فلا تُفتنوا بها أيها الناس:
فإن فيها بهجة وحلاوة وجمال خضرة، لكن ما هي النهاية؟ زائلة فانية ذاهبة، فلا تفتننكم، ولا تنشغلوا بها عن عبادة ربكم، لا بأموالها وتجاراتها، ولا بألعابها ومتعها، خذوا منها المباح الحلال الذي تعبرون به إلى الدار الآخرة، واجعلوا أكثر أعمالكم في الدنيا طاعة لله، فإن الله أمر بالتنافس: "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" [المطففين: 26].
في الخيرات "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ" [آل عمران: 133]، "سَابِقُوا" [الحديد: 21] في أمور الآخرة، سارعوا، سابقوا، فليتنافس، "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ" [الأنبياء: 90] وفي الدنيا قال: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا" [الملك: 15].
"وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ" [القصص: 77] هذا هو الأهم الأول الذي يصرف له الوقت الأكثر، والجهد الأكبر: "وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا " [القصص: 77]؛ لأنه لابدّ لك من شيء تعيش به.
مثل المشـرك الذي يعبد أكثر من إله:
======================
انظروا إلى المثل العظيم الذي ضربه الله للمشرك الذي تتنازعه آلهته، والتي تختلف في نفسه في تلبية ما تريد: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ" [الزمر: 29].
هذا التوحيد هذا الموحد هذا مثل الموحد الذي لا يعبد إلا الله لا يريد إلا الله "وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا" هذا مثل الكافر الذي يعبد آلهة شتى، والمؤمن الذي يعبد إلهاً واحداً، هذا المشرك بمثابة عبد يملكه عدة أشخاص، اختلفت أوامرهم، وتضاربت رغباتهم، فهو متوزع النفس، مشتت، لا يدري يرضي هذا، أو هذا يطيع هذا أو هذا.
لكن المؤمن الموحد الذي لا يعبد إلا الله قد استقامت نفسه، وتوحدت وجهته وجهده في إرضاء إله واحد يعبده، لا شريك له، فانظر إلى هذا البيان الجميل، والبلاغة العظيمة، "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" [الزمر: 29].
وقال تعالى:
"ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ" في المقابل ومن الآخر "وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا" [النحل: 75].
الأول عبد مملوك لا يقدر على شيء، ولا يدبر، هذا لا خير عنده، لا يعمل بطاعة الله، هذا رقيق لا يملك نفسه، ولا يملك المال ولا من الدنيا شيئًا، لكن في المقابل "وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا" يحسن الاستثمار، ويحسن العطاء، لا يستوي هذا المملوك العاجز، وهذا المحسن، كذلك لا يستوي الكافر العاصي، والمؤمن المطيع، والله -تعالى- يملك كل شيء، ومَنْ يتاجر معه يربح، والذين يعبدون من دونه لا تملك شيئاً ولا تضر ولا تنفع، فمَنْ يعبدها خاسر.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يفقهنا في كتابه، وأن يفهمنا آياته، وأن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب همومنا، وجلاء أحزاننا.
اللهم اجعلنا من أهلك أهل القرآن يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
=========
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى وصحبه أجمعين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأزواجه وذريته الطيبين وخلفائه الميامين، وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
مثل من يعبـد الله ومن يعبد غيره:
====================
عباد الله:
لنعقل عن الله أمثاله، ما ضربها لنا عبثاً، ويجب علينا أن نتفهم هذه الأمثال؛ لأن فيها موعظة بليغة، بيان عظيم، دروس رائعة: "وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ" سيده "لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ" لا يفلح "هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" [النحل: 76].
مثل ضربه الله لنفسه ولمَنْ يعبد من دونه، فشبه هذه المعبودات، وهذه الأوثان في عجزها بهذا الأبكم المملوك الذي لا يقدر على شيء، ولا يجلب خيراً، وضرب المثل لنفسه تعالى بمَنْ يأمر بالخير والعدل وهو على صراط مستقيم.
هذه الأصنام لا تنطق ولا تعقل، وهي كَلٌ على عابديها، لابدّ أن يحملوها، وأن ينظفوها، ويمسحوا عنها الغبار، هي لا تفعل شيئًا هَلْ يَسْتَوِي هذا الوثن والصنم مع من يأمر بالعدل والإحسان والخير وهو على صراط مستقيم: "إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" [هود : 56].
كما ذكر عز جل في كتابه، فلا يستويان.
فيا عابدي الأصنام:
الخطاب موجه لهم كيف تعبدونها من دونه؟
واليوم عبادة الأوثان في العالم ضخمة وهائلة، من الناس مَنْ يعبد الشجر والحجر والبقر والبشر وبوذا مئات الملايين، آلاف الملايين.
ومنهم مَنْ يعبد القبور والأضرحة والموتى، ويستغيث بهم، هل يستوي هذا الميت الذي لا يجيب ولا ينفع من هؤلاء الذين يدعونه مشركو القبور وعباد القبور والأضرحة، هل يستوي مع الله -تعالى- الذي قوله صدق، وحكمه عدل، وأمره رشد، يأمر عباده بما يصلحهم.
مثل كلمة للتوحيـد وكلمة الشـرك:
====================
وكذلك ضرب الله المثل للتوحيد والشرك، كلمة التوحيد وكلمة الشرك، بالمثل العظيم في سورة إبراهيم: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً" وهي شهادة: أن لا إله إلا الله "كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ" وهي النخلة "أَصْلُهَا ثَابِتٌ" قوي متجذر في الأرض "أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء" [إبراهيم: 24].
عالية، سامقة، قوية، راسخة، تثمر، يستفاد منها في كل وقت وحين، وصيفا وشتاءً، وبالثمر الرطب والتمر والسعف والجمار والظلال، وكل ما فيها مفيد، وهذا السعف، وهذه الجذوع "أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء".
هذا مثل كلمة التوحيد في نفس المؤمن، ثابتة، راسخة، تثمر الأعمال الصالحة، هذا المؤمن الموحد يستفاد منه دائما في كل وقت، أعمال الخير تخرج منه، وتنبع، في كل الاتجاهات للبشر، ولمن حوله "تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا" [إبراهيم: 25].
وسيلقى جزاء أعماله الصالحة عند الله الحسنات والقربات التي تقربه إلى ربه، "وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ" كلمة الكفر "كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ" مثل الحنظل "اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ" الحنظل لا جذور لها ضاربة في الأرض، الحنظل هذا يمشي على الأرض ليس له حتى صعود إلى الأعلى، "اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ" [إبراهيم: 26].
ليس لها أصل ثابت الكفر ليس له أصل ثابت، ليس له مستند صحيح، ليس يبنى على شيء مستقيم أبدا، فهو ذاهب هو وصاحبه.
أمثلة في ضعف وحقارة الشرك وأهله:
=======================
وقال الله ناعياً على المشركين في عبادتهم للأوثان:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ" هذه الأوثان والأصنام "إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" [الحـج: 73].
لو حَطَّ الذُّباب على الصنم وقد طيَّبه عباده، ووضعوا عليه أنواع العطور والأدهان والأطياب، فعلق في أرجل الذباب شيء من الطيب الذي على الصنم، لا يمكن لها أن تستنقذه منه "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" [الحـج: 73].
ضعفت الأصنام، وضعف عابدوها، الطالب والمطلوب الذي يطلب والذي يطلب منه مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحـج: 74].
عباد الله:
في غمرة الانتشار للشرك والكفر والإلحاد تأتي هذه الأمثال تثبت المؤمنين، تبين لهم الحق الذي هم عليه، والباطل الذي عليه الآخرون: "مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" [العنكبوت: 41].
إذًا، هذه الشركيات، الشرك هذا مثل بيت العنكبوت، واهٍ، ذاهب، ضعيف، لا أصل له.
اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا أجمعين، وأن ترحمنا يا رب العالمين.
اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، تقبل صيامنا وقيامنا، ودعاءنا يا رب العالمين.
عباد الله: أولاً:
لقد جعل الله لكم في ختام شهركم أياماً كالسنن الرواتب للصلاة تصام فتعوض النقص، وتزيد الأجر، وهي ستة شوال، إن شئت أن تصومها متتابعة، أو متفرقة، وصومها بعد القضاء لا شك أنه أفضل؛ لأن إبراء الذمة بقضاء الواجب مهم للغاية.
ثانياً:
ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ ممَّا افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل، يعني بعد الفرائض.
ثالثاً:
أن الإنسان لا يدري متى يموت، فعليه أن يسعى في إبراء ذمته، فالقضاء الواجب أولاً، ولا يصح جعل الستة مع القضاء بنية واحدة، هذا له نية، وهذا له نية، وإذا أردت أن يكتمل لك أجر ستة شوال فانوها من الليل، وليس من النهار حتى يبدأ يومُك بالنيَّة.
ولا حرج أن تصوم الجمعة والسبت، أو الخميس والجمعة، وإذا صمت الاثنين والخميس، وأيام البيض بنية الست كتب الله لك الأجرين، أجر الست، وأجر البيض، وأجر الاثنين والخميس؛ لأن الله واسع الفضل عز وجل.
اللهم اجعلنا من أهل جنتك، أورثنا الفردوس الأعلى، أدخلنا الجنة مع الأبرار وقنا عذاب النار، أدخلنا الجنة بلا حساب ولا عذاب، أصلحنا وأصلح نياتنا وذرياتنا، وأزواجنا يا رب العالمين.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.
اجعلنا من مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاءنا.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
اللهم إنا نسألك الفرج لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، مَنْ أراد بلدنا بسوء فابطش به، واقطع دابره، واجعل كيده في نحره، اجعل هذا البلد آمناً سخاءً رخاءً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 180 – 182].