بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآله
ذكر أمثال الخطأ والزلل في الأمور
باب مثل الغلظ والخطأ في القياس والتشبيه:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: مذكية تقاس بالجذاع.
يضرب لمن يقيس الكبير بالصغير، وقال أبو زيد مثل هذا.
ما يجعل قدك أدميك.
قال: والقد: مسك السلخة، وجمعه قداد، والأديم: الجلد العظيم، قال الأصمعي: ومثله قولهم: ليس قطاً مثل قطى.
وقال أبو قيس بن الأسلت:
ليس قطا مثل قطى ولا ال ..، مرعي في الأقوام كالراعي.

باب الخطأ في نقل الأشياء من الأماكن التي تعز فيها إلى الأماكن التي:
تكثر فيها.
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: كمستبضع التمر إلى هجر.
قال أبو عبيد: وهذا من الأمثال المبتذلة، وهو من قديمها، وذلك أنَّ الهجر معدن التمر، فالمستبضع التمر إليها مخطئ.
قال الأصمعي: ومثله قولهم: كمعلمة أمها البضاع.
يريد الغشيان، وهذا في الرجل يجيء بالعلم إلى من هو أعلم منه، وفي بعض الأثر " رُبَّ حامل فقه إلى من هو افقه منه " قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في وضع الأشياء غير مواضعها قولهم: خلع الدرع بيد الزوج.
وكان المفضل، فيما يحكي عنه، يخبر أن المثل لرقاش بنت عمرو بن تغلب بن وائل، وكان تزوجها كعب بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة، فقال لها: اخلعي درعك، فقالت: "خلع الدرع بيد الزوج " فقال: اخلعيه لأنظر إليك، فقالت: التجرد لغير النكاح مثلة.
فذهبت كلمتها مثلين.

باب الخطأ في وضع الإنسان بحيث ليس يستوجب:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: متى كان حكم الله في كرب النخل!.
وهذا المثل لجرير بن الخطفى يقول لرجل من عبد القيس شاعرٍ، كان قال في جرير:
أرى شاعرا لا شاعر اليوم مثله ..، جريرا ولكن في كليب تواضع
فعندها قال جرير: "متى كان حكم الله في كرب النخل " وذلك أنَّ بلاد عبد القيس بها نخل: فلهذا قاله، وقال أبو زيد في مثل هذا: من استرعى الذئب ظلم.
يقول: إنّه وضع الأمانة في غير موضعها، ومثله يقول هرمة:
كتاركة بيضها بالعرا ..، ء وملبسة بيض أخرى جناحا
يعني الحمامة التي تحضن بيض غيرها، وتضيع بيض نفسها، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في وضع الرجل نفسه فوق موضعها قول أكثم: لم يهلك امرؤ عرف قدره.

باب الخطأ في مكافأة المحسن بالإساءة والمسيء بالإحسان:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: خير حالبيك تنطحين.
قال أبو عبيد: وأظن اصله أنَّ شاة وبقرة كان لها حالبان، وكان أحدهما أرفق بها من الآخر، فكانت تنطح الرافق بها، وتدع الآخر، يضرب للرجل يكافئ المحسن بالإساءة، والمسيء بالإحسان، ومثله قولهم: خير إناءيك تكفئين.
وكذلك قولهم: يحمل شن ويفدى لكيز، وكان المفضل، فيما يحكى عنه، يقول: هما شن ولكيز ابنا أفصى بن عبد قيس، وكانا مع أمهما في سفر وهي ليلى بنت قرآن بن بلي حين نزلت ذا طوى، فلما أرادت الرحيل فدت لكيزاً تفدية، ودعت سناً دعاء ليحملها، فعندها قال شن هذه المقالة، فذهبت مثلاً.
ومنه قول الشاعر:
وإذا تكون عظيمة أدعى لها ..، وإذا يحاس الحيس يدعى جندب.

باب الخطأ في كفران النعمة وسوء الجزاء للمنعم:
قال أبو عبيد: من أمثالهم السائرة في هذا قولهم: أسمن كلبك يأكلك.
وكان المفضل يذكر حديثه.
قال: كان لرجل من طسم كلب يسقيه اللبن، ويطعمه اللحم، وكان يأمل فيه أن يصيد به، وأن يحرسه، فضرى الكلب على ذلك فجاع يوماً وفقد اللحم، فجاء إلى ربه فوثب عليه حتى قطعه وأكل من لحمه، وإياه عنى طرفة بن العبد بقوله:
ككلب طسم وقد تربيه ..، يعله بالحليب في الغلسِ
ظل علية يوماً يقرقره ..، إلاّ يلغ في الدماء ينتهس
قال أبو عبيد: ومن هذا المعنى مثلهم في العالم:
أعلمه الرماية كل يومٍ ..، فلما اشتد ساعده رماني
وكان أبو زيد يجعل من هذا الباب قولهم: أحشك وتروثني! يخاطب فرسا له، يقول: أعلفك الحشيش وأنت تروث عليَّ قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا قول أكثم بن صيفي: لو سئلت العارية: أين تذهبين؟ لقالت: اكسب أهلي ذماً.
يعني أنهم يحسنون في الإعارة والقروض، ثم يكافئون بالمذمة إذا طلبوها.

باب الخطأ في تزيين الكبير بزينة الصغير:
قال هشام بن الكلبي: من أمثالهم في هذا قولهم: كبر عمرو عن الطوق.
فاخبرني أبن الكلبي عن أبيه أنَّ صاحب هذا المثل جذيمة الأبرش بن مالك، قال لابن أخته عمرو بن عدي الخمي، وكان له طوق يلبسه في الصغر، فاستهوته الجن دهراً إلى أن وجده مالك وعقيل ابنا فارج من بلقين، وهما ندمانا جذيمة، وقد ذكرنا بعض حديثه في غير هذا الموضع، فأرادت أمه أن تعيد الطوق عليه فقال لها جذيمة: "كبر عمرو عن الطوق " فذهبت مثلاً، قال الأموي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: جلت الهاجن عن الولد.
قال أبو عبيد: والهاجن هي الصغيرة، ومنه يقال: اهتجنت الجارية، إذا افترعت قبل الأوان، فقيل في المثل: "جلت الهاجن" وإنّما أرادوا " صغرت " وأنا أحسب هذا من الأضداد، لأنهم يقولون للعظيم: جلل، وللصغير: جلل، ومنه قول امرئ القيس في قتل أبيه: "ألا كل شيء سواه جلل" أي حقير هين، وأما الجلل للشيء العظيم فمعروف لا يحتاج فيه إلى شاهد ولا شعر.

باب اختلاط الرأي وما فيه من الخطأ والضعف:
قال أبو عبيد: من أمثال أكثم بن صيفي
العزيمة حزم والاختلاط ضعف.
وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في التخليط قولهم: اختلط المرعي منها بالهمل.
قال: واصله أنَّ المرعي هي الإبل التي فيها رعاؤها، والهمل: الإبل المهملة التي لا راعي لها، يضرب مثلاً للقوم يقعون في تخايط من أمرهم، لا يمكنهم أن يعتزما فيه على رأي، قال الأصمعي: ومثله قولهم: اختلط الخاثر بالزباد.
قال: وكذلك قولهم: "اختلط الحابل بالنابل".
قال الأصمعي: وهذا كقولهم: ما يدري أيخثر أم يذيب.
واصله في الزبد يذاب فيفسد على صاحبه، فلا يدري أيجعله سمنا أم يدعه زبدا، ومنه قول بشر بن أبي حازم:
وكنتم كذات القدر لم تدر إذ غلت ..، أتنزلها مذمومة أم تذيبها
قال الأصمعي: ومن أمثالهم: قد ترهيأ القوم.
وذلك أن يضطرب عليهم الرأي فيقولوا مرة كذا ومرة كذا.

باب الخطأ في سوء التدبير عند إضاعة الشيء لطلب غيره ثم لا يدركه:
قال أبو عبيد: من أمثالهم المعلومة في هذا قولهم: لا ماءك أبقيت ولا درنك أنقيت.
قال: واصله أنَّ رجلاً كان في سفر ومعه امرأة، وكانت عاركاً، فحضر طهرها ومعها ماء يسير، فاغتسلت به، ثم لم يكفيها لغسلها وقد أنفذت الماء، فبقيت هي وزوجها عطشانين، فعندها قال لها هذه المقالة.
ومن هذا قولهم: نفع قليل وفضحت نفسي.
ومن أمثالهم في نحو هذا قولهم، وليس هو من هذا بعينه: لا أبوك نشر ولا التراب نفد.
وكان الأحمر يذكر أصل هذا أنَّ رجلاً قال: لو علمت أين قتل أبي لأخذت من تراب موضعه فجعلته على رأسي، فقيل له هذا المقالة، أي إنك لا تدرك بهذا ثأر أبيك، ولا تقدر أن تنفد التراب، ويروى عن عون بن عبد الله بن عتبة، وكان أحد الحكماء، إنّه قال لرجل: "لا تكن مثل من تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن".

باب الخطأ في اتهام النصيح
قال أبو زَيد: من أمثالهم في هذا قولهم: تسقط به النصيحة على الظنة:
أي انك تنصحه فيتهمك، قال أبو عبيد: ومثله قولهم: لا يطاع لقصير أمر.
اخبرني أبن الكلبي عن أصل هذا أنَّ قصير بن سعد كان أشار على جذيمة حين خطب الزباء ألا يفعل وذلك إنّه كان قتل أباها، فكانت تطلبه بذحل فلم يقبل منه وتزوجها، ثم صارت إلى قتله، فعندها قال: "لا يطاع لقصير أمر " فذهبت مثلاً، وقال أبو عبيدة: ومن أمثالهم في النصح قولهم: لا تنقر الشوكة بمثلها فإنَّ ضلعها معها.
يقول: لا تستعن في حاجتك بمن هو للمطلوب منه الحاجة أنصح منه لك ومن أمثالهم في التهمة قولهم: عسى الغوير أبوساً.
وقد فسرناه في غريب الحديث، قال الأصمعي وغيره من علمائنا: وإذا اتهم الرجل رجلاً فقيل له: من أين هو؟ قال: من بلاد كذا وكذا فقل له: قد أعرضت القرفة.
معناه أنَّ هذا مطلب عريض، لا يقدر عليه، ولا يحاط به.

باب الخطأ في سوء الرعي:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: أساء رعياً فسقى.
قال: يضرب للرجل لا يحكم الأمر، ثم يريد إصلاحه بسوء التدبير فيزيده فساداً، قال: واصله أن يسيء الراعي رعي الإبل نهاره كله، حتى إذا أراد أن يريحها إلى أهلها كره أن يظهر سوء أثره فيها فيسقيها الماء لتمتلئ منه أجوافها، وقال أبو عبيدة في مثل هذا: رعى فأقصب.
قال: وذلك أنّه أساء رعيها ولم يشبعها من الكلأ فتركت شرب الماء فلم تشرب، لأنها إنما تشرب على علف في أجوافها، يقال من ذلك: بعير قاصب، إذا امتنع من الورد، ورجل مقصب، إذا فعلت إبله ذلك، وقال أبو عبيدة في نحو هذا: أبعد خيرتها تحتفظ! واصله أن يضيع الراعي خيار الإبل وكرائمها، حتى إذا ذهبت احتفظ بحواشيها وخساسها.
قال أبو عبيد: ومن سوء تدبيرها أيضاً فعل هبنقة القيسي، وكان أهله أعطوه إبلاً يرعاها، فجعل يتعهد المنقيات منها، ويستهين بهزلاها، فقيل له: هذه كانت أولى بالرعي، فقال: أكرمت ما أكرم الله منها، وأهنت ما أهان، أي إنَّ ذوات الشحوم هي التي أكرمها الله، وإنَّ العجاف هي التي أهانها الله، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في سوء الرعي قولهم: شر الرعاء الحطمة.

باب الخطأ في سوء المشورة والرأي:
قال أبو عبيدة: من أمثالهم في نحو هذا قولهم: أجناؤها أبناؤها.
قال أبو عبيدة: وأصل ذلك أنَّ ملكاً من ملوك اليمن غزا، وخلف على ملكه بنتاً له، وإنَّ ابنته أحدثت بعده بنياناً قد كان أبوها يكرهه، وإنّما فعلت ذلك برأي قوم من أهل مملكته، أشاروا عليها به، وزينوه عندها، فلما قدم الملك فأخبر بمشورة أولئك ورأيهم أمرهم بأعيانهم أن يهدموه، وقال عند ذلك: "أجناؤها أبناؤها " فذهبت مثلاً.
قال أبو عبيدة: والأجناء هم الجناة، والأبناء هم البناة، والواحد منهم جانٍ وبانٍ، وهذا جمع عزيز في الكلام، أن يجمع فاعل على أفعل، ونظائرة: شاهد وأشهاد، وصاحب وأصحاب، ومعنى المثل أنَّ الذين جنوا على هذه الدار بالهدم هم الذين عمروها بالبنيان، يضرب هذا الرجل يعمل الشيء بغير روية ولا نظر فيتعنى فيه ويكلف، ثم يحتاج إلى نقض ما عمل وإفساده، ومثله قولهم: يعدو على المرء ما يأتمر.

باب الخطأ في رفع الشيء وادخاره عند وقت استعماله والحاجة إليه:
قال أبو زَيد: من أمثالهم في هذا قولهم: لا مخبأ لعطر بعد عروس.
قال: واصله أنَّ رجلاً تزوج امرأة، فهديت إليه فوجدها تفلة فقال لها: فأين الطيب؟ فقالت: خبأته، فعنها قال لها: "لا مخبأ لعطر بعد العرس"، وكان المفضل يعرف الحديث ويقول: عروس هو اسم رجل، والعامة تذهب إلى أنَّ العروس هو المبتني بأهله ليلة عرسه، وهذا المثل يضرب للرجل يدخل الشيء ويرفعه عند وقت الحاجة إليه، ومثله قولهم: لا بقيا للحمية بعد الحرائم.
ويروى عن محكم اليمامة أنّه فيما يحض به قومه يوم مسيلمة " الآن تستحقب الحرائم غير حظيات، وينكحن غير رضيات، فما كان عندكم من حسب فأخرجوه " يقول: لا بقيا لشيء بعد هذا اليوم، أي ينبغي للحر أن يخرج كل حمية له عند الحرمة، ولا يستبقي منها شيئاً.

باب التدبير يصاب فيه مرة ويخطأ مرة:
قال أبو عبيدة: من أمثالهم في هذا قولهم: هو يشج مرةً ويأسو أخرى.
أي يفسد أحياناً ويصلح أحياناً، والأسو هو الإصلاح، يقال: أسوت الجرح آسوه أسواً، إذا داويته، قال الشاعر: "يد تشج وأخرى منك تأسوني " قال الأصمعي: ومن هذا قولهم: شخب في الإناء وشخب في الأرض.
واصله في الحلب، وكذلك قولهم: هو يشوب ويروب.
وقد يضرب هذا في النطق أيضاً يتكلم فيه مرة بالخطأ ومرة بالصواب، عن الأصمعي، ويقال في نحوٍ منه: اطرقي وميشي.
قال ذلك الأحمر، وأصل الطرق الضرب، ومنه سميت مطرقة الصانع وعود النجاد.و الميش: خلط الشعر بالصوف، يقال منه: مشت أميش ميشاً.

باب الخطأ في الرجل يبدأ بالمساءة قبل الإحسان أو يعجل الشيء قبل أوانه:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: سبقت درته غراره.
والغرار: قلة اللبن، والدرة: كثرته، يقول: سبقت قلة هذا كثرته، أي سبق شره خيره، وكذلك قولهم: سبق سيله مطره.
فص ومن أمثالهم قولهم: لو شكان ذا إهالةً.
قال: واصله أنَّ رجلاً كانت له نعجة عجفاء لا تنقي، وكان رغامها يسيل من منخريها لهزلها، فقيل له: ما هذا الذي يسيل من منخريها؟ فقال: هذه إهالة فقال السائل: "لو شكان ذا إهالة " قال أبو عبيد: الإهالة: الودك المذاب، فأراد القائل أنَّ ودكها قد عجل سيلانه من قبل أن تذبح الشاة، وقبل أن تمسها النار، يضرب للرجل يخبر بكينونة الأمر قبل وقته.