بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآله
ذكر الأمثال في منتهى التشبيه وغايته
قال أبو عبيد: من أمثالهم في أقاصي التشبيه قولهم: أنّه لأحذر من غراب.
قال الفراء: ويقال: إنه لأزهى من غراب.
وقال أبو زيد: ويقال: إنه لأبصر من غراب.
وقال الفراء: يقال: اسمع من قرادٍ، واسمع من فرسٍ.
قال أبو زيد: يقال: أنوم من فهدٍ.
قال: وإذا أرادوا خفة النوم قالوا: أخف رأسا من الذئب.
ومثله " أخف رأساً من الطائر " أبو زيد: يقال: أظلم من الحية.
قال الأصمعي: يقال: امسخ من لحم الحوار.
أي ليس له طعم، الفراء.
إنه لأعز من الأبلق العقوق.
في الشيء الذي لا يوجد، لأن العقوق إنّما هو في الإناث دون الذكور، وكان المفضل يخبر أنَّ المثل لخالد بن مالك النشهلي، قاله للنعمان بن المنذر، وكان أسر ناسا من بني مازن بن تميم فقال: من يكفل هؤلاء؟ فقال خالد: أنا، فقال النعمان: وبما أحدثوا؟ فقال خالد: نعم وإنَّ كان الأبلق العقوق، فذهبت مثلاً، قال الأصمعي: فإن أرادوا العز والمنعة قالوا: إنه لأمنع من أم قرفة.
وهي امرأة مالك بن حذيفة بن بدر، وكان يعلق في بيتها خمسون سيفا كلها محرم لها، وقال غير الأصمعي: هي بنت ربيعة بن بدر الفزارية، وقال هشام بن الكلبي في مثله: أعز من كليب وائل.
وهو كليب بن ربيعة التغلبي، وكان أعز العرب في دهره، فقتله جساس بن مرة الشيباني، ففيه كانت حرب بكر وتغلب أبني وائل، قال: يقال: أنّه لأنفذ من خازقٍ.
وهو السنان النافذ.
أنّه لأمضى من النصل.
قال الفراء: إنه لأصدق من قطاة.
قال: وذلك أنها تقول: قطا قطا، قال النابغة الذبياني:
تدعوا القطا وبه تدعى إذا نسبت ..، يا صدقها حين تدعوها فتنسب
و قال أبو زيد: ومن أمثالهم في هذا: إنه لأصنع من تنوطٍ.
قال الأصمعي في التنوط مثله، قال: وهو طائر يبلغ من صنعته ورفقه أنّه يجعل عشه مدلى من الشجر، قال أبو زيد: يقال: إنه لأصنع من سرفةٍ.
قال: وهي دودة تكون في الحمض، فيبلغ من صنعتها أنها تعمل بيتاً مربعاً من قطع العيدان، وقال الأموي في السرفة مثله، وقال الأصمعي: يقال: إنه لأجود من لافظةٍ.
وقال أبو زيد: أسمح من لافظةٍ، فيقال: إنها الرحى، سميت بذلك لأنها تلفظ ما تطحنه، ويقال: أنها العنز، وجدها أنها تدعى للحلب وهي تعتلف، فتلقى ما فيها، وتقبل للحلب، وهذا التفسير ليس عن الأصمعي ولا عن أبي زيد، ولكن غيرهما: وقال أبو زيد: ويقال: إنه لأخدع من ضب حرشته.
وذلك أنّه ربما أروح الإنسان فخدع في حجره مسرعا، أي يذهب فيه، الفراء: يقال: إنه لأكذب من الشيخ الغريب وإنه لأكذب من أخيذ الجيش.
قال: وهو الذي يأخذه أعداؤه فيستدلونه على قومه فيكذبهم بجهده، قال أبو زيد: يقال: إنه لكذب من الأخيذ الصبحان.
قال: وهو الفصيل الذي قد اتحم من اللبن، يقال منه، قد أخذ أخذاً، قال أبو عبيد: والأول أصح معنى، وقال أبو زيد: من أمثالهم في هذا: إنه لأحمق من ترب العقد.
يعني عقد الرمل، قال: وحمقه أنّه لا يثبت فيه التراب، إنّما هو ينهال، وقال الفراء: إنه لأحمق من راعي ضأنٍ ثمانين.
قال: وذلك أنَّ إعرابيا يشر كسرى ببشرى سر بها فقال: سلني ما شئت، فقال: أسألك ضأناً ثمانين، قال: ومثله: أحمق من العقعق.
قال: وحمقه أنَّ ولده أبداً ضائع، قال: وكذلك.
أحمق من الممهورة إحدى خمدتيها.
قال: وذلك أنَّ زوجها قضى حاجته منها ثم فقالت: أعطني مهري، فأخذ أحد خلخاليها من رجلها فأعطاها إياه فرضيت وسكتت.
وقال أبن الكلبي: ومثله: أنّه لأحمق من دغة.
قال: وهي امرأة عمرو بن جندب بن العنبر، قال أبو عبيد: وذكر أبن الكلبي من حمقهما شيئاً يسمج ذكره، قال أبو عبيد: ومثل العامة في هذا: أحمق من رجلةٍ.
وقال بعضهم: يعني بالرجلة البقلة الحمقاء، قال أبو زيد: ومن أمثالهم: إنه لأخرق من حمامةٍ.
وذلك أنها تبيض على الأعواد فربما وقع بيضها فتكسر، قال أبو زيد: إنه لألص من شظاظٍ.
قال: وهو رجل من بني ضبة، كان لصا مغيراً، فصار مثلاً، الفراء: إنه لأسرق من الزبابة.
وهي الفأرة البرية، الأصمعي: إنه لأذل من فقع القرقر وأنّه لأذل من وتد.
وذلك لأنه يدق قال الفراء: إنه لأجبن من المنزوف ضرطاً الأصمعي:إنه لأصرد من عنزٍ جرباء.
يصرب للذي يشتد عليه البرد، الأصمعي: إنه لأجوع من كلبة حوملٍ.
قال: وهي كلبة كانت في الأمم، الأموي: ومن أمثالهم في هذا: إنه لأعيا من باقلٍ.
قال: وهو رجل من ربيعة، وكان غبياً فدماً، وإياه عنى الأريقط في وصف رجل أكثر من الطعام حتى منه ذلك من الكلام فقال:
اتانا وما داناه سبحان وائل ..، بياناً وعلما بالذي هو قائل
فلما زال عنه اللقم حتى كأنه ..، من العي لمّا أنَّ تكلم بأقل
قال: وسبحان هو من ربيعة أيضاً من بني بكر، وكان لسناً بليغاً، أبو زيد: قال: يقال: إنه لأفحش من فاسيةٍ.
يعني الخنفساء، وذلك أنها تحركت نتنت، قال أبو عمرو: ويقال: إنه لأخيل من مذالةٍ يضرب للمتكبر في نفسه، وهو عند الناس مهين، قال: والمذلة هي الأمة والمهانة، وهي في ذلك تتبختر، الأصمعي: يقال: هو أحلم من فرخ الطائر الفراء: هو أرمى من أبن تقن.
وكان أبن تقن رجلاً رامياً، وأنشدنا: رمى بها أرمى من أبن تقن قال أبو عبيد: ويحكى عن المفضل أنّه قال: عمرو بن تقن، وكان في زمان لقمان بن عاد وكان يناوئ لقمان حتى هم بقتله، وهذا الذي يقال فيه: لا فتى إلاّ عمرو، وقال الفراء: يقال: إنه لأبر من العملس.
وكان رجلاً براً بأمه، حتى كان يحملها على عاتقه.
قال: ويقال: إنه لأعق من ضب.
وذلك لطول عمره، الفراء: إنه لأصبر ذي الضاغط.
وهو البعير الذي قد حز مرفقه جنبه، قال: ويقال أيضاً.
أصبر من عودٍ بدفيه الحلب قد أثر البطان فيه والحقب
والدفان: الجنبان، والحلب: آثار الدبر، العدو والعود: المسن من الإبل، الفراء: إنه لأدم من بعرةٍ.
يعني دمامة خلقة، قال: ويقال: إنه لأعرى من المغزل قال ويقال: أنّه لأكسى من البصل.
وذلك أنَّ قشوره بعضها فوق بعض، الفراء: ويقال: إنه لأكيس من قشةٍ.
وهي القردة، يضرب هذا للصغار خاصة، الأصمعي: أنه لأجبن من صافر.
وهو ما صفر من الطير، ولا يكون صفير في سباع الطير، إنّما يكون في خشاشها، وما يصطاد منها، الفراء: أنه لأنم من صبحٍ.
إذا كان لا يكتم شيئاً، ويقال: أنه لأبعد من بيض الأنوق ويقال: إنَّه لأسأل من فلحس.
وهو الذي يتحين طعام الناس، يقال: أتانا فلان يتفحلس، وهو الذي تسميه العامة الطفيلي، وقال الأصمعي: يقال: إنَّه لأذل من يدٍ في رحم.
ومعناه أنَّ صاحبها يتوقى أنَّ يصيب بيده شيئاً، وقال الأصمعي: وأبو عمرو، يقال: إنَّه لأشجع من ليث عفرين.
هكذا قالا في حكاية المثل، واختلفا في التفسير، فقال أبو عمرو: هو الأسد، وقال الأصمعي: هو دابة مثل الحرباء، تتعرض للمراكب، قال: وهو منسوب إلى " عفرين " اسم بلد، قال الأصمعي: إنَّه لأشهر من فارس الأبلق.
قال أبو عبيد: وهذا مثل مبتذل في العامة والعامة تقول " من فرسٍ أبلق"، قال الأصمعي: إنَّه لأروى من النقاقة.
وهي الضفدع، وذلك أنَّ مسكنها الماء، قال أبن الكلبي: يقال: أسرع من نكاح أم خارجة.
قال: وهي بنت سعد بن قداد من بجيلة، تزوجها عدة من العرب قد سماهم لي أبن الكلبي، ويقال: إنَّ الخاطب كان يأتيها فيقول: خطب فتقول نكح، فذهبت مثلاً، قال أبو عبيد: وهذا مثل قد ابتذلته العوام، وقال أبن الكلبي: ومن أمثالهم: أشأم من خوتعة.
قال: وهو الرجل من بني غفيلة أبن قاسط أخي النمر بن قاسط، كان مشئوماً، الأصمعي قال: هو أصح من عير أبي سيارة.
قال: وهو أبو سيارة العدواني، قال الأصمعي: دفع بالناس من جمع أربعين سنة على حماره، قال أبو عبيدة: من أمثالهم: إنَّه لأخيب صفقة من شيخ مهوٍ.
قال أبو عبيد: وهم حي من عبد القيس، كانت لهم في هذا المثل قصة يسمج ذكرها، وقال أبو عبيدة أيضاً: إنَّه لأحن من شارفٍ.
وهي الناقة المسنة، تكون أشد حنينا على ولدها من غيرها، ويقال: إنَّه لأطيش من فراشة وإنَّه لألج من خنفساء، وإنَّه لأسرع من عدوى الثوباء.
وذلك أنَّ الإنسان إذا تثاءب أعدى غيره، وقال الهيثم بن عدي: يقال: إنَّه لأزنى من قرد.
وهو رجل من هذيل، يقال له قرد بن معاوية، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا: إنَّه لأشغل من ذات النحيين.
ولها حديث يسمج ذكره، الأصمعي: يقال: هو ألزم لك من شعرات قصك.
وذلك أنها كلما حلقت نبتت، فهي لا تفارقه، ويقال.
أشأم من البسوس
وأجرأ من خاصي الأسد.
وله حديث طويل.
و أنّه لأشأم من زرقاء.
يعني الناقة، وهي مشئومة، ربما نفرت فذهبت في الأرض.

باب الأمثال في اللقاء وأوقاته وأزمته:
قال الكسائي: من أمثالهم في اللقاء قولهم: لقيت فلانا أوّل عين.
يعني أوّل شيء، وقال أبو زيد في مثل ذلك: "لقيته أوّل عائنةٍ " قال الأصمعي: وكذلك أيضاً: لقيته أوّل وهلةٍ.
قال أبو زيد: ومثله: لقيته أوّل ذات يدين.
الأصمعي وأبو زيد جميعاً.
لقيته أوّل صوكٍ وبوكٍ.
وهو نحو ذلك المعنى، والأموي وأبو زيد: لقيته أدنى ظلم.
ومعناه القرب، أبو زيد قال: فإنَّ لقيته فجأةً من غير إنَّ تريده قيل: لقيته نقاباً.
فإنَّ هجمت عليه هجوما قيل: لقيته التقاطاً.
قال: ومنه قولهم في الماء: ومنهل وردته التقاطا.
أي من غير طلب، فإنَّ لقيته مواجهة قلت: لقيته صراحاً.
الكسائي قال: ويقال: لقيته كفاحاً، وصقباً.
مثل الصراح، قال الأحمر، ومثله قولهم: أشب لي إشباباً وقال غيره في ذلك: "رفع لي رفعاً " قال أبو زيد: فإنَّ لقيته وليس بينك وبينه أحد قيل: لقيته صحرة بحرة.
وهي غير مجراة، فإنَّ لقيته بمكان قفر لا أنيس به قلت: لقيته بوحش إصمت.
غير مجرى أيضاً وبقيته صراحا ما دونه وجاح والوجاح: الستر قال أبو زيد: فإنَّ لقيته قبل طلوع الفجر قيل: لقيته قبل كل صيحٍ ونفرٍ.
قال: والصيح: والنفر: التفرق، قال: فإنَّ لقيته بالهجرة قلت: لقيته صكة عمى.
قال أبو عبيد: ويقال: لقيته بين سمع الأرض وبصرها.
وذلك إذا لم يكن معه أحد، فكأنه ليس يسمعه ولا يبصره إلاّ الأرض القفر، ولا سمع ولا بصر لها، ولكنه مثل.
قال الأصمعي: فإنَّ لقيته بين الأعوام قلت: لقيته ذات العويم.
وإنَّ بقيته في الزمان قلت: لقيته ذات الزمين.
أو في الزمان.
وقال الأحمر: فإنَّ كنت تلقاه في اليومين والثلاثة فصاعداً قلت: لقيته في الفرط.
وقال: ولا يكون الفرط في أكثر من خمس عشرة ليلة، قال أبو زيد: فإنَّ لقيته بعد شهر أو نحوه قلت: لقيته عن عفرٍ.
قال: فإنَّ لقيته بعد الحول أو نحوه قلت: لقيته عن هجرٍ.
قال: وإذا كان الرجل يمسك عن إتيان صاحبه الزمان، ثم يأتيه ثم يمسك عنه نحو ذلك أيضاً، ثم يأتيه، ثم يمسك عنه نحو ذلك أيضاً، ثم يأتيه قال: لقيته بعيدات بينٍ.
قال أبو عبيد: فأما الغب في الزيارة فمعناه الإبطاء والتقليل على غير وقت معلوم، وأحسب الأصل فيها كان من غب الورد، وهو أنَّ ترد الإبل الماء يوماً وتدع يوماً، ومثله غب الحمى، ثم انتقل المعنى من هذا في الزيارة خاصة إلى ما فوق وقت الورد ووقت الحمى، ومن هذا المعنى قوله في الحديث: زرغبا تزدد حباً.
فقد علم في هذا أنّه إنما أراد الإبطاء في الزيارة، ولم يرد يوماً ويوماً لا، وكذلك الإلمام هو نحو الغب، وإنّما معناه الأحيان على غير مواظبة ولا وقت محدود، وأما الأعمار فهو اسم الزيارة متى كانت، قال ذلك الأصمعي، ومنه قول أعشى باهلة: وراكب جاء من تثليث معتمراً إنّما هو الزائر، وقال أبو عبيدة في هذا البيت: هو المعتم بالعمامة، وقال: الاسم منه العمارة، وقال: وكل شيء جعلته على رأسك من عمامة أو قلنسوة أو تاج أو إكليل أو غير ذلك فهو عمار، ومنه قول الأعشى:
فلما أتانا بعيد الكرى ..، سجدا له ورفعنا عماراً
قال أبو عبيد: أما هذا البيت فانه عندي كما قال أبو عبيدة، وأما بيت الباهلي فقول الأصمعي فيه أحب إلي، أنَّ يكون المعتمر هو الزائر لمكان العمرة التي يعتمرها الناس إلى بيت الحرام هي الزيارة.

باب الأمثال في ترك اللقاء ودهوره وأزمنته:
قال الأصمعي: يقال في الاعتزام على ترك اللقاء: لا آتيك ما حنت النيب قال: ومثله " لا آتيك ما أطلت الإبل قال أبو زيد والأصمعي: لا آتيك ما اختلفت الجرة والدرة.
قال: واختلافهما إنَّ الدرة تسفل إلى الضرع، والجرة تعلو إلى الرأس، قال أبو زيد: ويقال: لا أفعل ذلك ما أختلف الملوان.
وهما الليل والنهار، والواحد منهما ملاً مقصور، قال: ومثله: ما اختلف الأجدان.
قال أبو عبيد: وكذلك: ما أتلف الفتيان.
ومنه قول الشاعر:
ما لبث الفتيان أنَّ عصفا بهم ..، ولكل قفل يسرا مفتاحا
وكذلك قولهم: لا أفعله ما سمر ابنا سميرٍ الأموي: ومن هذا قولهم: لا آتيك السمر والقمر.
يريد: ما كان السمر، وما طلع القمر، قال الكسائي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: لا آتيك سن الحسل.
قال: والحسل هو ولد الضب، يقول: حتى تسقط أسنانه، ويقال: إنها لا تسقط أبداً حتى يموت، قال: ومن هذا قولهم:
لا أفعله ما أبس عبد بناقةٍ.
وكذلك.
لا أفعله ما غرد راكب.
وقال أبو زيد: ومن هذا قولهم: لا آتيك ما غبا غبيس، قال الشاعر:
وفي بني أم زبير كيس ..، على المتاع ما غبا غبيس
قال الأموي: ومعناه الدهر، وقال الأحمر في مثل هذا: لا آتيك سجيس والأوجس.
قال: وكذلك سجيس عجيسٍ.
قال: ومعناهما الدهر أيضاً، ومنه قول الشاعر:
فأقسمت لا آتي أبن ضمرة طائعا ..، سجيس ما أبان لساني
ومن أمثالهم في هذا قولهم: لا آتيك الأزلم الجذع.
وهو الدهر، قال أبو عبيد: قال أبن الكلبي: ومن هذا قولهم: لا أفعل ذلك ما حي حي، وما مات ميت.
ويروى عن المفضل أنّه قال: هذا المثل للقمان بن عاد، قال الأصمعي: ومثله قولهم: لا أفعله دهر الداهرين وعوض العائضين، قال الأصمعي: ومن هذا قولهم: حتى يرجع السهم على فوقه.
ومعناه أنّه لا يرجع على فوقه أبداً، إنما مضاؤه قدماً أبداً، قال أبو عبيد: وهذا المثل قد سمعناه في حديث.
وقال أبن الكلبي ومن هذا قولهم: لا أفعل ذلك معزى الفزر.
قال: والفزر هو سعد بن زيد مناة بن تميم، قال: وكان وافى الموسم بمعزى، فأنهبها هناك فتفرقت في البلاد، فمعناهم في معزى الفزر أن يقولوا: حتى تجمع تلك، وهي لا تجتمع الدهر كله، قال أبن الكعبي: وإنّما سمى الفزر لأنّه قال: من أخذ منها واحدة فهي له، ولا يؤخذ منها فزر، قال: وهو الاثنان، قال أبو عبيدة نحو هذا الحديث إلاّ أنّه قال: الفزر هو الجدي نفسه، ويقال: لا آتيك هبيرة بن سعد.
وله حديث، قال الأصمعي: ويقال: لا أفعل ذلك أبد الأبيد.
قال أبو عبيد: لا آتيك ما حملت عيني الماء.

باب الأمثال فيما يتكلم فيه بالنفي من الناس خاصة:
قال الكسائي: يقال: ما بالدار شفرٌ.
يقول: ليس بها أحد قال: وكذلك يقال: ما بها دعو و " ما بها دبى " قال: ومعناه ما بها من يدعو ولا من يدب، قال الأصمعي: ويقال: ما بها عريب و " ما بها دبيج " و " ما بها دوري وطوري " و " ما بها وابر " و " ما بها ديار " و " ما بها نافخ ضرمة " و " ما بها أرم " قال أبو زَيد: في " أرم " مثله.الفراء: ما بها عائن و " ما بها عين " قال أبو زَيد: ما بها تامور.
قال أبو عبيد: كل هذا معناه ما بها أحد، ويقال أيضاً: ما الركية تامور.
يقول: ليس بها من الماء شيء، وكل هذا لا يتكلم به على إثبات الشيء وأيجابه، لا يقولون: بها شفر، وبها دعوى، وكذلك هذه الحروف كلها إنّما هي في الجحد والنفي خاصة.

باب الأمثال في النفي لمعرفة الرجل:
قال أبو زَيد: من أمثالهم في نفي معرفة الإنسان قولهم: ما أدري أي الطمش هو وكذلك قولهم: ما أرى أي الدهدى هو و " أي ترخم هو".
وترخم غير مجرى، قال: وكذلك قولهم: أي البرنساء هو.
وقال الكسائي مثل ذلك كله، وزاد فيه الكسائي: أي الطبن هو و " أي الأورم هو"، وقال الفراء: ما أدري أي النحط هو وقال غير هؤلاء: ما ادري أي الورى هو.
ومعنى هذا قولهم: كله: ما ادري أي الناس هو، وليس يتكلم بهذا أيضاً في الوجوب، إنّما هو في النفي، مثل الباب الذي قبله إلاّ " الورى " خاصة، فإني أحسب يتكلم به في الإثبات، ومنه قول ذي الرمة:
وكأن ذعرنا من مهاةٍ ورامح ..، بلاد الورى ليست له ببلادِ.

باب الأمثال في نفي المال عن الرجل:
قال أبو زَيد: من أمثالهم في نفي المال قولهم: ما له هلع ولا هلعة.
قال: ومعناه: ماله شيء، قال: وكذلك قولهم: ما له قذعملة ولا قرطعبة.
قال الأصمعي: وكذلك قولهم: ما له سعنة ولا معنة.
وكذلك قولهم: ما له هارب ولا قارب.
وكذلك قولهم: "ما له عافطة ولا نافطة " قال الفراء: وكذلك قولهم: ما له سُم ولا حُم و " ما له سَم ولا حَم " بالضم والفتح.
قال الأصمعي: وكذلك قولهم: ما له حبض ولا نبض.
وقال أبو زَيد: ومنه قولهم: ما له أقذ ولا مريش و " ما أصبت من فلان أقذ ولا مريشاً".
ومثل العامة المشهور في هذا قولهم: ما له سبد ولا لبد.
ومعنى هذه كلها أنه لا شيء له، وبعضها يعرف أصله، فمما يعرف اصله الهلع والهلعة، قال أبو زَيد: هما الجدي والعناق، ومنه الهارب والقارب، قال الأصمعي: معناه: ليس أحد يهرب منه، ولا أحد يقرب اليه، أي فليس هو بشيء ومنه قولهم: العافطة والنافطة، فهما الضائنة والماعزة، ومنه النبض، فص هو التحرك، ولا أعرف الحبص، ومنه الحم والسم، قال الفراء: هما الرجاء، يقول: ليس أحد يرجوه، قال أبو عبيد: وقد سمعت من يفسر السبد واللبد قال: هما الشعر والصوف، ولا أدري ممن سمعته، وأحسب أصل هذه الأشياء كانت على ما ذكرناه أنّه لأشياء بأعيانها ثم صارت مثلاً لكل من لا شيء له، فاما القذعملة والقرطعبة والسعنة والمعنة فما وجدنا أحداً يدري ما أصولها، غير أنَّ الأصمعي قال: معناه أنّه لا شيء له، قال: ويرون المعن الشيء الهين، وأنشدنا للنمر أبن تولب:
فإنَّ هلاك مالك غير معنٍ "
أي ليس بهينٍ، ولم يعرف السعنة وأنشد الزبير في اللبد:
ألم تر أنَّ الكبش يعظم قرنه ..، ويسمن تحت المعبر المتلبد
يريد الصوف، واللبد: الشعر.

باب الأمثال في نفي الطعام:
قال الأصمعي: باب في النفي لذوق الطعام: ما ذقت عضاضاً ولا علوساً.
وقال الأحمر: ما ذقت علوساً ولا عذوفاً.
قال الفراء: يقال: ما ذقت عذوفاً ولا عذافاً.
كلتاهما بالدال والذال، قال الأصمعي: يقال: ما ذقت أكلا ولا لهاجاً ولا شماجاً ولا ذواقاً.
وقال أبو زَيد: ما ذقت عضاضاً ولا مضاغاً ولا قضاماً ولا لماظاً.
قال: يعني ما يغض أو يمضغ أو يقضم أو يتلمظ به، قال أبو عبيد: وكذلك تلك الحروف الأول كلها مشتقة من الأفعال، وهي ما يذاق أو يؤكل أو يلمج، ومعناها يرجع إلى ما ينال من المطعم.
وقال الأصمعي: فإن أرادوا نفي الشراب قالوا: ما ذقت لماقاً.
وأنشدني لنهشل بن حرى:
كبرقٍ بات يعجب من رآه ..، ولا يشفي الحوائم من لماقِ
قال: والحوائم: العطش.

باب الأمثال في نفي اللباس:
قال الكسائي: يقال في نفي اللباس: ما علية طحربة، بضم الطاء والراء.
وقال الأصمعي: "طرحبة " بكسرهما، وقال أبو الجراح العقلي: "ما عليه طرحبة " بفتح الطاء وكسر الراء، قال أبو عبيد: وسمعناه في الحديث " أنَّ الناس يحشرون يوم القيامة وليس على أحد منهم طحربة " على ما حكاه الكسائي، وهاتان الأخريان صحيحتان أيضاً، وقال الأموي: يقال: ما عليه فراض.
في نحو هذا، وقال أبو زَيد والأصمعي جميعاً في نفي الحلى.
ما عليه هلبسيسة
و " ما عليها خربصيصة " بالخاء: وقال محمد اليزيدي: هي بالحاء والخاء قال أبو عبيد: والذي سمعناه في الحديث " خربصيصة " بالخاء، على حكاية أبي زيد والأصمعي، وهي عندنا المحفوظ وقال الفراء: يقال: ما عليها خضاض، بمعنى الأول أيضاً وأنشدنا القناني:
ولو أشرفت من كفة الستر عاطلاً ..، لقلت غزال ما عليه خضاضُ.

باب الأمثال في نفي النوم والأوجاع:
قال أبو زَيد: من أمثالهم في نفي النوم: ما أكتحلت غماضاً ولا حثاثا.
وقال الأصمعي: "حثاثاً " بالكسر، قال أبو عبيد: والقول ما قال أبو زيد: وقال الأصمعي: في نفي الوجع والعلة: ما به وذية قال: وكان أصلها " حزة"، وقال أبو زيد: وأبو عمرو الشيباني: "ما به وذية " كذلك أيضاً، وزاد فيه: و ما له ظبظاب.
أي ليس به وجع ولا شيء منه، وقال روبة بن العجاج: كأنَّ بي سلا وما بي ظبظاب.

باب الأمثال في الاستجهال ونفي العلم:
قال الأصمعي: من أمثالهم في الإستجهال: ما يعرف فلان الحلو من اللو.
ويقال: "ما يعرف الحي من اللي " قال: وكذلك قولهم: ما يدري هراً من برًّ.
قال الأصمعي: ومثله
ما يدري ما أي من أي.
أي لا يعرف هذا من هذا، قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: لا يدري أي طرفيه أطول.
ومعناه في الناس، وقد سمعت غير هذا ولا أعلم فيه أحسن من مذهب الأصمعي، قال: ومن أمثالهم: لا يدري اسعد الله أكثر أم جذام.
قال أبو عبيد: وهذا المثل مبتذل أيضاً في العامة على غير هذا اللفظ، وهو عندي كقول الأصمعي، وقال: سعد الله وجذام حيان بينهما فضل بين لا يخفى على الجاهل الذي لا يعرف شيئاً، ويروى عن حارثة بن عبد العزى العامري، وكان من علماء العرب، أنَّ هذا المثل قائله حمزة بن الضليل البلوى لزنباع بن روح الجذامي:
لقد أفحمت حتى لست تدري ..، أسعد الله أكثر أم جذامُ
قال أبو عبيد: هذه الأبواب السبعة التي فيها النفي ليس يتكلم بشيء منها على وجوب أشياء وكينونتها، لا يقال: في الدر عريب، وكذلك جميع الباب الذي فيه، ومثله ما ذكرنا في اللباس والطعام والنوم والحلى، وكل ما اقتصصنا لا يقال منه شيء في الإثبات، إنما هو في النفي والجحد خاصة.

باب الأمثال في الطعام:
قال الأصمعي: من أمثالهم.
تَطَعَّم تَطعَم.
أي ذق الطعام فانه يدعوك إلى الشهية، وقال: منها أيضاً قولهم: اعلل تحظب.
أي كل مرة بعد مرة تسمن، يقال منه: حظب حظوباً، إذا امتلأ.
قال الأحمر: يقال: - العاشية تهيج الآلية.
يقول: إنَّ الإبل التي تتعشى إذا رأتها التي لا تشتهي العشاء اشتهت فأكلت معها، وكان المفضل يقول: هذا المثل ليزيد بن رويم الشيباني.
وقال الأموي: ومن أمثالهم قولهم: الماء ملك أمر.
أي إنَّ الماء ملاك الأشياء، يضرب للشيء الذي به يكون ملاك الأمر.

المصدر:
ISLAMICBOOK.WS :copyright: 2022
جميـع الحقـوق متـاحة لجميـع المسلمين