قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
المبحث الثامن المواقف الدولية من قضية القدس: تشكل القدس جوهر القضية الفلسطينية.
لذلك، لا حلّ يُنتظر للقضية الفلسطينية، من دون التوصل إلى حل مشكلة القدس. ومما يزيد الموقف صعوبة، إصرار الجانب الإسرائيلي على عد القدس الموحدة، عاصمة أبدية لإسرائيل. وهو موقف، يقابله إصرار فلسطيني مماثل على استعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وعد القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
ولقضية القدس أبعاد متعددة، زمانية ومكانية وسياسية ودينية. ولذلك، يعُدها بعض المفكرين العقبة الأساسية أمام الوصول إلى سلام شامل، دائم، لأن أبعادها تتخطى حدود الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
لذلك، يُخطئ من يتصور أن لديه حلاً كاملاً وجاهزاً، يُرْضي جميع الأطراف. ومن ثم، يمكن، من خلاله، التوصل إلى حل تلك المشكلة المستعصية، وهي مشكلة القدس. فالقضية بالغة التعقيد، ومن غير المستطاع حلها، من الوهلة الأولى، بل تحتاج إلى حلول معقدة، هي الأخرى، لأن هناك بَوناً شاسعاً، بين ما يجب أن يكون، وما يجرى على أرض الواقع. فالقضية ليست مجرد حق تاريخي أو قانوني، راسخ وواضح، لأن جوهرها يمسّ العلاقة بين الأطراف الضالعة من المشكلة.
وهي علاقة تقوم على توازن القوى، وليس توازن المصالح. فهي تعتمد على القوة والإكراه، لأنها قضية توازنات إستراتيجية مختلفة، تحاول إسرائيل استغلالها، لفرض مسار الأحداث، وفرض حلول من وجهة نظرها. كما يجب ألاّ ننسى، أن جوهر القضية، هو الأرض والسيادة، وليس كيفية الوصول إلى الأماكن المقدسة، لأن الفصل بين الحقوق الدينية والسيادة، في قضية القدس خاصة، يعَد تخليطاً. فالصهيونية العالمية، تحاول، منذ إبرام اتفاقيات أوسلو، أن تنزع صفة الوطن عن قضية القدس، وتقديمها إلى العالم على أنها قضية أماكن مقدسة، ينحصر النزاع فيها حول كيفية إدارتها. ومن الغريب حقاً، أن بعض المراقبين، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، قد ينخدع وينساق خلف هذا الزيف. ومما يُؤسف له، أن هناك العديد من الأفكار الإسرائيلية، التي يتم تسريبها بصفة منتظمة، حتى انطلت على عقول وأفكار عدد من المفكرين والمؤسسات، إلى درجة يمكن أن يقال معها، إِنهم ابتلعوا الطعم، دون قصد بطبيعة الحال. ولذلك، تبدو الأفكار والخيارات العربية، وكأنها أقلّ من الحد الأدنى للطموحات العربية، في ما يتعلق باستعادة السيادة على القدس الشرقية. وستتناول مجموعة من الأفكار والخيارات، غير الرسمية، المتعددة الاتجاهات، التي يمكن، في مجموعها، أن تلقي الضوء على المزيد من أبعاد المشكلة.
أولاً: عناصر الثبات والتغير في قضية القدس: 1. عناصر الثبات: أ. الحقوق التاريخية للعرب والفلسطينيين في فلسطين بشكل عام، وفي القدس على وجه الخصوص. ب. الحقوق الدينية للمسلمين والمسيحيين، وهي تزيد كثيراً على الحقوق والادعاءات اليهودية. ج. الشرعية الدولية، المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، التي تعترف بأن القدس أرض محتلة، لا يجوز إحداث أي تغييرات فيها. د. انتماء القدس الشرقية، جغرافياً، إلى الضفة الغربية. هـ. ثبات موقف الغالبية العظمى من دول العالم مع قرارات الشرعية الدولية، خاصة الاتحاد الأوروبي وفرنسا والصين وروسيا الاتحادية واليابان.
2. عناصر التغيير: أ. التغييرات الجغرافية المستمرة، الهادفة إلى حصار القدس الشرقية، وعزلها عن الضفة الغربية، بإنشاء أطواق عدة من المستعمرات حولها وداخلها، إضافة إلى هدم ونزع ملكية الكثير من الأراضي والمساكن العربية. ب. التغييرات البلدية، بزيادة مساحة المدينة، لتشكل حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية، بهدف تغيير طابعها، من خلال ربطها، في مجالي الاقتصاد والخدمات بالضفة الغربية (كهرباء ـ مياه …)، لتحقيق ابتلاع المدينة في نهاية الأمر. ج. التغييرات القانونية، من خلال إصدار إسرائيل العديد من القوانين، الخاصة بتغيير الوضع القانوني للقدس. أبرزها القانونان الرقمان 1 / 1967، 5841 / 1980، الخاصان بتوحيد القدس، وضمها، وعدها عاصمة لإسرائيل. د. التغييرات الديموجرافية المستمرة، لتكريس الواقع الجديد، بإتاحة الفرصة، وتقديم الحوافز إلى الإسرائيليين لتشجيعهم على الهجرة إلى القدس، مع تضييق الخناق على الفلسطينيين المقدسيين، لحثهم على الهجرة منها. هـ. راوح الموقف الأمريكي بين الموافقة على قرارات الشرعية الدولية، وتغافله عن الإجراءات غير الشرعية، التي تتخذها إسرائيل، بل تقديمه الحماية لها في مجلس الأمن، فضلاً عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. و. عدم الاستقرار، والعنف المضاد في القدس، كرد فعل طبيعي للتعنّت الإسرائيلي. ز. عدم استقرار السياسة الإسرائيلية، وتنكرها للاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني، الأمر الذي يوسع من هوة الخلاف، ويزيد فجوة عدم الثقة بين الجانبين. ح. عدم استقرار الإدارة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس، من خلال إقفال المعابر، وعمليات الحصار، الأمني والاقتصادي، وحجز أموال الجمارك والضرائب، المستحقة للسلطة الوطنية الفلسطينية، كإحدى وسائل الضغط عليها. ط. النمو والتطوير المستمران للقدرات الفلسطينية (بنْية تحتية ـ اقتصادية ـ تعليم...).
ثانياً: الشرعية الدولية وقضية القدس: 1. موقف هيئة الأمم المتحدة من قضية القدس: على الرغم من أن هيئة الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة لا تملك القدرة على تنفيذ قراراتها، إلا أن هذه القرارات تظل دائماً مرجعاً قانونياً يُعْتد به عند الاحتكام للشرعية الدولية. وإذا كانت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست إلا توصيات، إلا أنها تتمتع بقيمة أدبية عالية، لأنها تُعَبِّر عن رأي المجتمع الدولي، ولذلك فهي تقترب إلى حد الإلزام القانوني. ولذلك تنبه العرب والمسلمون للأطماع الصهيونية الإسرائيلية في مدينة القدس، حتى قبل إعلان قيام إسرائيل في العام 1948. فعلى إثر الأحداث التي شهدتها منطقة حائط البراق، والمعروفة بهَبَّة أغسطس 1929، والتي اشترك فيها البريطانيون لصالح اليهود، حيث ارتفع عدد الضحايا إلى المئات من الجانبين، ولقد أدت هذه الحادثة إلى مطالبة بعض الفلسطينيين بمحاربة بريطانيا نفسها، لأنها أساس المشكلة. ومن أجل أن يسود الهدوء والاطمئنان، سارعت الحكومة البريطانية بإرسال لجنة السير ولتر شو إلى الأراضي الفلسطينية، وبعد انتهاء تحقيقاتها، قدمت تقريرها للحكومة البريطانية، والذي أكد أن الهجرة اليهودية تُلِحق الضرر باقتصاديات العرب. وكان لتقرير لجنة شو أثره في أن شكلت عصبة الأمم لجنة دولية لبحث الحقوق العربية في هذه المنطقة، وبعد أن اضطلعت لجنة البراق الدولية بدراسة واقعية في فلسطين، خلال الفترة من 19 يونيه ـ 19 يوليه 1930، كما استمعت إلى مرافعات وشهود العرب والمسلمين واليهود، توصلت اللجنة إلى استنتاجاتها، التي أكدت أحقية العرب في حائط البراق، وأن الساحة المجاورة له ملك إسلامي ووقف للمسلمين (اُنظر ملحق ملخص تقرير لجنة البراق الدولية). ومع ذلك سمحت اللجنة لليهود، بممارسة شعائرهم إلى جانب الحائط. وتكمن أهمية توصيات اللجنة، في أنها فندت الادعاءات الإسرائيلية الحالية والخاصة بحقهم التاريخي في القدس، وتثبت عروبة القدس التي تأكدت خلال قرار التقسيم عندما ترك القدس كاملة في القسم العربي. بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 181، الصادر في 29 نوفمبر 1947، والخاص بتقسيم فلسطين، أوصت الجمعية العامة بأن يكون لمدينة القدس كيان ووضع مستقل خاضع لنظام دولي خاص تحت إدارة الأمم المتحدة، على أن يُعين مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الإدارية. ولقد تضمن حدود هذا الكيان المستقل بلدية القدس، إضافة إلى القرى المجاورة، وحتى أبو ديس شرقاً، وبيت لحم جنوباً، وعين كارم غرباً، وتشمل أيضاً المناطق المبنية من قرية قالودينا. على أن تكون السلطة التشريعية في يد مجلس تشريعي منتخب بالاقتراع العام والسري، على أساس تمثيل نسبي لسكان المدينة، دو تمييز بين الجنسيات. إلا أن العرب رفضوا قرار التقسيم وقبلته إسرائيل، بما في ذلك تدويل القدس. اتخذت الجمعية العامة القرار الرقم 187 في 6 مايو 1948، متضمناً تعيين هارولد إيفانس ـ أمريكي الجنسية ـ مفوضاً بلدياً خاصاً، يقوم بالتعاون مع اللجان الطائفية الموجودة في القدس، لتنفيذ المهام الموكلة إلى اللجنة البلدية، إلا أنه فشل في إقناع كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بالتعاون معه. ولذلك قدم الوسيط الدولي المنتدب من قِبل الجمعية العامة اقتراحاً، في 29 يونيه 1948، لحل قضية القدس، تمثل في أن تبقى المدينة عربية مع إدارة محلية للجالية اليهودية فيها، وخاصة فيما يتعلق بالأماكن المقدسة. إلا أن الحكومة الإسرائيلية المؤقتة رفضت هذا الاقتراح، فكان رد الوسيط الدولي خلال رسالته للجانب الإسرائيلي، يوم 6 يوليه 1948، والتي أشار فيها إلى صعوبة عزل القدس سياسياً عن أي تقسيم لفلسطين. كما أكد أنه على الرغم من أهمية القدس بالنسبة لليهود، إلا أنها لم تكن يوماً جزءاً من الدولة اليهودية، بل كانت دائماً منفصلة عن دستورها وحدودها. بعد نشوب حرب 1948، دعا مجلس الأمن في قراره الرقم 50 يوم 29 مايو إلى عقد هدنة، وحث جميع الحكومات والسلطات المعنية، على أن تتخذ كل الاحتياطيات اللازمة، لضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة والمزارات والمعابد، ومدينة القدس، بغرض العبادة. وعند إعلان الهدنة الثانية، أصدر مجلس الأمن قراره الرقم 54، في 15 يوليه 1948، الذي أمر فيه الأطراف كافة بوقف الاشتباكات فوراً، ودون شروط في مدينة القدس. كما أصدر المجلس تعليماته إلى الوسيط الدولي، لمواصلة جهوده من أجل نزع السلاح في مدينة القدس، دون إجحاف بوضعها السياسي، وتأمين وحماية الأماكن المقدسة في القدس وحرية الوصول إليها. ولقد كثف الوسيط الدولي جهوده، حتى تكون القدس مدينة منزوعة السلاح، فقبل العرب ذلك، بينما رفضه الإسرائيليون، لأنهم كانوا قد احتلوا العديد من المناطق العربية، منها اللد والرملة. كذلك تمكنوا من فتح طريق، يربط بين القدس وتل أبيب، لنقل الإمدادات العسكرية إليها، وعدوا القدس جزءاً من أمن الدولة اليهودية. حيث كانوا قد استولوا على الجزء الغربي من القدس بكل أحيائها العربية، كما احتلوا مساحات أخرى تفوق ما كان مقرراً في قرار التقسيم. على الرغم من توقيع اتفاقية جبل سكوبس، في 7 يوليه 1948، بين إسرائيل والأردن، ولجنة الهدنة والمراقبين الدوليين، والتي أكدت أن تظل المنطقة تحت إشراف مراقبي الأمم المتحدة كمنطقة منزوعة السلاح، إلا أن ذلك لم يمنع لجنة التوفيق التي شُكلت لتقديم اقتراحاتها، بشأن إقامة نظام دولي دائم لمدينة القدس، والأماكن المقدسة الموجودة بها. ولذلك تبنت الجمعية العامة قرارها الرقم 194، في 11 ديسمبر 1948، الذي أكد ضرورة أن تلقى القدس معاملة خاصة ومنفصلة غير سائر فلسطين، ويجب أن توضع تحت السلطة الفعلية للأمم المتحدة. بعد أن وافقت إسرائيل على مشروع التقسيم، ووقعت على بروتوكول لوزان في 12 مايو 1949، وحصلت على عضويتها في الأمم المتحدة، نقلت عاصمتها إلى القدس مع بعض الوزارات، على الرغم من القرارات الدولية والمعارضة العربية. ولذلك أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الرقم 303، الصادر في 9 ديسمبر 1949، على وضع القدس تحت نظام دولي دائم. ولذلك أصدرت قرارها الرقم 356، في اليوم التالي مباشرة، لفتح اعتماد مالي، قدره ثمانية ملايين دولار، بهدف إقامة نظام دولي للمدينة. اتخذ مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة العديد من القرارات الخاصة بمدينة القدس، منها القرار الرقم 114 في 20 ديسمبر 1949 يطالب إسرائيل بإلغاء نقل الدوائر والوزارات إلى القدس، كذلك أصدر المجلس قراره الرقم 118 في 11 فبراير 1950 يطالب فيه كل من إسرائيل والأردن إلى إبداء رأيهما في تعديل مشروع نظام القدس والذي يمنع العرب واليهود من اتخاذ القدس عاصمة لهم، إلا أن المجلس اضطر إلى اتخاذ قراره الرقم 234 في 14 يونيه 1950، والذي أعلن فيه عدم استعداد الدولتين للتعاون من أجل تنفيذ التعديل. ولذلك قرر رفع المشكلة إلى الجمعية العامة. ولقد رفض الإسرائيليون هذا القرار، لتمسكهم بالقدس عاصمة لهم، وهددوا بعدم التعاون مع أي مندوب للأمم المتحدة. ومنذ ذلك التاريخ، لم تتخذ الجمعية العامة أي قرار بالنسبة للقدس، حتى تمكنت إسرائيل، بعد حرب يونيه 1967، من احتلال الضفة الغربية، وضم القسم الشرقي من القدس إليها. بعد احتلال إسرائيل الجزء الشرقي من مدينة القدس، بما فيها البلدة القديمة، في يونيه 1967، وبدأت في اتخاذ إجراءات تهويدها وتفريغها من العرب، اضطلعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة، التي بدأت في 17 يونيه 1967، بمناقشته قضية القدس، في إطار أزمة الشرق الأوسط، واتخذت قرارها الرقم 2253، في 4 يوليه 1967 (اُنظر ملحق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 2253، الخاص بالقدس )، والذي أعربت فيه عن قلقها الشديد من التدابير الإسرائيلية الهادفة لتغيير وضع المدينة، وعدت هذه التدابير غير صحيحة وطالبت إسرائيل بإلغائها، والامتناع من القيام بأي عمل من شأنه تغيير وضع القوى. وفي 10 يوليه 1967، قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره إلى الجمعية العامة، والذي وضح فيه أن إسرائيل لم تتراجع عن الإجراءات، التي اتخذتها تجاه تغيير وضع القدس. أصدرت الجمعية العامة قرارها الرقم 2254، في يوليه 1967، تأكيداً لقرارها السابق، وطالبت إسرائيل بإلغاء التدابير كافة، التي اتخذت، بشأن تغيير وضع القدس (اُنظر ملحق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 2254). وعلى إثر هذا القرار، عين السفير السويسري تالمان، ممثلاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة، لدراسة الأوضاع في القدس. وقدم تقريره، في 12 سبتمبر 1967، مؤكداً فيه أن إسرائيل سيطرت على القدس بكاملها، وتطبق التشريعات الإسرائيلية عليها وعلى بعض المناطق العربية المحيطة بهاً، والتي كانت تابعة للإدارة الأردنية. كما أنها بدأت في عملية تهجير السكان العرب، والاستيلاء على العديد من الأراضي العربية. أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الرقم 2851، الصادر في 20 ديسمبر 971، أن كل الإجراءات، التي اتخذتها إسرائيل، لتهويد القدس والاستيطان في الأراضي العربية المحتلة، باطلة ولاغية كلياً. ومنذ ذلك التاريخ، توالت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تؤكد هذه الحقائق، حيث كان هناك بند ثابت سنوياً، يُدرج في جدول أعمالها، من خلاله، كانت تقرر أن الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، أراضٍ عربية. ويحظر على سلطة الاحتلال الإسرائيلية، إجراء أي تعديلات قانونية أو إدارية أو سكانية عليها، على أساس أن أي تعديلات تتم، تكون باطلة قانوناً. ومع بدء المسيرة السلمية لتسوية مشكلة الشرق الأوسط في مدريد عام 1991، استمرت الجمعية العامة في متابعتها تطور المفاوضات، حيث أصدرت قراراً في 12 ديسمبر 1996، أكدت خلاله حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. كذلك أصدرت قراراً في 12 مارس 1997، أكدت خلاله أن إسرائيل تشكل قوة احتلال، وأنها تخالف الأحكام الدولية، واتفاقية جنيف لعام 1949، في سياستها الاستيطانية التي تمارسها في الأراضي المحتلة، وأن القدس العربية تعد جزءاً من الأراضي المحتلة الخاضعة للقانون الدولي وأحكامه الملزمة. كما طالبت إسرائيل بالتوقف عن البناء في مستوطنة هارحوما بجبل أبو غنيم، إلا أن استمرار إسرائيل في ممارساتها غير الشرعية أدى إلى عقد الجمعية العامة لدورة استثنائية طارئة، في 14 أبريل 1997، تحت صيغة الاتحاد من أجل السلام، لدراسة الأوضاع المتدهورة في الأراضي الفلسطينية. حيث أدينت جميع الممارسات الإسرائيلية الخاصة ببناء المستوطنات وتهويد مدينة القدس، وأكدت ضرورة التنفيذ الدقيق للاتفاقيات التي توصل إليها بين إسرائيل والفلسطينيين. نظراً لأن مجلس الأمن له دور متعاظم في رسم معالم الشرعية للمجتمع الدولي، ومن ثم فإن قراراته لها حكم الاتفاق الواجب الالتزام بها، بوصفها مصدراً من مصادر الشرعية الدولية. وإذا كانت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة والموقف الدولي لم يردع إسرائيل عن الاستمرار في سياستها الاستيطانية وتهويد القدس، الأمر الذي أجبر مجلس الأمن إلى تدخله في قضية القدس.
وأصدر العديد من القرارات تتمثل في الآتي: أ. القرار الرقم 250 الصادر بتاريخ 27 أبريل 1968، الذي طالب إسرائيل بالامتناع عن إقامة العرض العسكري في مدينة القدس يوم 2 مايو 1968، وبامتناع إسرائيل عن تنفيذ هذا القرار، أصدر مجلس الأمن قراره الرقم 251 في 2 مايو 1968، الذي أدان الموقف الإسرائيلي بإقامة العرض العسكري في القدس. ب. القرار الرقم 253 الصادر في 21 مايو 1968، الذي طالب إسرائيل بإلغاء جميع الإجراءات التي اتخذت حيال القدس، والإعلان أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية والتصرفات التي اضطلعت بها إسرائيل، بما في ذلك نزع ملكية الأراضي والممتلكات، بهدف تغيير الأوضاع فيها، هي إجراءات باطلة. ج. القرار الرقم 267، الصادر بتاريخ 3 يوليه 1969، الذي أكد خلاله أن الاستيلاء على الأراضي من خلال الغزو العسكري غير مقبول. كما أبدى أسفه، لتجاهل إسرائيل لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة. كما شجب جميع الإجراءات المتخذة من جانب إسرائيل والهادفة لتغيير وضع القدس وعدها باطلة. وطالب إسرائيل مجدداً، بإلغاء جميع الإجراءات، التي من شأنها تغيير وضع القدس. د. القرار الرقم 271، الصادر في 15 سبتمبر 1969، الذي أدان عملية حرق المسجد الأقصى وتدنيسه، وطالب إسرائيل باحترام القوانين الدولية واتفاقيات جنيف المتعلقة بالاحتلال العسكري، والكف عن النشاطات التي تمس نشاط المجلس الإسلامي الأعلى في القدس. هـ. القرار الرقم 298، الصادر في 25 سبتمبر 1971، والذي ندد فيه المجلس بالسلوك الإسرائيلي الذي لم يحترم الشرعية الدولية. وأكد بطلان الإجراءات الإسرائيلية، وطالب بإلغاء الإجراءات كافة، التي اتخذتها إسرائيل حيال مدينة القدس. و. القرار الرقم 478، الصادر في 20 أغسطس 1980، والذي أكد فيه المجلس عدم شرعية الاستيلاء بالقوة على الأراضي. كما ندد بشدة بالسلوك الصهيوني الخاص بإصدار إسرائيل القانون الأساسي للقدس، وعدم احترامها القرارات السابقة. وأكد أن سن إسرائيل هذا القانون، يمثل انتهاكاً للشرعية الدولية واتفاقية جنيف عام 1949 فيما يتعلق بحماية المدنيين وقت الحرب، ثم أقر بعدم اعترافه بهذا القانون الأساسي وغيره من الإجراءات المماثلة. وطالب مجلس الأمن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بسحب بعثاتها الدبلوماسية من مدينة القدس. ز. القرار الرقم 592، الصادر في 8 ديسمبر 1986، الذي أكد الوضع الخاص بالقدس. ودان وشجب بقوة، إطلاق الجيش الإسرائيلي النيران على الطلاب العزل، وطالب إسرائيل بالإفراج عن المحتجزين، والالتزام باتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب. ح. القرار الرقم 672، الصادر في 13 أكتوبر 1990، والذي عبر فيه مجلس الأمن عن قلقه من أعمال العنف التي تمت في الحرم الشريف، يوم 8 أكتوبر، والأماكن المقدسة الأخرى بمدينة القدس، ما أسفر عن استشهاد حوالي 150 من المصلين الفلسطينيين، كما أدان أعمال العنف التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية. ط. القرار الرقم 673، الصادر في 24 أكتوبر 1990، والذي شجب فيه مجلس الأمن رفض الحكومة الإسرائيلية استقبال مبعوث الأمين العام للمنظمة، وحثها على إعادة النظر في هذا القرار. ي. القرار الرقم 661، الصادر في 30 ديسمبر 1990، وفيه أكد المجلس عدم جواز اكتساب الأرض بالحرب، كما شجب قرار الحكومة الإسرائيلية الخاص بإبعاد المدنيين الفلسطينيين من الأراضي المحتلة. ك. القرار الرقم 904، الصادر في 18 مارس 1994، الذي أدان فيه مذبحة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل خلال فبراير 1994، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 50 فلسطينياً، وطالب المجلس إسرائيل بمصادرة الأسلحة من المستوطنين الإسرائيليين. ل. كما كان هناك مشروع قرار لمجلس الأمن في 16 مايو 1995، بشأن مصادرة إسرائيل لمساحة 52 هكتار من الأراضي في القدس الشرقية، إلا أن الفيتو الأمريكي أحبط إصدار هذا القرار. كما أحبط الفيتو الأمريكي أيضاً، مشروع قرار لمجلس الأمن، في مارس 1997، بشأن إنشاء 6500 وحدة سكنية في جبل أبو غنيم بالقدس الشرقية. مما سبق، يتضح أن الاستهانة الإسرائيلية بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك قرارات مجلس الأمن، وخاصة فيما يتعلق بمدينة القدس والقضية الفلسطينية، ترجع أساساً إلى التأييد الأمريكي المطلق والفيتو الأمريكي الذي من خلاله، تحبط القرارات الدولية كافة، إلا أن هذه القرارات تظل شاهدة على العنصرية الإسرائيلية والانتهاك الدائم والمستمر لمدينة القدس، خاصة أن الأمم المتحدة لا تملك تنفيذ هذه القرارات.
2. موقف الولايات المتحدة الأمريكية من قضية القدس: على الرغم من إعلان واشنطن اتخاذها موقفاً محايداً في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إلا أن الحقيقة تشير إلى انحيازها إلى إسرائيل بشكل مباشر، إضافة إلى عرقلتها أي قرارات، تصدرها الشرعية الدولية، تحاول التصدي لإسرائيل. وآخر مواقفها، ما يتصل بأحداث "نفق البراق"، وبناء المستوطنات في جبل أبو غنيم، في القدس الشرقية. ويكشف التحليل الدقيق للموقف الأمريكي، أن ما يميز الموقف الرسمي لواشنطن من قضية القدس، هو تغليب الولايات المتحدة الأمريكية للعوامل الإستراتيجية والسياسية، على العوامل التاريخية والقانونية. وذلك إلى حدّ استخدامها حق الفيتو، دون سند أو مبرر، لعرقلة إدانة الإجراءات الإسرائيلية لتهويد القدس، ثم موافقة الكونجرس على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو ما يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية، ومع مرجعية مؤتمر مدريد.
أ. تطور الرؤية الأمريكية، من عام 1947 حتى عام 1967 (قبل حرب يونيه): أيدت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ البداية، قرار التقسيم الرقم 181، ثم القرار الرقم 194، ثم شاركت في لجنة التوفيق، ومارست الضغوط من داخلها، حتى تخلت اللجنة عن فكرة التدويل، وتركت الموضوع للأمر الواقع، الذي أدت إليه حرب عام 1948، وهو تقسيم المدينة. إلاّ أن أهم ما ميز موقفها، هو رفضها الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، وكذلك رفضها الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة ثانية للأردن.
ب. تطور الرؤية الأمريكية، من عام 1967 (عقب حرب يونيه) حتى عام 1997: بدأت هذه المرحلة عقب حرب عام 1967، حين احتلت إسرائيل القدس الشرقية، وأعلنتها عاصمة موحدة لها. وقد تحدد الموقف الأمريكي في بيان السفير أرثر جولدبرج Arthur Goldberg، الذي أعلنه في المنظمة الدولية، في 14 يوليه 1967. ويُعَدّ هذا البيان، حتى الآن، المرجعية الرسمية للموقف الأمريكي، على الرغم من بعض الطروحات الأخرى، المتناثرة هنا وهناك.
وقد احتوى البيان على العناصر الآتية: (1) يتقرر المستقبل النهائي للقدس، ككلّ، عبر الحل العام لمشكلة الشرق الأوسط. (2) الدعوة إلى فرض رقابة دولية على الأماكن المقدسة. (3) رفض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل السفارة إليها. (4) تعَدّ الولايات المتحدة الأمريكية القدس الشرقية منطقة محتلة، تخضع لقانون الاحتلال العسكري، ولا يجوز لإسرائيل أن تُدخل أي تغييرات عليها، وتعَدّ التغييرات، التي أجرتها، باطلة، ولا تمثل حُكْماً مسبقاً على الوضع النهائي والدائم للمدينة.
غير أن مبادرة وليم روجرز William Pierce Rogers أدخلت، أواخر عام 1969، تغييرات جديدة في ما يتعلق بالقدس، منها: (1) حصر الحل في إطار مفاوضات عربية ـ إسرائيلية. (2) عدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعدم نقل السفارة إليها. (3) عدم الإشارة إلى العناصر الواردة في بيان جولدبرج. وأَكّد السفير شارلز يوست Charles Yost، مندوب الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن، الموقف نفسه، في الأول من يوليه 1969، وأعلن "أن القدس، التي وقعت تحت سيطرة إسرائيل في حرب 1967، مثلها مثل مناطق أخرى، احتلتها إسرائيل، تعَدّ مناطق محتلة، تخضع لنصوص القانون الدولي، الذي يُنظم حقوق دولة الاحتلال والتزاماتها، القائلة بأن دولة الاحتلال، لا يحق لها أن تحدِث تغييرات في القوانين أو الإدارة". تمسكت إدارة الرئيس جيمي كارتر، بعد ذلك، ببيان جولدبرج، إضافة إلى العناصر الواردة في مبادرة روجرز.
غير أنها أضافت إليها العناصر التالية: (1) عدم إدراج قضية القدس في متن اتفاقات كامب ديفيد، وحصر ذلك في خطابات متبادلة، تُلحَق بالاتفاقية (خطاب الرئيس جيمي كارتر، الموجه إلى الرئيس المصري محمد أنور السادات، الذي حدد فيه الموقف الأمريكي من القدس، بأنه الموقف نفسه الذي أعلنه السفير جولدبرج في مجلس الأمن، في 14 يوليه 1967. ويوضح (ملحق وثائق كامب ديفيد في ما يتعلق بالقدس)، الخطابات المتبادلة، الملحقة بوثائق اتفاقية كامب ديفيد. (2) للقدس وضع، يختلف عن بقية الأراضي المحتلة. وتُعامل على نحو منفصل. (3) تأييد اشتراك سكان القدس في أعمال سلطة الحكم الذاتي، دون مد سلطة هذا الحكم إلى القدس.
وعندما تولت الحكم إدارة الرئيس رونالد ريجان Ronald Wilson Reagan، عام 1981، تمسكت بالمبادئ العامة السابقة عينها، مع بعض الإضافات الأخرى، كما يلي: (1) بقاء المدينة موحدة، ويُقرَّر وضعها النهائي في المفاوضات. (2) عدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعدم نقل السفارة إليها. (3) مشاركة سكان القدس في الانتخابات، وليس الترشيح. (4) إدراج القدس، كمدينة إسرائيلية، في سجلات وزارة الخارجية. (5) استئجار أراضٍ عربية من إسرائيل، لبناء سفارة عليها.
ثم تولت، بعد ذلك، إدارة الرئيس جورج بوش George Bush، عام 1989، التي أكدت تمسكها بالمبادئ السابقة، مع بعض التعديلات، كما يلي: (1) التأكيد مجدداً أن القدس الشرقية أرض محتلة، مع إدخال بعض التغييرات على أرض الواقع. (2) التغاضي عن عملية الاستيطان في القدس الشرقية.
وأخيراً، جاءت إدارة الرئيس بيل كلينتون، سواء في فترة رئاسته الأولى أو الثانية، لتُحدِث نوعاً من التغيير الجذري، بالنسبة إلى القضية، ويتمثل في الآتي: (1) عدم معارضة أو إدانة القرار الإسرائيلي، القائل إن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. (2) صدور قرار الكونجرس، بموافقة مجلسَيه على نقل السفارة إلى القدس عام 1999. (3) إرجاء نقل السفارة إلى القدس، إلى أن يُتوصل إلى حل لمشكلة القدس، عبر المفاوضات النهائية. (4) توفير الحماية لإسرائيل من قرارات الإدانة في مجلس الأمن، نتيجة عمليات التوسع والتهويد في القدس الشرقية، بالاستخدام، غير المبرر، لحق الفيتو. (5) العودة إلى عرقلة مناقشة قضية القدس في المنظمة الدولية، بعد الاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بإعلان مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، مادلين أولبرايت Madeleine Albright: "أن المنظمة الدولية، ليست هي المكان المناسب لمناقشة حل هذه القضية. وأن مكانها المناسب، هو المفاوضات الثنائية بين الجانبين".
وهكذا يبدو التراجع المستمر في المواقف الأمريكية حيال القدس، والذي يمكن تلخيص جوهره الحالي في الآتي: لا يزال موقف واشنطن الدبلوماسي يبدو، ظاهرياً، دون تغيير، بمعنى أنها ترفض الموقف الإسرائيلي، ولا تعترف به، ولكنها في الوقت عينه، تتغافل، وتوافق على كل ما تفعله إسرائيل من عمليات لفرض الأمر الواقع.
أي أن لها خطابين سياسيين مختلفين: أحدهما للعرب، والآخر لإسرائيل. وهي تسعى في هذا السياق إلى حث الأطراف المعنية على التوصل إلى حل للقضية، دون ممارسة أي ضغط على إسرائيل، الأمر الذي يؤدي إلى أن تكون كل الخيارات الممكنة المطروحة في مصلحة إسرائيل: (ضم المدينة إدارياً وتشريعياً ـ تغيير هويتها الديموجرافية ـ شراء أو مصادرة الأراضي العربية ـ محاصرة المدينة بالمستوطنات...). كما يبدو أن مسألة الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، قد حُسمت، وأن نقل السفارة إليها، هي مسألة وقت فقط. أما في شأن السيادة والترتيبات الإدارية، فالولايات المتحدة الأمريكية، تهدف إلى تفرد إسرائيل بالفلسطينيين من مركز القوة، في غياب أي رادع أمريكي.
3. الموقف الروسي من قضية القدس: يتسم الموقف السوفيتي سابقاً، والروسي حالياً، بين المتذبذب حيناً والمناوئ في معظم الأحيان، لإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية، ما عدا المواقف الرسمية في الأمم المتحدة. فمن الثابت، أن السوفيت كان لهم دوماً موقف مناوئ للأديان السماوية، حتى لليهود السوفيت الذين لاقوا الاضطهاد، منذ قيام الثورة الشيوعية. ولقد بلغ هذا الاضطهاد قمته، عام 1937، عندما أعدم ستالين العديد من الزعماء اليهود السوفيت، إلا أنه تحت تأثير الهزائم التي لحقت بالاتحاد السوفيتي في المراحل الأولى للحرب العالمية الثانية، بذلت الحكومة السوفيتية جهداً كبيراً لنشر التعاطف مع اليهود في العالم، حيث أعلن في موسكو عن تكوين اللجنة اليهودية المناوئة للفاشية عام 1942. في مؤتمر نقابات العمال العالمي، الذي عُقد بلندن في فبراير 1945، وافق الوفد السوفيتي على قرار ينص على أنه يجب تمكين الشعب اليهودي من إقامة وطن لهم في فلسطين. كما وافق ستالين على فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية، واستمرت هذه السياسة السوفيتية المؤيدة لليهود في فلسطين، حيث أعلن المندوب السوفيتي في الأمم المتحدة، يوم 14 مايو 1947، موافقته على إقامة دولة يهودية في فلسطين.
ولم يراعِ السوفيت أي مطالب عربية. وحتى صدور قرار التقسيم، لم يحاول السوفيت إيجاد حل عادل للمشكلة الفلسطينية، بل يُعده الاتحاد السوفيتي، خلال هذه المرحلة، أقوى سند للدولة اليهودية، كما أصبح الاتحاد السوفيتي أول دولة تعترف بإسرائيل اعترافاً صريحاً ومباشراً وقانونياً. مما سبق، يتضح أن الاتحاد السوفيتي، كان متحمساً لليهود ومؤيداً لهجرتهم إلى فلسطين طوال النصف الثاني من الأربعينيات، والفترة اللاحقة لها. أما بالنسبة إلى القدس وأوضاعها، فلقد امتنع السوفيت عن التصويت في الأمم المتحدة لكل ما يتعلق بهذه القضية، إلا أن السفير السوفيتي في إسرائيل قد قدم أوراق اعتماده للحكومة الإسرائيلية في القدس، على أساس أنها عاصمة لإسرائيل، على الرغم من عدم اعتراف معظم الدول بالقدس عاصمة لإسرائيل. بعد عدوان 1956 على مصر، بدأ النفوذ السوفيتي يمتد في المنطقة العربية، وازدادت حدود وأبعاد هذا الدور بعد نكسة يونيه 1967. وتمثل الموقف السوفيتي، في مشروع قرار لمجلس الأمن، يطلب سحب القوات الإسرائيلية إلى ما خلف خطوط الهدنة، كما طالب المندوب السوفيتي أن يتم التصويت فوراً على مشروع القرار، إلا أن عملية التصويت أسفرت عن فشل المشروع. ولقد عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة طارئة، للنظر في العدوان الإسرائيلي عام 1967، بناءً على دعوة وزير خارجية الاتحاد السوفيت، إلا أنه لم تتمكن الجمعية العامة من اتخاذ قرار يدعو إسرائيل إلى الانسحاب. وبعد فشل الاتحاد السوفيتي، كدولة عظمى، في إزالة آثار العدوان على الدول العربية، بدأ يتراجع في المراحل اللاحقة عن مناقشات اللجان والهيئات، التي تسعى إلى تخفيف العبء عن الشعب الفلسطيني، وركز السوفيت دعوتهم على ضرورة إيجاد حل سلمي للنزاع العربي ـ الإسرائيلي. أدت سياسة الوفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، إلى تخلي السوفيت عن العرب، وخاصة مصر، حيث لم يوفوا بوعودهم في إعادة تسليح مصر. ووضح أن ما يسعون إليه، هو استمرار وجودهم في المنطقة وليس استرداد الحقوق العربية.
ومن ثم، زاد توتر العلاقات بين السوفيت ومصر، حتى أبعد السادات الخبراء السوفيت. ومع بدء حرب أكتوبر 1973، تغير كثيراً الإدراك السوفيتي لقدرة العرب على تحريكهم الموقف عسكرياً. وإذا كان السوفيت قد أعلنوا تأييدهم لاتفاقية فصل القوات الأولي بين مصر وإسرائيل، إلا أنهم أعلنوا عدم مشاركتهم في التوقيع النهائي على هذا الاتفاق. ومنذ ذلك التاريخ، ظل الاتحاد السوفيتي معزولاً عن المحاولات، التي بذلت من أجل تحقيق السلام، وفيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور روسيا، استمر هذا الموقف المعزول والذي لا يتناسب معها. ومع تطور الأحداث العالمية والداخلية في روسيا، لم يزد دورها على دعوة إسرائيل إلى التخلي عن سياسة الاستيطان. ووضح ذلك من خلال الدعوة بعدم بناء المستوطنة الإسرائيلية على جبل أبو غنيم بالقدس الشرقية، حيث إن مصيرها يجب أن يتقرر من خلال المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية.
4. موقف الاتحاد الأوروبي من قضية القدس: أ. الموقف الأوروبي، في مجمله، قريب من المواقف العربية، سواء بالنسبة إلى مشكلة الشرق الأوسط أو إلى قضية القدس. فالموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي، هو الالتزام بمقررات الشرعية الدولية، وصوته في المنظمة الدولية مع المعايير الأخلاقية العادلة، ومن ثم، فهو يقف، عند طرح الموضوع للتصويت، ضد الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تهويد القدس. ويحاول الاتحاد الأوروبي الاضطلاع بدور فاعل في الشرق الأوسط.
ولذلك، عيّن مندوباً دائماً، على غرار ما فعلته واشنطن، إلا أن دور الاتحاد ما زال عديم الفاعلية. وعلى الرغم من المحاولات الأوروبية، الجماعية والفردية، مثل الموقف الفرنسي، لبناء دور أوروبي أو فرنسي فاعل، بالنسبة إلى الصراع العربي ـ الإسرائيلي عموماً، والقضية الفلسطينية وقضية القدس على وجه الخصوص، إلا أن مساعي الاتحاد طالما اصطدمت بالتوجهات الأمريكية، الرامية إلى تهميش الدور الأوروبي في المنطقة بشكل عام، وفي النزاع العربي ـ الإسرائيلي، بكل جوانبه، على وجه الخصوص.
في هذا السياق، يتحدد الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي في الآتي: "إن الوضع النهائي للمدينة، يتحدد في المباحثات النهائية، أي لا يحدده طرف واحد. وقد أكد ذلك الرئيس الفرنسي جاك شيراك Jacques Chirac، خلال زيارته إلى المنطقة، في أكتوبر 1996، وكان قد أكده بيان البندقيـة، الصادر عن مؤتمر القمـة الأوروبي الذي عقد في لوكسـمبورج، في 2 ديسمبر1980، والذي عُدّ، في حينه، أقوى ما صدر عن الموقف الأوروبي، وإِن كان قد ثبت عدم فاعليته".
ب. الموقف البريطاني: لقد تأكد الموقف البريطاني من قضية القدس، من خلال إعلان وزير خارجيتها في مايو 1996، عن أن القدس العربية تُعد أرضاً محتلة عسكرياً من قِبل إسرائيل، وأنها تملك السلطة بحكم الواقع فقط على غرب القدس. ولقد أشار إلى أن حل القضية، يجب أن يراعي الطموحات الشرعية للأطراف المعنية، وأن يحترم الطبيعة الخاصة للأماكن المقدسة. كما أكد أنه يجب ألا تفرض تسوية على الفلسطينيين، بل يجب أن تحترم الحقوق الفلسطينية الأساسية، وخاصة فيما يتعلق بحق تقرير المصير، كما أن قرار مجلس الأمن الرقم 242، هو أساس حل القضية وتحقيق السلام في المنطقة. عارضت بريطانيا إسرائيل في بناء المستوطنات، وأكدت مراراً عدم شرعيتها، وفي مارس 1998 قام وزير الخارجية البريطاني روبين كوك Robin Cook بزيارة إلى المنطقة، وأكد خلالها، أن القدس عاصمة لدولتين، ولا يجوز الاستيطان بها. ولذلك قام بزيارة استطلاعية إلى المستوطنة التي يتم إنشاؤها، في جبل أبو غنيم، بهدف تسجيل عدم مشروعية السياسات الاستيطانية الإسرائيلية في القدس. ولقد أدى ذلك الموقف إلى قيام المتظاهرين الإسرائيليين، بمهاجمة موكب وزير الخارجية واختصار زيارته إلى إسرائيل. ولقد أرادت الحكومة الإسرائيلية بذلك اغتيال الوزير البريطاني سياسياً ومعنوياً. ولقد حاول توني بلير احتواء المشكلة من خلال زيارته إلى المنطقة، ووجهت الدعوة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للاجتماع في لندن. وعلى الرغم من أن هذا الاجتماع عُقد بحضور وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت M. Albright في 6 مايو 1998، إلا أن الاجتماع لم يحقق النجاح كما كان متوقعاً، نظراً للتعنت الإسرائيلي.
ج. الموقف الفرنسي من القضية: يُعَدّ الرئيس فرنسوا ميتران Francois Mitterrand، أول رئيس فرنسي، يقوم بزيارة إسرائيل في مارس 1982. ولقد أكد في الخطاب، الذي ألقاه أمام الكنيست الإسرائيلي، حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وأن يكون له وطن وأرض، يقيم عليها دولته التي يقع اختياره عليها، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، وخاصة قراري مجلس الأمن الرقم 242، والرقم 338. وفي 20 أبريل 1990، أعرب الرئيس ميتران، عن معارضته لتوطين المزيد من اليهود السوفيت في الضفة الغربية المحتلة، لأن ذلك سيزيد من التوتر بالمنطقة، الأمر الذي لا يسهم في تحقيق المصالحة بين العرب وإسرائيل. في مايو 1995 تولى جاك شيراك Jacques Chirac الرئاسة في فرنسا، وأثناء زيارته إلى القدس العربية في أكتوبر 1996، دعا ممثلة منظمة التحرير الفلسطينية بفرنسا ـ ليلى شهيد ـ إلى مرافقته في الزيارة. وحين حاولت تذكير الرئيس شيراك بأن السلطات الإسرائيلية سترفض، رد قائلاً: إن القدس الشرقية أرض محتلة. ولقد كانت هذه الزيارة، تأكيداً على عودة الدور الفرنسي للمنطقة بشكل جديد، وأصبح التساؤل المطروح آنذاك عن أبعاد هذا الدور وقدرته في التأثير على تشدد حكومة الليكود. رفضت الحكومة الفرنسية بناء إسرائيل مستوطنة في جبل أبي غنيم، حيث وصفت القرار الإسرائيلي بأنه كارثة تعرقل عملية بناء الثقة المطلوبة بين الطرفين. وعلى الرغم من أن السياسة الفرنسية ظلت تؤكد حق تقرير المصير للفلسطينيين، كما أنها عَدّت كل الإجراءات التي تهدف إلى تغيير الوضع في القدس، باطلة، إلا أن السياسة الفرنسية ستظل محكومة في النهاية بثوابت ومحددات، تحكمها الجغرافيا والمصالح واتجاهات واتساق العلاقات مع الدول الكبرى المؤثرة في المنطقة. خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ترفضان رفضاً قاطعاً أي دور فرنسي أو أوروبي فعال، وتسعيان إلى الحد من الوجود السياسي والاقتصادي لفرنسا في منطقة الشرق الأوسط. منقول من: يتبع إن شاء الله...