بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآله
ذكر الأمثال في الجنايات
باب الدواهي العظام يجنيها الرجل:
قال الأصمعي: من أمثالهم في الداهية يقال أتي بها جانبها قولهم: - جاء فلان بالداهية الدهناء وجاء بالرقم الرقماء، وكذلك الداهية الشعراء والداهية الزباء، وقال غير الأصمعي: ومن أسماء الداهية قولهم: - جاء فلان بالسلتم وجاء بالقنطر، وجاء بالعنقفير، وجاء بالدردبيس.
وقال الأصمعي: ويقال: جاء بأم الربيق على أريق، وجاء بإحدى بنات طبقٍ.
قال: واصلها من الحيات، وقال أبو عبيد: ومنها قولهم: جاء فلان بمطفئة الرضف.
قال: واصلها أنها داهية أنست التي قبلها، وأطفأت حرها، قال أبو زَيد: ومن أسمائها أم جندب، قال: ويقال: وقع القوم في أم جندب.
أي داهية وظلم يجني عليهم، قال أبو عبد الله الزبير: قال الشاعر:
سيصلى بها القوم الذين اصطفوا بها ..، وإلاّ فمعكود لنا أم جندبِ
يعني أنا نغشم، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: صمى صمام، ويقال: صمى ابنة الجبل وقال الكميت:
إذا ألقى السفير بها ونادى ..، لها صمى ابنة الجبل السفير
قال: وصمام هي الداهية، وقوله: "صمي أي اخرسي يا داهية"، قال الكسائي: يقال: ، - لقيت من فلان الأمرين ولقيت منه الفتكرين، ولقيت منه الأقورين، ولقيت منه الأقوريات.
كل هذا من الدواهي والأمور العظام، قال: وتقول العرب
قد بلغت منا المبلغين
كل هذا من الدواهي، وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في الدواهي قولهم: جاء فلان بالطلاطلة وبأم حبكوري، وبالضئيل، وبالأزب، وبالفلق، وبالفليقة، وبالخنفقيق، وبالهاريس، وبالنئطل، وبالنادى.

باب جناية الجاني التي لا دواء لها ولا حيلة:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: غادر وهيةً لا ترقع.
أي فتق فتقاً لا يقدر على رتقه، وقال أبو عبيد: ويقال: هذا أمر لا تبرك عليه الإبل.
يضرب للأمر العظيم الذي لا يصبر عليه، وذلك أنَّ الإبل إذا أنكرت الشيء نفرت منه فذهبت في الأرض على وجهها، وقال أبو عبيد: ومثله قولهم: جرحه حيث لا يضع الراقي أنفه.
أي لا دواء له، قال الأصمعي: يقال إذا لقي الشدة بكاملها: لقيها بأصبارها.

باب العداوة بين القوم وصفات العداء:
قال الأصمعي: من أمثالهم في نعت العدو قولهم: - هو أزرق العين وكذلك قولهم: هو أسود البد، وهم سود الأكباد، وهم صهب السبال.
وقال الشاعر:
وما حاولت من أضغان قومٍ ..، هم الأعداء فالأكباد سودُ
وقال أبن قيس الرقيات:
ونزالي في القوم صهب السبالِ
قال الأصمعي: وليس من هذا شيء يراد به نعوت الرجال، إنّما معناه العداوة، وقال: ولا أدري لعل اصلها من النعت.

باب إظهار العداوة وكشفها:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: لبست له جلد النمر وكذلك قولهم: قشرت له العصا.
أي أبدت له ما في نفسي، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في شدة العداوة والغيظ قولهم: هو يعض عليه الأرم.
على مثال " فُعَّل " قال: يعني إصبعه، قال مؤرج: "هو يحرق عليه الأرم " قال: وفي تفسيره ثلاثة أقوال، يقال: الحصى، ويقال: الأضراس، ويقال: الأسنان، وهي أبعدها، ولو كانت الأسنان لكانت بالزاي " الأزم " وإنّما هي بالراء، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الشدة قولهم: لقيت من فلان عرق القربة.
قال: ومعناها الشدة، ولا أدري ما اصلها، قال أبو عبيد: وقد فسرنا هذا في غريب الحديث، ومن الشدة قولهم:
قد سيل به وهو لا يدري.

باب فساد ذات البين وتأريث الشر في القوم:
قال أبو زَيد: يقال للقوم إذا أوفوا على الشر والفساد: قد ثار حابلهم على نابلهم.
قال الأصمعي: وإذا نشب الشر بينهم وشملهم قيل: شرق ما بينهم بشر.
قال: فإن كان شراً دائما لا يكاد ينقطع قيل: بينهم داء الضرائر.
فإن كانت بينهم معاملة من أخذٍ وإعطاء ولا غنى بهم عنه، ولا تزل المشارة تكون بينهم فيها قيل: إنَّ الحماة أولعت بالكنه وأولعت كنتها بالظنه فإن كان ذلك الفعل منهم عاما، ولم يكن لبعضهم فيه على بعض فضل في الصبر والاحتمال قيل: صغراها مراها.
أي أصغرهم وأحقرهم أكثرهم شراً، فإن كان لبعضهم فيه أدنى فضيلة إلاّ أنها خسيسة قيل: قبح الله معزى خيرها خطة.
قال: وخطة: اسم عنز كانت عنز سوء، كل هذا عن الأصمعي إلاّ المثل الأول الذي عن أبي زيد وقال الأصمعي: من أمثالهم في الشر قولهم: بينهم عطر منشم.
قال: يراد به الشر العظيم.

باب مقلية القوم بعضهم بعضاً والاستشهاد عليه بالنظر:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: شاهد البغض اللحظ.
قال: ومثله قولهم في الحب: جلى محب نظره.
قال أبو عبيد: ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
فأن تك في صديقٍ أو عدو ..، تخبرك العيون عن القلوب
وقال أبو زَيد: وإذا أثقل الرجل على صاحبه حتى لا يقدر أن ينظر إليه قيل: إنّما هو على حندر عينه قال الأصمعي: وكذلك قولهم: رمي منه في الرأس، إذا ساء رأيه فيه حتى لا ينظر إليه، قال أبو عبيد: ومنه حديث عمر بن الخطاب حين سلم عليه زياد بن حدير فلم يرد عليه، فقال زياد: "لقد رميت من أمير المؤمنين في الرأس " وكان ذلك لهيئة رآها عليه فكرهها.

باب توعد الرجل عدوه الكاشح له:
قال أبو زيد: من أمثالهم في الوعيد قولهم: لأمدن غضنك أي لأطيلن عناءكز قال أبو زيد: ومنه قولهم: لأحقن حواقنك بذواقنك.
قال: الحواقن: ما يحقن الطعام في بطنه، والذواقن: اسفل بطنه، قال أبو عبيدة وأبو عمرو في الذواقن والحوافن غير هذا، وقد فسرناه في غريب الحديث، قال أبو زيد: ومن الوعيد قولهم: لأطعنن في حوصهم.
والحوص: الخياطة بغير رقعة، ومعناه إني أفسد ما أصلحوا، قال: ومن الوعيد قولهم: لأشأنن شأنهم.
ومنه قولهم: لألجئنك إلى قر قرارك.
أي لأضطرنك إليه، ويقول أيضاً.
لأرينك لمحا باصراً.
أي صادقا، عن أبي زيد، وقال الأحمر: ومن الوعيد قولهم: لئن التقى روعي وروعك لتندمن.
وقال الأموي: ومن أمثالهم في هذا: أما والله لتجنبها مصراً.
يقول: لا تقدر على أنَّ تنال مني شيئاً، قال: وأصله قلة اللبن، يقال: مصرت الشاة أمصرها مصراً.

باب معاشرة أهل اللوم وما ينبغي إنَّ يعاملوا به:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: أجع كلبك يتبعك.
قال أبو عبيد: والعامة تقول: ليس للئيم مثل الهوان.
أي انك إنَّ دفعته عنك بالحلم والاحتمال اجترأ عليك وإنَّ أهنته خافك وفأمسك عنك، وقال بعض الماضين: ادفع الشر بمثله إذا أعياك غيره.
و مثله: الحديد بالحديد يفلح.
ومنه قول الفند الزماني، واسمه شهل بن شيبان:
وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان
وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان.