بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآله
جامع أمثال الظلم وأنواعه
باب المثل في الظلم وما يخاف من غبه:
قال أبو عبيدة: من أمثالهم في كراهة الظلم قولهم: الظلم مرتعه وخيم.
وقال الأصمعي: أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه، قال: ومنه قول أبن مقبل:
عاذ الأذلة في دارٍ وكان بها ..، هرت الشقائق ظلامون للجزر
قال: وظلمهم الجزر أن يعرقبوها، وإنّما ينبغي أن تنحر نحراً، ويقال: ظلنهم أن ينحروها سمانا صحاحاً لا علة بها، وقال أبو عبيدة: ومن الظام قولهم: الحرب غشوم.
وإنها سميت بهذا لأنها تنال من لم يكن له فيها جناية ولا ذنب، فهذا ظلم، قال: وفي بعض الحديث " أنَّ الظلم هو الظلمات يوم القيامة " وفي حديث آخر " أنَّ عيسى بن مريم عليه السلام قال للحواريين: "لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلمون، ولا تمنعوا أهلها فتظلموهم " ومن أمثالهم أيضاً قولهم: من أشبه أباه ما ظلم.
أي إنه وضع الشبه في موضعه، قال: وقولهم: اليوم ظلم.
نرى إنّه من هذا، ومعناه إنّه ظلم بان وضع الشيء في غير موضعه، قال: يضرب للرجل يؤمر أن يفعل شيئاً قد كان يأباه، ثم يفعله.

باب الظلم في الخلتين من الإساءة تجمعان على رجل:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: أحشفاً وسوء كيلةٍ! قال: وهو مثل سائر في العوام، ومثله قولهم: أ غدةً كغدة البعير وموتاً في بيت سلولية! قال: وهو المثل لعامر بن الطفيل، وكان اصله الطاعون حين خرج من النبي ) فاجأ إلى بيت امرأة من سلول فمات هناك ومن هذا قولهم: أ غيرةً وجبناً! قالته امرأة من العرب تعير زوجها، وكان تخلف عن عدوه في منزله فرآها تنظر إلى قتال الناس، فضربها، فأجابته بهذه المقالة، ويقال في نحوٍ منه: أ كسفاً وإمساكاً! وأصله الرجل يلقاك بعبوس وكلوح مع بخل ومنع، وقال أبو عبيد في نحوٍ منه: يا عبرى مقبلةً ويا سهرى مدبرةً.
يضرب للأمر يكره من جهتين.
قال أبو عبيد: وهو من أمثال النساء، إلاّ أنَّ أبا عبيدة حكاه، وقال في نحوٍ منه: كالأشقر إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر.
وقال أبو عبيد: ومنه قولهم في الأرقم: إن يقتل ينقم، وإن يترك يلقم.
يقال: إن قتلته كان له من ينتقم له منك، وإن تركته قتلك، قال الأصمعي: ومنه قولهم: هو بين حاذفٍ وقاذفٍ.
والحاذف هو الذي يحذف بالعصا، والقاذف: الذي يقذف بالحجارة، ومن أمثالهم في نحوٍ منه: كالمستغيث من الرمضاء بالنار.
وهذا مثل سائر فاشٍ، ومن أمثالهم في الخلتين المكروهتين: عوير وكسير، وكل غير خيرٍ.
ومثله قولهم: ما هو إلاّ شرقٌ أو غرقٌ.

باب الظلم فيمن حمل رجلاً مكروها ثم زاده أيضاً:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: ضغث على إبالةٍ.
قال: والإبالة: الحزمة من الحطب، والضغث: الجرزة التي فوقها، يقول: هي بلية على إنَّ أخرى كانت قبلها.
قال أبو عبيدة: ومن أمثالهم في هذا: كفت إلى وئيةٍ.
قال: والكفت في الأصل هي القدر الصغير، والوئية هي الكبيرة يضرب للرجل يحملك البلية الكبيرة، ثم يزيدك إليها أخرى صغيرة، وقال أبو زَيد: يقال: وقع القوم في أم جندب.
إذا ظلموا، قال أبو عبيد: كأنها اسم من أسماء الإساءة والظلم، وأن يحمل الناس المكروه والأذى.
قال أبو عبيد: ومن أمثال أكثم بن صيفي في نحو هذا وليس هو منه بعينه: إنك لا تجني من الشوك العنب.
يقول: إذا ركبت رجلاً بظلم فقد وترته وحملته المكروه، فانظر كيف يكون حالك.

باب الظلم في مطل الحقوق:
قال أبو عبيدة أو غيره: من أمثالهم.
الأكل سلجان والقضاء ليان.
يعني المطل، ومن المطل حديث النبي: "مطل الغني ظلم" وقال أبن مسعود: لو كان المعك رجلاً لكان رجل سوءٍ، ومنه قول زهير بن أبي سلمى: "إنَّ الغادر المعك" ومن أمثالهم في المطل قولهم: مطله مطلاً كنعاس الكلب.
ويروى "مطل نعاس الكلب" وذلك أنه دائم النعاس متصل، وأنشد: "لاقيت مطلاً كنعاس الكلب".

باب الظلم في ادعاء الباطل والحكم قبل أن تعرف حجة الخصم:
قال أبو زَيد: من أمثالهم: إذا طلبت الباطل انجح بك.
معناه: إنَّ نجح الدعوى يكون عليه لإله، قال الأصمعي: من خاصم بالباطل أنجح له.
معناه أي كان النجح عليه ليس له قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الباطل: قد اتخذ فلان الباطل دغلا.
قال الأحمر ومن أمثالهم في الحجة إذا أضلها الباغي الظالم: ضل الدريص نفقه.
والدريص: ولد اليربوع، ونفقه: حجره الذي يكون فيه، والدريص: تصغير الدرص، والأصمعي: ومن أمثالهم: أعطي فلان اللفاء غير والوفاء.
إذا ظلمه حقه وبخسه، قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الأمر يبرم ولم يشهده صاحبه قولهم: صفقه لم يشهدها حاطب.
قال: وأصله أنَّ بعض أهل حاطب باع بيعة غبن فيها فقيل له ذلك.

باب الظالم في سرعة الملامة وفي ذم المُحسن:
قال أبو عبيد: من أمثال اكثم بن صيفي: ليس من العدل سرعة العذل.
يقول: إنّه لا ينبغي للرجل يبلغه عن أخيه شيء إنَّ يسرع إلى عذله حتى يعرف حجته وعذره.
وقال الأصمعي: من أمثالهم في ذم المحسن: يجري بليق ويذم.
قال: وهو فرس كان يسبق الخيل، وهو في ذلك يذم ويعاب، قال الأصمعي: ومثله: الشعير يوكل ويذم.
ومثل العامة في هذا: أكلا وذماً.

باب الظلم في الرجل ينتزع من يديه ما ليس له فيجزع:
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: سرق السارق فانتحر.
قال: وأصله السارق تكون عنده السرقة فتسرق منه فيشق ذلك عليه، ويكبر عنده، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في نحو هذا: أبدأهم بالصراخ يفروا.
قال أبو عبيد: وهذا مثل قد ابتذله الناس، وله أصل، وذلك أنَّ يكون الرجل قد أساء إلى رجل، فيتخوف لائمة صاحبه، فيبدأه بالشكاية والتجني ليرضى منه الآخر بالسكوت عنه.

باب الكريم يظلمه الدنيء الخسيس وما يؤمر به من دفعه عنه:
الأصمعي قال: من أمثالهم في هذا قولهم: لو ذات سوارٍ لطمتني!.
يقول لو كان هذا الذي ظلمني ندا لي، وكان له شرف وقدر احتملته، ولكنه ليس بكفءٍ، فهو أشد على.
قال أبو عبيدة: ومن أمثالهم: الذئب خاليا أشد.
يقول: إذا قدر هذا عليك في هذه الحال الضعيفة، فهو إذا قوى عليك أحرى بالظلم، قال الأصمعي: ومن أمثالهم قولهم: ذل لو أجد ناصراً.
وكان المفضل، فيما بلغني، يقول: كان اصله أنَّ الحارث بن أبي شمر الغساني سأل أنس بن أبي الحجير عن بعض الأمور فأخبره به، فلطمه الحارث فغضب انس وقال: "ذل لو أجد ناصراً " ثم لطمه أخرى فقال: لو نهيت الأولى لانتهت الآخرة.
فذهبت كلمتاه مثلين.

باب الانتصار من الظالم:
قال أبو عبيد: من أمثالهم: - هذه بتلك والبادئ اظلم.
وهو الرجل يركب صاحبه بظلامة، فيكافئه الآخر بمثلها، ومنه قول الشاعر:
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ..، فهل أنا في ذا يآل همدان ظالم
متى تجمع القلب الذكي وصارماً ..، وأنفا حميا تجنبك المظالم
قال أبو عبيد: وهذا الشعر تمثل به الحجاج بن يوسف على المنبر، وقال أبو عبيد: من أمثالهم في نحوه: من لا يذد عن حوضه يهدم.
أي من لا يدفع الضيم عن نفسه يركب بالظلم، ويروى في حديث عن عكرمة مولى أبن عباس: إنّه سئل عن رجل غضب رجلاً مالاً، ثم قدر على مال له، أخذ منه مثل ما أخذ؟ فقال عكرمة: "وقع الكلب على الذئب، ليأخذ منه مثل ما أخذ " ومن أمثال اكثم بن صيفي في الظالم: انك لا تجني من الشوك العنب.
يقول: فإذا ظلمت فأحذر الانتصار، فإنَّ ظلمك لا يكسبك إلاّ مثل فعلك، ومن هذا المثل أخذ الشاعر قوله:
إذا وترت أمراً فأحذر عداوته ..، من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم: أضربه ضرب غريبة الإبل.
يقول: إذا تعرض لظلمك فأدفعه عنك أشد الدفع وأصله في الإبل ترد الحوض وليس لها رب فيذودها أهل الإبل الواردة.

باب الظلم والإساءة ترجع عاقبتهما على صاحبهما:
قال الأحمر: من أمثالهم: من حفر مغواة وقع فيها.
قال أبو عبيد: وأصل المغواة البئر تحفر للذئب، ثم يجعل فيها جدى أو غيره، فيسقط الذئب فيها ليأخذه فيصاد، فصار مثلا لكل من أراد بصاحبه سوءاً.
وقد فسرنا بعض أمرها في غريب الحديث، ومن هذا المعنى قول الشاعر: فلرب حافر حفرة هو يصرع.
قال أبو عبيد: ومن هذا قولهم: يعدو على المرء يا يأتمر.
قال: ومثله: عاد الرمى على النزعة.
وهم الرماة، أي رجع عليهم رميهم.

باب حمل الرجل صاحبه على ما ليس من شانه بالإكراه والظلم:
قال أبو عبيد: من أمثالهم المشهورة في هذا قولهم: مكره أخوك لا بطل.
ويقال: إنَّ اصله كان أنَّ بيهسا الذي يلقب نعامة حين قتل أخوته طلب بثأرهم، وكان له خال يكنى أبا حشر، فقال له نعامة: اخرج بنا إلى موضع كذا وكذا، وكتمه ما يريد به، ثم مضى إلى الذين يطلبهم بالذحل، فهجم به عليهم فجاءة، ثم قال إيهاً أبا حشر، فلما رأى أبو حشر إنّه قد نزلت به البلية جعل يذب عن نفسه، ويقاتلهم بهده، فقال الناس: ما أشجعه حين أقدم على هؤلاء! فعندها قال أبو حشر: "مكره أخوك لا بطل" أي ليس هذا بشجاعة مني، ولكن حملت عليه، ومن هذا قولهم: لو ترك القطا لنام.
وهو من أيسر أمثالهم أيضاً، واخبرني أبن الكلبي إنّه لامرأة عمرو بن أمامة، وكان نزل بقوم من مراد فطرقوه ليلاً، فلمَّا رأت امرأته سوادهم أنبهته وقالت: قد أتيت، فقال إنّما هذا القطا، فقالت: "لو ترك القطا لنام" فأتاه القوم فبيتوه وقتلوه.

باب الظالم في الإساءة يركبها الرجل من صاحبه يستدل بها على أكثر منها:
قال أبو عبيد: من أمثالهم المعروفة في هذا المعنى: ليس بعد الإسار إلاّ القتل.
ويقال بعد الأسر وهذا المثل لبعض بني تميم، قاله يوم المقشر، وهو قصر ناحية البحرين.
وكان كسرى كتب إلى عامله عليها أنَّ يدخلهم الحصن فيقتلهم، وذلك لجناية كانوا جنوها عليه، فأرسل إليهم، وأظهر لهم إنّه يريد أنَّ يقسم فيهم مالاً أو طعاماً، فحضروا بالباب، فجعل يدخل منهم رجلاً رجلاً، فيقتله، فلما رأوا إنّه ليس يخرج أحد ممن يدخل علموا أنَّ الدخول إليه إنّما هو أسر ثم قتل، فعندها قال قائلهم: "ليس بعد الإسار إلاّ القتل " فامتنعوا حينئذ من الدخول قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في نحو هذا: سواء علينا قاتلاه وسالبه.
يقول: إذا رأيت رجلاً قد سلبه رجل علم إنّه لم يسلبه وهو حي ممتنع، فعلم بهذا إنّه قد قتله ثم سلبه، فهذا جعل السالب قاتلاً.

باب الظالم في عقوبة المحسن البريء:
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: مالي ذنب إلاّ نب صحر.
قال: وصحر اسم امرأة لم يعرف الأصمعي من قصتها غير هذا، وكان المفضل يقتص حديثها يقول: هي صحر ابنه لقمان العادي، وكان أبوها لقمان وأخوها لقيم خرجا مغيرين، فأصابا إبلاً كثيرة، فسبق لقيم إلى منزله، فعمدت أخته صحر إلى جزور مما قدم به لقيم فنحرتها وصنعت منها طعاماً يكون معداً لأبيها لقمان إذا قدم: تتحف به، وقد كان لقمان حسد ابنه لقيما لتبريزه عليه، فلما قدم لقمان قدمت إليه صحر الطعام، وعلم إنّه من غنيمة لقيم، لطمها لطمة قضت عليها: فصارت عقوبتها مثلاً لكل من لا ذنب له يعاقب، وفيه يقول خفاف أبن ندبة السلمى:
وعباس يدب لي المنايا ..، وما أذنبت إلاّ ذنب صحر
قال أبو عبيد: وكذلك قولهم في: جزاء سنمار.
وكان حديثه، فيما يحكيه العلماء، إنّه كان بناء مجيداً، وهو من الروم، فبنى الخورق الذي بظهر الكوفه للنعمان أبن امرئ القيس، فلما نظر إليه النعمان كره إنَّ يعمل مثله لغيره، فألقاه من أعلى الخورنق فخر ميتاً، وفيه يقول الشاعر:
جزتنا بنو سعد بحسن فعالنا ..، جزاء سنمار وما كان ذا ذنب.

باب الظلم في عقوبة الإنسان بذنب غيره:
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: جانيك من يجني عليك.
يقول: فلا ينبغي أنَّ تنقل عقوبته إلى غيره، وروينا في حديث مرفوع إنّه صلى الله عليه وسلم قال لرجل وابنه: "لا يجني عليك ولا تجني عليه " وقال الآخر: لا تنجي يمينك على شمالك، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في أخذ البرء بذنب صاحب الجناية قول النابغة الذبياني:
حملت على ذنبه وتركته ..، كذى العر يكوى غيره وهو راتع
ومثله قولهم: كالثور يضرب لمّا عافت البقر.
يعني: عافت الماء، وفيه قال أنس بن مدرك:
إني وقتلي سليكاً ثم أعقله ..، كالثور يضرب لمّا عافت البقر
قال الأصمعي: ومن أمثالهم: كل شاة تناط برجلها.
يقول: فلا ينبغي أنَّ يؤخذ أحد بذنب غيره، قال أبو عبيد: وهذا مثل مقول سائر في الناس.

باب التبرؤ من الظالم والإساءة:
قال الأصمعي: من أمثالهم في نفي الذنوب قولهم: لا ذنب لي قد قلت للقوم اسقوا.
قال الأصمعي: ويقال في نحو منه: أنا منه فالج أبن خلاوة.
أي أنا بريء منه، قال أبو زيد: يقال: فلان برئ الساحة.
أي المدخل والمخرج والمذهب، قال أبو عبيد: في هذا قولهم: لا ناقتي في هذا ولا جملي.
قال أبو عبيدة: وهذا المثل للحارث بن عباد حين قتل جساس بن رمة كليباً، قال: وكان قد أعتزل الفريقين جميعاً، وقال هذه المقالة، حتى قتل بجير فنهض حينئذ في حربهم، قال أبو عبيد: ومن هذا المثل قول الراعي:
وما هجرتك حتى قلت معلنة ..، لا ناقة لي في هذا ولا جمل.