بسم الله الرحمن الرحيم
أمثال الجماعات من الأقوام وأنبائهم وحالاتهم
باب ذكر أخلاق الناس في اجتماعهم وافتراقهم:
قال الأصمعي: يقال في أمثالهم: لن يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا.
قال الأصمعي: وقال أبو عمرو بن العلاء: ما أشد ما هجا القائل: سواسية كأسنان الحمار.
قال أبو عبيد: ومثله قولهم: سواء كأسنان المشط.
قال أبو عبيد: وأحسب قولهم: "إذا تساووا هلكوا " لن الغالب على الناس الشر، وإنّما يكون الخير في النادر من الرجال لعزته، فإذا كان التساوي فإنما هو في السوء، وقال أبو زيد، ومن أمثالهم في هذا أيضاً قولهم:
القوم إخوان وشتى في الشتيم ..، وكلهم بجمعهم بيت الأدم
معناه انهم، وإنَّ كانوا مجتمعين بالشخوص والأبدان، فأن شيمتهم وأخلاقهم مختلفة.
وقوله: "بيت الأدم " قالوا: هو الأرض، وقالوا: آدم الذي يلتقون إليه في النسب، قال: وقالوا: بيت الإسكاف، فيه من كل جلد رقعة، وقال الأصمعي في نحو هذا: شتى تووب الحبلة.
قال: وأصله يوردون ابلهم الشريعة أو الحوض معا، فإذا صدروا تفرقوا إلى منازلهم، فحلب كل واحد في أهله على حياله، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم اختلاف الناس قولهم: الناس أخياف.
أي انهم مفترقون في أجسامهم وأخلاقهم، ويقال للفرس إذا كانت إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء: أخيف، وهو من هذا الاختلاف، قال أبو عبيد: ويقال في الجماعة يأتون معاً: جاءوا على بكرة أبيهم.
إذا جاءوا كلهم، وكذلك: جاءوا قضهم بقضيضهم.
وليس هذا من الأول، ولكنه نحو منه.

باب الرجلين يكونان متساويين في خير وشر:
قال أبن الكلبي: من أمثالهم في تساوي الرجلين قولهم: هما كركبتي البعير.
وذكر أبن الكلبي إنَّ المثل لهرم بن قطبة الفزاري، تمثل به لعلقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل الجعفريين حين تنافر إليه، فقال: أنتما يا ابني جعفر كركبتي البعير، تقعان معاً، ولم ينفر أحدهما على صاحبه قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الاثنين يسبقان إلى غاية: هما كفرسي رهان.
وهذا المثل يروى عن علي بن أبي طالب، رحمه الله، وغيره في رجل يولي من امرأته ويطلقها، ومعناه أنَّ انقضاء عدة الطلاق وانقضاء الأشهر الأربعة كفرسي رهان، أيهما يسبق خروجه أخذ به، قال أبو عبيدة: من أمثالهم في التساوي بين الاثنين: هما زندان في وعاءٍ.
قال أبو عبيد: وهذا المثل الثاني لا يكاد يوضع في المدح كالأول، إنّما هذا موضع الخساسة والدناءة، ومثل العامة في هذا قولهم: هما كحماري العبادي.
حين قيل له: أيهما أشر؟ فقال: هذا، ثم هذا، قال: ومن أمثالهم في الرجلين يسقطان معا متساويين.
وقعا كعكمى بعيرٍ.
قال ذلك الأصمعي، واصله أنَّ تحل عن البعير حباله فيسقط عكماه معاً.

باب الرجلين يكونان ذوى فضل غير إنَّ لأحدهما فضيلة على الآخر:
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا قولهم: مرعى ولا كالسعدان ومثله: ماء ولا كصداء.
يضرب للرجل يحمد شانه، ثم يصير إلى آخر أكثر منه وأعلى، وحكي عن المفضل إنّه كان يخبر عن هذين المثلين بحديثهما فقال: الأول منهما لامرأة من طيء، كان تزوجها امرؤ القيس بن حجر الكندي، وكان مفركاً فقال لها: أين أنا من زوجك الأول فقالت: "مرعى ولا كالسعدان " أي انك وإنَّ كنت رضاً فلست كفلان، والمثل الآخر للقذور بنت قيس بن خالد الشيباني، وكانت زوجة لقيط بن زرارة التميمي، ثم تزوجها من بعده رجل من قومها، فقال لها يوما: أنا اجمل أم لقيط؟ فقالت: "ماء ولا كصداء " أي أنت جميل ولست مثله، قال: وقال المفضل: وصداء: ركية لم يكن عندهم ماء أعذب من مائها، وفيها يقول ضرار بن السعدي:
وإني وتهيامي بزبيب كالذي ..، يطالب من أحواض صداء مشربا
قال أبو عبيد: وأما السعدان فشيء تتعلفه الإبل، وهو من افضل مراعيها، فإذا رأوا عافاً دونه قالوا هذه المقالة، ومن هذا المعنى المثل المستدل في العوام قولهم: سداد من عوز.
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في نحو هذا قولهم: فتى ولا كمالك.
قال الأصمعي: لا أدري من مالك وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في تفضيل أهل الفضل على بعض قولهم: في كل شجر نار واستنجد المرخ والعفار.
وقال غيره: "و استجمد المرخ واعفار " يعني انهما اتخذا من النار ما هو حسبها، ويقال: أمجدت الدابة علفا، إذا أكثرت لها منه.

باب الرجل يعجب بالفضيلة تكون فيه ولا يعرف فضل غيره عليه:
قال الأصمعي: من أمثالهم في مثل هذا قولهم: كل مجر بالخلاء يسر.
قال: وأصله الرجل يجرى فرسه بالمكان الخالي الذي لا مسابق له فيه، فهو مسرور بما يرى من فرسه، ولا يدري ما عند غيره، يضرب للرجل تكون فيه الخلة يحمدها من نفسه، ولا يشعر بما في الناس من الفضائل، وقال الأصمعي في نحو منه، وليس بعينه: ساواك عبد غيرك.
قال أبو عبيد: والعامة مثلها في هذا الموضع: عبد غيرك حر مثلك.
يضرب هذا للرجل يرى لنفسه فضلا على الناس من غير تفضل ولا طول.

باب مساواة الرجل صاحبه فيما يدعوه إليه:
قال أبن الكلبي: من أمثالهم: أنصف القارة من راماها.
قال هشام: والقارة هم عضل والديش ابنا الهون بن خزيمة وإنّما سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم، قال أبو عبيد: وأصل القارة أكمة، وجمعها قور، وقال أبن واقد: وإنّما قيل: "أنصف القارة من راماها " في حرب كانت بين قريش وبكر بن عبد مناة بن كنانة، قال: وكانت القارة مع قريش، وهم قوم رماة، فلما التقى الفريقان رماهم الآخرون، فقيل: قد أنصفتم هؤلاء إذ ساووكم في العمل الذي هو شانكم وصناعتكم، وفي بعض الآثار " ألا أخبركم باعدل الناس؟ قيل: بلى، قال: من أنصف نفسه "وفي بعضها "أشد الأعمال ثلاثة أصناف، إنصاف الناس من نفسك والمواساة بالمال وذكر الله على كل حال".

باب المساواة في التكافؤ والأفعال:
قال مورج: من أمثالهم في هذا: أضئ لي أقدح لك.
ويقال: "أكدح لك " أي كن لي اكن لك، قال أبو عبيد: ومن المكافأة.
إنّما يجزى الفتى ليس الجمل.
قالها لبيد بن ربيعة في شعره، وقال الأصمعي: ومنه قولهم: أسق رقاش إنّها سقاية.
يضرب المحسن فيقال: أحسنوا إليه لإحسانه، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في المكافأة قولهم: هذه بتلك فهل جزيتك.
وحكي عن المفضل إنّه كان يخبر عن قائله إنّه يزيد بن المنذر، قاله لعمرو بن فلان، وهما ن بني شهل في فعلة فعلها به عمرو، فجزاه يزيد بمثلها، ثم قال له هذه المقالة، فذهبت مثلا، وفي بعض الحديث المرفوع إنّه قال: "من أزلت إليه نعمة فليكافئ بها، فإنَّ لم يقدر فليظهر ثناءً حسناً" وفي حديث آخر: "أنَّ المهاجرين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الأنصار قد فضلونا بكذا وكذا، فقال: "ألستم تعرفون ذلك لهم؟" قالوا: نعم، قال: "فإنَّ ذاك" قال أبو عبيد: أم الحديث فليس فيه أكثر من قوله: "فإنَّ ذاك" فمعناه إنَّ معرفتكم إحساناً مكافأة لهم.