بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على محمد وآله
الأمثال في مكارم الأخلاق
باب المثل في الحلم والصبر على كظم الغيظ:
قال الأصمعي: من أمثالهم في الحلم وما يؤمر به منه قولهم: إذا نزا بك الشر فاقعد.
أي فاحلم ولا تسارع إليه قال: وقال الأحمر في مثل هذا: الحليم مطية الجهل.
يعني أنه يحتمل جهله، ولا يؤاخذه به، قال أبو عبيد: ومنه قولهم: لا ينتصف حليم من جاهل.
ويروى عن الحسن البصري أنّه قال: ما نعت الله أحداً من الأنبياء نعتاً أقل ممل نعتهم به من الحلم، فإنه قال: )إنَّ إبراهيم لأوَّاهٌ حليم( و)إنَّ إبراهيم لحليمٌ أوَّهٌ منيبٌ( قال أبو عبيد: يعني أنَّ الحلم في الناس عزيز، وقد روينا عن بعض العلماء أنه قال: ما أضيف شيء إلى شيء أحسن من حلم إلى علم، وقال معاوية بن أبي سفيان: إني لأرفع نفسي أن يكون لي ذنب أوزن من حلمي، وقال معاوية: ما غضبي على من أملك أم ما غضبي على من لا أملك.
قال أبو عبيد: يريد أنبي إذا كنت مالكا له فأنا قادر على الانتقام منه، فلم ألزم نفسي الغضب؟ وإن كنت لا أملكه ولا يضره غضبي فلم أدخل اغتمام الغضب على نفسي؟!، فمعناه أني ى أغضب أبدا، ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أتي برجل كان واجداً عليه فأمر بضربه، مثال قال: لو لا أني غضبان لضربتك، ثم خلى سبيله ولم يضربه، ويروى في حديث مرفوع عن النبي ) " أنَّ رجلاً قال له: أوصني، فقال: لا تغضب، فأعاد عليه، فقال: لا تغضب " وفي حديث آخر عن يحيى بن زكرياء " إنّه قال لعيسى بن يحيى: هذا عسى " قال الأصمعي: ومن أمثالهم في صفة الحليم: إنه لواقع الطائر.
ومثله إنه لساكن الريح ومنه ما يوصف به الحاماء: كأن الطير على رؤوسهم.
وإنّما يراد بذلك أنهم حلماء لا طيش لهم ولا خفة.

باب الإغضاء على المكروه واحتمال الأذى:
قال أبو زيد: من أمثالهم في هذا قولهم: طويت فلان على بلاله وطويته على بلوله وبللته، أي احتملت منه إساءته وأذاه على ما فيه، وقال الأصمعي: يقال في مثل هذا: لبست عليه أذني.
أي سكت كالغافل الذي لم يسمعه، قال أبو عبيد: ومنه قول الشاعر:
أعرض عن العوراء أن أسمعتها ..، وأقعد كأنك غافلٌ لم تسمعِ
يريد بالعوراء الكلمة القبيحة، وقال الآخر:
قل ما بدا لك من زورٍ ومن كذبٍ ..، حلمي أصم وأذني غير صماءِ
قال أبو عبيد: وقال أكثم بن صيفي في نحو هذا: اليسير يجني الكثير.
وقال أيضاً: "الشر يبدؤه صغاره"، وقال مسكين الدارمي في هذا المثل:
ولقد رأيت الشر بي ..، ن الحي يبدؤه صغاره
يقول: فاصفح عنه واحتمله لكيلا يخرجك إلى أكثر منه، وقال عدي بن زيد:
شط وصل الذي تريدين مني ..، وصغير الأمور يجني الكبيرا
و في حديث مرفوع، أو عن بعض الصحابة " مكارم أخلاق الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك " وفي حديث آخر " ما عفا رجل عن مظلمة إلاّ زاده الله بها عزا " وقال الشاعر:
فإنَّ النار بالعودين تذكى ..، وإنَّ الحرب يبدؤها الكلام

باب رتق الفتوق وإطفاء النائرة:
قال أبو زَيد: من أمثالهم في هذا: إنَّ دواء الشق أن تحوصه.
أي تلاميه وتصلحه، قال أبو عبيد: واصل الحوص الخياطة ومنه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين اشترى قميصاً فقطع ما فضل عن كفيه، ثم قال لرجل: "حصه " يعني خياطة كفافه، وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في الإصلاح.
ما كفى حرباً جانيها.
معناه أنه إنّما يصلح فساد السفهاء غيرهم من ذوي الأحلام والنهى، فأما جناة الحرب فلا يكون بهم إصلاحها، وقال الأصمعي: ومنه قولهم: صار الأمر إلى النزعة.
إذا قام بإصلاح الأمر أهل الأناة والحلم، وفي حديث مرفوع أنه قيل له ) أنا قوم نتساءل أموالنا، فقال: "يسأل الرجل في الجائحة والفتق ليصلح بين الناس، فإذا استغنى أو كرب استعف " فأرخص النبي ) في المسألة لإصلاح الفتق.

باب العفو عند المقدرة:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: ملكت فأسجح.
وهذا يروى عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالته لعلي أبن أبي طالب رضي الله عنه يوم الجمل حين ظهر على الناس، فدنا من هودجها، ثم كلمها بكلام، فأجابته: "ملكت فأسجح " أي ضفرت فأحسن، فجهزها عند ذلك بأحسن الجهاز، وبعث معها أربعين امرأة وقال بعضهم: سبعين، حتى قدمت المدينة، ومن أمثالهم في هذا قواهم: إنَّ المقدرة تذهب الحفيظة.
وقد بلغنا هذا المثل عن رجل عظيم من فريش في سالف الدهر، كان يطلب رجلاً بذحل، فلما ظفر به قال: لولا أنَّ المقدرة تذهب الحفيظة لانتقمت منك ثم تركه، ومن العفو قولهم: إذا ارججن شاصياً فارفع يداً.
يقول: إذا رأيته قد خضع واستكان فاكفف عنه، والشاصي هو الرافع رجله، ومن أمثال العامة في مثل هذا: أكرموا الصريع.

باب مياسرة الإخوان وترك الخلاف عليهم:
قال الأصمعي وعدة من علمائها: من أمثالهم السائرة في هذا قولهم: إذا عز أخوك فهن.
قال أبو عبيد: معناه أنَّ مياسرتك صديقك ليس لضيم ركبك به فتدخلك الحمية منه، إنّما هو حسن خلق وتفضل، فإذا عاسرك فياسره وكان المفضل مع هذا يخير بأصله، قال: المثل للهذيل بن هبيرة التغلبي، وكان سببه أنه أغار على بني ضبة فغنم وأقبل بالغنائم فقال له أصحابه أقسها بيننا، فقال: إني أخاف إن تشاغلتم بالاقتسام أن يدرككم الطلب فأبوا فعندها قال الهذيل: "إذا عز أخوك فهن " فذهبت مثلا ونزل فقسم بينهم الغنائم وقال أبو عبيدة: ومن أمثالهم في المياسرة: لولا الوئام هلك اللئام.
قال أبو عبيد: فالوئام: المباهاة، يقول: إنَّ الئام ليسوا يأتون الجميل من الأمور على أنها أخلاقهم، إنّما يفعلونها مباهاة وتشبهاً بأهل الكرم وأوّلاً ذلك هلكوا، قال أبو عبيد: وهذا قول أبي عبيدة، وأما غيره من علمائنا فإن المثل عندهم " لولا الوئام هلك الأنام " ويفسرون الوئام الموافقة، يقولون: لولا موافقة الناس بعضهم في الصحبة والعشرة لكانت الهلكة، قال أبو عبيد: ولا احسب الأصل كان الذي لا يعاشرهم.

باب مداراة الناس والتودد إليهم:
الأصمعي قال: من أمثالهم في هذا: إذا لم تغلب فاخلب.
يقول: إذا لم يدرك حاجتك بالغلبة والاستعلاء فاطلبها بالترفق وحسن المداراة، وقال أبو زَيد في مثله: إلاّ حظية فلا آلية.
يقول: إنَّ أخطأتك الخطوة فيما تطلب فلا تال إنَّ تودد إلى الناس وتداربهم لعلك تدرك بعض ما تريد، قال أبو عبيد: وأصل هذا في المرأة تصلف عند زوجها فلا تحظى، يقول: فلا ينبغي لها إنَّ تعينه على سوء رأيه فيها فتهتك، ولكن تحبب إليه بما أمكنها وقال أبو زيد في نحو هذا: سوء الاستمساك خير من حسن الصرعة.
يقول: لأن يزل الإنسان وهو عامل بوجه العمل وطريق الإحسان والصواب خير من أنَّ تأتيه الإصابة وهو عامل بالإساءة والخرق، وفي حديث مرفوع: نصف العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس.

باب مخالفة الناس بالأخلاق مع التمسك بالدين:

قال أبو عبيد: روينا في حديث عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما انهما قالا: خالطوا الناس وزايلوهم.
أي خالطوهم بالمعاشرة والأخلاق،و زايلوهم بأعمالكم، وعن صعصعة بن صوحان إنّه قال لأبن زيد بن صوحان: أنا كنت أكرم على أبيك منك، وأنت أركم علي من أبني، إذا لقيت المؤمن فخالصه، وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك لا تكلمنه، وقد كان بعض علمائنا يرفع حديثا إلى عيسى بن مريم عليه السلام إنّه قال: كن وسطاً وامش جانبا.
فجعل مشيته في ناحية مثلا لمزايلته الأعمال، وكينونه وسط الناس مثلا لمخالطتهم، وروينا عن أبي الدرداء إنّه قال: أنا لنكشر في وجوه القوم وإنَّ قولبنا لتقليهم.
أو لتلعنهم، وفي حديث مرفوع " إنَّ رجلاً استأذن عليه صلى الله عليه وسلم فقال: "بئس أخو العشيرة " ثم إذن له فدخل عليه، فقربه وأدناه، فلما خرج قال: "إنَّ من شرار الناس من أكرمه الناس اتقاء لسانه " أو كلام هذا معناه وإنَّ لم يكن بهذا اللفظ، ومنه حديثه في العباس بن مرداس حين قال تلك الأبيات يوم حنين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقطعوا عني لسانه " أراد إنَّ يعطي حاجته ليسكت، ومن هذا حديث يروى عن أبن شهاب أنَّ شاعراً امتدحه فأعطاه وقال: إنَّ من ابتغاء الخير اتقاء الشر.
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في التمسك بالدين قولهم: من يبغ في الدين يصلف.
يعني إنّه لا يحظى عند الناس، ولا يرزق منهم المحبة، ولذلك قيل: قد صلفت المرأة عند زوجها، إذا لم تكن لها حظوة عنده.

باب حسن عشرة الرجل أهله وحامته:
قال الأصمعي: من أمثالهم: كل امرئ في بيته صبي.
قال أبو عبيد: يعني في حسن الخلق والمفاكهة واللهو ونحوه، وقد جاءنا مثله أو نحوه عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رحمهما الله، فأما حديث عمر فانه قال: "ينبغي إنَّ يكون في أهله كالصبي، فإذا التمس مت عنده وجد رجلاً " وأما حديث زيد بن ثابت فانه كان من أفكه الناس في أهله، وأزمتهم إذا جلس مع القوم وفي حديث مرفوع: خياركم خيركم لأهله.
وعن معاوية إنّه قال: تغلبن الكرام وتغلبهن اللئام.

باب اكتساب الحمد، واجتناب المذمة وكراهة الشماتة:
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في اغتنام الحمد وكراهية الذم: الحمد مغنم والمذمة مغرم.
ومن هذا قول الأول:
بذلك وصاني حريم بن مالك ..، وإنَّ قليل الذم غير قليل
و من اجتناب الذم قولهم: الشر أخبث ما أوعيت في زاد.
وبعضهم يرويه في شعر عبيد بن الأبرص: قال أبو عبيد: ومن أمثال أكثم بن صيفي: الشماتة لوم.
يقول: ليس من الكرم أنَّ يشمت الرجل بصاحبه إذا زلت به النعل أو نزل به أمر.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم: إنَّ خيراً من الخير فاعله، وإنَّ شراً من الشر فاعله.
يضرب هذا في الحض على الخير والانتهاء عن الشر، ويقال: إنَّ أصل هذا المثل للنعمان بن المنذر يقال له علقمة، قاله لأخيه عمرو مع مواعظ كثيرة وعظه بها، قال: وبعضهم يجعل الكلام لصخر لن عمرو بن الحارث بن شريد السلمي.

باب الصبر عند النوازل والمزاري:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: هون عليك ولا تولع بإشفاق.
قال الأصمعي: في نحو منه: إنَّ في الشر خياراً.
قال: ومعناه إنَّ بعض الشر أهون من بعض، قال أبو عبيد: أحسبه يريد: إذا أصابته مصيبة فأعلم إنّه يكون أجل منها فليهون ذلك عليك مصيبتك، ومنه الحديث المرفوع " من أصابته مصيبة فليذكر مصابه بي فليعزه ذلك " وقال بعض حكماء العرب: إنَّ شرا من المرزئة سوء الخلف منها وقال آخر: المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنان.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الصبر على المصائب: كانت وقرة في حجرٍ والوقرة مثل الهزمة تكون فيه يقول: إنّه احتمل المصيبة، ولم تؤثر فيه إلاّ مثل تلك الهزمة في الحجر، قال أبو عبيد: وكذلك قولهم: كان جرحا فبرأ.
قالها بعض حكماء العرب وكان أصيب بابن له، فبكاه حولا ثم سلا عنه بعد ذلك، فقال هذه المقالة ومن هذا المعنى قول أبي خراش الهذلي:
بلى إنّها تعفوا الكلوم وإنّما ..، نوكل بالأدنى وإنَّ جل ما يمضي
و قال أكثم بن صيفي: حيلة من لا حيلة له الصبر.
وفي الحديث المروفع: الصبر عند الصدمة الأولى.
معناه أنَّ كل ذي مرزئة فإنَّ قصاراه الصبر، ولكنه إنّما يحمد على إنَّ يكون عند جدة المصيبة وحرارتها، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الصبر: من حدث نفسه بطول البقاء فليوطن نفسه على المصائب.
يروى هذا المثل عن عبد الرحمن بن بكرة، وقال صالح المري لرجل يعزيه: إنَّ لم تكن مصيبتك أحدثت لك في نفسك موعظة فمصيبتك بنفسك أعظم.

باب ترك الأسف على الفائت:
قال أبو عبيد: من أمثال أكثم بن صيفي: من لم يأس على ما فاته أراح نفسه.
وفي حديث مرفوع إنّه قال صلى الله عليه وسلم لعمر: "ما جاءك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفسٍ فخذه وتموله، وما لا فلا تتبعه نفسك" يقول: لا تأسف عليه.