بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآله
ذكر الأمثال في العلم والمعرفة
باب المثل في معرفة الأخبار وصحتها:
قال الأصمعي: من أمثال العرب في معرفة الأخبار قولهم: عند جفينة الخبر اليقين.
قال الأصمعي: واصله أنَّ جفينه هذا كان عنده علم رجل مقتول، وفيه يقول الشاعر:
تسائل عن أبيها كل ركبٍ ..، وعند جفينه الخبر اليقين
قال فسألوا جفينه فأخبرهم خبر القتيل، قال أبو عبيد: كل هذا قول الأصمعي، وأما هشام أبن الكلبي فأخبرني إنّه جهينة، قال: وكان من حديثه أنَّ حصين بن عمرو بن معاوية بن كلاب خرج ومعه رجل من جهينة يقال له الأخنس، فنزلا منزلا، فقام الجهني إلى الكلابي فقتله وأخذ ماله، فكانت أخته صخرة بنت عمرو تبكيه في المواسم، فقال الأخنس الجهني فيها:
كصخرة إذ تسائل في مراحٍ ..، وفي جرمٍ وعلمها ظنون
تسأل عن حصيل كل راكب ..، وعند جهينة الخبر ليقين
قال: ومراح حي من قضاعة، قال أبو عبيد: كان ابن الكلبي في هذا النوع من العلم أكثر من الأصمعي، وقال أبو زَيد: ومن أمثالهم في الخبرة والعلم قولهم: أنا غريرك من هذا الأمر.
أي اغترني فسلني منه على غرة.
قال أبو عبيد: معناه إني به عالم، فمتى سألتني عنه أخبرتك به من غير استعداد لذلك ولا روية فيه، وقال الأصمعي: في هذا المثل: معناه انك لست بمغرور مني، ولكني أنا المغرور، وذلك إنّه بلغني خبر كان باطلاً فأخبرتك به، ولم يكن على ما قلت لك، وإنّما أديت إليك ما سمعت.و قال الأصمعي: من أمثالهم في الخبرة: كفى قوما بصاحبهم خبيرا.
أي كل قوم أعلم بصاحبهم من غيرهم، ومثله قولهم: لكل الناس في بعيرهم خبر.
ومثله: أتعلمني بضب أنا حرشته! يقول: أتخبرني بأمر أنا وليته! قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في المعرفة والعلم قولهم: أنا أبن بجدتها.
واصله الرجل يكون هادياً خريتاً بلارض، ثم صار مثلا لكل عارف ماهر، ومثل العامة في نحو هذا قولهم: أنت اعلم أم من غص بها.
معناه أنَّ الغاص بلقمة أخبر بها من غيره، وفي بعض الحديث: ليس الخبر كالعيان.
قال الأصمعي: ومن أمثالهم: على هذا دار القمقم.
أي إلى هذا صار معنى الخبر، قال أبو عبيد: وكذلك قولهم: على يدي دار الحديث.
إذا كان خبيراً بالأمر، وهذا المثل يروى عن جابر بن عبد الله أنه يكلم به في حديث المتعة.

باب الحذق بالأمر وحسن المعاناة لها:
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الحذق بالأمر والترفق فيه قولهم: أنا منه كحاقن الإهالة.
قال: والإهالة: الودك المذاب، وليس يحقنها الحاذق بها حتى يعلم أنّها قد بردت، لءلا تحرق السقاء، قال أبو عبيد: ومن هذا قولهم: أعط القوس باريها.
أي استعن على عملك بأهل المعرفة والحذق له، ومن هذا كتاب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص " أن شاور عمرو بن معد يكرب وطليحة بن خويلد في حربك، ولا تستعن بهما في غير ذلك، فإنَّ كل قوم أعلم بصناعتهم " وقال أبو عبيدة في نحوه: الخيل أعلم بفرسانها.
قال أبو عبيد: يعني أنها قد اختبرت ركابها، فهي تعرف الأكفل من أهل الفروسية قال: والذي يراد منه أن يقول: استعن بمن يعرف الأمر، ودع من لا يعرفه، قال أبو عبيد: ومن أمثال أكثم بن صيفي: المرء يعجز لا المحالة.
يقول: إنما يجيء الجهل من الناس فأما العلم والحيل فكثيرة، أبو زيد قال: يقال: لا تعدم صناع ثلةً.
والثلة: الصوف تغزلة المرأة، يضرب للرجل الصنع الحاذق.
ومن أمثالهم في المعرفة وحمدهم إياها قولهم: قتل أرضاً عالمُها، وقتلت أرضٌ جاهلها.

باب استخبار عن عام الشيء ومعرفته:
قال أبو عبيدة: من أمثالهم في الاستخبار قولهم: ما وراءك يا عصام؟
قال أبو عبيد: يقال: إنَّ المتكلم به النابغة الذبياني، قاله لعصام بن شهبر الجرمي حاجب النعمان، وكان مريضاً، فسأل النابغة عصاما عن النعمان، قال أبو عبيد: وإذا أخبر الرجل بالخبر من غير استخبار ولا ذكر كان لذلك قيل: فعل كذا وكذا.
قبل عير وما جرى.
وهذا مثل مبتذل في الناس، وإذا عاجل الرجل بالمسألة والاستخبار قبل أوانه قيل: إليك يساق الحديث.
وهذا مثل قد ابتذلته العامة، ومن أمثالهم السائرة في قديم الدهر وحديثه قول الشاعر: و يأتيك بالأخبار من لم تزود.
وقد روينا في حديث مرفوع أنه تمثل به ) فقال: "و يأتيك من لم تزود بالأخبار"، قال أبو عبيدة وغيره: من أمثالهم في الخبرة قولهم: على الخبير سقطت.
قال أبو عبيد: يقال: إن المثل لمالك بن جبير العامري، وكان من حكماء العرب، وبه تمثل الفرزدق للحسين بن علي عليه السلام حين أقبل يريد العراق، فلقيه يريد الحجاز، فقال له الحسين: ما وراءك؟ فقال: "على الخبير سقطت، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أميه، والأمر ينزل من السماء " فقال له الحسين: "صدقتني".

باب الانتهاء إلى غاية العلم بالأمور وتضييع العلم:
قال أبو زَيد: من أمثالهم في هذا أن يقال: قد بلغ فلان في العلم أطوريه.
بكسر الراء، أي بلغ أقصاه، وقال أبو زَيد: بكسر الراء، وقال: وسمعت غيره من علمائنا يقول: "أطوريه " بفتح الراء، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في العلم: إنَّ العلم كالحمة، يأتيها البعداء، ويزهد فيها القرباء.
وقال بعضهم: أزهد الناس في العلم أهله.
ويقال: "جاره " ومن أمثالهم: إذا زل العالِم زل بزلته عالَمٌ.

باب ادعاء الرجل علماً لا يُحسنه:
الأصمعي قال: من أمثالهم في نحو هذا: يا طبيب طب لنفسك.
ويقال: طب نفسك، قال الأحمر: وقد يقال في بعض هذا: خرقاء ذات نيقةٍ.
يضرب للرجل الجاهل بالأمر، وهو مع جهله يدعي المعرفة، ويتأنق في الإدارة، قال أبو عبيدة: ومن أمثالهم في نحوه: كفى بالشك جهلاً.
يقول: إذا كنت شاكاً في الحق أنه حق فذلك جهل، الأصمعي قال: ومن أمثالهم: لا تعظيني وتعظعظي.
أي لا توصيني وأوصي نفسك.

باب انتحال الرجل العلم وليست عنده أداته:
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا: كالحادي وليس له بعير قال: ومثله: عاطٍ بغير أنواطٍ، قال: والعاطي: المتناول، يقال منه: عطوت أعطو، إذا تناولت الشيء، والأنواط: كل شيء معلق، واحدها نوط، يقول: فهذا يتناول، وليس هناك معاليق، ومثله: إنباض بغير توتير.
يقول: إنّه ينبض القوس من غير أن يوترها، ومثله: تجشأ لقمان من غير شبع.
كل هذا عن الأصمعي، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم قوله: و هل ينهض البازي بغير جناح.
هذا المثل قد يقال هاهنا، ويقال في قلة الأعوان والناصرين، ومن أمثالهم: كالقابض على الماء.
يقول: إنّه ليس بيده مما أخذ شيء.

باب شواهد الأمور الظاهرة على علم باطنها:
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: أفواهها مجاسها.
وأصله أنَّ الإبل إذا أحسنت الأكل اكتفى الناظر بذلك عن معرفة سمنها وكان فيه غنى عن جسها، قال: ومثله: أراك بشر ما أحار مشفر.
يضرب هذا للرجل ترى له حالاً حسنةً أو سيئةً، فيقول: قد أغناك ما ترى من ظاهر أمره عن سؤاله، قال الأصمعي: ويقال في مثل هذا أو نحوه.