المبحث العشرون
تطور الموقف على الجبهات الإسرائيلية الشمالية والوسطى والقدس

جاءت مقترحات "برنادوت" مخيبة لآمال العرب واليهود على حد سواء. فبالرغم من أن تلك المقترحات حاولت معالجة أوجه القصور في مشروع الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، فإنها كانت مرفوضة من العرب الذين أساءوا تقييم نتائج فترة القتال الأولى، فلم يكن سهلاً على زعمائهم إقناع شعوبهم المضللة بقبول دولة يهودية مستقلة على جزء كبير من فلسطين في ظل الأوضاع العسكرية الخادعة في نهاية فترة القتال الأولى، فضلاً عن أن مقترحات "برنادوت" وإن كانت أعطت للعرب "اللد" و"الرملة" والسيطرة على "القدس" و"النقب" فإنها انتزعت منهم منطقة "الجليل الغربي" الخصيبة. وعلى ذلك كان السياسيون مصرّون على استئناف القتال لإِحكام سيطرتهم على المناطق التي يحتلونها ومحاولة توسيع تلك المناطق فور انتهاء الهدنة الأولى في الثامن من يوليه.

أما على الجانب الإسرائيلي، فقد رأى زعماؤهم أن مقترحات "برنادوت" وإن ضمت "الجليل الغربي" للدولة اليهودية، فإنها سلخت منها النقب الذي كان "بن جوريون" واثقاً أنه غني بالموارد الطبيعية، كما يوفر للدولة اليهودية مجالاً للتوسع الزراعي جنوباً عند ما تتوفر له المياه بتحويل نهر الأردن أو بواسطة مشروعات إزالة ملوحة مياه البحر، فضلاً عن أنه يحقق للدولة اليهودية منفذاً بحرياً حيوياً يربطها بشرق إفريقيا وجنوب آسيا. ومن ناحية أخرى كانت مقترحات الوسيط الدولي تُعطي العرب السيطرة على "القدس" وهو أمر كان مرفوضاً تماماً من القيادة اليهودية التي كانت تخطط للسيطرة على المدينة بأكملها فور انتهاء الهدنة.

وقد شجع تدفق الأسلحة والقوى البشرية على إسرائيل قادتها على استئناف القتال لنسف مشروع "برنادوت" بتغيير الأوضاع في منطقتي القدس و"النقب". ومن ثم استهدفت العمليات الإسرائيلية خلال فترة القتال الثانية تأمين "القدس الجديدة" (اليهودية) والسيطرة على طرق المواصلات المؤدية إليها كأسبقية أولى، ثم التحول لتحقيق الهدف الإستراتيجي الثاني وهو فتح الطريق إلى مستعمرات النقب وتحقيق اتصال آمن ومستقر معها.

أما على الجبهات العربية الأخرى فقد استهدفت العمليات الإسرائيلية تصفية رأس الجسر السوري في مستعمرة "مشمار هايردن" وطرد جيش الإنقاذ من "الجليل"، والامتصاص التدريجي للمناطق العربية فيه.

ولتحقيق الأهداف السابقة انتهج الإسرائيليون إستراتيجية هجومية، بينما اتسمت الإستراتيجية العربية بالطابع الدفاعي بوجه عام، الأمر الذي أسلم المبادأة إلى الإسرائيليين الذين كانت أعمال قتالهم حتى نهاية فترة القتال الأولى مجرد ردود فعل للهجمات العربية المختلفة.

أولاً: تطور الموقف على الجبهة الشمالية
1. أوضاع الجانبين

عند انتهاء الهدنة الأولى كان الجيش اللبناني ينتشر على الحدود الفلسطينية اللبنانية بين ساحل البحر المتوسط و"المالكية" لتأمين حدود بلاده، فضلاً عن تأمين قواعد إمداد جيش الإنقاذ الذي كان نحو ألفين من قواته يتمركزون في "الجليل الأوسط" بشكل أساسي، بينما كان يدافع عن رأس الجسر السوري في "مشمار هايردن" قوات لواء المشاة الأول يدعمها من الشرق بعض قوات لواء المشاة الثاني التي تتمركز في المرتفعات المطلة على الضفة الشرقية لنهر الأردن أما القوات العراقية التي بلغت نحو لوائي مشاة فقد انتشرت في مثلث "جنين/ طولكرم/ نابلس".

وفي مواجهة القوات العربية السابقة كان هناك خمسة ألوية إسرائيلية "اسكندروني" و"جولاني" و"كرملي" و"عوديد"، فضلاً عن اللواء السابع الذي نُقل من شرق "اللطرون" إلى الجليل الغربى، بالإضافة إلى قوات الدفاع المحلية في مستعمرات "الجليل". وأوكلت قيادة القوات الإسرائيلية في تلك الجبهة إلى البريجادير جنرال (العميد) "موسى كرملي" الذي كُلف بتصفية رأس الجسر السوري في "مشمار هايردن" واحتلال "الجليل الأسفل" بعد القضاء على جيش الإنقاذ فيه. ولتحقيق هذين الهدفين تم تخطيط العمليتين "باروش" (شجرة السرو) و"ديكل" (النخلة)، الأولى ضد القوات السورية والثانية ضد جيش الإنقاذ.

2. العملية "باروش" (9 ـ 14 يوليه)
كانت فكرة العملية "باروش" تتلخص في تطويق رأس الجسر السوري في "مشمار هايردن" من ناحية الشمال والشرق وعزله عن الأراضي السورية، ثم الهجوم عليه من اتجاهي الشرق والغرب معاً لتصفيته. وكان نجاح العملية مرهوناً بقدرة المهندسين الإسرائيليين على إقامة جسر عائم على نهر الأردن في الوقت الملائم لعبور القوة الرئيسية إلى ضفة النهر الشرقية لإتمام عملية التطويق والعزل. وأسندت قيادة العملية "باروش" إلى الكولونيل "موردخاي ماكليف" قائد اللواء "كرملي" الذي كان على كتائبه القيام بالمجهود الرئيسي في العملية مع تدعيمه بالكتيبة الأولى من لواء "عوديد".

وطبقاً لخطة العملية كان على الكتيبة الثانية من اللواء "كرملي" عبور نهر الأردن شرق "حولاتا" (شمال رأس الجسر) ليلاً والتقدم جنوباً لاحتلال مرتفعات "جلبينة" و"خربة دريجات" شرق النهر، بالإضافة إلى "تل المعبرة" على ضفته الغربية، كما كان على الكتيبة الثالثة من نفس اللواء عبور النهر والتقدم عبر مواقع الكتيبة الثانية للاستيلاء على منطقة "بيت الجمرك" المشرفة على جسر "بنات يعقوب" مع تلغيم طريق "القنيطرة"، في الوقت الذي تقوم فيه الكتيبة الرابعة من اللواء "كرملي" والكتيبة الأولى من اللواء "عوديد" بمشاغلة القوات السورية في رأس الجسر والضغط عليها من ناحية الغرب، وبمجرد إتمام عملية العزل يبدأ الهجوم الشامل على رأس الجسر السوري من اتجاهي الشرق والغرب معاً.

وعندما بدأ تنفيذ العملية ليلة 8/9 يوليه قبل انتهاء الهدنة، تمكنت الكتيبة الثالثة من اللواء "كرملي" من اجتياز النهر بصعوبة واحتلت المواقع المخصصة لها في الخطة متأخرة عن موعدها، كما فشلت وحدة المهندسين في إقامة الكوبري العائم نتيجة لقصف المدفعية السورية الكثيف، واستغرقت محاولة الكتيبة الثانية عبور النهر بقوارب وطوافات ـ أُحضرت من "حولتا" ـ وقتاً طويلاً.

وعندما ظهر لـ "ماكليف" أن كتيبته الثانية لن تتمكن من الوصول إلى منطقة "بيت الجمرك" واحتلالها قبل طلوع النهار، وأن السوريين يعدون لشن هجوم على "روشبينا"، أصدر أوامره في الساعة 400 يوم 10 يوليه بإلغاء عملية التطويق وانسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الشرقية للنهر إلى مناطق انطلاقها في الغرب لمواجهة الهجوم المضاد السوري المنتظر، إلا أنه عندما بدأ ذلك الهجوم صباح 10 يوليه لم تكن القوات الإسرائيلية قد أتمت انسحابها بعد من الضفة الشرقية للنهر، فوقعت أسيرة نيران القوات السورية على نفس الضفة، التي انطلقت في هجوم مضاد كاسح أوقع بالقوات الإسرائيلية خسائر جسيمة، وأجبرها على الانسحاب من الضفة الشرقية.

وفي رأس الجسر شن اللواء السوري الأول هجوماً مضاداً ناجحاً بمعاونة جوية قوية صباح 10 يوليه استعاد به المواقع التي احتلتها القوات الإسرائيلية التي هاجمت رأس الجسر من الغرب خلال الليل، ومع حلول ظهر ذلك اليوم كان السوريون قد أتموا تطهير رأس الجسر وأجبروا الإسرائيليين على الانسحاب لتغطية مداخل "روشبينا" و"محنايم" بعد أن تكبدوا خسائر جسيمة في هجومهم الفاشل على رأس الجسر.

وخلال اليومين التاليين استمر القتال سجالاً بين الجانبين عندما امتدت الهجمات السورية المضادة إلى مستعمرات "درداره" و"حولتا" و"إيليت هاشاجر" و"محنايم".

وبعد ثلاثة أيام من إعادة التنظيم حاولت القوات الإسرائيلية تكرار المحاولة لتصفية رأس الجسر السوري دون عبور نهر الأردن، بشن الهجوم عليه هذه المرة من ناحية الجنوب، إلا أن السوريون كانوا على أُهبة الاستعداد وأوقفوا العملية قبل اكتمال بدايتها، وبذا انتهت العملية "باروش" بالفشل التام يوم 14 يوليه وساد الركود حول رأس الجسر السوري بعد أن خسر "ماكليف" نصف قواته خلال ستة أيام من القتال العنيف، وعندما بدأت الهدنة الثانية مساء 18 يوليه، كان الجيشان المنهكان يواجه بعضهما بعضا في نفس المواقع التي بدأت منها العملية "باروش" قبل عشرة أيام من ذلك التاريخ.

3. العملية "ديكيل" (9 ـ 16 يوليه)
كانت قوات جيش الإنقاذ تسيطر على الجليل الأوسط منذ اندفاعها إليه في أعقاب آخر معارك المالكية، وكان خط الحدود بين مواقع هذه القوات والقوات الإسرائيلية في الجليل الغربي يمر قرب سفوح التلال الواقعة شرق الشريط الساحلي، ولتحقيق الهدف الإستراتيجي الخاص باحتلال الجليل الأسفل وتصفية وجود جيش الإنقاذ فيه تم تخطيط العملية "ديكيل" خلال الهدنة الأولى وخُصص لها ثلاث كتائب مشاة (الكتيبة الأولى من "اللواء كرملي" والكتيبتان الأولى والثانية من اللواء السابع)، فضلاً عن الكتيبة التاسعة المدرعة من اللواء الأخير، وأسندت قيادة العملية إلى الكولونيل (العقيد) "حاييم لاسكوف". ولدعم العملية "ديكيل" كان على اللواء "جعفاتي" الذي ينتشر على طول ممر "العفولة" من الساحل إلى الجليل الشرقي ـ مشاغلة جيش الإنقاذ وصرف نظره عن المجهود الإسرائيلي الرئيسي في الغرب.

وفي الوقت الذي كانت فيه قوات "لاسكوف" تستعد للقضاء على جيش الإنقاذ في الجليل الأسفل، كان الأخير يستعد للإنقضاض على المواقع الإسرائيلية في منطقة الشجرة التي تشرف على تقاطع الطرق القادمة من "طبرية" إلى كل من "العفولة" و"الناصرة"، ومن "الجليل الأعلى" إلى نفس المدينتين.

وفي صباح التاسع من يوليه دفع القاوقجي فوج "حطين" من "الناصرة" للاستيلاء على المواقع الإسرائيلية الحصينة في الشجرة، التي كانت تدافع عنها الكتيبة الثانية من اللواء "جعفاتي"، إلا أن فوج "حطين" لم يحقق تقدماً كبيراً، وتكرر الهجوم العربي خلال الأيام الثلاثة التالية دون جدوى، كما فشل القصف المركز لمدفعية "عفيف البزري" يوم 12 يوليه في زحزحة كتيبة "جعفاتي" عن مواقعها.

وفي الرابع عشر من يوليه شن "القاوقجي" هجوماً جديداً على مواقع الشجرة أداره بنفسه وحشد له معظم قواته في المنطقة، كما رتب له دعماً جوياً سورية، ولكن الهجوم الأخير انتهى بالفشل أيضاً.

وفي الوقت الذي كانت تُجري فيه الهجمات السابقة لوحدات جيش الإنقاذ على مواقع الشجرة، كانت العملية "ديكيل" تمضي في الغرب طبقاً للخطة، فقد تقدمت قوات "لاسكوف" من عكا في اتجاه الشرق عبر الطريق الداخلي فوصلت إلى قاعدة السفوح الجبلية مساء 9 يوليه. وفي تعاون مع القرويين الدروز الذي يقطنون التلال الشرقية انتشرت القوات الإسرائيلية في تلك التلال ووطدت مواقعها فيها، انتظاراً لمعرفة ما إذا كان اللبنانيون سوف يتدخلون لدعم جيش الإنقاذ.

وعندما أصبح واضحاً من انتشار الجيش اللبناني أنه لن يتدخل من ناحية الشمال وجه "لاسكوف" قواته نحو الناصرة، وفي طريق تقدمه استولت قواته على بلدة "شفا عمرو" (شفار عام) التي كان معظم سكانها من الدروز صباح يوم 14 يوليه.

وفي نفس اليوم ـ بينما كان "القاوقجي" مشغولاً بمعركة "الشجرة" تحركت قوة من اللواء "جولاتي" من قاعدتها في "نهلال" (10 كم جنوب شرق الناصرة) في اتجاه التلال شرق الناصرة لتطهير المنطقة من القوات العربية والاتصال بـ "كفار حاحوريش" التي تمكن العرب من عزلها لعدة شهور، وفي ليلة 14/15 يوليه بينما كان "القاوقجي" ينهي هجماته في منطقة "الشجرة" مستنفذاً آخر قدراته الهجومية كان "لاسكوف" يعيد تنظيم قواته فى "شفا عمرو" استعداداً للتحرك نحو الناصرة.

ولما كانت دفاعات الناصرة مركزه أساساً على طرق الاقتراب إليها من الجنوب – حيث كان "القاوقجي" يتوقع اتجاه الهجمات الإسرائيلية – فقد جاء اقتراب القوات الأخيرة من مؤخرته الآمنة في الشرق والشمال الشرقي مفاجأة "للقاوقجي" الذي حاول على عجل إعادة ترتيب قواته يوم 15 يوليه لمواجهة التهديد الإسرائيلي الجديد على مؤخرته، إلا أن الاحتياطيات القليلة التي استطاع تجميعها بعد هجماته المتكررة على مواقع الشجرة كانت أضعف من أن تصمد في مواجهة قوات "لاسكوف" التي تدعمها المدرعات.

فمع حلول فجر 16 يوليه كانت مقدمة قوات "لاسكوف" المدرعة قد وصلت "صفورية" (على بُعد 6 كم شمال شرق الناصرة). وما أن وصل خبر هذا التقدم الإسرائيلي إلى سكان "الناصرة" حتى بدأوا النزوح من المدينة.

وواصلت قوات "لاسكوف" تقدمها حتى وصلت طلائعها المدرعة إلى مشارف الناصرة الساعة 1630 يوم 16 يوليه من اتجاه الشمال الغربي، حيث صدت هجوماً مضاداً محدوداً قامت به سرية عربات مدرعة عربية، وتابعت تقدمها نحو المدينة التي استسلمت مساء نفس اليوم، وبسقوط الناصرة انسحبت فلول جيش الإنقاذ من الجليل الأسفل على الشمال الشرقي بعد أن أصبحت غير قادرة على بذل أية مقاومة مؤثرة.

4. الانسحاب الإسرائيلي من شمال "جنين"
بقيت القوات الإسرائيلية تحتل المرتفعات والقرى العربية شمال مدينة "جنين" منذ هجومها الفاشل على المدينة خلال فترة القتال الأولى، الأمر الذي استغله الإسرائيليون في قصف سكانها بعد أن أقاموا خطاً دفاعياً على مسافة 3 ـ 4 كم شمال المدينة عشية قيام الهدنة الأولى. ومن ثم أُسند إلى اللواء الرابع العراقي مهمة تطهير المرتفعات الشمالية والقرى العربية خلفها فور تجدد القتال بعد انتهاء الهدنة.

وفي العاشر من يوليه قامت قوة مشاة عراقية من اللواء الرابع تدعمها قوة من المجاهدين الفلسطينيين بالهجوم على قرية "فقوعة" بعد تمهيد مدفعي قصير، وبعد قتال طويل تم احتلال القرية وأعقبها احتلال "مقيبلة". كما دفعت قيادة اللواء الرابع قوة أخرى للاستيلاء على "عرانة" و"دير غزال" وعربونة، في حين هاجم المجاهدون "أم الفحم" و"عارة" و"عرعرة" لمنع الإسرائيليين من نجدة القرى الأخيرة التي تهاجمها القوات العراقية. وتقدمت سريتان لاحتلال "جلمة" و"صندلة" وأطبقتا على التلال الواقعة غرب "المزار" وأجبرت الإسرائيليين على الجلاء عنها.

وبصباح الحادي عشر من يوليه كانت القوات العراقية قد استرجعت سبع قرى عربية والمعسكر البريطاني وأرض هبوط "مقيبلة"، وأجبرت القوات الإسرائيلية على التراجع إلى خط "المزار/ زرعين" حتى الهدنة الثانية.

ثانياً: تطور الموقف على الجبهة الوسطى والقدس
العملية "داني" (9 ـ 18 يوليه)

عند انتهاء فترة القتال الأولى كانت قوات الفيلق الأردني لا زالت تسيطر ـ من مواقعها في "اللطرون" و"باب الواد" ـ على الطريق الرئيسي الذي يربط القدس بالسهل الساحلي مما سمح بعزل الأحياء اليهودية في القدس الجديدة وحصارها بالتعاون مع الوحدات الأردنية الأخرى في المدينة. كما كانت بعض القوات الأردنية وسرايا المجاهدين تسيطر على منطقتي "اللد" و"الرملة" التي تمثل عقدة المواصلات الرئيسية للسكك الحديدية في فلسطين، كما يقع بها المطار الدولي الوحيد في البلاد، ولما كانت تلك المنطقة الحيوية لا تبعد أكثر من 10 كم من "تل أبيب" عدت القيادة الإسرائيلية السيطرة العربية عليها بمثابة تهديد للمدينة التي تضم أكبر تجمع يهودي في البلاد.

ومن ثم كان الهدف الإستراتيجي الأول الذي حدده "بن جوريون" لرئاسة الأركان الإسرائيلية هو فك الحصار عن القدس وتأمين طرق الوصول إليها مع الاستيلاء على منطقة "اللد" و"الرملة" لإبعاد تهديد الفيلق الأردني عن "تل أبيب". ولتحقيق هذا الهدف تم تخطيط العملية "داني" خلال الهدنة لتنفذ فور انتهائها.

وقد تلخصت فكرة هذه العملية في استغلال الثغرة بين الجناح الجنوبي للقوات العراقية في "مجدل يابة" والقوات الأردنية في "اللطرون" لتوجيه ضربة مزدوجة إلى القوات الأردنية على مرحلتين، تهدف الأولى منها إلى الإحاطة بمنطقة "اللد" و"الرملة" وعزلها ثم احتلال المدينتين والقرى العربية شرقهما، بينما تهدف المرحلة الثانية إلى عزل منطقة "اللطرون" وتصفية الوجود الأردني فيها، مع توسيع ممر القدس جنوباً بالاستيلاء على القرى العربية شمال خط السكة الحديدية بين "القدس" و"اللد".

وخُصص للقيام بالمجهود الرئيسي في هذه العملية لوائي مشاة ولواء مدرع (اللواء " هارئيل" واللواء " يفتاح" واللواء الثامن المدرع بقيادة الكولونيل "اسحاق صاديه") ودُعمت هذه القوات بالكتيبة الثانية من اللواء "كرياتي" والكتيبة الثالثة من اللواء "اسكندروني"، وأُسندت قيادة العملية إلى الجنرال "إيجال آلون" الذي عُين حديثاً قائداً للمنطقة الوسطى، ولتنفيذ المرحلة الأولى قُسمت القوة المخصصة للعملية إلى ثلاث قوى فرعية، الأولى وتتكون من اللواء الثامن المدرع وكتيبتي المشاة الثانية "كرياتي" والثالثة "اسكندروني"، والقوة الفرعية الثانية وتتكون من اللواء "يفتاح"، أما القوة الفرعية الثالثة فتكونت من اللواء "هارئيل".

وكانت خطة العملية تقضي بانطلاق القوة الفرعية الأولى من منطقة "بتاح تكفا" في ثلاث مجموعات تقوم الشمالية منها بالهجوم على "قولة" ثم التقدم للاستيلاء على قرية "دير طريف" ومعسكر "بيت نيبالا" ثم تواصل التقدم إلى مستعمرة "بن شيمين" المعزولة، بينما تتقدم المجموعة الوسطى للاستيلاء على قرية "ولهما"، أما المجموعة الجنوبية فتقوم بالهجوم على مطار "اللد" والاستيلاء عليه.

كما كان على القوة الفرعية الثانية (اللواء يفتاح) التقدم من قرية "البرية" العربية ـ التي سبق الاستيلاء عليها ـ لتقطع طريق "الرملة/ اللطرون" وتتقدم منه للاستيلاء على قرية "غبابة"، وتواصل التقدم للاستيلاء على "جمزو" و"دانيال" والاتصال بقوات القوة الفرعية الأولى في "بن شمين" وبإتمام عزل مدينتي "اللد" و"الرملة" تتقدم قوات المجموعتين الفرعيتين الأولى والثانية للاستيلاء على "اللد" و"الرملة". أما القوة الفرعية الثالثة (اللواء هارئيل) فكان عليه العمل خلال المرحلة الأولى للعملية في القطاع الشرقي لممر القدس لتوسيع ذلك القطاع ناحية الجنوب.

وبانتهاء المرحلة الأولى للعملية كان على اللواء "يفتاح" التقدم في اتجاه الجنوب الشرقي للاستيلاء على "برفيليا" واحتلال مفترق طرق "بيت سيرا" على طريق "الرملة/اللطرون" شرق قرية "البرج" لعزل منطقة "اللطرون" بينما تقوم الكتيبة الثانية من لواء "كرياتي" بالاستيلاء على قرية "سلبيت" شمال "اللطرون" والكتيبة الثانية المدرعة بالاستيلاء على "بدرس" لإتمام عملية العزل. أما اللواء "هارئيل" فكان عليه الاستيلاء على تبة المدافع في منطقة "يالو" والهجوم على "اللطرون" نفسها من ناحية الشرق.

وعلى الجانب الآخر لم يكن هناك للدفاع عن "اللد" و"الرملة" سوى بضع سرايا من المجاهدين الفلسطينيين والمتطوعين الأردنيين وسرية واحدة من الفيلق الأردني لا يزيد أفرادها عن مائة فرد أما منطقة "اللطرون" و"باب الواد" فكان يدافع عنها اللواء الثالث من نفس الفيلق بفوجيه الثاني والرابع اللذين لا يزيد عدد أفرادهما عن 1200 فرد، ومن ثم كانت مقارنة القوات بين الجانبين خلال العملية لا تقل عن 5 إلى 1 لصالح القوات الإسرائيلية[1].

وفور انتهاء الهدنة بدأ تنفيذ المرحلة الأولى للعملية "داني" ليلة 9/10 يوليه طبقاً للخطة، فتقدمت وحدات اللواء "يفتاح" واحتلت قرية "غبابة" في نفس الليلة ثم "جمزو" و"دانيال" في اليوم التالي. وفي الشمال احتلت الوحدات المخصصة "ولهما" ومطار "اللد" و"رنتيه " و"الطيرة".

لذا، أصبح واضحاً لقيادة الفيلق خلال ليلة 9/10 يوليه أن القوات الإسرائيلية تشن هجوماً كبيراً يستهدف "اللد" و"الرملة"، فبدأت تشكيل احتياطيات جديدة لدعم الدفاع عن البلدتين ـ إذا أمكن ذلك ـ أو لسد الثغرة بين "اللطرون" والقوات العراقية في "مجدل يابة". فتم على عجل إحلال الفوج الخامس (الذي شُكل خلال الهدنة من سرايا الحامية الثلاث المستقلة) محل الفوج الأول الذي كان يتمركز في "النبي صمويل" و"تبة الرادار"، ودفع الأخير إلى "بيت نيبالا".

وعندما هاجمت الوحدات الإسرائيلية المخصصة بعد ظهر 10 يوليه كلاَّ من "قولة" و"دير طريف" جوبهت بمقاومة عنيفة من القوات الأردنية المدافعة ودارت معركة شرسة قبل أن تنجح القوات الإسرائيلية في احتلال البلدة الأولى، كما شنت عليها قوات الفوج الأول هجوماً مضاداً ناجحاً أجبرها على الانسحاب من "دير طريف" بعد أن احتلت جزءاً منها. وقد أدت المقاومة العربية العنيفة في "قولة" وتعثر القوات الإسرائيلية في "دير طريف" إلى تأخر وصول قوات اللواء الثامن المدرع إلى "بن شيمين" مساء يوم 10 يوليه طبقاً للخطة، ولم يصل إليها حتى الساعة 1600 في اليوم التالي سوى كتيبة الكوماندوز التاسعة المحمولة على مجنزرات اللواء الثامن بعد أن نجحت في تخطي قوات الفوج الأول في "دير طريف".

وخلال نفس اليوم (11 يوليه) حاولت إحدى كتائب اللواء "يفتاح" اقتحام "اللد" بعد تمهيد جوي، إلا أن الكتيبة التي دُعمت بالرشاشات المتوسطة والهاون 81 مم تعثرت أمام دفاعات "اللد" وبدأت تتزايد خسائرها، فكلفت قيادة العملية كتيبة الدبابات الثانية من اللواء الثامن المدرع بنجدتها، إلا أن تعثر الأخيرة أمام "دير الطريف" لم يسمح لها بتقديم الدعم المطلوب وحل محلها كتيبة الكوماندوز الميكانيكية التاسعة، التي اخترقت نطاق الدفاع الخارجي للمدينة من ناحية "بيت شيمين"، وأخذت تطلق النار في جميع الاتجاهات خلال اختراقها للبلدة مما أحدث حالة من الاضطراب بين المدافعين، الأمر الذي سمح لقوات كتيبة "يفتاح" التي كانت تهاجم "اللد" من الشرق باحتلال الجانب الشرقي من المدينة، وحل الليل قبل أن تتمكن القوات الإسرائيلية من السيطرة على البلدة. (اُنظر ملحق برقية الوزير المفوض المصري في عمان إلى وزير الدفاع المصري (12 يوليه 1948))

وفي صباح اليوم التالي دفعت قيادة الفوج الأردني الأول فصيلة عربات مدرعة لاستطلاع الموقف في "اللد"، فشجع ظهورها المجاهدين والمتطوعين الذين تدفقوا من المنازل يطلقون النار على القوات الإسرائيلية، وبعد قتال مستميت من بيت لبيت بين العرب وقوات اللواء "يفتاح" ـ التي تم تدعيمها خلال الليل ـ نجحت الأخيرة في السيطرة على المدينة بعد استسلامها.

وعلى الفور جرت في البلدة عملية تمشيط شاملة بحثاً على الرجال القادرين على القتال وإرسالهم إلى معسكرات اعتقال، ومرت العربات الإسرائيلية في الشوارع بمكبرات الصوت تأمر باقي السكان بمغادرة البلدة خلال نصف ساعة، واقتحمت القوات الإسرائيلية المنازل وأجبرت ـ بالقوة ـ النساء والشيوخ والأطفال، الذين لم يُسعفهم الوقت، على مغادرة البلدة قسراً. وخلال هذه العملية أُجبر أكثر من ثلاثين ألفاً من الفلسطينيين ـ كان معظمهم من النساء والأطفال ـ على هجر بلدتهم والسير على الأقٌدام هائمين على وجوههم إلى أقرب بلدة خارج السيطرة الإسرائيلية بعد أن استولت القوات الإسرائيلية على كافة وسائل نقلهم.

وعندما رأى سكان "الرملة" ما جرى للد، وأن مدينتهم قد أصبحت معزولة فإنهم استسلموا دون قتال. أما السرية الخامسة من الفيلق الأردني التي كانت تحتل مركز الشرطة الواقع بين "اللد" و"الرملة" فقد استمرت في المقاومة حتى تلقت الأمر بالانسحاب من قيادة الفيلق ليلة 11/12 يوليه وعندما دخل الإسرائيليون المركز يوم 13 يوليه كان المكان خالياً[2].

وفي نفس اليوم الذي استسلمت فيها "اللد" و"الرملة" قامت الكتيبة الثانية من لواء "اسكندروني" بالاستيلاء على بلدتي "رأس العين" و"مجدل يابه" شمال المنطقة التي تجري فيها العملية "داني" بهدف تأمين الجناح الشمالي للعملية، وحاولت القوات العراقية التي كانت البلدتان في منطقة مسؤوليتها ـ استردادهما بهجوم مضاد، غير أن الهجوم انتهى بالفشل.

وفي غرب القدس شنت قوات اللواء "هارئيل" هجومين ناجحين ليلة 9/10 يوليه لتوسيع وتأمين ممر القدس من ناحية الجنوب، فاستولت الكتيبة السادسة على بلدة "تسوما" على مسافة 9 كم غرب القدس، كما استولت الكتيبة الرابعة على "صرعة" تمهيداً للسيطرة على المناطق الواقعة في ضواحي "عرطوف" التي تسيطر عليها القوة المصرية الخفيفة.

وبانتهاء المرحلة الأولى للعملية "داني" بسقوط "اللد" و"الرملة"، بدأت المرحلة الثانية للعملية طبقاً للخطة يوم 15 يوليه بمحاولة عزل القوات الأردنية في "اللطرون" بتطويقها من ناحية الشمال والشرق لقطع طريق إمدادها من "رام الله" ثم الهجوم عليها بعد ذلك، حيث قام اللواء يفتاح تدعمه الكتيبة الثانية من اللواء الثامن المدرع والكتيبة الثانية من اللواء "كرياني" بالاستيلاء على قرى "برفيليا" و"سلبيت" في نفس اليوم، وفي صباح يوم 16 يوليه احتلت القوات الإسرائيلية قريتي "البرج" و"بير معين".

ولمواجهة هذا التقدم دفع الكولونيل "أشتون" قائد اللواء الأردني الثالث قوة مشكلة من ثلاث سرايا (السرية الخامسة التي تم سحبها من اللد وسريتين تم سحبهما من الكتيبة الثانية في اللطرون) إلى "بيت سيراً" لتأمين مفترق طريق "اللطرون/ رام الله" في الوقت الذي شن فيه الفوج الثاني هجوماً مضاداً ناجحاً استعاد به قرية "البرج" عصر يوم 16 يوليه، إلا أن الكولونيل "أشتون" أصدر أوامره إلى قوات الفوج الثاني بالتخلي عن "البرج" والعودة إلى "بيت سيرا" ـ بحجة أنه ليس هناك قوات كافية للاحتفاظ بها ـ بعد أن فقد ذلك الفوج ثلاثين شهيداً وأربعين جريحاً من أجل هذه القرية، ومن ثم عادت القوات الإسرائيلية إلى احتلال "البرج".

وفي الوقت الذي لم يكن فيه سوى ثلاث سرايا تسد طريق القوات الإسرائيلية عنـد "بيت سيرا" وتمنعها من تطويق القوات الأردنية في "اللطرون"، كان الفوج الأردني الأول ـ الذي دُفع إلى "بيت نيبالا" صباح 10 يوليه ـ يشن هجوم مضاد ضار يوم 16 يوليه على الكتيبة الثانية من لواء "اسكندروني" التي تحتل "قولة"، انتهى باسترداد البلدة، غير أنه في عصر نفس اليوم شنت القوات الإسرائيلية هجوماً مضاداً استعادت به "قولة" وفي صباح اليوم التالي عاود الفوج الأردني الأول الهجوم على المنطقة واسترد "قولة" للمرة الثانية، واستمر انتقال البلدة بين القوات الأردنية والإسرائيلية ثلاث مرات حتى استقرت في النهاية في أيدي الأخيرة الإسرائيلية.

وفي جنوب "قولة" أجبرت قوات الفوج الأول الكتيبة الثانية من اللواء الإسرائيلي المدرع، التي هاجمت "بدرس"، على الانسحاب تحت ضغط هجومها المضاد العنيف.

وفي شرق "اللطرون" لم يكن حظ قوات اللواء "هارئيل" بأفضل من سابقتها، ففي ليلة 15/16 يوليه حاولت تلك القوات الاستيلاء على السلسلة الجبلية شمال شرق "اللطرون" بعد تمهيد مدفعي قوي، إلا أنها فشلت في إحراز أي تقدم، وتعرضت لهجوم مضاد قوي شنته عليها قوات الفوج الثاني التي أجبرتها على التخلي عن الهجوم والانسحاب من السلسلة الجبلية مخلِّفة وراءها عدداً كبيراً من القتلى والجرحى.

وكعادتها حاولت القيادة الإسرائيلية استغلال الساعات الأخيرة قبل سَريان الهدنة الثانية، فقرر "إيجال آلون" القيام بمحاولة أخيرة للاستيلاء على منطقة "اللطرون" قبل أن يسري وقف إطلاق النار في الساعة 1700 يوم 18 يوليه، وتمهيداً لهذه المحاولة احتلت قوة من اللواء "هارئيل" المرتفعات المشرفة على "بيت نوبا"، كما احتلت قوة من اللواء "يفتاح" بلدة "شلتا" شمال البرج، ليلة 17/18 يوليه في الوقت الذي كانت تستعد فيه القوة الأساسية (المشكلة من الكتيبة الأولى من اللواء "يفتاح" ودعمها من الدبابات والمجنزرات) للهجوم على "اللطرون" من الأمام، وكان ظن القيادة الإسرائيلية أنه عندما يتم الإحاطة بالفوج الأردني الثاني في "اللطرون" من الأمام والخلف معاً، فإنه لن يقاوم بعناد، إلا أن القوات الأردنية خيبت ظن القيادة الإسرائيلية، فقد أجبرت تلك القوات الإسرائيليين في "شلتا" على الانسحاب من البلدة وأوقعت بهم خسائر فادحة بلغت أربعة وأربعين قتيلاً بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الجرحى.

ولم يكن حظ الكتيبة الأولى من اللواء "يفتاح" بأفضل حالٍ، فعندما تقدمت تلك الكتيبة ودعمها من ناحية الغرب، نجحت المدفعية الأردنية على سطح قلعة الشرطة في "اللطرون" في إيقاف الدبابات الإسرائيلية التي كانت تتقدم كتيبة "يفتاح" الأولى وأجبرتها على الانسحاب بعد إصابة بعضها، ولما كان قائد العملية لا يريد المخاطرة بالمشاة دون مساندة المدرعات فإنه قرر التخلي عن ذلك الهجوم وأمر قواته بالانسحاب الكامل من منطقة "اللطرون" التي ظلت في أيدي القوات الأردنية حتى يونيه 1967.

أما في ممر القدس، فقد نجحت الكتيبة الرابعة من اللواء "هارئيل" في توسيعه من ناحية الجنوب و الاستيلاء على قرى "دير رافات" و"عرطوف" ليلة 17/18 يوليه.

وفي الوقت الذي كانت تُجري فيه المحاولات السابقة لتصفية وجود الفيلق الأردني في "اللطرون"، شن الفوج الثالث من ذلك الفيلق هجوماً جديداً على حي "مياشريم" اليهودي في القدس الجديدة اعتباراً من الساعة الثامنة صباح يوم 16يوليه، وقبل أن يتوقف ذلك القتال في القدس ظهر نفس اليوم، كانت قوات الفوج الثالث قد تمكنت من احتلال بعض القطاعات في ذلك الحي وتحصنت فيها، إلا أن ذلك القتال لم يكن له أي تأثير يُذكر على تطورات الموقف في منطقة "اللطرون".

وهكذا انتهت العملية "داني" بفشل القوات الإسرائيلية في تحقيق هدفها الأساسي من العملية وهو تصفية وجود القوات الأردنية في "اللطرون"، إلا أنها نجحت في دفع خط الجبهة الأردنية إلى الشرق ما بين عشرة وخمسة عشرة كيلومتراً واستولت على العديد من القرى العربية شمال "اللطرون"، كما كفل نجاحها في احتلال منطقة "اللد" و"الرملة" السيطرة شبه الكاملة على السهل الساحلي شرق "تل أبيب".

**************************
[1] يشير الجنرال "جلوب" إلى أنه كان واعياً لضعف الدفاعات عن "اللد" و"الرملة"، إلا أنه لم يكن لديه أية احتياطيات باقية من قوات الفيلق لدفعها إلى البلدتين لتقوية الدفاع عنهما، وأن أي دعم من قوات الفيلق كان سيكون على حساب الدفاع عن الأحياء العربية في القدس والسيطرة على منطقة اللطرون التي تمثل حجر الزاوية في تأمين الضفة الغربية كلها، حيث كان سقوط اللطرون سيؤدي، ليس فقط إلى إنهاء الحصار العربي للأحياء اليهودية في القدس الجديدة، وإنما إلى انهيار الجبهة الأردنية كلها وتطويق القوات العراقية في منطقة المثلث (جنين/ نابلس/ طولكرم)، وأنه أوضح موقف الفيلق مبكراً إلى رئيس الوزراء الأردني الذي رفض تشكيل وحدات جديدة على أساس أنه تم تجاوز الميزانية المخصصة للفيلق وأن الحكومة ستقبل مد الهدنة وأن القتال لن يتجدد، وعلى ذلك فإن كل ما كان يستطيعه لدعم الدفاع عن البلدتين هو تزويد سكانهما بالأسلحة القديمة التي استغنى عنها الفيلق، مع إرسال بعض المتطوعين غير النظاميين إليهما.
[2] أدى سقوط "اللد" و"الرملة" إلى تعرض الحكومة والفيلق الأردني إلى حملة كبيرة من النقد والاتهام بالتفريط والتواطؤ من جانب الشعوب العربية، ونال الجنرال "جلوب" النصيب الأوفى من الاتهام، نتيجة لعدم وجود قوات كافية في الوقت المناسب للدفاع عن المدينتين، ولم يأت اتهام "جلوب" من جانب الشعوب العربية وحدها، فقد تعرض لنقد شديد من جانب الملك عبدالله وبعض الوزراء الأردنيين الذين تشككوا في ولائه.