يوم 6 يونيه و"رامات نفتالي" في اليوم التالي، الأمر الذي أدى إلى فتح الطريق إلى "وادي الحولة" جنوباً. وفي الوقت الذي كانت فيه القوات اللبنانية تعيد تنظيم نفسها وتعزز مواقعها الجديدة، اندفع جيش الإنقاذ بقيادة "فوزي القاوقجي" إلى قلب الجليل، ووصلت طلائعه إلى "الناصرة" يوم 11 يونيه قبل سريان الهدنة الأولى مباشرة.

2. المعارك على الجبهة السورية
أ. معركة وادي الأردن

كان لواء المشاة السوري الأول بقيادة العقيد "عبدالوهاب الحكيم" يتجمع جنوب شرق لبنان عشية تدخل الجيوش العربية استعدادا للتقدم من "بنت جبيل" في اتجاه "صفد" طبقاً لفكرة العمليات التي حددها رؤساء أركان الجيوش العربية في مؤتمرهم بدمشق يوم 10 مايو. إلا أنه إزاء التعديل الذي أدخله الملك عبدالله، بصفته القائد العام للجيوش العربية على محور تقدم القوات السورية، اضطرت تلك القوات إلى العودة إلى الأراضي السورية والتحرك جنوباً عبر الجولان نحو فلسطين جنوب بحيرة طبرية في اتجاه "سمخ" الهدف الجديد الذي حُدد لتلك القوات.

ويبدو أن الإسرائيليين كانوا يتوقعون الهجوم الرئيسي السوري شمال بحيرة طبرية، فقد اعتمدوا فقط في الدفاع عن وادي الأردن جنوب البحيرة على الكتيبة الثانية خفيفة الحركة من اللواء "جولاني" بالتعاون مع حرس المستعمرات وسكانها لعرقلة تقدم أية قوات عربية في هذا الاتجاه حتى يتم تعزيز القوات المدافعة.

وفي الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة 14/15 مايو عبرت وحدات المشاة السورية الأراضي الفلسطينية قبل أن تصل أسلحتها الثقيلة، واحتلت في طريقها تل "القصر" شرق الطرف الجنوبي لبحيرة طبرية. ولما كانت القوات السورية مُنهكة من طول تحركها السابق، فقد اكتفت طوال يوم 15 مايو بالاشتباك بالنيران مع المستعمرات الإسرائيلية شرق وجنوب بحيرة طبرية مع دفع ثلاث مفارز قوية لاحتلال "سمخ" و"مسعدة" (مسادا) و"شاعر هجولاني" الواقعين جنوب "سمخ".

وفي صباح 16 مايو قامت الطائرات والمدفعية السورية بقصف "سمخ" والمستعمرتين الأخريين، وبدأت المفارز السورية الثلاث تطبق على أهدافهما، وبالرغم من نجاح مفرزة "سمخ" في الاستيلاء على معسكري الجيش و"الكرنتينا" في البلدة وتطويق قوة الاحتياطي الإسرائيلية التي قدمت من طبرية لنجدتها، فإنها توقفت أمام المعسكر الإسرائيلي المحصن في المنطقة، كما صمد المدافعون عن مستعمرتي "مسعدة" و"شاعر هجولاني" أمام المفرزتان الأخريان.

وبعد تمهيد نيراني بالمدفعية قامت المفرزة السورية بتكرار الهجوم مرة أخرى على المواقع الإسرائيلية في "سمخ" يوم 17 مايو، إلا أن التعزيزات التي تدفقت من المستعمرات الأخرى ساعدت المدافعين على الصمود في وجه الهجوم السوري حتى صباح 18 مايو عندما انهارت الدفاعات الإسرائيلية أما ضغط القوات السورية التي استولت على البلدة وأجبرت المدافعين على الانسحاب إلى مستعمرتي "داجانيا (أ)" و"داجانيا (ب)" دون أن يتمكنوا من إخلاء جرحاهم وقتلاهم، كما سقط كثير من الإسرائيليين قتلى خلال عملية الانسحاب إلى هاتين المستعمرتين.

وفي خلال ليلة 18/19 مايو شنت قوة من كتيبة "البالماخ" الثالثة هجوماً مضاداً لاستعادة "سمخ" إلا أن ذلك الهجوم باء بالفشل واضطرت القوة الإسرائيلية إلى الانسحاب نحو "داجانيا".

وقد انعكس سقوط "سمخ" في أيدي القوات السورية على معنويات المدافعين في مستعمرتي "شاعر هوجلاني" و"مسعدة"، فلم يأت الليل إلا وكانوا يستعدون لإخلاء المستعمرتين. وفي صباح 19 مايو استولت القوات السورية على هاتين المستعمرتين.

وعلى أثر سقوط "سمخ" والمستعمرتين السابقتين في أيدي القوات السورية بدأت تلك القوات هجومها على مستعمرتي "داجانيا (أ) و(ب)" في الساعة 4.30 من صباح 20 مايو بعد تمهيد مدفعي استمر نحو نصف ساعة، مركزة جهدها الرئيسي ضد مستعمرة "داجانيا (أ)". واستخدم في الهجوم سرية مشاة تتقدمها خمس دبابات "رينو" خفيفة وبعض العربات المدرعة.

وسرعان ما اخترقت المدرعات السورية دفاعات المستعمرة الأولى، إلا أن القوة الإسرائيلية المدافعة والتعزيزات التي تدفقت عليها من لواء "يفتاح" نجحت في تدمير بعض المدرعات السورية باستخدام الأسلحة المضادة للدبابات وأجبرت الباقي على الانسحاب، مما اضطر المشاة للتوقف في حدائق الموالح المحيطة بالمستعمرة.

وإزاء فشل الهجوم السوري على "داجانيا (أ)" نقلت القوة السورية جهودها إلى مستعمرة "داجانيا (ب)". إلا أن حظها أمامها لم يكن أفضل من سابقتها. وبعد محاولتين فاشلتين لاقتحام تلك المستعمرة، تخلت القوة السورية عن المحاولة. وعلى ضوء قرار تعديل منطقة عمليات القوات السورية على نحو ما سبقت الإشارة إليه انسحبت القوات السورية من منطقة وادي الأردن جنوب بحيرة طبرية لتنقل جهدها الرئيسي شمالها أمام جسر "بنات يعقوب".

ب. معركة "مشمار هايردن"
بعد سحب اللواء الأول من جنوب بحيرة طبرية ظلت الجبهة السورية هادئة لأكثر من أسبوع، باستثناء أعمال القصف المدفعي للمستعمرات الإسرائيلية في سهل الحولة. وفي السادس من يونيه قامت قوة سورية (تُقدر بكتيبتين) بهجومها الأول على مستعمرة "مشمار هاريدن" بعد قصف مدفعي وجوي بهدف الاستيلاء على المستعمرة والوصول إلى الطريق الرئيسي الذي يربط إصبع الجليل بالجليل الأوسط، وتحقيق الاتصال مع القوات اللبنانية وقوات جيش الإنقاذ في منطقة "المالكية"، إلا أن المدافعين عن المستعمرة نجحوا في صد ذلك الهجوم بنيران المدفعية والهاون التي سبق ضبط تصويبها على مخاضات نهر الأردن المواجهة للمستعمرة.

ولكن القوات السورية سرعان ما استعادت قوتها الدافعة بعد دعمها بقوات اللواء الثاني، وشنت هجوماً جديداً يوم 10 يونيه، حيث نجحت تلك القوات في الاستيلاء على كل نقاط العبور الثلاث شرقي "مشمار هايردن".

وفي تنسيق جيد بين المشاة والمدرعات استمرت القوات السورية في تقدمها بالرغم من دعم القوات الإسرائيلية المدافعة بالمدفعية وكتيبة من لواء "كرملي"، وعلى أثر اكتساح المدرعات السورية للدفاعات الخارجية للمستعمرة دار قتال مرير انتهى بسقوط المستعمرة في أيدي القوات السورية ظهر نفس اليوم، وأُسر من بقي حياً من القوة الإسرائيلية المدافعة.

وخلال الهجمات الرئيسية السابقة على "مشمار هايردن" قامت بعض القوات السورية الأخرى بهجومين فرعيين لإشغال لوائي "عوديد" و"جولاني" اللذين كانا يتولان الدفاع عن الجليل، الأول يوم 6 يونيه بواسطة بعض قوات اللواء الثاني من "بانياس" على مستعمرة "دان" في أقصى شمال أصبع الجليل والثاني يوم 10 يونيه بواسطة بعض قوات اللواء الأول على مستعمرة "عين جيف" على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية. وقد نجحت قوات الهجومين الفرعيين في مشاغلة القوات الإسرائيلية خلال الهجومين الرئيسيين على مستعمرة "مشمار هايردين"، إلا أن المستعمرتين المستهدفتين ظلتا صامدتين أمام الهجمات السورية بفضل النجدات التي تدفقت عليهما.

وخلال ليلة 10/11 يونيه أعادت القوات السورية في "مشمار هايردن" تنظيمها لاستئناف الهجوم صباح اليوم التالي للسيطرة على الطريق الرئيسي في أصبع الجليل الذي يصل "روش بينا" "بالمطلة". وفي صباح 11 يونيه بدأت تلك القوات هجومها على المواقع المحيطة بمستعمرة "محنايم"، ونجحت في احتلال جزء من هذه المواقع والوصول إلى مسافة قريبة من المستعمرة قبل موعد سريان الهدنة في ذلك اليوم، غير أن القتال استمر بين الجانبين طوال النهار حتى تمكنت القوات الإسرائيلية من إيقاف تقدم القوات السورية مساء 11 يونيه قبل أن تصل إلى تقاطع الطرق الذي استهدفته من هجومها في ذلك اليوم.

3. المعارك على الجبهة العراقية
أ. معركة "جيشر"

حتى 11 مايو كان للإسرائيليين حاميتان قويتان من اللواء "جولاني" في كل من مشروع كهرباء "روتنبرج" شمال شرق جسر "المجامع" ومستعمرة "جيشر" غرب ذلك الجسر. وعلى أثر توجيه الحكومة الأردنية إنذاراً إلى هيئة كهرباء "روتنبرج" انسحبت الحامية الإسرائيلية من المشروع إلى مستعمرة "جيشر" المسيطرة على جسر "المجامع"، غير أنهم نسفوا ذلك الجسر بعد انسحابهم حتى يقطعوا الاتصال البري بين ضفتي نهر الأردن في تلك المنطقة، كما عززوا دفاعاتهم عن مستعمرة "جيشر" وقلعة الشرطة جنوبها، فضلاً عن احتلال مرتفعات "كوكب الهوى" على مسافة ثلاثة كم جنوب غرب "جيشر"، والتي تسيطر على الأراضي المنخفضة بينها وبين المستعمرة.

وفي فجر 15 مايو بدأت إحدى سرايا المشاة العراقية عبور نهر الأردن تحت جُنح الظلام من ممر وادي البيرة جنوب "جيشر"، لتحتل رأس كوبري على الضفة الغربية للنهر، في الوقت الذي كانت فيه وحدات المهندسين العراقيين تقيم جسراً بديلاً عن الجسر المنسوف، تحت ستر نيران المدفعية التي أخذت تقصف المستعمرات الإسرائيلية المجاورة.

وفي اليوم التالي عبر فوج مشاة عراقي كامل واستولى على تل الجمل شمال مستعمرة "جيشر" والمشرف على المنطقة المحيطة بها، كما احتل محطة السكة الحديد وقرية المجامع شرق تلك المستعمرة، وبعد تمهيد بنيران المدفعية والهاون بدأت القوة العراقية هجومها على المستعمرة عصر يوم 16 مايو، إلا أن القوة الإسرائيلية المدافعة عن المستعمرة نجحت في صد الهجوم العراقي.

وفي السابع عشر من مايو نجح العراقيون في مد كوبري آخر على نهر الأردن، قرب خط أنابيب البترول جنوب "جيشر"، عبر عليه فوج مشاة عراقي ثان مدعم بالمدرعات، وتقدمت سرية منه نحو كوكب الهوى بينما تقدمت القوة الرئيسية في اتجاه قلعة الشرطة، وفي عملية مُنسقة شن الفوجان العراقيان هجوماً على مستعمرة "جيشر" وقلعتها من الشمال والجنوب واستمر ضغط القوات العراقية على هدفيها طوال النهار، وقبل أن يحل الظلام كان قد تم تطويق المستعمرة والقلعة، وبدأت القوات العراقية في اقتحامها، إلا أن عنف مقاومة المدافعين عنهما أجبرت المهاجمين على الارتداد والاكتفاء مؤقتاً بفرض الحصار عليهما.

أما سرية المشاة العراقية التي اتجهت إلى كوكب الهوى، فبمجرد وصولها إلى منتصف سفح الهضبة التي تقع البلدة على قمتها، انهالت عليها نيران قوة الكتيبة الثالثة من لواء "جولاني" التي سبقتها إلى احتلالها، مما أجبر السرية العراقية على الانسحاب قرب عصر يوم 18 مايو.

وقبل أن تشن القوات العراقية هجوما جديداً على أهدافها المحاصرة فجر يوم 21 مايو قررت القيادة العامة في عمان تغيير منطقة عملها إلى نابلس، فتوقفت أعمال قتالها في منطقة "جيشر" وما حولها، وانتقلت إلى منطقة المثلث (جنين/ نابلس/ طولكرم).

ب. معركة "جنين"
على أثر انتقال القوات العراقية إلى منطقة المثلث وبدء أعمال قتالها في المنطقة الجديدة، قررت القيادة الإسرائيلية تصفية التهديد العراقي في منطقة المثلث بعملية هجومية لإبعاد خطر القوات العراقية عن السهل الساحلي و"ناتانيا" و"تل أبيب"، وأوكلت هذه العملية إلى لوائي "جولاني" و"كرملي" بالتعاون مع اللواء "اسكندروني". وتلخصت فكرة العملية في قيام اللواء "جولاني" بقوة كتيبتين بالتمهيد لاحتلال "جنين" بالسيطرة على القرى العربية الواقعة في السلسلة الغربية لجبال "جلبوع" وعلى جانبي طريق "العفولة/جنين" كمرحلة أولى، وبانتهاء هذه المرحلة يتقدم اللواء "كرملي" لاحتلال المواقع المحيطة بجنين والسيطرة على المدينة ثم التقدم نحو "قباطية" و"نابلس"، في الوقت الذي يقوم فيه اللواء "اسكندروني" بهجوم مضلل على "طولكرم" لتشتيت جهود القيادة العراقية وجذب بعض الاحتياطيات العراقية بعيداً عن "جنين".

وبدأت المرحلة الأولى للعملية في الأول من يونيه، وخلال اليومين الأولين نجحت قوات اللواء "جولاني" في الاستيلاء على القرى العربية على جانبي طريق "العفولة/جنين" وبعض قرى السلسلة الغربية لجبال جلبوع (عربونة، صندلة، عرانة، جلمة، مقيبلة)، وكانت إحدى كتائب اللواء "جولاني" قد سبق لها، الاستيلاء على قرى "زرعين" و"نورس" و"المزار" في عمليات سابقة، وبذا تم التمهيد لتقدم اللواء "كرملي" نحو "جنين" ليلة 2/3 يونيه للاستيلاء على التلال التي تتحكم في المدينة من ناحية الجنوب الغربي والجنوب الشرقي[3].

وفي فجر الثالث من يونيه بدأت كتيبتا اللواء "كرملي" في الضغط على قوات الفوج العراقي الذي يحتل التلال، إلا أن النجدات التي وصلته غيرت الموقف في منطقة "جنين" لصالح القوات العراقية، خاصة وأن اللواء "اسكندروني" لم يتمكن من القيام بهجومه طبقاً للخطة لجذب اهتمام القيادة العراقية نحو "طولكرم" وتشتيت احتياطياتها، مما أحرج قوات اللواء "كرملي" في مرتفعات "جنين" وزاد من خسائرها.

وفي الرابع من يونيه شنت إحدى الوحدات العراقية هجوماً مضاداً على مواقع كتيبة "كرملي" الأولى في التلال الواقعة جنوب غرب "جنين"، وفشلت كل المحاولات الإسرائيلية لتخفيف الضغط على تلك الكتيبة، كما فشلت كتيبة "كرملي" الثانية، التي تطل على مرتفعات الجانب الآخر للمدينة، في تقديم أي مساعدة لها مما أجبر الكتيبة الأولى على الانسحاب تحت ضغط الهجوم المضاد العراقي بعد تكبدها خسائر جسيمة.

ومع حلول المساء تأزم موقف قوات اللواء "كرملي" المتبقية في مرتفعات جنين، وأبلغ "موسى كرملي" ـ قائد الجبهة الشمالية الذي يقود العملية ـ رئاسة الأركان الإسرائيلية قبل منتصف ليلة 4/5 مايو، أن الموقف في "جنين" لم يحسم بعد، وأن الصمود يستحق العناء فقط إذا قام اللواء "اسكندروني" بالهجوم على "طولكرم" لتخفيف الضغط على قواته طبقاً للخطة غير أن رئاسة الأركان ردت عليه بعدم إمكانية الهجوم على "طولكرم" وسمحت له بالانسحاب. وقبل حلول فجر الخامس من يونيه أتمت القوات الإسرائيلية انسحابها من مرتفعات "جنين" تحت نيران القوات العراقية التي أوقعت بها خسائر جسيمة واستعادت سيطرتها على المدينة، إلا أن القوات الإسرائيلية ظلت محتفظة بالقرى التي احتلتها شمال "جنين" خلال المرحلة التمهيدية للعملية.

4. المعارك على الجبهة الأردنية
أ. معركة "القدس"[4]
(1) القتال في القدس القديمة

عندما عادت قوات الفيلق الأردني إلى فلسطين صباح 15 مايو، حرص الجنرال "جلوب" على إبعادها عن القدس المقرر وضعها تحت إدارة دولية طبقاً لقرار التقسيم. ومن ثم بدأت تلك القوات انتشارها في منطقتي "نابلس" و"رام الله"، بينما اتجه بعض هذه القوات مع بعض سرايا المتطوعين الأردنيين إلى "اللد" و"الرملة"، في الوقت الذي كانت فيه القوات الإسرائيلية في "القدس" تضغط على قوة المجاهدين العرب وبعض عناصر جيش الإنقاذ التي تدافع عن الأحياء العربية في المدينة، بهدف الاستيلاء على المدينة بأكملها. (اُنظر ملحق وثيقة تسليم الحي اليهودي في القدس القديمة (28 مايو 1948))

وإزاء مناشدة عرب "القدس" الملك عبدالله أن يبعث ببعض قوات الفيلق الأردني للدفاع عن المدينة حتى لا تسقط في أيدي القوات الإسرائيلية، وافق في البداية على إرسال سرية مشاة من الفوج السادس الذي كان في الاحتياط لدعم الدفاع عن "القدس القديمة". وتحت إلحاح القيادة العربية في القدس ومناشدة سكان المدينة عاد ووافق على تعزيز تلك القوات بباقي قوات الفوج السادس، وأصدر أوامره مباشرة إلى الرائد عبدالله التل قائد الفوج بالتحرك من "أريحا" و"الخان الأحمر" و"الجفتلك" إلى "القدس" لدعم الدفاع عن المدينة القديمة. وعلى أثر وصوله من "أريحا" إلى "القدس" ليلة 17/18 مايو، ومعرفته الأوضاع في المدينة القديمة نقل الرائد التل مركز قيادته داخلها وقسم قواته إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ويتشكل من نحو سريتي مشاة دفع بهما لدعم الدفاعات العربية داخل أسوار المدينة القديمة.

والثاني: ويتكون من سرية مشاة مدعمة أبقاها كاحتياط في قرية الطور العربية شرق المدينة القديمة.

أما القسم الثالث: فكان يتكون من سرية المعاونة المشكلة من فصيلة "هاون" ومدافع عيار 6 رطل وفصيلة عربات مدرعة وخصص لها مواقعها في "رأس العمود" وجبل الطور لدعم القوات العربية في القدس بالنيران.

ومع دخول سريتي الفوج السادس المدينة القديمة وُضعت كافة القوات العربية فيها تحت قيادة الرائد عبدالله التل، الذي نجح في توزيع قواته بشكل مكنها من صد الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأبواب الرئيسية للمدينة، وحصار الحي اليهودي فيها الذي كان يقطنه نحو 1800 من اليهود الشرقيين بينهم ما يزيد على 300 مقاتل من قوات الهجناه والأرجون، نجحوا في جعل ذلك الحي بحواريه الضيقة بمثابة قلعة حصينة يصعب اقتحامها، ومن ثم اكتفت القوات العربية في البداية بحصاره وقصفه بنيران المدفعية والهاون.

وعلى الجانب الآخر من الأسوار كثفت القوات الإسرائيلية هجماتها – التي لم تنقطع ليلة واحدة – على الأبواب الرئيسية للمدينة في محاولات يائسة لإنقاذ الحي اليهودي المحاصر داخل الأسوار، وكان أخطر هذه الهجمات تلك التي تمت ليلة 18/19 مايو ومساء يوم24 من نفس الشهر. ففي المحاولة الأولى نجحت بعض القوات الإسرائيلية في فتح ثغرة في الدفاعات العربية عند باب النبي داود والوصول إلى الحي اليهودي، إلا أن القوات العربية نجحت صباح اليوم التالي في غلق تلك الثغرة مرة أخرى، أما المحاولة الثانية فقد جرت في نفس المنطقة مساء 24 مايو بعد تمهيد نيراني بقذائف الهاون على القوات العربية المدافعة، التي أصلت قوة البالماخ المهاجمة بنيرانها الكثيفة وقنابلها اليدوية عند اقترابها من سور المدينة، مما أجبرها على الانسحاب بعد تكبدها ستين قتيلاً.

وعندما قدر الرائد عبدالله التل موقفه من أجل اقتحام الحي اليهودي وجد أن تحصينات الحي ستكلفه ثمناً كبيراً لعملية الاقتحام، فقرر نسف المنازل اليهودية التي اتُخذت أبراجاً واستحكامات للقوات المدافعة، تمهيداً لتقدم المشاة في عمليات التطهير والاحتلال.

ومع تكرار أعمال النسف والتدمير المنظم بدأت تضيق خطوط المدافعة عن الحي، وتزايد نزوح السكان من المناطق المهددة بالتدمير إلى المناطق الخلفية التي دب الذعر بين سكانها الذين كان ينتظرهم نفس المصير. وزاد من سوء حالة السكان اليهود أعمال القصف المدفعي التي استمرت تدك الحي طوال فترة الحصار، وبدأت المواقع الإسرائيلية داخل الحي تُخلى الواحد تلو الآخر وتضاءلت المساحة التي تدافع عنها القوات الإسرائيلية إلى أقل من مائتي متر مربع.

ولم يكن هناك من مناص من التسليم بعد أن فشلت كافة المحاولات الإسرائيلية خارج القدس القديمة للاتصال بالحي اليهودي فيها. وفي صباح 28 مايو جرت مفاوضات التسليم بين الوفد الأردني برئاسة الرائد عبدالله التل والوفد الإسرائيلي الذي تكون من "موسى روزنك" قائد الهجناة في ذلك الحي و"الأدون مردخاي فون جارتن" ممثلاً لسكان الحي، وبحضور السنيور "اسكاراتي" ممثل الأمم المتحدة في القدس، وبعد جدال استمر ثلاث ساعات قبل الجانب الإسرائيلي شروط التسليم والتي كانت تتلخص فيما يلي:
·           إلقاء السلاح وتسليمه للجانب الأردني.

·           أخذ جميع الرجال المحاربين أسرى حرب.

·           السماح للشيوخ من الرجال والنساء والأطفال ومن كانت جراحهم خطيرة بالخروج إلى الأحياء اليهودية في القدس الجديدة بواسطة الصليب الأحمر.

·           تعهد الجانب الأردني بحماية أرواح جميع اليهود المستسلمين.

·           احتلال الجيش العربي الحي اليهودي في القدس القديمة.

(2) القتال خارج المدينة القديمة
إزاء تباطؤ الجنرال "جلوب" في نجدة "القدس" ـ تارة بحجة الحفاظ على الهدنة في المدينة المقدسة بالرغم من نقض اليهود لها، وتارة أخرى بحجة عدم إضعاف سيطرة الفيلق الأردني عن المناطق الأخرى في الضفة ـ قام الملك عبدالله من جانبه بخطوتين هامتين: الأولى هي إصداره أوامره مباشرة إلى الرائد عبدالله التل بالتحرك بقواته لنجدة القدس متخطياً بذلك الجنرال "جلوب" قائد جيشه على نحو ما سبق، والثانية هي تكليفه وزير دفاعه بعد ظهر السابع عشر من مايو بإرسال برقية إلى قائد الفيلق الأردني يبلغه فيها قلق الملك وإصراره على تحريك قوة مدعمة بالمدفعية من "رام الله" للهجوم على الأحياء اليهودية في "القدس" بما يسمح بتخفيف الضغط على القوات العربية المدافعة عن المدينة القديمة، وإجبار اليهود على الالتزام بالهدنة، وأن القنصل البلجيكي الذي كان يقابل الملك عبدالله وقتئذ يوافق على هذا الرأي، ولم يكتف الملك بذلك، بل أرسل خطاباً شخصياً إلى الجنرال "جلوب" يحثه فيه على نجدة المدينة القديمة حتى لا تسقط فيقع عليه تبعة سقوطها وما سيجري للعرب فيها[5]. (اُنظر خريطة معركة اللطرون (الهجوم الأول)) و(خريطة معركة اللطرون (الهجوم الثاني))

وإزاء هذا الضغط من قِبل الملك لم يجد الجنرال "جلوب" بُداً من إرسال بعض القوات إلى القدس تنفيذاً لرغبة الملك، حتى لا تقع عليه مسؤولية سقوط المدينة.

ولما كان "جلوب" قد علم بإرسال وحدة عبدلله التل إلى المدينة القديمة، فقد اكتفى في البداية بإرسال قوة أخرى من الفوج الخامس من "رام الله" تبلغ نحو 300 من جنود المشاة المدعمين بفصيلة عربات مدرعة وأربعة مدافع عيار 6 رطل مضادة للدبابات، وبمجرد وصولها إلى الطرف الشمالي من المدينة نجحت تلك القوة في استرداد حي "الشيخ جراح" من القوات الإسرائيلية وأجبرتها على الانسحاب، وبدأت في التقدم جنوباً للاتصال بدفاعات المدينة القديمة لتكوين خطاً دفاعياً متصلاً، يؤمن تلك المدينة والأحياء العربية شمالها وشرقها.

ولما كانت القوة السابقة غير كافية لبناء خط دفاعي متماسك، فقد دفع "جلوب" الفوج الثالث بقيادة الرائد "بل نيومن" لدعم خط الدفاع الجديد في القدس وعزل المنطقة اليهودية فيها. وبوصول قوات الفوج الثالث إلى المدينة صباح 22 مايو، كان على تلك القوات شن هجوم مزدوج على كل من المواقع الإسرائيلية في المنطقة المعروفة باسم بوابة "مندلبوم" جنوب غرب حي "الشيخ جراح"، وعلى المواقع الإسرائيلية في منطقة دير "نوتردام" التي تسيطر على حي المصرارة العربي شمالها ـ وكانت القوات الإسرائيلية قد احتلت ذلك الدير بعد 15 مايو ـ إلا أنه نظراً لعدم تعيين الرائد "نيومن" لدليل يقود سرايا البدو التي تجهل دروب المدينة فقد ضلت بعض هذه السرايا طريقها وسط شوارع القدس مما دفع قيادة الفيلق إلى تأجيل الهجوم إلى اليوم التالي.

وفي الساعة 1200 يوم 23 مايو بدأت سريتاين من الفوج الثالث هجومها على دير "نوتردام"، في الوقت الذي قامت فيه باقي قوات الفوج بالهجوم على المواقع الإسرائيلية في منطقة بوابة "ماندلبوم"، بعد أن قامت المدفعية الأردنية بالتمهيد لهذين الهجومين بقصف المناطق اليهودية المستهدفة، غير أن القوات الإسرائيلية تمكنت من صد هذين الهجومين وكبدت الفوج الثالث خسائر جسيمة في منطقة الدير، نتيجة لأخطاء قائد الفوج مما دفع الجنرال "جلوب" إلى إصدار أوامره في الساعة الخامسة مساء 24 مايو بإيقاف الهجوم، ولما كان القائد البريطاني غير مستعد لسحب وحدات أخرى لاستئناف الهجوم، الذي كان على غير إرادته منذ البداية، فإنه قرر الاكتفاء بحصار المنطقة اليهودية في القدس الجديدة انتظاراً لسقوط الحي اليهودي في المدينة القديمة، والذي كان سقوطه مسألة وقت فقط، وبتصفية الموقف في "القدس القديمة" لصالح القوات الأردنية ودعم الدفاع عن الأحياء العربية شمالها وشرقها، ركزت جهود القوات الأردنية لإرهاق وإزعاج الإسرائيليين في "القدس الجديدة" بالقصف المدفعي، مع تشديد الحصار على تلك المنطقة وإحكام عزلها عن مصادر إمدادها في السهل الساحلي حتى يجبر الإرهاق والجوع سكانها على التسليم.

ب. معركة "اللطرون" الأولى
إزاء تفاقم سوء الحالة التي كان عليها يهود القدس الجديدة المحاصرة، أصبح مصير سكانها المائة ألف معلقاً بفتح طريق "القدس/ تل أبيب" ووصول قوافل الإمداد. وعلى ذلك بذلت رئاسة الأركان الإسرائيلية جهوداً مستميتة لفتح ذلك الطريق الذي أغلقه المجاهدون العرب وجيش الإنقاذ في البداية وحلت محلهم القوات الأردنية اعتباراً من 19 مايو (احتل الفوج الرابع بقيادة المقدم "حابس المجالي" منطقة اللطرون، بينما احتل الفوج الثاني بقيادة المقدم (البريطاني) "هنري سلين" منطقة باب الوادي)، حيث قامت القوات الإسرائيلية في الفترة من 23 مايو وحتى 11 يونيه بثلاث محاولات فاشلة لزحزحة قوات الفوج الرابع عن اللطرون وفتح الطريق إلى القدس دون جدوى.

وقد بدأت أولى هذه المحاولات بعد أربعة أيام من احتلال القوات الأردنية لمواقعها في منطقة "اللطرون". حيث كان على اللواء السابع المدرع أن يقوم بالتعاون مع الكتيبة الثانية من لواء "اسكندروني" بالاستيلاء على المراكز الحاكمة في منطقة اللطرون لتأمين الطريق ثم توصيل قافلة إمداد إلى السكان والقوات المحاصرة في منطقة "القدس".

وبحلول يوم 23 مايو كان اللواء السابع قد تجمع في منطقتي "ناعان" و"خلدة" بينما كانت قافلة إمداد كبيرة على أهبة الاستعداد عند "عكير"، غير أن الهجوم لم يبدأ في موعده المقرر في منتصف ليلة 22/23 مايو لتأخر وصول الكتيبة الثانية من لواء "اسكندروني" التي كانت ستقوم بالمجهود الرئيسي في الهجوم على "اللطرون"، فطبقاً للخطة الإسرائيلية كان على تلك الكتيبة أن تقوم بالإستيلاء على بلدة "اللطرون" وقلعة الشرطة بالقرب منها، في الوقت الذي تقوم فيه الكتيبة الثانية من اللواء السابع بتأمين الجانب الأيمن لمحور تقدم كتيبة "اسكندروني" وطريق "القدس".

وعلى ذلك لم يبدأ تحرك كتيبة "اسكندروني" إلا مع أول ضوء صباح الثالث والعشرين من مايو، مما جعل تقدم تلك القوة إلى أهدافها على طريق القدس على مرأى من القوات الأردنية في منطقة "اللطرون"، فأصلتها الأخيرة بنيرانها الحامية وأوقعت بها خسائر جسيمة، مما جعل إتمام العملية أمراً مستحيلاً، فبدأت تلك الكتيبة في الانسحاب بشكل مأساوي راح ضحيته المئات من أفرادها، في الوقت الذي أصبحت فيه كتيبة اللواء السابع ـ على ميمنة كتيبة اسكندروني ـ هدفاً للنيران الجانبية للقوات الأردنية والمتطوعين العرب الذين احتلوا قرى "بيت جيز" و"بيت سوسين" التي ظن الإسرائيليون أنها خالية.

وبينما كانت الوحدات الإسرائيلية تحاول تخليص نفسها تحت نيران المدفعية الأردنية تعرضت تلك الوحدات للهجمات المضادة العربية من الاجناب والخلف مما زاد من صعوبة تخلص ما تبقى من هذه الوحدات المبعثرة التي دبت الفوضى في أوصالها.

ولم ينج من قوة الهجوم الإسرائيلي إلا حفنة كان على رأسها الكولونيل "حاييم لاسكوف" قائد الكتيبة المدرعة في اللواء السابع.

وبالرغم من خطورة الموقف الإسرائيلي على الجبهات العربية الأخرى، فقد أجبر تفاقم سوء حالة يهود القدس الجديدة ـ الذين أنهكهم الحصار ـ القيادة الإسرائيلية إلى إعطاء الأسبقية لفتح طريق القدس. ومن ثم تلقى اللواء السابع الأمر بشن هجوم جديد على اللطرون بالتعاون مع إحدى كتائب لواء "جعفاني" بعد أسبوع واحد من فشل المحاولة الأولى.

ولتجنب أخطاء الهجوم الأول احتلت بعض قوات المشاة في اللواء السابع "بيت جيز" و"بيت سوسين" العربيتين قبل بدء الهجوم على اللطرون الذي أُلقى على عاتق الكتيبة المدرعة في ذلك اللواء، التي كان عليها الاستيلاء على منطقة "اللطرون" بالتعاون مع بعض سرايا المشاة في اللواء، بينما كان على كتيبة لواء "جعفاني" الاستيلاء على "دير أيوب" ومرتفعاتها بالتعاون مع إحدى سرايا اللواء السابع والتقدم إلى "يالو" لقطع طريق الإمداد من "رام الله" إلى الكتيبة الأردنية الرابعة التي تسيطر على منطقة اللطرون وعزل تلك الكتيبة.

وفي 30 مايو بدأت قوات الهجوم الجديد تحركها إلى أهدافها بعد أن تم تأمين جانبها الأيمن باحتلال "بيت جيز" و"بيت سوسين". وبوصول كتيبة جعفاني إلى مرتفعات دير أيوب تعرضت لنيران كثيفة من الأمام والأجناب من القوات الأردنية المدافعة عن تلك المرتفعات، مما أوقع بالكتيبة خسائر جسيمة، فساد الاضطراب في صفوفها، وانسحبت دون أوامر في حالة من الفوضى مخلفة وراءها 137 قتيلاً، دون أن يعلم بذلك "حاييم لاسكوف" قائد قوة الهجوم الرئيسية على مرتفعات "اللطرون". وبالرغم من وصول مدرعات "لاسكوف" إلى ضواحي بلدة "اللطرون" ودخلول بعضها الساحة الخارجية لقلعة الشرطة القريبة منها، إلا أن المدافعين عن القلعة الذين راحوا يمطرون المهاجمين بالنيران والقنابل الحارقة أصابوا سرايا المشاة الإسرائيلية بالشلل فتوقفوا عن متابعة المدرعات، مما أجبر "لاسكوف" على سحب قواته من منطقة اللطرون تاركاً خمسين قتيلاً وأربع دبابات محترقة بجوار قلعتها، وبذلك فشلت ثاني المحاولات الإسرائيلية لفتح طريق القدس خلال هذه المرحلة. (اُنظر خريطة معركة اللطرون (الهجوم الثاني))

وإزاء تزايد إلحاح القيادة الإسرائيلية في القدس من أجل فتح الطريق بعد أن تزايدت حالة السكان المحاصرين سوءاً، قررت رئاسة الأركان الإسرائيلية شن هجوم ثالث لفتح الطريق، أوكلت قيادته هذه المرة إلى الكولونيل "دافيد ماركوس" (الضابط الأمريكي المتطوع الذي سبق له الخدمة في قيادة الجنرال أيزنهاور في أوروبا)، ووضعت الألوية الثلاثة العاملة في جبهة القدس تحت قيادته (لواء "عتصيوني" المسؤول عن الدفاع عن الأحياء اليهودية في "القدس" ولواء "هرئيل" الذي يدافع عن ممر القدس غرب المدينة حتى قرب منطقة "باب الواد" التي يسيطر عليها الفوج الأردني الثاني، واللواء السابع الذي كان يعاد تنظيمه وتعزيزه في منطقة "خلدة" و"دير محيسن" غرب "اللطرون"، بعد الخسائر التي مُنى بها في الهجومين السابقين).

ولما كان موقف اللواء السابع ولواء "عتصيوني" لا يسمح باشتراكهما في الهجوم الجديد ـ نتيجة للخسائر الجسيمة التي لحقت بهما ـ فقد أُسندت المهمة إلى الكتيبة الخامسة من لواء "هرئيل" والكتيبة الأولى والثالثة من لواء "يفتاح" الذي سُحب من الجليل للمشاركة في معركة "اللطرون". وكان على الكتيبة الأولى "يفتاح" القيام بهجوم تضليلي على "عمواس" شمال شرق "اللطرون" في الوقت الذي تقوم فيه الكتيبة الخامسة "هرئيل" بالهجوم على أحد المرتفعين الحيويين شرق "اللطرون" (تل يالو) وبسيطرة الكتيبة الخامسة على ذلك المرتفع تتقدم الكتيبة الثالثة "يفتاح" عبر مواقع الكتيبة الخامسة للاستيلاء على المرتفع الثاني (تل المدافع).

وبعد تأجيل الهجوم عدة مرات، بدأت العملية ليلة 8/9 يونيه، فأغارت الكتيبة الأولى يفتاح على قرية "عمواس"، كما تحركت الكتيبة الخامسة "هرئيل" إلى تل "يالو" إلا أنها أخطأته في الظلام وهاجمت تل "المدافع" بدلاً منه، حيث قوبلت بمقاومة عنيفة من قوات الفيلق الأردني فلم تتمكن إلا من احتلال جزء من التل.

وقبل أن ينقضي الليل كانت قوات الكتيبة الخامسة تتعرض لثلاث هجمات مضادة قوية من القوات الأردنية في المنطقة في الوقت الذي تحركت فيه الكتيبة الثالثة "يفتاح" نحو تل "المدافع"، وعند مرورها بتل "يالو" فوجئت الكتيبة الأخيرة ـ التي لم تعلم بالخطأ الذي وقعت فيه الكتيبة الخامسة ـ بالنيران تنهمر عليها من منطقة يفترض أن كتيبة "هرئيل" قامت باحتلالها، وتحول الهجوم إلى حالة من الفوضى أجبرت القيادة الإسرائيلية في قطاع "القدس" على سحب الكتيبتين قبل أن يبزغ نور الفجر، وهكذا انتهت المحاولة الإسرائيلية الثالثة للسيطرة على منطقة "اللطرون" بالفشل وبقي طريق "القدس" مغلقاً حتى سريان الهدنة الأولى صباح 11 يونيه.

****************************
[1] يشير اللواء حسن البدري إلى أن القوات الإسرائيلية استعادت المالكية يوم 19 مايو، ويبدو أن هناك خطأ مطبعياً لأن المصادر الإسرائيلية والغربية تجمع على أن قوات اللواء "يفتاح" التي استعادتها تحركت لتنفيذ العملية ليلة 28/29 مايو.
[2] يشير "دي بوي" إلى أن استعادة القوات اللبنانية للمالكية تمت مساء 6 مايو وأن الاستيلاء على "قدس" و"رامات نفتالي" تم في اليوم التالي.
[3] يشير اللواء حسن البدري إلى أن قوات اللواء "كرملي" هي التي قامت بالهجوم خلال المرحلتين بينما تُجمع المصادر الإسرائيلية والغربية لهذه الدراسة على قيام اللواء "جولاني" بمهمة التمهيد للهجوم على " جنين " خلال المرحلة الأولى.
[4] نجحت القوات الإسرائيلية خلال الفترة من 15 إلى 17 مايو في احتلال كافة الأحياء العربية خارج سور القدس القديمة عدا الأحياء الواقعة شرق المدينة وبدأوا في الهجوم على الأبواب الرئيسية في تلك الأسوار لاقتحام المدينة القديمة التي احتشد فيها أكثر من 60 ألف عربي نزح أغلبهم من الأحياء التي احتلها الإسرائيليون.
[5] يصف " حاييم هيرتزوج " رئيس دولة إسرائيل السابق حالة يهود القدس آنذاك بقوله: "تضاءل إمداد المدينة بالكهرباء إلى ساعات قليلة في اليوم، وأغلقت مضخات ضخ المياه إلى المدينة منذ استيلاء العرب عليها في 12 مايو، وانقطعت الأنباء لتوقف البث الإذاعي، وانتشر الجوع والعطش وسادت الليل ظلمة حالكة، واستمر القصف المدفعي للمدينة طوال الأربع والعشرين ساعة، وخلت المحلات من الأغذية، وكان جميع السكان يعيشون وينامون في المخابئ، ولم يكن ممكناً القيام بأية إجراءات صحية نتيجة لنقص المياه، ومع نفاد المؤن أصبح واضحاً للجميع أن القدرة على الاحتمال صارت هي الأخرى على وشك الانهيار ما لم يرتفع الحصار.
[6] يشير اللواء محمد نجيب إلى أنه كان يقود اللواء الثاني خلال معركة أسدود إلى حين وصول الأميرالاي محمود فهمي نعمة الله من القاهرة بعد معركة " نيتسانيم " وتوليه قيادة اللواء وانتقاله هو لقيادة اللواء الرابع.
[7] حدد اللواء محمد نجيب قائد مجموعة اللواء الثاني التي قامت قواته باحتلال أسدود عدد القتلى بأربعمائة وخمسين والأسرى بمائة وتسعة وعشرين بينما أشار "دي بوي" إلى أن عدد القتلى والجرحى بلغ 400 فرد، أما هيرتزوج فأشار إلى أن الخسائر الإسرائيلية في المعركة بلغت 100 فرد بين قتيل وجريح بالإضافة إلى عدد من الأسرى.



المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 26 أكتوبر 2023, 7:08 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 50640
العمر : 72

المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية   المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية Emptyالثلاثاء 20 ديسمبر 2011, 1:06 am

5. المعارك على الجبهة المصرية
أ. تأمين التقدم إلى "غزة"
لما كانت القيادة الإسرائيلية قد قدرت مبكراً احتمال تدخل الجيش المصري في فلسطين ـ قبل أن تقرر الحكومة المصرية فعلاً هذا التدخل ـ فقد عمدت إلى غلق محاور التقدم في وجه ذلك الهجوم بنشر قواتها في الجبهة الجنوبية بما يكفل لها السيطرة على المرتفعات التي تتحكم في محاور التقدم المنتظرة للقوات المصرية، فاحتل لواء "النقب" بقيادة الكولونيل "ناحوم سريج" مواقعه جنوب خط "المجدل/ بيت جبرين" بينما احتل لواء "جفعاني" بقيادة الكولونيل "شمعون أفيدان" مواقعه شمال ذلك الخط.

وبهذه الأوضاع اتخذت القوات الإسرائيلية على الجبهة المصرية شكل الدفاع مع تركيز الجهود الرئيسية في العمق، حيث وقع على عاتق المستعمرات ـ التي سبق انتخابها في مواقع تسيطر على ما حولها ـ مهمة عرقلة الهجوم المصري وتهديد أجناب قواته وخطوط مواصلاتها، في الوقت الذي تتأهب فيه الألوية الإسرائيلية في الخلف لشن هجماتها المضادة بعد أن يفقد الهجوم المصري اندفاعه وتطول خطوط مواصلاته.

أما على الجانب المصري فقد كانت خطة اللواء المواوي قائد قوات التدخل المصرية تقضي بسرعة التقدم إلى "غزة" قبل أن تحتلها القوات الإسرائيلية، مع تطهير المستعمرات المعادية على طريق تقدم قواته. وعلى ذلك كان على الكتيبة السادسة بقيادة القائمقام (العقيد) جاد سالم الهجوم على مستعمرة "نيريم" (الدنجور) لتأمين الجانب الأيمن لتقوم القوة المصرية الرئيسية في الوقت الذي تتقدم فيه الكتيبة الأولى المشاة بقيادة القائمقام السيد طه ومعها باقي قوات التدخل المصري إلى غزة تحت ستر كتيبة استطلاع الألاي الأول سيارات مدرعة.

وقد تلخصت خطة الهجوم على مستعمرة "نيريم" ـ التي تقع على ربوة عالية جنوب الطريق الساحلي وجنوب شرق خان يونس بنحو اثني عشر كم ـ في قصف المستعمرة بنيران المدفعية والهاون تمهيداً للهجوم عليها بواسطة سريتي مشاة من الكتيبة السادسة في الوقت الذي تبقى فيه السريتان الأخريان في الاحتياط.

وفي الساعة السابعة والنصف يوم 15 مايو فتحت المدفعية المعاونة للكتيبة السادسة نيرانها على مستعمرة "نيريم" فأشعلت فيها النيران. وتحت ستر القصف المدفعي تقدمت سريتا المشاة دون مقاومة حتى وصلتا إلى أسوار السلك الشائك حول المستعمرة فتوقفت نيران المدفعية، وبدأت سريتا المشاة عملية الاقتحام فجوبهت بنيران كثيفة من القوة المدافعة عن المستعمرة وسكانها الذين حبسوا نيرانهم حتى وصلت المشاة المصرية عديمة الخبرة إلى مسافة 150 متراً من مواقعهم المحصنة داخل المستعمرة، فأوقف الهجوم وارتدت المشاة، بينما عادت المدفعية لقصف المستعمرة، فانفجر مخزن الوقود والذخيرة، غير أن سريتي المشاة عجزتا عن إتمام عملية الاقتحام حتى حل الغروب.

ولما كانت سرايا الكتيبة غير مدربة على القتال الليلي فقد أمر قائد الكتيبة بعمل ستارة دخان لستر انسحاب السريتين وإخلاء القتلى والجرحى إلى المواقع الخلفية، بينما بقيت سريتان وبطارية مدفعية لحصار المستعمرة وإزعاجها لحين تكرار الهجوم في صباح اليوم التالي، إلا أنه صُرف النظر عن تكرار الهجوم على "نيريم" اكتفاءاً بحصارها حتى لا يتعطل تقدم الكتيبة إلى "غزة".

وفي الوقت الذي كان يجري فيه القتال في مستعمرة "نيريم" تقدمت القوة الساترة للقوات الرئيسية على الطريق الساحلي إلى غزة فدخلتها الساعة 1900 مساء 15 مايو. أما الكتيبة الأولى وباقي القوات المصرية فقد تحركت صباح السادس عشر من مايو في طريقها إلى غزة مروراً بخان يونس التي يسيطر عليها المتطوعون العرب.

ولما كانت مستعمرة "كفار دوروم" تقع على جانب طريق تقدم القوات المصرية إلى غزة في مواجهة بلدة دير البلح، فقد كان على الكتيبة الأولى المشاة إسكات المستعمرة ومواصلة تقدمها إلى "غزة"، وعلى ذلك كُلفت بطارية المدفعية المصاحبة للكتيبة الأولى المشاة بقصفها كما كلفت قوة من المتطوعين الذين سبقوا إلى المنطقة بحصارها.

وفي الوقت الذي استمر فيه قصف المدفعية لمستعمرة "كفار دوروم" بشكل متقطع من الساعة 1030 صباح 16 مايو حتى الساعة 1715 من نفس اليوم، كانت الكتيبة الأولى المشاة وباقي القوة الرئيسية تتقدم إلى غزة دون مقاومة لتصلها مساء نفس اليوم، وتتخذ مواقعها خارج المدينة.

ب. معركة "يد مردخاي" (دير سنيد)
بينما كانت القوات المصرية تستطلع المستعمرات الإسرائيلية شمال وشرق "غزة" تلقى اللواء المواوي في الثامن عشر من مايو توجيهات رئاسة أركان حرب الجيش بالتقدم شمالاً للاستيلاء على "المجدل". وحتى تصل القوات المصرية إلى هدفها الجديد كان عليها أولاً تأمين قريتي "بيت حانون" و"بيت لاهيا" والاستيلاء على مستعمرة "يد مردخاي" الحصينة، التي تقع في طريق تقدمها إلى "المجدل".

وقد جرى تحصين المستعمرة الأخيرة ـ التي تم إنشاؤها على أرض قريتي "هربيا" و"دير سنيد" العربيتين عام 1943 ـ لأهميتها بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، فهي ـ فضلاً عن كونها مركزاً رئيسياً لإمداد مستعمرات النقب ـ تعد شوكة في جنب أية قوات تتقدم شمالاً على الطريق الساحلي لموقعها المتميز الذي يسيطر على ذلك الطريق.

ووقع على عاتق الكتيبة الأولى المشاة وعناصر دعمها من المدفعية القيام بالمهمة الجديدة بالتعاون مع القوة الجوية في الوقت الذي اُستبقيت فيه كتيبة المشاة الثانية ـ التي وصلت حديثاً إلى الميدان ـ في الاحتياط. وفي الساعة السادسة صباح يوم 19 مايو تحركت الكتيبة الأولى من غزة إلى أولى أهدافها، فقامت بتأمين "بيت حانون" و"بيت لاهيا" قبل ظهر ذلك اليوم، ثم تقدمت إلى هدفها التالي.

وبوصول الكتيبة الأولى وعناصر دعمها من المدفعية إلى "يد مردخاي"، واتخاذها أوضاعها الهجومية، بدأت أولى المعارك الرئيسية بين القوات المصرية والإسرائيلية، حيث كان يدافع عن المستعمرة 113 فرداً من سكانها الثلاثمائة، الذين سبق لبعضهم القتال في الحرب العالمية الثانية، يدعمهم فصيلتان من لواء "النقب"، واحتل الجميع مواقع خرسانية محصنة لا يظهر منها فوق سطح الأرض سوى أسقفها الخرسانية وفتحات إطلاق النار.

وعلاوة على هذه التحصينات كان بالمستعمرة ثمانية أبراج للمراقبة وشبكة متداخلة من خنادق الدفاع والمواصلات، فضلاً عن عدد كاف من الملاجئ والمخازن المحصنة ونطاقين من الأسلاك الشائكة يحيطان بالمستعمرة التي تبلغ مساحتها نحو مائة دونم.

وبالرغم من قصف المستعمرة جواً خلال اليوم السابق، فقد بدا لقائد الكتيبة الأولى أن دفاعاتها لا زالت قوية. ومن ثم بدأت بطاريتا المدفعية المصاحبة للكتيبة قصف المستعمرة الساعة 1200 تمهيداً لهجوم سرايا المشاة التي بدأت تتقدم تحت ستر نيران المدفعية. وبالرغم من نجاح السرية الأولى في احتلال الموقع الخارجي المحصن على التل جنوب المستعمرة، فلم تتمكن باقي سرايا المشاة من استغلال ذلك النجاح واقتحام المستعمرة نتيجة لنيران المدافعين الكثيفة التي انهمرت عليها من مواقعهم الأمامية المحصنة، ومع تزايد خسائر سرايا المشاة التي أحبط هجومها تقرر سحبها إلى المواقع الخلفية مع بقاء السرية الأولى في الموقع الذي نجحت في احتلاله جنوب المستعمرة، ومعاودة الهجوم بقوات الكتيبة الثانية المشاة في اليوم التالي.

وكانت خطة القائمقام عبدالقادر عبدالرؤوف قائد الكتيبة الجديدة، تقضى بتقدم أولى سرايا المشاة لاستبدال سرية الكتيبة الأولى التي تتشبث بالموقع الذي نجحت في احتلاله جنوب المستعمرة، بينما تتقدم سريته الثانية للاستيلاء على الموقعين المحصنين في الطرف الجنوبي الغربي للمستعمرة، في الوقت الذي تتحرك فيه السرية الثالثة خلف الأخيرة مع الاستعداد لاستغلال نجاحها من أجل تطهير المستعمرة وتعزيز الدفاع عنها. أما السرية الرابعة فقد أبقاها قائد الكتيبة كاحتياطي للسرية الثالثة.

وعندما بدأ هجوم الكتيبة الثانية ظهر يوم 20مايو دون تدريب يُذكر ودون أن يُتح لقادة سراياها الوقت لإجراء الاستطلاع الضروري، كان "ناحوم ساريج" قائد لواء "النقب" قد عزز القوة المدافعة عن المستعمرة بعناصر إضافية من قواته التي كانت تتمركز حول مستعمرة "نير عام" المجاورة، وعلى ذلك واجهت الكتيبة الثانية مقاومة شديدة لا تقل عما لاقته الكتيبة الأولى من قبل.

فحينما بدأت قوات الكتيبة الثانية الهجوم الساعة 1200 بعد تمهيد بالمدفعية لمدة عشر دقائق، احتلت السرية الأولى الموقع الخارجي المحصن محل سرية الكتيبة الأولى التي تم سحبها إلى الخلف، بينما تقدمت السرية الثانية خلف جماعات المهندسين التي كان عليها فتح الثغرات في حقول الألغام ونطاقي السلك الشائك المحيط بالمستعمرة، في الوقت الذي قامت فيه المدفعية بعمل ستارة دخان لستر ذلك التقدم عن مواقع المدافعين الذين حبسوا نيرانهم حتى وصلت السرية وجماعات المهندسين إلى مسافة مائة متر من مواقعهم فانهالت عليهم النيران من كل جانب، فسقط 16 شهيداً كان أغلبهم من جماعات المهندسين، إلا أن السرية استمرت في زحفها حتى صارت على مسافة 75 متراً من أهدافها، فوقعت تحت نيران جانبية مهلكة أحبطت تقدمها تماماً. ومن ثم انتهى الهجوم الثاني على "يدمردخاي" بالفشل بعد أن استُشهد فيه 29 فرداً وجُرح 46 آخرون في مقابل 16 قتيلاً و20 جريحاً من القوات الإسرائيلية.

وفي الوقت الذي كانت فيه الكتيبة الثانية لا تزال متعثرة أمام مستعمرة "يد مردخاي" يوم 20 مايو طالبت رئاسة أركان حرب الجيش اللواء المواوي مرة أخرى بسرعة التقدم شمالاً والاستيلاء على المجدل في نفس اليوم، ولما كان ذلك يصعب تحقيقه في ذلك اليوم، قرر اللواء المواوي دفع الكتيبة الأولى على طريق جانبي للاستيلاء على المجدل في اليوم التالي، مع تأمين تقدمها بأعمال القصف الجوي والمدفعي، وعلى ذلك استمرت المدفعية تقصف "يد مردخاي" بشكل متقطع طوال النهار في الوقت الذي قامت فيه ثلاث طائرات بقصفها جواً بعد ظهر نفس اليوم، وفي المساء وصلت الكتيبة الأولى إلى المجدل دون مقاومة.

ولتدارك أخطاء الهجوم السابق على "يد مردخاي" كُلفت نفس الكتيبة بإجراء استطلاع جيد للمستعمرة خلال الفترة من 21 إلى 23 مايو توطئة للهجوم عليها للمرة الثالثة، وعُززت الكتيبة ببعض المدرعات ودبابة إسرائيلية تم أسرها لحماية المشاة والمهندسين أثناء فتح الثغرات في حقول الألغام والأسلاك الشائكة، كما أُعيد توزيع المدافع المضادة للدبابات في أماكن جديدة تسمح لها بتدمير الأوكار الخرسانية المحصنة (الدشم) المزودة بالرشاشات الثقيلة والأسلحة المضادة للدبابات.

وقبل أن يبدأ الهجوم الثالث على المستعمرة الحصينة مساء 23 مايو أجرى قائد الكتيبة الثانية تعديلا على تشكيل المعركة، فقام بإحلال السرية الثالثة مكان السرية الأولى في الموقع المحصن الخارجي جنوب المستعمرة، وجعل من الأخيرة رأس الحربة في الهجوم الجديد، مع إبقاء السرية الرابعة احتياط لها.

وعندما بدأ الهجوم الجديد الساعة 1745 بعد تمهيد نيراني بالمدفعية تقدمت السرية الأولى خلف الدبابة والعربات المدرعة، وتمكنت إحدى فصائلها الأمامية من احتلال الموقع الحصين المخصص لها بعد فتح ثغرة في حقل الألغام والأسلاك الشائكة.

وبالرغم من أن قائد الفصيلة أعطى إشارة النجاح بوضوح إلا أن قائد السرية تأخر في دفع الفصيلتين الأخريين إلى المواقع المخصصة لها، مما أوقع فصيلة المقدمة في مأزق واضُطر قائد الكتيبة إلى سحبها بعد أن نفدت ذخيرتها. وإزاء ذلك الفشل صمم قائد الكتيبة على الاستيلاء على المستعمرة مهما بلغت الخسائر، وتدخل بنفسه في تخطيط أدق تفاصيل الهجوم الجديد الذي أصر على أن يشنه ليلاً بكل قوات الكتيبة، وحدد له الساعة 300 يوم 24 مايو.

وفي الموعد المحدد للهجوم تقدمت قوات الكتيبة تحت ستر نيران المدفعية والمدرعات من اتجاه الجنوب الشرقي والجنوب الغربي وقامت بفتح الثغرات في نطاقات الموانع حول المواقع الدفاعية المحصنة تحت وابل من نيران الأسلحة الصغيرة التي كان يطلقها الإسرائيليون، وبالانتهاء من تلك المهمة بدأت عملية اقتحام المستعمرة، وقبل أن ينتهي فجر الرابع والعشرين من مايو كانت المستعمرة قد سقطت في أيدي الكتيبة الثانية بعد قتال عنيف بكافة أنواع الأسلحة، انسحبت على أثره القوة الإسرائيلية المتبقية (180 فرداً منهم 40 جريحاً) مخلفة ورائها ستاً وعشرين قتيلاً، وبسقوط "يد مردخاي" انفتح الطريق الرئيسي لتقدم القوات المصرية نحو الشمال والشرق.

ج. معركة "أسدود"
على ضوء ضغط القوات الإسرائيلية على منطقة "اللطرون" خلال الأسبوع الأخير من مايو لفتح طريق القدس وطلب القيادة الأردنية سرعة تقدم القوات المصرية لتخفيف الضغط على قواتها في "اللطرون"، حددت رئاسة أركان الجيش المصري للواء المواوي الخط العام "أسدود قسطينة" كمهمة جديدة لتقدم قواته بعد أن تم تدعيمها[6].

فأسند اللواء المواوي المهمة الجديدة إلى الأميرالاي محمد نجيب قائد مجموعة اللواء الثاني بالإنابة[7] ـ التي شُكلت بعد وصول قوات الدعم من الكتائب الأولى والثانية والتاسعة المشاة ـ على أن يُبقى الكتيبة الأولى في المجدل لتأمينها.

وبدأت مجموعة اللواء الثاني تحركها إلى "أسدود" في الساعة التاسعة من صباح 29 مايو تحت ستر كتيبة استطلاع الألاي الثاني سيارات مدرعة، وبعد ساعتين وصلت طلائع القوة الساترة إلى "أسدود"، فاحتلت على الفور مواقع دفاعية شمال البلدة بنحو ثلاثة كيلومتر، حيث انضمت إليها قوة المقدمة الساعة 1300، أما القوة الرئيسية فقد وقعت أثناء تقدمها بمحاذاة مستعمرة "نيتسانيم" تحت نيران قوة إسرائيلية كانت تنتشر في معسكر أخلاه الجيش البريطاني غرب الطريق، فتوقفت القوة حتى تم تأمين تقدمها بواسطة بعض العربات المدرعة، ثم عاودت التحرك حتى وصلت أسدود في الساعة 1600 من نفس اليوم دون مقاومة، وبدأت الكتيبة الثانية في اتخاذ أوضاعها الدفاعية على مسافة اثنين كيلومتر شمال البلدة، بينما تجمعت الكتيبة التاسعة داخل "أسدود" نفسها.

وعلى الجانب الآخر تلقى الكولونيل "شيمون أفيدان" قائد لواء "جعفاني" أنباء تقدم القوات المصرية نحو الشمال ظهر يوم 29 مايو من نقطة المراقبة في مستعمرة "نيتسانيم". وبالرغم من عدم وضوح هدف التحرك المصري بالنسبة للقائد الإسرائيلي فقد وجد أنه من الضروري عرقلة تقدم تلك القوات لحين تجميع القوة اللازمة لإيقافها وشن الهجوم المضاد عليها.

ومن ثم أمر "أفيدان" إحدى جماعات المهندسين التابعين له بنسف الجسر الذي يمر عليه الطريق الرئيسي شمال "أسدود" بنحو ثلاثة كيلومتر، كما طلب من رئاسة الأركان الإسرائيلية أن تقوم القوة الجوية بعرقلة تقدم القوات المصرية حتى يتوفر له الوقت لشن الهجوم المضاد عليها، وبالفعل قامت أول أربع طائرات قتال تم تجميعها من نوع "مسر شميث" بالهجوم على القوات المصرية شمال أسدود قبل أن تتخذ تلك القوات أوضاعها الدفاعية، غير أن المدفعية المضادة للطائرات المصاحبة لتلك القوات أسقطت إحدى الطائرات الإسرائيلية وأصابت واحدة أخرى.

ولتأمين القوات المصرية في منطقة "أسدود" قامت القوة الجوية والمدفعية المصرية مساء 29 وصباح 30 مايو بقصف المستعمرات الإسرائيلية القريبة في الوقت الذي قامت قوات الكتيبة الثانية بتعزيز الخطوط المكتسبة شمال "أسدود".

وعلى الجانب الإسرائيلي شنت بعض وحدات اللواء "جعفاني" هجومين فاشلين على مواقع القوات المصرية حول أسدود، الأول في الثلاثين من مايو والثاني في أول يونيه، تكبدت خلالهما القوات المهاجمة خسائر جسيمة.

ومن ثم قررت رئاسة الأركان الإسرائيلية توجيه ضربة قوية إلى القوات المصرية في "أسدود" لعزل تلك القوات والاتصال بمستعمرة " نيتسانيم"، وحشدت لذلك الغرض نحو أربع كتائب من لواء "جعفاني" ودعمتها بالكتيبة السابعة من لواء النقب، وحُدد موعد الهجوم في البداية ليلة 1/2 يونيه، غير أنه أُجل لليلة التالية، وتلخصت فكرة الهجوم الإسرائيلي المضاد في مشاغلة القوات المصرية حول "أسدود" من ناحية الشرق، في الوقت الذي تهاجم فيه القوة الرئيسية من لواء "جعفاني" المواقع المصرية من ناحية الشمال والشمال الغربي، بينما تتقدم قوة من لواء النقب عبر التبة (التل) رقم 69 للهجوم على المواقع المصرية جنوب أسدود.

وعندما بدأت قوة الهجوم الرئيسية تقدمها ليلة 2/3 يونيه، فإنها جُوبهت وهي لا تزال في مرحلة الاقتراب بنيران كثيفة من القوات المصرية أنزلت بها خسائر كبيرة، إلا أن القوة الإسرائيلية تابعت التقدم والهجوم من ناحية الشمال، غير أن القوات المدافعة نجحت في صدها وتكبيدها خسائر جسيمة، وعندما بدأت تلك القوة انسحابها مع طلوع النهار وقعت في مصيدة النيران المصرية التي زادت من خسائرها.

ولم يكن حظ كتيبة لواء "النقب" بأفضل من سابقتها، فقد تعثرت تلك القوة في رحلة اقترابها عبر الرمال وبدأت هجومها على المواقع المصرية جنوب أسدود متأخرة عن موعدها مما أفقدها ميزة المفاجأة وأوقعها تحت نيران المدافعين المهلكة، فأصدرت لها قيادة العملية الأمر بالارتداد والمعركة لازالت مشتعلة. ولما كان طريق الانسحاب عبر الكثبان الرملية واقعاً تحت نيران القوات المصرية فقد زاد الانسحاب من خسائر تلك القوة التي وصلت فلولها الباقية إلى مستعمرة "نيتسانيم". وبذا فشل أكبر هجوم شنته القوات الإسرائيلية على القوات المصرية حتى ذلك الوقت بعد أن بلغت خسائرها ما يزيد على 400 فرد بين قتيلٍ وجريحٍ، فضلاً عن أكثر من مائة أسير.

د. معركة "نيتسانيم"
باحتلال الخط العرضي "المجدل/ الفالوجا/ بيت جبرين" وتحقيق الاتصال بالقوات المصرية في الخليل يوم 3 يونيه، على نحو ما سبقت الإشارة إليه، اتجهت القيادة المصرية في الجبهة إلى تطهير المستعمرات التي خلفتها وراءها. ولما كانت مستعمرة "نيتسانيم" تهدد خطوط المواصلات المصرية بين أسدود والمجدل، فضلاً عن كونها نقطة ارتكاز لشن الهجمات والإغارات الإسرائيلية على القوات المصرية في أسدود، فقد كان لها الأسبقية في عمليات التطهير.

وتقع مستعمرة "نيتسانيم" جنوب شرق أسدود بنحو ثلاثة كم وغرب طريق "المجدل /أسدود" بما لا يزيد عن كيلومتر واحد، وكانت "نيتسانيم" من المستعمرات المحصنة المجهزة بمرابض للأسلحة المضادة للدبابات والأوكار الخرسانية للرشاشات الثقيلة، فضلاً عن أبراج المراقبة، كما كان يحيط بها نطاقات من الأسلاك الشائكة والألغام، ويدافع عن المستعمرة ـ فضلاً عن سكانها ـ بعض قوات الكتيبة الرابعة من لواء "جعفاني"، وبعض الأفراد الذين أفلتوا من معركة أسدود.

ووقع على عاتق الكتيبة التاسعة المشاة (من مجموعة اللواء الثاني) بقيادة القائمقام (العقيد) محمد كامل الرحماني بالتعاون مع إحدى كتائب الدبابات الخفيفة وبعض عناصر الدعم الأخرى مهمة الاستيلاء على المستعمرة الحصينة، وقد تلخصت فكرة الهجوم في تحقيق المهمة على مرحلتين، استهدفت المرحلة الأولى منها احتلال تبة الفناطيس (التل 69) الواقعة على مسافة كيلومتر شرق "نيتسانيم"، والتقدم للاستيلاء على الجزء الشمالي الشرقي من المستعمرة، وخُصص لذلك سريتا مشاة تعاونهما سريتا دبابات خفيفة، بينما استهدفت المرحلة الثانية الاستيلاء على باقي المستعمرة، وخُصص لها سريتا مشاة وسريتا دبابات خفيفة، فضلاً عن كتيبة عربات مدرعة.

وقبل أن يبدأ الهجوم الرئيسي على المستعمرة، قامت قوة من المجاهدين الفلسطينيين ليلة 6/7 بقصفها بالنيران لإزعاجها طول الليل، وبعد تمهيد نيراني بالمدفعية غطى المستعمرة بكاملها تقدمت قوات المرحلة الأولى صباح السابع من مايو فاستولت على التل، وفي الساعة العاشرة تقدمت الدبابات نحو الجانب الشرقي للمستعمرة فأحاطت بمنطقة الفناطيس، وبدأت في الاشتباك مع مرابض المدافع المضاد للدبابات والأوكار الخرسانية المجهزة بالرشاشات الثقيلة، فتمكنت من إسكات هذه الأسلحة، مما أتاح لقوة المشاة التقدم لفتح الثغرات في الأسلاك الشائكة التي اندفعت منها داخل المستعمرة لتقتحم أوكار الأسلحة والمواقع الإسرائيلية القريبة.

واستغلالاً للنجاح زج قائد الكتيبة التاسعة باقي قوة الهجوم الساعة 1100 لاستكمال تطهير واحتلال المستعمرة، التي اقتحمتها الدبابات وفي أثرها قوات المشاة التي قامت بتطهير أوكار الأسلحة وخنادقها، فحاول المدافعون شق طريق لهم نحو الجنوب عبر البساتين خارج المستعمرة، إلا أن كتيبة العربات المدرعة قامت بتطويقهم فارتدوا إلى المستعمرة حيث ثم حصارهم تماماً فاستسلموا نحو الساعة 1630 مساء نفس اليوم وسقط في هذه المعركة نحو 100 قتيل و118 أسير من المدافعين عن المستعمرة بينما تمكن الباقون من الإفلات، أما القوات المصرية فقد بلغت خسائرها ثلاثة عشر شهيداً وخمسة وأربعين جريحاً.

ونظراً إلى أهمية مستعمرة "نيتسانيم" بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، فقد دفعت الكتيبة الثانية من لواء جعفاني لاستردادها ليلة 9/10 يونيه، ومهدت لهذا الهجوم بدفع بعض قوات ذلك اللواء لاحتلال التل 69 الذي أخلته القوات المصرية بعد سقوط "نيتسانيم" لتكون نقطة ارتكاز لقطع طريق المجدل/ أسدود والوثوب على المستعمرة المستهدفة بعد أن تقوم قوات الكتيبة السابعة من لواء "النقب" بشن هجوم تضليلي على "أسدود" لتحويل الأنظار بعيداً عن نيتسانيم، إلا أن قوات اللواء الثاني المشاة أحبط الهجمات الإسرائيلية في كلا الاتجاهين، وأجبرت قوات كتيبتي "جعفاني" و"النقب" على الارتداد بعد أن كبدتها أكثر من ثلاثمائة قتيل وأسرت عشرة من أفرادها، في الوقت الذي خسرت فيه القوات المصرية خمسة شهداء وثلاثة وعشرين جريحاً.

وفي الجنوب لجأت قوات "جعفاني" المرتدة إلى التل 69 ـ الذي احتلته إحدى سرايا المشاة الإسرائيلية قبل الهجوم على "نيتسانيم" ـ فطاردتها المدفعية المصرية وقصفت التل الذي تكدست فيه قوات "جعفاني"، ثم قامت سريتا مشاة مصرية مدعمة بسرية دبابات خفيفة وجماعة هاون باقتحام التل ضُحى الثامن من يونيه، فانهارت مقاومة القوة الإسرائيلية المدافعة وبدأت تنسحب من التل بصورة غير منظمة فأحاطت بها القوة المصرية وأجبرتها على التسليم.



المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية
» المبحث الثاني والعشرون: أعمال القتال الجوية على الجبهات الثلاث
» المبحث العشرون: تطور الموقف على الجبهات الإسرائيلية الشمالية والوسطى والقدس
» المبحث الثامن
» المبحث الثامن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الأحـداث الفارقــة في حيــاة الدول :: قـضيـــة فـلـسطــــين-
انتقل الى: