بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآله
ذكر الحوائج وما فيها من الأمثال
باب مثل الإعذار في طلب الحاجة وما يحمد عليه أهله من ذلك:
قال أبو عبيد: قال أبن الكلبي وغيره: ومن أمثالهم في هذا قولهم: افعل كذا وكذا وخلاك ذمٍ.
يقول: إنّما عليك أن تجتهد في الطلب وتعذر لكي لا تذم فيها وإن لم تقض الحاجة، قال: وهذا المثل لقصير بن سعد اللخمي، قاله لعمر بن عدي حين أمره أن يطلب الزباء بثأر خاله جذيمة بن مالك، فقال: أخاف أن لا أقدر عليها، فقال: أطلب الأمر وخلاك ذم، فذهبت مثلا، قال أبو عبيد: ومن هذا المعنى قول الشاعر، ويقول: إنه لعروة بن الورد:
ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ..، من المال يطرح نفسه كل مطرح
ليبلغ عذرا أو ينال رغيبة ..، ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
و قال بعض الحكماء: إني لأسعى في الحاجة وإني منها ليائس، وذلك للأعذار، لئلا أرجع على نفسي بلوم، وقال أيضاً: صيدك لا تحرمنه.
يضرب للذي يحض على انتهاز الحاجة إذا أمكنته.

باب الجد في طلب الحاجة وترك التفريط فيها:
قال أبو عبيد: يروى عن أبجر بن جابر العجلي أنه قال فيما أوصى به ابنه حجارا: يا بنيٍ، إياك والسآمة في طلب الأمور فتقذفك الرجال خلف أعقابها.
فص ومن أمثالهم في قولهم: ليس لهناء بالدس.
يضرب للرجل لا يبالغ في الطلب، واصله أن يجرب البعير في أرفاغه وآباطه، فإذا هنئت تلك المواضع منه قيل: قد دس دسا، يقول: فليس ذلك بشيء، وإنما الهناء أن تهنأ الجسد كله، فكذلك المبالغة في الحاجة والاستقصاء.
ومن أمثالهم إذا أمروا الرجل بالجد في الأمر قالوا: جمع له جراميزك.
قال أبو زَيد: ويقال في مثل هذا: قد ضرب عليه جروته.
أي قد وطن عليه نفسه، قال الأصمعي: وكذلك قولهم: شد له حزيمه.
أي تشدد لذلك واستعد له، ومنه الحديث الذي يروى عن علي عليه السلام:
اشدد حيازيمك للموت ..، فإن الموت آتيكا
و مثله قولهم: قرع له ساقه.
يعني إذا قامت الحرب على ساقها قال أبو عبيدة: وكذلك قولهم: شمر ذيلا وادرع ليلا وكذلك يقولون: اتخذ الليل جملا.
قال ذلك الأصمعي، قال أبو عبيد: ولهذا قالوا: عند الصباح يحمد القوم السرى.
وهذا المثل يقال: إنه للأغلب العجلي، ويقال: لغيره، ومعناه أنهم يدأبون في ليلهم بالسهر ة الإسآد، فإذا اصبحوا وقد طووا البعد حمدوا ذلك حينئذ، وهذا قد يضرب لأمور الدنيا والآخرة، قال الأصمعي: ومن أمثالهم قولهم: خذ كذا وكذا ولو بقرطي مارية.
قال: وهي أم ولد جفنة، قال أبو عبيد: يضرب للرجل يقال له: لا يفوتنك الأمر، وكذلك قول العامة: جئ به من حيث وليس قال أبو عبيد: وهذان المثلان يتكلم بهما العوام من الناس، ومثله قولهم: إيت به من حسك وبسك.
قال الأصمعي: فيما أظن: من أمثالهم في الاعزام على الحاجة قولهم: جاء فلان وفي رأسه خطة.
أي جاء وفي نفسه حاجة قد عزم عليها، والعامة تقول " و في رأسه خطة " وكلام العرب هو الأول.

باب التأني في طلب الحاجة وترك الخرق فيها:
قال أبو زَيد: من أمثالهم في التلبث والتأني قولهم: رُبَّ عجلة تهب ريثاً.
يضرب للرجل يشيد حرصه على حاجته، ويخرق فيها حتى تذهب كلها، واصله أن الرجل يعمل الحقحقة في سيره حتى تعطب راحلته في بعض الطريق، فيصير منها إلى طول المكث عن حاجته، وهذا هو الذي روى فيه الحديث: إنَّ منبت لا أرضاً، ولا ظهرا أبقى.
وكذلك قوله: إذا أراد أحدكم أمراً فعليه فيه بالتودة.
ومن هذا المعنى قول القطامي:
قد سيدرك المتأني بعض حاجته ..، وقد يكون المستعجل الزلل
قال الأصمعي: ومنه قولهم: ضح رويدا.
أي لا تعجل في الأمر، وقال زيد الخيل الطائي في ذلك:
فول أنَّ نصراً أصلحت ذات بينها ..، لضحت رويدا عن مطالبها عمرو
قال أبو عبيد: وهما حيان من بني أسد، نصر وعمرو ابنا قعين، ومن أمثالهم في التأني قولهم: الرشف انقع.
يعني أنَّ الشراب الذي يرتشف رويدا أقطع للعطش وأنجع، وإنَّ كان فيه بطئ، قال الأصمعي: ومنه قولهم: رويد الغزو يتمزق.
قال: وهو مثل امرأة كانت تغزو، فحبلت، فذكروا لها فقالت هذه المقالة، أي انتظروا الولادة، قال المفضل: وهي رقاش الكنانية، وعرف حديثها، وقال أبو عبيد: ومن أمثالهم: إنَّ الليل طويل وأنت مقمر.
وكان المفضل أيضاً يحكيه عن السليك بن سلكة السعدي، ثن أحد بني مقاعس، وذلك إنّه كان نائما مشتملا، فبينما هو كذلك إذ جثم رجل على صدره، ثم قال أبو عبيد: أستأسر: فقال له سليك: "إنَّ الليل طويل وأنت مقمر " فأرسلها مثلاً معناه: اصبر على حاجتك حتى تصبح، ثم سألني إنَّ استأسر.

باب مطلب الحاجة المتعذرة:
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم إذ طلب الرجل من صاحبه حاجة عسيرة قولهم: تسألني برامتين سلجماً.
واصله إنَّ امرأة تشهت على زوجها هنالك السلجم، وهما بالبلاد السباسب المقفرة، فعندها قال هذا، ومن أمثالهم في نحوه: شر ما رام امرؤ ما لم ينل.
وهذا المثل للأغلب العجلي في شعره، ومنه المثل السائر في العامة قولهم: من سأل صاحبه فوق طاقته استوجب الحرمان.

باب قناعة الرجل ببعض حاجته دون بعض:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: ليس الرأي عن التشاف: أي ليس قضاؤك الحاجة ألا تدع منها قليلا ولا كثيرا إلاّ نلته، إذا أخذت معظمها فاقنع به، قال: وأصل التشاف إنَّ يشرب الرجل الشفافة كلها، وهي بقية الماء في الإناء، يقول: فقد يروى الشارب قبل بلوغ تلك الحاجة، قال الأصمعي: ومن هذا قولهم: لم يحرم من فصد له.
وهو نحو الأول، يقال: انهم كانوا إذا لم يقدروا على قرى الضيف فصدعوا له بعيراً، ثم عولج دمه بشيء حتى سمكن إنَّ يأكلوه قال أبو زيد: ومن هذا قولهم: الجحش لمّا بذك الاعيار.
واصله إنَّ يقول: اقتصر على الجحش فصده إذا أعياك البعير، فكذلك الحاجة أيضاً، أرض منها بالدون إذا فاتك عظمها، قال أبو زيد: ومثله: قد تبلغ القطوف الوساع.
وكذلك: قد يبلغ الخضم القضم.
وكذلك قولهم: "يركب الصعب من لا دلول له"، ومن أمثال نسائهم في هذا قولهم: روج من عودٍ خير من القعود.
قال الأصمعي: ومن أمثالهم: الثيب عجالة الراكب.
قال أبو عبيد: كل هذا في الحض على الرضا بيسير الحاجة إذا أعوزه جليلها، قال أبو عبيد: وكان الكسائي يحكي عنهم قولهم: خذ ما طف لك وما استطف لك.
أي أرض بما أمكنك منه، وهو نحو قولهم: خذ من فلان العفو.
يقول: ما جاءك عفوا من غير كد ولا إلحاح فاقبله، وما تعذر عليك فدعه، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا: خذ ما يقطع البطحاء.
واصله في الماشية، يقول: خذ منها ما كان عنده من بقية النفس ما يقطع البطحاء ومعناه: خذ من الأمر ما تماسك إذا كان فيه أدنى مساك، ومثل العامة في هذا قولهم: إذا لم يكن ما تريد فأراد ما يكون.
ومثله: خذ من جذع ما أعطاك.
وفيه تفسير غير ذلك قد ذكرناه في باب الاغتنام لأخذ الشيء من البخيل، قال الزبير: مثله: خذ من الرضفة ما عليها.
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في نحو هذا: أرض من المركب بالتعليق.
أي من الأمر بدون تمامه، وأصله في الركوب، يقال للرجل قد تعلق بعقبه يركبها، ويقول: فإنَّ لم تقدر على الركوب التأم فتعلق بعقبة أو نحوها.

باب النقية في الحاجة واحتمال التعب فيها:
قال الأحمر: من أمثالهم في تحسين الحاجة والتنوق فيها قولهم: أصنعه صنعة من طب لمن حب.
أي صنعة حاذق لمن يحبه، وقال الأصمعي في نحو من هذا، وليس هو من ذلك بعينه: الحسن أحمر.
قال أبو عبيد: وأحسبه إنّما يعني إنّه من أراد الحسن والجمال صبر على أذاه ومشقته في الحمل على البدن والمال من طلب المهيئة، وذلك قولهم: "الموت الأحمر " ومنه قول علي رضي الله عنه: كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن منا أحد اقرب إلى العدو منه، وقال أبو زبيد الطائي يذكر الأسد يفترس الرجل:
إذا علقت قرنا خطاطيف كفه ..، رأى الموت بالعين أسود أحمراً
و من أمثالهم في شدة الحرص على الحاجة قولهم: جاء تضب لثته ولثاته على كذا وكذا.
ومنه قول بشير بن أبي حازم:
وبني تميم قد لقينا منهم ..، خيلا تضب لثاثها للمغنم.

باب إتمام قضاء الحاجة والحث على ذلك:
قال أبو عبيد: إذا قضيت الحاجة إلاّ أقلها فأرادوا إتمامها قالوا: أتبع الفرس لجامها.
قال أبو عبيد: أرى معناه انك قد حدثت بالفرس، واللجام أيسر خبطاً، فأتم الحاجة كلها، كما إنَّ الفرس لا غنى بها عن اللجام، وكان المفضل يذكر إنَّ المثل لعمرو بن ثعلبة الكلبي أخي عدي بن جانب، وكان ضرار بن عمرو الضبي قد أغار عليهم، فسبى يومئذ سلمى ابنة وائل الصائغ وكانت يومئذ أمة لعمرو بن ثعلبة، وهي أم النعمان بن المنذر، فمضى بها ضرار مع ما غنم، فأدركه عمرو بن ثعلبة، وكان له صديقاً، يقال أنشدك الإخاء والمودة إلاّ رددت على أهلي، فجعل يرد شيئاً فشيئاً حتى بقيت سلمى، وكانت قد أعجبت ضراراً، فأبى أنَّ يردها، فقال عمرو: يا ضرار، اتبع الفرس لجامها، فأرسلها مثلاً، وردها عليه ضرار، قال: ويقال في نحو منه: تمام الربيع الصيف.
وأصله في المطر، فالربيع أوله، والصيف الذي يأتي بعده، فيقول: إنّما الحاجة أنَّ تكون بكمالها، كما أن الربيع لا يكون تمامه إلاّ بالصيف، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في تمام الحاجة قولهم: آخرها أقلها شرباً.
يقال: إنَّ أقل الحاجة ما بقي منها، وقد يضرب هذا المثل في غير هذا المعنى أيضاً.

باب تعجيل الحاجة وسرعة قضائها:
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في تعجيل قضاء الحاجة قولهم: اللقوح الربعية مال وطعام.
قال أبو عبيد: وأصل هذا في الإبل، وذلك إنَّ اللقوح هي ذات الدر، والربعية هي التي تنتج في أوّل النتاج، فأرادوا أنها تكون طعاما لأهلها، يعيشون بلبنها لسرعة نتاجها، وهي مع هذا مال، ومن أمثالهم في التعجيل قولهم: النفس مولعة بحب العاجل.
وهذا المثل لجرير بن الخطفي في شعر له، ومن أمثالهم في مثله قولهم: السراح مع النجاح.
حكاها الأصمعي، قال: ومعناها: سرح لي أمري فإن ذلك مما ينجح حاجتي، وقال غيره: هو الرجل لا يريد قضاء حاجة صاحبه، فينبغي له إنَّ يوئسه منها، ولا يدعه يصيل الاختلاف إليه باطلاً، ثم يصير إلى اليأس بعد التعب والعناء.

باب إدراك الحاجة بلا تعب ولا مشقة:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: أوردها سعد وسعد مشتمل.
يعني إنّه اورد أبله شريعة الماء، ولم يوردها على بئر يحتاج إلى الاستقاء لها، فيعتني فيها ويتعب، ولكنه اشتمل بكسائه ونام وإبله في الورد، ومثله قولهم: أهون السقي التشريع.
يعني إنَّ يوردها الشريعة، يضرب هذا المثل للذي ينال حاجته من غير عناء ولا مشقة، وهذا قول الأصمعي، وكان غيره من العلماء يتأوله على غير هذا الوجه، وقد فسرناه في غريب الحديث، ومن تسهيل الحاجة قولهم: هذا على طرف الثمام.
وقال أبو عبيد: وذلك لأن الثمام لا يطول فيشق على المتناول ومنه قولهم: كلا جانبي هرشى لهن طريق.
يضرب إذا سهل الأمر من وجهين، قال الأصمعي: ويقال في مثله: و هو على حبل ذراعك.
أي لا يخالفك، وحبل الذراع: عرق في اليد.

باب طالب الحاجة يسألها فيمنعها فيطلب غيرها:
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا: إلاّ دهٍ فلا دهٍ.
يضرب للرجل يقول: أريد كذا وكذا، فإنَّ قيل له: ليس يمكن ذلك قال: فكذا وكذا، قال أبو عبيد بعض هذا الكلام، وليس كله عنه، وقد كان أبن الكلبي يخبر عن بعض الكهان إنّه سافر إليه رجلان من العرب فقالا: أخبرنا في أي شيء جئناك؟ فقال: في كذا وكذا، فقالا: إلاّ دهٍ، أي أنظر غير هذا النظر، فقال: إلاّ دهٍ فلا دهٍ، ثم أخبرهما بها، ومعناه: إنَّ لم يكن كذا وكذا فهو كذا، وقال روبة في شعره: وقول إلاّ دهٍ فلا دهٍ قال الأصمعي: معناه: إنَّ لم يكن هذا الأن فلا يكون بعد الآن، الأصمعي: ولا أدري ما أصله، ومن هذا المعنى قولهم: لا يرسل الساق إلاّ ممسكا ساقا.
أي إنّه لا يدع حاجة إلاّ سأل أخرى، وأصل ذلك في الحرباء يشتد عليه حمى الشمس فيلجأ إلى شجرة فيستظل بساقها، فإذا زالت عنه تحول إلى أخرى قد أعدها لنفسه، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم: أسق أخاك النمرى.
وهذا المثل لكعب بن مامة، وذلك إنّه سافر سفراً في حمارة القيظ، فأعوزهم الماء إلاّ شيئاً يسيرا يقتسمونه بالحصاة، وكان مع كعب رجل من النمر بن قاسط، فكلما بلغت النوبة كعبا في الشرب نظر إليه النمري، فقال كعب للساقي: اسق أخاك النمري، ففعل ذلك مراراً، ونفذ الماء، فسقط كعب ميتاً عطشاً، فهذا يضرب لكل من طلب الشيء مراراً.

باب المصانعة بالمال في طلب الحاجة:
قال أبو زيد: من أمثالهم في هذا قولهم: من ينكح الحسناء يعط مهراً.
أي من طلب حاجة يهتم بها طابت نفسه بالبذل فيها، وقال أبو عبيد: ومنه قولهم: من صانع المال لم يحتشم من طلب الحاجة.
ومنه قولهم: البضاعة تيسر الحاجة، ومنه قولهم: من اشترى اشتوى.
يقول: من اشترى بماله اشتوى، قال ذلك الأحمر في هذين المثلين.
قال أبو عبيد: قولهم: "اشتوى " يريد: شوى اللحم.
يقال: قد اشتوينا، أي شوينا اللحم، فإذا جعلوا الفعل للحم نفسه قالوا: انشوى بالنون، وهذا نحو قول العامة.
عمك خرجك.
وأصله فيما يقولون إنَّ رجلاً سافر مع عمه من غير زاد اتكالاً على ما في خرج عمه من الطعام، فلما جاع قال: يا عم أطعمني مما في خرجك، فقال له هذه المقالة.

باب الحاجة تطلب فيحول دونها حائل:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: سد أبن بيض الطريق.
قال: يضرب للرجل يريد الأمر فيعرض دونه عارض قال الأصمعي: وأصله إنَّ رجلاً كان في الزمن الأول يقال له أبن بيض، عقر ناقة على ثنية فسد بها الطريق، فمنع الناس من سلوكها، وقال أبو عبيدة نحو قول الأصمعي، وأما المفضل فكان أحسنهم للحديث اقتصاصاً، قال: كان أبن بيض رجلاً من عاد، وكان تاجر مكثراً، وكان لقمان لن عاد يخفره في تجارته، ويجيزه على خرج يعطيه أبن بيض، يضعه له على ثنية، إلى إنَّ يأتي لقمان فيأخذه، فإذا أبصره لقمان وقد فعل ذلك قال: "سد أبن بيض الطريق " يقول: إنّه لم يجعل لي سبيلا على أهله وماله حين وفى لي بالعجل الذي سماه لي، فقال: ففيه يقو عمرو بن الأسود الطهوى:
سددنا كما سد أبن بيض سبيلها ..، فلم يجدوا عند الثنية مطلعا
و من أمثالهم في الحاجة يعوق دونها عائق قولهم: اخلف رويعا منظنه.
قال: وأصله إنَّ راعيا اعتاد مكانا يرعاه فجاء يوماً حال عن عهده، وفسد وتغير، قال الأصمعي: كلاماً هذا معناه، ومثله قولهم: قد علقت دلوك دلو أخرى.
أي قد دخل أمرك داخل، وأصل الرجل يدلي دلوه للاستقاء، فيرسل آخر دلوه أيضاً، فتعلق بالأولى حتى تمنع صاحبها أنَّ يستقي فيقول: قد عرض في أمرك عارض، ومن أمثالهم أيضاً في الحاجة يعوق دونها عائق قولهم: الأمر يحدث بعد الأمر.
وهذا مثل مبتذل في العامة.

باب اليأس من الحاجة والرجوع منها بالخيبة:
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في اليأس من الحاجة قولهم: أسائر اليوم وقد زال الظهر!.
يقول: أتطمع فيما بعد وقد تبين لك اليأس، وقال أبو زيد في نحو منه: من لي بالسانح بعد البارح!.
قال: وأصله أنَّ رجلاً مرت به ظباء بارحة، والعرب تتشاءم بها، فكره ذلك، فقيل له: إنها ستمر بك سانحة، فعندها قال: "من لي بالسانح بعد البارح! " فذهبت مثلاً، يضرب للرجل يرى من صاحبه بعض ما يكره، فيقال له: إنّه سيتعب وتقضى الحاجة، فيقول هذا حينئذ، قال أبو زيد بعض هذا الكلام، قال أبو عبيد: ومن أمثال العوام في هذا: رجع فلان من حاجته بخفي حنينٍ.
قال: وكان بعض علماء هذا الشأن يخبر بأصله قال: كان حنين إسكافا من أهل الحيرة، فساومه أعرابي بخفين فاختلفا حتى أغضبه، فأراد غيظ الأعرابي، فلما ارتحل أخذ حنين أحد خفيه فألقاه في طريقه، ثم ألقى الآخر في موضع آخر، فلما مر الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا بخف حنين، ولو كان معه الآخر: لأخذته، ومضى، فلما انتهى إلى الخف الآخر ندم على تركه الأول، فأناخ راحلته عند الآخر، ورجع إلى الأول وقد كمن له حنين، فلما مضى الأعرابي عند إلى راحلته وما عليها فذهب بها، وأقبل الأعرابي ليس معه غير الخفين، فقال له قومه: ماذا جئت به من سفرك؟ فقال: جتكم بخفي حنين، فصار مثلاً.

باب طلب الحاجة من غير موضعها:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: لم أجد لشفرةٍ محزاً.
أي ليس لي من متقدم في طلب الحاجة، وقال أبو عبيدة في مثل ذلك.
كمدت غير مكدمٍ.
ونحو هذا قولهم: قد نفخت لو تنفخ في فحمٍ.
وهذا المثل للأغلب العجلي في شعر له، ومثل العامة في هذا قولهم: تضرب في حديد باردٍ.
وقال الأصمعي: والكسائي جميعاً: عرض على الأمر سوم عالةٍ.
قال الكسائي: ومعناه مثل قول العامة: عرض سابري.
وقال الأصمعي: أصله في الإبل التي قد نهلت من الشرب، ثم علت الثانية، فهي عالة، فتلك لا يعرض عليها عرضا يبالغ فيه، وقال الأصمعي: أو غيره: ومن أمثالهم: إنَّ كان بي تشدك أزرك فارخه.
ويقول: إنَّ كنت تتكل على في حاجتك حرمتها.

باب التفريط في الحاجة وهي ممكنة ثم تطلب بعد الفوت:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: عثرت على الغزل بأخرةٍ فلم تدع بجدٍ قردةً.
قال الأصمعي: وأصله أنَّ تدع المرأة الغزل وهي تجد ما تغزل، ومن قطن أو كتان أو غيره، حتى إذا فاتها تتعبت القرد في المقمات تلتقدها فتغزلها.
قال: والقرد: ما تمعط عن الإبل والغنم، من الوبر والصوف والشعر.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في التفريط قولهم: الصيف ضيعت اللبن.
وكذلك قولهم: تدع العين وتطلب الأثر.
وكان المفضل يذكر حديث المثلين جميعا، وقال: أما حديث اللبن فإنَّ صاحبه عمرو بن عمرو بن عدس أبن زيد التميمي، وكانت عنده دختنوس بنت لقيط بن زرارة، وكان ذا مال كثير إلاّ إنّه كان كبير السن، فقتله، فلم تزل تسأله الطلاق حتى فعل، وتزوجها بعده عمير بن معبد بن زرارة أبن عمها، وكان شاباً إلاّ أنه معدم، فمرت ابل عمرو بن عمرو ذات يوم بدختنوس فقالت لخادمتها: انطلقي إلى أبي شريح فقولي له: يسقينا اللبن، فأبلغته فعندها قال: "الصيف ضيعت اللبن " هذه حكاية المفضل، قال أبو عبيد: أراه يعني إنَّ سؤالك إياي الطلاق كان في الصيف، فيومئذ ضيعت اللبن بالطلاق، وأما بعض الناس فيقولون: معناه إنَّ الرجل إذا لم يطرق ماشيته في الصيف كان مضيعاً لألبانها حينئذٍ، ثم رجع الحديث إلى حديث المفضل، قال: وأما قولهم: لا تطلب أثراً بعد عين.
فانه لمالك بن عمرو العاملي، وكان له أخ يقال له: سماك، فقتله رجل من غسان، فلقيه مالك فأراد قتله، فقال الغساني: دعني ولك مائة من الإبل، فقال: "لا تطلب أثراً بعد عينٍ" ثم قتله، فذهبت الكلمتان مثلين.

باب تأخير الحاجة ثم قضاؤها في آخر وقتها:

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم:
إذا نام ظالع الكلاب.
قال: وذلك إنَّ الظالع منها لا يقدر إنَّ يعاظل مع صحاحها لضعفه، فهو يؤخر ذلك، وينتظر آخرها فلا ينام، حتى إذا لم يبق منها شيء سفد حينئذ، ثم نام، قال الأصمعي بعض هذا التفسير أو أكثره، وقال أبو عبيد: في تأخير الحاجة: يذهب يوم الغيم ولا يشعر به، يُضرب للسَّاهي عن حاجته حتى لا تفوته ولا يعلم.

باب إبطاء الحاجة وتعذرها حتى يرضى صاحبها بالسلامة:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: رضيت من الغنيمة بالسلامة.
يضرب للرجل يسعى في طلب حاجته فيشرف منها على الهلكة حتى يرضى بأن يفلت سالما، ومنه قول الشاعر، وبعضهم يرويه لامرئ القيس بن حجر الكندي:
وقد طوفت في الآفاق حتى ..، رضيت من الغنيمة بالإياب
ويقال في نحو منه: من نجا برأسه فقد ربح.
وهذا الشعر أراه قيل ليلى صفين.
الليل داجٍ والكباش تنطح ..، ومن نجا برأسه فقد ربح
و من أمثالهم المشهورة قولهم:
ليت حظي من أبي كرب ..، أنَّ يسد خيره خبله
ويقال:إنّه لامرأة من الأوس، في تبع بن إني كرب حين قدم المدينة، فأطمعت أنَّ ينالها من خيره، فقالت هذه المقالة عند ذلك.

باب الحاجة تودي صاحبها إلى تلف النفس:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: كالطالب القرن فجدعت أذنه.
أي جاء يطلب زيادة فأتلف ما عنده، قال: ومثله: كالباحث عن الشفرة.
أي إنّه بحث ليطلب معاشاً فسقط على شفرة فعقرته أو قتلته، يعني الصيد الذي يقع في الحبالة، قال: ومن قولهم: سقط العشاء به على سرحان.
قال الأصمعي: قال: وأصله إنَّ رجلاً خرج يلتمس العشاء فوقع على ذئب فأكله، قال المفضل في المثل كذلك أيضاً، ولكنه قال: أصله دابة خرجت تطلب العشاء فلقيها ذئب فأكلها، وكان المفضل يحكي في هذا مثلا آخر، قال: وهو قولهم: لو لك عويت لم أعوه.
قال: وكان من حديثه أن الرجل كان إذا بقى بالقفر من الأرض ولم يعرف موضع الأنس، وارتاد طعاما يتعشى به إستنبح الكلاب قال: وهو أن ينبح لها، فإذا سمعته الكلاب نبحت فيعرف بذلك مكان الناس فيقصد اليهم، فقعل ذلك رجل مرة، فسمعت الذئاب عواءه، فأقبلن يردنه، فقال: "لو لهذا عويت لم أعوه " ومنه قولهم: كمبتغي الصيد في عريسة الأسد.

باب الحاجة يقدر عليها صاحبها متمكنا لا ينازعه فيها أحد:
قال أبو عبيدة: من أمثالهم في هذا قولهم: خلا لك الجو فبيضي واصفري.
قال أبو عبيد: وهذا المثل يروى عن أبي عباس إنّه قاله لابن الزبير حين خرج الحسين بن علي إلى العراق، فلقى أبن عباس أبن الزبير فقال: "خلا لك الجو فبيضي واصفري، هذا حسين يخرج إلى العراق، ويخلي لك الحجاز"، قال أبو عبيد: قال أبو عبيد: وهذا مثل في شعر قديم:
يالك من قبرةً بمعمر ..، خلا لك الجو فبيضي واصفري
و نقري ما شئت أن تنقري ويقول في نحو منه وليس هو بعينه: رمى برسن فلان على غاربه.
إذا خلى وما يريد، وهذا المثل يروى عن عائشة أم المؤمنين أنها قالته ليزيد بن الأصم الهلالي أبن أخت ميمونة زوج النبي ): "ذهبت والله ميمونة، ورمى برسنك على غاربك".

باب الحاجة يحملها الرجل صاحبه المستغني عن الوصية لشدة عنايته بها:
قال أبو عبيد: من أمثالهم السائرة في الناس: أرسل حكيماً ولا توصيه.
يقول: إنَّ عقله وأدبه يغنيك عن وصايته بعد أن يعرف الحاجة، وقال أبو زَيد: ويقال في مثل هذا: إنَّ الموصين بنو سهوان.
قال: ومعناه أنَّ الذين يحتاجون إلى أن يوصوا بحوائج إخوانهم هم الذين يسهون عنها لقلة عنايتهم، وأنت غير غافل ولا ساهٍ عن حاجتي، قال: يضرب هذا للرجل الموثوق به، وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في قولهم: الحريص يصيدك لا الجواد.
يقول: إنَّ الذي له هوىً وحرص في حاجتك هو الذي يقوم لك بها، لا القوى عليها، ولا هوى له فيك، ومنه قولهم: لا يرحل رحلك من ليس معك.
وهذا مثل يتكلم به العوام من الناس.
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الحاجة المعني بها قولهم: جعلته نصب عيني.
وكذلك: لم أجعلها بظهرٍ.

باب قضاء الحاجة قبل سؤالها:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: لا تسأل الصارخ وانظر ماله.
يقول: إنّه لم يأتك مستصرخاً إلاّ من ذعر أصابه فأغثته قبل أن يسألك الغياث، يضرب للرجل تعرف فاقته ومسكنته، يقول: فإذا أتاك فأعطه قبل المسألة، ولا تلجئه إلى ذلك، وقال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: عينه فراره.
يقول: منظره يغنيك عن مسألته، والفرار: اختبار الشيء ومعرفة حاله، كما تفر الدابة، ومن أمثالهم في هذا قولهم: كفى برغائها منادياً.
وهذا مثل مشهور عند العالم، ومثلهم قولهم: تخبر عن مجهوله مرآته: وقال أبو الأسود الدؤلي يمدح المعطي قبل المسألة:
وإنَّ أحق الناس إن كنت مادحاً ..، بمدحك من أعطاك والوجه وافرُ
يقول: يعطيك قبل أن تخلق وجهك بالسؤال، وقال الآخر:
أعطاك قبل سؤاله ..، فكفاك مكروه السؤالِ.

باب إغاثة الملهوف بقضاء حاجته:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: أرغوا لها حوارها تقر.
أي أعطه حاجته يسكن، واصله أنَّ الناقة إذا سمعت رغاء حوارها سكنت وهدأت، وكان أبو عبيدة يحكي هذا المثل على غير هذا اللفظ، قال: يقال: حرك لها حوارها تحن.
قال: ومعناه الرجل يذكر له بعض أشجانه ليهتاج به، قال أبو عبيد: وهذا المثل يروى عن عمرو بن العاص إنّه قاله لمعاوية حين أراد أن يستنصر أهل الشام: أخرج إليهم قميص عثمان الذي قتل فيه، ففعل ذلك معاوية فأقبلوا يبكون، فعندها قال عمرو: "حرك لها حوارها تحن".

باب الانصراف عن الحاجة وهي مقضية أو غير مقضية:
قال أبو زَيد: يقال: جاء فلان من حاجته وقد لفظ لجامه.
إذا انصرف منها مجهوداً من الإعياء والعطش، قال: ومثله: جاء وقد قرض رباطه.
قال الأحمر: فإن جاء ولم يقدر عن حاجته قيل: جاء على غبيراء الظهر.
قال الأحمر: فإن جاء مستحيياً قيل: جاء كخاصي العير.
فإن جاء قضى حاجته قيل: جاء ثانياً من عنانه.
قال الكسائي: فإن جاء فارغاً قيل: جاء يضرب أصدريه.
قال: يعني: عطفيه، وقال الأصمعي مثله إلاّ أنه قال: "أسدريه " بالسين وكذلك: جاء سبهللاً.
وهذا الحرف يروى عن عمر بن الخطاب، قال الأصمعي: فإن جاء بعد الشدة قيل: بعد اللتيا والتي.
يريد الشدة العظيمة والصغيرة، ومنه قول الشاعر يذكر قبيلته: "و كفيت جانبها اللتيا والتي " ومنه قولهم: بعد الهياط والمياط.

باب اغتنام الفرصة عند إمكان الحاجة:
قال أبن الكلبي: ومن أمثالهم في الفرصة قولهم: من عال بعدها فلا اجتبر.
قال: وهذا المثل لعمرو بن كلثوم في شعر له:
من عال مني بعدها فلا اجتبر ..، ولا سقى الماء ولا رعى الشجر
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في اغتنامهم الفرصة قولهم: اسر وقمر لك.
أي اغتنم ضوء القمر ما دام طالعاً فسر فيه، ومن هذا قولهم: لا تطلب أثراً بعد عينٍ.
ومن اغتنام الحاجة قولهم: سيرين في خرزةٍ.
يقول: إن أمكنك أن تجمع حاجتين في حاجة فافعل، وبعضهم يقول: "خرزين في خرزة".

باب تيسير الحاجة على قوم بضرر آخرين:
قال أبو عبيد: من أمثالهم القديمة على وجه الدهر: ما قرعت عصاً على عصاً إلاّ حزن لها قوم وسر بها آخرون.
قال: ومعناه أنه لا يحدث في الدنيا حدث فيجمع الناس على أمر واحد من سرور ولا حزن ولكنهم فيه مختلفون، ومن أمثالهم في نحو هذا قولهم: نعم كلب في بؤس أهله.
يريد أنَّ الكلب ينعم لأنَّ إبلهم تسقط وتتماوت، ومثله قولهم: أحب أهل الكلب إلى كلبهم الظاعن.
قال: وذلك لأنّه إذا سافر الرجل على راحلته عطبت، فصار طعاماً للكلب، قال أبو عبيد: ولا أدري ممن سمعت هذين المثلين، غير أنهما من أمثالهم، وهما في معنى واحد.