بسم الله الرحمن الرحيم
الأمثال في الأقربين من أسرة الرجل وعترته
باب المثل في التعاطف ذوي الأرحام وتحنن بعضهم على بعض:
قال أبن الكلبي: ومن أمثالهم في عطف ذوي الأرحام قولهم: يا بعضي دع بعضاً.
قال: وأوّل من قاله زرارة بن عدس التميمي، وذلك أنَّ ابنته كانت عند سويد بن ربيعة، ولها منه تسعة بنين، وإنَّ سويدا قتل أخا لعمرو بن هند الملك صغيرا، ثم هرب فلم يقدر عليه أبن هند، فأرسل إلى زرارة فقال: ائتني بولده من أبنتك، فجاء بهم، فأمر عمرو بقتلهم، فتعلقوا بجدهم زرارة فقال: "يا بعضي دع بعضاً " فذهبت مثلا، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في العناية بذي الرحم قولهم: أسعد أم سعيد.
وكان المفضل يخبر إنَّ المثل لضبة بن أدن وكان له ابنان سعد وسعيد، فخرجا في بغاء ابل لهما، فرجع سعد ولم يرجع سعيد، فكان ضبة كلما رأى شخصاً قال: "أسعد أم سعيد " قال أبو عبيد: هذا أصل المثل، وقد وضعه الناس في الاستخبار عن الأمرين من الخير والشر، وإنّما موضعه ما أعلمتك، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في التحنن بالأقارب: لكن على بلدح قوم عجفى.
ومثله، " لكن بالأثلاث لحم لا يظلل".
يقول الرجل هذا إذا رأى قوما في سعة وخصب، وله حميم أو غيره ممن يهتم بشأنه، وهم فاقة وسوء حال، وكان المفضل يحدث بهذا عن بيهس الذي يلقب بنعامة، وكانت بين أهل بيته وقومه من أشجع حرب، فقتلوا سبعة أخوة لبيهس، وأسروا بيهسا، فلم يقتلوه لصغره فارتحلوا به فنزلوا منزلا في سفرهم، ونحروا به جزروا، فقال بعضهم: ظللوا لحم جزوركم، فقال نعامة: "لكن بالأثلاث لحم لا ظلل " يعني لحم اخوته القتلى، ثم ذكروا كثرة ما غنموا، فقال النعامة: "لكن على بلدح قوم عجفى " يعني أهل بيته، ثم إنّه أفلت أو خلوا سبيله، فرجع إلى أمه، فقالت له: أنجوت أنت من بينهم؟ فقال: لو خيرت لاخترت.
وكانت لا تحبه قبل ذلك، فلما رأته ليس لها غيره رقت له، وتعطفت عليه، فقال نعامة: الثكل أرامها.
يعني إنَّ فقدها أولادها عطفها على، فذهبت كلماته الأربع كلها أمثالاً، وقوله: "بلدح " اسم موضع، وكذلك " الأثلاث " قال الزبير: الأثلاث: شجر، وهو الطرفاء وقال الزبير: قتلهم نصر بن دهما بن الأشجعي، وأراد قتل البيهس فقيل له: إنّه أحمق فدعه لأمه لتسكن إليه، فلما نزلوا قال نصر: ظللوا ذلك اللحم، فذلك حيث يقول نعامة: "لكن بالأثلاث لحم لا يظلل " ففزع منها نصر، فقيل له: كلمة جاءت من أحمق.
وقال الأصمعي: في مثل هذا يقال: لا يعدم الحوار من أمه حنةً.
ومنه: لا يضر الحوار ما وطئته أمه.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في التحنن على الأقارب
و ابأبي وجوه اليتامى
وحكي عن المفضل إنّه كان يحكيه عن يعد القرقرة، وهو رجل من أهل هجر، وكان النعمان يضحك منه، فدعا النعمان بفرسه اليحموم وقال لسعد: أركبه فأطلب عليه الوحش، قال سعد: إذاً والله أصرع، قال: فأبى النعمان إلاّ أنَّ يركبه، فلما ركبه سعد نظر إلى بعض ولده فقال ذلك، وفي هذا يقول سعد:
نحن بغرس الودي أعلمنا ..، منا بركض الجياد في السلف
و يروى: في السدف.

باب احتمال لذي رحمه يراه مضطهداً وإنَّ كان له كشاحاً قاليا، قال الأصمعي: يقال في هذا مثل هذا:
لا تعدم من أبن عمك نصرا.
وأما أبو عبيدة فكان يحكيه: لا يملك مولى نصراً.
قال أبو عبيد: وكلاهما معناه أنَّ حميمك يغضب لك إذا رآك مضطهدا وإنَّ كان لك مشاحنا، وكان المفضل، فيما روى عنه، يقول: إنَّ أوّل من قاله النعمان بن المنذر الملك، وذلك إنَّ العيار بن عبد الله الضبي كان الذي بينه وبين ضرار بن عمرو سيئاً وهو من أسرته، فاختصم أبو مرحب اليربوعي وعند النعمان في شيء فنصر العيار ضراراً فقال له النعمان: أتفعل هذا بي بأبي مرحب في ضرار وهو معاذيك؟ فقال العيار: إني أكل لحم أخي ولا أدعه لآكل.
فعندها قال النعمان: "لا يملك مولى نصراً " فذهبت كلمتاهما مثلين، قال أبو عبيد: ومن هذا المثل مقالة عثمان بن عفان لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما حين كتب إليه وهو محصور، وكان على غائباً في مال له: إذا أتاك كتابي هذا فأقبل إلى على كنت أولى.
فان كنت مأكولاً فكن خير آكل ..، وإلاّ فأدركني ولمّا أمزق
يقول: إنَّ أخي وأبن عمي، وإنَّ كان عاتبا عليَّ فهو أرأف بي وأرق عليَّ من الأباعد ومن أمثالهم في هذا: الحفائظ تحلل الأحقاد.
ومنه قول القطامي: و ترفض عند المحفظات الكتائف، والكتائف هي السخائم، ويقول: إذا رأيت قريبي يضطهد، وأنا عليه واجد، خرجت تلك السخيمة من قلبي له، ولم أدع نصره ومعونته، ومنه قولهم: أنصر أخاك ظالما أو مظلوماً.
قال أبو عبد الله الزبير: الحسائف هي السحائم أيضاً.

باب استعطاف الرجل صاحبه على أقربيه وإنَّ كانوا له غير مستحقين:
قال أبو زيد: ومن أمثالهم في هذا قولهم: منك عيصك وإنَّ كان أشباًز أي منك أصلك وإنَّ كان أقاربك على خلاف ما تريد يقول: فأصبر عليهم، فأنه لا بد لك منهم، وقال الأصمعي: في مثله: منك ربضك وإنَّ كان سماراً.
وأصل السمار اللبن الممذوق، فشبه القريب في رداءته به وقال الأحمر في مثله: منك أنفك وإنَّ كان أجدع.
قال أبو عبيد: كل هذا معناه إنَّ عشيرتك ورهطك لا منجى لك منهم، فأحتملهم على ما فيهم، قال الأصمعي: يقال: هو ألزم لك من شعرات قصك.
قال: وذلك لأنه كلما حلق نبت، وهذا المثل يضرب للذي ينتفي من قريبه، وقد أيضاً لكل من أنكر حقا يلزمه، من أي الحقوق كان.

باب عجب الرجل برهطه وعترته:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: كل فتاةٍ بابيها معجبة.
وهذا المثل يرويه بعضهم للأغلب العجلي في شعر له وقال بعضهم: هذا المثل لامرأة من بني سعد، يقال لها العجفاء بنت علقمة، ويقال: إنّه لكاهنة منهم: تنافر إليها نسوان، كل واحدة تذكر مجد أبيها، وتفخر به، فقالت الكاهنة: كل واحدة منكن بابيها معجبة، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في نحو هذا: زين في عين والدٍ ولده.
وروي الناس عن عمر بن عبد العزيز إنّه قيل له: لو بايعت لأبنك عبد الملك مع فضله وشأنه وورعه، فقال: لولا أني أخاف أنَّ يكون زين في عيني منه ما يزين للوالد من ولده لفعلت، ثم توفي عبد الملك قبل عمر، ومثل للعامة في مثل هذا.
من يمدح العروس إلاّ أهلها.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في نحوه: حميم الرجل وأصله.

باب تشبيه الرجل بأبيه:
الأصمعي وأبو عبيدة وأبن الكلبي كلهم قالوا: من أمثالهم في التشبيه: شنشنة اعرفها من أخزم.
وهذا المثل يروى عن عمر بن الخطاب، قاله في أبن عباس يشبهه في رأيه بأبيه، ويقال: إنّه لم يكن لقريش مثل رأي العباس، وقد فسرنا هذا في غريب الحديث، ومنه قولهم: تقيل فلان أباه.
أي أشبهه، ومن أمثالهم في هذا: من أشبهه أباه فلما ظلم.
قال الأصمعي: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، يقول: فإذا أشبه أباه فقد وضع الشبه في موضعه، قال الأصمعي: ومن هذا قولهم: و من عضة ما ينبتن شكيرها.
والشكير: الورق الصغار ينبت بعد الكبار، قال الأصمعي: ومنه قولهم: العصا من العصية.
قال أبو عبيد: هكذا قال، وأنا أحسبها " العصية من العصا " إلا أن يكون يراد به إنَّ الشيء الجليل إنّما يكون في بدئه صغيراً كما قالوا: إنّما القرم من الأفيل.
فيجوز حينئذ على هذا المعنى إنَّ يقال: "العصا من العصية " قال أبو عبيد: ومن هذا قولهم: هل تنتج الناقة إلاّ لمن لقحت له.
أي هل يشبه الرجل غير أبيه.

باب إدراك ولد الرجل وبلوغهم في حياته:
قال أبو عبيد: يقال في مثل لهم: من سره بنوه ساءته نفسه.
ولا أدري ممن سمعته، إلاّ أنه بلغني أنَّ قائله ضرار بن عمرو الضبي، وكان ولده قد بلغوا ثلاثة عشر رجلاً، كلهم قد غزوا ورأس، فرآهم يوماً معاً وأولادهم، فعلم أنهم لم يبلغوا هذه السن إلاّ مع كبر سنه ونفاد عمره، فقال عندها: "من سره ولده ساءته نفسه " فأرسلها مثلاً، ومن أمثالهم في ولد الشبيبة وما يجب من ذلك:
إنَّ بني صبية صيفيون ..، أفلح من كان له ربعيون
و الولد الصيفي هو الذي يولد للرجل بعد السن، والربعي: الذي يولد في عنفوان الشباب، وهذا المثل يروونه عن سليمان بن عبد الملك تمثل به عند موته، وكان أراد أن يجعل الخلافة في ولده، فلم يكن له يومئذ من ولدٍ ولد له في الحداثة، وكانوا صغارا إلاّ من كان من أمهات الأولاد، فقد كان فيهم من قد بلغ، لأنهم كانوا لا يعقدون إلاّ لأبناء المهائر وقال الزبير: كانت عندهم رواية أنَّ ملكهم يذهب على رأس أبن أمه وكذلك كان.

باب تبني الرجل والمرأة غير ولدهما:
قال الأصمعي: من أمثالهم: ابنك أبن بوحك.
أي أبن نفسك الذي ولدته، ليس من تبنيت، قال أبو عبيد: وكذلك قولهم: ابنك من دمى عقبيك.
وكان المفضل يخبر بهذا المثل عن امرأة الضفيل بن مالك أبن جعفر بن كلاب، وهي امرأة من بلقين، فولدت له عقيل بن طفيل، فتبنته كبشة بنت عروة بن جعفر بن كلاب، فعرم عقيل على أمه يوماً فضربته، فجاءتها كبشة فمنعتها وقالت: ابني ابني، فقالت القينية: "ابنك من دمى عقبيك " تعني: الذي نفست به حتى أدمى النفاس عقبيك فهو ابنك لا هذا.

باب تحاسد ذوي القرابات وقطيعتهم أرحامهم:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: أينما أوجه ألق سعداً.
وكان المفضل يحدث أنَّ المثل للأضبط بن قريع السعدي، وذلك أنه كان سيد قومه، فكان يرى منهم حسداً له، وبغياً عليه، فرحل عنهم فنزل في آخرين، فرآهم يفعلون باشرافهم مثل ذلك، ثم رحل ونزل في غيرهم، فرأى مثل ذلك أيضاً، فعندها قال: "أينما أوجه ألق سعداً " أي كل الناس مثل قومي في حسدهم ساداتهم، قال الأصمعي: ومن أمثالهم: فرق بين معد تحاب.
يقول: إنَّ ذوي القرابة إذا تراخت ديارهم بعضها من بعض كان أحرى أن يتحابوا، وإذا تدانوا تحاسدوا وتباغضوا، قال أبو عبيد: وهذا يروى في حديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن مر ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا، ومنه قوله ) لأبي هريرة: يا أبا هريرة زر غباً تزدد حباً.

باب العقوق من الولد للوالد، والوالد للولد:
قال أبو عبيد: من أمثالهم: العقوق ثكل من لم يثكل.
يقول: إذا عقه ولده فقد ثكلهم وإن كانوا أحياء، قال أبو عبيد: هذا في عقوق الولد للوالد، وأما قطيعة رحم الوالد للولد فقولهم: الملك عقيم.
يريدون أنَّ الملك لو نازعه ولده الملك لقطع رحمه حتى يهلكه، فكأنه عقيم لم يولد له، وإنما ذلك من الانفراد بالملك، وأن ليس في الملك شريك، فكأنه لذلك عقيم.

باب التشابه في غير ذوي الرحم:
قال الأصمعي: من أمثالهم.
أشبه شرج شرجاً لو أنَّ أسيمراً.
قال أبو عبيد: وكان المفضل يحدث أنَّ صاحب المثل لقيم بن لقمان، وكان هو وأبوه قد نزلا منزلاً يقال له: "شرج " فذهب لقيم يعشى إبله، وقد كان لقمان حسد لقيماً وأراد إهلاكه، فاحتفر له خندقاً، وقطع ما هنالك من السمر، ثم ملأ به الخندق، وأوقد عليه ليقع فيه لقيم، فلما أقبل عرف المكان، وأنكر ذهاب السمر، فعندها قال: "أشبه شرج شرجاً لو أنَّ أسيمراً " فذهبت مثلا ومن هذا قولهم: ما أشبه الليلة بالبارحة.
فهذا التشبيه يكون في الناس وغيرهم، وكذلك قولهم: حذو القذة بالقذة.
وقد فسرناه في غريب الحديث، وهو أن يقدر كل قذة، والقذة: الريشة من ريش السهام، على صاحبتها سواء.