بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآله
الأمثال في المعايب والذم
باب المثل في الذم لسوء معاشرة الناس:
قال أبو عبيد: جاءنا الحديث عن أبي الدرداء الأنصاري إنّه قال: وجدت الناس أخبر تقتله.
قال أبو عبيد: فأخرج الكلام على لفظ الأمر، ومعناه الخبر يريد انك إذا أخبرتهم فليتهم.
وقال أبو الدرداء أيضاً: "إنَّ قارضتهم قارضوك، وإنَّ تركتهم لم يتركوك " وقد فسرنا هذا في غريب الحديث ومن ذم عشرة الناس قول لبيد بن ربيعة:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ..، وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتأكلون مذمة وخيانة ..، ويعاب قائلهم وإنَّ لم يشغب
فكانت عائشة أم المؤمنين تنشد بيت لبيد هذا، ثم تقول: "يرحم الله لبيداً، فكيف لو أدرك زماننا هذا! " وكان أبن أختها عروة بن الزبير يذكر كلام عائشة، ثم يقول: "يرحم الله عائشة، فكيف لو أدركت زماننا هذا! " ومن أمثال اكثم بن صيفي: رضا الناس غاية لا تدرك.
ومن أمثال العامة في ذمهم بعضهم بعضا: الناس شجرة بغيٍ.

باب سوء الجوار وما فيه من المذمة والكراهة:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في جار السوء قولهم: لا ينفعك من جار سوءٍ توق.
قال أبو عبيد: يعني انك لا تقدر على الاحتراس منه ولو حرصت، لقربه منك، قال: وقد روينا في الحديث عن داود النبي صلى الله عليه وسلم إنّه كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني، وقلبه يرعاني، إنَّ رأى حسنة كتمها، وإنَّ رأى سيئة نشرها " وجاءنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم إنّه قال: "جارك قبل دارك، والرفيق قبل الطريق".
كان بعض فقهاء أهل الشام يحدث بهذا الحديث، ومعناه أنَّ يقول: إذا أردت شراء دار فاسأل عن جوارها قبل إنَّ تشتري، وإذا أردت السفر فاسأل عن الرفيق فبل الشخوص، قال الأصمعي: من أمثالهم في الجوار قولهم: بعت جاري ولم أبع داري.
يقول: إني كنت راغبا في الدار، إلاّ أنَّ جاري أساء مجاورتي فبعت الدار من أجله، قال أبو عبيد: وأخبرني أبن الكلبي أنَّ النعمان بن المنذر سأل الصقعب بن عمرو النهدي من حكماء العرب،: ما الداء العياء؟ فقال: جار السوء الذي إنَّ قاولته بهتك، وإنَّ غبت عنه سبعك، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا: هذا أحق منزلٍ بتركٍ.
يضرب لكل شيء قد استحق أنَّ يترك، من رجل أو جوار أو غيره، ومن أمثالهم في سوء الجوار قولهم: ما ظنك بجارك؟ قال: كظني بنفسي.
يقول إنَّ الفاجر يظن بجاره الفجور، وهذا مثل مبتذل.

باب سوء الموافقة في الأخلاق:
قال الأموي: من أمثالهم في سوء الاتفاق والمعاشرة: أنت تئق وأنا مئق فمتى نتفق!.
وقال الأموي: التئق السريع إلى الشر، والمئق: السريع إلى البكاء، ويقال الممتلئ من الغضب، ويضرب للرجلين المختلفين في الأخلاق والشيم وقال الأصمعي في التئق والمئق مثله أو نحوه، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الاختلاف: ما يجمع بين الأروى والنعام!.
أي كيف يجتمعان وهذه في رؤوس الجبال، وتلك في سهوله؟ يقول: لا يتفق هذان الرجلان كما لا يتفق ذلك، وقال أبو زيد: في الموافقة: يقال: لا يلتلط هذا بصفري.
أي لا يلتصق بقلبي ولا يوفق شيمتي ولا خلقي، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم إنّه قال في أهل الإسلام وأهل الشرك: "لا تراءى ناراهما".
يقول: كيف يتفقان؟! وقد فسرناه في غريب الحديث، وقال أيضاً: "ما أنا من ددٍ ولا الدد مني".
وقد فسرناه أيضاً، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في قلة الاتفاق قولهم: لا يجتمع السيفان في غمدٍ.
ومنه قول أبي ذؤيب:
تريدين كيما تجمعيني وخالداً ..، وهل يجمع السيفان ويحك في غمد!

باب سوء المشاركة في اهتمام الرجل بشأن صاحبه:
قال أبو زيد: من أمثالهم في هذا: ما يلقى الشجى من الخلي.
يقول: إنّه لا يساعده على همومه وهو مع هذا يعذله قال أبو زيد: الشجى مقصور، والخلي ممدود، ومثله قولهم: هان على الأملس ما لاقى الدبر.
قال: وأصله في الإبل، وقال الأصمعي: في مثله: لو لك عويت لم أعوه.
يقول: لم أهتم لك، إنّما اهتمامي لنفسي، قال أبو عبيد: فإذا أراد المشكو إليه إنّه في نحو مما فيه صاحبه من الأمر قال: إنَّ يدم أظلك فقد نقب خفي.
والأظل: لحم اسفل خف البعير، يقول: إني في مثل سوء حالك.

باب سوء نظر الرجل لنفسه وإقباله على نفسه وهواه:
قال الأصمعي أو غيره: من أمثالهم في هذا قولهم: ذهبت هيف لأديانها.
يعني عادتها قال: وأصل الهيف السموم، وعادتها أنها تجفف كل شيء وتوبسه، قال أبو عبيدة: ومن هذا قولهم: كل امرئٍ في شانه ساعٍ.
وقد يضرب في الأمر المحمود أيضاً، وقال أبو قيس بن الأسلت:
أسعى على جل بني مالكٍ ..، كل امرئٍ في شانه ساع.

باب عادة السوء يعتادها صاحبها:
قال الأصمعي: من أمثالهم: عادة السوء شر من المغرم.
قال: ومعناه أنَّ من عودته شيئاً، ثم منعته كان أشد عليك من الغريم ومنه قولهم: أعطى العبد كراعاً فأراد ذراعاً.
وكان أبن الكلبي يحدث أنَّ المثل لجارية يقال لها أم عمرو، وكانت لمالك وعقيل ندماني جذيمة، فمر بهما عمرو بن عدي أبن أخت جذيمة، فجلس إليهما فناولاه شيئاً من الطعام، فطلب أكثر منه، فعندها قالت أم عمرو: "أعطي العبد كراعا فطلب ذراعاً " ثم صاروا إلى الشراب فجعلت أم عمرو تسقى صاحبها وتدع عمرا، ففيهما يقول عمرو:
تصد الكأس عنا أم عمرٍو ..، وكان الكأس مجراها اليمينا
فذهب كلامه وكلامها مثلين، وكان هذا كله قبل أنَّ يعرفوه، فلما انتسب لمالك وعقيل فرحا، وقدما به إلى خاله جذيمة، فكان من أمره وأمرهما ما قد ذكرناه في غير هذا الموضع، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في العادة قولهم: لو نهيت الأولى لانتهت الآخرة.
وكان المفضل يقول: هذا المثل لأبن أبي حجر الأيادي، وذلك إنَّ الحارث بن أبي شمر الغساني كان لطمه لطمة، فاحتملها أبن أبي حجر وسكت، فأمر به فلطم أخرى، فعندها قال تلك المقالة، فذهبت مثلاً، يقول: لو انتقمت للأولى ولم احتملها لم تعد لمثلها.

باب عادة السوء يدعها صاحبها ثم يرجع إليها:
قال أبو عبيدة: من أمثالهم في هذا قولهم: عادت لتعرها لميس.
والعتر هو الأصل، وكذلك العكر، يضرب للرجل يرجع إلى خلق وقد كان تركه، قال الأصمعي: ومثله: رجع فلان على قرواه.
قال: وكذلك قولهم: عاد فلان في حافرته، أي إلى طريقته الأولى، قال أبو عبيد: وكذلك يفسر قوله تعالى: (لمردودون في الحافرة) الخلقة الأولى، قال الأصمعي: فأما قولهم: النقد عند الحافر.
فانه النقد الحاضر في البيع، وبعضهم يقول بالهاء أيضاً "الحافرة".

باب قلة عناية الرجل واهتمامه بشأن صاحبه:
قال أبو عبيد: من أمثالهم: همك ما همك.
أي همك همك، ويقال: "همك ما أهمك " يضرب لمن لا يهتم بشأن صاحبه، إنّما اهتمامه بغير ذلك، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في قلة الاهتمام: إنك لتشكو إلى غير مصمتٍ.
ومثله قولهم: حياك من خلافوه.
قال: ذلك أبو زيد والأصمعي، واصله أنَّ رجلاً سلم عليه وهو يأكل فلم يرد السلام، فلما فرغ قال: هذه المقالة، يقول إني كنت مشغولاً، قال الأصمعي: ومن قلة المبالاة قولهم: الكلاب على البقر.
واصله أنَّ يخلى بين الكلاب وبين بقر الوحش، قال أبو عبيد: وهذا المثل مبتذل في العامة غير انهم لا يعرفون اصله، ومن أمثالهم في نحو هذا قولهم: ول حارها من تولى قارها.
وهذا المثل يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

باب استهانة الرجل بصاحبه:
قال أبو عبيدة: ومن أمثالهم في هذا قولهم: ما أباليه عكبة.
وهي الوذخة واحدة الوذح، وهو ما يتعلق بأصواف الضأن من بعرها وأبوالها، ويقال أيضاً قال الأصمعي: وكذلك قولهم: ما أباليه بالة.
قال أبو عبيد: وهذا المثل قد يضرب في غير الناس، ومنه قول أبن عباس وسئل عن الوضوء من اللبن، فقال: "ما أبالية، اسمح يسمح لك " قال الأصمعي: ومن قلة المبالاة قولهم: ما أبالي ما نهيئ من ضبك.
يعني إنَّ يكون لحم ضبك نيئاً ولا ينشوي، ويقال: لحم نيئ ونهيئ في معنى واحد، قال الأصمعي: ومن أمثالهم: اتخذ فلانا القوم حمير الحاجات.
أي امتهنوه في حوائجهم واستهانوا به.

باب تمدح الرجل بالشيء وهو من غير أهله:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: حن قدح ليس منها.
قال أبو عبيدة: وكذلك قولهم: هو كالحادي وليس له بعير.
ومنه قولهم: كالفاخرة بحدج ربتها، والحدج هو المركب، وجمعه حدوج وأحداج، وهي الأحمال أيضاً: قال الأصمعي: ومنه قولهم: استنت الفصال حتى القرعى.
قال: وأصله من القرع، وهو قرح يظهر في أعناق الفصلان فتحسب في التراب لتبرأ، قال: ومنه قول أوس بن حجر: يجر كما يجر الفصيل المقرع يقال منه: قرعت الفصيل، إذا جررته قال أبو عبيد: وهذا معنى قولهم للشيء الذي يوصف بالحرارة: هو أحر من القرع.
وتأويله هذا الداء الذي وصفناه، وأما قول العامة: "أحر من القرع " يجزم الراء، على معنى القرع الذي يؤكل فليس بشيء.

باب الممتدح بما ليس عنده يؤمر بإخراج نفسه منه:
قال الأصمعي وغيره في هذا المثل: ليس هذا بعشك فاد رجى.
أي ليس هذا من الأمر الذي لك فيه حق فدعه، وقد يضرب هذا للرجل ينزل المنزل لا يصلح له، قال أبو عبيد: ومنه قولهم: هذا أوان الشد فاشتدي ريم.
وهذا المثل قاله الحجاج بن يوسف على منبره، وزعم الأصمعي أنَّ " زيم " في هذا الموضع اسم فرس، قال: والزيم في غير هذا: الشيء المتفرق، وإنّما تكلم الحجاج بهذا حين أزعج الناس لقتال الخوارج.

باب الشره والجشع ومسألة الناس:
قال أبو عبيد: من أمثال أكثم بن صيفي: غثك خير لك من سمين غيرك.
يقول: فاقنع به، ولا تمدن عينيك إلى ما في أيدي الناس، ويقال: إنَّ هذا المثل لمعن بن عرفطة المذجي، قال أبو عبيدة في مثله: يكفيك نصيبك شح القوم.
يقول: إنَّ استغنيت به عن مسألة الناس كفاك، وقال الأحمر في نحو منه: جدح جوين من سويق غيره.
ومن أمثال اكثم بن صيفي: المسألة آخر كسب المرء.
وفي الحديث المرفوع " المسألة كدوح أو خدوش أو خموش في وجه صاحبها " وقال أبو الأسود الديلي يصف رجلاً بالأخلاق الدنية فقال: "إذا سئل أرز، وإذا دعى انتهز " يضفه بالشره، وقال عون بن عبد الله بن عتبة في مثل هذا: "إنَّ سأل ألحف، وإنَّ سئل سوف" وقال فيه أيضاً: "يحسد إنَّ يفضل، ويزهد إنَّ يفضل" قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الطمع والجشع قولهم: تقطع أعناق الرجال المطامع.
وفي الحديث: "إنَّ الصفاء الزلاء التي لا تثبت عليها أقدام العلماء الطمع".

باب الشره للطعام والحرص عليه:
الأصمعي قال: من أمثالهم في الشهوان قولهم: حما ولا حبل.
أي إنّه لا يذكر شيء إلاّ اشتهاه كشهوة الحبلى، وليس الوحام إلاّ في شهوة الحبل خاصة، وقال بعض حكماء العرب: شدة الحرص من سبيل المتالف، وقال الآخر: المرء تواق إلى ما لم ينل.
وهذا المثل للأغلب فيما أعلم، وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في شدة الحرص مع العدم قولهم: هو يبعث الكلاب عن مرابضها.
يعني إنّه يطردها عن موضعها طعماً إنَّ يجد تحتها شيئاً يأكله، ومن أمثالهم في الشره قولهم: الرغب شوم.
قال أبو عبيد: وهذا الحرف وجدناه في حديث مرفوع، ومن أمثالهم في ذم الشره قولهم: أراد إنَّ يأكل بيدين.
وقولهم: "لا تجعل شمالك جردباناً".
وهو الذي يستر الطعام بشماله لئلا يراه أحد فيتناوله من بين يديه.

باب الثقيل على الناس:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: لا تبطر صاحبك ذرعه.
يقول: لا تحمله ما لا يطيق، وقال بعض حكماء العرب: من استغنى كرم على أهله.
وفي بعض الحديث " أزهد فيما في أيدي الناس يحببك الناس " ومن أمثالهم: من سأل صاحبه فوق طاقته استحق الحرمان.
وقال: بعض السلف: "عز الرجل استغناؤه عن الناس " وفي بعض الحديث " استغنوا عن الناس ولو قصمة السواك".

باب الذم لمخالطة الناس وما يحب من اجتنابهم:
قال أبو زيد: من أمثالهم في هذا قولهم: خلاوك اقنى لحياتك.
أي انك إذا خلوت في منزلك كان أحرى أنَّ تقتنى الحياء وتسلم من الناس، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في نحو هذا: من يسمع يخل.

يقول: من يسمع أخبار الناس ومعايبهم يقع في نفسه عليهم المكروه، ومعناه إنَّ المجانبة للناس أسلم، قال أبو عبيد: وقد روينا عن طلحة بن عبد الله إنّه قال: "إنَّ أقل للعيب إنَّ يجلس الرجل في منزله " وروينا عن أبي الدرداء إنّه قال: "نعم صومعة المؤمن بيته يكف سمعه وبصره " وقال أبن سيرين: "العزلة عبادة".

باب الإفراط في مؤانسة الناس:
قال أبو عبيد: من أمثال أكثم بن صيفي: الإفراط في الناس يكسب قرناء السوء.
وقال بعض الحكماء: الأنس يذهب المهابة.
وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا: عرف حميق جمله.
يضرب هذا للرجل يأنس بالرجل حتى يجترئ عليه، قال الأصمعي: وأظن حميقا رجلاً كان له جمل قد عرفه حتى اجترأ عليه، فصار مثلاً لكل من أنس بأحد حتى هان عليه.