منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)


IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51967
العمر : 72

المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية Empty
مُساهمةموضوع: المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية   المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية Emptyالثلاثاء 20 ديسمبر 2011, 12:54 am

المبحث السابع عشر
تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية
أولاً: تطور الموقف السياسي حتى نهاية الهدنة الأولى
1. فترة القتال الأولى (15 مايو ـ 11 يونيه)
على أثر انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في منتصف ليلة 14/15 مايو 1948، تقدمت القوات العربية داخل الأراضي الفلسطينية، طبقاً للأهداف المحددة لكل منها. ومع بدء تدخل الجيوش العربية أرسل الأمين العام لجامعة الدول العربية برقية إلى السكرتير العام للأمم المتحدة يوضح له فيها تطورات القضية الفلسطينية وأسباب النزاع الذي تحول إلى صراع مسلح بين الفلسطينيين واليهود ومبررات تدخل الجيوش العربية لإيقاف سفك مزيد من الدماء العربية في فلسطين.
وبدورها قدمت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة شكوى إلى مجلس الأمن مدعية اعتداء العرب على أراضيها. ورغم أن التقدم العربي حتى ذلك الوقت كان في جملته داخل المنطقة العربية في مشروع التقسيم، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي و"تريجف لي" ـ سكرتير الأمم المتحدة ـ أيدوا اتهام إسرائيل بأن العرب قد بدؤا عدوانا يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة. وكانت الصين هي العضو الوحيد في مجلس الأمن الذي أيد العرب بينما اتخذ الآخرون ـ ومنهم بريطانيا ـ موقفاً وسطاً، بقبول وجهة النظر العربية جزئياً.
ولما كانت بريطانيا ـ طبقاً لرواية "جلوب" في الفصل السابق ـ قد وافقت ضمنياً على دخول الجيوش العربية القسم العربي من مشروع التقسيم دون تجاوزه، فإنها ساندت مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن لإيقاف القتال، إلا أنها حالت دون إدانة الدول العربية طبقاً للباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة وما يستتبع ذلك من عقوبات، باستبعاد الفقرة التي كانت تشير إلى ذلك الباب في مشروع القرار الأمريكي قبل إقراره في الثاني والعشرين من مايو 1948.
وهكذا جاء القرار السابق لمجلس الأمن خالياً من أي إدانة للدول العربية ومطالباً كل الحكومات والسلطات ـ دون ما إضرار بحقوق ودعاوى ومواقف الأطراف المعنية ـ بالامتناع عن أي عمل عسكري عدائي في فلسطين وأن يُصدر لهذه الغاية أمرٌ بوقف إطلاق النار يكون سارياً خلال ست وثلاثين ساعة.
وعندما اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية لبحث الموقف في الخامس والعشرين من مايو، فإنها اشترطت لوقف إطلاق النار، أن يقوم مجلس الأمن بحظر هجرة اليهود وجلب الأسلحة والعتاد إلى فلسطين، حتى لا يستفيد اليهود بالهدنة لدعم موقفهم العسكري، ولما كانت تلك الشروط غير مقبولة من الحكومة الإسرائيلية، فلم يؤد قرار مجلس الأمن إلى أي وقف لإطلاق النار، رغم موافقة إسرائيل ـ التي كانت في أمس الحاجة لالتقاط أنفاسها ـ على ذلك القرار فور صدوره.
وقدمت بريطانيا مشروعاً آخر لمجلس الأمن يدعو الفريقين إلى وقف إطلاق النار لمدة أربعة أسابيع لإعطاء الكونت "فولك برنادوت" ـ الوسيط الدولي الذي عينته الأمم المتحدة ـ فرصة البحث عن حل سلمي. وحث "بيفن" الولايات المتحدة الأمريكية على مساندة المشروع البريطاني، فقد كان يأمل في قبول الطرفين حلاً وسطاً على أساس حدود جديدة تختلف عما جاء في قرار التقسيم[1]. وخوفاً من قيام الولايات المتحدة الأمريكية برفع الحظر على تصدير السلاح تحت ضغط المنظمات الصهيونية وعدم قبول العرب لإيقاف القتال، اقترح "بيفن" عدم التسرع في رفع الحظر على تصدير الأسلحة إلى منطقة القتال[2].
إذ كان ذلك سيؤدي بالضرورة إلى رفع الحظر البريطاني على تصدير الأسلحة إلى الدول العربية التي ترتبط معها بريطانيا بمعاهدات دفاعية (مصر ـ العراق ـ شرق الأردن)، الأمر الذي يُنذر بالتصادم بين سياسة الحليفتين حيث تكون بريطانيا قد سلِّحت أحد الجانبين بينما تُسلح الولايات المتحدة الأمريكية الجانب الآخر.
وفي التاسع والعشرين من مايو، وافق مجلس الأمن على مشروع القرار البريطاني بعد أن عدلته الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة بعض الاعتراضات الإسرائيلية (اُنظر ملحق القرار الرقم 50 (1948) بتاريخ 29 أيار (مايو) 1948. الدعوة إلى وقف العمليات العسكرية لأربعة أسابيع وحماية الأماكن المقدسة). وكان ذلك القرار يقضي بإيقاف القتال لمدة أربعة أسابيع، مع إيقاف كافة الأعمال الحربية، بحيث لا يؤثر ذلك على حقوق ودعاوى وموقف أي من الطرفين (العرب واليهود)، وألا يتم إدخال أي مقاتلين أو مواد حربية إلى فلسطين أو الدول المجاورة. وأوكل ذلك القرار إلى الوسيط الدولي ولجنة الإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار، على أن تُبلغ كل الأطراف موافقتها في أول يونيه وهدد بتطبيق أحكام الباب السابع من الميثاق إذا رُفض أو انتُهك ذلك القرار[3].

وتحت الضغط البريطاني، والخوف من الإدانة طبقاً للباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة وما يستتبع ذلك من عقوبات، وافق العرب على قرار مجلس الأمن[4]، خاصة وقد سبقهم الإسرائيليون في الموافقة عليه، كما كان الملك عبدالله مُصراً على إيقاف القتال. وبعد بعض التأخير حول تفسير نصوص القرار، وافق الجانبان على أن تبدأ الهدنة في السادسة صباحاً بتوقيت جرينتش (الثامنة بالتوقيت المحلي) يوم 11 يونيه.

2. فترة الهدنة الأولى (11 يونيه – 8 يوليه)
على أثر وقف إطلاق النار قام الوسيط الدولي بمباحثات استطلاعية مع ممثلي العرب والإسرائيليين حول مستقبل فلسطين. وفي الثامن والعشرين من يونيه قدم لهم مقترحات أولية من أجل تسوية النزاع بينهما. وكانت هذه المقترحات تتلخص في قيام اتحاد فلسطيني تُضم إليه شرق الأردن، ويٌقسم إلى وحدتين تتمتع كل منهما بالاستقلال الذاتي، إحداهما عربية والأخرى يهودية، على أن يتولى المسائل الاقتصادية والدفاعية مجلس مركزي.
وكانت مقترحات الوسيط الولي تقضي بإجراء تعديلات على حدود قرار التقسيم لتعطي العرب "اللد" و"الرملة" و"النقب"، ويحصل الإسرائيليون على الجليل الغربي، مع تحويل "حيفا"، إلى ميناء حر ووضع القدس تحت سيطرة العرب، على أن يكون لها وضع خاص تحت إشراف الأمم المتحدة يضمن المرور إلى الأماكن المقدسة. كما كانت هذه المقترحات تمنح الأفراد الذين شردتهم الحرب حق العودة إلى أراضيهم واستعادة ممتلكاتهم.
ورغم أن هذه المقترحات كانت تحظى بموافقة بريطانيا في خطها العام[5]، وتحقق للملك عبدالله أطماعه في فلسطين، فقد رفضها العرب الذين أساءوا تقييم انتصاراتهم الأولية والتحول الذي تم في ميزان القوى لأطراف الصراع خلال فترة الهدنة. كما لم يرغب الملك عبدالله في الانفراد بقبول تلك المقترحات في ظل الموقف العربي الرافض لها. ولما كانت إسرائيل قد رفضت مقترحات الوسيط الدولي هي الأخرى، فقد وُئدت تلك المقترحات في مهدها.
وقد حاول "برنادوت" مد فترة الهدنة لإعطاء الفرصة لمزيد من المشاورات من أجل إيجاد حل للمشكلة، فقدم في الخامس من يوليه إلى الطرفين مقترحاته بمد أجل الهدنة وتجريد منطقتي القدس ومصافي البترول في حيفا من السلاح، في الوقت الذي طالب فيه مجلس الأمن بمد الهدنة لمنع تجدد القتال وتوفير مزيد من الوقت لجهود الوساطة.
وفي استجابة لطلبات الوسيط الدولي الملحة، وافق مجلس الأمن في 7 يوليه على مشروع قرار بريطاني يناشد الأطراف المعنية أن تقبل من حيث المبدأ مد الهدنة لفترة تتحدد بالتشاور مع الوسيط الدولي.
ولما كانت إسرائيل لا تزال في حاجة لمزيد من الوقت لاستكمال حشد قواتها المسلحة فقد كانت على استعداد لقبول مد محدود للهدنة، أما الحكومات العربية فقد اختلف موقفها. فعلى حين وافقت حكومات شرق الأردن والسعودية والعراق على قبول مد الهدنة، فإن الحكومتين المصرية والسورية أصرتا على استئناف القتال، فلم تكن الحكومتان قادرتين على تبرير قبول مد الهدنة أمام شعبيهما بعد أن روجت أجهزة إعلامهما للانتصارات العربية المدوية قبل إيقاف القتال.
وإزاء ضغط الشعوب العربية ـ التي ضللها حكامها ـ لاستئناف القتال ورفض الحكومتين المصرية والسورية مد الهدنة تراجعت الحكومات العربية الأخرى عن موقفها، وقررت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في الثامن من يوليه رفض مد الهدنة. وأرسلت الجامعة العربية إلى كل من الوسيط الدولي ومجلس الأمن مذكرة توضح فيها مبررات ذلك الرفض.
وعلى عكس الإسرائيليين الذين استفادوا من الهدنة لتعميق وحدتهم السياسية، فقد زادت الهدنة والخلاف حول استئناف القتال من الشكوك والصراعات العربية، ولا سيما بين الملك عبدالله، الذي كان مصراً على ضم ولو جزأً من فلسطين إلى مملكته من ناحية، ومصر وبعض الدول العربية الأخرى ومعهم اللجنة العربية العليا ـ الذين كانوا يعملون على إنشاء حكومة عربية مستقلة لفلسطين برئاسة المفتي ـ من ناحية أخرى.

ثانياً: تطور الموقف العسكري العام خلال فترة القتال الأولى (15 مايو ـ 11يونيه)
عندما بدأت الجيوش العربية تحركها لدخول فلسطين لم يكتف الملك عبدالله بالتعديل الذي أجراه على محور تقدم الجيش السوري عشية ذلك التدخل، بل أمر أيضاً بإجراء تعديلين آخرين قضى أولهما بنقل محور تقدم الجيش اللبناني من ساحل البحر الأبيض إلى "المالكية" في الجليل الشمالي الشرقي، كما قضى الثاني بتغير محور تقدم الجيش الأردني من قطاع نابلس إلى قطاع القدس، وهو ما أدى إلى سحب الجيش العراقي إلى مثلث "جنين/ نابلس/ طولكرم" اعتباراً من 22 مايو، الأمر الذي كشف الجناح الأيسر للقوات السورية جنوب بحيرة طبرية، وأخلى الجهة العربية الشمالية إلا من القوات اللبنانية المحدودة، الأمر الذي أخل بفكرة العملية التي حددها رؤساء أركان حرب الجيوش العربية. (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (17 مايو 1948)) و(خريطة اتجاهات الجيوش العربية)
وفي فجر الخامس عشر من مايو بدأت القوات العربية تقدمها داخل الأراضي الفلسطينية، وبعد بضعة أيام باشرت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية تنفيذ التعديلات الجديدة على محاور تقدم القوات العراقية والأردنية، فبدأت الأولى تحركها إلى "طوباس" و"نابلس"، وتقدمت مفارزها الأمامية نحو "جنين" و"طولكرم"، في الوقت الذي تقدمت فيه الثانية إلى رام الله والقدس مع دفع إحدى سراياها إلى اللد والرملة.
وخلال الأسبوعين الأخيرين من شهر مايو اتخذت القوات العربية أوضاع الهجوم على كافة الجبهات، وبدا أنها تحقق تقدماً معقولاً في عملياتها التعرضية ـ على الأقل ـ داخل الأراضي المخصصة للدولة العربية في مشروع التقسيم، بينما كان الإسرائيليون يتخذون أوضاع الدفاع، محاولين في استماتة بناء وتنظيم تشكيلاتهم تحت وطأة الهجوم العربي الذي أحاط بها.
وقد اتخذت القوات الإسرائيلية بصورة عامة أوضاع الدفاع مع تركيز الجهود الرئيسية في العمق، حيث وقع على المستعمرات التي سبق اختيارها في مواقع حاكمة مهمة كسر حدة الهجوم العربي، وتهديد أجناب القوات المهاجمة وخطوط مواصلاتها، بينما تأهبت القوات الرئيسية في الخلف للقيام بالهجمات المضادة. إلا أن الضغط العربي المستمر على كافة الجبهات لم يسمح للقوات الإسرائيلية باستعادة زمام المبادأة خلال فترة القتال الأولى. (اُنظر خريطة أوضاع الألوية الإسرائيلية).
وعندما اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية صباح 26 مايو في عمان ـ بحضور قادة الجيوش العربية في فلسطين ـ لبحث الموقف العسكري على ضوء قرار مجلس الأمن الصادر يوم 22 مايو (الذي دعا إلى وقف القتال في مسرح عمليات فلسطين) دارت مناقشات حول الخطوة العسكرية التالية بعد أن حققت القوات العربية أغلب مهامها التي أصدرها القائد العام مساء 14 مايو.
وقد تبلورت تلك المناقشات في ضرورة قيام القوات الأردنية والعراقية والمصرية بالهجوم في وقت واحد للضغط على القوات الإسرائيلية في كافة الاتجاهات حتى يمكن للسياسيين أن يتحدثوا من موقع القوة بالنسبة لوقف إطلاق النار.

ولما كانت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية تجهل الاتفاق الذي تم بين الملك عبدالله ورئيس وزرائه مع الحكومة البريطانية بقصر تدخل الجيوش العربية على القسم العربي من قرار التقسيم، فقد تبلورت الخطوط العريضة للهجوم الذي كانت تطلع إليه تلك اللجنة فيما يلي.
1. الجيش الأردني
تُخصص قيادة ذلك الجيش قوة تقدر بمجموعة لواء لحصار القدس وتطهيرها، مع دفع باقي القوات على الفور للتجمع غرب "باب الواد" استعداداً للهجوم في اتجاه "تل أبيب" و"يافا" على محورين، الأول على طريق "اللطرون/ الرملة"، والثاني على يساره في اتجاه "خلدة/ عكير/ رحابوت".

2. الجيش العراقي
يتقدم ذلك الجيش من "نابلس" إلى "طولكرم" بعد إتمام حشده للهجوم في اتجاه "ناتانيا". وقُدر لإتمام ذلك الحشد من أربعة إلى خمسة أيام.

3. الجيش المصري
يقوم ذلك الجيش من مواقعه (آنذاك) بتحقيق الاتصال وسد الثغرة بينه وبين القوات الأردنية التي ستُدفع على المحور الأيسر ببعض القوات الخفيفة المزودة بالمدفعية والمصفحات.
ومع إتمام القوات العربية الثلاث لحشودها وسد الثغرات بينها والاتفاق على ساعة الصفر لبدء هجومها، تقوم هذه القوات بالضغط على القوات الإسرائيلية والتقدم في اتجاه "يافا" و"تل أبيب"، كل من اتجاه تقدمها الأصلي.
إلا أنه في اليوم التالي لاجتماع اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية المشار إليه، أوضحت القيادة الأردنية لكل من نائب القائد العام للقوات العربية (العراقي) وممثل الجيش المصري في عمان أن أوضاع القوات الأردنية لا تسمح لها بالهجوم نظراً لتعرضها لضغط كبير من القوات الإسرائيلية في منطقة "باب الواد" و"اللطرون" و"عرطوف"، وطلبت تلك القيادة أن يتقدم الجيش المصري إلى خط "يبنا/ عاقر" على الفور وليس متأخراً عن يوم 29 مايو، كما طلبت أن يتقدم الجيش العراقي من "طولكرم" في اتجاه "ناتانيا"، إلا أن ممثلي الجيش المصري والعراقي في عمان وجدا في طلب القيادة الأردنية كثيراً من التعسف لاستحالة تنفيذها في الوقت الذي طلبته تلك القيادة، وأن كل ما يمكن عمله لمساعدة الجيش الأردني وقتئذ هو القيام ببعض أعمال القتال المحدودة على الجبهتين المصرية والعراقية، في الوقت الذي تقوم فيه القوتان الجويتان المصرية والعراقية بتكثيف هجماتها على التجمعات الإسرائيلية التي تهدد القوات الأردنية، على أن يتم الهجوم بالجيوش الثلاثة طبقاً للخطوط العريضة التي سبقت الإشارة إليها عندما تكون الجيوش الثلاثة مستعدة لذلك[6]. (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (28 مايو 1948))
وعلى ذلك قامت القوتان الجويتان المصرية والعراقية بتكثيف هجماتها ضد التجمعات الإسرائيلية غرب "اللطرون" أيام 27، 28، 29 مايو، كما قامت القوات العراقية بالتقدم في اتجاه "ناتانيا"، ووصلت طلائعها المدرعة إلى "كفاريونا" و"عين فيرد" قبل أن يوقفها لواء "اسكندروني" على مسافة 8 كم شرق "ناتانيا" يوم 30 مايو، أما القوات المصرية فقد تقدمت في اتجاه "أسدود" شمال "المجدل" ونجحت في احتلالها يوم 29 مايو، كما شددت القوات الأردنية في منطقة القدس ضغطها على القوات الإسرائيلية فيها، فسقطت المدينة القديمة في أيدي القوات الأردنية في نفس اليوم.
أما جيش الإنقاذ، فقد أمر القائد العام (الملك عبدالله) قيادته بإخلاء مواقعه وتسليمها إلى القوات العراقية والأردنية والانسحاب من فلسطين إلى سوريا لإعادة تنظيم قواته ودعم القوات اللبنانية في الدفاع عن منطقة الحدود.
ولمواجهة التهديد العراقي في الشريط الساحلي الضيق في المنطقة الوسطى، قامت القوات الإسرائيلية ابتداءً من 31 مايو بعملية هجومية لتهديد منطقة "نابلس" والجناح الشمالي للقوات العراقية، إلا أن ذلك الهجوم باء بالفشل نتيجة للمقاومة العراقية الصلبة والتعزيزات التي وصلت إلى تلك القوات، فضلاً عن الأخطاء الإسرائيلية في إدارة ذلك الهجوم.
ولم يكن حظ الإسرائيليين بأفضل حالاً على الجبهة الجنوبية، فقد نجحت القوات المصرية في صد هجماتهم المتكررة على منطقة "أسدود" في آخر مايو والأسبوع الأول من يونيه، وكبدت المهاجمين خسائر جسيمة.

ثالثاً: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية المختلفة
1. تطور الموقف على الجبهة اللبنانية
في محاولة لغلق طريق تقدم القوات اللبنانية في الجليل الشمالي الشرقي (بعد تغيير محور تقدمها)، قامت إحدى كتائب البالماخ باحتلال قريتي "قدس" و"المالكية" العربيتين ليلة 14/15 مايو، وقبل أن تُعزز القوات الإسرائيلية أوضاعها شنت القوات اللبنانية هجوماً مضاداً قوياً صباح 16 مايو استعادت به "المالكية" وبدأت تُحسِّن أوضاعها فيها.
ولاسترجاع "المالكية" قامت القوات الإسرائيلية بعملية التفاف حول البلدة وهاجمتها من الخلف (من اتجاه الأراضي اللبنانية على غير ما كان يتوقع المدافعون). مما سمح لهم باقتحامها واحتلالها يوم 29 مايو، إلا أن القوات اللبنانية نجحت في استعادة "المالكية" للمرة الثانية ليلة 5/6 يونيه بالتعاون مع بعض قوات جيش الإنقاذ، ثم اندفعت للاستيلاء على "رمات نفتالي" و"قدس" اللتين كانتا لا زالت تحتلها القوات الإسرائيلية، كما اندفع جيش الإنقاذ إلى الجليل الأوسط.

2. تطور الموقف على الجبهة السورية
إزاء تغيير محور تقدم القوات السورية طبقاً لأوامر الملك عبدالله لتهجم على "سمخ" بدلاً من محور تقدمها الأول في إصبع الجليل من اتجاه "بنت جبيل" إلى "الناصرة" ثم "العفولة"، كان على اللواء السوري الأول بقيادة العقيد عبدالوهاب الحكيم أن يشق طريقه إلى هدفه الجديد يوم 15 مايو عبر تحصينات خط "إيدن" التي سبق أن أقامها البريطانيون للدفاع عن فلسطين في هذا الاتجاه.
وفي طريقها إلى "سمخ" استولت بعض قوات اللواء الأول على "تل القصر"، كما دفعت قيادة اللواء مفرزتين للاستيلاء على مستعمرتي "شاعر هجولاني" و"مساده" (مسعدة).
وفي صباح 16 مايو بدأ القصف الجوي والمدفعي السوري لبلدة "سمخ" والمستعمرات الإسرائيلية في وادي الأردن بعد أن أطبقت عليها القوات السورية. وبعد قتال ضار حول البلدة التي توالت عليها النجدات الإسرائيلية تمكنت القوات السورية من اقتحامها والاستيلاء عليها يوم 18 مايو، كما تمكنت من صد الهجوم المضاد الذي شنته عليها كتيبة البالماخ الثالثة ليلة 18/19 مايو. وبالاستيلاء على "سمخ" ومستعمرتي "هاجولاني" و"مسعدة"، انفتح الطريق أمام القوات السورية إلى وادي الأردن، الذي تدفقت على مستعمراته التعزيزات الإسرائيلية. وعندما بدأ الهجوم السوري على مستعمرتي "داجانيا (أ)" و"داجانيا (ب)" صباح 20 مايو، كان قد تم تعزيز المنطقة ببعض قوات اللوائين "جولاني" و"يفتاح" والمدفعية التي وصلت حديثاً، الأمر الذي مكن المستعمرتين من الصمود في وجه القوات السورية التي أشرفت ذخيرتها على النفاد.
وإزاء تغيير القوات العراقية لأوضاعها لتحل محل القوات الأردنية في منطقة نابلس طبقاً لأوامر الملك عبدالله، فقد وجدت قيادة القوات السورية أن جناحها الأيسر أصبح مكشوفاً، ولما كانت قوات البالماخ قد بدأت تهدد مواصلات تلك القوات بأعمالها القتالية عبر بحيرة طبرية (الجناح الأيمن للقوات السورية)، فقد تقرر سحب تلك القوات من "سمخ" و"شاعر هجولاني" و"مسادة"، لإعادة تنظيمها في الخلف تمهيداً لدفعها إلى "بنت جبيل" جنوب شرق لبنان لمساندة الجيش اللبناني، مع تسليم مواقعها في منطقة "سمخ" إلى كتيبة من جيش الإنقاذ. (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (30 مايو 1948))
وبدأت قيادة اللواء الأول التي أخلت وحداتها جنوب بحيرة طبرية تعيد تنظيم قواتها في الخلف قرب القنيطرة تمهيداً لاتخاذ مواقعها الجديدة على يسار القوات اللبنانية في منطقة "المالكية"، حيث كان سينضم إليها فوجان من جيش الإنقاذ للقيام بعمليات تعرضية في اتجاه "صفد" أو "الناصرة" لإرغام القيادة الإسرائيلية على إبقاء جزء كبير من قواتها في الشمال لتخفيف الضغط على القوات العربية الأخرى في الجبهة الوسطى والجنوبية. (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (30 مايو 1948))
إلا أن الحالة المتدنية التي كانت عليها قوات اللواء الأول بعد معاركها السابقة، لم تسمح بدفعها مرة أخرى داخل الأراضي اللبنانية فتقرر دفعها شمال بحيرة طبرية أمام جسر "بنات يعقوب" للهجوم على مستعمرة "مشمار هايردن" المواجهة للجسر بالتعاون مع قوات لواء المشاة الثاني الذي تم سحبه من حلب.
وفي السادس من يونيه شنت القوات السورية هجومها الأول على مستعمرة "مشمار هايردن" في الوقت الذي كان على بعض القوات السورية الأخرى شن هجومين آخرين على مستعمرتي "دان" شمال إصبع الجليل و"عين جيف" شرق بحيرة طبرية. وبينما فشلت الهجمات السورية على المستعمرتين الأخيرتين، فإن الهجوم على "مشمار هايردن"، كان أفضل حظاً، فبعد عدة محاولات دُعمت خلالها القوة المهاجمة نجحت القوات السورية في اقتحام المستعمرة يوم 10 يونيه عشية سريان الهدنة. وباحتلال القوات السورية "لمشمار هايردن" فإنها نجحت في دق إسفيناً في الجليل الشرقي بالرغم من عنف المقاومة الإسرائيلية التي واجهتها

****************************
[1] يشير الدكتور أحمد عبدالرحيم مصطفى ـ استناداً إلى وثائق الخارجية البريطانية ـ أن "بيفن" كان يفكر، آنذاك، في عدة بدائل منها، تخلي الدول العربية عن قيام دولة عربية في فلسطين وضم أراضيها إلى كل من مصر وشرق الأردن، فتأخذ مصر شريط غزة الساحلي بينما تأخذ شرق الأردن القسم الأوسط (الضفة الغربية للأردن) مع تقسيم النقب فيما بينهما. وكان ذلك الحل سيوفر لبريطانيا منطقة واسعة من الأراضي العربية الحليفة التي تسمح بإقامة التسهيلات الإستراتيجية البريطانية، حيث كان يعتقد أن دولة عربية مستقلة في فلسطين ستكون من الصغر والضعف بحيث لا يمكنها الوقوف على قدميها، وقد تنهار في مواجهة الضغط والتغلغل الصهيوني.
[2] كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت حظراً على تصدير الأسلحة إلى منطقة القتال قبل بدء الحرب المعلنة، كما حظرت بريطانيا تصدير أي أسلحة إلى الدول العربية وإسرائيل، باستثناء بعض الأسلحة السابق التعاقد عليها عام 1947 لمصر والأردن والعراق. إلا أن بريطانيا عادت وفرضت حظراً شاملاً على تصدير الأسلحة لتلك الدول تطبيقاً لقرار مجلس الأمن في التاسع والعشرين من مايو.
[3] يتعلق الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة بأعمال العدوان والأعمال التي تهدد أو تنتهك السلام.
[4] حاولت بريطانيا إقناع العرب بأن عامل الوقت ليس في صالحهم بعد أن كادت قواتهم أن تتوقف. فمع مرور الوقت سيتمكن اليهود من زيادة قوتهم وخاصة القوة الجوية، وأنهم يعدون العدة للقيام بهجوم مضاد كبير. كما أشار "بيفن" إلى أن استمرار القتال سيؤدي إلى تدهور أوضاعهم العسكرية وخسارتهم لقسط كبير من المساندة الدولية، وسيجعل بريطانيا عاجزة عن بذل مزيد من الجهد لصالحهم. ولما كان العرب قد سيطروا فعلاً على معظم القسم العربي من مشروع التقسيم، ويشكلون ضغطاً على القوات الإسرائيلية وخاصة في منطقتي القدس والنقب، في الوقت الذي وصلوا فيه إلى أقصى طاقاتهم آنذاك، فقد رأى "بيفن" أن الوقت ملائم – قبل أن يتبدل ميزان القوى – لقبول كل من الطرفين تقديم تنازلات سياسية، باعتبار أن ذلك أفضل من مخاطرة حسم النزاع بالقوة المسلحة.
[5] يشير الدكتور أحمد عبدالرحيم إلى رضا بريطانيا عن مقترحات "برنادوت" لأنها تخدم الاتفاق بين إسرائيل وشرق الأردن وتوفر الاتصال بين مصر والمشرق العربي عبر النقب بما يخدم المصالح الغربية النفطية، إلا أنها كانت ترى تقسيم النقب بين مصر وشرق الأردن وتدويل القدس.
[6] توضح المذكرة التي قدمها الجنرال "جلوب" بمطالبة من الجيش المصري والعراقي يوم 27 مايو المرفقة في الملحق إظهار عجز هذين الجيشين على مساعدة الجيش الأردني، حتى يبرر عدم قدرة الجيش الأخير على الهجوم الذي طالبت به اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، لأن ذلك الهجوم يتعارض مع ما تم الاتفاق عليه بين الحكومتين الأردنية والبريطانية من عدم تجاوز الجيوش العربية للمنطقة العربية في قرار التقسيم.
يتبع إن شاء الله...



المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 26 أكتوبر 2023, 7:06 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51967
العمر : 72

المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية   المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية Emptyالثلاثاء 20 ديسمبر 2011, 12:58 am

3. تطور الموقف على الجبهة العراقية

بدأت القوات العراقية عبورها نهر الأردن يوم 15 مايو على جسر المجامع جنوب بحيرة طبرية واحتلت بعض هذه القوات رأس كوبري على الضفة الغربية للنهر.

وفي اليوم التالي عبر النهر فوج عراقي كامل وتقدم نحو قلعة "جيشر "، ثم عبر فوج آخر يوم 17 مايو. وبالرغم من استمرار هجوم الفوجين طوال ليلة 17/18 مايو على مستعمرة "جيشر" إلا أنهما فشلا في اقتحامها، نتيجة للمقاومة الشديدة للقوات الإسرائيلية المدافعة، والإمدادات التي تدفقت عليها من "العفولة".

وإزاء هذا الفشل أصدرت قيادة القوات العراقية أوامرها يوم 19 مايو إلى الفوج الأول بالاستعداد للهجوم على "جيشر" وقلعتها يوم 21 مايو، إلا أنها عادت وأمرت بتأجيل هذا الهجوم لتغير منطقة عمل القوات العراقية إلى نابلس. وبذلك توقفت أعمال قتال القوات العراقية في منطقة "جيشر" وما حولها.

وبينما كانت القوات العراقية تتدفق على "نابلس"، كانت القوات الأردنية وجيش الإنقاذ ينسحبان منها ومن "جنين" و"طولكرم" و"قلقيلية" لتعديل أوضاعهما طبقاً لأوامر الملك عبدالله على نحو ما سلف، وقبل أن تُتم القوات العراقية اتخاذها لأوضاعها الجديدة في محوري "نابلس/ طولكرم"، و"الهوارة/ قلقيلية"، أصدر الملك عبدالله ـ بصفته القائد العام للقوات العربية – أوامره للقوات العراقية بالهجوم لتخفيف الضغط على القوات الأردنية في منطقة "اللطرون"

طبقاً للتخطيط التالي:

أ. الهجوم على محور "طولكرم/ ناتانيا" الذي يدافع عنه اللواء "إسكندروني"، بهدف الاستيلاء على "بيت ليد" وتقاطع الطرق المجاور لها.

ب. الهجوم على محور "جنين/ زرعين" (يزرع إيل) الذي يدافع عنه اللواء "كرملي" بهدف الاستيلاء على "اللجون".

وبدأت القوات العراقية تنفيذ هاتين المهمتين يوم 28 مايو، فنجح أحد أرتالها في الوصول إلى "كفار يونا" (على بعد 8 كم شرق ناتانيا) واحتلالها بعد أن اقتحم في طريقه إليها مستعمرة "جويلم". وفي الرابع من يونيه أرسلت القوة العراقية السابقة مفرزة إلى مستعمرة "قاقون" حيث اصطدمت بقوة إسرائيلية كبيرة فدار القتال بينهما حتى عصر 6 يونيه، عندما اضطرت المفرزة العراقية إلى الانسحاب.

وعلى محور "جنين/ زرعين"، دفعت القيادة العراقية برتل آخر وصل إلى "جنين" يوم 27 مايو، وبعد يومين قامت تلك القوة بالإغارة على "زرعين" ثم هاجمت "اللجون" يوم 30 مايو، وعندما فشلت في احتلالها اتخذت تلك القوة أوضاعها الدفاعية على الخط العام "زيوبة/ رمانة" (على خط التقسيم 10 ـ 12 كم جنوب شرق "العفولة").

وعلى الجانب الآخر، حاولت رئاسة الأركان الإسرائيلية تصفية التهديد العراقي في مثلث "جنين/ نابلس/ طولكرم"، لإبعاد الخطر عن "ناتانيا" و"تل أبيب"، فقامت قوات اللواء "جولاني" في البداية بالتمهيد للاستيلاء على "جنين" باحتلال القرى العربية على جانبي طريق "العفولة/ جنين" فضلاً عن القرى العربية على السلسلة الغربية لجبال "جلبوع"، ثم تقدم اللواء "كرملي" نحو "جنين" ليلة 2/ 3 يونيه. وبالرغم من المقاومة العراقية نجحت قوات لواء "كرملي" في احتلال المرتفعات المسيطرة على المدينة من ناحية الجنوب الشرقي والجنوب الغربي إلا أن التعزيزات العراقية غيرت الموقف لصالح القوات المدافعة عن "جنين" وكبدت القوات الإسرائيلية المهاجمة خسائر جسيمة.

وفي الرابع من يونيه شنت القوات العراقية هجوماً مضاداً ناجحاً استعادت به المرتفعات التي نجح الإسرائيليون في احتلالها، وأجبرتهم على الانسحاب من منطقة جنين صباح الخامس من يونيه بعد أن كبدتهم خسائر جسيمة.

4. تطور الموقف على الجبهة الأردنية

عندما غادرت القوات البريطانية فلسطين قبل 15 مايو، فإنها سحبت معها قوات الفيلق الأردني التي كانت تتمركز فيها عدا بعض العناصر القليلة التي ظلت ترابط في منطقة حيفاً ورام الله والخليل. وفي صباح 15 مايو، عادت أربعة أفواج (كتائب) من ذلك الفيلق إلى فلسطين عبر جسر "اللنبي" ليتمركز فوجان منها في منطقة "نابلس" والفوجان الأخيران في منطقة "رام الله "، وبعض القوات الأخرى في منطقة "اللد" و"الرملة".

وإزاء ضغط القوات الإسرائيلية في القدس على وحدات جيشي، الجهاد المقدس والإنقاذ، في المدينة، وافق الملك عبدالله على دعم تلك القوات بسرية مشاة من أحد أفواج الاحتياط ثم عاد ووافق تحت إلحاح قيادة القوات العربية في القدس على تعزيز تلك القوات بباقي الكتيبة بالرغم من معارضة الجنرال "جلوب"، الذي كان يرى أن سحب أي قوات من الفيلق الأردني لتعزيز الدفاع عن القدس سيكون على حساب قدرة الفيلق الأردني على الدفاع عن باقي الضفة الغربية للأردن التي كانت مهددة باجتياح القوات الإسرائيلية لها من ناحية ولأن القدس منطقة تخضع لإدارة دولية طبقاً لقرار التقسيم من ناحية أخرى، غير أن ضغط القوات الإسرائيلية للاستيلاء على القدس بأكملها وفشل عقد هدنة بين المتحاربين في المدينة أجبرا الجنرال جلوب في النهاية على سحب ما يقرب من ثلاث كتائب من منطقة "نابلس" و"رام الله" لدعم الدفاع عن "القدس" وإحكام الحصار حولها، مع إحلال القوات العراقية محل قوات الفيلق الأردني على نحو ما سبق.

وقد نجحت القوات العربية في القدس بعد تعزيزها من إحباط عدة محاولات إسرائيلية لاقتحام أسوار القدس القديمة وأجبرت القوة المدافعة عن الحي اليهودي فيها وسكانه على الاستسلام يوم 28 مايو بعد أن كبدتها خسائر فادحة وأسرت 340 من مقاتليها.

وبسيطرة القوات الأردنية على القدس القديمة، شددت تلك القوات ضغطها على القدس الجديدة وفرضت عليها الحصار، وفي الثامن من يونيه كانت المدينة على وشك الاستسلام، إلا أن القيادة الإسرائيلية وعدت قيادة الهجناة في المدينة بقرب انفراج أزمتهم على ضوء المفاوضات التي كانت تُجري مع الوسيط الدولي لوضع الهدنة ـ التي قررها مجلس الأمن يوم 29 مايو ـ موضع التطبيق.

وفي الوقت الذي كانت فيه القوات الأردنية مشغولة في منطقة "القدس"، على نحو ما سبق قامت إحدى سراياها بالاستيلاء على "بيت لحم"، كما قامت قوات الفوجين الأردنيين الثاني والرابع بتعزيز مواقعها في المنطقة الجبلية المسيطرة على طريق "القدس/ تل أبيب/ اللطرون وباب الواد".

وفي الجنوب قامت بعض القوات الأردنية بعزل مصنع البوتاس الإسرائيلي شمال البحر الميت وأجبر المستوطنين اليهود في المنطقة على الهروب ليلة 19/ 20 مايو عن طريق البحر الميت إلى "سدوم" على الشاطئ الجنوبي لذلك البحر.

أما في الغرب، فقد استولت بعض الوحدات الأردنية يوم 19 مايو على محطة ضخ المياه بالقرب من "بتاح تكفا" ونجحت في اليوم التالي في صد هجوم إسرائيلي مضاد لاسترداد المحطة.

وعلى الجانب الآخر أولت القيادة الإسرائيلية فتح الطريق إلى القدس الجديدة المحاصرة أولوية قصوى، فأوكلت تلك المهمة إلى اللواء المدرع السابع ـ الذي شُكل عشية مرحلة الحرب المعلنة ـ بالتعاون مع لواء "هارئيل" في ممر القدس واللواء "عتصيوني" الذي يدافع عن القدس الجديدة، ولأهمية المهمة دعمت القيادة الإسرائيلية اللواء السابع بكتيبة أخرى من لواء "اسكندروني"، كان عليها الاستيلاء على قرية "اللطرون" ومركز الشرطة في المنطقة، إلا أن الهجوم الأول على "اللطرون" يوم 23 مايو مُني بالفشل وتكبدت القوات الإسرائيلية خسائر جسيمة.

وبينما كان يجري الهجوم الإسرائيلي السابق في منطقة اللطرون قامت، إحدى السرايا الأردنية يوم 26 مايو بالاستيلاء على تل الرادار شمال طريق القدس ـ الذي يسيطر على مستعمرتي "هاميشاه" و"عنفيم" ـ بعد أن أجبرت القوات الإسرائيلية على الانسحاب من مواقعها الحصينة على ذلك التل. وبذلك أصبحت القوات الأردنية قادرة على غلق طريق القدس تماماً بنيران مدفعيتها.

وبالرغم من خطورة الموقف الإسرائيلي على كافة الجبهات العربية، إلا أن "بن جوريون" أولى فتح طريق القدس أولوية مطلقة حتى لا تسقط المدينة الجديدة التي يسكنها مائة ألف يهودي في أيدي القوات الأردنية، ومن ثم قامت القوات الإسرائيلية بمحاولتين فاشلتين أخريين لفتح طريق "القدس"، الأولى بالهجوم على قوات الفوج الأردني الرابع في منطقتي "اللطرون" و"دير أيوب" ليلة 30/ 31 مايو، والثانية بالهجوم على مواقع القوات الأردنية في "تل يالو" ليلة 8/ 9 مايو.

وهكذا فشلت القوات الإسرائيلية في اقتحام طريق القدس وفتحه لقوافل الإمداد حتى حل موعد سريان الهدنة الأولى صباح 11 يونيه. إلا أن بعض أفراد اللواء "هارئيل" كانوا قد اكتشفوا قبل بضعة أيام من سريان الهدنة ممراً مستوراً (طريق بورما) جنوب طريق القدس الرئيسي بين "دير محيسن" و"باب الواد" يسمح تمهيده بتخطي عقبة "اللطرون". وعلى ذلك بدأ تمهيد هذا الممر ليلاً خلال الأسبوع الأول من يونيه لتجنب اكتشاف العملية والتدخل ضدها بواسطة القوات العربية. وقد سمح تمهيد هذا الممر بإمداد القدس باحتياجاتها الحيوية حتى تم فتح الطريق الرئيسي إلى المدينة المحاصرة خلال فترة القتال الثانية.

5. تطور الموقف على الجبهة المصرية

كانت فكرة العملية الهجومية على الجبهة المصرية تقتضي بالتقدم في محورين:

الأول ويمثل اتجاه الهجوم الرئيسي ويسير بحذاء ساحل البحر متقدماً من "رفح" إلى "غزة" في اتجاه "المجدل" وتعمل عليه القوات المصرية الرئيسية بقيادة "اللواء أحمد على المواوي"، والثاني ويمثل اتجاه التقدم الآخر ويتجه إلى داخل الأراضي الفلسطينية نحو بئر سبع ثم القدس حيث يلتقي بالقوات الأردنية، ويعمل على هذا المحور القوة الخفيفة (قوات المتطوعين) بقيادة "البكباشي أحمد عبدالعزيز".

ولما كانت القوة الخفيفة قد دخلت فلسطين اعتباراً من صباح السادس من مايو، فقد قامت تلك القوة بتمهيد الطريق أمام القوات الرئيسية، فقامت بجمع المعلومات والاشتباك بالنيران مع مستعمرة "كفار داروم"، على الطريق بين خان يونس وغزة يوم 8 مايو، كما قامت باحتلال منطقة العوجة (على الحدود المصرية الفلسطينية). وفي الخامس عشر من مايو احتلت تلك القوة مرتفعات "علي منطار" شرق "غزة" لتأمين تقدم القوات الرئيسية إلى تلك المدينة.

أما القوات الرئيسية فقد تحركت من منطقة تجمعها في العريش إلى رفح صباح 12 مايو وظلت تنتظر فيها حتى تلقت أوامرها يوم 14 بدخول فلسطين، فاجتازت الحدود المصرية في منتصف ليلة 14/ 15 مايو وكان على هذه القوات سرعة التقدم لاحتلال غزة مع تطهير المستعمرات التي تهدد تقدمها، إلا أن المقاومة التي أبدتها تلك المستعمرات دفعت اللواء المواوي إلى الاكتفاء بقصفها جواً والاشتباك معها بنيران القوات البرية وتطويقها وعزلها والتقدم نحو أهدافه المحددة مع اقتحام المستعمرات التي تعترض طريق تقدمه.

وعلى ذلك وصلت القوة المصرية الرئيسية ـ التي تتشكل من مجموعة لواء مشاة ـ إلى مدينة غزة مساء 16 مايو بعد أن اشتبكت إحدى كتائبها بالنيران مع مستعمرة "نيريم" (الدنجور)، وكتيبة أخرى مع مستعمرة "كفار داروم". وفي التاسع عشر من مايو استأنفت القوات المصرية تقدمها شمالاً للهجوم على مستعمرة "يد مردخاي" (دير سنيد) المتحكمة في طريق تقدمها والتي تمثل المركز الرئيسي لتموين مستعمرات النقب، غير أن المستعمرة الحصينة لم تسقط في أيدي القوات المصرية إلا فجر يوم 24 مايو بعد أن تكرر الهجوم عليها أربع مرات أيام 19، 20، 23، و24 مايو.

وفي الوقت الذي كانت فيه الكتيبة الثانية المشاة لا تزال تقاتل للاستيلاء على مستعمرة "يد مردخاي" طلبت رئاسة أركان حرب الجيش المصري من اللواء المواوي الاستيلاء على "المجدل"، فأصدر الأخير أوامر للكتيبة الأولى المشاة صباح يوم 21 مايو بالتقدم على طريق جانبي نحو "المجدل" فوصلتها مساء نفس اليوم دون مقاومة.

وعلى المحور الآخر تقدمت قوات المتطوعين بقيادة "البكباشي أحمد عبدالعزيز" على المحور الداخلي من "غزة" إلى "بئر السبع" يوم 17 مايو فوصلتها بعد ظهر يوم 19 مايو بعد أن قضت على المقاومة الإسرائيلية في "بركة العمارة"، ثم واصلت تلك القوة تقدمها شمالاً فوصلت "الخليل" بعد يومين، ثم "بيت لحم" يوم 22 مايو، حيث حققت الاتصال مع القوات الأردنية واشتركت معها في الهجوم على مستعمرة "رامات راحيل" في اليوم التالي.

وفي الوقت الذي كانت فيه القوة الخفيفة تتقدم نحو "بئر السبع" دفع اللواء المواوي قوة صغيرة تسلمت "العوجة" من قوات المتطوعين وتقدمت شمالاً نحو "العسلوج" وتركت فيها بعض عناصرها، ثم تقدمت نحو "بئر السبع" فاحتلتها بعد أن تقدمت القوة الخفيفة شمالاً نحو الخليل.

ونتيجة لطول خطوط المواصلات المصرية بعد تقدمها السابق، واضطرار "اللواء المواوي" إلى ترك جزء من قواته لتأمين هذه الخطوط فقد طالب بدعم قواته حتى يتمكن من تنفيذ المهام المكلف بها.

وإزاء رصد تجمعات إسرائيلية في منطقة "عراق سويدان" خلال الأيام السابقة طلبت هيئة العمليات الحربية في القاهرة من "اللواء المواوي" يوم 21 مايو العمل على تأمين الجانب الأيمن لقواته بين "غزة" و"دير سنيد". إلا أن التوجيهات السياسية التي كانت تملي على القائد المصري مباشرة وتطالبه بسرعة التقدم شمالاً لم تسمح له بتنفيذ ما طلبته هيئة العمليات الحربية في ذلك الوقت.

ومع توالي وصول قوات إضافية إلى الجبهة المصرية، دفع "اللواء المواوي" بعض قواته للاستيلاء على بلدة "عراق سويدان"، فدخلتها تلك القوات صباح يوم 24 مايو. ولما كانت القوة المصرية الخفيفة تسيطر على أحد الطريقين الرئيسيين الوحيدين لإمداد المستعمرات الإسرائيلية بالنقب بعد احتلالها لبئر السبع، فإن احتلال عراق سويدان، مكن تلك القوات من السيطرة على الطريق الرئيسي الثاني لإمداد تلك المستعمرات، وبذلك نجحت القوات المصرية في أولى خطواتها لعزل تلك المستعمرات، ودعمت الدوريات المصرية هذه الخطوات بتكرار نسف خط الأنابيب الذي يزود تلك المستعمرات بالمياه.

وعلى ضوء طلب القيادة الأردنية يوم 27 مايو سرعة تقدم القوات المصرية لتخفيف الضغط على قواتها في منطقة "اللطرون" (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (28 مايو 1948))، تحدد الخط العام "أسدود/ قسطينة" كمهمة جديدة لتقدم القوات المصرية. وفي الساعة الثالثة فجر يوم 29 مايو تلقت قيادة مجموعة اللواء الثاني المشاة ـ التي تم تجميعها من الكتائب الأولى والثانية والتاسعة المشاة ـ أمراً إنذارياً بالاستعداد للتحرك إلى "أسدود" مع بقاء الكتيبة الأولى في "المجدل" لتأمينها. كما نص نفس الأمر الإنذاري على بقاء الكتيبة السادسة المشاة في "غزة" مع تحرك الكتيبة السابعة المشاة ـ التي وصلت حديثاً من القاهرة إلى منطقة "دير سنيد" لتأمينها.

ووصلت القوة المصرية إلى "أسدود" في نفس اليوم دون مقاومة تذكر، فاحتلت الكتيبة الثانية مواقعها الدفاعية على مسافة اثنين كم شمال البلدة، بينما تجمعت الكتيبة التاسعة في "أسدود" نفسها.

ولتأمين القوات السابقة ضد أية أعمال قتالية معادية من المستعمرات الإسرائيلية القريبة، قامت القوة الجوية والمدفعية التي تدعم قوة "أسدود" بقصف تلك المستعمرات يومي 29, 30 مايو، غير أن ذلك القصف لم يمنع القوات الإسرائيلية من القيام بهجومين مضادين على القوات المصرية في "أسدود"، الأول يوم 30 مايو والثاني في أول يونية، إلا أن القوات الإسرائيلية رُدت على أعقابها بعد تكبدها خسائر فادحة، وعندما كررت القوات الإسرائيلية الهجوم المضاد بما يقرب من خمس كتائب ليلة 2/3 يونيه، لم يكن حظ تلك القوات المهاجمة بأفضل من سابقتها.

وباحتلال "أسدود" كان على القوات المصرية التركيز على تأمين أجنابها وخطوط مواصلاتها ـ التي طالت ـ بتطهير المستعمرات التي خلفتها وراءها.

ولما كانت مستعمرة "نجبا" ـ الواقعة شرق "المجدل" بنحو ثمانية كيلو متر شمال طريق "المجدل/ بيت جبرين /القدس" ـ تهدد التحركات بين "المجدل" و"أسدود" من ناحية، وبين "المجدل" و"بيت جبرين" من ناحية أخرى، فضلاً عن تهديد "المجدل" نفسها، فقد أصدر "اللواء المواوي" أوامره إلى قائد الكتيبة الأولى المشاة بالاستيلاء على تلك المستعمرة بالتعاون مع كتيبة دبابات خفيفة وبعض عناصر الدعم الأخرى، إلا أن هجوم القوة المصرية على "نجبا" في الأول من يونيه تعثر، واضطُرت القوة إلى الانسحاب عصر نفس اليوم بعد أن حشد الإسرائيليون على جانبها الأيمن قوة متفوقة للقيام بهجوم مضاد، وبدأت قواتهم في صب نيرانها الكثيفة على القوة المصرية.

وقبل أن يتم "اللواء المواوي" تطهير المستعمرات التي تهدد خطوط مواصلاته، أصدرت رئاسة أركان حرب الجيش توجيهاتها إليه يوم 2 يونيه باحتلال خط "المجدل/ الفالوجا/ بيت جبرين"، بالإضافة إلى خط "أسدود/ قسطينة"، على أن يتم احتلال الخطين أو أحدهما على الأقل قبل ظهر الثالث من يونيه، بهدف استكمال عزل مستعمرات النقب لإجبارها على التسليم بعد وقف الإمدادات إليها. (اُنظر ملحق مذكرة اللواء موسى لطفي إلى رئيس أركان الجيش (2 يونيه 1948)).

وعلى ذلك تقدمت الكتيبة الأولى المشاة شرقاً يوم 2 يونيه ـ بعد تخلصها من معركة "نجبا" ـ لاحتلال "الفالوجا" ثم "بيت جبرين" (على مسافة نحو 35 كم جنوب شرق المجدل) في نفس اليوم، ثم دفع قائد الكتيبة ببعض قواته لاحتلال "دير النحاس" والتقدم نحو الخليل لتعزيز الاتصال مع القوة الخفيفة التي كانت قد سبقتها إليها.

إلا أن وجود القوات المصرية في الخليل وبيت جبرين أثار حساسية شديدة لدى الملك عبدالله، خاصة بعد أن نُصب "البكباشي أحمد عبدالعزيز" حاكماً عسكرياً على الخليل. ولما كانت القيادة الأردنية تمهد لضم الضفة الغربية لشرق الأردن فقد طلبت من الحكومة المصرية أن يكون الحكم الإداري في بلدان الضفة الغربية التي تحتلها القوات المصرية حكماً أردنياً، إلا أن الأخيرة أصرت على وجود حاكم عسكري مصري في المناطق التي تحتلها القوات المصرية إلى جانب الحاكم الإداري الأردني في الخليل وبيت لحم وبيت جبرين.

وباستكمال عزل المستعمرات الإسرائيلية في النقب باحتلال الخط العرضي "المجدل/ الفالوجا/ بيت جبرين"، وتحقيق الاتصال مع القوات المصرية في الخليل، اتجهت القيادة المصرية في الجبهة إلى استئناف تطهير المستعمرات التي خلفتها وراءها، ولما كانت مستعمرة "نتسانيم" الحصينة تمثل تهديداً كبيراً لطرق المواصلات المصرية بين "أسدود" و"المجدل" ـ خاصة بعد محاولة القوات الإسرائيلية المتكررة عزل "أسدود" وحصارها ـ فقد قررت قيادة القوات المصرية في الجبهة الاستيلاء على تلك المستعمرة قبل سريان الهدنة التي كان يجري التفاوض بشأن تحديد بدء موعدها.

وبعد تمهيد جوي ومدفعي بدأت الكتيبة التاسعة المشاة وعناصر دعمها هجومها الناجح على "نيتسانيم" صباح السابع من يونيه. وقبل أن يأتي المساء كانت القوة المصرية المهاجمة قد استولت على المستعمرة بعد أن أتمت حصارها وكبدت القوة الإسرائيلية المدافعة خسائر جسيمة وأسرت 120 من أفرادها.

وخلال ليلة 9/10 يونيه قامت القوات الإسرائيلية بهجوم مضاد لاسترداد مستعمرة "نيتسانيم" قبل سريان الهدنة، مهدت له باحتلال التل 69 (المعروف بتبة الفناطيس) لقطع الطريق بين "المجدل" و"أسدود"، وشن هجوم تضليلي على "أسدود" لتحويل الأنظار عن "نيتسانيم" في نفس الليلة، غير أن القوات المصرية نجحت في إحباط كلا الهجومين على "أسدود" و"نيتسانيم" وكبدت القوات الإسرائيلية خسائر جسيمة، كما استردت التل 69 مساء يوم 10 يونيه بعد أن أجبرت المدافعين عنه على التسليم.

وقبل أن يحتل المراقبون الدوليون أوضاعهم على خطوط القتال طبقاً لاحكام الهدنة الأولى التي تقرر سريانها اعتباراً من الساعة 600 بتوقيت "جرينتش" (800 بتوقيت القاهرة) يوم 11 يونيه، حرصت القوات الإسرائيلية على تحسين أوضاعها الميدانية تميهداً لاستئناف القتال بعد انتهاء الهدنة فاحتلت بعض وحدات اللواء "جعفاني" "حاتسور" شرق أسدود "وجولس" ومفترق الطرق بالقرب من الأخيرة شمال شرق المجدل، كما احتلت بعض قوات لواء "النقب" "العسلوج" على طريق "بئر السبع/ العوجة" وقامت بمحاولة فاشلة لاحتلال "عراق سويدان" وفي مواجهة المحور الشرقي الذي تحتله القوات المصرية والممتد من المجدل حتى الخليل شرقاً جهزت رئاسة الأركان الإسرائيلية خطاً دفاعياً يمتد على طول هذه المواجهة. وبنهاية فترة القتال الأولى كانت الجبهة المصرية قد امتدت شمالاً على طول المحور الساحلي حتى شمال "أسدود" بطول 80 كيلو متر، كما امتدت شرقاً بطول المحور العرضي حتى الخليل بما يقرب من 40 كم، كما احتلت القوة الخفيفة محور "العوجة/ بئر السبع/ الخليل/ بيت لحم".

ومن ناحية القوة القتالية تزايد حجم القوات المصرية تدريجياً خلال فترة القتال الأولى ليصبح تشكيلها يوم 12 يونيه كما يلي:

أ. القيادة العامة في المجدل وعلى رأسها اللواء احمد محمد على المواوي.

ب. القوات بالجبهة

(1) اللواء الثاني المشاة: بقيادة الأميرالاي (العميد) محمود فهمي نعمة الله ومركز قيادته في "أسدود"، وتتشكل قواته الرئيسية من كتائب المشاة الرابعة والسادسة والسابعة بالإضافة إلى سرية سعودية وأخرى سودانية، والأسلحة المعاونة. وتمتد منطقة مسؤوليته على طول المحور الساحلي من شمال "المجدل" حتى شمال "أسدود".

(2) اللواء الرابع المشاة: بقيادة الأميرالاي محمد نجيب، ومركز قيادته في المجدل، وتتشكل قواته الرئيسية من كتائب المشاة الأولى والثانية والتاسعة وبعض قوات المتطوعين، وسرية سعودية والأسلحة المعاونة. وتمتد منطقة مسؤوليته على طول المحور العرضي من "المجدل" حتى "بيت جبرين" شرقاً.

(3) منطقة خطوط المواصلات: بقيادة الأميرالاي محمد فوزي، ومركز قيادته في "غزة"، وتتشكل قواته الرئيسية من كتيبة المشاة الثالثة والكتيبة السعودية عدا سريتين، بالإضافة إلى قوات المتطوعين الليبيين.

(4) منطقة القاعدة: بقيادة القائمقام (العقيد) السيد سيد محمد، ومركز قيادته في العريش وتتشكل قواتها من الكتيبة الأولى احتياط وبعض قوات المتطوعين والأسلحة المعاونة.

(5) القوة الخفيفة: بقيادة البكباشي (المقدم) احمد عبدالعزيز، ومركز قيادته في بيت لحم، وتتشكل قواته مما يوازي نحو كتيبة مشاة من المتطوعين وبعض عناصر من الجيش المصري، وتمتد منطقة مسؤوليته بطول المحور الداخلي من "بيت لحم" شمالاً حتى مثلث "العوجة" جنوباً في شكل نقاط تأمين.



المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
المبحث السابع عشر: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المبحث الثالث والعشرون: تطور الموقف العسكري العربي
» المبحث العشرون: تطور الموقف على الجبهات الإسرائيلية الشمالية والوسطى والقدس
» المبحث الرابع والعشرون: تطور الموقف العسكري والسياسي الإسرائيلي خلال الهدنة الثانية
» المبحث الثامن عشر: المعارك الرئيسية على الجبهات العربية
» المبحث الثالث عشر: تطور الموقف العربي بعد قرار التقسيم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الأحداث الفارقة في حياة الدول :: قـضيـــة فـلـسطــــين-
انتقل الى: