| فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:15 am | |
| المصطفون من العباد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرجو تفسير قوله تعالى {ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} وما المراد بالكتاب ومن هم المصطفون من العباد؟
الجواب يقول الله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير، فاطر: 32 المراد بالكتاب جنسه وهو الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل، وقيل: إن المراد بالكتاب القراَن، فلفظ " ال " إما للجنس وإما للعهد. والمصطفون من العباد الذين ورثوا الكتب السابقة قيل هم الأنبياء الذين نزلت عليهم هذه الكتب أو أمروا باتباعها، لكن هذا يتنافى مع تقسيم العباد، حيث جعل منهم الظالم لنفسه وهو الكافر الذى لم يؤمن، أو العاصى، والأنبياء منزَّهون عن الكفر والعصيان. وقيل هم عامة الناس الذين نزلت الكتب إليهم، ويمكن أن يقسَّموا إلى ظالمين لأنفسهم ومقتصدين وسابقين بالخيرات. وإذا كانت " ال " للعهد ويراد بالكتاب القران الكريم. الذى هو جامع للأصول الموجودة فى الكتب السابقة فالمصطفون من العباد هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به، والظالم لنفسه هو المؤمن العاصى الذى زادت سيئاته على حسناته، والمقتصد هو المؤمن الذى استوت حسناته وسيئاته، والسابق بالخيرات هو الذى زادت حسناته على سيئاته. هذا بعض ما قيل فى تفسير الآية،. وهناك أقوال أخرى يرجع إليها فى كتب التفسير (10/362) ________________________________________ خلق الأرض
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف خلق الله الأرض؟
الجواب أهم الآيات التى تحدثت عن خلق الأرض هى قوله تعالى {أوَ لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شىء حى} الأنبياء: 30 وقوله {أوَلم يروا أنا نأتى الأرضى ننقصها من أطرافها} الرعد: 41 وقوله {والأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها} النازعات:31،30 وقوله {قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات فى يومين وأوحى فى كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم} فصلت: 9- 12. تفيد هذه الآيات وغيرها أن الله خلق الأرض فى يومين من أيام يعلمها هو وشَكَّلَها وقدَّر فيها أقواتها فى يومين آخرين يُكمِّلان أربعة أيام، وأنه خلق السماء من دخان سوَّى، منه سبع سموات، وأنه دحا الأرض أى بسطها أو جعلها كالدَّحيه وهى البيضة، وأن السموات والأرض كانتا رتقا، أى صلبتين فصدع الأرض بالنبات وفتق السماء بالمطر كما قال المفسرون القدماء، أو كانتا كتلةً واحدة ففصلهما الله بعضهما عن بعض كما يقول علماء العصر، وأنه سبحانه ينقص الأرض من أطرافها وللعلماء فى ذلك تفاسير كثيرة منها التعمير والتخريب بعوامل التعرية أو بالزلازل والبراكين، وقد يراد بذلك أنها غير تامة التكوير، أو أن الغازات المحيطة بها تنطلق خارجها. والمهم فى كل ذلك أن الله سبحانه خلق الأرض وأودع فيها كل ما يحتاجه الإنسان قبل أن يهبط إليها من الجنة، وسخر له كلَّ ما فيها ليحقق الخلافة فيها بالإيمان بالله الذى خلقها وشُكرِه على نعمه التى يتقلب فيها، هذا القدر من المعرفة هو الواجب علينا أن نؤمن به، أما تفاصيل هذا الخلق والمكونات الأساسية للأرض فقد أمرنا سبحانه بالنظر فى ملكوت السموات والأرض، والبحث فى أسرار الكون، ليؤمن من لم يؤمن، وليزداد المؤمن إيمانا بربه ويستطيع الاستفادة من هذا الخلق، وما يصل إليه الباحثون من آراء قد يكون حقيقة وقد يكون ظنًا، والظن لا يغنى من الحق شيئًا {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم} الكهف: 51 والحقيقة العلمية لا يمكن أبدا أن تصادم حقيقة دينية، فكل الحقائق نواميس خلقها الله سبحانه ووحىُ صادق لا يرقى إليه الشك. والواجب ألا نفسر القرآن إلا بالحقائق، أما حَمْلُه على النظريات التى لم تصل بَعْدُ إلى درجة الحقائق فلا يجوز، فقد يظهر بعد ذلك كذب هذه النظريات. كما أن الواجب هو البحث المستمر فى الكون أرضه وسمائه ليعمق إيمان المؤمنين، وليستطيع بنو آدم الإفادة من مسخرات هذا الكون، وتوجيهه إلى المصلحة التى يشعرون معها بسعادة الدنيا ويستطيعون من خلالها جمع الذخيرة التى تسعدهم فى الحيلة الأخرى. فالإسلام دين العلم الواسع الذى لا تحده حدود، ودين العمل التطبيقى الذى يثمر الخير على المنهج الذى رسمه الله بقوله: {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} طه: 123 (10/363) ________________________________________ السهر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الأفضل للانسان أن يبادر بالنوم بعد صلاة العشاء، أم يتأخر كى النوم؟
الجواب يقول الله سبحانه {هو الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا} يونس:67 ويقول {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} القصص: 73. من رحمة الله تعالى بعباده وتنظيما لنشاطهم وإتقانا لأعمالهم جعل الظلمات بالليل والنور بالنهار، ليكون النهار بما فيه من نور قوى مساعدًا على كسب العيش وأداء الواجب لعمارة الكون، وليكون الليل بما فيه من نور ضعيف مساعدًا على الراحة من عناء العمل بالنهار، وجعل اكثر العبادات التى يتقرب بها إليه فى فترة النهار وحاشيتيه، فالصيام من الفجر إلى غروب الشمس، والصلوات من الفجر إلى ما بعد الغروب بقليل يصلى الإنسان العشاء ليكون على صلة بربه عند شروعه فى النوم وعند استيقاظه منه. والنوم من نعم الله تعالى على الإنسان من أجل راحة جسمه المتعب ومن أجل تجديد نشاطه ليستأنف العمل بالنهار. من أجل هذا أرشد الإسلام إلى المبادرة بالنوم يعد صلا العشاء، وكره تضييع فترة الليل فيما لا يفيد خيرا، ما دامت لا توجد ضرورة ولا حاجة تدعو إلى السهر، كالذين توكل إليهم الحراسة بالليل من أجل المصلحة العامة أو يذاكرون العلم أو تحتم عليهم ظروف العيش أن يكون عملهم بالليل وفى ذلك جاء الحديث الشريف " عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس فى سبيل الله " رواه الترمذى وقال: حديث حسن غريب، أى رواه راو واحد فقط. فحراسة الجيش فى الجهاد وحراسة الأمن بالليل من الأمور الضرورية، والعين التى تبكى من خشية الله هى التى تقوم بعض الليل بالصلاة والذكر فى ساعة الهدوء الذى يساعد على الخشوع والإخلاص كما قال تعالى فى صفة المتقين {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون} الذاريات:17،18. ومن أجل التنسيق بين العمل والراحة، أرشد الله إلى أن قيام الليل يكون بحيث لا يؤثر على الواجبات التى تلزمها الراحة وتباشر بالنهار، قال تعالى فى قيام الليل {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون فى سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه} المزمل: 20 وقال صلى الله عليه وسلم فيمن يرهقون أنفسهم بقيام الليل كله وبالصيام كل يوم " إن لربك عليك حقا ولبدنك عليك حقا، فأعط كل ذى حق حقه " رواه البخارى بألفاظ مختلفة. ومما جاء فى كراهية السهر لغير ضرورة أو حاجة ما رواه البخارى ومسلم عن أبى برزة قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء إلى ثلث الليل، ويكره النوم قبلها والحديث بعدها. أما كراهية النوم قبلها فلئلا يعرضها للفوات عن كل وقتها أو أفضله، وهو مذهب مالك، ورخص فيه أبو حنيفة وشرط بعضهم للجواز أن يجعل معه من يوقظه للصلاة. وأما كراهية الحديث بعدها فلأمور، منها عدم ضياع الثواب الذى أخذه من الصلوات وهو تكفير السيئات، وذلك إذا ارتكب معصية أو لغوا فى السهر، ومنها أن السهر مظنة غلبة النوم فى آخر الليل فيفوت قيام الليل ويعرض صلاة الصبح للفوات، وقد روى عن عمر أنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العشاء ويقول: أسمَّرًا أول الليل ونوما آخره، أريحوا كتابكم، والسُمرَّ هم القوم الذين يسمرون بالليل، ويقال لهم: السامر والسُّمَّار، وقد جاء فى ذمهم قوله تعالى عن المشركين {مستكبرين به سامرا تهجرون} المؤمنون: 67 أى سمَّاراً، تكبروا فلم يؤمنوا، وسهروا فى الطعن فى الدين وتدبير المؤامرات للرسول أو فيما لا يفيد، ومن مبررات كراهية السهر فيما لا يفيد إراحة الكتَّاب وهم الملائكة الذين يحصون أعمال الناس كما يشير إليه قول عمر السابق، ومنها مخالفة نظام الله فى جعل النهار للعمل والليل للنوم والسكن، ومنها عدم إزعاج النائمين بما يثار فى السهر من أعمال تقلق الراحة. وإذا كان السهر بالليل غير مرغوب فيه إلا لضرورة أو حاجة، فإن الأمر الذى يدور عليه السهر إن كان حراما كان النهى مؤكدا، كالذين يمضون وقتا كبيرا من الليل فى السهرات المعروفة بمنكراتها، من أجل المتعة والترويح عن النفس، ومعلوم أن المتعة والترويح عن النفس أمر مباح ولكن فى حدود الحلال فى المادة وفى النتيجة المترتبة عليه، وليس من مصلحة العامل الحر أو المرتبط أن يرهق نفسه بطول السهر ويتأخر عن صلاة الصبح والذهاب إلى العمل، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا ربه أن يبارك لأمته فى البكور كما رواه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان فى صحيحه، ومَرَّ على ابنته فاطمة رضى الله عنه وهى مضطجعة وقت الصباح فقال لها " يا بنية قومى اشهدى رزق ربك ولا تكونى من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس " رواه البيهقى. وقال فى حديث رواه الطبرانى فى الأوسط "باكروا الغدو- أى الصباح - فى طلب الرزق فإن الغُدُو بركة ونجاح " هذا، وقد جاء فى نيل الأوطار للشوكانى"ج 1 ص 15 " حديث رواه أحمد والترمذى عن ابن مسعود " لا سمر بعد الصلاة- أى العشاء الآخرة-إلا لأحد رجلين: مصلٍّ أو مسافر " ورواه ضياء الدين المقدسى عن عائشة بلفظ " لا سمر إلا لثلاثة: مصل أو مسافر أو عروس ". وجاء فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يَسْمُر عند أبى بكر الليلة كذلك فى الأمر من أمر المسلمين وأنا معه، كما رواه أحمد والترمذى عن عمر رضى الله عنه وهو حديث حسن كما جاء عن مسلم أن ابن عباس قال: رقدت فى بيت ميمونة ليلة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها لأنظر كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، قال: فتحدث النبى صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد. وجمع الشوكانى بين الأحاديث المجيزة للسهر والمانعة منه، بأن الجواز إذا كان لحاجة وفى خير، والمنع إذا كان فى غير ذلك. وقال مثل ذلك القرطبى فى تفسيره "ج 12 ص 138، 139 " (10/364) ________________________________________ الحروب بين المسلمين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الحروب القائمة بين بعض الدول الإسلامية تعد جهادا فى سبيل الله، وقتلاها شهداء؟
الجواب أولا: ليكن معلوما أن الشهداء أربعة أنواع: 1 -شهيد الدنيا والآخرة، وهو المقتول من المسلمين فى حرب مشروعة ضد الكفار، وكان يبتغى بذلك وجه الله سبحانه وتعالى، ومقتضى الشهادة فى الدنيا ألا يغسَّل الميت ولا يصلَّى عليه، ومقتضى الشهادة فى الآخرة أن له الأجر العظيم الذى قال الله فيه {ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} ال عمران: 169. 2 -شهيد الدنيا فقط، وهو المقتول فى الحرب المذكورة ولم يقصد بذلك وجه الله تعالى، فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، ولكن يحرم من ثواب الآخرة، وذلك للحديث الذى رواه البخارى ومسلم أن أعرابيا قال للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر-أى للشهرة-والرجل يقاتل ليرى مكانه - فمن فى سبيل الله؟ فقال " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله ". 3-شهيد الآخرة فقط: وهو الذى لم يمت فى الحرب المذكورة، كالغريق، فهو يعامل فى الدنيا معاملة أى ميت آخر من وجوب غسله والصلاة عليه، ولكن الله يعطيه فى الآخرة ثواب الشهداء، لحديث " ما تعدون الشهداء فيكم "؟ قالوا: يا رسول الله من قتل فى سبيل الله فهو شهيد. قال " إن شهداء أمتى إذًا لقليل " قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال " من قتل فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى الطاعون فهو شهيد، ومن مات من البطن فهو شهيد" رواه مسلم. وفى رواية البخارى ومسلم " الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد فى سبيل الله " وجاء فى روايات أخرى للبخارى والترمذى والنسائى وأحمد أن منهم النفساء والمحروق والميت بذات الجنب، والميت بالسل. ومن هؤلاء من يقتل دفاعا عن نفسه، فقد روى الترمذى بسند حسن صحيح " من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" وكل ذلك فى موت المسلم، أما غيره فلا نصيب له من الشهادة عند الله. ولا يتعارض هذا مع حديث " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار" قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال " كان حريصا على قتل صاحبه " رواه أحمد وأبو داود والنسائى، فالحديث الأول فى دفاع الضعيف ضد القوى أما الحديث الثانى ففى تقاتل شخصين أو فئتين كل منهما مستعدة للقتال مصممة عليه تعيش مع الأخزى قبل المعركة الحقيقية فى حالة حرب، أى مصممة على خوض المعركة، حريصة على قتل العدو. ومن هنا نعلم أن القتلى شى معركة بين طائفتين مسلمتين كل منهما مصممة على القتال مستعدة له فى كل وقت لا نصيب لهم من حكم الشهداء دنيا وأخرى، أما القتلى فى معركة بين طائفة معتدية وطائفة مسالمة لا طاقة لها بالأولى فالمعتدون لا يعتبرون شهداء، لأنهم بغاة، والمعتدى عليهم يعتبرون شهداء، لأنهم يدافعون عن أموالهم وأهليهم ودمائهم. روى مسلم أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن جاء رجل يربد أخذ مالى؟ " فلا تعطه مالك " قال: أرأيت إن قاتلنى؟ قال " قاتله " قال: أرأيت إن قتلنى؟ قال " فأنت شهيد "- قال: أرأيت إن قتلته؟ قال " هو فى النار ". ثانيا: إن اعتداء المسلم على أخيه المسلم حرام لاشك فيه، والنصوص في ذلك أشهر من أن تذكر، ومنها حديث رواه مسلم " كل المسلم على المسلم حرام، دمه ومال وعرضه " والواجب على المسلمين أن يتدخلوا عند عدوان شخص أو جماعة أو دولة على الأخرى كما قال تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} الحجرات: 9. والتدخل يسمى نصرا، وذلك بالدفاع عن المظلوم ورد الظالم المعتدى كما نص عليه حديث البخارى " انصر أخاك ظلما أو - مظلوما" قال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، أرأيت إن كان. ظالما كيف أنصره؟ قال " تحجزه أو تمنعه - من الظلم، فإن ذلك نصره ". والشطر الأول من الآية فى قتال طائفتين متكافئتين أو مصممتين على القتال، فالواجب التدخل لوقف القتال بأية وسيلة منه وسائل التدخل السلمية أو الحربية. والشطر الثانى فى بغى طائفة قوية- على طائفة ضعيفة،فالواجب التدخل لرد المعتدى بالقتال، والوقوف مع المعتدى عليه، ويستمر قتال المعتدى حتى يرضى بحكم الله والصلح العادل. ومع الأمر بالتدخل بين الفئتين حذَّر الإسلام من التهاون فقال {واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: 25 وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود " ما من مسلم يخذل امرأ مسلما فى موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله فى موطن يحب فيه نصرته " وقال " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " رواه الحاكم والطبرانى بسند ضعيف (10/365) ________________________________________ الضمير
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال شاع بين الناس استعمال كلمة الضمير كأنها ترادف الدين الإله، فهل من سبب لذلك، وما موقف الدين منه؟
الجواب كثر استعمال كلمة الضمير أخيرا، وشاعت أكثر ما شاعت فى الأوساط الغربية. كمظهر من مظاهر الروح العامة للنهضة الأوروبية التى اتجهت بفكرها وسلوكها بعيدا عن الدين، حيث جعلوا الإحساس الداخلى بديلا عنه، فهو يتولى التمييز بين الخير والشر، ويدعو إلى الأول وينهى عن الثانى، وشاع استعمال هذا اللفظ أيضا فى الشرق تقليدا للغرب. وهو وإن لم يرد كثيرا فى الاستعمال القديم بهذا المعنى فقد تحدث علماء الأخلاق كالغزالى وابن مسكويه عن مهمته بعنوان آخر، ففى إحياء علوم الدين عند شرح الغزالى عجائب القلب قال: إنها نفس الإنسان التى توصف بالمطمئنة إذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات، والتى توصف باللوامة إذا لم يتم سكونها واعترضت على النفس الشهوانية، كما توصف بالأمارة بالسوء إن تركت الاعتراض وأطاعت الشهوات، كما تحدث عنها فى كتاب المراقبة والمحاسبة ضمن كتاب " الإحياء " وعبر عنها مرة بالنور الإلهى وأخرى بالمعرفة والهادية للمرء فى أعماله. إن هناك حديثا يدل على وجود هذه القوة الباطنة وهو حديث وابصة ابن معبد الذى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال له " يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى القلب وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " رواه أحمد، وروى مسلم قوله صلى الله عليه وسلم " البر حُسن الخلق، والإثم ما حاك فى صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس " وروى البغوى فى مصابيح السنة "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ". والغزالى يرى أن نشاط الضمير يظهر فى ثلاثة مواطن، الأول قبل الشروع فى العمل، بالنظر إلى الباعث عليه، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره انكف عنه والثانى عند الشروع فى العمل، بقضاء حق الله فيه وإنجازه على أكمل ما يمكن، والثالث بعد العمل، وذلك بمحاسبة النفس على ما وقع منها. ومهما يكن من شىء فإن الضمير بالمعنى الذى يريده فلاسفة الغرب تحدث عنه علماء الإسلام، لكنهم تناولوا بالحديث آثاره وخواصه، أما ماهيته فقد أحجم الغزالى عن تحديدها، لأنه ليست هناك فائدة عملية من معرفة كنهها، وذلك من اختصاص الله سبحانه. وحديث الغرب عنها كان لمعرفة هل هى قوة فطرية أو كسبية، ولهم فى الإجابة ثلاثة مذاهب يمكن الرجوع إلى معرفتها فى كتابنا " دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة". وليكن معلوما أن الضمير إذا كان قوة فطرية فللتربية دخل كبير فى نموها وكمالها وأعظم ما يربيها هو الدين، قال تعالى: {ونفس وما سوَّاها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها} الشمس: 7 - 10 فالتعبير بالتسوية وإلهام الفجور والتقوى إشارة إلى عمل الله فيها، والتعبير بالتزكية والتدسية إشارة إلى عمل الإنسان. إن التربية البشرية البعيدة عن هدى الدين لا تضمن للضمير استقامته فى أداء مهمته، فالبشر يخطئون ويصيبون. ففى القديم رضى قوم لوط عن فعلتهم، وفى الحديث رأت بعض الحكومات عدم اعتبار هذه الرذيلة شذوذا، وأجمعت الأديان على بشاعة الظلم والقتل والاغتيال، فبررته الصهيونية والاستعمار. أما التربية الدينية فتقوم على مراقبة الله قبل العمل وفى أثنائه وبعده، وأثرها هو تقوى الله، وبتقوى الله تكون السعادة الشاملة فى الدنيا والآخرة مع مراعاة أن التربية على هدى الدين لا تضمن العصمة من الخطأ،ولكن ترشد المخطئ إلى التوبة والرجوع إلى الاستقامة، "انظر كتابنا المذكور" (10/366) ________________________________________ الترويح عن النفس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرى بعضا من شباب اليوم متجهما فى أكثر الأوقات، لايحب المرح، ويعد الفكاهة لهوا يصرف عن الله، ويزعم أن من يتمتعون بزينة الحياة الدنيا ليس لهم فى الآخرة إلا النار، فهل الدين يحرم على الإنسان أن يأخذ حظه من الدنيا من الحلال؟
الجواب الأديان بوجه عام لا تحارب الغرائز لتقض عليها، فهى ضرورية لحياة الإنسان تساعده على تحقيق خلافته فى الأرض، ولذلك خلق لآدم حواء ليسكن إليها وجعل بينه وبينها مودة ورحمة، ولكونه مخلوقا من خليط من العناصر أمكنه أن يتكيف مع الأرض التى خلق منها، ويتقلب مع الحياة بحلوها ومرها. ومهمة الأديان هى ترويض هذه الغرائز وتوجيه قوتها إلى الخير بقدر المستطاع، والإنسان روح وجسد، عقل وغرائز، ولكل منها غذاؤه الذى يعيش به، والأديان أرشدت إلى غذاء كل منها، ووفقت بين مطالبها فى اعتدال وحكمة من أجل إنتاج الخير والبعد عن الشر، قال ذلك سيدنا موسى لقارون {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} القصص: 77. ودين الإسلام كان منهجه أحكم المناهج فى سياسة الغرائز والعمل للدنيا والآخرة على السواء، ونصوصه فى ذلك كثيرة، وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه فى هذا المجال يشهد بحيوية هذا الدين وعدم تزمته وانغلاقه وتبرمه بالدنيا وزهده فى الحياة. ويشهد بقيام الدعوة الدينية على سنن الله الكونية المراعية للفطرة الإنسانية، التى تمل من الجدية والصرامة طول حياتها-، وتحتاج إلى الترويح المقبول الذى تغذى به روحها وعاطفتها. وأنواع الترويح كثيرة منبثة فى الكون كله ومتاحة لكل من يريدها. غير أن الدين وضع لها إطارا تمارس فيه حتى لا يساء استغلالها، وحتى لا تخرج عن الغرض منها، فأباح الترفيه الذى لا يصادم نصا يمنعه أو حكما مقررا فى الدين. لا يتفق معه، والذى لا يترتب عليه تقصير فى واجب، على أن يكون ذلك بقدر حتى لا يصير عادة تغريه بالانصراف عن الأعمال الجادة. ومما يدل على ذلك: 1 - قوله تعالى: {قل من حرم زينة الله التى أخرج. لعباده والطيبات من الرزق} الأعراف: 32 2 - قوله تعالى: {يا أيها الذين ابنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المائدة: 87. 3 - قول صلى الله عليه وسلم لمن اعتزموا الصيام طول الدهر والقيام طول الليل وترك الزواج " أما إنى أخشاكم لله وأتقاكم له، ولكنى أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رضب عن سنتى فليس منى " رواه البخارى ومسلم. 4 - قوله صلى الله عليه وسلم فى حادث سلمان الفارسى وأبى الدرداء " إن لربك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل فى حق حقه " رواه البخارى. وفى رواية " ولن لعينيك عليك حقا، وإن لزورك - الضيوف - عليك حقا " وفى رواية " وإن لولدك عليك حقا". 5 - قوله صلى الله عليه وسلم لحنظلة بن الربيع الأسيدى الذى ظن أن تمتعه مع زوجته وأولاده وامواله نفاق يغاير ما يكون عليه من الجدية عند لقائه عليه الصلاة والسلام " والذى نفسى بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندى وفى الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفى طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة". ثلاث مرات. رواه مسلم. 6 -كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا. روى الشيخان أنه داعب صغيرا يلعب بعصفور قائلا " ما فعل النُّغير يا أبا عمير"؟ وروى الترمذى بإسناد. حسن أنهم قالوا له: إنك تداعبنا فقال: " إنى وإن داعبتكم فلا أقول إلا حقا" وتسابق مع السيدة عائشة كما رواه النسائى وابن ماجة، وشهد معها لعب الحبشة وقال: " حتى تعلم يهود أن فى ديننا فسحة" وسمع الحداء واعجب به، وتسابق مع بعض الأغراب على ناقته، وشهد الرماة وهم يتبارون بالنبال وشجعهم على ذلك دون انحياز إلى فريق ضد فريق حتى لا يغضبهم. وروى عنه أنه قال "روِّحوا القلوب ساعة فساعة" رواه أبو داود فى مراسيله - ما سقط منها الصحابى - ورواه أبو بكر بن المقرئ والقضاعى، وهو حديث ضعيف. ذلك وامثاله يدل على أن الإسلام لا يحرم اللهو البرى والتمتع بطيبات الحياة فى المأكل والمشرب والملبس، بل يدعو إليه لتنشيط النفس على العبادة، فإنها تمل كما تمل الأبدان، ما دام ذلك فى اعتدال لا يؤدى إلى تقصير فى واجب، يقول الشاعر أبو الفتح البستى: أفِدْ طبعك المكدود بالهم راحة * يَجُمَّ وعَلَّلْةُ بشىء من المزح ولكن إذا أعطيته المزح فليكن * بمقدار ما تعطى الطعام من الملح وكل ذلك من منطلق قوله تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة:185 وقوله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} البقرة: 286 وقوله صلى الله عليه وسلم " إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " رواه البخارى وقوله " هلك المتنطعون " ثلاث مرات رواه مسلم. إن الفهم الصحيح للدين يريح الإنسان ويقيه شر الانحراف، ويريح الناس منه ويعطى صورة طيبة لهذا الدين الخاتم، تبعد عنه ما يفتريه المفترون. ومن أراد التوسعة فليرجع إلى الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام (10/367) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:16 am | |
| المدنية الغربية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى النظرة الصحيحة لتقويم المدنية الغربية فى العصر الحاضر؟
الجواب كل مجتمع فيه إيجابيات وسلبيات، والمجتمع الصالح هو ما كثرت إيجابياته وقلت سلبياته، والصلاح متفاوت ليس على درجة واحدة، فما كانت إيجابياته تسعين فى المائة يكون أصلح مما كانت إيجابياته سبعين فى المائة وهكذا، والإنسان وهو أساس المجتمع ليس معصوما من الخطأ، فإنه ابن آدم الذى أكل من الشجرة، ولكن الخير فى مبادرة المخطئ بالتوبة وإصلاح خطئه، والحديث فى ذلك معروف " كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون " رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم. والمدنية الغربية الحاضرة فيها الإيجابيات والسلبيات، وإيجابياتها المادية أكثر من سلبياتها المادية، لكن فى الناحية الروحية تقل الإيجابيات بدرجة كبيرة، مع تفاوت فيها بين الدول، وعلى الرغم من ذلك فإن العالم كله فى حاجة بعضه إلى بعض، والمجتمع الصالح هو الذى يأخذ من المجتمعات الأخرى ما-هو صالح بمقياس دينه الذى قرر الله أن من تمسك به كان هو الفائز بالسعادة فى الدارين {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} طه: 23 1، 4 2 1 والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ برأى سلمان فى حفر الخندق وهو منقول عن حضارة الفرس، وكذلك الخلفاء الراشدون أخذوا بالنظم الأجنبية فى الإدارات وغيرها ما دامت فيها مصلحة ولم تتعارض مع الدين. ومن المعلوم أن المدنية الغربية الاَن لا تلتزم بتعاليم الدين الإسلامى، وموقفها منه معروف، وبعض دولها لا دينى يكفر بالأديان كلها، وبعضها لا يلتزم بالدين الذى يدين به على الرغم من أنه دين منسوخ لا يعتد به بعد الإسلام {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران: 85. وهى لم توفر للانسان سعادته لا فى الدنيا ولا فى الآخرة، أما فى الآخرة فلأنها لا تؤمن بالإسلام، وأما فى الدنيا فلأن المظاهر المادية إن لم توجهها قيادات روحية كانت كالسهام الطائشة لا تصيب هدفا، بل تضر أكثر مما تفيد. ويكفى دليلا على انحرافها تنافسها فى الغلب وفى استعمار الدول الأخرى، لا فرق بين المسلمين منها وغير المسلمين. وإذا كانت شهادة المسلم على إفلاس المدنية الغربية متهمة: فإن كبار المفكرين منهم شهدوا على ذلك، ضاربين الأمثلة بشيوع الإلحاد الذى مزق النفوس بالشك والحيرة ودعا إلى الانتحار على الرغم من الرخاء المادى، وبالتفرقة العنصرية حتى فى ارقى الدول حضارة، وبالانحلالى الخلقى والاستهتار بالقيم الذى منع استقرار الأسرة وأغرى بارتكاب الفواحش، وباستخدام العلم فى استنباط وسائل الدمار يقول " ماكس نوردو " الألمانى فى كتابه " الأكاذيب المتفق عليها فى مدنيتنا الراهنة ": الإنسانية دائبة وراء البحث عن العلم والسعادة، ولكنها لم تكن فى عهد من عهودها أبعد عن الارتياح إليها والغبطة بها مما هى عليه فى هذا العصر، فلو سألت أى إنسان أو أى بيت هل تحس بالسعادة لقال لك: ابحث عنها بعيدا عنا، وانظر الإلحاد وما فشا فيه من تشاؤم بلغ قمته فى فلسفة " شوبنهور" وتلميذه " هارتمان " عقَّد النفس ودفع إلى الانتحار أو إدمان الخمور، ليس عند الفتى ارتياح واطمئنان، وليس عند الفقير صبر واحتمال، إن الناس يشكون اليوم من ضياع الأخلاق، فهل يسمح الإلحاد بها وقد أزال الإيمان من القلوب، وأزال معه المبادئ الصالحة؟ لقد كانت الإنسانية فى قديم الزمان تشكو مما نشكو منه من القلق وعدم الارتياح، ولكن الذى منعها أن تثور ثورتنا أنها كانت تستمد من إيمانها تعزية وسلاما والذى ينتظر سعادة أخروية يسهل عليه أن يصبر على شىء وقتى ويخفف وقعه عليه. نأخذ من هذه الشهادة ومن الواقع الملموس أن المدنية الغربية لن تحقق السعادة المنشودة بدون الإيمان الصحيح، ولا ينبغى الاغترار بمظاهرها المادية فهى مسخرة؟ للدمار، وهى فى سبيلها للانهيار كما انهارت دول وحضارات فى القديم والحديث، وصدق الله إذ يقول {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} محمد: 12 (10/368) ________________________________________ الإشاعة والتشهير
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال افترى علىَّ بعض الناس واتهمنى بما أنا برئ منه،وأخذ يشنَّع علىَّ فى الصحف وفى المجالس، فهل يصح لى أن أقابله بالمثل لأفضحه كما فضحنى؟ وهل هناك وسيلة لمقاومة الإشاعات؟
الجواب الإجابة على هذا السؤال تتناول نقطتين،أولاهما موقف الدين من الإشاعة والتشهير، وثانيتهما ما يجب لمقاومة هذا الخطأ. أما الأولى: فإن الإشاعة فى اللغة هى الإظهار والنشر، وذلك يصدق بما هو صادق وبما هو كاذب،ولكن العرف قصرها على الأخبار التى لم يثبت صدقها بعد، ويقال لها: الأراجيف،واحدها إرجاف، وأصل الرجف الحركة والاضطراب، والإشاعة فيها هذا المعنى. وأكثر ما يحمل على الإشاعة الكراهية لمن يشاع عنه، أو حب الظهور بالسبق إلى معرفة ما لا يعرفه غيره، أو التسلية أو التنفيس عن النفس فيما حرمت منه،وتكثر أيام الأزمات السياسية والاقتصادية والحربية حيث يكون الجو ملائما لرواجها. وللإشاعة آثارها الضارة،من بلبلة الأفكار وتضليل الرأى العام، والفتنة بين الناس، وتشويه سمعة البرآء، كما أشاع المشركون على الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، وأنه شاعر أو كاهن أو مجنون، وكما أشاعوا فى غزوة أُحد أنه قتل لتخذيل أصحابه. والإسلام لا يرضى عن اختلاق الإشاعة الكاذبة لأن فيها ضررا، والإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار، والكذب مذموم إلا فى حالات معينة لجلب مصلحة أو دفع مضرة، ومنها ما سمح به الرسول لمعبد بن أبى معبد الخزاعى من تخذيل قريش بعد انصرافهم من غزوة أُحد حتى لا يعاودوا الكرة لقتال المسلمين، وما سمح به لنعيم بن مسعود الأشجعى فى غزوة الأحزاب لتخذيل العدو. وتوضيح ذلك فى كتب السيرة وفى كتابنا " توجيهات دينية واجتماعية" ومن النصوص الدالة على حرمة إشاعة الكذب والإضرار بالناس: قوله تعالى {إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون} [النحل:105] وقوله {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58] وقوله عن المرجفين {ملعونين أينما ثُقفوا أخذوا وقُتِّلوا تقتيلا} [الأحزاب: 61] . وقوله صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام " رواه البخارى ومسلم وقوله " إن أربى الربا الاستطالة فى عِرض مسلم بغير حق " رواه أبو داود. وقوله " أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة هو منها برئ يشينه بها فى الدنيا كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة فى النار حتى يأتى بنفاذ ما قال " رواه الطبرانى بإسناد جيد، وفى رواية أخرجها البغوى " ومن قفا مسلما بشىء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال " وقوله " لا يحل لمسلم أن يرِّوع مسلما " رواه مسلم وقوله " من أخاف مؤمنا كان حقا على الله ألا يؤمنه من فزع يوم القيامة" رواه الطبرانى،ولا شك أن الإشاعة فيها ترويع للمسلم وتخويف له. وهذا إلى جانب أن الله سبحانه سمى صاحب الخبر الكاذب فاسقا فقال {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات: 6] وسماه شيطانا فقال عن نعيم بن مسعود الأشجعى قبل أن يسلم وأراد أن يخذل جيش المسلمين فى غزوة بدر الصغرى {إنما ذلكم الشيطان يخوِّف أولياءه فلا تخافوهم} [آل عمران: 175] كما وصفه بأنه يحب الشر للناس كالمرجفين الذين فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. والذى يحب الشر للناس ليس مؤمنا كما نص الحديث " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخارى ومسلم. وأما النقطة الثانية وهى فى مقاومة الإشاعة فتتمثل بعد التوعية بخطرها فيما يأتى: 1- عدم سماع الكذب. فهو من صفات اليهود {سمَّاعون للكذب} [المائدة: 51] 2- عدم اتباع ما لا علم للإنسان به،قال تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء: 26] 3- عدم اتباع الظن فهو من سمات الكافرين، وتصديق الإشاعة اتباع للظن،قال تعالى {وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} [النجم: 28] وفى تصديق الإشاعة ظن سيئ بمن ألصقت به وهو منهى عنه قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} [الحجرات: 120] وقال فى حادث الإفك الذى روَّجه زعيم المنافقين عبد الله بن أُبى بن سلول ومن معه ضد أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين} [النور: 12] . 4- وجوب التثبت من الأخبار وعدم المبادرة بتصديقها دون روية وفكر وبحث، كما قال تعالى فى حادث الإفك {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} [النور: 13] وقال صلى الله عليه وسلم لمن اتهم زوجته بالزنا " البينة أو حد فى ظهرك " رواه البخارى ومسلم، ولما جاء الوليد بن عقبة بخبر كاذب عن بنى المصطلق لم يقبل النبى صلى الله عليه وسلم كلامه، بل أرسل خالد بن الوليد للتحرى والتثبت ونزلت الآية {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} وفى غزوة بنى المصطلق قال عبد الله بن أُبى بن سلول زعيم المنافقين {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 8] يريد بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله، فنقل زيد بن أرقم الأنصارى هذا الكلام إلى الرسول، فتغيَّر وجهه وأراد أن يتثبت من صحة النقل فقال "يا غلام لعلك غضبت عليه فقلت ما قلت " فقال: والله يا رسول الله لقد سمعته. فقال " لعله أخطأ سمعك " وفى رواية البخارى: فصدَّقهم وكذبنى فأصابني همُّ لم يصبني مثله فجلست فى بيتى فأنزل الله {إذا جاءك المنافقون. . .} فقال له النبى " إن الله قد صدقك يا زيد" وهذا الإجراء من النبى صلى الله عليه دليل على وجوب التحرِّى والتثبت، حتى لو نقلت الإشاعة عن العدو. ومن وسائل التثبت الرجوع إلى جهة الاختصاص لمعرفة الحق فى الأخبار الشائعة، وعلى المختصين بيان ذلك قال تعالى عن المنافقين الذين كانوا يتلقون أخبار السرايا ويشيعونها قبل أن يتحدث عنها النبى صلى الله عليه وسلم وهو جهة الاختصاص {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء: 83] 5- عدم ترديد الإشاعة وحصرها فى أضيق الحدود حتى لا يكثر من يساعدون على نشرها، ويساعد على ذلك: المبادرة بحسن الظن، والتنزه عن نقل الباطل، قال تعالى فى حادث الإفك {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم} [النور: 16] وفى الحديث " كفى بالمرء إثما أن يحدِّث بكل ما سمع " رواه مسلم، والخوف من إشاعة الفاحشة {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة} [النور: 19] 6- المقاومة الفعلية للإشاعة بطريقة عملية إيجابية، تقوم بها الجهات المسئولة كالبلاغات والبيانات التى تفندها، ومعاقبة المرِّوجين لها، كما قال تعالى {لئن لم ينته المنافقون والذين فى قلوبهم مرض والمرجفون فى المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا. ملعونين أين ما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} [الأحزاب:60، 61] وقد أخرجهم الرسول من المسجد وأبعدهم عن المدينة ثم قاتلهم لاستمرارهم على إيذاء المسلمين بشتى الوسائل، وذلك فى غزوة بنى قينقاع وبنى النضير وبنى قريظة. وقد وضع الإسلام عقوبة للإشاعة التى تتعلق بالأعراض، وهى حد القذف الذى يتهم فيه البرآء بالفاحشة، قال تعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} [النور: 4] . وقد حدَّ النبى صلى الله عليه وسلم من أشاعوا الإفك على السيدة عائشة، وحدَّ عمر رضى الله عنه ثلاثة أشاعوا الزنا على المغيرة بن شعبة. هذا هو باختصار موقف الإسلام من اختلاق الإشاعات ومقاومتها، والسائل يقول: هل له أن يفضح من فضحه بالتشنيع عليه؟ ونقول له: هناك آيات فى هذا المقام تحتاج إلى توضيح هى قوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] وقوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} [النحل: 126] وقوله {ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولِى حميم} [فصلت: 34] وقوله {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين. ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} [الشورى: 40، 41] وهناك أمثالها تدعو إلى كظم الغيظ والعفو عن المسيء والإحسان إليه. وقد شرحها المفسرون منبهين إلى أمور: أن الذى يتولى القصاص فى الاعتداء هو المسئول، ولا يجوز أن ينفرد به المعتدى عليه أو وليه، وأن القصاص يلتزم فيه الاقتصار على الحد الأدنى الذى لا تجاوز فيه، وأن الخطأ لا يداوى بالخطأ، وأن العفو عن المسىء مندوب إليه إذا كان فيه إصلاح له لا إغراء على العدوان. يقول القرطبى فى تفسير {فمن اعتدى عليكم} : من ظلمك فخذ حقك منه بقدر مظلمتك، ومن شتمك فرد عليه مثل قوله، ومن أخذ عرضك - أى اتهمك بالزنا - فخذ عرضه، لا تتعدى إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه، وليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية، فلو قال لك مثلا: يا كافر جاز لك أن تقول له: أنت الكافر، وإن قال لك: يا زان، فقصاصك أن تقول له: يا كذاب يا شاهد زور، ولو قلت له: يا زان، كنت كاذبا وأثمت فى الكذب، وإن مطلك وهو غنى دون عذر فقل: يا ظالم، يا آكل أموال الناس، قال النبى صلى الله عليه وسلم " لَىُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته " أما عرضه فبما فسرناه، وأما عقوبته فالسجن يحبس فعِه. وقال فى انتصار من أصابهم البغى ومقابلة السيئة بالسيئة والترغيب فى العفو " ج 16 ص 39 ". قال ابن العربى: ذكر الله الانتصار فى البغى فى معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم فى موضع آخر فى معرض المدح، فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا - ناسخا - للآخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين، إحداهما أن يكون الباغى معلنا بالفجور، وقحًا فى الجمهور، مؤذيا للصغير والكبير، فيكون الانتقام منه أفضل، وفى مثله قال إبراهيم النخعى: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق - الثانية أن تكون الفَلْتَة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة، فالعفو ها هنا أفضل، وفى مثله نزلت {وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة: 237] ثم ذكر فى (صفحة 44) أن العفو مندوب إليه، وقد ينعكس الأمر فيكون ترك العفو مندوبا إليه، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغى وقطع مادة الأذى، وعن النبى صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه، وهو أن زينب أسمعت عائشة رضى الله عنهما بحضرته، فكان ينهاها فلا تنتهى، فقال لعائشة " دونك فانتصرى" خرجه مسلم فى صحيحه بمعناه. وجاء فى هذا الحديث أن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أرسلن إليه فاطمة بنته يسألنه العدل فى جب عائشة، فلم تستطع فأرسلن زينب بنت جحش - وكانت تسامى عائشة فى الحب - فأخذت تسبها وعائشة ساكتة تنتظر أن يأذن لها الرسول فى الجواب فأذن لها فسبتها حتى جف لسانها فقال صلى الله عليه وسلم "" كلا إنها ابنة أبى بكر " يعنى لا تستطيع مقاومتها فى الكلام. ويعلق الغزالى " الإحياء ج 3 ص 156" على ذلك بقوله: وقولها "سببتها" ليس المراد به الفحش، بل هو الجواب عن كلامها بالحق ومقابلتها بالصدق. . ثم قال الغزالى: هناك رخصة فى مقابلة الإيذاء بمثل الإيذاء ولكن الأفضل عدمها، لأنها تجر إلى ما وراءها ولا يمكنه الاقتصار على قدر الحق فيه، فالسكوت عن أصل الجواب لعله أيسر من الشروع فيه والوقوف عند حد الشرع فيه. يؤخذ من هذا أن من شنَّع على إنسان بما ليس فيه يجوز له أن يشنعِّ عليه، ولكن بما فيه دون اختلاق شىء ليس فيه كما يؤخذ منه أن يكون الانتصاف بالمثل دون تجاوز، حتى لا يجر الخصم إلى التجاوز أيضا فتتسع الهوة ويصعب التصالح، روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه " قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟ قال " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ". كما يؤخذ منه أن العفو أفضل، ومحله كما قال المحققون إذا لم يكن العفو مغريا وإلا كان الانتصاف منه أفضل. روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم أسر أبا عزة الجمحى يوم بدر، فَمَنَّ عليه وعاهده ألا يحرض عليه ولا يهجوه، فأطلقه ولحق بقومه، ثم عاد إلى التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أُحد، فسأله أن يمن عليه فقال صلى الله عليه وسلم "لا يُلدغ المؤمن من جُحر مرتين ". ومن الناس من يؤثر عدم الانتصاف من المعتدى رجاء فضل الله وأجره، أو احتقاراٌ له كما يقول الشاعر: سكت عن السفيه فظن أنى * عييت عن الجواب وما عييتُ إذا نطق السفيه فلا تجبه * فخير من إجابته السكوت لكن الأخوال تختلف، ومن الحكمة وضع كل شىء فى موضعه كما يقول الحكيم: ووضع الندى فى موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف فى موضع الندى الندى فى الشطر الأول هو الخير والعفو، وفى الشطر الثانى القطر النازل من السماء والضباب وهو يضر السيف بالصدأ. وبعد، فلعل فى هذا الهدى الدينى ما يبضِّرُ أرباب الألسنة والأقلام الذين يمكن لهم فى القول والكتابة - مستغلين مبدأ الحرية استغلالا سيئا -بمراعاة الأدب فى النقد والتوجيه، وبخاصة فى حق الشخصيات التى يجب أن يوفر لها الاحترام، فلا يختلق عليهم ما يمس كرامتهم، ولا تجسم الصغائر والهفوات التى لا يسلم منها أحد، ففى الحديث الذى رواه أبو داود " أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم إلا فى الحدود ". وليعلم كل من له لسان أو قلم أن فى القوم من لهم أقوى من ألسنتهم وأقلامهم، وأن أى إنسان لا يخلو من سلبيات إن تجاهلها فالناس لا يجهلونها، ويرحم الله الإمام الشافعى إذ يقول: إذا رمت أن تحيا سليما من الأذى ودينك موفور وعرضك صَيِّن لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألْسُن وعيناك إن أبدت إليك مساوئا فدعها وقل يا عين للناس أعين وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ودافع ولكن بالتى هى أحسن (10/369) ________________________________________ الادخار
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الادخار وأمر بإنفاق كل ما يملكه المسلم قبل وفاته، وما رأي الدين فيما يردده بعض الناس: اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب؟
الجواب هناك بعض صور حدثت فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم جعلت بعض الناس يقعون فى حكم عام، دون دراسة للصور الأخرى، وللظروف التى حدثت فيها، وذلك مثل ما رواه الطبرانى بإسناد حسن أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على بلال فأخرج له صُبَرًا من تمر، فقال: " ما هذا"؟ قال: ادخرته لك يا رسول الله، وفى رواية: أعدُّ ذلك لأضيافك، فقال له "أما تخشى أن يجعل لك بخار فى نار جهنم؟ أنفق يا بلال ولا تخش من ذى العرش إقلالا" ومثل نهيه عن ادِّخار لحوم الأضاحى فوق ثلاثة أيام، ومثل إنفاق أبى بكر الصديق رضى الله عنه فى غزوة تبوك كل ما عنده ولم يبق لعياله إلا الله ورسوله. لكن أجيب عن حديث بلال بأن النهى عن إمساك المال هو نهى عن البخل والشح به، لا عن ادخاره لمفاجآت المستقبل، أو النهى عن إمساكه هو لمن يعتمد عليه كل الاعتماد ويوشك أن يضف ذلك ثقته بالله. وبأن النهى عن ادخار لحم الأضاحى هو من أجل إطعام المحتاجين الذين يفدون على المدينة من أجل ذلك، ثم أجاز لهم أن يأكلوا ويدخروا لأولادهم منها، وجاءت فى ذلك عدة أحاديث متفق على صحتها" نيل الأوطارج 5ص 134 " وقد تقدم ذلك فى المجلد الأول ص 582. وأبو بكر الصديق، أنفق كل نقوده، ولكن بقيت له أملاك أخرى كالنخل الذى تركه بعد وفاته وأوصى عائشة أن تجذه، على أن أبا بكر لا يدانيه أحد بعد الرسول فى قوة إيمانه وثقته بالله، لا يفتن أبدا، ولا يندم على خير فعله. وفى غير هذه الظروف أباح الإسلام الادخار، بل دعا إليه لمواجهة ظروف المستقبل، ولذلك عدة أدلة: 1- نهى الإسلام عن الإسراف الإنفاق حتى لو كان فى الخير، قال تعالى فى زكاة الزروع والثمار {وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأنعام: 141] وقال بعد الأمر بإعطاء القرابة والمساكين وأبناء السبيل حقوقهم: {ولا تبذِّر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} [الإسراء: 26، 27] وعندما قال سعد بن أبى وقاص - وكان مريضا - أنا يا رسول الله ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة لى، أفأتصدق بثلثى مالى؟ قال له الرسول "لا" قال: فالشطر يا رسول الله، قال " لا" قال: فالثلث يا رسول الله، قال " الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " رواه البخارى ومسلم. ولما تاب الله على كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك بدون عذر قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن من توبتى أن أنخلع من مالى صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال له " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك " رواه البخارى ومسلم. وفى الحديث الذى رواه البخارى " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" أى ما تركت صاحبها بعد التصدق غنيا غير محتاج، على ما جاء فى بعض الشروح فلا خير فى السرف حتى لو كان فى الخير، والنصوص فى النهى عنه فى العبادة كثيرة. وأما من قال: لا سرف فى الخير فهو الحسن بن سهل عندما أنفق أموالا كثيرة فى زفاف بنته " بوران " على المأمون عندما قال له: لا خير فى السرف، وكلام الحسن ليس حجة، فهو تبرير لخطأ وقع فيه كما ذكر فى هذه النصوص. 2- الادخار تواجه به الاحتمالات غير المتوقعة، والتى توقع الإنسان فى حيرة إن لم يجد ما يواجهها، فهو إما أن يستسلم فيكون الضرر البالغ، وإما أن يسأل ويستجدى وذلك حرام، وإما أن يسلك طرقا غير مشروعة كالسرقة والربا، وإما أن يستدين والدين همٌّ بالليل وذل بالنهار. والادخار يعطى الإنسان راحة نفسية ويساعد على عمل الخير، وتنمية ثروته، ومن هنا كانت خطة يوسف عليه السلام فى مواجهة المجاعة التى فسر بها روية عزيز مصر، حيث أمر بالادخار وقت الرخاء سبع سنوات على ما هو مذكور فى القران الكريم وقد أشاد القرآن بالأب الصالح الذى ترك كنزا لليتيمين، فى قصة الخضر عليه السلام " الكهف ". 3- ادخر النبى صلى الله عليه وسلم لأهله قوت سنة من مال خيبر، كما حدَّث بذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ورواه البخارى، ويعلق عليه الشرقاوى بقوله: ولا يعارضه حديث أنه كان لا يدخر شيئا لغد، لأنه كان قبل السعة، وفيه جواز ادخار القوت للأهل والعيال، وأنه ليس بمكروه ولا ينافى التوكل، وكيف ومصدره عن سيد المتوكلين؟ 4- وردت آثار طيبة عن المتقدمين تدعو إلى الادخار، منها قول الإمام على رضى الله عنه فى كتابه إلى عامله على البصرة: دع الإسراف مقتصدا، واذكر فى اليوم غدا، وأمسك من المال بقدر ضرورتك، وقدم الفضل ليوم حاجتك " نهج البلاغة: ج 2 ص 19 " وقال عبد الله ابن عمرو: احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واحرث لآخرتك كأنك تموت غدا " عيون الأخبار ج 1 ص 244 ". فالادخار مشروع لأن الإسلام يأمرنا بالحذر والحيطة، ويكره العجز والتواكل، ولا يكره الغنى بل يمدحه ويدعو إليه إذا كان للخير، كما يحب تنمية الثروة بالطرق المشروعة، ويأمر بالحرص على كل ما ينفع، فالمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف كما صح فى الحديث راجع كتابنا " توجيهات دينية واجتماعية" (10/370) ________________________________________ الاحتفال بوفاء النيل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى الاحتفالات التى تقام بمناسبة وفاء النيل؟
الجواب وفاء النيل وهو زيادة مائه إلى حد معين يبشر بالخير ووفرة المحصول أمر كان يهتم به المصريون من قديم الزمان، ابتهاجا بوفرة الماء، كما كانوا يبتهجون بأعياد الحصاد والربيع والمناسبات الخاصة بالزراعة. وقدَّسوا النيل حتى جعلوه إلها يتقربون إليه بأنواع القربات التى منها إلقاء عروس مزينة فيه وسط احتفال كبير، فى شهر توت أو مسرى كل عام. ولما فتحت مصر أبطل المسلمون هذه العادة جاء فى "بدائع الزهور لابن إياس" ج 1 ص 13 من المختار طبعة الشعب: قال ابن عبد الحكم: لما استقر عمرو بن العاص بمصر جاء إليه القبط وقالوا له: أيها الأمير أن لنيلنا سُنَّة كل سنه لا يجرى إلا بها، فقال لهم: وما هى؟ فقالوا: إذا كانت ليلة اثنتى عشره من شهر بؤونة من الشهور القبطية عمدنا إلى جارية بكر وأخذناها من أبويها غصبا أو رضاء وجعلنا عليها الحلى والحلل ثم ألقيناها فى بحر النيل فى مكان معلوم. فلما سمع عمرو بن العاص ذلك قال لهم: هذا الأمر لا يكون فى الإسلام أبدا. فأقام أهل مصر شهر بؤونة وأبيب ومسرى وتوت من الشهور القبطية، ولم يجر فيها النيل لا قليلا ولا كثيرا، فهمَّ أهل مصر بالجلاء. فلما أن رأى عمرو بن العاص ذلك كتب كتابا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأرسله على يد نجاب، فلما وصل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كتب بطاقة وأرسلها إلى عمرو بن العاص وأمره أن يلقيها فى بحر النيل، فلما وصلت إلى عمرو بن العاص فتح تلك البطاقة وقرأ ما فيها وإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب إلى نيل مصر، أما بعد، فإن كنت تجرى مِنْ قبلك فلا تجر، وإن كان الله تعالى الواحد القهار هو الذى يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك. فلما وقف عمرو على ما فى البطاقة ألقاها فى النيل كما أمره أمير المؤمنين عمر، وقد ألقاها فى النيل قبل عيد الصليب بيوم واحد، وعيد الصليب يكون سابع عشر توت من الشهور القبطية، وكان قد أجلى غالب أهل مصر من عدم جريان الماء فلما أصبح الناس يوم عيد الصليب رأوا النيل زاد فى تلك الليلة ستة عشر ذراعا فى دفعة واحدة، وقد قطع الله تلك السنَّة السيئة عن أهل مصر ببركة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضى الله عنه. وفى أيام الضعف الإسلامى عاد الاحتفال بوفاء النيل بمراسم لا تتفق مع الدين، وتنبه الغيورون على الدين إلى خطورتها فعملوا على إبطالها، كانوا يكتفون بإلقاء تمثال لعروس فى النهر، ثم عمدوا إلى مسابقات للجمال بين الفتيات ومظاهر تتنافى مع الدين ومع واجب الشكر لله على وفاء النيل فاستنكرها علماء الدين. يقول حسن عبد الوهاب عن هذه الاحتفالات: إنها تقلصت أخيرا، فأقيمت سنة 1956 م فى الجيزة، حيث تحركت الباخرة " كريم " وصندل العقبة بالمدعوين إلى المعادى فى رحلة نيلية عادوا بعدها إلى القاهرة، وحررت حجة الوفاء ووقَّعها مفتى الديار المصرية لأول مرة فى مكتب محافظ القاهرة، وفى عام 1958 م تحركت مركب العقبة من روض الفرج إلى " بسوس " ثم عادت، ووقع المندوبون حجة الوفاء بمحافظة مصر. ومهما يكن من شىء فإن الاحتفال بوفاء النيل يجب أن يكون احتفالا بنعمة من أكبر نعم الله على مصر، وذلك بشكره سبحانه وحسن استخدام هذه المياه فى خير الناس، والبعد عن تلويثها والإسراف فيها. وليس هذا الشكر بمظاهر يرتكب فيها ما حرم الله "انظر دائرة معارف الشعب -المجلد الأول ص 289 - 1 9 2" ففيها مظاهر كثيرة لهذا الاحتفال. وفى صفحة 286: كلام عن مقياس النيل بالروضة والآيات القرآنية المنقوشة عليه، وانظر " الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر ص 3584" وفيها رد المفتى الشيخ جاد الحق عليه (10/371) ________________________________________ قبة الصخرة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نسمع أن هناك قبة فى فلسطين تسمى قبة الصخرة، فهل هي كما يقال معلَّقة فى الجو أو على قمة جبل أو على الأرض؟
الجواب يقول ابن خلدون فى مقدمته ص 249: لما كان موسى وبنو إسرائيل فى التيه أمره الله باتخاذ قبة من خشب السنط يوضع فيها التابوت والمائدة وبها منائر بقناديل، فبناها ووضع فيها تابوت العهد الذى فيه الألواح التى صنعت عوضا غن الألواح المنزلة بالكلمات العشر لما تكسرت، وكانوا يصلون فى التيه إلى هذه، القبة التى بين خيامهم، ولمَّا دخلوا الشام وبقيت قبتهم قبلتهم وضعوها على الصخرة ببيت المقدس، وأراد داود بناء مسجده على الصخرة مكانها فلم يتم له ذلك فبناه ابنه سليمان واتخذ عمده من الصخر وجعل صرح الزجاج وغشى أبوابه وحيطانه بالذهب، وصاغ هياكله وتماثيله وأوعيته ومنارته من الذهب. . . وتعرض بيت المقدس للتخريب على يد بختنصر بعد 300 سنة من بنائه، كما خرَّبه آخرون، ولما جاء قسطنطين وتنصرت أمة هيلانة استخرجت "الخشبة التى صلب عليها المسيح من وسط القمامة،وبنت مكان القمامة كنيسة القمامة أو القيامة كأنها على قبره بزعمهم، وخربت ما وجد من عمارة البيت وأمرت بطرح الزبل والقمامات على الصخرة حتى غطتها. ولما ذهب عمر بن الخطاب إلى الشام وسأل عن الصخرة أزال عنها التراب وبنى عليها مسجدا يعرف بمسجد عمر، ولما جاء الصليبيون هدموها وبنوا عليها كنيسة قام بهدمها صلاح الدين سنة 580هـ وأظهر الصخرة وبنى المسجد مكانها على النحو الذى هو عليه الآن " ابن خلدون توفى سنة 880 هـ = من مارس 6 0 4 1 م ". وجاء فى كتاب الشعب " مساجد ومعاهد"ج 2 ص 126: أن البطريق دل عمر على الصخرة ليبنى مسجدا وقال: هى التى كلَّم الله عليها يعقوب. وفى ص 15 وما بعد بقلم د: السيد محمود عبد العزيز سالم: أن قبة الصخرة فى وسط الحرم الشريف ببيت المقدس، وكانت موضع احترام الأديان الثلاثة، أنشأها الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان بشكل ينافس الكنيسة المجاورة، وشرع فى بنائها سنة 71 هـ (690 م) وأتمها سنة 72 هـ واختار لبنائها أرفع مكان فى ساحة الحرم الشريف وهو المكان الذى قيل إن الرسول صعد منه إلى السماء ليلة الإسراء. وكان عمر قد أقامه حين زار الشام سنة 16 هـ وأقيم فيه مصلى من الخشب عرف باسمه، فأمر عبد الملك بإنشاء القبة على الصخرة المقدَّسة، وأطلق عليها أحيانا اسم جامع عمر. ثم يقول: قبة الصخرة بناء حجرى مثمن طول ضلعه 0 5،20 مترا تتوسطه قبة شديدة الارتفاع مصنوعة من الخشب مغطاة من الخارج بطبقة من الرصاص. وتقوم على رقبة اسطوانية تتفتح فيها 16 نافدة، وتتكئ الرقبة على دائرة من العقود نصف دائرية، وتقوم العقود بدورها على دائرة من الأعمدة والدعائم، وبين هذه الدائرة من العقود والمثمن الخارجى مثمن أوسط من الأعمدة والدعائم، ويدور بين هاتين الدائرتين من الأعمدة رواقان مخصصان للصلاة. والصخرة قطعة من الصخر غير منتظمة طولها 18 مترا من الشمال إلى الجنوب وعرضها 13 مترا من الشرق إلى الغرب وأكثر أجزائها ارتفاعا لا يتجاوز مترا ونصف متر. وفى أسفلها غار كبير بداخله محراب صغير، ويربط أبدان الأعمدة عند منتصفها سياج يفصل بين الأروقة والصخره وترتبط تيجان الأعمدة فيما بينها بأوتار خشبية تلافيا للضغط الناشئ من القبة. والجدران الخارجية لقبة الصخرة تبدو كمثمن طول كل ضلع من أضلاعه الثمانية 12 مترا ونصف متر، وارتفاعه تسعة أمتار ونصف متر، ويزدان كل ضلع من هذه الأضلاع بسبع طاقات مستطيلة معقودة فى أعلاها. . . وكانت جدران القبة مغطاة قديما بتربيعات الفسيفساء، ولكن السلطان سليمان القانونى استبدل بها سنة 952 هـ (1545 م (حشوات من الخزف الرائع. وقد وصفها الرحالة الفارسى " ناصر خسرو" فى النصف الأول من القرن الخامس للهجرة، بما يقرب من ذلك وقال: الصخرة أعلى من الأرض بمقدار قامة الرجل، وقد أحيطت بسياج من الرخام حتى لاتصل يد إليها. والصخرة حجر أزرق لونه لم يطأها أحد برجله أبدا ومن ناحيتها المواجهة للقبلة، انخفاض كأنَّ إنسانا سار عليها، فبدت اثار أصابع قدميه فيها كما تبدو على الطين الطرى وقد بقيت عليها آثار سبع أقدام، وسمعت أن إبراهيم كان هناك وكان إسماعيل طفلا فمشى عليها، وهذه آثار أقدامه. تلك نبذة بسيطة من كتابات كثيرة عن الصخرة والقبة التى بنيت عليها ويهمنا أن نعمل على استعادتها من أيدى الغاصبين، وأن تتاح الفرصة لشد الرحال إليها فالصلاة فيها تعدل خمسمائة صلاة فيما سواها كما ورد فى الحديث (10/372) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:16 am | |
| الطيور المهاجرة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فيمن يهاجر خارج بلاد المسلمين طلبا للرزق مع توفر مصادر الرزق والكسب الحلال داخل بلده؟
الجواب الهجرة من مكان إلى مكان آخر من أجل الكسب الحلال لامانع منها مطلقا، وقد هاجر المسلمون من جزيرة العرب وغيرها لنشر الإسلام وابتغاء الرزق فى مناطق عديدة من العالم، ولا يزال المسلمون يهاجرون من أوطانهم إلى أوطان أخرى من أجل ذلك قال تعالى {ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغما كثيرا وسعة} [النساء: 100] {فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} [الملك: 15] . والشرط فى هذه الهجرة أن يأمن المهاجر على عقيدته وشرفه ويتمتع بحريته وكرامته فى حدود الدين، أما إذا خاف أن يفتن فى دينه عقيدة وسلوكا حرم عليه أن يهاجر إلى هذا البلد أو يستقر فيه وعليه أن يهاجر إلى بلد آخر يجد فيه الأمان، فإذا ضاقت به السبل عاد إلى وطنه قانعا بالرزق القليل ليحافظ على دينه، ومن الممكن جدا أن يخدم وطنه وأمته بوسائل كثيرة إذا فكَّر وقدر واكتشف واستفاد من خيرات الأرض التى لا ينضب معينها أبدا فهى نعم المورد لكل من أقبل عليها بالفكر والعمل. فالوجود فى البلاد غير الإسلامية مرهون بالأمن على الدين وعدمه. . . قال المحققون من العلماء: إذا وجد المسلم أن وجوده فى دار الكفر يفيد المسلمين الموجودين فى دار الإسلام أو المسلمين الموجودين فى دار الكفر " الجاليات " بمثل تعليمهم وقضاء مصالحهم، أو يفيد الإسلام نفسه بنشر مبادئه والرد على الشبه الموجهة إليه كان وجوده فى هذا المجتمع أفضل من تركه، ويتطلب ذلك أن يكون قوى الإيمان والشخصية والنفوذ حتى يمكنه أن يقوم بهذه المهمة (10/373) ________________________________________ الكنائس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى بناء بيوت العبادة لغير المسلمين فى بلاد الإسلام؟
الجواب روى أحمد وأبو داود عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تصلح قبلتان فى أرض، وليس على مسلم جزية" قال الشوكانى " نيل الأوطارج 8 ص 64 ": سكت عنه أبو داود، ورجال إسناده موثقون. وقال المنذرى: أخرجه الترمذى، وذكر أنه مرسل، لكن له شواهد كثيرة. قال صاحب المنتقى بعد إيراد هذا الحديث: وقد احتج به على سقوط الجزية بالإسلام، وعلى المنع من إحداث بيعة أو كنيسة. 1- وروى ابن عدى عن عمر بن الخطاب عن النبى صلى الله عليه وسلم" لا تبنى كنيسة فى الإسلام ولا يجدد ما خرب منها ". 2- وروى البيهقى عن ابن عباس قال: كل مصر مصَّره المسلمون لاتبنى فيه بيعة ولا كنيسة ولا يضرب فيه ناقوس ولا يباع فيه لحم خنزير. وهو ضعيف. 3- أخرج البيهقى: كتب إلينا عمر: أدبوا الخيل، ولا يرفع بين ظهرانيكم الصليب ولاتجاوركم الخنازير. وسنده ضعيف. 4- جاء فى كتاب " الإقناع "للخطيب وحاشية عوض عليه (ج 2 ص 265، 66 2) فى فقه الشافعية: أنه يمنع أهل الذمة من إحداث كنيسة وبيعة وصومعة للرهبان فى بلد أحدثنا5 كبغداد والقاهرة [المسماة بمصر الاَن] أو أسلم أهله عليه كالمدينة الشريفة واليمن، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا تبنى كنيسة فى الإسلام " ولأن إحداث ذلك معصية، فلا يجوز فى دار الإسلام. فإن بنوا ذلك هدم، سواء شرط عليهم أم لا. ولا يحدثون ذلك فى بلدة فتحت عنوة كمصر [وهى مصر القديمة] وأصبهان، لأن المسلمين ملكوها بالاستيلاء، فيمتنع جعلها كنيسة، وكما لا يجوز إحداثها لا تجوز إعادتها إذا انهدمت، ولا يقرُّون على كنيسة كانت فيه [أى فيما فتح عنوة] لما مر. ولو فتحنا البلد صلحا كبيت المقدس بشرط كون الأرض لنا وشرط إسكانهم فيها بخراج أو إبقاء الكنائس أو إحداثها جاز، لأنه إذا جاز الصلح على أن كل البلد لهم فعلى بعضه أولى، فلو أطلق الصلح ولم يذكر فيه إبقاء الكنائس ولا عدمه فالأصح المنع من إبقائها، فيهدم ما فيها من الكنائس، لأن إطلاق اللفظ يقتض صيرورة جميع البلد لنا. أو بشرط الأرض لهم ويؤدون خراجها قررت كنائسهم، لأنها ملكهم ولهم الإحداث فى الأصح. 2- وجاء فى تفسير القرطبى (ج 12 ص 70) وهو مالكى المذهب، فى المسألة الخامسة، قال ابن خويزمنداد: تضمنت هذه الآية - وهى آية {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع. .} [الحج: 40] المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبيعهم وبيوت نيرانهم، ولا يتركون أن يحدثوا ما لم يكن، ولا يزيدون فى البنيان لا سعة ولا ارتفاعا، ولا ينبغى للمسلمين أن يدخلوها ولا يصلوا فيها، ومتى أحدثوا زيادة وجب نقضها، وينقض ما وجد فى بلاد الحرب من البيع والكنائس، وإنما لم بنقض ما فى بلاد الإسلام لأهل الذمة، لأنها جرت مجرى بيوتهم وأموالهم التى عاهدوا عليها فى الصيانة، ولا يجوز أن يمكنوا من الزيادة لأن فى ذلك إظهار أسباب الكفر. 3- وجاء فى كتاب المغنى (ج. 1 ص 609) لابن قدامة الحنبلى: فى أقسام أمصار المسلمين الثلاثة: أحدها: ما مصَّره المسلمون، كالبصرة والكوفة وبغداد وواسط، فلا يجوز فيه إحداث كنيسة ولا بيعة ولا مجتمع لصلاتهم، ولا يجوز صلحهم على ذلك، بدليل ما رواه أحمد عن ابن عباس: أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة ولا يضربوا فيه ناقوسا، ولا يشربوا فيه خمرا، ولا يتخذوا فيه خنزيرا. . . وما وجد فى هذه البلاد من البيع والكنائس مثل كنيسة الروم فى بغداد فهذه كانت فى قرى أهل الذمة فأقرت على ما كانت عليه. والقسم الثانى: ما فتحه المسلمون عنوة، فلا يجوز إحداث شىء من ذلك فيه، لأنها صارت ملكا للمسلمين، وما كان فيه من ذلك ففيه وجهان: أحدهما يجب هدمه وتحرم تبقيته، والثانى يجوز، لأن حديث ابن عباس يقول: أيما مصر مصَّرته العجم ففتحه الله على العرب فنزلوه فإن للعجم ما فى عهدهم، ولأن الصحابة فتحوا كثيرا من البلاد عنوة فلم يهدموا شيئا من الكنائس، ويشهد لصحة هذا وجود الكنائس والبيع فى البلاد التى فتحت عنوة. ومعلوم أنها ما أحدثت، فيلزم أن تكون موجودة فأبقيت. وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله ألا يهدموا بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار، ولأن الإجماع قد حصل على ذلك، فإنها موجودة فى بلد المسلمين من غير نكير. الثالث: ما فتح صلحا وهو نوعان، أحدهما أن يصالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها، فلهم إحداث ما يحتاجون فيها، لأن الدار لهم، الثانى أن يصالحهم على أن الدار للمسلمين ويؤدون الجزية إلينا، فالحكم فى البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح معهم، من إحداث ذلك وعمارته، لأنه إذا جاز أن يقع الصلح معهم على أن الكل لهم جاز أن يصالحوا على أن يكون بعض البلد لهم، ويكون موضع الكنائس والبيع معنا، والأولى أن يصالحهم على ما صالحهم عليه عمر رضى الله عنه، ويشترط عليهم الشروط المذكورة فى كتاب عبد الرحمن بن غنم: ألا يحدثوا بيعة ولا كنيسة ولا صومعة راهب ولا قلاَّية. وإن وقع الصلح مطلقا من غير شرط حمل على ما وقع عليه صلح عمر وأخذوا بشروطه فأما الذين صالحهم عمر وعقد معهم الذمة فهم على ما فى كتاب عبد الرحمن بن غنم مأخوذون بشروطه كلها. وما وجد فى بلاد المسلمين من الكنائس والبيع فهى على ما كانت عليه فى زمن فاتحيها ومن بعدهم وكل موضع قلنا يجوز إقرارها لم يجز هدمها، ولهم رمُّ ما تشعث منها وإصلاحها، لأن المنع من ذلك يفضى إلى خرابها وذهابها، فجرى مجرى هدمها، وإن وقعت كلها لم يجز بناؤها، وهو قول بعض أصحاب الشافعى، وعن أحمد أنه يجوز، وهو قول أبى حنيفة والشافعى، لأنه بناء لما استهدم فأشبه بناء بعضها إذا انهدم ورم شعثها، ولأن استدامتها جائزة، وبناؤها كاستدامتها. وحمل الخلال قول أحمد: لهم أن يبنوا ما انهدم منها، أى إذا انهدم بعضها، ومنعه من بناء ما أنهدم، على ما إذا انهدمت كلها، فجمع بين الروايتين. 4- وجاء فى كتاب " تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 3ص 279": ولا تحدث بيعة ولا كنيسة فى دارنا، لقوله عليه الصلاة والسلام " لا خصاء فى الإسلام ولا كنيسة " والمراد بالنهى عن الكنيسة إحداثها، أى لا تحدث فى دار الإسلام كنيسة فى موضع لم تكن فيه، ويعاد المنهدم من الكنائس والبيع القديمة، لأنه جرى التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بترك الكنائس فى أمصار المسلمين ولا يقوم البناء دائما، فكان دليلا على جواز الإعادة، ولأن الإمام لما أقرهم عهد إليهم الإعادة لأن الأبنية لا تبقى دائما، ولا يمكنون من فعلها فى موضع آخر، لأنه إحداث فى ذلك الموضع حقيقة. . . وهذا فى الأمصار دون القرى، لأن الأمصار هى التى تقام فيها شعائر الإسلام. فلا يعارض بإظهار ما يخالفها. ولهذا يمنعون من بيع الخمر والخنازير وضرب الناقوس خارج الكنيسة فى الأمصار لما قلنا. ولا يمنعون من ذلك فى قرية لا تقام فيها الجمع والحدود وإن كان فيها عدد كثير، لأن شعائر الإسلام فيها غير ظاهرة، وقيل يمنعون فى كل موضع لم تشع فيه شعائرهم، لأن فى القرى بعض الشعائر، فلا تعارض بإظهار ما يخالفها من شعائر الكفر. والمروى عن أبى حنيفة كان فى قرى الكوفة، لأن أكثر أهلها أهل الذمة. وفى أرض العرب يمنعون من ذلك كله ولا يدخلون فيها الخمر والخنازير. وفى الهامش لشهاب الدين أحمد الشلبى " ص 280" قال فى الفتاوى الصغرى: إذا أرادوا إحداث البيع والكنائس فى الأمصار يمنعون بالإجماع، وأما فى السواد ذكر فى العشر والخراج أنهم يمنعون، وفى الإجارات أنهم لا يمنعون. واختلف المشايخ فيه، قال مشايخ بلخ: يمنع. وقال الفضلى ومشايخ بخارى: لا يمنع. وذكر السرخسى فى باب إجارة اسور والبيوت من شرح الإجارات: الأصح عندى أنهم يمنعون عن ذلك فى السواد. وذكر هو فى السير الكبير فقال: إن كانت قرية غالب أهلها أهل الذمة لا يمنعون، وأما القرية التى سكنها المسلمون اختلف المشايخ فيها على نحو ما ذكرنا. وهل تهدم البيع القديمة فى السواد؟ على الروايات كلها لا، أما فى الأمصار ذكر فى الإجارات أنها لا تهدم البيع القديمة بل تترك، وذكر فى العشر والخراج أنها تهدم. اهـ (10/374) ________________________________________ الذين تكلموا فى المهد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما عدد الأطفال الذين تكلموا فى المهد؟
الجواب الذين تكلَّموا فى المهد هم عيسى عليه السلام كما نص عليه القرآن الكريم فى سورة مريم {فاشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا. قال إنى عبد الله} [آية 29،30] وفى سورة آل عمران {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس فى المهد وكهلا ومن الصالحين} [آية:45، 46] وكذلك صاحب جريج العابد الذى اتُهم بولد ليس منه فنطق الصبى وأقر بأبيه الحقيقى، وأيضا رضيع تمنت أمه أن يكون مثل رجل وجيه مرَّ عليها، فنطق وقال: اللهم لا تجعلنى مثله، وقد ورد خبرهما مفصلا فى حديث رواه البخارى ومسلم، وفى صحيح مسلم أن منهم فى قصة أصحاب الأخدود صبيا يرضع تقاعست أمه عن الوقوع فى النار لتمسُّكها بإيمانها فقال لها: يا أٌمَّة اصبرى فإنك على الحق، وفى حديث رواه البيهقى أن منهم صبيا لماشطة لامرأة فرعون أو بنته، لما سقط مُشطها من يديها قالت بسم الله، فأمر فرعون بإلقائها فى النار، فقال رضيعها: قعى ولا تقاعسى فإنا على الحق. وقيل: إن منهم شاهد يوسف الذى برأه من تهمة زليخاء وقيل إن منهم أيضا يحيى بن زكريا عليهما السلام، فالمجموع سبعة تكلموا فى المهد، والموثوق به منهم هم الأربعة الأولون، وفى الباقين كلام فى السند أو الدلالة، وليس العلم بهم عقيدة مفروضة، فأمرهم إلى الله سبحانه، ذكرهم القرطبى فى تفسير ال عمران اهـ[رياض الصالحين ص 134، حياة الحيوان ج 1ص 70] (10/375) ________________________________________ المال العام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو المقصود بالمال العام وما هو الواجب علينا نحوه؟
الجواب يقصد بالمال العام المال الذى ليس مملوكا لاحد ملكا خاصا، والذى يُفيد منه المجتمع كله، بإشراف السلطات التى تنظم جمعه وإنفاقه، كالمياه والمراعى والمعادن، والمرافق العامة التى يستفيد منها الجميع، كالمساجد والمدارس والمستشفيات والطرق والجسور وما إليها. وإذا كان الله سبحانه قد حرَّم الاعتداء على مال الغير بأى نوع من العدوان، وجعله ظلما يكون ظلمات يوم القيامة، ووضع له عقوبات دنيوية بالحد أو التعزير بما يتناسب مع حجم الاعتداء وأهميته، فإنه حرَّم علينا الاعتداء على الممتلكات العامة التى ليس لها مالك معين، فهى ملك للجميع ولكلٍّ فيها قدر ما يجب احترامه، والظلم فيه ظلم للغير وللنفس أيضا، والله لا يحب الظالمين. لقد قال الله فى الغنائم التى هى مِلكُ للعامة {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} [اَل عمران:161] وقال النبى صلى الله عليه وسلم فيمن استغل وظيفته ليكسب لبن فسه،حينما جاء بما جمعه من الصدقات المفروضة، واحتجز لنفسه الهدايا التى قدمت إليه قال " هلاَّ جلس فى بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته" رواه البخارى ومسلم وحذَّر من مجىء هذه الأموال المختلسة شاهد إدانة عليه يوم القيامة يحملها على ظهره. ولا مجير له يدافع عنه، كما بيَّن أن من ولى على عمل وأخذ أجره كان ما يأخذه بعد ذلك غلولا. والخلفاء الراشدون والسلف الصالح كانوا قدوة طيبة فى التعفف عن الأموال العامة التى هى حق المسلمين جميعا، فكانوا لا يأخذون من بيت المال إلا حاجتهم الضرورية كما قال أحدهم: أنا فى مال المسلمين كولى اليتيم، حيث يقول الله تعالى {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] وعندما جاء جندى بكنوز كسرى بعد هزيمة جيش الفرس، وقدَّمها لعمر بالمدينة كاملةً، عجب من أمانته وقد كان عنده الفرصة فى سفره الطويل أن يأخذ ما يشاء، فقال أحد الحاضرين: يا أمير المؤمنين، عففت فعفت رعيتك، رحم الله عمر بن عبد العزيز سلسيل الأماجد الطاهرين الذى كان ينظر فى أمور الرعية على ضوء مصباح فى بيته فلما انتهى وبدأ النظر فى أموره الخاصة أطفأ المصباح حتى لا يستعمل مال المسلمين فى غير ما هو لعامة المسلمين. لقد كانت لهم مواقف رائعة فى تعففهم عن المال العام ليضربوا المثل لغيرهم على مدى التاريخ، ووقفوا بقوة أمام التصرفات التى يظن أن فيها مساسا بأموال المسلمين، فصادروا ما رأوه من هذا ال! قبيل وأودعوه بيت المال. إنه لا يعصم من الانحراف بخصوص المال العام إلا رقابة الله تعالى الذى لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء، وإلا الإيمان بأن كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، وإلا حسن اختيار من توكل إليهم الأمور، على أساس الخبرة والأمانة، كما قال يوسف للعزيز {اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم} [يوسف:55] (10/376) ________________________________________ القتل الخطأ
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى أحد أفراح القرية نبهنا إلى عدم إطلاق النار. وعلم بذلك اهل القرية، وحدث ان خالف احدهم واطلق نارا أصاب شخصا خطأ فمات، فما حكم الدين فى ذلك؟
الجواب إن قتل نفس بغير حق جريمة من الجرائم الكبرى التى وضع الله لها عقوبة مغلظة فى الدنيا والآخرة، قال تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} [النساء: 93] والذى يجرؤ على قتل نفس سيجره ذلك إلى قتل غيرها ويشيع الفساد فى الأرض، ولبشاعة قتل ولد آدم لأخيه حيث سَنَّ هذه السنة السيئة، جعل الله كل جريمة قتل تحدث يكون عليه كفل منها قال تعالى { {من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} [المائدة: 32] والرسول صلى الله عليه وسلم يبين خطورة هذه الجريمة فيقول عبد الله بن عمرو كما رواه ابن ماجه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول " ما أطيبكِ وما أطيب ريحك، ما أعظمكِ وما أعظم حرمتك، والذى نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عن الله عظم من حرمتك، ماله ودمه ". وفى حديث ابن ماجه بإسناد حسن " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ". ولندرة إقبال المؤمن الصادق على قتل أخيه الذى تربطه به رابطة الإيمان، جاء تعبير القرآن عن قتله بهذا الأسلوب {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} [النساء: 92] ولحرص الإسلام على الأرواح لم يرفع عن القاتل المسئولية حين يخطئ مع أن الحديث الحسن الذى رواه ابن ماجه وابن حبان يقول"رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولهذا أوجب الله بقتل الخطأ كفارة عظمى لعصيان أمر الله، وهى تحرير رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين، كما أوجب دية تسلم إلى أهل القتيل تخفيفا عن المهم لفقده. قال تعالى {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصَّدقوا} أى يعفوا، إلى ان قال {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما} [النساء: 92] بعد هذا نقول للسائل: إن الذى أطلق للنار بمناسبة الفرح يعلم أن القتل حرام، وأن هناك تنبيها بعدم إطلاق النار فى هذه المناسبة، فإن كان قاصدا بذلك قتل شخص معين فقد ارتكب جريمة من أكبر الجرائم ولا تغفر إلا بتقديم نفسه للقصاص منه أو دفع الدية إلى أهله، إلا إذا عفوا عنه، أما إذا لم يقصد القتل فعليه الكفارة حقا لله، وعليه الدية حقا لأهل القتيل، كما نصت عليه الآية الكريمة، وأكرر التنبيه إلى خطورة حمل الأسلحة دون ترخيص، وإلى وجوب الالتزام بالأوامر فهى للمصلحة. هذا، والدية قدَّرها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بمقدار 4250 جراما من الذهب الخالص، كما جاء فى فتاوى الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر "ج 5ص 78" (10/377) ________________________________________ حديث النفس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كثيرا ما تحدَّثنى نفسي بارتكاب ذنب معين، ولكن عندما أنظر فى عواقب هذا الذنب أنصرف عن التفكير فيه خوفا من الله سبحانه، فهل يعاقبنى الله على هذا التفكير؟
الجواب يقول الله سبحانه {وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} [البقرة:284] وبعيدا عما قال المفسرون في الآية من إحكام أو نسخ بما جاء بعدها من أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فى الحديث الشريف " إن الله سبحانه تجاوز لأمتى عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم لو تعمل " رواه البخاري ومسلم. إن للنفسي عدة حركات، منها الهاجس والخاطر وحديث النفس والهم والعزم، وكل إنسان معرض لها بحكم طبيعته التى خلقه الله عليها، ولو حاسبنا عليها وآخذنا بها لكان ذلك تكليفا بما لا يطاق، وهو سبحانه حكم عدل رءوف رحيم، ولذلك لا يحاسب إلا على نتيجة هذه الحركات النفسية من القول أو العمل، أما ما دامت فى المرحلة الداخلية فلا يكلفنا إلا بأقواها واقربها إلى التنفيذ، وذلك يكون عند الهم والعزم. وقد جاء فيما حدث به الرسول صلى الله عليه وسلم عن رب العزة كما رواه البخارى ومسلم " إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك فى كتابه، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن عملها كتبها عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة، وإن عملها كتبها الله عليه سيئة واحد ة". وذلك هو حكم الهم بالسيئة دون عملها، لا عقاب عليها بل نص هذا الحديث على أنه يثاب بحسنة، أما العزم وهو درجة أقوى من الهم ففيه المؤاخذة، بناء على حديث البخارى ومسلم " إذا التقى المسلمان بسيفيهما. فالقاتل ووالمقتول فى النار " قيل يا رسول الله هذا القاتل، يعنى عرفنا حكمه لأنه قتل، فما بال المقتول يدخل النار ولم يقتل؟ قال " إنه كان حريصا على قتل صاحبه " والحرص هو العزم المصمم وهو كالفعل فى المؤاخذة عليه. ثم إن العلماء قالوا: العدول عن فعل المعصية التى همَّ بها له سببان،الأول عجز عن التنفيذ أو خوف من رقيب دنيوى، وهذا لا مؤاخذة فيه، فلا تكتب سيئة، بل ولا يعطى حسنة، وكفى أنه لا عقاب عليه، والسبب الثانى فى العدول عن فعل المعصية هو الخوف من الله سبحانه، وهنا لا يكتفى بعدم العقاب، بل يكافأ بثواب حسنة، فالخوف من الله عمل خير، لا يضيع أجره عند الله، ويوضح هذا ما جاء فى روايات أخرى للحديث، منها ما رواه الشيخان أيضا "يقول الله عز وجل إذا أراد عبدى أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلى فاكتبوها له حسنة " وفى رواية لمسلم " وإذا تحدث عبدى بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإن عملها فأنا أكتبها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جرَّاى " أى من أجلى. وبمجموع هذه الروايات نقول للسائل: لا عقاب عليك فى حديث النفس بارتكاب المعصية حتى لو وصل إلى درجة الهم وما دمت تركتها خوفا من الله فلك حسنة إن شاء الله (10/378) ________________________________________ حفظ الأسرار والتجسس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فيمن يتجسسون على الناس لمعرفة أسرارهم، وما حكم من ينقل الأخبار السرية للدولة لحساب دوله أخرى؟
الجواب إن المحافظة على الأسرار مرغوبة عقلا وشرعا، ومحاولة الاطلاع عليها بأية وسيلة من الوسائل حذر منها الشرع أشد التحذير، قال تعالى {ولا تجسسوا} [الحجرات: 12] وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى "من استمع خبر قوم وهم له كارهون صُبَّ فى أذنه الآنك ـ أي الرصاص المذاب ـ يوم القيامة "وفيما رواه أبو داود "لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته " وفيما رواه أحمد " إذا تناجى اثنان فلا يدخل بينهما الثالث إلا بإذنهما". وإفشاء الأسرار حرام ما لم تدع إليه ضرورة، لأنه ضرر، والإسلام لاضرر فيه ولا ضرار، والأسرار فى خطورتها درجات، ومن أخطرها ما يكون بين الزوجين من الأمور الخاصة ففى حديث مسلم " إن من أشر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى المرأة وتفضى إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه " وكذلك أسرار البيوت التى يطلع عليها الخدم ومن يترددون عليها، ومن أشدها خطرا ما كان خاصا بالدولة فى الأمور التى لا ينبغى أن تطلع عليها دولة أخرى، وعلى الأخص عند توتر العلاقات وقيام حالة الحرب بينهما فرب خبر بسيط يحرزُ به العدو نصرا مؤزرا إن حصل عليه، أو يُهزمُ به هزيمة منكرة إن نقل عنه، ومن احتياطات الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا المجال أنه كان يرسل السرية لاستطلاع أخبار العدو، ومع قائدها كتاب لا يفضه إلا بعد مسيرة يومين ليعرف المكان الذى يتوجه إليه، حتى لا يتسرب الخبر إلى أحد من المدينة فيراسل العدو به، وكان إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها، ومن أعظم ما أثر فى عدم تمكين العدو من معرفة أسرار الدولة وصية أبى بكر لقائده شرحبيل ابن حسنة حيث قال له: وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرم مثواهم، وأقلل حبسهم حتى يخرجوا من عندك وهم جاهلون بما عندك، وامنع من قبلك من محادثتهم وليكن أنت الذى تلى كلامهم، واستر فى عسكرك الأخبار، واصدق الله إذا لقيت، ولا تجبن فيجبن سواك. ومع هذه الاحتياطات للأسرار بين عقوبة من يفشيها، فإلى جانب أنه خائن للأمانة التى استودعها، غادر بالعهد الذى أخذ عليه أن يصون السر، اختلف الفقهاء فى قتله وبخاصة إذا اتخذ ذلك حرفة يعرف منها بأنه جاسوس، وذلك بناء على ما حدث من حاطب بن أبى بلتعة حين أرسل خطابا إلى أهل مكة بتوجه النبى صلى الله عليه وسلم إليهم لفتحها، وشاء الله أن يضبط هذا الخطاب مع المرأة التى حملته، وقد اعتذر حاطب بأنه لم يرسله كفرا بالله ولا ردة عن الإسلام ولكن ليحمى أهله حيث لا نسب له فى مكة يحميهم كما يحمى غيرهم، وحين هَم عمر بقتله منعه الرسول، لأنه شهد بدرا، ولعل الله قال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وحيث لا يوجد للجاسوس ما يوجد لحاطب من هذه المنقبة ذكر القرطبى فى تفسيره أن من نقل أخبار المسلمين إلى العدو ولم يستحل ذلك لم يكفر، ويترك أمره إلى الإمام ليعاقبه بما يراه، كما قال مالك وابن القاسم وأشهب، وقال عبد الملك إذا كانت عادته تلك قتل لأنه جاسوس، ولإضراره بالمسلمين وسعيه بالفساد فى الأرض، كالذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون فى الأرض فسادا، وعلى هذا الرأى بعض أصحاب أحمد وابن القيم، والأحناف أجازوا قتله سياسة، كما جاء فى بعض كتبهم جواز قتل كل من يؤذى المسلمين ولا يرتدع إلا بقتله (10/379) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:17 am | |
| التاريخ وذكر مساوئ الموتى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "اذكروا محاسن موتاكم " فلماذا يٌدْرس لنا التاريخ وفيه كشف لمساوئ السابقين والتشهير بهم؟
الجواب من المشاهد عندما يموت إنسان له شأن فى الدنيا أن الناس يتحدثون عنه إما بالخير وإما بالشر، والحديث بالخير إشادة بذكره وتكريم له وتعزية لأهله أن الناس راضون عنه، والحديث بالشر تشويه لذكره وإهانة له، وزيادة ألم على أهله، وقد يقصد به التشفى الذى يورث الأحقاد التى ربما تؤدى إلى نزاع يحتدم ويشتد وتكون له آثاره السيئة، والحديث عن الميت بالثناء أو الذم لا أثر له عند الله فهو سبحانه العليم بما يستحقه الميت من تكريم أو إهانة، وقد يكون حديث الناس عنه دليلا ولو ظنيًّا على منزلته عند ربه، لكن ذلك لا يكون إلا من أناس على طراز معين من الصلاح والتقوى وقول الحق لوجه الحق، كالصحابة الذين جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادتهم للميت دليلا على منزلته عند الله، فقد جاء فى الصحيحين أن جنازة مرت على النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأثنوا فيها خيرا، فقال " وجبت "، ثم مرت جنازة أخرى فقالوا عنها شرا فقال " وجبت " ولما سألوه عن معنى ما قال،قال صلى الله عليه وسلم " من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن قلتم عنه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرضى ". ومع ذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يذكر الأموات بالسوء إذا كان ذلك للتشفى من أهله. فذلك يغيظهم ويؤذيهم، والإسلام ينهى عن الإيذاء لغير ذنب جناه الإنسان، ففى حديث البخارى " لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدَّموا" وقال عليه الصلاة والسلام فى قتلى بدر من المشركين " لاتسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شئ مما تقولون وتؤذون الأحياء " وعندما سب رجل أباً للعباس كان فى الجاهلية كادت تقوم فتنة قال فيها الرسول عليه الصلا والسلام " لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا" رواه أحمد والترمذى والطبرانى. قال العلماء: يحرم سب الميت المسلم الذى ليس معلنا بفسقه، أما الكافر والمعلن بفسقه من المسلمين ففيه خلاف للسلف، وجاءت فيه نصوص متقابلة. يقول النووى فى كتابه " الأذكار ص 168 ": وحاصله أنه ثبت فى النهى عن سب الأموات ما ذكرناه من الأحاديث، وجاء فى الترخيص فى سب الأشرار أشياء كثيرة، منها ما قصه الله علينا فى كتابه العزيز، وأمرنا بتلاوته وإشاعة قراءته، ومنها أحاديث كثيرة فى الصحيح، كالحديث الذى ذكر فيه صلى الله عليه وسلم " عمرو بن ُلحَىٍّ "وقصة أبى رغال الذى كان يسرق الحاج ـ الحجاج ـ بمحجنه ـ عصا معقوفة الرأس ـ وقصة عبد الله بن جدعان وغيرهم، ثم قال: وأصح الأقوال وأظهرها فى الجمع بين النصوص أن أموات الكفار يجوز ذكر مساويهم، واما أموات المسلمين المعلنين بفسق أو بدعة أو نحوهما فيجوز ذكرهم بذلك إذا كان فيه مصلحة كحاجة إليه للتحذير من حالهم، والتنفير من قبول ما قالوه، الاقتداء بهم فيما فعلوه، وإن لم تكن حاجة لم يجز، وعلى هذا التفصيل تنزل هذه النصوص، وقد أجمع العلماء على جرح المجروح من الرواة. ودراسة التاريخ إن كانت لغرض الاعتبار والاقتداء بالصالحين والتحذير من سلوك غير الصالحين، دون قصد للتشهير والتعيير الذى يظهر أثره على الأحياء ويؤدى إلى الفتنة.،.فلا مانع منها أيضا، فالله سبحانه قص علينا فى القرآن أخبار المكذبين، كما قص أخبار المرسلين والصالحين، وقال فى حكمة ذلك {لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب} [يوسف: 111] وقال {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} [هود: 120] . ومهما يكن من شئ فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، والأولى أن نقبل على الخير حتى يكون لنا ذكر حسن على ألسنة الناس بعد أن نفارقهم فيتذكرونا بدعوة صالحة ينفع الله بها الصالحين (10/380) ________________________________________ الكفارة والفدية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى بعض الكتب نقرأ عبارة من فعل كذا وجبت عليه كفارة، كما نقرأ عبارة: من فعل كذا وجت عليه فدية، فما بين الكفارة والفدية، وفى أى المواضع يكون كل منهما؟
الجواب أولا الكفارة مأخوذة من الكفر وهو الستر، لأنها تستر الذنب، وهى نوعان مغلظة ومخففة، والمخففة تسمى فدي الذنب محوه من صحف الملائكة بناء على أن الكفارات جوابر للخلل الواقع كسجود السهو الجابر لخلل الصلاة، تفتقر إلى نية. وقيل المراد بستر الذنب تخفيفه الإثم ومواراته عن الملائكة مع بقائه فى صحفهم بناء على أن الكفارات زواجر عن العود لمثل الذنب كالحدود والتعازير، والذى انتهى إليه كلامهم أنها جوابر فى حق المسلم زواجر فى حق الكافر. والكفارات أربعة: كفارة الظهار وكفارة القتل وكفارة الجماع فى نهار رمضان الإفطار المتعمد فى رمضان فيه هذه الكفارة المغلَّظة حتى لو كان بغير الجماع عند الأحناف وال. والخصال فى الثلاثة الأولى مرتبة، والرابعة مرتبة مخيرة، وذلك على النحو التالى: الواجب فى الكفارات الثلاثة إعتاق رقبة مؤمنة، قال تعالى فى الظهار {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعو فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ... } [المجادلة: 3، 4] وقال صلى الله عليه وسلم فى كفارة الجم لرجل وقع منه ذلك " هل تجد ما تعتق رقبة " قال: لا، قال: " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين " قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا " قال: لا، ثم جلس فأتى النبى صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال: : على أفقر منا؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منَّا، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم أهلك " رواه الشيخان وفى رواية لأبى داود، فأتى بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا. والعرق مكتل ينسج من خ يسع خمسة عشر صاعا، بخلاف الفرق يقال له الزنبيل فإنه يسع ستة عشر رطلا. واللابتان هما الحرتان، والحر الحجارة السود. وهما حدود الحرم النبوى. فإن عجز عن إعتاق الرقبة وجب صيام شهرين متتابعين، بدليل الآ السابقين، وينقطع التتابع بالإفطار ولو بعذر، كسفر ومرض فيجب الاستئناف ولو كان الإفطار فى اليوم الأخي بحيض أو نفاس، وذلك فى كفارة المرأة عن القتل لأنه هو الذى يتصور منها، بخلاف الظهار والجماع فلا كفارة فيهما عليها مذهب الجمهور أن الرجل والمرأة سواء فى كفارة اأكرهت المرأة عليه. وأما كفارة اليمين فالواجب فيها ـ عند العجز عن الخصال لثلاثة فيها ـ ثلاثة أيام والتتابع. ومثل الحيض والنفاس الجنون والإغماء المستغرق أما تخلل عيد الفطر أو النحر فموجب لاستئناف الش فإن عجز عن صوم الشهرين وجب إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد، بدليل الآية والحديث السابقين ولا يجوز ذلك كفارة القتل، اقتصارا على الوارد فيه وهو العتق ثم الصوم. ولا يجوز عند الشافعية حمل المطلق وهو آية االإطعام على المقيد وهو آية الظهار وحديث الوقاع فى رمضان المذكور فيهما الإطعام، لأن هذا الحمل يكون ف التوابع كالإيمان الذى هو وصف الرقبة، ولا يكون فى الأصول أى الخصال المستقلة كالإطعام فإنه خصلة مستقل الكفارة كما حمل مطلق اليد فى التيمم على تقييدها بالمرافق فى الوضوء، ولم يحمل ترك الرأس والرجلين فيه الوضوء. والمرافق وإن كانت جزءًا لا وصفا فهى تابع لكل والوصف تابع للأصل. وكذلك عند مالك وأبى حنيفة بعض فقهاء مذهبى الشافعى وأحمد أنه قياسا على الظهار يجوز الإطعام عند العجز عن الصوم، وفى فتاوى ابن ت ذكر الإطعام فى مواضع (ص 1 6 1، 0 17) ولم يذكر فى بعضها الآخر (ص 46 1،159) انظر: التشريع الجنائى القادر عودة ج 2 ص 184 فقرة 219 نقلا عن: شرح الدرديرج 4 ص 4 25، البحر الرائق ج 8 ص 329 والمهذب ج 2 ص 234 والمغنى ج 0 1 ص 41. والواجب فى كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين من غالب قوت البلد لكل منهم مدُّ، أو كسوتهم مما يعتاد لبسه، ومنه القميص والإزار والطرحة والفوطة التى يجفف بها، أو تحرير رقبة مؤمنة، فإن عجز عن ذلك وجب صيام ثلاثة أيام ولو متفرقة. ولو عجز عن خصال الكفارة استقرت فى ذمته، فإذا قدر على خصلة فعله ثانيا ـ الفدية ثلاثة أنواع: 1 ـ مُدُّ،وذلك للإفطار فى رمضان لسبب حمل أو رضاع، لقوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} قال ابن عباس: إنها نسخت إلا فى حق الحامل والمرضع كما رواه البيهقى. وذلك حيث كان ابتداء الإسلام يخَّير القادر بين الصوم والفدية من غير قضاء، لمشقة الصوم عليهم بعدم اعتيادهم له، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} . وكذلك تكون الفدية مُدًّا لإفطار الكبير والمريض الذى لا يرجى برؤه، حيث يكون العجز أو المشقة فى الصيا فى تأخير قضاء صوم يوم من رمضان بلا عذر إلى رمضان آخر، وذلك عند الشافعية لخبر ضعيف وارد في ذلك، لكن روى موقوفا بإسناد صحيح وأفتى به ستة من الصحابة ولا مخالف لهم عند الأحناف لا فدية فى التأخير حتى يدخل رمضان ـ سواء كان لعذر الفدية فى إزالة شعرة واحدة أو بعضها، وفى تقليم ظفر واحد أو بعضه فى الإحرام بحج أو عمرة، وفى ترك مب ليالى مِنى بلا عذر، وفى ترك رمى حصاة من الجمار، وقطع شىء من نيات الحرم أو صيده. وكذلك فى موت من عليه صيام يوم، وفي الإفطار من صيام يوم نذره. 2 ـ مدان: وذلك في إزالة شعرتين أو ظفرين فى الإحرام. ومحل إيجاب المد أو المدين إذا اختار الدم، فإن اختار الطعام ففى واحد منهما صاع وفى اثنين صاعان، وإن اختار الصوم ففى واحد صوم يوم وفى اثنين صوم يومين. قال " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ". وكذلك يكون المدان فى قتل صيد في الحرم أو الإحرام وقطع شجرة كذلك إذا كانت قيمتهما قيمة المدين، وأيضا تقليم ظفرين فى الإحرام، وفى ترك مبيت ليلتين من ليالى منى، أو ترك الرمى لحصاتين من الجمار. 3 ـ الدم: أى الهدى، ذلك لقتل الصيد فى الحرم أو الإحرام، والوطء بعد إفساد الحج أو التحلل الأول، وإزالة شعرات دفعة واحدة، وتقليم أظفار دفعة واحدة، والتطيب ولبس المخيط أو المحيط على خلاف فى تفسيره. وترك الإحرام من الميقات، وترك طواف الوداع طواف الودع سنة عند للمالكية لا شئ فى ترك والمبيت ليالى مِنى، ورمى الجمار، وترك المبيت بمزدلفة، وكذلك يكون الدم فى قطع شجرة فى الحرم أو الإحرام فى الكبيرة بقرة وفى الصغير شاة ـ وفى التمتع والقران ويوات النسك والإحصار عنه وإفساده بوطء ففيه بدنه وفى دهن الشعر للمح (10/381) ________________________________________ التفرقة العنصرية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى التفرقة العنصرية وما موقف الإسلام منها؟
الجواب الإجابة على السؤال تتناول عدة نقاط منها: 1 ـ مفهوم التفرقة العنصرية: يقصد بالتفرقة العنصرية فى العرف الحديث التمييز بين الأجناس فى القوانين والمعاملات، على أساس الدم وا المتعلقة بتكوين الجسم البشرى. وما يتبع ذلك من الحياة الفكرية ومظاهر السلوك والاجتماع. لقد صنَّف ال العلوم الإنسانية الأجناس البشرية إلى جماعات تجمع بين كل منها خصائص ومميزات طبيعية متوارثة فى مجموعها مجال للاختلاف البسيط بين أفرادها، ومن أبرز هذه الخصائص لون البشرة وشكل الجمجمة، وملامح الوجه وطول القامة، وقالوا: إن هذه الطبيعية يتبعها اختلاف فى المواهب العقلية والقوى النفسية وما إليها ورأى بعض هؤلاء أن تقسيم البشر إلى أجناس يرجع إلى الدم نفسه على خلاف فيما بينهم على مقدار نسبة ما يوجد من دم الآباء والأجداد فى الإنسان حتى ينسب إلى هذا الجنس، وعلى أساس هذا التقسيم العنصري قرر الباحثون أن هناك امتيازا لبعض الأ بعضهم الآخر، يحق للأجناس العالية أن تكون لها قوانين وأن تعامل معاملة خاصة، بخلاف الأجناس الأخرى التى لا ينبغى أن تدخل معها فى هذه القوانين وتلك المعاملات. هذا هو مفهوم التفرقة العنصرية فى العرف الحديث، والهدف منه، وسيأتى بيان بطلان الأساس الذى قسموا عل وزيف ما يهدفون إليه من أغراض. 2 ـ التفرقة فى النظم القديمة: إن فكرة التمييز بوجه عام بين بنى الإنسان فكرة قديمة، ضرورة اختلاف الناس بعضهم عن بعض فى القوة الجسم العقلية والمظاهر المادية، والتى كان من أثرها استعلاء بعضهم على بعض، واستغلال القوى منهم للضعيف وتح الفقير، وسيطرة العالم على الجاهل، والتى كان من أكبر مظاهرها الرق. (أ) ففى الهند مثلا كانت كتبهم المقدسة تقرر التفاضل بين الناس بحسب عناصرهم التى خلقوا منها فى زعمهم " خلق فصيلة البرهميين من فمه، وهم أشرف المخلوقات ولهم أرقى المناصب الدينية، وخلق فصيلة الكشتريين أذراعه، وهم الذين يتولون الوظائف الحربية، وخلق فصيلة الفيشائيين أو الفاشا من فخذه، وهم الذين يقومو، وخلق فصيلة السود رائيين والمنبوذين من قدمه، وهؤلاء لهم وظيفة واحدة هى خدمة الطبقات السابقة. (ب) وكان اليونان يعتقدون أنهم شعب مختار، خلقوا من عناصر تختلف عن العناصر التى خلقت منها الشعوب الأخرى، التى كانوا يطلقون عليها اسم " البربر "وقد قرر أرسطو فى كتابه "السياسة " أن الآلهة خلقت فصيلتين من الأناسى، فصيلة زودتها بالعقل والإرادة، وهى اليونان، وقد فطرتها على هذا التكوين الكامل لتكون خليفتها فى الأرض، وسيدة على سائر الخلق، وفصيلة لم تزودها إلا بقوة الجسم وما يتصل اتصالا مباشرا به، وهم البرابرة أى ما عدا اليونان من بنى آدم، وقد فطروا على هذا التقويم الناقص ليكونوا عبيدا مسخرين للفصيلة المختارة المصطفاة وكانوا يقرون الرق الذى يقول فيه أرسطو: إن الرقيق آلة ذو روح، أو متاع تقوم به الحياة، فهم لا يدخلونه فى عداد المخلوقات الإنسانية. (ج) وكان الرومان يعتقدون كما يعتقد اليونان أنهم سادة العالم، وان غيرهم بر ابره خدم لهم، وكانت قوانينهم تقر الرق، وتعامل الرقيق على أنه متاع، مدعين أن استعباده رحمة به من القتل الذى تتعرض له الحيوانات، وإلى جانب الاسترقاق بالحروب كانوا يسترقون الفقير إذا عجز عن أداء الدين، ولم تكن للرقيق حقوق قانونية ولا مدنية، ولا يستطيع أن يقاضى سيده أو معاملته، بل كان لسيده الحق فى قتله دون مجازاة، ولم يخفف من حدة هذه المعاملة الدين المسيحى الذى اعت. (د) والعرب فى الجاهلية كانوا يعيشون على التفاخر بالأحساب والأنساب، ويعتقدون أنهم أفضل من غيرهم ايطلقون عليهم اسم العجم، ولعل ذلك كان أساسه اعتزاز العربى بلغته الفصيحة التى لا يوجد لها مثيل فى العالم. وكانوا بناء على ذلك يكرهون أن يتلوث دمهم العربى النقى بدم غيرهم عن طريق الزواج، ويأنفون أن يزوجوا ب قبائلهم، كباهلة، وسلول ـ إلى أعجمى حتى لو كان كسرى نفسه، وقد خطب كسرى أبرويز بنت النعمان بن المنذ النعمان مصاهرته، مع أنه كان أحد ولاته، وكانت حرب طاحنة بين الفرس والعرب، تكتلت فيها قبائلهم، من حرقة بنت النعمان أن يأخذها كسرى، وانتهت المعركة بانتصار العرب فى موقعة (ذى قار) . وكان العرب يستخ فى الأعمال المنزلية وفى التجارة، بل كان يمارس معهم الحرب أحيانا، وإذا أعجبوا به أعتقوه وجعلوه أحد 3 ـ التفرقة عند اليهود والمسيحيين: (أ) لقد ادعى اليهود أنهم شعب الله المختار، وأن الإله الذى يعبدونه لا ينبغى أن يكون معبودا لغيرهم كانوا يطلقون عليهم أمبين، قال تعالى: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} ، فكان رد ال من خلقه لا يفضل أحد على أحد إلا بالعمل فقال تعالى: {قل فلمَ يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر ويعذب من يشاء} [المائدة: 18] وكانوا يعتقدون أن غيرهم من الأميبن ليست لهم حقوق كحقوقهم، كما حكى ابقوله: {ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك بلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى ال الكذب وهم يعلمون} [آل عمران: 75] . وكانوا يبيحون استرقاق من عداهم عند العجز عن الوفاء بالدين، وما يزال شعور التعالى والتعصب العنصرى موجودًا لديهم حتى الآن، وكانت قمته هى الصهيونية بمظاهرها وأساليبها المعروفة التى تتنافى مع الكرامة الإنسانية. (ب) والمسيحية أقرت الرق كما أقرته اليهودية، وقد جاء فى المعجم الكبير للقرن التاسع عشر ((لاروس) الإنسان من بقاء الرق واستمراره بين المسيحيين إلى اليوم، فإن نواب الدين الرسميين يقرون صحته، ويسلمو فيه: الخلاصة أن الدين المسيحى ارتضى الاسترقاق تماما إلى يومنا هذا، ويتعذر عك الإنسان أن يثبت ـ أنه كما أثبت ذلك أيضا (قاموس الكتاب المقدس) للدكتور جورج يوسف. وظل الرق معترفا به بين المسيحيين، وكثر كثرة فاحشة بعد اكتشاف أمريكا وجلب الرقيق من أفريقيا للعمل ب الاتجار على أشده بين الدول الاستعمارية، يمارسه ملوكها وكبار رجالها، مع قسوة بالغة العنف، برروها ب المقدسة، وصدرت قوانين تنص على احتقار الجنس الأسود وإهدار كرامته، وكان مفكر وهم ينادون بذلك، كما ج (روح القوالين) حيث قال مؤلفه (مونتيسكيو) الفرنسى فى الفصل الخامس منه: إن شعوب أوروبا بعد ما أبا أمريكا الأصليين، وهم الهنود الحمر،لم تر بُدًّا من استعمار شعوب أفريقيا، لكى تستخدمها فى استغلال فإن هذه الشعوب سود البشرة من أقدامهم إلى رءوسهم ولا يمكن أن يتصور أحد أن الله ـ وهو ذو الحكمة البا خلق روحا ـ وعلى الأخص روحا طيبة ـ فى أجسام حالكة السواد. وعلى الرغم من إبطاله قانونا فإن الدول المسيحية ما زالت تمارسه بلون آخر هو الاستعمار والتفرقة العنصرية على ما سيأتى بيانه. 4 ـ العلم والتفرقة العنصرية: إن تقسيم البشر إلى أجناس على أساس الدم أو التكوين الطبيعى للجسم قد قرر العلماء المنصفون أخيرا أنه تقسيم باطل، فإن مظاهر التقدم والرقى الموجودة عند بعض الجماعات لا يرجع سببها إلى ذلك، وإنما يرجع إلى عوامل من البيئة الطبيعية والظروف السياسية والأوضاع الاقتصادية والأجواء الثقافية، وقرروا أنه لو وضع شخصان من جنسين مختلفين فى بيئة حضارية وثقافية واجتماعية، واحدة ما كان هناك فرق يذكر بينهما فى الفكر والسلوك، وكم تقدم أفراد من أناس ملونة على أفراد من البيض فى الجامعات وفى النشاط الاجتماعي العام، وذلك عندما تهيأت لهم الظروف امن الناس، ومن هنا لا تكون وراثة الخصائص البيولوجية مانعة من التقدم والحضارة عندما تتوافر الظروف للت كان هناك تخلف حضاري عند سلالة من السلالات فمرده إلى العوامل الطبيعية والاقتصادية والثقافية والسياسي وقد بحث العلماء بنوع خاص فى عنصرية اليهود، فأكدوا أن الموجودين منهم الآن، وهم حوالى خمسة عشر مليون كله، ليسوا من عنصر واحد بحكم اختلاطهم بالأجناس الأخرى طوعا أو كرها، وقد تحدث البحاثة " بيتار " عن ذ أن الإسرائيليين يكونون جماعات دينية واجتماعية قوية النفوذ وثيقة التضامن، غير أنها متباينة العناصر إ الإسرائيليين الخلص الذين هم من أصل آشورى برأسه المستطيل عددهم محدود جدا، كما قرر ذلك أيضا " هاتزجو كتابه " أصول الأجناس فى التاريخ الأوروبى " وأكده أيضا " كوماس " أستاذ التاريخ الطبيعى للأجناس البشري الوطنية بمكسيكو "انظر رسالة الدكتور العمرى فى التفرقة العنصرية، ومجلة العربى أكتوبر1970 ". 5 ـ الاهتمام بالأبحاث العنصرية: إن الاهتمام بالبحث فى الأجناس وخصائصها ومميزاتها لم يأخذ شكلا واضحا إلا فى العصور المتأخرة، حين غلب الأمم القوية نزعة الاستعمار والاستغلال للأمم الضعيفة المتخلفة، أرادت به الدعاية لجنس معيَّن، أو لف طريقها التحكم فى الأجناس الأخرى، وكثيرا ما لجأت هذه الأفكار إلى الدين تستمد منه تأييدا لها، كالصهي شعب الله المختار. ولقد ظهرت هذه النغمة بالذات فى أوروبا فى العصر الحديث فبعد أن كانت دولها لا تفرق وغير مسيحى، وبعد أن كان يفاخر بعضها البعض الآخر بالأخلاق والآثار أصبحت تتحدث عن الأجناس وخصائصها، بين جنس وآخر تبعا لهذه الخصائص، كما يقول المؤرخ " توينبى " ويرجع ظهور هذه النغمة فى أوروبا إلى أسباب منها: (أ) النزعة الاستعمارية التى تبرر نقاء الجنس الأبيض الأوروبى وزعامته لبقية الأجناس، ووصايته عليها، كما مرت موجة الاستعمار الأوربى للشعوب الأخرى. (ب) النزعة القومة المعتدة بجنسها، والداعية إلى وحدة شعوبها التى تنتمى إلى جنس واحد. وفى ظل هذه النزعة أيضا سمعنا تمسك الشعب الألمانى بفكرة نقاء أصله وسلالته الآرية، وبخاصة بعد قيام الاتحاد الألمانى فى أعقاب الحرب السبعينية بين بروسيا وفرنسا، وجاءت نداءات: ألمانيا فوق الجميع، وقول غليون الثانى: إنه منتدب من الله لنصرة الألمان على سائر شعوب أوروبا، وكذلك رأينا فى الشرق الجنس الأصفر اليابانى يعتز بنفسه أيضا وينادى: آسيا للآسيويين، ورأينا الإنجليز أيضا ينادون بفكرة سيادة الإنجلوسكسون وتعاليهم على سكان أوروبا ما عد (ج) الانقلاب الصناعى والحاجة إلى الأيدى العاملة فى المصانع وسوق الآلاف من العمال لخدمة الرأسماليي الأجناس الأخرى والأمم المختلفة، وإعيائهم أجورا قليلة دون اعتراف لهم بحقوق تحفظ كرامتهم. (د) اكتشاف أمريكا والحاجة إلى استغلال خيراتها، الأمر الذى خلق تجارة الرقيق وجلبهم من أفريقيا للعم مصانعها. 6 ـ اثار النزعة العنصرية: لقد سخر المستعمرون والمستغلون علماء هم لتبرير نقاء الجنس الأبيض وإثبات خصائص للألوان والأجناس، فزع: هى: البيض والسود والصفر والحمر، وأعلاها جميعا الجنس الأبيض، وقد علمت أن العلماء المنصفين أثبتو الأجناس لم يعد لها وجود متميز الآن، فقد تداخلت وتلاقت بعوامل مختلفة، وانتقلت خصائص بعضها إلى البعض ولم يبق من الأجناس الصافية إلا قلة ضئيلة من الهنود الحمر، وفى وسط أفريقيا وحوض الأمازون وبعض جزر ال أرض النار فى جنوبى قارتى العالم الجديد. لقد قال المستعمرون: إن السود والهنود الحمر ليسوا من نسل آدم، فروحهم مشتقة من أصل أقل من الإنسان، وفى معمعة التطور الصناعى ومعاملة الطبقات العاملة نشأت نظرية " داروين " فى تطور النوع وبقاء الأصلح، وسادت نظرية "مندل " فى الوراثة وظهرت مؤلفات كثيرة تبحث عن فكرة عدم المساواة بين الأجناس البشرية وعن سيادة الجنس الآرى، وتكونت مدرسة لها نظرياتها تزعمها الكونت "جوبينو" الفرنسى وكذلك "فاجنر" الموسيقى الألمانى، ومثله (ستيوارت شامبرلين) الإنجليزي، وأيضا (لوتروب ستودارد) الأمريكي، وهؤلاء قالوا: إن الجنس الأبيض هو وحده منشى الحضارة، وهو الجنس الآرى المنحدر من شمالي ال كما ظهرت نغمات: الشرق شرق، والغرب غربب، ولن يلتقيا. مع هذا التزييف للحقائق العلمية والتحيز الظاهر فى الأحكام على الأجناس البشرية الذى كان أثرا من آثار اـ كانت هناك اثار واضحة تطبيقية لهذه النزعة، من أهمها: (أ) استعمار البيض للملونين، وكسبهم مزايا سياسية واقتصادية انتعشت بها أوروبا، وفكت بها أزمتها، وكثرت تبعا لذلك رءوس الأموال الأجنبية فى البلاد المستعمرة، واستنزفت ثرواتها، كما كان من لوازم الاستعمار تخصيص محاكم ومصحات ونواد وغير ذلك للسادة المستعمرين لا يتمتع بها الملونون. (ب) احتقار البيض لغيرهم، واستخدامهم المزرى لهم، كما كان يحدث فى الهند، فقد كان الإنجليزي يركب على ظهر الهندي ليستطيع أن يمتطى جواده، وفى الصين عندما كان ي على جر العربة بالسائحين كالدابة سواء بسواء، وقد كتبت لافتات على بعض الحدائق العامة فى شنغهاى مدينة الأجنبية عبارة (محظور على الوطنيين والكلاب دخول هذا المكان) . (ج) العزل الاجتماعي والسياسي لأهل البلاد، وعدم تمكينهم من ممارسة نشاطهم فى هذه المجالات، كما يظه جنوبى أفريقيا وروديسيا. (د) إبقاء الوطنيين على التأخر والجهل والانحطاط، وذلك ليمكن للأجنبي التسلط عليهم، فإن من المقرر ع تقدم الأهالى يخلق فرصة للمطالبة بالحرية والاستقلال ولا شك أن ذلك كله يهدد الأمن الداخلى للبلاد التى العنصرية، ويزعرغ أركان السلام العالمى ويثير الفتن والحروب بين الدول. 7 ـ أمثلة من مظاهر العنصرية الحديثة: على الرغم من إصدار القرارات ضد التفرقة العنصرية فى المؤتمرات الدولية المتعاقبة منذ مطلع القرن التاسع اتفاق عصبة الأمم سنة 1926 م، الذى وقعه ثمان وثلاثون دولة، وعلى الرغم من الإعلان العالمى لحقوق الإن الأمم المتحدة فى العاشر من ديسمبر سنة 1948 م فإن التفرقة العنصرية ما زالت تمارس فى بعض الدول الحديثة مظاهرها ما يوجد فى أمريكا وجنوبى أفريقيا. (أ) ففى أمريكا الآن حوالى عشرين مليونا من الملونين، يقطن أكثرهم فى الولايات الجنوبية، وقد قامت ح الشمال والجنوب من سنة 1860 إلى سنة1865 م بزعامة (لنكولن) صاحب فكرة تحرير العبيد، وقد قتل بيد عنص اسمه (بوث) فى14من أبريل سنة 1865 م كان الجنوب مصرا على الإبقاء على التفرقة العنصرية لضمان استخدام امزارعه، وكان الشمال يصر على تحريره ليتمكن من الهجرة إلى الشمال ويعمل فى مصانعه، ومن هنا يعرف أن ال هذه الحرب كان اقتصاديا استغلاليا وليس ثورة على الكرامة الإنسانية. وإذا كانت الحرب قد انتهت بتقرير المساواة فإن التفرقة ما زالت تمارس عمليا ومنصوصا عليها فى قوانين بع دستور ولاية (مسيسبى) فى الفصل الثامن فى التربية والتعليم (مادة 207) : يراعى فى هذا الحقل أن يفصل بين أطفال الزنوج، فتكون لكل فريق مدارسه الخاصة. وفى الفصل الرابع عشر (أحكام عامة) مادة 263: أن زواج شخص أبيض من شخص زنجى يعد غير شرعي وباطلا، بل جاء فى قانون هذه الولاية: أن الذى يطالب بالمساواة الاجتماعية والتزاوج بين البيض والسود، بالطبع أو النشر أو أية وسيلة، يعتبر عمله جرما يعاقب عليه القانون. وهذه التشريعات تطبق فى عدة ولايات أمريكية، كما جاء فى تقرير قدم إلى الأمم المتحدة سنة 1947، تحت عن إلى العالم) . على أن الكنيسة نفسها شاركت فى إقرار هذا الظلم، فإن للزنوج كنائس خاصة، ولا يصح لهم أن يعبدوا ربهم فى كنائس البيض مع أن الذى خلقهم جميعا واحد وهو الله سبحانه. وقد جاء فى كتاب (مصرع الديموقراطية فى العالم الجديد) الذى نشرته دار العلم للملايين فى بيروت كثير من تدل على تمكن النزعة العنصرية من نفوس الأمريكيين. وقد تأسست فى الجنوب جمعية (كلوكلوكس كلان) لإرهاب الملونين، وانتشرت فى جميع أنحاء الولايات المتحدة قائمة على أنقاض جميعة لإرهاب الكاثوليك ومنع هجرتهم. وما زالت حوادث التفرقة فى أمريكا دليلا على أن هذا العالم الذى يدعى حماية الحريات يعيش على النفاق والخداع، بعيدا عن مقررات الأمم المتحدة وعن قواعد الأخلاق والإنسانية. (ب) وفى جنوبى أفريقيا تفرقة عنصرية صارخة، فقد احتل الهولنديون المسمون (البوير) أى الفلاحين، هذ وأسسوا مدينة رأس الرجاء الصالح سنة 1752 م، ثم احتلها الإنجليز سنة 1806 م، وطاردت البوير إلى ناتال والترنسفال، وكان البوير قد جلبوا عمالا من الملايو والهند للزراعة، ولا يعترفون لهم بحقوق كحقوقهم، على هذه البلاد مكن رجالهم لاستعمارها حتى تكون اتحاد جنوبى أفريقيا سنة 1910 م بعد حروب طويلة كان من أ (سيسل رودس) الذى حاول خلق حياة أفضل للبيض على حساب الأفريقيين. فكانت التفرقة العنصرية التى لم تحا تعمل شيئا للحد منها. لقد كان فى جنوبى أفريقيا حسب إحصاء سنة 1952 نحو 5، 14 مليونا، منهم 0 1 أفريقيون، 3 أوربيون، وملي الملونين، ونصف مليون من الآسيويين. ومع ذلك يتحكم الأوربيون فى بقية السكان، مطبقين للتفرقة العنصرية بأشد مظاهرها، تلك المظاهر التى تبدو فى: تقييد حرية التعاقد على العمل للملونين، وعدم زيارتهم للمدن إلا لمدة اثنتين وسبعين ساعة، ووجوب الحصول على إذن فيما زاد على ذلك، وتحديد عدد المقيمين منهم فى المدن، ومنع دخول كنائس البيض، وعدم علاجهم فى المصحات إلا عند الضرورة القصوى، ومنع عقد اجتماع ع، وتحريم امتلاكهم لعقارات البيض، ومنع التزاوج بين الأوربيين وبينهم، وتحديد عدد تلاميذ المدارس من امن الحقوق السياسية. وقد أثيرت مشكلة هذه التفرقة فى هيئة الأمم سنة 1947 م غير أن إنجلترا وأمريكا ضغطتا على الأعضاء فلم يفز القرار بالأغلبية المطلوبة، وقامت عدة ثورات تطالب بمنع هذه،ولكنها لم تجد أذنا مصغية. وفى أول أبريل سنة 1960 اصدر مجلس الأمن قرارا بدعوة جنوبى أفريقيا لنبذ سياسة التفرقة العنصرية كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحده فى 11 من أكتوبر سنة 961 1 قرارا بلومها ومع ذلك لم تستجب الحكومة لهذا كله وقد دعا إلى إصدار هذه القرارات توالى حوادث العنف وكان من أهمها حادث (شارب فيل) فى 21 من مارس 1960 عندما احتج الأفريقيون على نظام تصريحات المرور فأطلق البوليس النار عليهم وقتل منهم عددا كبيرا. 8 ـ الإسلام والتفرقة العنصرية: لقد تحدثت لك طويلا عن هذه المشكلة بمفهومها ومظاهرها آثارها وتاريخها، لتكون على بينة من الأمر حين تحك نصوص دينك، ولتعرف بوضوح أن الإسلام دين حق جاء بأرقي التشريعات لأرقى الأمم ولأرقى العصور، ومن المعر صدق النتائج مرهون بصدق المقدمات، وأن الحكم الصحيح يلزمه التصور الواضح للمحكوم عليه، ولعلمى بأن الع يملك رصيدا ضخما من النصوص الدينية بخصوص هذه المشكلة. أحببت أن أعطيه بعض الرصيد من المعرفة العامة نح فلخصت له كثيرا من الأبحاث والكتب حول هذه القضية، ولعل ما قدمته يكون فيه غناء له يوفر عليه جهدا كبير ولهذا سيكون حديثى عن موقف الإسلام من هذه القضية يميل إلى الاختصار والتركيز، معتمدا على أن مراجع الب كثيرة، والاطلاع عليها ميسر لكثير من المهتمين بهذا الموضوع، وحديثي سيكون فى نقطتين هامتين، إحداهما قام عليها موقف الإسلام من رفضه للتفرقة العنصرية، وثانيتهما إيراد بعض المظاهر التطبيقية لهذه النظرة الإسلام إلى البشر على اختلاف مستوياتهم. فلسفة الإسلام فى رفضه للتفرقة العنصرية: (أ) قرر الإسلام أن الناس جميعا مخلوقون من أصل واحد هو التراب، قال تعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتا. ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا} [نوح: 17، 18] وقال {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55] وجعل حياتنا كلها، ونشاطنا فى جميع المجالات مرتبطا بالأصل الذى خلقنا منه، وهو الأرض ووثق صلتنا بكل ما يعيش عليها من حيوان ونبات، فهى أمنا جميعا، ونحن لها أبناء، لم يخلق واحد منا من غير تربتها، ولم يعش واحد منا على غير خيرها، ولم يدفن واحد منا فى غير بطنها. (ب) قرر الإسلام أيضا أننا مولودون من أب واحد هو آدم، فنسبنا جميعا واحد، ونحن إخوة فى هذه الأسرة الإنسانية الواسعة، وإذا كان لبعض أفرادها نوع امتياز بلون أو شكل أو نشاط فذلك لا يغض من قيمته فى أنه يشكل ركنا أساسيا فى تالف هذه المجموعة وتضامنها فى عمارة الكون وتحقيق الخلافة فى الأرض، كما يعبر بعض الكاتبين عن ذلك بقوله: الإنسانية كلها حديقة كبيرة تختلف ألوان أزهارها وما يفوح منها من عطر دون أن يكون للون أو رائحة انفصال عن الآخر فى إبراز بهجة هذه الحديقة، قال تعالى {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام} [النساء: 1] وقال النبى صلى الله عليه وسلم " إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقى، وف بنو آدم، وآدم خلق من تراب " رواه أبو داود والترمذى وحسنه. (ج) قرر الإسلام أن الناس جميعا مخلوقون لخالق واحد هو الله سبحانه، فمبدؤهم منه خلقا، ونهايتهم إليه بعثا وحسابا {فسبحان الذى بيده ملكوت كل شىء وإليه ترجعون} [يس: 83] {الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شىء} [الروم: 40] ، فهو وحده المحيى والرازق والمميت والمعيد للنشور، وكانا مدينون له بهذا كله وليس له شريك فيه، سواء أقر بذلك المؤمنون أم جحد الملحدون، ومن هنا لا يكون لأحد منا فضل على الآخر فى هذه النواحى الجامعة لمسيرة الحيلة من مبدئها إلى منتهاها وما يجرى بينهما. (د) جعل الإسلام الناس موزعين إلى مجموعات نسبية على الرغم من اتفاقهم فى هذه الأصول، وذلك ليتميز بعضهم عن بعض، ولتعرف الحقوق وتحدد الواجبات، ويسهل تنظيم أمر الجماعة، فهذا الإجراء تنظيمى بحت لا يمس جوهر المساواة الحقيقية فى الأصول المذكورة، وهذا التوزيع نعمة من نعم النظام، والنظام تستريح له النفس ويطمئن إليه القلب، قال تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأن وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] كما أن تقسيم الشعوب إلى ألسنة وألوان دليل وتمام إرادته واختياره فى خلقه {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآي} [الروم: 23] . (هـ) جعل الإسلام هناك تفاوتا فى المعاملة بين البشر لا على الجنس أو اللون أو اللسان، بل على أساس الكمالات النفسية والأخلاق الطيبة والعمل الصالح القائم على الإيمان بالله، فالطبيعة البشرية واحدة، وإن كان هناك اختلاف فهو لأمور عارضة كتأثير البيئة، وعدم إتاحة الفرصة للبعض أن يكمل نفسه، وحارب الإسلام أن يكون هناك تفاوت فى المعاملة على غير هذا الأساس كما تدل عليه آية الحجرات السابقة، وحديث " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه "رواه مسلم، وحديث " ليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية " رواه أبو داود وحديث " الناس معادن خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا " رواه البخارى ومسلم. والنصوص فى ذلك كثيرة تطبيقات عملية للقضاء على التفرقة العنصرية: من التطبيقات العملية لجعل التفضيل بين الناس على أساس المزايا الدينية والخلقية بعيدا عن اعتبار الجنس التوجه إليهم بالخطاب للقيام بالتكاليف الدينية ووقوفهم متساويين فى الصلاة أمام الله دون تمييز طبقى أوأداؤهم لشعائر الحج مجردين عن كل مظهر من مظاهر التفرقة، التى كان الناس على أساسها يفرقون بين قبيلة وقبيلة، ومن ذلك وقوفهم جميعا بعرفة بعد أن كان بعضهم فى الجاهلية يقف فى المشعر الحرام. {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} [البقرة:199] ومنها أن أعظم المناصب الدينية فى المسجد النبوى كانت بين محمد القرشى وبلال الحبشى، فالنبى للامامة وب ومنها قول النبى صلى الله عليه وسلم عن سلمان " سلمان منا أهل البيت " مع أنه فارسى، لكن شرفه عمله و، وذلك لما رأى المسلمون قوته فى حفر الخندق وقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا (االمواهب) . ولما ضرب مسلم مشركا يوم أحد وقال: خذها وأنا الغلام الفارسى، نهاه النبى عن هذا القول الذى يشعر بالع وأرشده إلى قول مستمد من وحى الدين فقال له " هلا قلت: وأنا الغلام الأنصارى " رواه مسلم. ومنها توليته زيد بن حارثة قيادة الجيش، وكذلك تولية ابنه أسامة أيضا، وفى جندهما كان خيار المسلمين من العرب، وزيد كان رقيقا ثم أعتقه النبى وزوجه من زينب القرشية التى صارت بعد ذلك من امهات المؤمنين. ومنها قوله " اسمعوا وأطيعوا وإن ولى عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة" رواه البخارى، وتطبيقا لذلك قال عمر: والله لو كان سالم مولى أبى حذيفة حيا ما جعلتها شورى، أى لأسندت الخلافة إليه، وسالم هذا كان مولى لأبى حذيفة، وأمر أن يتولى الصلاة بالناس صهيب الرومى، وكان صهيب عبدا أسر فى بلاد الروم ثم بيع فى بلاد العرب. وتزوج بلال من أخت عبد الرحمن بن عوف وهى قرشية، وأعتق الحسين بن على جارية ثم تزوجها وعندما علم معاوية بذلك عاب عليه، فرد عليه الحسين بقوله: قد رفع الله بالإسلام الخسيسة ووضع عنا به النقيصة، فلا لوم على امرىء مسلم إلا فى أمر مأثم وإنما اللوم لوم الجاهلية. وقد كان أكثر العلماء الأفذاذ الذين خدموا الإنسانية من غير العرب، ومن العناصر المختلفة والألوان المت فى بوتقته وأخرج منها نماذج موحدة للمسلم الكامل الذى يردد هذا الشعا ر: أبى الإسلام لا أب لى سواه * إذا افتخروا بقيس أو تميم (ذكر ابن الأثير فى كتابه الباعث الحثيث) : روى مسلم أن عمر رضى الله عنه لما تلقاه نائب مكة أثناء الطريق فى حج أو عمرة قال له: من استحلفت على أهل الوادى؟ فقال: ابن أبزى، قال ومن ابن أبزى قال رجل من الموالى، قال عمر: أما إنى سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يرفع بهذا العل آخرين ". وذكر الزهرى أن هشام بن عبد الملك قال له: من يسود مكة؟ فقلت: عطاء، قال فأهل اليمن؟ قلت: طاوس، قال: فأهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: فأهل خراسان قلمت: الضحاك بن مزاحم، قال: فأهل البصره؟ قلت. الحسن بن أبى الحسن. قال: فأهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النخعى وذكر أنه كان يقوله له عند كل واحد: أمن العرب أم من الموالى؟ فيقول: من الموالى. فلما انتهى قال: يا زهرى، والله لتسودن الموالى على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب من تحتها. فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو أمر الله ودينه، فمن حفظه ساد، ومن ضيعه سقط. وأخبار المساواة فى الحقوق والواجبات والمعاملة وأمام القضاء كثيرة مشهورة، من أبرزها حادث المخزومية التى أراد أسامة أن يتشفع فى إسقاط حد الشرقة عنها فغضب النبى صلى الله عليه وسلم وقال " إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذى نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت يدها " رواه البخارى ومسلم. ومن الأحاديث الواردة فى الأخوة الإسلامية الجامعة "المسلم أخو المسلم " رواه مسلم، وحديث " المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. حتى إن اختلاف الدين لم يكن مانعا من تحقيق المساواة ونبذ التفرقة، فهناك رابطة إنسانية عامة تعلو على {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله} [الممتحنة: 8] وقد تولى هؤلاء مناصب عدة فى الدولة الإسلامية وأفاد المسلمون من علمهم وخبرتهم على ما كتب التاريخ، وقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم قام لجنازة ولما قيل له: إنها جنازة يهودى قال:" رواه البخارى ومسلم، ولأجل أن يحمل الناس على نبذ العصبية المقيتة، وعلى التزام العدل فى المعاملة حتى العقيدة قرر أن الأنبياء إخوة من علات، ومنع تفضيله على أحد من الأنبياء، على الرغم من أنه سيد ولد آد القرآن وجوب الإيمان بجميع الأنبياء والرسل دون تفريق بين أحد منهم. ـ نظرة الإسلام إلى الرق يظهر موقف الإسلام جليا فى محاربته للتفرقة العنصرية فى تشريعه الحكيم لإبطال الرق يتمثل فى ثلاث إجراءات رئيسية وهى: (أ) تضييق باب الرق الذى كان متسعا جدا قبل الإسلام، من حرب وخطف وشراء وغير ذلك، وحصره فى مورد واحد هو الأسر فى الحروب المشروعة إذا رأى الإمام أن يضرب الرق على الأسرى، والأسر مبدأ معمول به قديما وحديثا، وله أثر وتبادل الأسرى ولم يكن الشراء طريقا لامتلاك الرقيق إلا فى عهد معاوية كما قال المحققون. (ب) فتح الأبواب الواسعة لتحرير الرقيق، وإيجاد منافذ كثيرة للانطلاق من الرق إلى الحرية، فحثت النصوص على العتق فى كثير من الأحاديث، وجعلنه كفارة لكثير من الأخطاء، كالقتل الخطأ والإفطار فى رمضان والحنث فى اليمين والظهار وشجع على مكاتبة الرقيق وتيسير دفع ما يلزمه، وأباح التسرى بالإماء دون تحديد بعدد، وليس هذا إطلاقا للمتعة الجنسية بل للحصول على حرية الإماء إذا حملن مسا السادة وولدن، فإنهن يعتقن بعد موتهم، وكذلك ليسرى الدم العربى إلى غيره من الأجناس الأخرى التى كان منها الأسرى. (ج) الأمر بالإحسان إلى الرقيق حتى تحين الفرصة لعتقه، والوصايا فى ذلك كثيرة يكفى منها مراعاة شعوره، فلا يقال له: عبدى أو أمتى، بل يقال فتاى وفتاتى، أو غلامى وج كما رواه مسلم، وإكرامه فى مطعمه وملبسه كما فى الحديث " هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فم أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم،فإن كلفتموهم فأعينوهم " روا، وذلك عندما سمع النبى أبا ذر يعير رجلا بأمه السوداء فقال له: " إنك امرؤ فيك جاهلية " كذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ظلمه فقد سمع أبا م غلامه فقال له: " الله أقدر منك عليه " فكفَّر أبو مسعود عن ذنبه بعتقه، وقال النبى صلى الله عليه وس تفعل للفحتك النار" رواه مسلم. هذا، وإذا كان الإسلام يضرب أروع الأمثلة فى احترامه لآدمية الإنسان عن طريق الإحسان إلى الرقيق، فإنه من غير شك يراعى هذا التكريم مع من لا يملك الإنسان رقبته، بل يملك رعايته وتوجيهه لا غير، وذلك كحال الرعايا فى البلاد الإسلامية من الأديان المختلفة، لقد قال عمر بن الخطاب فى توجيه عماله، أى حكام البلاد المفتوحة: إنى لم أرسل إليكم عمالا ليضربوا أبش ليأخذوا اموالكم، ولكن أرسلهم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إلى، فو الذى نفسى بيده لأقصنه منه، وقد اقتص للقبطى من ابن عمرو بن العاص على ملأ من الناس، وقال كلمته الخالدة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ " سيرة عمر لأبن الجوزى ص 67، 70". وكل ذلك من وحى وصية الإسلام بأهل الذمة ففى الحديث " من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة " رواه أبو داود وقال أيضًا: " إن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذى فرض عليهم البغوى. 10 ـ رد بعض الشبهات (أ) قد يقول قائل: إذا كان الإسلام ينبذ التفرقة العنصرية فلماذا توجد تفرقة فى معاملة بعض الناس؛ كجعل نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين فى الميراث وجعل شهادته بشهادة امرأتين. والجواب أن هذه التفرقة فى المعاملة ليست على أساس عنصرى مما يتعامل على أساسه المستعمرون اليوم؛ وإنما هى لاعتبارات قائمة على المواهب والاستعدادات، والحياة البشرية لابد أن يكون فيها تفاوت فى ذلك لتترتب عليها اثار مناسبة لها وهذا هو مقتضى العدل؛ قال تعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون} [القلم:35، 36] وقال {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} [ص: 28] وقال: {ولكل درجات مما عملوا} [الأحقاف: 19] وقال: {ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} [النساء: 32] . وبخصوص المثال السابق فى الميراث والشهادة بالنسبة للرجل والمرأة قال العلماء: إن الرجل هو الذى يتولى الإنفاق عليها من نصيبه وهو لا يمس نصيبها مطلقا فى هذا الشأن؛ فهو محفوظ لها تتصرف به فى أمورها الخاصة كيف تشاء ة على أن إثبات حقها فى الميراث بوجه عام هو دليل مساواتها له فى مطلق الحق؛ أما التفاوت فيه فهو أمر يقتضيه نظام الحياة؛ وكون شهادتها على النصف من شهادة الرجل بين حكمته قول الله تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: 282] ومراعاة طبيعتها البشرية أمر لا ب عليه؛ كما لا يعاب به أحد، على أن شهادتها فى بعض الأحيان هى المعتمدة دون الرجل كمسائل الرضاع والبكارة والعيوب الداخلية للمرأة. (ب) وقد يقال أيضا، إذا كان الإسلام لا يقر التفرقة العنصرية فلماذا رأينا بعض الولاة يخالفون ذلك، كما حدث فى الدولة الأموية التى قلدت الوظائف الهامة للعرب دون العجم، والجواب أن عمل هؤلاء لا يُعد تشريعا يناقض التشريع المعتبر فى مصادره المعروفة، وقد تكون هناك ظروف جعلت هؤلاء الولاة يتخذون هذا الإجراء، وذلك كعدم اطمئنان العرب إذ ذاك إلى العجم الداخلين فى الإسلام حديثًا، والذين لم يزل الكثير منهم متأثرًا بمواريثه الدينية والسلوكية، الأمر الذى جعل بعض الأفراد ينادى بما سمى باسم الشعوبية، وجاءت على أثر هذه الصيحات الدولة العباسية بجهود الفارسيين المتشيعين للبيت الهاشمى والناقمين على البيت الأموى. ومهما يكن من شىء فإن هذه التصرفات السياسية موكولة إلى رأى القائمين بالأمر، وهى على كل حال لا تعرض النصوص الأصلية فى مقاومة التفرقة العنصرية ومن أراد التوسعة فليرجع إلى كتابنا " دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصره " (10/382) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:19 am | |
| الشيوعية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى المبادئ والأصول التى قامت عليها الشيوعية، ومل هو موقف الإسلام منها؟
الجواب الشيوعية لون من ألوان الاشتراكية، التى هى نظام تعاونى قائم على جعل الوسائل الرئيسية للانتاج والتوزيع ملكا للمجتمع، وموجهة بطريقة ديموقراطية نحو الصالح العام، بإيجاد فرص عمل لجميع الأفراد، ورفع مستوى الإنتاج ومستوى المعيشة مع الضمان الاجتماعى وعدالة التوزيع. وهذا المعنى يفكر فيه الناس من قديم الزمان وإن كانت وسائلهم إلى تحقيقه مختلفة، فكان قدماء اليونان يدعون إلى المساواة، والراهب "ميزليه " نادى بنزع الملكية الخاصة، وأتباع " توما الأكوينى" المتوفى سنة 1272 م. كانوا يدعون إلى ذلك، لكن هذا المعنى ظهر بوضوح فى القرون الأخيرة بعد النهضة الصناعية فى أوربا فى نهاية القرن الثامن عشر، ويعزى إلى " لوى بلان " هذا المبدأ: من كل حسب مقدرته، ولكل حسب حاجته. كان من أعظم الاشتراكيين المحدثين "كارل ماركس " المتوفى سنة 1883م. وجاء عنه فى موسوعة المعرفة "ص 608" أنه من أسرة يهودية متوسطة، تحول أبوه المحامى إلى المسيحية سنة 1824 م وعمدت أسرته كلها طبقا للبروتستانتية. درس القانون والتاريخ والفلسفة فى جامعات بون وبرلين، ونال الدكتوراه سنة 1841 م فى الفلسفة. ولما ذهب إلى فرنسا طرد منها لآرائه السياسية، فذهب إلى بروكسل، ولحق به "أنجلز" وكتبا البيان الشيوعى، فقامت الثورات فى أوروبا فهربا إلى ألمانيا، ثم انتهى ماركس إلى لندن وتوفى بها، ودفن في مقبرة " هاى جيت ". أصدر ماركس وفريدريك أنجلز المتوفى سنة1895 م هذا البيان سنة 1848 م، الذى يحث جميع العمال على الاتحاد والاستيلاء بالقوة على جميع الأجهزة السياسية والاقتصادية. وكان ماركس قد أصدر الجزء الأول من كتابه " رأس المال " سنة 1867 م وهو أعظم وثيقة فى تاريخ الاشتراكية قامت على آثره ثورات كثيرة فى أنحاء أوروبا، ويعتبر إنجيل الثورة الشيوعية فى روسيا، التى كانت تعرف أولا باسم " البلشفية " وكان " لينين " و "تروتسكى" زعيما ثورة 1917 م من تلاميذه، والجزءان الآخران أتمهما "انجلز" ونشرا بعد موت ماركس 1883 م. تقوم الشيوعية على مبادئ تتصل بالدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع، من أهمها: 1 - الكفر بالأديان ومكافحة سلطان الكنيسة بالذات، حيث كان هو السائد عند قيام الثورة، لقد قال ماركس، وهو فى سن الخامسة والعشرين كما يقول روجيه جارودى (مجلة الطليعة عدد أذار 1970) إن الدين أفيون الشعب، فهو يزهد فى الدنيا ويزرع فى النفوس الخضوع للقضاء والقدر والرضا بالواقع وعدم الكفاح لتغييره مهما كانت قسوته، لقد كفر بالله على الرغم من أن أصله يهودى انتقلت أسرته إلى المسيحية، وقال " لينين "فى مؤتمر الشباب الشيوعى المنعقد فى 2 من أكتوبر سنة 1930 م: إننا معشر الشيوعيين لا نستمد قوانين الأخلاق والسلوك الاجتماعى من أوامر الدين، لأننا نخرج على جميع الأخلاق والآداب التى تنفصل عن المجتمع البشرى ونرى أنها خداع وتضليل. وجاء فى الموسوعة السوفياتية " الطبعة الثانية سنة 1964 م مجلد 22" أن القرآن من عند محمد ومن بعده، ويقول " أ. سميرنواف " عضو المجمع العلمى وزعيم الدراسات الإسلامية فى الاتحاد السوفياتى فى كتابه " تاريخ الإسلام فى روسيا ": إن وجود محمد خرافة وكذلك هجرته " (الإسلام أقوى، تأليف جهاد قالعجى) . وطالب الزعيم السوفياتى " ميخائيل جوربا تشوف " بشن حملة لا هوادة فيها ضد الدين فى الجمهوريات الإسلامية السوفيتية بوسط اَسيا، وقالت جريدة " برافدا فوستوكا " الناطقة باسم الحزب السوفيتى فى جمهورية " أوزباكستان ": إن تعليمات جوربا تشوف صدرت خلال اجتماع مع قادة الحزب فى طشقند وهو فى طريقه إلى الهند- موسكو-روتر- الأهرام فى 29/ 11 / 1986 م. 2- ديكتاتورية عامة الشعب " البروليتاريا " من أجل إيجاد مجتمع شيوعى، وعند عدم تهيؤ الشعب للسلطة ينوب عنه الحزب الشيوعى. 3- ملكية وسائل الإنتاج: الأرض ورأس المال والعمل، لتكون للشعب عامة، والقضاء على الملكية الخاصة. ومناهضة الإقطاعيبن من النبلاء ورجال الكنيسة الذين يملكون الأرض بعبيدها، وكذلك مناهضة البورجوازيين الحائزين للأموال فى الثورات الصناعية والمتحكمين فى العمال. ويلزم ذلك إهدار كرامة الفرد والقضاء على حرية النقد. 4 -تفسير التاريخ تفسيرا ماديا، بمعنى حتمية الصراع بين الطبقات ليقوم المجتمع الشيوعى، وإنكار أن تكون هناك سنن موضوعة من الدين للوجود، فلابد من أخذ الفقراء حقوقهم من الأغنياء بالصراع إنها حرب على الغنى ودعوة إلى الفقر باسم المساواة. هذه هى أهم الأسس التى تقوم عليها الشيوعية. والأديان بوجه عام والإسلام بوجه خاص لا يقرها، وليس هو فى حاجة إليها، لما يوجد فيه من مبادئ تحقق الرخاء والتقدم للمجتمع فى ظل استقرار روحى ومودة وتكافل، ينبع من إحساس داخلى يغرسه الإيمان فى النفوس. ولا يصح أن يقال عن الإسلام: إنه دين اشتراكى بالمعنى الموجود عند الغرب، فهو نظام متميز عن كل هذه الألوان المتعددة للاشتراكية، والحكم على دين أو مذهب يكون بالحكم على جميع أصوله ككل، فالمسلم الذى ينكر مبدأ واحدا من المبادئ الأساسية فى الدين لا يعد مسلما، وكذلك الشيوعى بالذات لا يعد شيوعيا إذا انكر مبدأ من مبادئها. ومن هنا لا يمكن أن يقال عن المسلم إنه شيوعى، لأنه إن أنكر دينه لا يكون مسلما بل كافرا، وإن أخذ ببعض مبادئ الشيوعية لا يكون شيوعيا حتى يأخذ بها جميعا. ولسنا فى حاجة إلى مناقشة مبادئ الشيوعية، فالإسلام يرفضها جملة وتفصيلا، ذلك لأنه قائم على الإيمان بالله، ويكل ما جاء به الدين من الحيلة الآخرة والأمور المغيبة، ومن قضاء الله وقدره وتدبير خلقه على سنن حكيمة، ومن احترام الحقوق لجميع الناس من أغنياء وفقراء، ومن حل المنازعات عن طريق الصلح والقضاء، ومن الإسهام بقوة فى النهوض بالمجتمع من كل نواحيه الاقتصادية والسياسية والثقافية لتحقيق خيرية هذه الأمة وإسعادها فى الدنيا والآخرة على السواء، مع ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس الشورى والتناصح والتعاون، والاحتفاظ بكرامة الإنسان وصيانة حريته فى حدود المصلحة العامة، والأدلة على ذلك كثيرة فى القراَن والسنة وغيرهما من مصادر التشريع. هذا، وقد جاء فى جريدة " الفاينا نشيال تايمز " (الأهرام 31\ 8\ 1985) أن القضاء على الملكية الخاصة لما كان مثبطا للهمم مساعدا على عدم المبالاة، قاضيا على روح التنافس لجأ الروس إلى العودة إلى احترام هذه الملكية بعد أن رأت العواقب الوخيمة من جراء القضاء عليها، فقد أفردت جريدة " إزفستيا " مساحة كبيرة لتجربة فسح المجال لقدر أكبر من الحافز الفردى فى مجال مشاريع الخدمات، وأشارت إلى تجربة تمت فى" استونيا " حيث سمح لرجال الصيانة بالاحتفاظ بمكاسب من عملهم فى أحد محلات إصلاح أجهزة التليفزيون، ليمولوا المشروع بأنفسهم، وظهر أن الجهاز الذى كان يستغرق إصلاحه قبل ذلك حوالى أسبوعين أصبح الآن يتم إصلاحه فى ثلاثة أيام على الأكثر، كما قام العمال بإصلاح إدارى لجذب الزبائن إلى المحل، وقد ارتفعت أرباح المشروع بنسبة من 10 - 15% عن ذى قبل وجاء فى أهرام 4/ 1\ 1987 نقلا عن "النيو يورك تايمز"وفى أهرام 17 / 3 /1987م نقلا عن " الهيرالد تريبيون " بعنوان كارل ماركس. يقول ماركس: إن الدين هو آفة الإنسان المقهور، وأن الدين أيضا هو أفيون الشعوب، وكان الأفيون معروفا فى المانيا حينذاك بأنه قاتل الألم. وفيه: ومن أجل الإعداد للثورة يجب إزاحة التأثير المخدر للدين وترك الطبقة العاملة تعانى حتى يصل الألم إلى درجة لا يمكن احتمالها، وحينئذ سيأتى الشفاء على يد الشيوعية. فالقضاء على الدين هو الشرط الأول لسعادة الشعب وعلى نهجه سار لينين. لكن بدأ تغيير فى تعليم الملحدين فى عهد جورباتشوف، فظهر فى الصحف رسائل تقول:إن لم تكف السلطات السوفيتية عن محاربة الدين فإن إدمان الخمور لن يتوقف، أصبحت الفودكا هى المهرب من المعاناة، وذلك يهدد الإنتاج ويهدد الأسر بالانهيار، لقد أصبحت الشيوعية هى الإله الذى فشل فى توفير الخبز لعباده. راجع: 1-الشيوعية والإنسانية فى الإسلام، لعباس العقاد. 2 - نظرات إسلامية فى الاشتراكية الثورية، للدكتور معروف الدواليبى. 3-طبقية المجتمع الأوروبى وانعكاس آثارها على المجتمع الإسلامى المعاصر، للدكتور محمد البهى. 4 -الاشتراكية العربية، للعميد سيد عبد الحميد مرسى، وعبد الرحمن عبد المتعال. 5 -الإسلام أقوى، لجهاد قلعجى. 6 -المحاضرات الثقافية بقاعة محمد عبده بجامعة الأزهر سنة 1959 م. 7-موسوعة المعرفة. 8 - الفتاوى الإسلامية. المجلد 4 ص 1367، المجلد 7 ص 2655. 9- آخر ساعة فى 20/8/ 1975 م. 10 - الماركسية بين النظرية والتطبيق، للدكتور عبد المنعم النمر (10/383) ________________________________________ التقية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما معنى التقية وهل هى حلال أو حرام؟
الجواب 1 -التقية والتقاة والتقوى ألفاظ مأخوذة من مادة " وقى " عند من يقول: الأصل فى الاشتقاق هو الفعل، فكلمة " تقية " اسم مصدر للفعل "اتقى " أصله " اوتقى " ومثلها كلمة "تقاة " أصلها "وقية " مثل تؤدة وتهمة، قلبت الواو تاء والياء ألفا، جاء فى الصحاح "والتقاة التقية يقال: اتقى تقية وتقاة. قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران: 152، وجاء فيه اتقى يتّقى، وتقى يتقى كقضى يقضى. والتقوى والتقى واحد. وأصل المادة المنع، كالذى يتقى البرد بالملابس، ويتقى عذاب الله بالطاعة، ويتقى سهام العدو بالدرع، والتقية بهذا هى اتخاذ ما يمنع المكروه، أو هى الشىء الذى يتخذ لمنع المكروه، جاء فى التقية قوله تعالى {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة. . .} آل عمران: 28، قرأها جابر ابن زيد ومجاهد والضحاك " تقية " وقد نزلت فى عبادة بن الصامت الأنصارى وكان بدريا تقيا، وكان له حلف من اليهود، فلما خرج النبى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال عبادة: يا نبى الله، إن معى خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معى فأستظهر بهم على العدو. والمعنى: لا يجوز للمؤمنين أن يتخذوا من الكافرين أولياء يناصرونهم إلا إن كانوا فى حاجة إليهم ويتقون بذلك شرهم. 2 - فالتقية يحتاج إليها عند الحاجة أو الضرورة، وصورها ابن عباس بأن يتكلم الإنسان بلسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان. على غرار ما جاء فى قوله تعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا. . .} النحل: 106، وقد نزلت فى عمَّار بن ياسر حين أخذه المشركون وأباه وأمه وعذبوهم وقتلوا أباه وأمه لأنهم لم يعطوهم ما أرادوا من الكفر، ولكن عمارا أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها، فشكا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم، فقال له "كيف تجد قلبك "؟ قال: مطمئن بالإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم " فإن عادوا فعد " وفى مجال الإيمان والكفر قالوا: لا تجوز إلا عند خوف القتل أو قطع جزء من الإنسان أو الإيذاء العظيم. وهل التقية فى هذا المجال انتهت أو باقية؟ قال معاذ بن جبل ومجاهد: كانت التقية فى جدَّة الإسلام قبل قوة المسلمين، فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم. ومفهوم ذلك أنها جائزه عند ضعف المسلمين، ومن هنا قال الحسن: التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة. 3-والأمور التى يكره الإنسان على فعلها لدفع الضرر هى فى أصلها ممنوعة ولكن الله أباحها للضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات كما هو معروف، قال تعالى بعد ذكر المحرمات {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} البقرة: 173، وقال {وقد فصَّل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} الأنعام: 119. وقد قال العلماء: الرخصة فى التقية تكون بالقول كالنطق بكلمة الكفر وكالكذب، لكن لو أرغم على فعل محرم لينجو من الضرر، كالسجود لغير الله أو قتل مسلم أو الزنى.. . هل يحل له ذلك؟ أجمعوا على أنه لو أكره على قتل غيره بدون وجه حق فلا يجوز له قتله، لأنه فدى نفسه بغيره. أما لو أكره على الزنى وغيره من الكبائر فقد اختلف فيه، قال ابن العربى: الصحيح أنه يجوز الإقدام عليه ولا يعاقب بالحد فى الزنى مثلا، وقال أبو حنيفة: إن أكرهه غير السلطان أقيم عليه الحد ثم قال المحققون:إذا تلفظ المكره بكلمة الكفر فلا يجوز أن يجريها على لسانه إلا مجرى المعاريض، فإن فى المعاريض لمندوحة عن الكذب، والتعريض يكون بكلمة تحتمل أكثر من معنى، يرضى العدو فى الظاهر بأحد معانيها ويقصد بقلبه المعنى الاخر الجائز. ومثلوا لذلك بماء إذا قيل له: اكفر بالنبى، فيقول: أكفر بالنبى، ويريد المكان المرتفع وهكذا. 4- وهذا يجرنا إلى الحديث عن بعض أساليب التقية، وهى المداراة، ومعناها بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا، بخلاف المداهنة التى هى بذل الدين لصلاح الدنيا، والمداراه جائزة والمداهنة ممنوعة، يقول الطرطوشى فى سراج الملوك "ص 279": من دارى سلم، ومن داهن أثم. قال تعالى فى المداهنة {ودُّوا لو تدهن فيدهنون} القلم: 9، نزلت حين قالت قريش للنبى صلى الله عليه وسلم: اعبد آلهتنا سنة ونؤمن بك، فأبى، قالوا: اعبدها شهرا، فأبى، قالوا: اعبدها يوما، فأبى، قالوا: استلمها بيدك، فوقف النبى وطمع إن فعل أن يؤمنوا، فأنزل الله الآية، وقيل له {ولولا أن ثبَّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا. إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات.. .} الإسراء: 74، 75، ثم قال الطرطوشى: قال النبى صلى الله عليه وسلم فى المداراة " رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس، وأمرت بمداراة الناس كما أمرت بأداء الفرائض "وهذا حديث ضعيف رواه ابن أبى الدنيا، والديلمى فى الفردوس، وروى مثله الطبرانى وابن عدى والبيهقى. جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 1 ص 291" وشرحه للزرقانى "ج 4 ص 255 " أن البخارى ومسلما أخرجا عن عائشة رضى الله عنها أن رجلا استأذن على النبى صلى الله عليه وسلم، وأنا عنده، فلما رآه قال بعد أن أذن له وفتح الباب " بئس أخو العشيرة " فلما جلس تطلق يعنى أبدى له طلاقة وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل انبسطت فى وجهه فقال " يا عائشة، متى عهدتينى فحَّاشا، إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره " وهذا الرجل هو عيينة بن حصن الفزارى، وكان يقال له الأحمق المطاع، لأنه كان يتبعه من قومه عشرة آلاف قناة لا يسألونه أين يريد. ثم نقل القسطلانى عن القرطبى أن المداراة التى هى بذل الدنيا لصلاح الدين أو الدنيا أو هما معا مباحة وربما استحسنت فكانت مستحبة أو واجبة، فالنبى بذل له من دنياه حسن العشرة والرفق فى مكالمته ومع ذلك لم يمدحه بقول، فلم يناقض فيه فعله، فإن قوله فيه حق، وفعله معه حسن عشرة. قال القاضى عياض: لم يكن عيينة حينئذ أسلم فلم يكن القول فيه غيبة، أو كان أسلم ولم يكن إسلامه ناصحا، فأراد النبى أن يبين ذلك حتى لا يغتر به من لم يعرفه، وكانت إلانة القول له على سبيل الاستئلاف. وجاء فى إحياء علوم الدين للغزالى "ج 2 ص 183"فى حقوق المسلم: ومنها أنه إذا بُلى بذى شر فينبغى أن يتحمله ويتقيه، قال بعضهم: خالص المؤمن مخالصة، وخالق الفاجر مخالفة، فإن الفاجر يرضى بالخلق الحسن فى الظاهر، وقال أبو الدرداء: إنا لنبسم فى وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم، وهذا معنى المداراة، وهى مع من يخاف شره، قال الله تعالى {ادفع بالتى هى أحسن السيئة} المؤمنون: 96، قال ابن عباس فى معنى قوله {ويدرءون بالحسنة السيئة} الرعد: 22، القصص: 54، أى الفحش والأذى بالسلام والمداراه، وقال فى قوله تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} البقرة 251، الحج: 40، قال بالرغبة والرهبة والحياء والمداراة. فالتقية بالمداراة حكمة وسياسة وكياسة، ولكن بقدر لا يخدش الدين، ذكر الغزالى فى الإحياء "ج 3 ص 138 " بعد أن ذكر الدخول على الأمراء ومدحهم ثم ذمهم إذا خرجوا من عندهم، إن هذا نفاق ما دام هناك استغناء عن الدخول إليهم، فأما إذا ابتلى به لضرورة وخاف إن لم يثن فهو معذور، فإن اتقاء الشر جائز. وذلك كلام أبى الدرداء المتقدم. وذكر فى "ج 2 ص 161 " أن من حق الأخوة أن ينهاه عن المنكر، وذلك فى السر، وليس على الملا لأنه توبيخ وفضيحة، ثم قال: إن الفرق بين التوبيخ والنصيحة هو فى السر والإعلان، كما أن الفرق بين المداراة والمداهنة بالغرض الباعث. على الإغضاء عن عيوب غيرك، فإذا أغضيت لسلامة دينك ولما ترى من إصلاح أخيك بالإغضاء فأنت مدار، وإن أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن. والمأثور فى هذا الموضوع كثير، ويمكن الرجوع إليه فى كتاب أدب الدنيا والدين ص 78 1، العقد الفريد لابن عبد ربه ج 1 ص 168، 214، 215، ج 3 ص 92، ومقال الشيخ محمد الخضر حسين بمجلة الأزهر مجلد 2 ص 147. 5 - ومن أساليب التقية الكذب، ومعلوم أن الكذب حرام، لكن يرخص فيه للمصلحة التى قصرها بعض العلماء على ما ورد فى الحديث، وهو الكذب فى الحرب فالحرب خُدعة، وفى إصلاح ذات البين، وفى الكذب بين الزوجين فى مثل الحب من أجل دوام العشرة. وأجازه بعضهم عند نيل مرغوب فيه لا سبيل إليه إلا به مع عدم الضرر بالغير، أو فى دفع مكروه عن الشخص أو عن آخر فى عرض أو مال أو نفس. ومن المأثور فيه إذن النبى صلى الله عليه وسلم لمن قتلوا كعب بن الأشرف أن يقولوا ما شاءوا " زاد المعاد" ومنه كذب ابن علاط لما قدم مكة ليأخذ ماله "زاد المعاد- غزوة خيبر " ومنه كذبات إبراهيم الثلاثة: {بل فعله كبيرهم} {إنى سقيم} وقوله عن زوجته إنها أخته لينقذها من ظلم فرعون "مصابيح السنة ج 2 ص 157". يقول ابن الجوزى: كل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وواجب إن كان واجبا، جوز بعضهم الحلف بالله لإنجاء مسلم من القتل ظلما كما حلف سويد ابن حنظلة أن وائل بن حجر أخوه ليخلصه من عدو له عندما خرجوا يريدون النبى على ذلك " غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 117 " ويمكن الرجوع إلى الإحياء "ج 3 ص 119 " لمعرفة ما يجوز فيه الكذب. وللتخلص من الكذب لاتقاء الشر يمكن اللجوء إلى المعاريض كما تقدم ذكره، وتوضيحه فى الإحياء "ج 3 ص 121". 6-هذا، والتقية أصل من أصول الدين عند الشيعة، يظهرون بها خلاف ما يبطنون، حفاظا على أنفسهم، ولعل من اَثارها اختفاء الإمام الثانى عشر والزعم أنه دخل فى سرداب حتى يظهر فى آخر الزمان باسم المهدى المنتظر، والتقية أيضا مسلك للدروز ليعيشوا فى أمن مع غيرهم، ودخائل نحلتهم لا يعلم الكثير منها، ولا يطلع عليها إلا خاصتهم وهم الشيوخ العقَّل. وهى تستعمل فى ميادين كثيرة، والمهم أنها لا تصادم أصلا مقررا فى الدين، ويتوصَل بها إلى غرض مشروع وفى أضيق الحدود (10/384) ________________________________________ خطة دينية لمواجهة الكوارث
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك خطة دينية لمواجهة الكوارث؟
الجواب 1 - الإنسان فى حياته يتقلب بين الخير والشر، فيما ينفعه وما يضره، وما يسره وما يحزنه، وذلك بحكم تكوينه الطبيعى، وبما أراد الله له من الخلافة فى الأرض التى خلق منها، قال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان فى كبد} البلد: 4. وقال تعالى {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} الانشقاق: 6. أما الحياة الخالية من الآلام فهى حياة أهل الجنة، لا يمسهم فيها نصب ولا حزن ولا غل ولا لغو ولا تأثيم كما ورد فى القرآن الكريم. 2 - والله سبحانه هو خالق الكون كله ومالك أمره، يحبى ويميت ويعطى ويمنع، يفعل ما يشاء كما يشاء: {لا يُسأل عما يفعل} الأنبياء: 23. ومع ذلك فهو سبحانه فى كل أفعاله حكيم يضع الشىء فى موضعه المناسب، وقد وصف نفسه بالحكمة والخبرة والعلم والإرادة فى نصوص كثيرة، وهذه الحكمة موجودة فى أمره التكوينى وأمره التشريعى لمن يعيشون فى هذه الدنيا قال تعالى للملائكة فى حكمة خلق آدم: {إنى أعلم ما لا تعلمون} البقرة: 30. وقال فى فرض الجهاد على المسلمين: {كتب عليكم القتال وهو كُره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} البقرة: 216. 3- وإذا كان الله سبحانه قد سخر لبنى آدم ما فى السموات وما فى الأرض، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، فإن فى بعض المسخرات من القوى والإمكانات ضررا عليهم فى ظاهر الأمر، كالزلازل والبراكين والعواصف والسيول والأوبئة المجتاحة، لكن لها حكمة قد تخفى على بعض الناس، ضرورة أن الله حكيم فى كل ما. يصدر عنه، منزَه عن العبث فى أى شىء. كما أن الهدى الإلهى الذى أرسل به الرسل هو لإرشاد الناس إلى الخير كفا قال سبحانه: {فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى لا يضل ولا يشقى} طه: 123. لكن فى بعض هذا الهدى ما فيه مشقة فى ظاهره، وهو فى حقيقة الأمر لخير الإنسان وسعادته فى دنياه وآخرته، كفرض الجهاد الذى قال فى حكمته: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} البقرة: 251. وكأمر الله للخضر عليه السلام بخرق السفينة ليصرف عنها المك الطاغية ويخلصها لأهلها المساكين، وكأمره له بقتل الغلام حتى لا يكفر بسببه أبواه، وذلك مسطور فى الكهف: 71- 81. 4 - وبعيدا عن الحكمة فى التشريع هل هناك حكمة فى الأمور الكونية أمثال الزلازل والبراكين؟ - هناك حكم كثيرة على رأسها لفت نظر الإنسان الذى خلقه الله بيده من طين، ولم يكن من قبل شيئا مذكورا، وأسبغ عليه النعمة، وسخر له المخلوقات - لفت نظره إلى الإيمان بأن هناك قوة أكبر من قوته، وسلطانا أعلى من سلطانه، وذلك حتى لا يكفر بوجود الله، وحتى لا يعصيه إن كان مؤمنا بوجوده. حكم غير عامة وإلى جانب هذه الحكمة العامة توجد حكم أخرى منها ما يأتى: (أ) قد تكون الزلازل والصواعق والأعاصير وغيرها وسيلة انتقام لمن كفر بالله وجحد نعمته، كالطوفان لقوم نوح، والريح الصرصر لقوم هود، والصاعقة لقوم صالح، والصيحة لقوم شعيب، والرجم لقوم لوط، والغرق لفرعون وقومه، والخسف لقارون، قال تعالى: {فكلاًّ أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} العنكبوت: 40. وهى بهذه الصورة عبرة وعظة لغيرهم حتى لا يتورطوا فيما تورط فيه هؤلاء، قال تعالى: {لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألبب} يوسف: 11. وقال: {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} هود: 120. (ب) قد تكون هذه الكوارث امتحانا يتميز به المؤمن الصادق من غير الصادق. قال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} محمد: 31. وقال فى شأن غزوة أحد: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين. وليمحص الله الذين اَمنوا ويمحق الكافرين} آل عمران: 140، 141. وهو سبحانه كما يمتحن بالشر يمتحن بالخير: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} الأنبياء: 35، قال تعالى على لسان سيدنا سليمان وقد أعطاه ما أعطاه: {هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم اكفر} النمل: 40. (ج) قد تكون هذه الكوارث وسيلة من وسائل تطهير المؤمنين الصابرين الصادقين من الذنوب ومضاعفة ثوابهم، قال تعالى: {ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} البقرة: 155، 157، وقال النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم -حتى الشوكة يشاكها -إلا كفَّر الله بها من خطاياه " والوصب هو المرض. وقد تكون هناك حكم أخرى يعرفها علماء الأخلاق، كما يعرفها العلماء المختصون المعنيون بالدراسات الطبيعية والجغرافية وما يعرفونه من قوانين التوازن وغيرها. وعجائب المخلوقات كثيرة، وعلمنا بأسرار الكون قليل كما قال سبحانه: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء: 85. ولذلك كرر الله الأمر بدوام البحث والنظر فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء. {وفى الأرض آيات للموقنين. وفى أنفسكم أفلا تبصرون} الذاريات: 20 - 21. 5 -ليكن معلوما أن هناك كوارث هى من صنع الله وحده لا اختيار للإنسان فيها، كالأمثلة التى تقدمت، وهناك كوارث تتدخل فيها قدرة الإنسان واختياره، كالحروب والحرائق وتلوث البيئة، وحوادث الطرق والمواصلات، فما هو موقف الإنسان من كل هذه الكوارث؟ إن لكل من النوعين تعاملا خاصًّا ينبغى إفراده بالحديث وهذا التعامل له طرفان، طرف تربوى وطرف تشريعى، ولا يستغنى أحدهما عن الأخر، فالتربية توضح الطريق للتشريع، وفى الوقت نفسه تساعد على تنفيذه، والتشريع ينظم التربية وييسرها للفهم وبالتالى للتطبيق، وسيكون الكلام على الطرفين فى نسق واحد، دون اهتمام بالفصل بينهما. وسنجعل للنوع الأول من الكوارث عنوان " الكوارث الطبيعية " نسبة لمحلها لا لفاعلها، وللنوع الثانى عنوان "الكوارث البشرية " وذلك لوضوح تسببهم فيها. أولا: فى الكوارث الطبيعية: كل الكوارث لها إجراءان، إجراء وقائى قبل وقوعها، وإجراء علاجى بعد وقوعها، وبخصوص الكوارث الطبيعية التى هى من صنع الله وحده لا يظهر للإجراء الوقائى أثر، اللهم إلا فى مثل الدراسات والمشاهدات التى تعرف بها الأماكن التى يكثر فيها التعرض لهذه الكوارث فيحتاط بالبعد عنها، أو بالتنبه لوقوعها إن أمكن، أو بمثل الاكتفاء فى المنازل بما لا يعظم الخطر منه عند هدمه، أو بمثل إقامة السدود الواقية من خطر السيول ونحو ذلك. أما الإجراء العلاجى بعد وقوعها، فمنه ما يتصل بمن أصيب بها وما يتصل بمن لم يصب بها، فالذى أصيب بفقد عزيز عليه من إنسان أو حيوان أو زرع أو مال أو غير ذلك، يجب عليه أمور أهمها: 1-الرضا بقضاء الله وعدم الجزع والسخط على ما وقع، فمن أصول الإيمان كما صح فى الحديث " وأن تؤمن بالقدر خيره وشر حلوه ومره " قال تعالى: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} التوبة: 51. 2 -الأمل وعدم اليأس من رحمة الله -فى تعويض ما فقد مهما كانت فداحة هذا الخطب، والله يقول: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} يوسف: 87، ويقول: {وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين. فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر واتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين} الأنبياء: 83، 84. ويقول: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا أن نصر الله قريب} البقرة: 214. إلى غير ذلك من النصوص فى القرآن والسنة التى تغرس الأمل فى النفوس وتقويه، وتنهى عن اليأس وتنفر منه. 3- التحرك العملى والسعى بدافع هذا الأمل إلى ما يعوض به ما فقد منه، وعدم اللجوء إلى الاستجداء أو انتظار المعونات، فلا يجوز ذلك إلا عندما تضيق السبل وتغلق كل منافذ الاعتماد على النفس، لأن الاستجداء ونحوه إجراء مؤقت لا يطول ولا يدوم، وقد وجه الرسول رجلا تعرض للسؤال أن يعمل بجهده هو، حيث اشترى له فأسا يكسب بها ليعول أهله ونفسه فنجح وكفى نفسه ذل السؤال. أما الإجراء الواجب على من لم يصب بمثل هذه الكوارث فيتمثل فى أمور منها: 1-أن يحس الناس بالمأساة التى وقعت لمن يشاركهم فى الإنسانية، وأن يتقدموا بعمل ما يمكنهم لتخفيف المأساة، ذلك أن الدين -إلى جانب الفطرة السليمة -يأبى أن يكون الإنسان - فضلا عن المؤمن - قاسى القلب جامد العاطفة، لا يعرف إلا نفسًه ولا تهمه إلا مصلحته، ففى الحديث "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " رواه الحاكم والطبرانى بسند يقبل فى فضائل الأعمال. ويوضح الدافع إلى هذا التحرك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى " رواه البخارى ومسلم. 2 - أن يقوم بالحد الأدنى فى المشاركة الوجدانية فيعزى المصاب ويسليه ولو بكلمات تخفف وقع المصيبة على نفسه، وأن يدعو القادرين على مساعدته إن لم يستطع هو فالدال على الخير كفاعله، والله يذم قساة القلوب الذين ينسون المساءلة يوم القيامة فيقول: {أرأيت الذى يكذِّب بالدين. فذلك الذى يدع اليتيم. ولا يحض على طعام المسكين} الماعون: 1 -3. 3- أن يقدم له مواساة عينية بقدر المستطاع، وقد حثت نصوص القرآن والسنة على هذه المواساة، يكفى منها قول النبى صلى الله عليه وسلم: " من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه " رواه البخارى ومسلم ويحذر أشد التحذير من البخل بهذه المعونة فيقول "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم " رواه الطبرانى بإسناد حسن. 4 -أن يقوم بواجب المواساة والمعونة كل قادر على ذلك، على مستوى الأفراد والجماعات والمسئولين فى الدولة، بل تشارك فى ذلك الدول الأخرى، وبخاصة إذا كان الخطب جسيما لا يواجه إلا بجهد جماعى على نطاق واسع، والله سبحانه وتعالى يقول: {وتعاونوا على البر والتقوى} المائدة: 3. وفى الحديث " يدُ الله مع الجماعة " رواه الترمذى وحسنه. وقد روى مسلم فى صحيحه أن جماعة بؤساء من مُضر وفدوا على النبى صلى الله عليه وسلم فتغير وجهه لما رأى بهم من الفاقة، فخطب فى الناس وحثهم على معونتهم، فجمعوا شيئا كثيرا سر به النبى صلى الله عليه وسلم لما رأى من مسارعتهم إلى الخير، وقال: " من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجر، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ". وقد جعل الإسلام فى بيت المال نصيبا لأمثال هؤلاء المحتاجين، وخوَّل لولى الأمر أن يفرض ما يواجه به هذه الكوارث إن ضاقت الموارد، بل له أن يفرض التقشف عن الكماليات لمواجهة الضروريات، كما حرَّم عمر رضى الله عنه على نفسه أكل اللحم عام المجاعة، وعاقب من يقبلون عليه من أهل اليسار ليشاركوا الفقراء محنتهم، ويساعدوهم بما يفيض عن حاجتهم وفى ظل المعنى الإنسانى وواجب الراعى نحو الرعية تتوارى المعانى الأخرى التى تفرق بين الجماعة كعامل الدين، فالله يقول فى مساعدة أسماء بنت أبى بكر لأمها المشركة حين وفدت عليها {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} الممتحنة: 8. ورأى عمر يهوديا كبيرا يتسول ففرض له فى بيت المال ما يكفيه قائلا: ظلمناك إذ أخذنا منك فى شبيبتك، وضيعناك فى شيبتك. وفى الكوارث الفادحة التى تتقدم فيها الجماعات والدول بالمعونة، انطلاقا من المعانى الإنسانية أو تطبيقا لاتفاقات دولية ونحوها، يتقدم كل بما يمكن من أنواع المساعدة مع الاهتمام بما هو أشد احتياجا، من طعام أوكساء، أو دواء ونحو ذلك. ثانيا: فى الكوارث البشرية: هناك إجراءان لمواجهة الكوارث التى يتدخل فيها الإنسان، أحدهما وقائى، والثانى علاجى. ففى الإجراء الوقائى: هناك تحذير عام من التورط فيما يعود على الإنسان بالضرر، سواء أكان هذا الضرر خاصا به، أو متعديا إلى غيره، فالله تعالى يقول: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة: 195، ويقول {يا أيها الذين اَمنوا خذوا حذركم} النساء: 71، وفى الحديث " لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه. 1 -ففى مجال الحروب دعا الإسلام إلى السلم والأمان فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} البقرة: 208 وحبب فى الصلح قبل أن تقوم الحرب فقال: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} الأنفال: 61. وأكد على الموافقة على الصلح حتى لو كانت نية الطرف الاَخر سيئة، ولكن يجب الحذر والاحتياط لمواجهة احتمال الغدر والخيانة، فقال: {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين} الأنفال: 62، مع قوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} الأنفال: 60. ومنع الإسلام البدء بالحرب، وجعلها لرد العدوان، مع الاقتصار على الحد الأدنى من الخسائر الكافية للرد، فقال تعالى: {وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} البقرة: 195، ومن أجل الحيلولة دون وقوع الحرب شرع الإسلام إنذار من تبدر منهم بوادر الغدر فقال تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} الأنفال: 58. وشرعت المرابطة فى الثغور لحماية الحدود، مع بث العيون والجواسيس لمعرفة أحوال العدو، والتوصية فى الحرب بعدم قتل من لم يشترك فيها من أمثال النساء والأطفال والشيوخ الكبار، وعدم تخريب العامر، أو القتال بما يعم به التدمير من الأسلحة المتنوعة- والتطور الحديث تنفس عن كثير منها -وحكمة التشريع لهذه الأخلاقيات والآداب الحربية اعتبار أن الحرب ضرورة تقدر بقدرها، لا يرتكب فيها إلا ما يتحقق به النصر، لأن هذا هو ما يحب أن يعامل به من يعتدى عليه، والأيام دول، والواجب الدينى يقتضى أن يحب الإنسان لغيره ما يحبه لنفسه كما ثبت فى الحديث. 2-وفى مجال الحريق كان من هدى الإسلام فى الوقاية منه الأمر بعدم ترك المصباح مضاء فى البيت عند النوم، حتى لا يعبث به فأر أو غيره فينشأ عن ذلك حريق، وسيأتى النص بعد. وهو صورة لما ينبغى اتخاذه فى أيامنا هذه من الاطمئنان على التوصيلات الكهربائية فى البيوت والمصانع والمؤسسات المختلفة وفى حديث البخارى ومسلم " إن هذه النار عدو لكم فإن نمتم فأطفئوها ". 3-وفى مجال تلوث البيئة وما ينتج عنه من أمراض نرى للإسلام باعا طويلا لا يمكن فى هذا الحيز الضيق أن نورده كله أو أكثره، ولكن نكتفى بنماذج منه. (أ) فالدين حث على النظافة فى كل شىء مادى ومعنوى، دينى ودنيوى، وجعلها شرطا لصحة أداء العبادات التى يتقرب بها إلى الله، كالوضوء الذى تغسل به الأعضاء المعرضة للتلوث، مع المبالغة فى تنظيف مداخل الأكل والشرب والتنفس، بالمضمضة والسواك، والاستنشاق والاستنثار أى إخراج ما فى الأنف مما يلوث مجرى النفس، وكالغسل الذى فرضه لموجبات معينة تحصل به النظافة ويجدد نشاط الجسم، وجعله سنة عند الاجتماعات كصلاة الجمعة والعيدين. ومواطن متعددة فى الحج الذى تكثر فيه الرخام، مع ما يتبع هذه الطهارة من الزينة والرائحة الطيبة المسموح بها. ب -وفى المقابل نهى عن كل ما يتنافى مع النظافة، فحرم البول والغائط فى موارد المياه وقارعة الطريق ومواضع الظل، أى الأماكن التى يكثر تردد الناس عليها لحاجتهم إليها، وقال فى ذلك الحديث الذى رواه مسلم "اتقوا اللاعنين "قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: " الذى يتخلى فى طرق الناس أوفى ظلهم " واللاعنان أى الأمران اللذان يجلبان اللعن والشتم، والتخلى هو التبول والتبرز. وجاء فى رواية أبى داود وأحمد أن الملاعن ثلاثة، فزادت على رواية مسلم موارد المياه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال فى الماء الراكد كما رواه مسلم، بل نهى أن يبال فى الماء الجارى كما رواه الطبرانى بإسناد جيد. أين من هذا مخلفات المصانع والبيوت؟ ونهى عن البصق فى الأماكن العامة التى يكثر فيها اجتماع الناس، ومنها المساجد، وقد كانت فى أيام الرسول تفرش بالحصى والرمل. ففى حديث رواه البخارى ومسلم "البصاق فى المسجد خطيئة وكفارتها دفنها ". كما نهى عن مضايقة الناس بالروائح الكريهة، وبخاصة فى أماكن الاجتماعات، ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم " من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا-أو فليعتزل مساجدنا- وليقعد فى بيته ". وجاء فى بعض الروايات النهى عن الكراث والفجل، ويقاس على ذلك كل ذى ريح كريه ومنه التدخين. وقال عمر بن الخطاب فى خطبة الجمعة، كما رواه مسلم وغيره: عن البصل والثوم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل فى المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع. وهو مقبرة المدينة. ج - وفى مجال الوقاية من الأمراض - إلى جانب ما ذكر-أمر الإسلام بالاعتدال فى الأكل والشرب، فقال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف: 31. وقال صلى الله عليه وسلم: " ما ملا ابن اَدم وعاء شرا من بطنه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ".. . رواه الترمذى وقال: حسن. وحرم الإسلام أطعمة ومشروبات ضارة، كالميتة والدم ولحم الخنزير، والخمر وكل مسكر ومفتر والنصوص فى ذلك ثابتة فى القرآن والسنة، الآية 3 من سورة المائدة، والآية: 90 من السورة نفسها. وحذر من التعرض للعدوى فقال صلى الله عليه وسلم: " فر من المجذوم فرارك من الأسد " رواه البخارى. وقال: " إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض أنتم فيها فلا تخرجوا منها " رواه البخارى ومسلم. وفى وقاية الطعام والشراب من التلوث -إلى جانب استحباب غسل الأيدى قبل تناول الطعام وبعده - ورد الحديث الذى رواه مسلم " غطوا الإناء، وأوكئوا السقاء - اربطوا فم القربة - وأغلقوا الأبواب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح بابا ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل، فإن الفويسقة-الفأرة- تضرم على أهل البيت بيتهم " وذلك بأن تجر الفتيلة إلى المتاع فيحرق وقد يراد بالشيطان الحشرات. د - وفى مجال الوقاية من أخطار الطرق والمواصلات، حذر الإسلام من أى شىء يعوق حركة المرور أو يؤذى المارة أيا كان هذا الإيذاء-ومنه التبول والتبرز كما سبق فى حديث الملاعن، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: " من اَذى المسلمين فى طرقهم وجبت عليه لعنتهم " رواه الطبرانى بإسناد حسن. وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ". وفى حديث رواه مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم: " لقد رأيت رجلا يتقلب فى الجنة-أى يتنعم بما فيها-فى شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذى المسلمين ". وفى هذا الإطار أثر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: والله لو علمت. أن دابة عثرت فى أرض العراق لوجدتنى مسئولا عنها أمام الله لِمَ لم أمهد لها الطريق. ومن أجل سلامة المارة نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التزاحم والسرعة فى الأماكن الضيقة، وأوقات الذروة-كما يقال بلغة العصر-وذلك عند الإفاضة من عرفات وعند تقبيل الحجر الأسود، فقد روى أحمد والطبرانى والبيهقى بإسناد حسن أن الرسول عندما فاض من عرفة سمع وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل فأشار بسوطه وقال: "أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع " والإيضاغ هو الإسراع. وروى الشافعى فى سننه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضى الله عنه: "يا أبا حفص، إنك رجل قوى، فلا تزاحم الناس على الركن - وهو الذى فيه الحجر الأسود - فإنك تؤذى الضعيف ". هـ -ومن الوقاية من الأضرار عامة جاء الأمر بقتل الحشرات والحيوانات المؤذية، وأمر الرسول بحماية الأطفال من الخروج ليلا إلى الطرقات حيث تسبح الحشرات المؤذية، كما أمر عند خوض المعركة استعمال الأدوات الواقية، كالدرع والخوذة، ومن ذلك توفير الأمن من للحريق فى المصانع وغيرها بإعداد أدوات الإطفاء. هذه بعض الصور التى جاء بها الدين من أجل الوقاية من الأخطار التى يتسبب فيها الإنسان. الإجراء العلاجى: وإذا نشبت الحرب أو شب الحريق أو حدث التلوث، كان العلاج فى مجالين أو فى حالتين، الأولى حالة وقوع الخطر، والثانية بعد وقوعه وانتهائه. إن الحالة الثانية هى نتائج وآثار، وعلاجها يكون على النحو الذى تعالج به الكوارث الطبيعية، وقد تقدم ذلك. أما فى الحالة الأولى فيعالج الخطر بالتدخل السريع لإيقاف الحرب وإخماد النار ومنع التلوث، فالسكوت رضا، والرضا بالخطر مشاركة فيه وفى تبعاته، وقد مر حديث "من لم يهتم بأمر المسلمينِ فليس منهم "، كما أن السكوت معاونة على تمادى الضرر ومدرجة إلى أن يصاب بها غير من باشرها، ومنهم الساكت السلبى الذى لا يبالى، والله يقول: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: 25. والحديث يشرح خطر السكوت على المنكر بوجه عام فيقول: "مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا-نستقى منه - ولم نؤذ من فوقنا.. فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا " رواه البخارى. ومعنى " القائم فى حدود الله " المنكر لها القائم فى إزالتها ودفعها، والمراد بالحدود ما نهى الله عنه. ومعنى " استهموا " اقترعوا. ويتأكد التدخل إذا طلبت النجدة، فمن حق المسلم على المسلم كما جاء فى الحديث " وإن استعان بك أعنته " أو " وإذا استنصرك فانصره " وفى الحديث " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " قالوا: يا رسول الله ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: " ترده عن ظلمه فذلك نصر له " رواه البخارى، وفى التحذير من التقصير جاء قول النبى صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يخذل امرأ مسلما فى موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله فى موطن يحب فيه نصرته " رواه أبو داود. وفى الحرب بالذات أمر الإسلام بالصلح بين المتخاصمين: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} الحجرات: 10. ومن قبلها جاء قول الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} الحجرات: 9. والتدخل لمواجهة أمثال هذه الكوارث واجب على كل فرد وجماعة ودولة، ومن الخطأ كل الخطأ أن يتملص أحد من المسئولية ويلقيها على غيره، ويتأكد التدخل السريع فى هذه الحالات، كما تتأكد التضحية والإيثار، مع الإخلاص فى هذا التدخل والشعور بأنه يقدم خدمة لنفسه كما يؤديها لغيره، فالنتيجة الضارة يعانى منها الجميع بطريق مباشر أو غير مباشر. وبعد: فهذه بعض التصورات للخطة الدينية لمواجهة الكوارث، بينا فيها موقف الدين منها بقدر يسمح ببيان أهمية الروح الدينية فى معالجة الأحداث فى كل القطاعات، مؤكدين على وجوب الاعتماد على الروح الجماعية، التى يكون العمل على ضوئها مضاعف الأجر والثواب، وعلى الإيمان بأن قانون الأسبابب والمسببات لا بد أن يراعى فى كل الأنشطة وإن كان كل شىء يتم بقضاء الله وقدره " اعقلها وتوكل ". والواجب هو غرس هذه المعانى فى النفوس بكل الوسائل الممكنة للتعليم والتربية، التى لا تقتصر على جهة معينة، بل يشترك فيها كل من يملك أى قدر من القدرة على نشرها وعلى التمرين على تطبيقها، مع الأخذ فى الاعتبار أهمية البيت فى هذا المجال، ففيه تغرس القيم وتطبق بشكل أقوى إن كان المشرفون عليه على مستوى من التعليم والتدين يتناسب مع خطورة تنشئة الأجيال وإعدادها للمستقل، كما لا يخفى دور المدرسة ومؤسسات التوجيه وبيوت العبادة فى هذا الواجب، والمهم أن تكون كلها متعاونة تسير فى خط واحد، لا يتخلف أحدها ولا يسير فى اتجاه مضاد، وإذا صدقت النية وخلص العمل هان الأمر وتحقق الغرض (10/385) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:20 am | |
| خواص العدد (7)
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نظرت فى القرآن والحديث فوجدت اهتماما بذكر العدد سبعة ومضاعفاته فهل هناك سر فى الاهتمام بهذا العدد؟
الجواب تعرض ابن القيم فى كتابه "زاد المعاد فى هدى خير العباد" للعدد سبعة عند كلامه على حديث الصحيحين "من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر " فقال: وأما خاصية السبع فإنها وقعت قدرا وشرطا، فخلق الله عز وجل السموات سبعا، والأرضين سبعا، والأيام سبعا، والإنسان كمل خلقه فى سبعة أطوار، وشرع الله لعباده الطواف سبعا، والسعى بين الصفا والمروة سبعا، ورمى الجمار سبعا سبعا، وتكبيرات العيدين سبعا فى الأولى، وقال صلى الله عليه وسلم "مروه بالصلاة لسبع " وإذا صار للغلام سبعُ سنين خير بين أبويه فى رواية، وفى رواية أخرى "أبوه أحق به من أمه " وفى ثالثة "أمه أحق به " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فى مرضه أن يصب عليه من سبع قرب، وسخَّر الله الريح على قوم عاد سبع ليال، ودعا النبى صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع يوسف، -أى سبع سنوات من الجدب -ومثل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة، والسنابل التى راَها صاحب يوسف سبعا، والسنين التى زرعوها سبعا وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفا، ثم علَّق ابن القيم على ذلك بكلام يحتاج إلى نظر فقال: فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره، والسبعة جمعت معانى العدد كله وخواصه، فإن العدد شفع ووتر، والشفع أول وثان، والوتر كذلك، فهذه أربعة مراتب، شفع أول وثان، ووتر أول وثان، ولا تجتمع هذه المراتب فى أقل من سبعة، وهى عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة. . . إلى آخر ما قال: منوها بأن الأطباء من قدم اعتنوا بهذا العدد ثم انتهى إلى قوله: والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقدره فى تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره. وبعد، فإنه لا يعلم أحد بالضبط الاعتناء بهذا العدد، ولعل الأيام تكشف سره، مع التحذير بألا تنتهز الفرصة للوصول إلى شىء يتنافى مع حقائق الدين، كما استغل عدد "19 " استغلالا سيئا لترويج أباطيل قال بها بعض المارقين عن الدين (10/386) ________________________________________ السلام عند القدوم وعند الانصراف
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجب على من قام من مجلس أن يلقى السلام على الجالسين، وإذا غلب على ظنه أنه لن يرد عليه السلام احد هل يجوز له ألا يلقيه؟
الجواب جاء فى كتاب الأذكار للنووى: إذا كان جالسا مع قوم ثم قام ليفارقهم فالسنة أن يسلم عليهم، ففى سنن أبى داود والترمذى وغيرهما بالأسانيد الجيدة عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله @ "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة" قال الترمذى: حديث حسن. يقول النووى تعليقا على هذا الحديث ما مؤداه: ظاهر الحديث أنه يجب على الجماعة رد السلام على هذا الذى سلم عليهم وفارقهم، وقد قال الإمامان القاضى حسين وصاحبه ابو سعيد المتولى: إنه يستحب ولا يجب، لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف، وهذا كلامهما، وقد أنكر الإمام أبو بكر الشاشى الأخير من أصحابنا - أى الشافعية - وقال هذا فاسد، لأن السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند الجلوس وفيه هذا الحديث وهذا الذى قاله الشاشى هو الصواب. وفى الكتاب نفسه بعد هذا الفصل مباشرة قال النووى: إذا مر على واحد أو أكثر وغلب على ظنه أنه إذا سلم لا يرد عليه إما لتكبر الممرور عليه وإما لإهمال المار، وإما لغير ذلك فينبغى أن يسلم ولا يتركه لهذا الظن، فإن السلام مأمور به، والذى أمر به المار أن يسلم ولم يؤمر بأن يحصل الرد، مع أن الممرور عليه قد يخطئ الظن فيه ويرد. ثم يقول النووى: وأما قول من لا تحقيق عنده: إن سلام المار سبب لحصول الإثم فى حق المرور عليه فهو جهالة ظاهرة وغباوة بينة، فإن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخيالات، ولو نظرنا إلى هذا الخيال الفاسد لتركنا إنكار المنكر على من فعله جاهلا كونه منكرا وغلب على ظننا أنه لا ينزجر بقولنا، فإن إنكارنا عليه وتعريفنا له قبحه يكون سببا لإثمة كذا إذا لم يقلع عنه، ولا شك فى أننا لا نترك الإنكار بمثل هذا. ثم يقول النووى: ويستحب لمن سلم على إنسان وأسمعه سلامه وتوجه عليه الرد بشروطه فلم يرد أن يحلله من ذلك فيقول أبرأته من حقى فى رد السلام، أو جعلته فى حل منه، ونحو ذلك ويلفظ بهذا، فانه يسقط به حق هذا الآدمى. ثم يروى حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم "من أجاب السلام فهو له، ومن لم يجب فليس منا" ويستحب لمن سلَّم على إنسان فلم يرد عليه أن يقول له بعبارة لطيفة: رد السلام واجب، فينبغى لك أن ترد علىَّ ليسقط عنك الفرض (10/387) ________________________________________ الاستعانة بغير المسلمين فى الحرب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز لإنسان مسلم ودولة مسلمة أن تستعين بجيش غير مسلم لدفع غارات العدو؟
الجواب دلت حوادث كثيرة على أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه استعانوا بغير المسلمين للدفاع عن النفس أو لتحقيق مصلحة مشروعة. ومن ذلك: 1 -إذن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين فى مكة أن يهاجروا إلى الحبشة ليأمنوا على أنفسهم وعلى دينهم، وقال: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد.. . وهى أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه " كما ذكره ابن إسحاق "الزرقانى على المواهب ج 1 ص 275) فهاجروا مرتين، وكانت الأولى فى رجب سنة خمس من النبوة. وروى البخارى وغيره تفاصيل الهجرة الثانية (المرجع السابق ص 287 وما بعدها) . 2 -عندما عزم أبو بكر رضى الله عنه على الهجرة من مكة إلى الحبشة ووصل إلى مكان يسمى برك الغماد-بفتح الباء وكسرها مع سكون الراء، وبضم الغين وكسرها وفتحها-لقيه أحد مشركى مكة واسمه ابن الدغنة - بفتح الدال وكسر الغين وتخفيف النون وبضم الدال والغين وتشديد النون - وقال له: مثلك يا أبا بكر لا يخرج، وعاد إلى مكة فى جواره بعد أن أعلن ذلك فى قريش وأخذ أبو بكر يعبد ربه فى مسجد فناء داره، يصلى ويقرأ القراَن، حتى أرغم الكفار ابن الدغنة على منع أبى بكر من قراءة القراَن حتى لا يفتن به الناس، فرد أبو بكر عليه جواره ورضى بجوار الله، كل ذلك والرسول يعلم وأقره عليه. وأخرجه البخارى (المرجع السابق ص 288) . 3- لما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف وأراد دخول مكة قال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وهم قد أخرجوك؟ فطلب الجوار من الأخنس بن شريق، ومن سهيل بن عمرو فامتنعا ورضى المطعم بن عدى أن يجيره، وحفظ الرسول له هذا الجميل؟ على الرغم من أنه مشرك وذكر ابن الجوزى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول للمشركين "من يؤوينى حتى أبلِّغ رسالة ربى"؟ (المرجع السابق ص 306) . 4 - استأجر الرسول فى الهجرة دليلا مشركا هو عبد الله بن أريقط ولم يعرف له إسلام حتى مات (المرجع السابق ص 239) . ولم ينقل أن النبى صلى الله عليه وسلم أنكر على " أم سلمة" هجرتها وحدها من مكة إلى المدينة فى حماية عثمان بن طلحة وكان مشركا، وقد أثنت أم سلمة على أمانته وحسن صحبته. 5 -لما قدم الرسول المدينة كتب مع اليهود كتابا تحالفا فيه على حماية المدينة من العدو، وعلى التعاون على المصلحة العامة، وظل محترما هذا التحالف حتى نقضوه هم، على ما هو مذكور فى كتب السيرة. 6 -وافق الرسول على دخول "خزاعة" معه فى الحلف الذى أبرمه مع قريش عام الحديبية، وكانت خزاعة على شركها، ولما شكت إليه نقض "بكر " العهد وهى حليفة قريش، صمم على نصرة خزاعة وكان فتح مكة نتيجة لذلك سنة ثمان من الهجرة. 7 -خرج "قزمان " مع الصحابة يوم غزوة أُحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بنى عبد الدار حملة لواء المشركين، حتى قال الرسول "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر (نيل الأوطار ج 7 ص 237) وقيل إن قزمان كان من خيبر، وقيل غير ذلك. 8-استعان الرسول بيهود بنى قينقاع، ورضخ لهم من الغنيمة- والرضخ جزء من الغنيمة لا يساوى السهم المقرر للمجاهدين (نيل الأوطار ج 7 ص 236) قال النووى فى شرح صحيح مسلم (ج 12 ص 198) : أخذ طائفة من العلماء بحديث عدم الاستعانة على إطلاقه، وأخذ الشافعى وآخرون بحديث صفوان، أى جواز الاستعانة به - المشرك - إن كان حسن الرأى مع الحاجة إليه، وإلا فيكره، وإن أذن له وحضر يأخذ من الغنيمة بالإسهام عند الجمهور، وبالرضخ عند مالك. 9 - استعان الرسول بأسلحة صفوان بن أمية-وكان مشركا -حين خرج من مكة لغزو هوازن فى حُنين سنة ثمان من الهجرة كما ذكره العينى فى شرح البخارى (الزرقانى على المواهب ج 3 ص 6) وجاء فيه أنه خرج مع الرسول ثمانون من مشركى مكة بل أكثر من ذلك يطمعون فى الغنائم. 10 - وإلى جانب ما كان فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم استعان الخلفاء الراشدون ومن بعدهم بغير المسلمين فيما يحتاجون إليه، وبخاصة فى التنظيمات الجديدة مثل الدواوين والإدارات. وإذا كان هناك نهى عن موالاة غير المسلمين وعن اتخاذ بطانة منهم، فذلك فيما يضر المسلمين، مع اتخاذ الحيطة والحذر، ومع جعل القيادة والرئاسة فى يد المسلمين، فذلك هو الوضع الطبيعى بين المستعين والمستعان به، وإلا كان الاستسلام الذى يتنافى مع قول الله تعالى: {ولن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا} النساء: 141، على ما قاله بعض المفسرين. لكن يعكر على جواز الاستعانة بغير المسلمين فى الحرب وغيرها ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذى تبعه عند خروجه من المدينة نحو بدر "ارجع فلن أستعين بمشرك " ثم تبعه فقال له "أتؤمن بالله ورسوله "؟ قال، نعم فقال له: "انطلق " يعنى تعال معنا (صحيح مسلم بشرح النووى ب 12ص 198، وفى رواية لأحمد: (إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) . وأجاب العلماء بأن هذا الحديث منسوخ بالحوادث التى جاءت بعد ذلك فى الاستعانة بهم، وهو الراجح، ورأى جماعة عدم النسخ وقالوا: محل جواز الاستعانة هو عند الحاجة أو الضرورة ولا تجوز فى غير ذلك. والرسول ما كان فى بدر محتاجا إلى من يساعده. لأن خروجه لم يكن للحرب، بل لاعتراض قافلة قريش، ولذلك أخذ معه نحو ثلثمائة صحابى أو يزيدون قليلا، ولو كان يريد الحرب لأخذ كثيرا من آلاف المسلمين الذين تركهم فى المدينة. من هنا نعلم أن استعانة الفرد أو الجماعة بغير المسلم للدفاع عنه لا مانع منها. هذا، والخلاف فى الاستعانة فى الحرب بالمشركين إنما هو فى الاستعانة بهم على المشركين أما على المسلمين كالبغاة فلا يستعان بغير المسلم كما ذكره الماوردى فى "الأحكام السلطانية ص 60 " وابن قدامة فى المغنى "ج10 ص 456 " لكن لو قضت الضرورة التى لا يوجد فيها من يعين من المسلمين فلا مانع، لأن الضرورات تبيح المحظورات (10/388) ________________________________________ عين الحسود
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف يكون الحسد بالعين، وما هو جزاء الشخص الحسود؟
الجواب الحسد بالعين حقيقة أقر بها المنصفون من العلماء، وجاء فيها حديث مسلم " العين حق ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين ". وحسد الإنسان غيره حرام لأنه ضرر، والإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار كما نص عليه الحديث وجاء فى رواية لمالك أن عامر بن ربيعة لما حسد سهل بن حنيف على جمال جسمه وكان يغتسل فأصابه اصطراب ولما عرف الرسول ذلك قال: "علام يقتل أحدكم أخاه ألا برَّكت "؟ أى دعوت له بالبركة. فمن عرف بحسده وجب عليه العمل للتخلص منه عن طريق الإيمان بالله وجب الخير للناس والرضا بما قسم الله له، وأجاز بعض العلماء فيمن لا يستطيع التخلص من الحسد أن يحبس حتى يمنع شره عن الناس. "راجع ص 71 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى" (10/389) ________________________________________ الحق والوعد فى فلسطين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل لليهود حق تاريخى فى أرض فلسطين، وما حقيقة الوعد الإلهى الموجود حاليا فى التوراة بتحديد أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات، وهل يعتبر الاحتلال اليهودى لأرضى فلسطين من علامات الساعة؟
الجواب من بلاد (أور) على مصب نهر الفرات وفى غضون القرن العشرين قبل الميلاد خرجت قبيلة سامية صغيرة من سلالة إبراهيم عليه السلام متجهة نحو الغرب تلتمس مراعى جديدة عبروا لها نهر الأردن فسموا بالعبرانيين وهم الذين نسميهم الآن اليهود، وأخذت تهيم على وجهها فى كل فج وانتهى بها المطاف إلى مصر وعاشت فى حماها أكثر من خمسة قرون، فلما اجتاح الهكسوس مصر استسلم لهم اليهود فتركوهم ينعمون بحياتهم، ولما طرد الهكسوس سيم اليهود ألوان العذاب على يد الفراعنة حتى أنقذهم الله على يد موسى، وعبر بهم البحر إلى التيه الذى استمروا فيه أربعين سنة ثم نزلوا فلسطين، ومعناها "أرض بلستو " وهى قبيلة صغيرة من أهل كريت استقرت على الشاطئ وكان يسكنها إذا ذاك جنس سامى هم الكنعانيون وأنشأوا مدنا منها (أورشليم) أى مدينة السلام ثم تقلبت الأحداث ببنى إسرائيل وكانت لهم أحداث مع الدول المجاورة. والتاريخ يحكى-كما قص القرآن فى أوائل سورة الإسراء - أن الله أرسل عليهم حاكم بابل (بختنصَّر) فأذاقهم العذاب وأسر كثيرا منه، ثم عادوا بعد ذلك إلى بلادهم، ثم سلط الله عليهم ولاة الرومان فطردوهم وفر جماعة منهم إلى جزيرة العرب وهم الذين ناوءوا دعوة الإسلام ثم طهرت الجزيرة منهم وشردوا فى أكثر من مكان، وطردوا أكثر من مرة فى البلاد التى ينزلونها وذلك مسطر فى كتب التاريخ. ولئن أقام بعضهم فى فلسطين مدة من الزمان فلن يمكن الله لهم منها ما داموا مفسدين، لأنه القائل: {وإن عدتم عدنا} . وكلما زاد إفسادهم وظهر للعالم شرهم سيتخلون عنهم، وسيسلط الله عليهم من يطردهم مرة أخرى، ونرجو أن يكون ذلك على يد المسلمين إذا ما رجعوا إلى ربهم وشكروا نعمته واستغلوا خيراتهم لمصلحة الدين والوطن الإسلامى، فى وحدة جامعة ومحبة صادقة، وبخاصة بعد أن عرفوا نتيجة عدم المبالاة بالغير ونتيجة التفرق والتمزق. لكن متى يكون ذلك؟ نرجو أن يكون قريبا إن شاء الله. قال تعالى: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} الأعراف: 167. وقوله تعالى: {ادخلوا الأرض المقدَّسة التى كتب الله لكم} المائدة: 21. معنى الكتاب الفرض والالتزام، وذلك لتطهيرها من المفسدين وذلك لا يلزم منه أن تكون حقا لهم مكتسبا أبدا الآبدين،، وقيل معنى "كتب الله لكم " وعدكم إياها، والوعد لا يلزم منه أن يكون مؤبدا، وقيل إن وعد الله إياهم بها مرتبط بطاعتهم وتنفيذ أمر الله لهم بجهاد من فيها، وما داموا لم يطيعوا فلا حق لهم فى الوعد، وقيل غير ذلك. والأرض المقدسة مختلف فى تحديدها فقيل: دمشق وفلسطين وأريحا وإيليا والأردن وغيرها. وليس هناك نص قاطع يدل على أن احتلال اليهود لفلسطين من علامات الساعة وإن كان هناك حديث يدل على أن الساعة لا تقوم حتى يقاتل المسلمون اليهود فيختبئ اليهودى وراء الحجر والشجر فينادى: يا عبد الله أو يا مسلم هذا يهودى ورائى فاقتله رواه مسلم (شرح النووى ج 18 ص 45) . " انظر مجلة منبر الإسلام عدد صفر 1418 " (10/390) ________________________________________ حد الحرابة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو حد الحرابة وكيف ومتى يطبق؟
الجواب حد الحرابة جاء فى قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتَّلوا أو يصلبوا أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} المائدة: 33. والحرابة بمعنى قطع الطريق تحصل بخروج جماعة مسلحة لإحداث الفوضى وسفك الدماء وسلب الأموال وهتك الأعراض وإهلاك الحرث والنسل، وكما تتحقق بخروج جماعة تتحقق بخروج فرد واحد له جبروته. واشترط الفقهاء لعقوبة الحرابة أن يكون الشخص مكلفا يحمل سلاحا وفى مكان بعيد عن العمران وأن يجاهر بذلك، ويمكن أن يكون السلاح عصا أو حجرا وإذا كان الإرهاب داخل العمران مع إمكان الاستغاثة لم تكن حرابة عند بعض الفقهاء وألحقها بعضهم بالحرابة لعموم الآية ولأن الترويع موجود فى أى مكان ولو أخذ المال سرًّا كان سرقة، فالحرابة تقوم على المجاهرة وعدم الخوف. ولو لم تتحقق هذه الشروط فى حد الحرابة أمكن للقاضى أن يحكم بالتعزير والتعزير عند أبى حنيفة قد يصل إلى القتل. والعقوبات الموجودة فى الآية مرتبة، كل عقبة على قدر الجريمة فإن كان قتل مع أخذ مال فالعقوبة قتل وصلب وإن كان قتل بدون أخذ مال فالعقوبة القتل فقط، وإن كان أخذ مال دون قتل فالعقوبة تقطيع الأيدى والأرجل، وإذا كان إرهاب دون قتل ولا أخذ مال فالعقوبة النفى وقال مالك: العقوبة مخيرة وللقاضى أن يحكم بما يشاء فيها (10/391) ________________________________________ الأخذ بالثأر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال انتشرت عادة الأخذ بالثار فى كثير من البلاد، وتوارثتها الأجيال وانفردت بها بعيدا عن أعين المسئولين، فما حكم الدين فى ذلك؟
الجواب حق الحياة من أقدس الحقوق إن لم يكن أقدسها، والاعتداء عليه بالقتل جريمة من أشد الجرائم نكرا، وأكبرها خطرا، فهو يؤدى إلى يتيتم الأطفال وترمل النساء وإشاعة الفوضى والاضطراب، وهو فى حقيقته تحدٍّ لشعور الجماعة وخروج على آداب الاجتماع، والحياة بدون احترام لحقوق المجتمع أشبه بحياة الحيوانات التى تسيرها غرائزها وتتصرف كيف يشاء هواها. وقد أجمعت العقول السليمة واتفقت الأديان كلها على استنكار الاعتداء على حياة الغير بدون حق، قال تعالى عقب قصة اعتداء ولد آدم قابيل على أخيه هابيل {من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} المائدة: 32. وفرضت عقوبة صارمة للمعتدين، وهى القصاص من القاتل جزاء وفاقا بما فعل، أو عوض يرضى به أهل القتيل. والقصاص شريعة سماوية نزلت بها الكتب الأولى، قال تعالى فى شأن التوراة التى نزلت على موسى عليه السلام وكانت شريعة اليهود {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص.. .} المائدة: 45. والعرب قبل الإسلام كانوا يتمسكون بمبدأ القصاص من القاتل، مبررين ذلك بقولهم: القتل أنفى للقتل، وقد حملهم على هذا الموقف ما طبعوا عليه من إباء الضيم وعدم الرضا بالهون، فكانوا يرون الاعتداء على الحيلة من أشد ما يجرح فيهم هذا الشعور، كما أنهم كانوا يباهون بعدد القبيلة، يفاخرون بالأولاد ويتكاثرون بالرجال ويرون الاعتداء على واحد منهم اعتداء على القبيلة كلها، يوهن قوتها ويضعف هيبتها بين القبائل الأخرى، فيهبون جميعا للأخذ بثأره، لا يكاد يتخلى عن ذلك إنسان حتى لا يوصم بالجبن الذى يرونه عارا ما بعده عار، ومن قولهم فى ذلك: لا يسألون أخاهم حين يندبهم * فى النائبات على ما قال برهانا واشتط العرب فتمسكوا بمبدأ الأخذ بالثأر، ولم يرض أكثرهم به بديلا من مال وغيره حتى خيلت لهم أوهامهم أن القتيل إذا لم يؤخذ بثأره وقف طائر على قبره يسمونه "الهامة" يظل يصيح بقوله: اسقونى اسقونى، ولا يسكت حتى يقتل القاتل، يشير إلى ذلك قول الزبرقان بن بدر: يا عمرو إلا تدع شتمى ومنقصتى * أضربك حتى تقول الهامة اسقونى (أدب الدنيا والدين ص 317) وكان من مظاهر شططهم فى ذلك القصاص من غير القاتل ما دامت تربطه به قرابة أو صلة معروفة، فالجريمة عندهم تتضامن فيها القبيلة كلها، وقد يزيدون فى شططهم فلا يرضون إلا بالقصاص بأكثر من القاتل، إظهارا لقوتهم وإرهابا لغيرهم، أو شدة تأثر بالفراغ الذى تركه ذو مكانة فيهم، يقول فى ذلك قائلهم: ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا وقد روى أن واحدا قتل آخر من الأشراف، فاجتمع أقارب القاتل عند والد المقتول وقالوا له: ماذا تريد؟ قال: أريد إحدى ثلاث، قالوا: وما هى؟ قال: إما أن تحيوا ولدى، وإما أن تملؤا دارى من نجوم السماء وإما تدفعوا لى جلة قومكم -أى عظماءهم -حتى أقتلهم، ثم لا أرى أخذت عوضا. وكان من أثر هذا الشطط اضطراب الأمن وانحلال الروابط وتفكك العُرا، وإشاعة الفوضى وجموح التعصب، والاستعداد الدائم للحرب والتمرن على فنون القتال، والتكاثر باقتناء الخيل الجياد والسيوف البواتر والتغنى فى الأشعار بما يملكون من قوة وما يتصفون به من شجاعة وبأس وعزة، منصرفين بذلك عن الأخذ بأسباب الاستقرار والرخاء والتقدم، فلم يكن لهم شأن يذكر عند الأمم الأخرى قبل مجئ الإسلام. جاء الإسلام فوضع العلاج الحاسم لهذا الداء الخطير، حيث حرم القتل بدون سبب مشروع كما حرمته الأديان الأخرى فقال سبحانه {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} النساء: 93، ووضع عقوبة للقتل حتى لو كان خطأ-مع أن الخطأ مبرر لرفع المساءلة-وجاء ذلك فى آية بدأها بعبارة توحى بأنه لا يتصور أن المؤمن يقتل أحدا، فقال {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلَّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} النساء: 92. وأقر مبدأ القصاص من القاتل عند تعمد القتل الذى يدل على الاستهانة بالقيم وعدم احترام حقوق الجماعة قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} البقرة: 178، وبيَّن حكمة ذلك بقوله {ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون} البقرة: 179. غير أن الإسلام وهو الدين الوسط جمع إلى مبدأ العدل مبدأ الرحمة فجعل بديلا للقصاص وهو الدية كما قال تعالى بعد قوله {والأنثى بالأنثى} فى الآية السابقة {فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} البقرة: 178، ورغَّب فى العفو عنه فى آيات كثيرة ووعد العافين أجرا عظيما قال تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله} الشورى: 40. وهو حين يقرر مبدأ القصاص من القاتل وضع ضمانات تحول دون استفحال خطره وانتشار ضرره، فنهى عن الإسراف فيه بقوله {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا} الإسراء: 33، ومن مظاهر هذا الإسراف قتل غير القاتل الذى ثبت إدانته، فحرم أن يؤخذ غيره بجريرته تطبيقا للمبدأ العام الذى جاء فى قوله تعالى {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولاتزر وازرة وزر أخرى} الأنعام: 164 كما حرم أن يقتل أكثر من القاتل، فذلك يؤدى إلى استمرار العداء وتجدد الحروب وتفاقم الضرر. روى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما رأى عمه حمزة مقتولا ممثلا به فى غزوة أُحد حلف ليمثلن بسبعين من الكفار لشدة وقع الألم على نفسه، فنزل قوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} النحل: 126، فاختار الصبر وكفَّر عن يمينه. ومن الإسراف فى القصاص - كما يراه كثير من أئمة الفقه - استيفاء ولى الدم حقه من القاتل دون الرجوع إلى أولى الأمر- السلطة الحاكمة - فلا يجوز أن يقوم به ولى القتيل ابتداء، بل لابد من تدخل السلطة، ذلك أن للجماعة حقا فى هذه الجريمة، والحاكم هو ممثل الجماعة الذى يستوفى لها حقها، وتقدير الجناية وتحقيق أركانها أمر يحتاج إلى دقة وضبط وفحص وتثبت لا يستطيع أن يقوم به ولى الدم وحده يقول القرطبى فى تفسيره "ج 2 ص 245" لا خلاف فى أن القصاص فى القتل لا يقومه إلا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك، لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم فى إقامة القصاص وغيره من الحدود انتهى. وقد سبق توضيح ذلك فى بعض الإجابات. هذا هو موقف الإسلام من القصاص من القاتل، أو الأخذ بالثأر وهو لا يرضى أن يترك الناس تعاليمه ويعودوا إلى جاهليتهم الأولى. الإسلام لا يرضى أن يخفى أولياء الدم أمر الجريمة عن المسئولين ليقتصوا بأنفسهم كما يشاءون، الإسلام لا يرضى أن يؤخذ البرى بذنب المسئ وأن تسيل الدماء بغير حق، الإسلام لا يرضى أن تعيش الأسر على أعصابها وتتعطل مصالحها وتكثر الفتن بينها، الإسلام لا يرضى ألا يتقبل العزاء فى القتيل حتى يثأر له، ولا أن تكون غاية المتعلم أن يتقن حمل السلاح ليثأر لشرف الأسرة، والإسلام لا يرضى عن هذا التقليد الجاهلى الممقوت الذى يعطِّل القوى ويصرف عن العمل الجاد، ويؤدى إلى الفساد والإفساد. إن السب فى ذلك هو الجهل الذى لا يمحوه إلا العلم، والتعطل الذى لا يقضى عليه إلا العمل، والاستهانة بالقيم والقوانين التى لا يصلحها إلا التأديب الرادع، والتستر على المجرمين الذى لا يمنعه إلا إحكام الرقابة وتعاون الجهود. فلنقف عند حدود الله حقنا للدماء وتمكينا للأمن، الذى هو من أكبر نعم الله على عباده، ففى ظله يحس الإنسان طعم الحياة، وينصرف إلى تكميل نفسه وتقوية مجتمعه، ويترك وراءه جيلا طيبا يتحمل الأمانة بصدق، ويكون ذكرى طيبة لا تنسى على مر العصور، قال تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} المائدة: 2، وقال {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال:25 (10/392) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:22 am | |
| التيامن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو السر فى أن السنة الشريفة تدعو إلا استعمال اليد اليمنى؟
الجواب إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن فى كل شىء وأمر به المسلمين وحرص على تنفيذه، روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن فى تنعله وترجُّله وطهوره وفى شأنه كله. وروى مسلم حديث "إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله "قال الإمام النووى: وقاعدة التشريع المستمرة استحباب البداءة باليمين فى كل ما كان من باب التكريم والتزين، وما كان من ضدها استحب فيه التياسر وأوجب الشيعة التيامن فى الوضوء. وقد عرفت من الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن استعمال الشمال فى الأكل والشرب، لأن ذلك من عادة الشيطان، ويكره للإنسان أن يتشبه به، هذا وجه من وجوه حكمة المشروعية فى التيامن، نص عليها الحديث الشريف فيجب قبول هذه الحكمة، ويسن الأخذ بهذا التشريع، ولا يجوز الطعن فيه أو الاستنكاف منه، حتى لا يلحق الطاعن ما لحق الرجل الذى ورد فيه حديث مسلم، فقد أكل رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له "كل بيمينك " قال لا استطيع، قال "لا استطعت ما منعه إلا الكبر" قال: فما رفعها إلى فيه، وقد عرفنا أن الرجل تكبر على توجيه الرسول ولم يكن به عذر يحول دون الامتثال، فدعا عليه الرسول عليه الصلاة والسلام (10/393) ________________________________________ السراويل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل لبس النبى صلى الله عليه وسلم السراويل؟
الجواب جاء فى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 5 ص 43" أن العلماء اختلفوا: هل لبس النبى صلى الله عليه وسلم السراويل أم لا؟ فجزم بعضهم بأنه لم يلبسها، مستأنسين بما جزم به النووى فى ترجمة عثمان ابن عفان من كتابه "تهذيب الأسماء واللغات " أنه لم يلبسها فى جاهلية ولا إسلام إلا يوم قتله، مخافة أن تظهر عورته، ثم ذكر القسطلانى حديثا بسند ضعيف جدا أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتراها من السوق، وأن أبا هريرة الذى كان يريد أن يحملها عنه قال أتلبس السراويل؟ فأجابه أنه يلبسها فى السفر والحضر وبالليل والنهار لأنه أمر بالستر ولم يجد أستر منها. ثم ذكر أنه اشتراها من السوق، بسند صحيح عن أحمد وأصحاب السنن وذلك قبل الهجرة، وإذا صح أنه اشتراها فهل كان ليلبسها هو أو ليلبسها غيره؟ ذكر ابن القيم فى زاد المعاد أن الظاهر من شرائه لها أنه كان ليلبسها، ووافقه بعض العلماء على رأيه وخطأه آخرون. وإذا كان البخارى قد ترجم فى كتاب اللباس من صحيحه باب السراويل، فقد ذكر سؤال رجل مُحْرِم للنبى صلى الله عليه وسلم عما يلبس عند الإحرام فنهاه عن القميص والسراويل والعمائم والبرانس والخفاف، وهو لا يدل على أن النبى كان يلبسه، بل إن بعض الصحابة كانوا يلبسونه ونهى عن لبسه فى الإحرام. ثم ذكر الزرقانى حديثا عن أبى هريرة مرفوعا رواه أبو نعيم أن إبراهيم الخليل أول من لبس السراويل. ولذا كان أول من يكسى يوم القيامة كما فى الصحيحين. هذا ما قيل فى موضوع السراويل إذ ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم اشتراها قبل الهجرة فإنه لم ينه عنها لأن البعض كان يلبسها فى المدينة؟ ومنع من لبسها فى الإحرام لكن لبسه لها لم يثبت بطريق صحيح، وإذا كان عثمان بن عفان أو غيره لم يلبسها فليس معنى ذلك أنه اقتدى فيها بالنبى صلى الله عليه وسلم فقد كان يلبسها قبل إسلامه، وما دام لم يرد فيها منع عن لبسها فلبسها جائز استصحابا للأصل فى حل ما لم يرد فى تحريمه نص، أما كون الرسول لبسها أو لم يلبسها فلم يثبت فى ذلك شىء. ولهذا لا يثار القول عن الاقتداء بالرسول فيه، والمسلمون يلبسونها من زمن طويل، ولم ينكر عليهم أحد ممن يعتد بإنكاره وأرى عدم الجدوى فى الكلام فى هذا الموضوع. جاء فى غذاء الألباب "ج 2 ص 201" روى الإمام أحمد بسند جيد عن أبى أمامة رضى الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار. .. وجاء فيه فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون فقال "تسرولوا وأتزروا وخالفوا أهل الكتاب " وهو حديث حسن. ولا عبرة بتضعيف ابن حزم وابن الجوزى له. فى الصحيحين عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات "من لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم " وبهذا استدل الإمام أحمد على أنها كانت معروفة عندهم. وذكر أن إبراهيم كان أول من لبس السراويل حين اشتكى إلى الله حياءه من رؤية الأرض لمذاكيره فهبط جبريل بخرقة من الجنة ففصلها جبريل سراويل وخاطتها سارة. ثم ذكر اختلاف العلماء هل لبسها النبى أو لا. فروى أنه لبسها كما لبسها إبراهيم وموسى، وروى عن غير واحد أنه أمر به. وذكر ابن الجوزى وأخرجه ابن حبان عن بريدة أن النجاشى كتب إلى الرسول، إنى قد زوجتك امرأة من قومك وهى على دينك أم حبيبة بنعت أبى سفان وأهديت لك هدية جامعة قميصا وسراويل وعطافا - طيلسان - وخفين ساذجين فتوضأ النبى ومسح عليهما. وأخرج ابن حبان عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدى برا من هجر إلى مكة فأتانا رسول الله فاشترى سراويل، وثم وازن يزن بالأجر، فقال "إذا وزنت فأرجح " وأخرجه أحمد أيضا من حديث مالك بن عميرة الأسدى.. . قال فى الفتح: وما كان ليشتريه عبثا وإن كان غالب لبسه الإزار، وأخرج أبو يعلى والطبرانى فى الأوسط من حديث أبى هريرة: دخلت يوما السوق مع رسول الله فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم. . . وفيه فقلت يا رسول الله وإنك لتلبس السراويل؟ فأجابه أنه يلبسها فى السفر والحضر وبالليل والنهار، لأنه أمر بالستر ولم يجد أستر منها. هذا، ولولا أن السؤال وُجِّه إلىَّ من بعض البلاد الإسلامية ما أطلت فى الإجابة عليه، ذلك أن الملابس تخضع لظروف كثيرة لا يمنع منها إلاَّ ما نُصَّ عليه فى المادة والشكل. ومشكلاتنا الضاغطة فى هذه الأيام أولى بالبحث فى إيجاد حَلٍّ لها حتى لا نتخلف عن الركب فى سيره الحثيث (10/394) ________________________________________ حديث: فى غربة الإسلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد توضيح معنى غربة الإسلام فى مبدأ الدعوة وعودته غرييا فى آخر الزمان؟
الجواب روى مسلم فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء " وفى رواية أخرى " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها" ومعنى يأرز ينضم ويجتمع، والمسجدان هما مسجد مكة، ومسجد المدينة، وفى جامع الترمذى فى الإيمان " إن الدين ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها، وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل. إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدى من سنتى" ومعنى ليعقلن يمتنعن كما تمتنع الأروية من روءس الجبال والأُروية-بضم الهمزة وسكون الراء وكسر الواو وتشديد الياء -هى الأنثى من الوعول. . . وهى خراف الجبال، وجمعها أراوى - على وزن أفاعيل - فإذا كثرت فهى الأروى - على وزن أفعل - على غير قياس كما ذكره الدميرى فى كتابه "حياه الحيوان الكبرى - أروية ". تخبر هذه الأحاديث عن غربة الإسلام فى أول تاريخه وآخره، وهو نهاية العالم، لأنه دين عام خالد يصلح لكل زمان ومكان. ولا ينسخه دين آخر إلى أن تقوم الساعة. " والغربة إما غربة فى الأشخاص وإما غربة فى المبادئ والمعنيان صحيحان، فقد بدأت الدعوة الإسلامية بمكة، وكان عدد المسلمين فيها قليلا وظل كذلك حوالى ثلاثة عشر عاما، وكان المسلمون بين مشركى مكة كالجالية الإسلامية فى دولة غير إسلامية، وبعد الهجرة بدأ عدد المسلمين يتكاثر وتتابع دخول الناس أفواجا فى الدين بعد فتح مكة، وما زال عددهم يزيد حتى تعدى اليوم ألف مليون من المسلمين لا تخلو منهم قارة من القارات أو دولة من الدول فى العالم كله. وفى آخر الزمان سيقل عددهم بسبب غزو الأفكار وكثرة الأراء والمذاهب المنحرفة وتحكم المادية فى النفوس وغلبة أهل البغى والفساد على البلاد الإسلامية.. . ومحاولة تقليل عددهم بالقتل أو التجويع أو بوسائل أخرى حتى يكون عددهم قليلا جدا بالنسبة إلى غيرهم من أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى وبسبب تراخى المسلمين عن التمسك بدينهم لعدم فهمهم له فهما صحيحا يسايرون به ركب التطور، ولعدم غيرتهم عليه والقناعة به أمام المغريات أو الضواغط المحيطة بهم. والغرباء فى أول الزمان وأخره لهم منزلة عالية عند الله لأنهم تمسكوا بدينهم ولم ينزلقوا كما انزلق غيرهم رغبا أو رهبا، وهو معنى "فطوبى للغرباء" أى العاقبة الطيبة لهم عند الله لأنهم فى شجاعتهم وقوتهم كالقابضين على الجمر، وفى إصلاحهم ما أفسده الناس من الدين أبطال مغاوير فى ميدان الجهاد، يعانون ويقاسون محتسبين أجرهم عند الله سبحانه. وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الغرباء فى آخر الزمان بقوله "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر الله ". هذا فى غربة الأشخاص، أما غربة المبادئ التى جاء بها الإسلام فواضحة، لأن أحمل مكة بالذات واجهوا الدعوة بعنف، لغرابة ما جاءت به فى عقيدة التوحيد والبعث بوجه خاص {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشىء عجاب} ص: 5، {إئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون} الواقعة: 47، وكذلك كانت سائر المبادئ الأخلاقية والتنظيمية التى شملت كل قطاعات النشاط البشرى، موضع دهشة لمن يسمع عنها. ثم موضع إعجاب وتقدير لمن تدبرها وآمن بها، لأنها حققت كرامة الإنسان وسعادته بما لم تحققه النظم والمبادئ الأخرى. ونظرا لكثرة الحملات المسعورة ضد الإسلام الذى أنشأ أمة توحِّد الله وتسبِّح بحمده فى رقعة واسعة من الأرض فإن المبادئ الأخرى التى تمس جانبا واحدا من جوانب السعادة. وهو الجانب المادى فى العاجل قد جذبت بعوامل الإغراء ووسائل الدعاية أنظار الكثيرين من الناس وصرفتهم عن الجانب الروحى من السعادة، وصارت الدعوة إلى القيم الدينية والروحية غريبة وسط الدعوات الأخرى كما كانت غريبة حين جاء بها الإسلام منذ عدة قرون. والجهاد فى هذه الظروف جهاد يعتمد إلى حد كبير على شرح المبادئ الإسلامية بأسلوب يناسب العصر، ونشرها بكل وسيلة ممكنة لغزو الأفكار المضادة فى عقر دارها. لا يكتفى فيه بالدفاع المتراخى الذى لا يصمد أمام الأسلحة المدمرة بحدَّيها المادى والأدبى. . . ومهما يكن من شىء فإن النصر سيكون للحق فى النهاية، لأن الله هو الحق، ولأن الإسلام دين الحق، والنصر إن لم يكن عاجلا فى الدنيا -كما ندعو إليه -فسيكون آجلا فى الآخرة كما نثق به، لأن ذلك مقتضى عدل الله سبحانه والإيمان بصدق وعده حيث، قال {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} الروم: 47، وقال {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز} الحج: 40، وقد تحقق النصر فى العصور الأولى لأن المسلمين نصروا دين الله بالتمسك به تمسكا صحيحا شاملا خالصا، وقرار الله باق وصادق إن حقق المسلمون اليوم نصر الدين تحقق نصر الله لهم {إن الله لا يخلف الميعاد} . إن العدو متربص يخشى عودة الإسلام مرة أخرى دولة قوية، فهو يحاربه فى كل مكان وبكل سلاح،فلنتسلح بكل سلاح تنفس عنه الابتكار والتطور، دون جمود على الأساليب القديمة التى كانت تناسب عصرها، فلكل مقام مقال، ولكل ميدان سلاح وذلك كله فى ظل الإيمان بالله القوى الذى لا يغلب {وما النصر إلا من عند الله} آَل عمران: 126، {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} البقرة: 249 (10/395) ________________________________________ التعصب الدينى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يتحدث بعض الناس عن التعصب الدينى، فما هو هذا التعصب، وهل من التعصب تمسك الإنسان بدينه وحفاظه عليه؟
الجواب إذا وجد بين الناس فرد أو جماعة أخذت نفسها بالتشدد فى تطبيق أحكام الإسلام فهى وما أخذت نفسها به فى سلوكها الخاص، ولكن نذكرهم بما فى الدين من سماحة ويسر، فقد صح فى الحديث الشريف "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا.. . " رواه البخارى، وفيه أيضا "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون " رواه مسلم. وسلوك هؤلاء - وإن كان شخصيًا- لا يخلو من تأثير على الغير الذى قد يعتقد أو يظن أن الإسلام هو بهذه الصورة التى عليها هؤلاء، فيرغب عنه وينصرف إلى غيره، أو يطبقه على مضض، لأن فيه ما لا طاقة له به من تكاليف. أما فرض هؤلاء المتشددين سلوكهم على غيرهم فإن الإسلام يأباه وينفر منه، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم نصح معاذا وزميله عند بعثهما إلى اليمن بقوله " يسِّرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا" رواه مسلم. وقال "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" رواه البخارى ومسلم، واشتد النبى على معاذ لما أطال الصلاة بالناس وشكوه إليه فقال له "أفتان أنت يا معاذ" رواه البخارى ومسلم. إن التعصب لرأى فى الدين ينشأ من سوء الفهم، فإن الفروع الفقهية التى هى مجال للتعصب فيها خلاف عند المجتهدين، أما الأصول فهى واضحة لا يكاد يجهلها أحد، والرأى الاجتهادى ليس تنزيلا من عند الله يلتزم، وليس هو صوابا دائما، بل هو عرضة للخطأ أو يحتمله وقد أثر عن الفقهاء الأولين قولهم: رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب. والسلف الصالح -على الرغم من اختلاف رأيهم فى بعض المسائل الفرعية - كانوا إخوة متحابين، يقتدى بعضهم ببعض فى الصلاة، ويتزاورون ويتعاونون فى الخير، والتعصب للرأى هو فى حقيقته اتباع للهوى، والله يقول {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله} الجاثية: 23، ويقول: {ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون} الروم: 31، 32. والتعصب إذا كان بمعنى تمسك الإنسان بدينه وحرص، على أداء واجبه دون تفريط فيه تحت التأثير بإغراء أو تهديد. فهو أمر محمود، وهو مِنْ أخذ الدين بالقوة الذى يشير إليه قوله تعالى {خذوا ما آتيتاكم بقوة} البقرة: 63. والحرص على أداء الواجب والتمسك بالدين لا يعنى كراهية المخالفين بصورة تؤدء، إلى النزاع والشقاق وإثارة الفتن. فالله يقول فى المخالفين للدين {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} التوبة: 7، ويقول: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} الممتحنة: 8، والنبى صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الأولى والآخرة " قالوا وكيف يا رسول الله؟ قال "الأنبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد فليس بيننا نبى " رواه مسلم. وفى نزاع بين مسلم ويهودى قال: "لا تفضلونى بين أنبياء الله " رواه مسلم، وفى الحديث الشريف "ليس منا من دعا إلى عصبية" رواه مسلم. ومن التعصب المحمود ما يكون ضد الأعداء المحاربين، وعليه يحمل قوله تعالى {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} آل عمران: 28، وقوله {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم. . .} الجاثية: 22، وقوله {لا تتخذوا عدوّى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} الممتحنة: 1. وأُحذِّر المتعصبين أن يخرج بهم تعصبهم إلى رمى غيرهم من المسلمين بالكفر جزافا، فإن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، كما ثبت فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم. والخلاصة أن التشدد فى تطبيق الدين لا يقره الإسلام، فالله يقول {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن: 16، ويقول {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة: 185، والتعصب للرأى وفرضه على الغير ممنوع. والتعصب للحق الذى لامراء فيه ممدوح، بشرط عدم الإضرار بالآخرين والمسئولون هم الذين يتولون إصلاح الخارجين على الحق. والتعصب للوطن ككل، والوقوف ضد المحاربين له واجب، والتعصب ضد الأنبياء ممنوع، وضد أتباعهم كذلك ممنوع ما داموا مسالمين (10/396) ________________________________________ التسمية عند الذبح
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يشترط عند الذبح أن نسمِّى الله أو نذكره، وما هو الحكم لو نسينا ذلك؟
الجواب قال الله تعالى {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} المائدة: 4. 2 -وقال {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف} الحج: 36. 3 - وقال {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} الأنعام: 121. 4 -وقال {قل لا أجد فيما أوحى إلىَّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} الأنعام: 145. 5 - وقال النبى صلى الله عليه وسلم " إذا أرسلت كلبك المُعلَّم وذكرت اسم الله تعالى فكل، وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل، فأنت إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك " رواه البخارى ومسلم. 6 -وسألت السيدة عائشة رضى الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن قوما يأتوننا بلحوم فلا ندرى أسموا أم لم يسموا، فقال "سموا أنتم وكلوا" رواه البخارى. فى الآية الأولى الأمر بذكر الله على الصيد، وفى الآية الثانية الأمر بذكر الله على البدن، وهى الهدى الذى يساق للذبح فى الحرم، وفى الآية الثالثة النهى عن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، لأنه فسق وفى الآية الرابعة حرمة أكل الفسق الذى أهل لغير الله به، وفى الحديث الأول النهى عن الأكل من الصيد الذى لم يسم عليه، وفى الحديث التالى تسمية من يأكل على ما لا يدرى هل سمَّى الذابح عليه أو لم يسم. إزاء هذه النصوص اختلف فقهاء المذاهب الأربعة فى حكم التسمية عند الذبح وعند الصيد. 1-فالحنفية قالوا إن التسمية واجبة ولو تركت عمدا لا تحل الذبيحة ولا الصيد، وإن تركت نسيانا حل الأكل منهما، واستدلوا بالآيتين الأولى والثانية الآمرتين بذكر اسم الله، وحملوا الأمر على الوجوب، بدليل النهى عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه فى الآية الثالثة، ويؤكد أن النهى للتحريم وصفه بأنه فسق فى الآية نفسها. وكذلك تحريم الفسق فى الآية الرابعة ووصفه بأنه ما ذكر اسم غير الله عليه، ومثل ذكر اسم غير الله عدم ذكر اسم الله فالمحرم ما لم يذكر اسم الله عليه أصلا، أو ذكر اسم غيره. وإنما تجاوزوا عن ترك التسمية نسيانا لأن الناسى للتسمية كالذاكر لها، مثل ذلك مثل نية الإمساك عن المفطرات فى الصيام. فلو تركها عمدا بطل صيامه، ولو تركها نسيانا لم يبطل، لكن يعترض على قولهم بحرمة الأكل مما لم يسم عليه بعدم تحريم النبى صلى الله عليه وسلم لذبائح الأعراب وأمر من يأكل بالتسمية فدل على أنها ليست شرطا فى الذبح، وردوا عليه بتعذر معرفة الذابح هل سمى أو لم يسم، ولعل سؤال السيدة عائشة عن ذلك يشعر بأن الأكل بدون تسمية الذابح حرام، ولو كان حلالا ما سألت النبى صلى الله عليه وسلم. ب -والشافعية قالوا: إن التسمية عند الذبح والصيد ليست واجبة ولكنها سُنة، لو تركت عمدًا أو سهوا حل الأكل، والواجب هو عدم ذكر اسم غير الله، واستدلوا بالآية الرابعة التى وصف فيها بالفسق بأنه ما لهل لغير الله به، أى ذكر عليه اسم غير الله، وكذلك بقوله تعالى فى سوره المائدة {ذلكم فسق} بعد ذكر المحرمات ومنها {وما أهل لغير الله به} لكن يعترض عليهم بأن الله وصف بالفسق ما لم يذكو اسم الله عليه فى الآية الثالثة، وأجابوا بأن ما لم يذكر اسم الله عليه صادق بعدم ذكر اسمه أصلا، وبذكر اسم غيره، فيحمل المعنى الذى جاء فى نص واحد-إلى المعنى الذى جاء فى نصين. واستدل الشافعية أيضا بقوله تعالى فى المحرمات المذكورة فى سورة المائدة:3 {وما أكل للسبع إلا ما ذكيتم} حيث علق حل الأكل على التذكية وهى الذبح ولم يشترط فيها التسمية، كما استدلوا بقوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} المائدة: 5، حيث لم يشترط للحل التسمية باسم الله. واستدلوا أيضا بحديث عائشة حيث لم يحكم النبى بحرمة اللحوم الواردة مع الناس لعدم ذكرهم اسم الله، وإنما ارشد من يأكل للتسمية، والأكل غير الذابح لا يقوم مقامه. ثم أجاب الشافعية على الأمر بالتسمية الواردة فى النصوص بأنه للندب لا للوجوب، فخلاصة مذهبهم أن التسمية سنة لو تركت عمدًا أو سهوًا لا يحرم الأكل من المذبوح أو المصيد، وإنما المحرم ما ذكر اسم غير الله عليه. ج -والمالكية عندهم قولان، أصحهما كمذهب الحنفية فى وجوب التسمية وعدم حل ما تركت التسمية عليه عمدا، وحل ما تركت التسمية عليه نسيانا، والقول الثانى كمذهب الشافعية فى أن ترك التسمية عمدا أو سهوا لا يحرم الذبيحة والمصيد. د-والحنابلة قالوا بوجوب التسمية كالحنفية، وعدم حل ما تركت التسمية عليه عمدا أو جهلا، أما إن تركت سهوا فيحل الأكل. وإليك بعض النصوص الفقهية فى الكتب الجامعة. جاء فى"المجموع " للنووى ج 8 ص 41 (فرع) فى مذاهب العلماء فى التسمية على ذبح الأضحية وغيرها من الذبائح، وعلى إرسال الكلب والسهم وغيرهما إلى للصيد. مذهبنا - أى الشافعية- أنه سنة فى جميع ذلك، فإن تركها سهوا أو عمدا حلت الذبيحة ولا إثم عليه. قال العبدرى: وروى هذا عن ابن عباس وأبى هريرة وعطاء. وقال أبو حنيفة: التسمية شرط مع الذكر دون النسيان، وهذا مذهب جماهير العلماء، وعن أصحاب مالك قولان، أصحهما كمذهب أبى حنيفة، والثانى كمذهبنا انتهى. ويعلم من هذا النقل أن الجمهور يقول بوجوب التسمية وتركها نسيانا لا يضر، ومذهب الشافعية أيسر، فإنهم لا يحرمون إلا ما ذكر عليه اسم غير الله. هذا، والكتابى - أى اليهودى والنصرانى - كالمسلم فى هذا الحكم، فلو ذكر اسما غير اسم الله حرمت ذبيحته لكن محله إذا تأسنا انه فعل ذلك، فإن لم نتأكد فلا حرمة فيما يذبحه. أما الكافر الذى يجحد وجود الله، والمشرك الذى يشرك معه غيره فذبيحتهما حرام، وقد يقال: إن الله حكم على النصارى - وهم أهل الكتاب -بأنهم كفار، كما قال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} المائدة: 72، وكما قال فى الآية التالية لها {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} والجواب أن الله استثناهم من الكفار فى حل ذبائحهم وحل الزواج من نسائهم. ولو قال النصرانى عند الذبح: باسم المسيح أو باسم الأب والابن والروح القدس، قال بعض العلماء: تحرم ذبيحته، وقال بعض آخر: تحل ذبيحته، لأن الله حين أحل طعام أهل الكتاب كان يعلم أنهم يقولون إنه المسيح ابن مريم وإنه ثالث ثلاثة، وقد يقولون ذلك عند الذبح، فهم مستثنون من الكفار والمشركين. قال بذلك عطاء والزهرى وربيعة والشعبى ومكحول وروى عن صحابيين هما أبو الدرداء وعبادة بن الصامت. هذا هو حكم الكتابى الذي يدين بدين سماوى نزل به كتاب، أما الكافر الذى لا يؤمن بدين، أو المشرك الذى يجعل مع الله إلها آخر فإن ذبيحته حرام كما تقدم. ومن هذا نعلم أن الذى يزور بلدًا غير إسلامى، أو يعيش فيه يجوز أن يأكل من اللحم الذى يقدم إليه إن كان هذا البلد يدين باليهودية أو النصرانية، ولا يجوز إن كان هذا البلد لا دينيًّا. ومنه يعلم أيضا حكم اللحوم المستوردة من هذه البلاد إن كانت مذبوحة أو معلَّبة فيكتفى بما يكتب على غلافها أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية، والغالب أنها لا تستورد إلا بمعرفة مختصين مسلمين، وأن المصدِّرين يحاولون أن يكون الذبح حلالاً ليضمنوا تسويق منتجاتهم فيكون الذبح لمن يرى المسلمون حل ذبحه. وإذا حدث غش فى الغلاف المكتوب وعلمنا حرم الأكل فإن لم نعلم فلا مانع من الأكل (راجع ص 268 من المجلد الأول من هذه الفتاوى) (10/397) ________________________________________ التكاليف الشرعية تنظيم للحرية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا لا يتركنا الله أحرارا نعيش فى الدنيا كما نشاء، دون أن يكلفنا بأمور تحد من حريتنا وتجعلنا لا نحس بلذة الحياة؟
الجواب ما دام صاحب هذا السؤال مؤمنا بالله، وليس من الكفار الذين لا يؤمنون بوجود إله ولا يدينون بدين، فإننا نقول له إضافة لما سبق فى صفحة 71 من المجلد السادس من هذه الفتاوى: إن الله سبحانه عندما خلق آدم أب البشر ليكون خليفة فى الأرض خلقه من الأرض نفسها لتسرى عليه طبيعتها وليتكيف معها. والأرض فيها متقابلات ومتناقضات، لما تحويه من عناصر مختلفة لكل منها خصائصها الذاتية التى قد تتغير عند اختلاط بعضها ببعض. بل قد يكون العنصر وحده فيه خير كبير، لكن مع اختلاطه بغيره قد يكون فيه شر مستطير. وآدم المخلوق من عناصر مختلفة، نفخ الله فيه من روحه وميزه بالعقل الذى يسيطر على شهواته وميوله، وأمده بالوحى ليشد أزر عقله الذى قد يضعف أمام طغيان الشهوات، وقبل أن يسلمه زمام الأرض التى يعيش فيها أجرى عليه تجربة-مع تجاوز فى هذا التعبير- ليؤكد للملائكة أنه هو المخلوق الذى يطيع ويعصى ويؤمن ويكفر، ويتفاعل مع الأرض بكل ما فيها من متقابلات، وليس كالملائكة المخلوقين من نور، كلهم خير وطاعة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فأسكنه هو وزوجته الجنة وأباح له التمتع بكل ما فيها من طيبات ما عدا شيئا واحدا هو شجرة معينة، فشاء الله بحكم طبيعة آدم أن يخالف أمر ربه، فأكل من الشجرة فظهرت صحة التجربة، وأهبطه الله إلى الأرض ليباشر مهمته التى خُلق من أجلها. ولم يتركه الله وحده فى هذا العالم الجديد المخالف للعالم الذى كان يعيش فيه من قبل، فأمده بالوحى ليهتدى به، وأكد له أنه سينجح فى مهمته إذا اتبع هو وذريته هذا الوحى، وبالعكس إذا أعرض عنه سيعانى فى حياته معاناة شديدة وسيحاسبه على كل ما قدم من عمل عند عودته مرة ثانية إليه سبحانه، إلى العالم الباقى الخالد، بعد هذا العالم المؤقت الذى عاش فيه قليلا، قال تعالى {قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا. ونحشره يوم القيامة أعمى} طه:123، 124، وقال {قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين. قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون} الأعراف: 24، 25. فالله سبحانه لم يترك لآدم الحرية ليفعل ما يشاء، بل قيَّدها ليميزه عن كل المخلوقات التى تتصرف تلقائيا بحكم تكوينها، وعن كل الحيوانات التى تشبه آدم فى كثير من خصائصها، وبيَّن له أن الذى يتبع هدى الله سيعيش سعيدا ويبعث سعيدا، وما دام هو مؤمنا بوجود الله وقدرته وفضله وبالمسئولية أمامه سيحاول أن يجاهد لينفذ أوامر الله. معتقدا أنها كلها لمصلحته، وأن الله حكيم لا تصدر أفعاله إلا عن حكمة، ولا حاجة به أن يسأل ربه حين يكلَّفه بشىء لماذا كلفتنى به، فالعبد المطيع يسارع لتنفيذ أوامر سيده دون سؤال أو اعتراض. ومع أن المفروض فى العبد ألا يسأل عن حكمة التكاليف التى كلِّف بها إلا أن الله سبحانه يعلم - بحكم طبيعة تكوين العبد، وبحكم تسلط الشيطان عليه ليغويه - أنه إذا عرف الحكمة من التشريع نشط للطاعة، أتبع فى كثير من الأحيان التكليف ببيان حكمته، وفى بعض الأحيان لا يذكرها امتحانا لقوة إيمانه وثقته بربه وحكمته فهو سبحانه لا يأمر إلا بالخير وإن جهل العبد حكمته، ولا ينهى إلا عن الشر وإن لم يدرك العبد سره، كما قال سبحانه {كُتب عليكم القتال وهو كره لكم. وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} البقرة: 216. إن حكمة الله فى التشريع إذا كانت مذكورة فللعقل أن يشرحها ويوضحها، وإن لم تكن مذكورة فلا مانع أن يستنبط العقل هذه الحكمة، والعقول فى كلا الأمرين تتفاوت، فلا ينبغى أن يكون هناك تعصب، ولا أن يتخذ ذلك دس علة للقياس فى غير المنصوص بوجه خاص. هذا، والحكمة العامة للتشريع وهى كما ذكرنا من قبل سعادة الإنسان دنيا وأخرى تتلخص فى نقطتين أساسيتين، هما ربط المخلوق بالخالق، وإعداده لحمل الأمانة وتحقيق الخلافة فى الأرض ومن مظاهر النقطة الأولى الإيمان بالله واليوم الآخر والتوجه إليه بالعبادة والدعاء على ما يفيده قوله تعالى {إياك نعبد وإياك نستعين} فقد ركز فى هذه الآية الثناء السابق عليها من أول الفاتحة والدعاء اللاحق لها فى آخرها وهو الهداية، ومن مظاهر النقطة الثانية الأخلاق الفردية والاجتماعية والتشريعات المختلفة فى المياسين الاقتصادية والثقافية والقضائية غيرها مما يضبط السلوك ويسد العلاقات ويوضح الحقوق والواجبات. وعلى ضوء هذه الحكمة العامة يمكن توضيح الحكمة فى كل عبادة من العبادات (10/398) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:22 am | |
| الكذب الواجب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الكذب قد يكون واجب؟
الجواب من المعلوم أن الكذب حرام، ولا يجوز إلا فى حالات سبق توضيحها فى صفحة 605 من المجلد الأول من هذه الفتاوى. وجاء فى "الزواجر لابن حجر الهيثمى ج 2 ص 196 ح " أن الكذب قد يباح وقد يجب، والضابط -كما فى الإحياء-أن كل مقصود محمود يمس التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك، كما لو رأى معصوما اختفى من ظالم يريد قتله أو إيذاءه فالكذب هنا واجب لوجوب عصمته دم المعصوم. انتهى. يعنى أن الإنسان الذى يعرف مكانا اختفى فيه شخص برى، وسأله ظالم يريد أن يقتله: هل تعلم مكان هذا الشخص؟ يجب أن يكذب ويقول: لا أعرف. لأن المحافظة على دم الإنسان المعصوم واجبة. فلا يتسبب فى قتله بإخبار الظالم عنه (10/399) ________________________________________ خصام الأقارب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال حدث خصام بينى وبين بعضى أقاربى وذهبت لمصالحتهم فى يوم العيد فتجهموا فى وجهى، فهل أقاطعهم أم أحاول مصالحتهم مرة أخرى؟
الجواب الخصام بين الناس منهى عنه فوق ثلاث ليال كما صح فى الحديث، وخير المتخاصمين من يبدأ بالصلح، والنهي شديد عن رفض الاعتذار عن الخصام، وجاء فى الحديث "من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل عذره، لم يرد على الحوض " رواه الطبرانى فى الأوسط. وأشد ما يكون الخصام سوءا إذا كان بين الأقارب لأن فيه معصية أخرى، هى قطيعة الرحم، وقطيعة الرحم من الذنوب الكبيرة، والنصوص فيها كثيرة، ومن أجل هذا ينبغى أن يتحمل المسلم أكثر ما يتحمل إذا كانت المضايقات من أقاربه، ولا ينبغى أن يقابلهم بمثل إساءتهم خصاما وقطيعة، فالحديث فى هذه الحالة يؤكد عدم القطيعة. ومما ورد فى النص على ذلك ما رواه الطبرانى وابن حبان فى صحيحه عن أبى ذر رضى الله عنه قال: أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بخصال، وذكر منها: وأوصانى أن أصل رحمى وإن أدبرت. وما رواه البخارى وغيره "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها ". ومن الحوادث التى تشبه ما جاء فى السؤال ما ذكره أبى هريرة رضى الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لى قرابة أصلهم ويقطعونى، وأحسن إليهم ويسيئون إلىَّ، وأحلم عليهم ويجهلون على، فقال " إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك " رواه مسلم. والمل هو الرماد الحار، وهو تشبيه ما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شىء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم فى حقه وإلحاقهم الأذى به. هكذا شرح النووى معنى الحديث، وأقول لصاحب السؤال: استمر على صلة رحمك على الرغم من موقفهم منك، وادع الله لهم بالهداية كما دعا الرسول لأهل مكة، ولا تقصِّر فى حقهم، بل اجعل حبل الصلة ممدودا ولو بأقل ما يمكن. واقرأ قول الله تعالى: {ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم. وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} فصلت: 34، 35 (10/400) ________________________________________ عوض مجلس عرفى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى المبالغ المالية التى تفرضها المجالس العرفية كنوع من الحقوق لبعض الأشخاص أثناء ففض النزاع بينهم، وهل هناك إثم على الشخص المحكوم له بالمال إذا قبله؟
الجواب إذا حدث نزاع وتدخل فى فضه مجلس تحكيم وفرض على المتهم أو على المدان مبلغا معينا، وكان ذلك عرفا جاريا ووافق المتخاصمون عليه ورضوا به فلا مانع من أخذ هذا المبلغ، فالمؤمنون عند شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا. وهذا الأمر ليس فيه تحريم حلال ولا تحليل حرام، فالأطراف متفقة على ذلك. وبخاصة إذا كانت نفوسهم سخية به، ويكفى إقرارهم بالقبول حتى لو كانت نفوسهم غير راضية أو مطمئنة فى وقتها، فقد تطمئن وترضى بعد التروى، والقاضى- ومثله الحكام فى المجلس - له الظاهر من أقوال المتخاصمين، والله يتولى السرائر وعليه فيجوز أخذ هذا المبلغ -كرد اعتبار كما يقال - ما دام العرف يقضى به، والعرف له اعتباره فى التشريع فيما لم ينص عليه بالتحديد ولم يخالف قاعدة شرعية (10/401) ________________________________________ المرتد التائب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لو ارتد مسلم واستمر مدة على ردته ولم يقم عليه حد الردة، ثم عاد إلى الإسلام واستقام، هل تبطل أعماله التى عملها وقت إسلامه من صلاة وزكاة وصيام وحج ويجب عليه أن يقضيها، أو لا تبطل، وهل ما تركة من صلاة وصيام وقت ردته يجب عليه قضاؤه بعد توبته وعودته إلى الإسلام أو لا يجب؟
الجواب إضافة إلى ما سبق فى ص 187 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى أقول: يقول الله سبحانه {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} الأنفال: 38،ويقول تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة: 217. قال العلماء: هناك فرق بين الكافر الأصلى إذا أسلم وبين المرتد إذا تاب وعاد إلى الإسلام. فالأول يبدأ تكليفه من وقت إسلامه، ولا يكلف بالصلاة والصيام والعبادات التى لم يقم بها وقت كفره، بناء على أن الكافر غير مخاطب بفروع الشريعة، حيث لا تصح العبادة بدون نية وبدون إسلام. والآية الأولى تدل على ذلك "إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ". والثانى وهو المرتد قال بعض العلماء ومنهم الشافعية: إذا عاد إلى الإسلام لم تبطل أعماله التى قام بها حين كان مسلما. فقد وقعت صحيحة، وبالتالى لا يكلف بقضائها والآية الثانية قيدت بطلان أعماله بالموت قبل العودة إلى الإسلام "فيمت وهو كافر " أما إذا مات وهو مسلم أى بعد توبته وعودته إلى الإسلام فالآية لا تنطبق عليه. وقال بعضهم الآخر ومنهم المالكية: إن أعمال المرتد حبطت بمجرد ردته، وعليه أن يقضيها بعد إسلامه. واستندوا إلى قوله تعالى {لئن أشركت ليحبطن عملك} الزمر: 65، وهو خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم والمراد أمته "تفسير القرطبى ج 3 ص 48 ". هذا هو الحكم بالنسبة إلى الأعمال التى صدرت منه أثناء إسلامه وقبل ردته. أما بالنسبة لأعماله فى فترة ردته قبل أن يسلم فقد جاء فى تفسير القرطبى"ج 7 ص 403 " قوله: فأما المرتد إذا أسلم وقد فاتته صلوات وأصاب جنايات وأتلف أموالا فقيل: حكمه حكم الكافر الأصلى إذا أسلم لا يؤخذ بشىء مما أحدثه فى حال ارتداه، وقال الشافعى فى أحد قوليه: يلزمه كل حق لله عز وجل وللآدمى بدليل أن حقوق الآدميين تلزمه فوجب أن تلزمه حقوق الله تعالى. وقال أبو حنيفة: ما كان لله يسقط، وما كان للآدمي لا يسقط، قال ابن العربى: وهو قول علمائنا، لأن الله مستغن عن حقه، والآدمى مفتقر إليه، ألا ترى أن حقوق الله عز وجل لا تجب على الصبى. وتلزمه حقوق الآدميين: قالوا وقوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} عام فى الحقوق لله تعالى (10/402) ________________________________________ جوزة الطيب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن جوزة الطيب ليست حراما لأن الحكومة لا تمنع بيعها وتداولها. كما تمنع بيع الحشيش والمخدرات الأخرى، فهل هذا صحيح؟
الجواب مبدئيا نقول: إن عمل أى إنسان بعد عصر التشريع لا يعتبر دليلا على الحكم الشرعى. وعصر التشريع هو المشار إليه بالحديث " عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين " رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان والترمذى وقال: حسن صحيح. وكثير من الحكومات فى البلاد الإسلامية تبيح إنتاج الخمر وبيعها وتعاطيها فى الوقت الذى تحرم فيه الحشيش والمخدرات الأخرى، وذلك لاعتبارات لا مجال لذكرها الآن. وقد مر فى ص 305 - 309 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى بيان حكم المخدرات، وابن حجر الهيتمى المتوفى سنة 974 هجرية تحدث فى كتابه " الزواجر عن اقتراف الكبائر " فى الجزء الأول منه "ص 212 " عات الحشيش والأفيون والبنج وجوزة الطيب وأشار إلى أن القات الذى يزرع باليمن ألَّف فيه كتابا عندما أرسل أهل اليمن إليه ثلاثة كتب، منها اثنان فى تحريمه وواحد فى حله، وحذَّر منه ولم يجزم وقال عن جوزة الطيب: عندما حدث نزاع فيها بين أهل الحرمين ومصر واختلفتما الآراء فى حلها وحرمتها طرح هذا السؤال: هل قال أحد من الأئمة أو مقلِّديهم بتحريم أكل جوزة الطيب؟ ومحصل الجواب، كما صرح به شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، أنها مسكرة، وبالغ ابن العماد فجعل الحشيشة مقيسة عليها، وقد وافق المالكية والشافعية والحنابلة على أنها مسكرة فتدخل تحت النص العام "كل مسكر خمر وكل خمر حرام " والحنفية على أنها إما مسكرة وإما مخدرة. وكل ذلك إفساد للعقل، فهى حرام على كل حال انظر كتيب "المخدرات " لمحمد عبد المقصود ص 90 (10/403) ________________________________________ الزراعة بين الدين والدنيا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأت فى بعض الأحاديث النهى عن الزراعة وفى بعضها التشجيع عليها، فكيف نوفق بين هذه الأحاديث؟
الجواب تقدم القول فى صفحة " 546 " من المجلد الأول من هذه الفتاوى عن حديث النهى عن اتخاذ الضيعة، وهى كما قال ابن الأثير: ما يؤخذ منها معاش الرجل كالصناعة والتجارة والزراعة وغير ذلك. وبينَّا أن النهى عن ذلك محله إذا ألهى عن الدين وعن الآخرة. وهذا ما تعرض له الحافظ ابن حجر فى فتح البارى "ج 5ص 6، 7" عند شرح حديث "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" قال: وفى الحديث فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض ويستنبط منه اتخاذ الضيعة والقيام عليها، وفيه فساد قول من أنكر ذلك من المتزهدة، وحمل ما ورد من التنفير عن ذلك على ما إذا شغل عن أمر الدين. فمنه حديث ابن مسعود مرفوعا "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا فى الدنيا" الحديث. قال القرطبى: يجمع بينه وبين حديث الباب -فضل الغرس -بحمله على الاستكثار والاشتغال به عن أمر الدين. وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل ثوابها. ثم أورد ابن حجر حديث أبى أمامة الباهلى [واسمه صُدَى بن عَجْلان] فى التحذير من احتراف الزراعة حين رأى آلة تحرث بها الأرض فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل " وفى رواية أبى نعيم "إلا أدخلوا على أنفسهم ذلاًّ لا يخرج عنهم إلى يوم القيامة " وحمل ذلك على ما يلزمهم من حقوق الأرض التى تطالبهم بها الولاة، وكان العمل فى الأراضى أول ما افتتحت على أهل الذمة، فكان الصحابة يكرهون تعاطى ذلك - قال ابن التين: هذا من إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات، لأن المشاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث. وجمع بين ما ورد فى فضل الزراعة وفى ذمها بأن الذم إذا أدى إلى الذل، أو تضييع الواجب، أو فى وقت الجهاد حتى لا تشغل الزراعة عنه فيقوى العدو، بل يستعد بالتدرب على الفروسية، وعلى غيره إمداده بما يحتاج إليه. والخلاصة أن الإنسان فى نشاطه لابد أن يعمل فى دنياه ما يساعده على أعمال البر، ولا ينسيه آخرته، والتنسيق واجب حتى لا يفرط فيما يحفظ عليه حياته ويقويه على عمل الخير ويدخره للآخرة، ولا يجوز فصل بعض النصوص عن بعضها الآخر، فقد يكون لكل نص سبب وظروف تختلف عن النص الآخر، وقد يكون الجمع بينها بتخصيص العام أو تقييد المطلق أو بغير ذلك مما بينه العلماء. وعدم مراعاة هذا المنهج يؤدى إلى نتائج خطيرة فى سوء الفهم وسوء التطبيق، وهو الانحراف الذى يسبب المتاعب للفرد والمجتمع، ويشوه صورة الدين عند من يكيدون للإسلام وأهله، وما أكثرهم فى هذه الأيام. فمن يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين. وسؤال أهل الذكر عند الجهل واجب. كما نص عليه القراَن الكريم وجاء به حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. راجع رسالة " الاكتساب فى الرزق المستطاب " لمحمد بن الحسن الشيبانى (10/404) ________________________________________ دفع الصائل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى الحديث الشريف " من قُتل دون ماله فهو شهيد " فهل إذا هجم علىَّ لص ليسرق مالى فاستغثت وهرب عند حضور الناس فأطلقت عليه المسدس ومات فهل أكون آثما؟
الجواب هذا الحديث رواه البخارى وغيره، وفيه إباحة الدفاع عن المال، ولكن هل يكون الدفاع بالقتل مطلقا أو له قيود؟ يقول النووى: فيه جواز قتل من قصد أخذ المال بغير حق، سواء كان المال قليلا أو كثيرا، وهو قول الجمهور وشذ من أوجبه. وقال بعض المالكية: لا يجوز - أى القتل - إذا طلب الشىء الخفيف. قال القرطبى- وهو مالكى المذهب - سبب الخلاف عندنا: هل الإذن فى ذلك من باب تغيير المنكر فلا يفترق فى الحال بين القليل والكثير، أو من باب دفع الضرر فيختلف الحال؟ وحكى ابن المنذر عن الشافعى قال: من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله الاختيار أن يكلمه أو يستغيث فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله، وإلا فله أن يدفعه عن ذلك ولو أتى على نفسه، وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة. لكن ليس له عمد قتله. قال ابن المنذر: والذى عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما بغير تفصيل. إلا كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان، للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه "فتح البارى ج 5ص 148 " روى مسلم من حديث أبى هريرة: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالى؟ قال "فلا تعطه " قال: أرأيت إن قاتلنى؟ قال "فاقتله " قال: أرأيت إن قتلنى؟ قال "فأنت شهيد" قال أرأيت إن قتلته؟ قال "فهو فى النار" فهذا الحديث يبين أن لإنسان أن يدفع عن نفسه وماله ولا شىء عليه، فإنه إذا كان شهيدا إذا قتل فى ذلك فلا قود عليه ولا دية إذا كان هو القاتل. وأقول لصاحب السؤال: ما دام اللص المعتدى هرب عند حضور الناس الذين استغاث بهم فلا يجوز له قتله، لأنه لم يقاتله بل كان مجردا من السلاح فى الظاهر وعليه فى هذه الحالة تبعات القتل. يقول الخطيب فى كتابه "الإقناع ج 2 ص 242": ويدفع الصائل بالأخف فالأخف إن أمكن، فإن أمكن دفعه بكلام أو استغاثة حرم الدفع بالضرب، أو بضرب يد حرم بسوط أو بسوط حرم بعصا، أو بعصا حرم بقطع عضو، أو بقطع عضو حرم قتل، لأن ذلك جوز للضرورة. ولا ضرورة فى الأثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالأسهل. وفائدة هذا الترتيب أنه متى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الاكتفاء بما دونها ضَمِنَ ويستثنى من الترتيب ما لو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا والمصول عليه لا يجد إلا السيف فالصحيح أن له الضرب به، لأنه لا يمكنه الدفع إلا به، وليس بمقصر فى ترك استصحاب السوط ونحوه. وعلى هذا الترتيب إن أمكن المصول عليه هرب أو التجأ لحصن أو جماعة فالمذهب وجوبه وتحريم القتال، لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون فالأهون، وما ذكر أسهل من غيره فلا يعدل إلى الأشد (10/405) ________________________________________ الوعد والعهد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك فرق بين الوعد والعهد، وهل يجب الوفاء بهما أو يندب؟
الجواب جاء ذكر الوعد والعهد كثيرا فى القرآن والسنة. قال تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} النور: 55، وقال: {وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} إبراهيم: 22، وقال {وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم} البقرة: 40، وقال {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} الإسراء: 34. وقال صلى الله عليه وسلم آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " رواه البخارى ومسلم. وقال " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " رواه البخارى ومسلم. الوعد التزام بتحقيق شىء للغير سواء كان ذلك ابتداء من الشخص دون طلب من الغير أو كان بطلب منه، والعهد له معان متعددة فى اللغة، ومنه الوعد الموثق بالأيمان أو بغيرها، وقد يكون بمعنى الأمر والإلزام للغير كما قال تعالى {ألم أعهد إليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} يس: 60. قال العلماء الوفاء بالعهد واجب، لخطورة الغدر به، أما الوفاء بالوعد فقيل بوجوبه وقيل بندبه، وقيل بندبه إن كان من طرف واحد، أى ابتداء من الشخص نفسه. وبوجوبه إن طلب من الغير. قال ابن حجر فى " فتح البارى ج 5ص 342" قال المهلب: إنجاز الوعد مأمور به، مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض، وعن بعض المالكية إن ارتبط الوعد بسبب وجب الوفاء به، وإلا فلا، فمن قال لآخر: تزوج ولك كذا، فتزوج لذلك وجب الوفاء به. وخرَّج بعضهم الخلاف على أن الهبة هل تملك بالقبض أو قبله. وقرأت بخط أبى رحمه الله فى إشكالات على "الأذكار للنووى " ولم يذكر جوابا عن الآية، يعنى قوله تعالى {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} الصف: 3، وحديث " آية المنافق. . . ". قال: والدلالة للوجوب منها قوية، فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع الوعيد الشديد؟ وينظر: هل يمكن أن يقال: يحرم الإخلاف ولا يجب الوفاء؟ أى يأثم بالإخلاف وإن كان لا يلزم بوفاء ذلك. انتهى ما نقلته عن فتح البارى. والغزالى فى الإحياء "ج 3 ص 115" بعد أن ذكر نصوصا فى فضل الوفاء بالوعد قال: كان ابن مسعود لا يعد وعدا إلا ويقول: إن شاء الله، وهو الأولى، وإذا فهم الجزم فى الوعد فلابد من الوفاء إلا أن يتعذر، فإن كان عند الوعد عازما على ألا يفى فهذا هو النفاق. وبعد ذكر خصال المنافق الواردة فى الحديث قال: هذا ينزل على من وعد وهو على عزم الخلف، أو ترك الوفاء من غير عذر، أما من عزم على الوفاء فعنَّ له عذر منعه من الوفاء لم يكن منافقا وإن جرى عليه ما هو صورة النفاق، ولكن ينبغى أن يحترز من صورة النفاق أيضا كما يحترز من حقيقته، ولا ينبغى أن يجعل نفسه معذورا من غير ضرورة حاجزة، وذكر حديثا يقول "ليس الخلف أن يعد الرجل الرجل وفى نيته أن يفى" وفى لفظ آخر "إذا وعد الرجل أخاه وفى نيته أن يفى فلم يجد فلا إثم عليه " رواه أبو داود والترمذى وضعفه من حديث زيد بن أرقم باللفظ الثانى. انتهى. من هذا نرى أن الوفاء بالعهد واجب. وأن الوفاء بالوعد واجب أو مندوب ما لم يكن فى نيته عدم الوفاء، فإن كان فى نيته عدم الوفاء كان خلفا للوعد ومن علامات النفاق (10/406) ________________________________________ أفغانستان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى القتال الدائر الآن بين المسلمين فى أفغانستان؟
الجواب من المعلوم أن الله سبحانه حرَّم العدوان بكل صوره وأشكاله، فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه بل إن غير المسلمين لهم حرماتهم ما داموا مسالمين، ونهى عن كل ما يفرق بين الجماعة، ودعا إلى الصلح والرحمة والتعاون وكل الوسائل التى تقوى شوكة المسلمين، وتبعد عنهم أطماع الآخرين، والنصوص فى ذلك كثيرة. وأفغانستان دولة مسلمة لها تاريخ مجيد وماض مشرق، ولكنها نكبت كما نكب غيرها من الدول الإسلامية بالاستعمار، وجاهدت ببسالة حتى استردت حريتها، وكان الواجب على المجاهدين أن يشكروا الله على النعمة فيوحدوا صفوفهم لإصلاح ما فسد ولتنمية بلادهم فى ظل الحرية والأمان ولكن الذى حدث أنهم تفرقوا وتقاتلوا من أجل الوصول إلى كرسى الحكم. والشعب يعانى بسبب هذا التنازع أضعاف ما كان يعانيه فى ظل الاستعمار وما ذلك إلا نتيجة للبعد عن تعاليم الدين الداعية إلى - إيثار الباقية على الفانية، والتضحية بالمصلحة الخاصة فى سبيل المصلحة العامة. وبخاصة فى هذه الظروف التى تتنمر فيها الذئاب للفتك بالضحايا الهزيلة المتناحرة وصدق الله العظيم إذ يقول {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} الأنعام: 65. إن علاج هذه المشكلة موجود فى قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} الحجرات: 9. وقد قام المسلمون الغيورون على الإسلام بتوجيه النصح للمتقاتلين حتى يصطلحوا فلم يستجيبوا، والخطوة التالية-كما تنص الآية-هى التدخل الفعلى لوقف القتال وذلك برد الفئة الباغية حتى ترضى بالصلح الذى يراعى العدل بين الطائفتين اللتين تزعم كل منهما أن لها الحق فى تولى السلطة وأنها الفئة المجنى عليها. وهذه الخطوة-يحكم الأوضاع الحالية -يصعب القيام بها لأمور، من أهمها: 1 - أن الدول الإسلامية ليست لها رابطة واحدة تضم شملها وترعى مصالحها. فى شكل خلافة أو اتحاد أو جامعة أو ما شاكل ذلك من النظم الحديثة. 2 - أن هناك اتفاقات دولية، تمنع التدخل العسكرى بوجه خاص فى شئون أية دولة دون موافقتها، ومخالفة ذلك فيها خطورة كبيرة كما هو معروف. وإذا كان التدخل العسكرى الذى تتضمنه الآية صعبا فلا يجوز السكوت والاستسلام لهذا الوضع. فالتراخى أو عدم المبالاة بما يحدث للمسلمين منهى عنه، وفيه مزيد ضعف يتيح الفرصة للعدو أن يتدخل لمصلحته هو لا لمصلحة المسلمين. والله يقول {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: 25. والحد الأدنى للتدخل الواجب على المسلمين هو مواصلة النصح بوقف القتال وعدم التشجيع على استمراره الذى يتم بوسائل يعرفها من يصطادون فى الماء العكر ولعل الله يهدى الجميع إلى سواء السبيل (10/407) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:24 am | |
| البوسنة والهرسك
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف يسكت المسلمون على ما يجرى فى البوسنة والهرسك من اضطهاد للمسلمين ومحاولة تصفيتهم؟
الجواب من المعروف أن كراهية أوروبا بالذات للمسلمين كراهية تقليدية، والتاريخ لا ينسى طردهم من الأندلس التى كان لها الفضل فى نهضة أوروبا كما شهد المنصفون كما لا ينسى الحروب الصليبية ضد الإسلام والشرق، ولا ينسى حملات الشيوعيين وغيرهم ضد الأديان بوجه عام، وضد المسلمين بوجه خاص، ولا ينسى الاستعمار الذى تولى كبره دول أوروبا وأعلن كبار قادتها أن العقبة الكؤود فى طريق الاستعمار هو الإسلام بقراَنه وأزهره القائم على عراقة الدين ونشره فى كل مكان. والدول فى شبه جزيرة البلقان بالذات لا تنسى عظمة الخلافة العثمانية والوصول بفتوحاتها إلى حدود النمسا، ووجود كثير من المسلمين فى هذه المنطقة، ومن هذه العقدة كانت معاملتها للمسلمين فهى تريد تصفية قومياتهم ودولهم وطردهم من أوطانهم التى عاشوا فيها عدة قرون. والعالم كله يشهد تواطؤ أوروبا وغيرها على المسلمين فى البوسنة والهرسك الذين يقاومون الأعداء للاحتفاظ بشخصيتهم الدينية وللاحتفاظ بحقوقهم التى تكفلها الأديان والأعراف والقوانين. وقد طال الأمد ولم تحل مشكلتهم، وهنا قامت الصيحات والتهبت المشاعر واحتدت العواطف من اجل مساعدتهم، وفى غمرة هذا الحماس الذى يؤكد اهتمام المسلمين بما يحدث لإخوانهم قد يغفل العقل وتنسى العقبات الموضوعة فى الطريق وتقدم اقتراحات لو نفذت لازداد الخطر لا على المستغيثين وحدهم بل أيضا على من يغيثون. إن هناك معاهدات واتفاقات دولية تمنع تدخل أية دولة فى شئون دولة أخرى بدون موافقتها، بل بدون موافقة الأمم المتحدة، وبخاصة إذا كان التدخل عسكريا. وإذا كان هذا التنظيم الدولى أمرا جديدا فإن الإسلام نفسه يقره تحت مظلة العدل والسلام واحترام الحقوق الإنسانية، وبيان ذلك: أن الإسلام عندما أمر بهجرة المسلمين من مكة إلى المدينة حفاظا على عقيدتهم نعى بشدة على المتخلفين عن الهجرة بدون عذر، فقال الله تعالى {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} النساء: 97، وبيَّن أن الولاية قد انقطعت بين من هاجروا ومن لم يهاجروا، لكن عند الاستعانة بهم تجب المعونة بشرط ألا يكون فيها نقض لمعاهدة مع الطرف الذى ألجأ غير المهاجرين إلى الاستغاثة بالمهاجرين قال تعالى {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا. وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير} الأنفال: 72. وقد حافظ الرسول صلى الله عليه وسلم على الوفاء بالعهود مع العدو فى هذه الصورة وغيرها فقد كان فى صلح الحديبية بين الرسول والمشركين من أهل مكة أن من أسلم منهم والتجأ إلى الرسول لا يقبله بل يرده إلى أهله، وأن من ارتد من المسلمين والتجأ إلى مكة لا يرد إلى المدينة. وبغض النظر عما أبداه بعض المسلمين نحو هذا الشرط مضى الرسول فى تنفيذه، فعندما أسلم فى مكة أبو جندل حبسه وقيده والده سهيل بن عمرو، فهرب من حبسه والتجأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما يزال فى الحديبية، فلم يقبله ولكن قال له "اصبر واحتسب فإنا لا نغدر، وإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا ". وعندما خرج أبو بصير من مكة مسلما وتوجه إلى المدينة لم يقبله الرسول صلى الله عليه وسلم وبين له أن الدين لا يصلح فيه الغدر كما فعل مع أبى جندل، ولم يرجع إلى مكة وأفلت ممن كانوا يتعقبونه، ثم رجا من الرسول أن يقبله فأبى وقال "ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد ينصره " فكوَّن مع أبى جندل وغيره من المسلمين الفارين من مكة جماعة اعترضت طريق القوافل التجارية لأهل مكة، فألحت قريش على النبى صلى الله عليه وسلم ليقبلهم فقبلهم. [انظر الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 2 ص 202" والمغنى لابن قدامة "ج 10 ص 525 "] . وإذا كانت النصرة بالتدخل العسكرى والخروج على الاتفاقات الدولية صعبا بالنسبة للمسلمين فى البوسنة والهرسك وغيرهم فإن النصرة بالوسائل الأخرى المتاحة واجبة وذلك بمثل الإمداد بالغذاء والكساء والسلاح والدواء وإيواء المهاجرين وعلاج المرضى والنشاط الدبلوماسى وغير ذلك من الوسائل. يقول القرطبى فى تفسيره "ج 8 ص 57" ما نصه: قوله تعالى {وإن استنصروكم فى الدين} يريد: إن دعوا هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا من ارض الحرب عونكم بنفير-جيش أو مال لاستنقاذهم فأعينوهم، فذلك فرض عليكم فلا تخذلوهم،إلا لم أن يستنصروكم على قوم كفار بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليهم ولا تنقضوا العهد حتى تتم مدته. ابن العربى - أى قال ابن العربى -: إلا أن يكونوا "أسراء" مستضعفين فإن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة حتى لا تبقى منا عين تطرف حتى تخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا فى استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم، كذلك قال مالك وجميع العلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالخلق فى تركهم إخوانهم فى أسر العدو وبأيديهم خزائن الأموال وفضول الأحوال والقدرة والعدد والقوة والجلد. انتهى. والخلاصة أن نصر المسلمين لإخوانهم فى البوسنة والهرسك وفى غير هذه البلاد مطلوب بالوسائل الممكنة التى لا تتعارض مع عهود ومواثيق واتفاقات دولية، وأنبه إلى وجوب الاهتمام فى المقام الأول بإصلاح حال المسلمين فيما بينهم جماعات ودولا حتى يكون هناك أثر لإصلاح حال المسلمين الذين يضطهدهم الأعداء فى بلاد غير إسلامية (10/408) ________________________________________ شكر النعمة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول الله تعالى {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد} فكيف يكون الشكر وما المراد بالكفر فى هذه الآية؟
الجواب هذه الآية من سورة إبراهيم: 7، والشكر فى تحديد معناه وفى الصلة بينه وبين الحمد كلام كثير ذكره المفسرون، "القرطبى ج 1 ص 133، 397 "كما ذكره علماء الأخلاق والتصوف "إحياء علوم الدين ج 4 ص 69" ونختار هنا ما صححه القرطبى من قوله: الشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان، والحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان. وشكر أى إنسان على نعمة أسداها إليه الغير مطلوب لحديث رواه أبو داود والنسائى وابن حبان وغيرهم "من أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كفيتموه، وشكر الله سبحانه واجب لكثرة نعمه علينا كما قال سبحانه: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} إبراهيم: 34، ومن ضمن شكر الله شكر الإنسان، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله كما فى حديث الترمذى وأبى داود. وأسلوب الشكر لله أو مظاهره تكون بالقول والعمل القائمين على الإيمان به، عبَّر عنه بعضهم بقوله: استخدام نعم الله فيما خلقت له وعدم تعطيلها أو استخدامها فى معصية الله، وقد وعد الله الشاكرين بحفظ النعمة بل بزيادتها، زيادة مادية بكثرتها أو معنوية بالبركة فيها. كما نهى الله عن الكفر أى عدم الاعتراف بالنعمة، ومنه ما جاء فى الحديث عن النساء من أنهن يكفرن العشير، إن أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك سوءا تقول: ما رأيت منك خيرا قط، والكفر بنعمة الله إما كفر به سبحانه وعدم الإيمان به، وإما عدم اعتراف بنعمه أو استخدامها فى معصيته. والعقاب عليه شديد كما نصت عليه الآية. وعلى قمة الشاكرين لله الأنبياء والأولياء وعلى رأس هؤلاء جميعا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فعند قول الله تعالى {وقليل من عبادى الشكور} سبأ: 13، ذكر القرطبى حديثا رواه مسلم عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تفطَّر قدماه، أى تتشقق، فقلت له: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: "أفلا أكون عبدا شكورا" ولا ننسى فى هذا المقام قول سليمان عليه السلام لما جاء له عرش بلقيس ملكة سبأ {هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم} النمل: 40. ومن الأحاديث التى تحذر من كفران النعمة ما رواه ابن أبى الدنيا والطبرانى وغيرهما عن عائشة مرفوعا، "ما عظمت نعمة الله عز وجل على عبد إلا اشتدت إليه مؤونة الناس. ومن لم يحمل تلك المؤونة للناس فقد عرَّض تلك النعمة للزوال " وما رواه الطبرانى بإسناد جيد عن ابن عباس مرفوعا "ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال " وما رواه ابن أبى الدنيا والطبرانى فى الكبير والأوسط عن ابن عمر مرفوعا "إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم " ولو قيل بتحسين هذا الحديث لكان ممكنا. وقد جاء هذا الحديث أيضا بلفظ "إن لله خلقا خلقهم لحوائج الناس، يفرغ الناس إليهم فى حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله " ويمكن الرجوع فى هذه الأحاديث إلى "الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى ج 3 ص 162 وغيره من مراجع الحديث (10/409) ________________________________________ من أساليب التبشير
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرى أصحاب الأديان الأخرى يسلكون طرقا شتى لنشر دينهم لا ينتبه إليها المسلمون فهل يجوز أن نسلك فى دعوتنا إلى الإسلام مثل مسالكهم؟
الجواب الدعوة إلى الدين وإلى كل عمل خيرى تحتاج إلى الأسلوب الصحيح القائم على دراسة علم النفس والنظريات التربوية ووسائلَ التأثير والإقناع، والتخطيط السليم لكل حركة تتخذ فى هذا المجال ويجمع ذلك كله كلمة "الحكمة" التى تقوم على وضع كل شىء فى موضعه {ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا} البقرة: 269، يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن} النحل: 125. وقد وضِّح علماء الإسلام معنى الحكمة فى الدعوة ووضعت كتب كثيرة فى بيان المنهج لنشر الدين وتعاليمه، أشرت إلى شىء من ذلك فى كتابى "الدين العالمى ومنهج الدعوة إليه " وكتابى "الدعوة الإسلامية دعوة عالمية". والكتابات العربية والإسلامية فيها الكفاية للتعرف على ذلك، ولكن هذا لا يمنع أن نستفيد من خبرات غيرنا فى هذا الميدان، ومبدأ الاستفادة مما عند الغير فيما هو مفيد مبدأ مسلَّم به، وتطبيقاته كثيرة لا يتسع المقام لذكرها. ولقد عثرت على كتاب بعنوان "الغارة على العالم الإسلامى" لمؤلفه " ل: شاتلييه " تحدث فيه عن خطط التبشير التى يوجد بعضها فى كتاب للقسيس "فليمينغ " الأمريكى فى الفصل الأول والثانى، ومما جاء فيه عن هذه الخطط ما يأتى: 1 -نشر اللغات الأوروبية، فعن طريقها يقرأ المسلمون أفكار الغرب فتهدم الفكرة الإسلامية التى لم تحفظ كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها وهذا طريق غير مباشر لزحزحة العقيدة الإسلامية من نفوس المسلمين. يقول: "شاتلييه، ولا شك أن إرساليات التبشير تعجز عن أن تزحزح العقيدة من نفوس المسلمين، ولا يتم لها ذلك إلا بتسرب الأفكار الغربية عن طريق اللغة، وهنا تقرأ الصحف وتمهد السبل لتقدم إسلامى مادى. 2 - يكتفون بانحلال الروح الدينية، ولا يطمعون مباشرة فى إحلال فكرة بدلها، فسيأتى ذلك حتما بعد الفراغ الروحى أو تخلخل العقيدة الأولى. وعدم فرض العقيدة إلا بعد الاطمئنان على تهيؤ النفس لها، ومحاولة عدم النزاع مع المسلم. 3-خطتهم لها أساسان: الهدم والبناء، أو التحليل والتركيب. 4 - الظهور بمظهر الوحدة والتعاون بين البروتستانت والكاثوليك. لأن عقلاء المسلمين يرون فى اختلافهم طعنا فى جهودهم، ولا يهتمون بأفكارهم الدينية، بل يقتصرون على اقتباس الحضارة والأفكار الأخرى. 5 - تخصيص مبشِّرين مناسبين للمسلمين، وآخرين للوثنيين. 6 -استعمال الموسيقى لأنها تطرب المسلمين، وإلقاء الخطب بأصوات رخيمة وبفصاحة. 7-تأسيس مصحات للقاء بالمرضى المسلمين، وملازمة المريض خصوصا عند الاحتضار كما أوصى "سمبسون " ومن وصية الدكتور "أراهارس " المبشر بطرابلس الشام أن الطبيب لا يجوز أن ينسى أنه مبشر أولا ثم طبيب ثانيا. 8-تعلم لهجات المسلمين، وذلك للتغلغل مع كل طبقاتهم ومستوياتهم. 9 -دراسة القرآن لمعرفة ما فيه والرد عليه أو نقده. 10 -مخاطبتهم على قدر عقولهم ورخامة الصوت وفصاحة اللسان. 11 - عدم تخلل الخطابة لكلمات أجنبية عنهم لا يفهمونها فلا تصل إليهم الأفكار كاملة، وقد تثير الشك فى نفوسهم،أو تصرفهم عنهم. 12 - أهمية اختيار الموضوعات التى يتحدثون فيها، بحيث تكون منتزعة من واقع ظروفهم. واستغلالها لبث الفكر المطلوب الذى يشد انتباههم، وحتى لا يكونوا فى واد وهم فى واد آخر. 13 - التنبه لموضع المناقشات فى آيات القراَن والإنجيل. 14 -الخبرة بالنفس الشرقية. والاعتماد على التشبيه والتمثيل ووسائل الإيضاح أكثر من المنطق الذى لا يعرفه الشرقيون. 15 -إنشاء مدرسة لتخريج المبشرين فى مصر، وهم يحمدون الله لتوفيقهم لاختيار مصر. 16 - الاهتمام بتجنيد النساء فى الطب، لعدم خوف المسلمين منهن كما يخافون من الرجال. 17 -عرقلة جهود الأزهر فى بعثة العلماء إلى أفريقيا، وتعليمه الوافدين والإنفاق عليهم وعودتهم إلى بلادهم ثانية، لأن الإسلام ينمو بلا انقطاع فى أفريقيا، ومن عرقلة جهوده فتح مدارس وجامعات لتعليم اللغة العربية والدراسة الإسلامية على منهجهم وبأفكارهم. 18 - الاهتمام بتربية مبشرين علمانيين من بين المسلمين لينصِّروا غيرهم، لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أصحابها كما قال "زويمر" فى كتابه "العالم الإسلامى". 9 1 -رسم خطة لتنصير العالم كله فى 25 سنة " ص 235". 20 - التذرع بالصبر الطويل والثقة بالفوز. 21 - عمل صداقات واحتكاكات مع المسلمين، والظهور بمظهر المحب للخير لهم ولاستقلال لبلادهم، وعن طريق ذلك يكون الإعجاب بالفكرة التى تلقى عرضا. 22- التحدث إلى الشبان فى التاريخ والأخلاق والاجتماع بعيدا عن الدين، ليجذبوهم إليهم، لأن أية طريقة لها صبغة دينية مصيرها الفشل. 23 - الاهتمام بتأليف جمعيات للتقريب بين الطرفين لتنمية روح التفاهم الإنسانى. 24 - التجاوز عن بعض عادات المسلمين كتعدد الزوجات. 25 -الموازنة بين حياة الأمم النصرانية وأخلاقها، ومقابلها عند الأمم الإسلامية ليظهر ترجيح النصارى عليهم. 26 - ظهور المبشر بأخلاق طيبة، لأنه صورة للمسيح فيجذب المسلم إليه. 27 - نشر الإنجيل مترجما وكذلك الكتب الدينية، وفتح مكتبات للبيع بثمن زهيد، مع فرصة التحدث للمشترين. هذا بعض ما نقلته من كتاب "الغارة على العالم الإسلامى" يمكن للدعاة المسلمين أن يستفيدوا منه فى إطار العقيدة والقيم الإسلامية. وأكثر ما جاء من هذا التخطيط تشهد له النصوص وتقره فلسفة التربية. وكتب عنه علماء الدين (10/410) ________________________________________ الدين والسياسة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يردد كثير من المعاصرين هذه المقولة: لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين، فما مدى صحة هذه المقولة؟
الجواب إذا أردنا أن نعقد صلة بين أمرين فلابد من تحديد المراد من كل منهما تحديدا دقيقا، حتى يكون الاختلاف فى الحكم واردا على موضوع واحد، وقد بينا فى ص 114 من الجزء الأول من "بيان للناس " مفهوم الدين وما يراد به، وقلنا: إنه وضع إلهى شرع لإسعاد الناس فى معاشهم ومعادهم، أى فى دنياهم وأخراهم، وهو المراد بالهدى الذى نبه الله سبحانه آدم على أهميته حين أهبطه إلى الأرض ليكون خليفة فيها فقال {اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} طه: 123، 124. وإسعاد الناس فى أخراهم يكون بما جاء فى قوله تعالى: {فمن زُحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} آل عمران: 185، وإسعادهم فى دنياهم يكون بتوفية مطالبهم المادية والروحية، بحيث لا يضلون ولا يشقون. ودين الإسلام هو خاتمة الأديان جميعا، فيه كل ما يحقق السعادة فى كل القطاعات، بما جاء به من عقيدة صحيحة ومن شريعة كاملة وافية {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة: 3، نظم علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبأسرته وبمجتمعه، ونظَم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين الجماعات والدول، وذلك من كل النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية وغيرها، "انظر ص 452 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى". والسياسة فى أصلها فن الإدارة والرعاية، وأطلقت عرفا على سياسة الحاكم لرعيته، عن طريق الأجهزة المختلفة، التشريعية منها والتنفيذية والقضائية وغيرها وما يستلزم ذلك من دستور وقوانين، ومجالس وإدارات وما إليها. والدين الإسلامى فيه كل ذلك، وكتب الفقه العام عقدت أبوابا وفصولا لمعالجتها كلها. وهى مملوءة بالأدلة والنصوص والآراء الاجتهادية، بل وضعت كتب خاصة بنظام الحكم من أقدمها كتاب "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" للماوردى المتوفى سنة 450 هـ و"الأحكام السلطانية" للقاضى أبى يعلى الفراء الحنبلى، و "السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والراعية" لابن تيمية، والدولة الإسلامية قامت على أساس هذا الدين بنظامه الشامل لأمور الدنيا والآخرة على السواء، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مبلّغا للوحى ومشرعا وإماما فى الصلاة وقاضيا بين الناس وقائدا للجيش، والخلفاء من بعده كانوا كذلك، وسار الحكام على هذه السياسة بأنفسهم أو بمن ينوبون عنهم، وبهذا التكامل فى التشريع والدقة فى التطبيق كانوا أعظم دولة خطبت ودها الدول الأخرى، وقبست من علومها وحضارتها ما طورت به حياتها حتى بلغت شأوا بعيدا فى القوة. ذلك كله فى الوقت الذى لم يقم فيه دين غير الإسلام بما قام به من تطور ونهوض، لما توارثه أهل هذه الأديان من فصل بين الدين والسياسة، وإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله، ومن احتكار بعض رجالها لسلطة التشريع، ورقابة التنفيذ بما لا يخرج عن سائرة الكتاب المقدس، الذى يرغب فى الزهد والانزواء عن الدنيا، الأمر الذى جعل بعض المتحررين المتأثرين بثقافة المسلمين وحضارتهم يثورون على الأوضاع التى يعيشون فى ظلها مقيدة أفكارهم مغلولة أيديهم، فكانت النهضة التى فصلت الدين عن الدولة، وانطلقت أوروبا إلى العالم الواسع تصول فيه وتجول بحرية كاملة فى كل الميادين وسيطر عليها هذا الشعار "لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة" ونقله بعض الشرقيين إلى بلادهم، وحاولوا أن يطبقوه لينهضوا كما نهض هؤلاء، على جهل منهم، بأن هذا الشعار أملته ظروف من نادوا به، والجو الدينى الذى كانوا يعيشون فيه، وعدم إسعاف تشريعاتهم الدينية بتحقيق سعادتهم، وكذلك على جهل ممن قلدوهم بأن الدين الإسلامى ليس كالدين الذى ثاروا عليه، قاصرا عن الوفاء بمطالبهم بل هو دين كامل التشريع مثالى فى كل ما وضعه من قوانين لإسعاد الناس من دنياهم وأخراهم. ومن هنا سمعنا هذه المقولة "لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة" يرددها كثير من الكُتَّاب والساسة والمنادين بالإصلاح. وهو شعار لا يصلح فى المجتمعات التى تدين بالإسلام وقد قرر كُتَّاب الغرب أن الإسلام دين وعولة،، فقال "شاخت " فى دائرة معارف العلوم الاجتماعية: ليس الإسلام مجرد دين، بل إنه نظام فكرى اجتماعى يشمل الدين والدنيا جميعا. تراث الإنسانية-ج 5ص 17. هذا، إذا أردنا بالسياسة فن الإدارة والحكم، الذى يحقق للمجتمع خيرى الدنيا والآخرة. وكذلك تكون صادقة إذا أريد بها: عدم استغلال الدين للوصول إلى الحكم، فإذا تحقق ذلك طرح الدين لأنه أدى مهمته وانتهى. فذلك نفاق لا يرضاه أى دين. أما إذا أريد بهذا الشعار حرمان المتدينين من ممارسة حقوقهم السياسية، فذلك مرفوض، وكذلك إذا أريد به عدم تقيد نظام الحكم بمبادئ الدين فهو مرفوض أيضا، انظر توضيح ذلك عند الكلام على دور الشريعة الإسلامية فى تحقيق أهداف المجتمع. "ص 380 ج 2 - من كتاب بيان للناس " الكلام عن العلمانية، "ص 452 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى". هذا، وقد ذكر المقريزى فى خططه أن السياسة كلمة مغولية أصلها"ياسة" وأصل نشأتها أن جنكيز خان التترى لما غلب الملك أونك خان وصارت له دولة، قرر قواعد وعقوبات فى كتاب سماه "ياسة" وجعله شريعة لقومه وتدوول من بعده، وكان لا يدين بدين ولما انتشر ملك أولاده وأسر عدد منهم فى الدفاع عن دولتهم وبيعوا فكان منهم دولة المماليك بمصر، ولشدة مهابة الأمراء للمغول وياستهم حافظوا على تنفيذ هذه "الياسة" فوكلوا إلى قاضى الشريعة العبادات والأحوال الشخصية، وأما هم وعاداتهم فكانت على مقتضى الياسة ونصبوا الحاجب ليقضى بينهم فيما اختلفوا فيه، وجعلوا إليه النظر فى قضايا الدواوين السلطانية عند الاختلاف فى أمور الإقطاعيات، فشرعوا فى الديوان ما لم يأذن به الله. . . إلى أن قال: هذا وكان الوازع الديني موجودا، فلما قلَّ الحياء وضعف الدين طغت السياسة وأحكامها وانزوى الدين وأهله، ج 2 ص 359. هذا رأيه فى السياسة وهو يؤيد أنها نظام لا يلتزم بالدين، وضعه قوم لا يعترفون به (10/411) ________________________________________ الذهب بين الرجال والنساء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نسمع بعض الناس يقولون الذهب حرام للنساء فهل هذا صحيح؟
الجواب روى أبو داود والنسائى أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله فى يمينه، وذهبا فجعله فى شماله ثم قال "إن هذين حرام على ذكور أمتى" ويفهم منه أنهما حلالان للنساء وجاء مصرحا بذلك فى رواية الترمذى لحديث قال إنه حسن صحيح "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتى وأحل لإناثهم " لكن وردت أحاديث يفهم من ظاهرها أن الذهب حرام أيضا على النساء، منها ما رواه أبو داود والنسائى بإسناد جيد "أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت فى عنقها مثلها فى النار يوم القيامة، وأيما امرأة جعلت فى أذنها خرصا - بصم الخاء وكسرها-من ذهب جعل فى أذنها مثله من النار" وما رواه النسائى بإسناد صحيح أن هند بنت هبيرة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم وفى يدها فتخ من ذهب -أى خواتم ضخمة-فجعل الرسول يضرب يدها، فدخلت على فاطمة تشكو إليها الذى صنع بها رسول الله، فانتزعت فاطمة سلسة فى عنقها من ذهب قالت: هذه أهداها أبو حسن، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها "أيغرك أن يقول الناس: ابنة رسول الله، وفى يدك السلسلة من نار"؟ ثم خرج ولم يقعد، فأرسلت فاطمة السلسلة إلى السوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما فأعتقته، فحدث بذلك النبى فقال "الحمد الذى أنجى فاطمة من النار". بل جاءت أحاديث تحرم الفضة أيضا على النساء، منها ما رواه أبو داود والدار قطنى: بمعناه أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى يدى عائشة فتخات من ورق - فضة - تتزين بها، فسألها "هل تؤدين زكاتها"؟ فقالت: لا، قال "هى حسبك من النار". قال العلماء: لأن درجات الأحاديث تكاد تكون واحدة فى القوة: إما أن يكون الحلُ ناسخا للحرمة. أو أن التحريم فى حق من لم تؤد زكاة الحُلى، لأن بعض الفقهاء أوجب الزكاة فى الحلى مطلقا، لكن بعضهم أوجبها فيما كان زائدا على عادة الأمثال، بدليل "فتخات " وهى ضخام، وإما أن يكون التحريم فى حق من تفاخرت به، أو التهت عن الواجبات، وذلك للتصريح بالإظهار فى بعض الروايات، والحديث "شغلهن الأحمران، الذهب والحرير" رواه أبو الشيخ ابن حبان وغيره، وحديث ابن حبان " ويل للنساء من الأحمرين: الذهب والمعصفر". "الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى ج 1 ص 218" ويراجع ما فى صفحة 87 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى (10/412) ________________________________________ الإسلام والتطور
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يتهم بعض الناس الإسلام بأنه دين قديم لا يصلح للعصر، وذلك من واقع النداءات التى تدعو؟ إلى القديم وتقاطع الجديد، فكيف نرد على هذا الاتهام؟
الجواب مبدئيا نقول: من الخطأ أن يُحكم على المبدأ من سلوك من يمارسونه، فقد تكون الممارسة خطأ والمبدأ صحيحا، ومن هذا المنفذ وجه الأعداء تهما كثيرة إلى الدين الإسلامى بناء على حال من يمارسونه فى هذه الأيام بالذات وكثير ممن ينتسبون إلى الإسلام يهملون تعاليمه أو يتمسكون بقشور ليست من صميم الدين كما هو حاصل فى هذه الأيام من الحملة الشرسة على الإسلام من واقع سلوك المنحرفين الذين يتورطون فى أخطاء جسيمة باسم الدين. وإذا أُريد الحكم على المبدأ من واقع تطبيقه فليكن ذلك ممن طبقوه تطبيقا صحيحا، فالإسلام وهو الدين الحق لإخراج الناس من الظلمات إلى النور- فهمه الأولون فهما صحيحًا وطبقوه تطبيقا صحيحًا فكان لهم السلطان والقوة وتحقق فيهم وعد الله لمن آمن واعتنق الإسلام وطبقه بصدق، والتاريخ شاهد على ذلك، وفى هذا يقول الله سبحانه {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدِّلنهم من بعد خوفهم أمنا} النور: 55. إن الدين الإسلامى خاتمة الأديان ورسوله خاتم الرسل، فلا بد أن يكون صالحًا لكل زمان ومكان، وليس من رحمة الله أن يترك عباده بدون رسالة حتى تقوم الساعة، ومن هنا جاء الإسلام وفيه كل العناصر والمقومات التى تتجاوب مع التطور تحت ظل القيم والثوابت التى لا تتغير بتغير البيئات والعصور. إن التطور نزعة فطرية تقوم على الانتقال من حال إلى حال أحسن. وهذه النزعة هى سر الحركة والنزوع إلى الكمال المادى والأدبى، والأديان بوجه عام تقر هذه النزعة لأنها أمر حتمى لا يمكن التمرد عليه، ومهمة الأديان هى التوجيه والإرشاد، والأديان نفسها من ظواهر التطور، فقد كانت خاصة ينسخها الدين الذى يجئ بعدها، ثم كملت وصارت عامة بمجئ دين الإسلام. ومن مظاهر موافقة الإسلام للتطور ما يأتى: 1 -أنه يدعو إلى الأخذ بالأحسن من كل شىء {فبشر عباد. الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} الزمر: 17، 18، ولا يرضى عن القناعة بالدون ما دام الأفضل ميسرا، ففى الحديث "إن المؤمن لا يشبع من خير حتى يكون منتهاه الجنة" رواه الترمذى وحسنه. 2 -أنه يمجد القوة فى كل شىء فى الماديات والروحانيات، ففى الحديث "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضيعف. وفى كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. رواه مسلم. 3- حذَّر من الجمود على القديم إذا كان فاسدا {وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قال أوَ لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم} الزخرف: 23، 24. 4 - أقر الإسلام التجديد فى نطاق الثوابت، ففى الحديث "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" رواه الحاكم وصححه. 5 -شجع الإسلام على العلم فهو أساس التطور، ورفع قدر العلماء، والنصوص فى ذلك كثيرة، والمراد بالعلم كل معرفة تفيد الفرد والجماعة فى إطار الدين، وذكر القرآن فى الآيتين: 27، 28، من سورة فاطر ما يؤكد أن العلماء الذين يؤمنون بالله أو يزدادون به إيمانا ويخشون عقابه {إنما يخشى الله من عباده العلماء} هم علماء الفلك والطبيعة والكيمياء والنبات والحيوان وطبقات الأرض والعلوم الإنسانية كلها من طب واجتماع وفلسفة وغير ذلك. 6 -أمر الإسلام بالعمل وتطبيق العلم، وشجعه فى كل المجالات الزراعية والصناعية والتجارية وغيرها، والنصوص فى ذلك كثيرة لا يتسع لها المقام ويمكن الرجوع إلى الموضوع كله فى كتابنا "دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة". 7 - وإذا كان الإسلام يقر التطور المادى فذلك فى نطاق الدين كما سبق ذكره، ومع ذلك يدعو إلى التطور الروحى بقوة لأنه ضمان للتطور المادى من الانحراف، وهو الباقى الخالد الذى يصحب الإنسان فى دنياه وأخراه {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} الكهف: 46، {زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب. قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله} آل عمران: 14، 15. إن الإسلام بهذا التطور كوَّن دولة عظيمة قوية فى الماضى شهد به المنصفون من العلماء، وقرروا أن مبادئه وجهود العاملين به كان لها أثر كبير فى تطور الحضارة الإنسانية فى كل المجالات. ومن هنا نقول: إن الذين يريدون أن يحكموا على الإسلام يجب أن يحكموا عليه عن طريق مبادئه، وعن طريق التطبيق الصحيح له، ولا يجوز أن يحكموا عليه بسلوك المتأخرين الذين يجهل كثير منهم تعاليم الدين الحق، أو يطبقونها تطبيقا غير صحيح (10/413) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:31 am | |
| حكمة تحريم لحم الخنزير
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الحكمة فى تحريم لحم الخنزير؟ ويقول البعض: إنه إذا تغذى غذاء نظيفا فإن لحمه يكون صحيًّا أو خاليا من الأمراض، فهل هذا صحيح؟
الجواب جاء فى التعليق على " المنتخب فى تفسير القراَن الكريم " الذى نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية"ص 145 "عند تفسير قوله تعالى {حرِّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} المائدة: 3، فى بيان الحكمة فى تحريم أكل لحم الخنزير أنه معرض للإصابة بعدد كبير من الطفيليات التى تصيب الإنسان، وأهمها: 1 - الحيوان الأولى الهَدبى المسمى"الأنتديوم كولاى " المسبب للزحار ومصدره الوحيد للإنسان هو الخنزير، ويكاد يكون مرضا مهنيا لا يصيب سوى المشتغلين بتربية الخنزير وذبحه وبيع لحمه. 2 - الوشائع الكبدية والمعوية فى الشرق الأقصى، وخاصة وشيعة الأمعاء الكبيرة "فاسيلوبس بوسكاى" الواسعة الانتشار فى الصين، ووشائع الأمعاء الصغيرة التى تصيب الإنسان فى البنغال وبورما وآسام، ووشيعة الكبد الصينية "كاورنوكس سينتسز" المنشرة فى الصين واليابان وكوريا على الخصوص، ويعتبر الخنزير العائل الخازن الرئيسى لهذه الطفيليات، وخاصة الديدان الأولى التى تنطلق فيه لتقضى دوره حياتها فى عوائلها الأخرى حتى تصيب الإنسان، ومن ثم فمقاومتها فى الإنسان وحده لا تكفى. 3 - دودة لحم الخنزير الشريطية "تيناسوليوم " والدورة الطبيعية لها أن تنتقل بويضاتها من الإنسان إلى الخنزير، حيث تكون أجنتها ديدانا مثانية فى لحمه، ثم تنتقل إلى آكل هذا اللحم فتنمو الدودة الشريطية البالغة فى أمعائه وهكذا، وهذه إصابة غير خطيرة فى المعتاد وتشبه فى ذلك دودة لحم البقر الشريطية "تنياسا جيناتا" ولكن دودة لحم الخنزير تنفرد دون دودة لحم البقر بخصائص تؤهلها لانعكاس هذه الدودة انعكاسا جزئيا. أما ابتلاع الإنسان للبويضات بيده الملوثة، أو مع طعامه الملوث أو بارتداد قطع الدودة المثقلة بالبيض أو البيض نفسه من الأمعاء إلى المعدة، حيث يفقس البيض وتنتشر اليرقات فى عضلات المصاب، مسببة أعراضا شديدة، كثيرا ما تكون قاتلة إذا ما أصابت المخ أو النخاع الشوكى أو القلب أو غيرها من الأعضاء الرئيسية، والإصابة بهذه الدودة ومضاعفاتها الخطيرة لا تكاد تعرف فى البلاد الإسلامية، حيث يحرم أكل لحم الخنزير. 4 - الدودة الشعرية الحلزونية "تريكتيلا سبيرالس " وأعراضها الخطيرة مترتبة على انتشار يرقاتها فى عضلات الجسم، وأعراض الإصابة بها شديدة متنوعة، منها اضطرابات معوية وآلام روماتيزمية وصعوبة التنفس والتهاب المخ والنخاع الشوكى والأمراض العصبية والعقلية المترتبة على ذلك التسمم، وفى الإصابات القاتلة تحدث الوفاة بين الأسبوعين الرابع والسادس فى معظم الأحوال. والخنزير هو المصدر الوحيد لإصابة الإنسان بهذا المرض الوبيل إلا فى المناطق القطبية الشمالية، ومواطن المرض هى أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية والمحاولات المضنية لتجنب هذا البلاء بتربية الخنازير بطريقة صحية وفحص ذبائحها ومعالجة لحومها بوسائل باهظة التكاليف غير مجدية من الناحية العملية، ويكفى فى الدلالة على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية بها ثلاثة أمثال عدد الإصابات فى العالم أجمع، وأن متوسط نسبة الإصابة فى ولاياتها المتخلفة هو 16 % مع الوثوق بأن هذا الرقم أقل من الحقيقة كثيرا، وأن نسبة إصابة الخنزير به بين 5%، و27 %. ويزاد على هذا كله أن دهن الخنزير مختلف تماما فى درجة تشبعه عن الزيوت والدهون الحيوانية الأخرى فصلاحيته للغذاء موضع شك كبير، وينصح الأستاذ "رام " عالم الكيمياء الحيوية الدانمركى الحاصل على جائزة نوبل، بعدم المداومة على تناوله، حيث ثبت بالتجربة أنه من أهم ما يسبب حصى المرارة وتصلب الشرايين وبعض أمراض القلب الأخرى. هذا ما قاله أهل الذكر فى ضرر الأكل من لحم الخنزير، ومن هنا نطمئن كل الاطمئان إلى حكمة الله سبحانه فى تحريم أكله، وهكذا تكشف العلوم عن أسرار التشريع (10/414) ________________________________________ أسلحة الدمار الشامل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى الأسلحة الحديثة المدمرة التى تستعمل فى الحروب فيصاب بها البرئ والمتهم، وتأتى على الأخضر واليابس؟
الجواب مبدئيا نقرر أن الحرب فى الإسلام ضرورة تقدر بقدرها، والقرآن قرر أن الناس ليسوا جميعا مسالمين، نظرًا لتسلط الأهواء والغرائز ونظرًا لنشاط الشيطان العدو المبين. ومن هنا كان لابد من الوقوف ضد الطغيان والتعدى على الحقوق وإقلاق الآمنين، قال تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} البقرة: 251، وقرر حق الدفاع عن النفس والحرمات، بل أوجبه حتى يقف المعتدى عند حده فقال {كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} البقرة: 216، وحتى تقدر الضرورة بقدرها حرج الابتداء بالقتال والعدوان على الآمنين، وإذا تحتم مَنَعَ تجاوز الحد الذى يدفع به العدوان، ومن أجمع النصوص فى ذلك قوله تعالى {وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} البقرة: 190. وبناء على تقدير للضرورة بقدرها، منع الإسلام قتل من لم يشترك فى القتال كالنساء والصبيان، ومنع التخريب والإفساد وقيد جوازه بما إذا كان سلاحا يضعف به العدو. ومما ورد فى ذلك ما رواه مسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان، وذلك إذا تميزوا عن المحاربين، أما إذا لم يتميزوا وحدثت إغارة بالليل مثلا فقد ورد فيهم ما رواه مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الذرارى من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال "هم منهم " وفى رواية للأهم من آبائهم " يقول النووى فى "شرح صحيح مسلم ج 12 ص 48": أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، حديث ابن عمر، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء: يقتلون، وأما شيوخ الكفار- أى كبار السن - فإن كان فيهم رأى - أى يشاركون فى الحرب بالرأى - قتلوا، وإلا ففيهم وفى الرهبان خلاف، قال مالك وأبو حنيفة: لا يقتلون، والأصح فى مذهب الشافعى قتلهم. ويقول فى حديث ابن عباس: لا بأس بقتل النساء والذرارى إذا لم يميزوا عن غيرهم وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبى حنيفة والجمهور. ومعنى البيات ويبيتون أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبى. ثم يقول النووى: إن أولاد الكفار حكمهم فى الدنيا حكم آبائهم وأما فى الآخرة ففيهم إذا ماتوا قبل البلوغ ثلاثة مذاهب الصحيح أنهم فى الجنة، والثانى فى النار، والثالث لا يجزم فيهم بشىء. وبخصوص التخريب روى مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرَّق نخل بنى النضير وقطع، وهو البويرة، فأنزل الله عز وجل {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين} الحشر: 5، والبويرة موضع نخل بنى النضير، واللينة هى أنواع التمر كلها إلا العجوة، وقيل كرام النخل وقيل كل النخل، وذكر أن نخل المدينة مائة وعشرون نوعا، ثم قال: وفى هذا الحديث جواز قطع شجر الكفار وإحراقه، وبه قال عبد الرحمن بن القاسم ونافع مولى ابن عمر، ومالك والثورى وأبو حنيفة والشافعى واحمد وإسحاق والجمهور، وقال أبو بكر الصديق والليث بن سعد وأبو ثور والأوزاعى فى رواية عنهم، لا يجوز. وروى مالك فى الموطأ أن أبا بكر أوصى يزيد بن أبى سفيان عندما وجهه إلى الشام فقال له: إنى موصيك بعشر خلال: لا تقتل امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما، ولا تقطع شجرا مثمرا، ولا تخرب عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تعقرن نخلا ولا تحرقه ولا تغلل ولا تجبن، يقول الشوكانى "نيل الأوطار ج 7 ص 264 " وقد اختلف السلف فى التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما، قال المهلب: ليس هذا النهى على التحريم بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمَّل النبى صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد، وقد أحرق أبو بكر بالنار فى حضرة الصحابة، وحرق خالد ابن الوليد ناسا من أهل الردة، وكذلك حرق على. وعنوان الباب الذى ذكر فيه عدة أحاديث هو: باب الكف عن المثلة والتحريق وقطع الشجر وهدم العمران إلا لحاجة ومصلحة، يقول: وظاهر النهى فى حديث الباب التحريم، وهو نسخ للأمر المتقدم، سواء كان بوحى إليه أو اجتهاد، وهو محمول على من قصد إلى ذلك فى شخص بعينه، ثم نقل عن ابن حجر فقال: قال فى الفتح: ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب فى بلاد العدو. وكرهه الأوزاعى والليث وأبو ثور، واحتجوا بوصية أبى بكر لجيوشه ألا يفعلوا شيئا من ذلك، وأجاب الطبرى بأن النهى محمول على القصد لذلك، بخلاف ما إذا أصابوا ذلك فى حال القتال كما وقع فى نصب المنجنيق على الطائف،وهو نحو مما أجاب به فى النهى عن قتل النساء والصبيان، وبهذا قال أكثر أهل العلم، وقال غيره: إنما نهى أبو بكر عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد تفتح، فأراد بقاءها على المسلمين. انتهى. ولا يخفى أن ما وقع من أبى بكر لا يصلح لمعارضة ما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم لما تقرر من عدم حجية قول الصحابى "ص 266". وجاء فى تفسير القرطبى"ج 18 ص 6" ما ذكره ابن إسحاق عن اختلاف الصحابة فى قطع النخل وحرق الشجر لبنى النضير وما تقاول به اليهود من زعم النبى أنه يريد الإصلاح لا الإفساد، ونزول الآية، وشعر سمَّاك اليهودى وردَّ حسان بن ثابت وغيره عليه، ثم قال فى "ص 7" واختلف الناس فى تخريب دار العدو وتحريقها وقطع ثمارها على قولين، الأول أن ذلك جائز قاله فى المدونة، والثانى إن علم المسلمون أن ذلك لهم لم يفعلوا، وإن يئسوا فعلوا، قاله مالك فى الواضحة، وعليه يناظر أصحاب الشافعى، قال ابن العربى، والصحيح الأول، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخل بنى النضير له، ولكنه قطع وحرق ليكون ذلك نكاية لهم ووهنا فيهم حتى يخرجوا عنها. وإتلاف بعض المال لصلاح باقيه مصلحة جائزة شرعا، مقصودة عقلا. وجاء فى المغنى لابن قدامة "ج 10 ص 509" أنه لا يقطع شجرهم ولا يحرق زرعهم، إلا أن يكونوا يفعلون ذلك فى بلادنا فيفعل ذلك بهم لينتهوا. وفى شرحه لهذا قسم الشجر والزرع ثلاثة أقسام، القسم الأول ما تدعو الحاجة إلى إتلافه كالذى يقرب من حصونهم ويمنع من قتالهم. وكالذى يحتاج إلى قطعه لتوسعة طريق أو تمكن من قتال، أو يكونون يفعلون ذلك بنا فيفعل بهم ذلك لينتهوا،فهذا يجوز بغير خلاف نعلمه، والقسم الثانى ما يتضرر المسلمون بقطعه لأنهم ينتفعون ببقائه لعلف دوابهم أو الأكل من ثمره، فهذا يحرم لما فيه من الإضرار بالمسلمين، والقسم الثالث ما عدا هذين القسمين مما لا ضرر فيه بالمسلمين ولا نفع سوى غيظ الكفار والإضرار بهم ففيه روايتان -أى عن أحمد-إحداهما لا يجوز، لحديث أبى بكر ووصيته لأن فيه إتلافا محضا فلم يجز. كعقر الحيوان، وبه قال الأوزاعى والليث وأبو ثور، والرواية الثانية يجوز، وبهذا قال مالك والشافعى وإسحاق وابن المنذر، قال إسحاق: التحريق سنة إذا كان أنكى فى العدو، وذكر الآية {ما قطعتم من لينة} وحديث ابن عمر فى تحريق الرسول لنخل بنى النضير. يؤخذ من كل ما تقدم أن قطع الشجر والتحريق والتخريب إن كان فيه مصلحة للمسلمين المجاهدين فلا مانع منه. ومن المصلحة إزالة حواجز تمنع القتال. وإضعاف شوكة العدو ليكف عن القتال، والمقابلة بالمثل إذا فعلوا بنا ذلك. وأسلحة الدمار الشامل تأتى على الأشخاص والثروات والأملاك، وفى الأشخاص كثيرون لا يباشرون القتال ولا يتميزون عنهم ولا يقصدون بأعيانهم فيجوز قتلهم، وفى الثروات والأملاك لا بأس من تخريبها للمصلحة العائدة على المجاهدين. ومنها النكاية بالعدو وإضعافه ليقف عن الحرب (10/415) ________________________________________ الفتنة وما يجب نحوها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا حديثا عن قيام الساعة وأن الفتنة تأتى من قبل المشرق، فهل هذا صحيح؟
الجواب روى البخارى أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: ذكر النبى صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لنا فى شامنا، اللهم بارك لنا فى يمننا" قالوا: يا رسول الله: وفى نجدنا قال "اللهم بارك لنا فى شامنا، اللهم بارك لنا فى يمننا " قالوا: يا رسول الله: وفى نجدنا فأظنه قال فى الثالثة: "هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان " وفى رواية عن ابن عمر أيضا انه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: "ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان " وفى بعض الروايات بدل قرن الشيطان "قرن الشمس ". يقول ابن حجر "فتح البارى ج 13 ص 61" ناقلا عن غيره: كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة، قال الخطابى: نَجْدٌ من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهى مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وعرف بهذا. ما قاله الداودى أن نجدا من ناحية العراق. هذا ما نقلته عن الفتنة وأنها من جهة المشرق الذى قيل إنه العراق، ولا ادرى بالضبط ما يراد بالفتنة، هل هى الكفر والردة أو هى الحرب والقتال، وهل حدثت الفتنة أو لم تحدث إلى الآن؟ . جاء فى حديث رواه البخارى أيضا عن سؤال حذيفة بن اليمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركه: أن بعد الخير الذى جاء به الإسلام يجىء شر، وأن بعد الشر يجىء خير فيه دَخَنٌ قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم "قوم يهدون بغير هديى، تعرف منهم وتنكر" وأن بعد الخير يجىء شر قال عنه "دعاة على أبواب جهنم. من أجابهم إليها قذفوه فيها" وقال فى صفتهم "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" ونصح الرسول صلى الله عليه وسلم حذيفة إذا أدرك ذلك بأن يلزم جماعة المسلمين، وإذا لم يكن لهم جماعة ولا إمام أن يعتزل الفرق كلها ولو أن يعض بأصل شجرة حتى يدركه الموت وهو على ذلك. ويعرف من هذا أن دعاة الفتنة هم من العرب، وقال عياض: المراد بالشر الأول الفتن التى وقعت بعد عثمان، والمراد بالخير الذى بعده ما وقع فى خلافة عمر بن عبد العزيز، والمراد بالذين تعرف منهم وتنكر الأمراء بعده، فكان فيهم من يتمسك بالسنة والعدل، وفيهم من يدعو إلى البدعة ويعمل بالجور. قال ابن حجر: الظاهر أن المراد بالشر الأول ما أشار إليه من الفتن الأولى، وبالخير ما وقع من الاجتماع مع علىٍّ ومعاوية، وبالدخن ما كان فى زمنهما من بعض الأمراء كزياد بالعراق وخلاف من خالف عليه من الخوارج وبالدعاة على أبواب جهنم من قام فى طلب الملك من الخوارج وغيرهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله "الزم جماعة المسلمين وإمامهم " يعنى ولو جار، ويوضح ذلك رواية أبى الأسود "ولو ضُرب ظهرك وأخذ مالك " وكان مثل ذلك كثيرا فى إدارة الحجاج ونحوه. ثم روى البخارى قوله صلى الله عليه وسلم "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم - أو غنما -يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن " وقال ابن حجر: اختلف السلف فى أصل العزلة، فقال الجمهور: الاختلاط أولى، لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعيادة وغير ذلك. وقال قوم: العزلة أولى، لتحقق السلامة، بشرط معرفة ما يتعين. وقال النووى: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع فى معصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى، وقال غيره: يختلف باختلاف الأشخاص، فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين ومنهم من يترجح وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال، فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر، فيجب عليه إما عينا وإما كفاية بحسب الحال والإمكان. وممن يترجح من يغلب على ظنه أنه يسلم فى نفسه إذا قام فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وممن يستوى من يأمن على نفسه ولكنه يتحقق أنه لا يطاع. وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامة، فإن وقعت الفتنة ترجحت العزلة، لما ينشأ فيها غالبا من الوقوع فى المحذور. وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها، كما قال الله تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: 25. انتهى ما نقلته عن ابن حجر، والمهم أن الفتن موجودة فى كل عصر ومصر، وأن الإنسان ما دام حيًّا سيتعرض لها، والواجب هو محاولة البعد عنها وتجنب أسبابها، والقيام بواجب الإصلاح عند الإمكان الذى لا ضرر فيه مع رجاء الخير من محاولة الإصلاح، وعلى رأس هذه الفتن فتنة المسيح الدجال، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال. وأخيرا، هل للأحوال التى يعيش فيها المسلمون عربهم وغير عربهم صلة بهذه الأحاديث الواردة فى الفتنة، وهل يمكن تحديد الشرق الذى ذرَّ منه قرنها، وهل هى فتنة فكرية مذهبية أو فتنة سياسية دنيوية، وهل التدخل للإصلاح وجمع الشمل أولى، أو الاعتزال والتقوقع واللامبالاة أسلم؟ إنها أسئلة تحتاج إلى أجوبة، ولكل أن يدلى بدلوه فى هذا المجال، ولوسائل الإعلام ولمن يصطادون فى الماء العكر من المسلمين وغير المسلمين فى الشرق والغرب دور وأدوار فى ذلك، وأبرى ذمتى بالنصح بأن الدنيا فانية والآخرة خير وأبقى وبقوله تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: 25، وبقوله: {وإذ قالت أمة منهم لمَ تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} الأعراف:64، اللهم قد بلغت فاشهد (10/416) ________________________________________ بلقيس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى قصة سيدنا سليمان عليه السلام قيل إن ملكة سبأ اسمها بلقيس وأنها من أصل جنى، فهل هذا صحيح؟
الجواب يقول الله تعالى على لسان هُدهد سليمان {وجئتك من سبأ بنبإٍ يقين. إنى وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شىء ولها عرش عظيم} النمل: 22، 23، يقول القرطبى فى تفسيره "ج 13 ص 182 " المرأة هى بلقيس بنت شراحيل. ثم قال: ويروى أن أحد أبويها كان من الجن. قال ابن العربى: وهذا أمر تنكره الملحدة ويقولون: الجن لا يأكلون ولا يلدون، كذبوا، فذلك صحيح ونكاحهم جائز عقلا، فإن صح نقلا فبها ونعمت. وذكر القرطبى حديث مسلم فى أنهم يأكلون، عندما قدم وفد من الجن على النبى وقال "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع أيديكم أوفر ما يكون لحما" كما جاء فى البخارى أن العظم من طعام الجن، كما قال القرطبى إن نكاحهم مذكور عند تفسير قوله تعالى فى سورة الإسراء {وشاركهم فى الأموال والأولاد} "ج 10 ص 289 " [راجع صفحة 265 من المجلد الثانى من هذه الموسوعة] وقال القرطبى، كانت أم بلقيس من الجن يقال لها "بلعمة بنت سيصان " وذكر فى "ص 211 " نسبها إلى سام بن نوح، وأن أباها واسمه "السرح " تكبر على الملوك ولم يتزوج منهم فزوَّجوه امرأة من الجن يقال لها"ريحانة بنت السكن " فولدت له "بلقمة" وهى بلقيس. وذكر عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كان أحد أبوى بلقيس جنيًّا" ولما مات أبوها تملك رجل فاجر فتزوجته بلقيس وقتلته وهو سكران فنصبوها ملكة عليهم، وذكر كلاما آخر يؤكد أن أباها تزوج جنيَّة ولدتها، ثم قال فى صفحة 213: إن الماوردى قال: والقول بأن أم بلقيس جنية مستنكر من العقول لتباين الجنسين واختلاف الطبيعتين ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف، وقال القرطبى إن التزاوج لا يحيله العقل مع ما جاء فى الخبر وأشار إلى أدلة ذلك من أرادها فليراجعها. هذا بعض ما قيل، ولا يضرنا الجهل به (10/417) ________________________________________ التهنئة برمضان والمناسبات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم التهنئة برمضان والأعياد والمناسبات؟
الجواب أخرج أحمد والنسائى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان يقول " قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها حرم الخير الكثير ". جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرحه للزرقانى " ج 8 ص 99" ما ملخصه: قال القمولى فى الجواهر: لم أر لأحد من أصحابنا كلاما فى التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذرى عن الحافظ أبى الحسن المقدسى أن الناس لم يزالوا مختلفين فيه. والذى أراه أنه مباح، لا سنة ولا بدعة. انتهى. وأجاب الحافظ بعد اطلاعه على ذلك بأنها مشروعة، فقد عقد البيهقى لذلك بابا فقال " باب ما روى فى قول الناس بعضهم لبعض فى يوم العيد: تقبل الله منا ومنك " وساق ما ذكره من أخبار وآثار ضعيفة، لكن مجموعها يحتج به فى مثل ذلك. ثم قال يحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بما فى الصحيحين عن كعب بن مالك فى قصة توبته عند تخلفه عن غزوة تبوك، قال: فانطلقت إلى النبى صلى الله عليه وسلم يتلقانى الناس فوجا فوجا يهنئوننى بالتوبة ويقولون: تهنيك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى وهنأنى، فكان كعب لا ينساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يشرق وجهه من البشر " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ". وللحافظ السيوطى وريقات سماها"وصول الأمانى بأصول التهانى" قال فى أولها: طال السؤال عما اعتاده الناس من التهنئة بالعيد والعام والشهر والولايات ونحو ذلك، هل له أصل فى السنة؟ فجمعت هذا الجزء فى ذلك. انتهى ما فى القسطلانى والزرقانى. بعد هذا أقول: لا مانع من تهنئة الناس بعضهم لبعض بالمناسبات السعيدة، بل قد يكون ذلك سنة يثاب عليها الإنسان إذا قصد بذلك إدخال السرور على أخيه المسلم، لمشاركته فرحته بهذه المناسبة أو النعمة التى أنعم الله بها عليه، وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل: أى الأعمال أفضل؟ فقال " إدخالك السرور على مؤمن " رواه الطبرانى وغيره، كما ثبت أن النية الطيبة تحول العادة إلى عبادة، فالحديث الصحيح يقول " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " (10/418) ________________________________________ العقاب الشامل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا عاقب الله قوما ظالمين بعقاب عام كالزلازل والسيول والأوبئة، فما ذنب الصالحين أن يعاقبهم الله أيضا معهم؟
الجواب يقول الله سبحانه " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال:25، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم " إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم " يقول العلماء: إذا أوقع الله عقابا فى الدنيا على من يرتكبون المعاصى كان ذلك عدلا حيث لم يظلمهم الله سبحانه، ومن كان يعيش مع العاصين ولم يرتكب ما ارتكبوه إن قصر فى تغيير المنكر ورضى بما فعلوا كان عاصيا مثلهم ولم يكن شمول العقاب له ظلما، أما إن قام بواجبه فى تغيير المنكر بكل ما يمكن فإن ما يلحقه من الضرر فى الدنيا لا يسمى عقوبة وسيحشره الله يوم القيامة مع الطائعين، كما يدل عليه الحديث المذكور والأحاديث الأخرى التى منها ما رواه ابن حبان فى صحيحه " إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم " وما رواه مسلم " العجب أن ناسا من أمتى يؤمون هذا البيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم " فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد تجمع الناس قال: " نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم ". وجاء فى القاعدين عن تغيير المنكر واستحقاقهم العذاب مع المرتكبين له قوله تعالى {وقد نزل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذًا مثلهم} النساء: 140، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب " يقول ابن حجر " فتح البارى ج 13 ص 66" يستفاد من هذا مشروعية الهرب من الكفار ومن الظلمة، لأن الإقامة معهم من إلقاء النفس إلى التهلكة، هذا إذا لم يعنهم ولم يرض بأفعالهم، فإن أعان أو رضى فهو منهم، ويؤيده أمره صلى الله عليه وسلم بالإسراع فى الخروج من ديار ثمود. وأما بعثهم على أعمالهم فحكم عدل، لأن أعمالهم الصالحة إنما يجازون بها فى الآخرة، وأما فى الدنيا. فمهما أصابهم من بلاء كان تكفيرا لما قدموه من عمل سىء، فكان العذاب المرسل فى الدنيا على الذين ظلموا يتناول من كان معهم ولم ينكر عليهم فكان ذلك جزاء لهم على مداهنتهم، ثم يوم القيامة يبعث كل منهم فيجازى بعمله وفى الحديث تحذير وتخويف عظيم لمن سكت عن النهى، فكيف بمن داهن، فكيف بمن رضى فكيف بمن عاون؟ نسأل الله السلامة (10/419) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:32 am | |
| اللغات الأجنبية وتعلمها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أنا أميل كثيرا إلا أجادة لغة أجنبية، وأصبحت متخصصا فى أدائها، ولكن بعض إخوانى يعيبون علىَّ ذلك ويقولون: الأولى أن تهتم باللغة العربية، لأنها لغة القرآن الكريم، فهل دراستا للغة الأجنبية عبث أعاقب عليه؟
الجواب إن الواجب على كل مسلم أن يتعلم من اللغة العربية ما يؤدى به عبادته على وجهها الصحيح، كقراءة الفاتحة فى الصلاة مثلا، ما دام ذلك ممكنا، كما ينبغى أن يعرف منها أكثر ليستطيع فهم الدين بسهولة عند قراءته فى المصحف واطلاعه على الأحاديث النبوية وغيرها من الكتب المؤلفة باللغة العربية. ومع هذا لابد أن يكون فى المسلمين من يعرف اللغات الأجنبية لحاجة الدعوة إليها بوجه خاص، وإلى إمكان التعايش مع العالم الذى لا غنى عن التعايش معه. ولا يوجد نص يمنع ذلك، بل يوجد ما يدعو إليه ويؤكده. قال البخارى عن زيد بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبى صلى الله عليه وسلم كتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه. وقال أبو جمرة: كنت أترجم بين ابن عباس والناس، وقال بعض الناس: لا بد للحاكم من مترجمين. لقد أعجب النبى صلى الله عليه وسلم بزيد حين قدم المدينة لأنه يحفظ كثيرا من القرآن وقال له " تعلم كتاب يهود، فإنى ما آمن من يهود على كتابى " فتعلم ذلك فى نصف شهر حتى كتب له إلى يهود وقرأ له إذا كتبوا إليه. وروى أبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح أن مدة التعلم كانت خمس عشرة ليلة، كما جاء فى بعض الروايات أنها كانت سبعة عشر يوما، وذلك لا يهمنا، والمهم أن زيدا تعلم العبرية أو السريانية بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم للحاجة إلى ذلك، وقد تحدث العلماء عن إجادة اللغة وصحة الترجمة ليكون موثوقا بها كالشهادة فى الأحكام والقضايا، وهذا يؤكد أن إجادة اللغات ومعرفة أسرارها أمر مشروع، والمشتغل به مشتغل بعلم له قدره وثوابه ما دام القصد طيبا، والاستعمال مشروعا، ويعجبنى فى هذا المقام ما نسب إلى الشافعى أو إلى الصفدى من قوله: بقدر لغات المرء يكثر نفعه * وهن له عند الشدائد أعوان فبادر إلى حفظ اللغات مسارعا * فكل لسان فى الحقيقة إنسان (10/420) ________________________________________ تقصير الملابس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرى بعض المتدينين يحرصون على تقصير ملابسهم بشكل لافت للنظر يخالف ما درج عليه الناس، ويزعمون أن من لا يقصر مثلهم فقد عصى الله، فهل هذا صحيح؟
الجواب نبهنا أكثر من مرة على وجوب التفقة فى الدين والتفرقة بين الواجب والمندوب وبين الحرام والمكروه، حتى لا يكون فى التطبيق تطرف يضر صاحبه ويضر غيره ويسىء إلى الدين نفسه. لقد روى البخارى تعليقا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " كلوا واشربوا والبسوا وتصدَّقوا فى إسراف ولا مخيلة" وقال ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان، سرف أو مخيلة. يدل هذا على أن الممنوع هو ما كان فيه إسراف وما قصد به الخيلاء وإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج، وقد ورد فى ذلك عدة أحاديث منها " ما أسفل الكعبين من الإزار ففى النار" رواه البخارى وغيره والإزار هو ما يستر أسفل البدن، ومنه البنطلون والجلباب. " من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة" رواه مالك وأبو داود والنسائى وابن ماجه " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه: يا رسول الله إن إزارى يسترخى إلا أن أتعاهده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك لست ممن يفعله خيلاء"رواه البخارى ومسلم وغيرهما. والخيلاء هو الكبر والعجب. والمخيلة من الاختيال وهو الكبر واستحقار الناس. وفى رواية لمسلم وغيره عن الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم إنهم هم المسبل إزاره والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. والمسبل هو الذى يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض كأنه يفعل ذلك تجبرا واختيالا. كما فسره الحافظ المنذرى فى كتابه " الترغيب والترهيب ". وحديث " ما أسفل من الكعبين من الإزار فى النار" ليس عاما للرجال والنساء فقد فهمت أم سلمة رضى الله عنها أنه عام وقالت للنبى صلى الله عليه وسلم فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال "يرخين شبرا" فقالت: إذًا تنكشف أقدامهن، قال " فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه " أخرجه النسائى والترمذى وصححه. والذراع شبران بشبر اليد المعتدلة. والخلاصة أن للرجال حالين، حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال جواز وهو إلى الكعبين. وكذلك للنساء حالان، حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر، وحال جواز بقدر ذراع. وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه، ومن قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه، مستحضرا لها شاكرا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان فى غاية النفاسة، ففى صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخل الجنة من كان فى قلبه ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، فقال " إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس "، والغمط معناه الاحتقار. والحديث الذى أخرجه الطبرى " إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه " محمول على من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه. لا من أجب ذلك ابتهاجا بنعمة الله. فقد اخرج الترمذى وحسنه " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " وأخرج النسائى وأبو داود وصححه الحاكم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجل رآه رث الثياب " إذا أتاك الله مالا فلير أثره عليه " أى بأن يلبس ثيابا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون إلى الطلب منه، مع مراعاة القصد وترك الإسراف. هذا وقد نقل القاضى عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد فى اللباس من الطول والسعة، والثوب الطويل الذى ليس فيه خيلاء يكره إذا لم يأمن لابسه من تعلق النجاسة به، فقد أخرج الترمذى عن عبيد بن خالد أنه قال: كنت أمشى وعلىَّ برد أجره، فقال لى رجل " ارفع ثوبك فإنه أنقى وأبقى" فنظرت فإذا هو النبى صلى الله عليه وسلم، فقلت: إنما هى بردة ملحاء -أى فيها خطوط سود وبيض -فقال "أما لك فىَّ أسوة"؟ قال: فنظرت فإذا إزاره إلى أنصاف ساقيه " فتح البارى ج 10 ص 264 - 275 " (10/421) ________________________________________ نذر بدون وفاء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نذرت لله ان أصوم يوم الإثنين من كل أسبوع، فجاء هذا اليوم يوم عيد الاضحى فماذا أفعل؟
الجواب روى البخارى أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما سأله رجل فقال: نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء أو أربعاء ما عشت، فوافقت هذا اليوم يوم النحر، فقال: أمر الله بوفاء النذر، ونهينا أن نصوم يوم النحر، فأعاد عليه، فقال مثله لا يزيد عليه. يقول ابن حجر"ج11 ص 599 ": انعقد الإجماع على أنه لا يجوز له أن يصوم يوم الفطر ولا يوم النحر، لا تطوعا ولا عن نذر سواء عينهما أو أحدهما بالنذر، أو وقعا معا أو أحدهما اتفاقا، فلو نذر لم ينعقد نذره عند الجمهور، وعن الحنابلة روايتان فى وجوب القضاء، وخالف أبو حنيفة فقال: لو أقدم فصام وفَّى ذلك عن نذره. وقال الحسن البصرى: يصوم يوما مكانه (10/422) ________________________________________ الحيل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قد يصعب فى بعض الأحيان تنفيذ حكم من الأحكام، فيفكر بعضى الناس فى حيلة تعفى من تنفيذ هذا الحكم دون مؤاخذة عليه فهل الحيل مشروعة أو ممنوعة؟
الجواب عقد البخارى فى صحيحه كتابا عن الحيل وأورد صورا منها فى العبادات وغيرها، وابن حجر فى كتابه فتح البارى " ج 12 ص 342 " ذكر أن الحيلة هى ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفى. وحكم عليها بقوله: وهى عند العلماء على أقسام بحسب الحامل عليها-أى الداعى إليها -فإن توصل بها بطريق مباح إلى إبطال حق أو إثبات باطل فهى حرام، أو إلى إثبات حق أو دفع باطل فهى واجبة أو مستحبة، وإن توصل بها بطريق مباح إلى سلامة من وقوع فى مكروه فهى مستحبة أو مباحة، أو إلى ترك مندوب فهى مكروهة. ثم قال: ووقع الخلاف بين الأئمة فى القسم الأول: هل يصح مطلقا وينفذ ظاهرا وباطنا، أو يبطل مطلقا، أو يصح مع الإثم. ولمن أجازها مطلقا أو أبطلها مطلقا أدلة كثيرة. فمن الأول قوله تعالى {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} ص: 44، وهو فى حق أيوب حين حلف أن يضرب زوجته مائة جلدة-وقد عمل به النبى صلى الله عليه وسلم فى حق الضعيف الذى زنى - هو من حديث أبى أمامة بن سهل فى السنن. ومنه قوله تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} الطلاق: 2، والحيل فيها مخارج من المضايق فتكون جائزة. ومن الثانى قصة أصحاب السبت وحديث " حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها " وحديث لعن المحلل والمحلل له. والأصل فى اختلاف العلماء فى ذلك اختلافهم: هل المعتبر فى صيغ العقود ألفاظها أو معانيها؟ فمن قال بالأول أجاز الحيل. ثم اختلفوا فمنهم من جعلها تنفذ ظاهرا وباطنا فى جميع الصور أو فى بعضها، ومنهم من قال: تنفذ ظاهرًا لا باطنا، ومن قال بالثانى أبطلها ولم يجز منها إلا ما وافق فيه اللفظ المعنى الذى تدل عليه القرائن الحالية. وقد اشتهر القول بالحيل عن الحنفية، لكون أبى يوسف صنف فيها كتابا، لكن المعروف عنه وعن كثير من أئمتهم تقييد أعمالها بقصد الحق. قال صاحب المحيط: أصل الحيل قوله تعالى {وخذ بيدك ضغثا} الآية، وضابطها إن كانت للفرار من الحرام والتباعد عن الإثم فحسن، وإن كانت لإبطال حق مسلم فلا، بل هى إثم وعدوان. ثم قال ابن حجر: نص الشافعى على كراهة تعاطى- الحيل فى تفويت الحقوق، فقال بعض أصحابه: هى كراهة تنزيه - أى لا عقوبة فيها - وقال كثير من محققيهم كالغزالى: هى كراهة تحريم - أى فيها عقوبة - ويأثم بقصده، ويدل عليه قول " وإنما لكل امرائ ما نوى " فمن نوى بعقد النكاح التحليل كان محللا ودخل فى الوعيد على ذلك باللعن، ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح. وكل شىء قصد به تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله كان إثما، ثم قال: وفى الجملة فلا يلزم من صحة العقد فى الظاهر رفع الحرج عمن يتعاطى الحيلة الباطلة فى الباطن. وقد نقل النسفى الحنفى فى "الكافى " عن محمد بن الحسن قال: ليس من أخلاق المؤمنين الفرار من أحكام الله بالحيل الموصِّلة إلى إبطال الحق. والقرطبى فى تفسيره "ج 9 ص 236 " عند قوله تعالى {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف} يوسف: 76، قال فى قوله: {كذلك كدنا ليوسف} جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة ولا هدمت أصلا، خلافا لأبى حنيفة فى تجويزه الحيل وإن خالفت الأصول وحرمت التحليل. وذكر أن العلماء أجمعوا على أن للرجل قبل حلول الحول التصرف فى ماله بالبيع والهبة إذا لم ينو الفرار من الصدقة. وقال: من رام أن ينقض شيئا من فرائض الله بحيلة يحتالها لا يفلح ولا يقوم بذلك عذره عند الله، وما أجازه الفقهاء من تصرف صاحب المال فى ماله قرب حلول الحول إنما هو ما لم يرد بذلك الهرب من الزكاة. ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط، والله حسيبه. ولم يرتض القرطبى-ومذهبه مالكى-ما رآه الشافعية أو بعضهم من جواز الحيلة للوصول إلى المباح واستخراج الحقوق. هذه نبذة عن الحيل واختلاف العلماء فى جوازها ومنعها، وفى اختلافهم رحمة، وفى رأى أن ربطها بالنية مطلوب، وما ذكره ابن حجر فى ذلك جميل (10/423) ________________________________________ رأس الحسين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل مات الحسين بن على منتحرا أو مقتولا، وأين يوجد رأسه وجسده، ومن الذى أتى برأسه إلى مصر إذا كانت بها؟
الجواب مات الحسين رضى الله عنه مقتولا وليس منتحرا، فقتله الشمر ابن ذى الجوشن، وقيل قتله سنان بن أنس النخعى، وأرسل عمر بن سعد رأسه إلى عبيد الله بن زياد، وقيل إنه غضب لقتله فقتل حامل رأسه ليلحقه به، وكان قتله يوم الجمعة عاشر المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة، دفن بأرض كربلاء بالعراق ومشهده معروف هناك. واختلف فى رأسه، فذهبت طائفة إلى أن يزيد بن معاوية أمر بأن يطاف به فى البلاد حتى انتهى إلى عسقلان بالشام ودفن بها، فلما غلب الفرنجة على عسقلان افتداه منهم الصالح طلائع بن زريك وزير الفاطميين، وذلك فى مقابل مال جزيل، ووضعه فى كيس من حرير وبنى عليه المشهد الحسينى المعروف بالقاهرة. وقيل: دفن بالبقيع عند أمه وأخيه الحسن، وذهبت الإمامية إلى أنه أعيد إلى الجثة ودفن بكربلاء، ثم ظهر الرأس بعد ذلك بالمشهد الحسينى القاهرى. وفى خطط المقريزى أن الرأس استقرت فى مشهده سنة تسع وأربعين وخمسمائة. [نور البصائر والأبصار للشبلنجى ص 33-135، رسالة الصبان على الهامش ص 196، كتاب مساجد مصر وأولياءوها للدكتورة سعاد ماهر-ج 1 ص 362] (10/424) ________________________________________ الخضر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هو الخضر وهل هو حى أو ميت؟
الجواب تحدث القرآن الكريم عن عبد من عباد الله تقابل معه موسى عليه السلام،وكان بينهما ما جاء فى سورة الكهف {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} الآية: 65، وتحدثت السنة النبوية الصحيحة، كما رواه البخارى وأحمد والترمذى عن هذا العبد الصالح باسم " الخضر" لأنه جلس على فروة بيضاء - هى وجه الأرض -فإذا هى تهتز من تحته خضراء. وإلى القراء أضواء بسيطة على شخصيته من حيث اسمه وحياته ونبوته: يقول العالم الكبير كمال الدين الدميرى المتوفى سنة 808 ر فى كتابه الموسوعى "حياة الحيوان الكبرى" عند الكلام عن الحوت: إن اسم الخضر مضطرب فيه اضطرابا متباينا والأصح -كما نقله أهل السير وثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم كما نقله البغوى وغيره -أن اسمه " بليا " بفتح الباء وسكون اللام، وأن أباه يسمى " ملكان " بفتح الميم وإسكان اللام وبالنون فى اَخره، وكان من بنى إسرائيل ومن أبناء الملوك، وفر من الملك وانصرف إلى العبادة. أما هل هو حى أو ميت، فقد اختلف فى ذلك، فقال النووى وجمهور العلماء: إنه حى موجود بين أظهرنا الآن، وهذا الرأى متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة. والأخبار عن الاجتماع به كثيرة، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: هو حى عند جماهير العلماء والصالحين، والعامة معهم على ذلك وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين. وقال الحسن: إنه مات وقال ابن المناوى: لا يثبت حديث فى بقائه. وقال الإمام أبو بكر بن العربى: مات قبل انقضاء المائة، ويقرب من جواب الإمام محمد بن إسماعيل البخارى لما سئل عن الخضر وإلياس عليهما السلام: هل هما فى الأحياء؟ فقال كيف يكون ذلك وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " والصحيح الصواب أنه حى. وقال بعضهم: إنه اجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزى أهل بيته وهم مجتمعون لغسله، وقد روى ذلك من طرق صحاح، والقرطبى فى تفسيره صحح حياته "ج 11 ص 41 ". واختلف فى الخضر هل هو نبى أو ولى. فقال القشيرى وكثيرون: هو ولى، وقال بعضهم هو نبى. ورجَّحه النووى، وقال المازرى: إن الأكثرين من العلماء على أنه نبى ومن قالوا: إنه نبى اختلفوا، هل هو مرسل إلى غيره من الناس أو لا؟ والأدلة على هذا الاختلاف فى الاسم والحياة والنبوة كثيرة لا يتسع المقام لها. وقد أوردت لك هذه الأقوال التى ليس فيها اتفاق على رأى لترى أنه لا يوجد نص قاطع يعتمد عليه فى هذه الأمور. فالثابت فى القراَن أنه عبد من عباد الله آتاه الله رحمة وعلما من عنده، لكن هذا العبد يحتمل أن يكون نبيا ويحتمل أن يكون وليا أى رجلا صالحا، والثابت بالحديث أن لقبه الخضر، ولم يرد نص صرح فى كونه مات أو ما زال حيا حتى يقتله الدجال، أو أن له لقاء آت مع بعض الأنبياء أو الأولياء، أو أنه يلقى السلام على بعض الناس فيردون عليه التحية. كل ذلك ليس له دليل يعتد به. وفى الوقت نفسه لا يترتب على الجهل به عقاب، ولا يؤثر على إيمان المؤمن، فهو ليس من العقائد التى كلفنا بها الدين، وأولى ألا نشغل بالبحث عنها كثيرا، وفى كتب التفسير والتاريخ متسع لمن أراد المزيد (10/425) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51501 العمر : 72
| موضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع الإثنين 18 مارس 2024, 10:32 am | |
| حد البلوغ
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال متى يؤاخد الصبى على أعماله، وما هى علامة البلوغ عند الولد والبنت؟
الجواب يقول الله تعالى {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم} النور: 59، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق، والصبى حتى يحتلم " والتعبير عن الصبى بقوله " حتى يكبر" هو فى رواية أحمد وأبى داود والنسائى، وبقوله "حتى يشب " فى رواية أبى داود والترمذى والنسائى وغيرهم. " الجامع الكبير للسيوطى " ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى " غسل الجمعة واجب على كل محتلم " ويقول ابن عمر رضى الله عنهما كما رواه البخارى: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أُحد وهو ابن اربع عشرة سنة فلم يجزه، ثم عرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه. يؤخذ من هذا أن حد التكليف يكون بالبلوغ، وهو الاحتلام أو خمس عشرة سنة قمرية. يقول ابن حجر فى " فتح البارى ج 5ص 327 " أجمع العلماء على أن الاحتلام فى الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام، وهو إنزال الماء الدافق سواء كان بجماع أو غيره، سواء كان فى اليقظة أو المنام. وأجمعوا على أن لا أثر للجماع فى المنام إلا مع الإنزال. وأجمع العلماء على أن الحيض بلوغ فى حق النساء. واختلف العلماء فى أقل سن تحيض فيه المرأة ويحتلم فيه الرجل، وهل تنحصر العلامات فى ذلك أم لا؟ وفى السن إذا جاوزه الغلام ولم يحتلم، والمرأة ولم تحض يحكم حينئذ بالبلوغ، قال أبو حنيفة: سن البلوغ تسع عشرة أو ثمان عشرة للغلام وسبع عشرة للجارية. وقال أكثر المالكية: حده فيهما سبع عشرة أو ثمان عشرة، وقال الشافعى وأحمد والجمهور: حده فيهما استكمال خمس عشرة سنة على ما فى حديث ابن عمر، الذى اعتمده عمر بن عبد العزيز وهو خليفة، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة (10/426) ________________________________________ حد القذف وحادثة الإفك
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال بعض الناس يقولون: إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقم حد القذف على الذين أشاعوا حادثة الإفك. وبخاصة رئيس المنافقين فهل هذا صحيح،
الجواب حادث الإفك سجله القرآن الكريم فى أوائل سورة النور، وروته كتب السنة بإسهاب واتهام الإنسان لغيره بالزنا يسمى قذفا، يوجب حد القاذف ثمانين جلدة إن تبين كذبه فى هذا الاتهام، ومعروف أن الزنا لا يثبت إلا بالإقرار أو البينة، وهى أربعة شهود عدول رأوا الحادثة رؤية لا شبهة فيها، ولو ثبت زنا المقذوف سقط الحد عن القاذف. وقد حرم الله القذف الذى لا دليل على استحقاق المقذوف له، ووضع له حدًّا رادعًا فقال {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} النور: 4، 5. وقال سبحانه فيمن رموا السيدة عائشة رضى الله عنها بالإفك {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم. لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذى تولى كِبره منهم له عذاب عظيم} النور: 11، والذى تولى كبره بالترويج ونشر خبره هو عبد الله بن أُبى بن سلول زعيم المنافقين كما أخرجه البخارى عن عائشة. وكذلك حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، كما فى رواية البخارى ومسلم. ولما ظهرت براءة السيدة عائشة هل طبَّق الرسول صلى الله عليه وسلم حد القذف عليهم، جاء فى تفسير القرطبى "ج 12، 201 " أن محمد بن إسحاق وغيره قالوا: إن النبى صلى الله عليه وسلم جلد فى الإفك رجلين وامرأة وهم مسطح وحسان وحمنة، وذكره الترمذى أيضا، وذكر القشيرى أن الذى أُقيم عليهم الحد ثلاثة: عبد الله بن أُبى، وحسان وحِمنة، وأما مسطح فلم يثبت عنه قذف صريح ولكنه كان يسمع ويشيع من غير تصريح، وفى رأى ذكره الماوردى أن الأربعة أقيم عليهم الحد، ثم قال القرطبى: المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذى حُدَّ حسان ومسطح وحمنة، ولم يسمع بحدٍّ لعبد الله بن أُبى. وذلك الحديث رواه أبو داود عن عائشة، وعلَّل العلماء ذلك بأن الله أعد لعبد الله بن أُبى فى الآخرة عذابا عظيما، فلو حُدَّ فى الدنيا لكان ذلك نقصا من عذابه فى الآخرة وتخفيفًا عنه، وإنما حد المسلمون الثلاثة ليكفر الله عنهم الإثم حتى لا يبقى عليهم تبعة من ذلك فى الآخرة، وفى حديث عبادة بن الصامت مرفوعا فى الحدود " إنها كفارة لمن أقيمت عليه " وقيل: إن ترك حد ابن أبى كان استئلافا لقومه واحتراما لابنه - لأن ابنه كان مؤمنا صادقًا-وإطفاءً لثائرة الفتنة، المتوقعة من ذلك. وقد كان ظهر مبادئها من سعد بن عباده ومن قومه كما فى صحيح مسلم. فهناك ثلاثة آراء فيمن أقيم عليهم حد القذف، رأى يقول بإقامته على ثلاثة هم: مسطح وحسان وحمنة، ورأى يقول بإقامته على ثلاثة هم: عبد الله ابن أُبى وحسان وحمنة، أما مسطح فلم يثبت عليه قذف صريح، ورأى يقول بإقامته على أربعة هم: عبد الله بن أبى ومسطح وحسان وحمنة. والرأى الأول أخرج عبد الله بن أبى من الحد إما سياسة وإما اكتفاء بعذابه العظيم فى الآخرة، أما غيره فكان الحد كفارة لذنبهم لا يعاقبون عليه فى الاَخرة (10/427) ________________________________________ اللغة العربية واللغات الأخرى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى الحملات التى قام بها بعض من يدعون التجديد والتيسير لتشجيع اللغة العامية، وعدم الالتزام بالقواعد النحوية، والإقبال على تعلم اللغات الأجنبية؟
الجواب يقول مؤلفو كتاب " الوسيط فى الأدب العربى وتاريخه " طبعة سنة 1928،: إن اللغة العربية من أغنى اللغات كلمًا وأعرقها قدمًا، وأخلدها أثرا، وأعذبها منطقا، وأسلسها أسلوبا، وأغزرها مادة. ولها من عوامل النمو ودواعى البقاء والرقى ما قلَّما يتهيأ لغيرها، وذلك لما فيها من اختلاف طرق الوضع والدلالة، وغلبة اطراد التصريف والاشتقاق، وتنوع المجاز والكناية وتعدد المترادفات، إلى النحت والقلب والإبدال والتعريب، ولما تشرفت به من ورود القرآن الكريم والسنة النبوية بلسانها. ولقريش عظيم الأثر فيما نجم عن اجتماع العرب فى مشاعر الحج والأسواق بتهذيب لغتهم أنفسهم، لأخذهم من لغات القبائل الوافده عليهم ما خف على اللسان وحسن فى السمع، حتى تهيأت لنزول القرآن الكريم بها. واللغة العربية حية وستظل حية لا تموت، لأنها لغة القراَن الكريم ولغة العبادة لله. يجد المؤمن أنها ضرورية لفهم كلام الله وكلام رسوله، ولأداء العبادة التى لا تغنى عنها ترجمة مهما كالت الدقة فيها، ولأنها مناط الشرف عند الإبداع فى الخطابة أو الشعر. وقد شهد بعظمها كثير من المنصفين الأجانب مثل "إرنست رينان " فى كتابه "تاريخ اللغات السامية" حيث يقول: من أغرب المدهشات أن تثبت تلك اللغة القوية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى، عند أمة من الرُحَّل تلك اللغة التى فاقت أخوتها بكثره مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها، وكانت هذه اللغة مجهولة عند الأمم، ومن يوم أن علمت ظهرت لنا فى حلل الكمال إلى درجة أنها لم تتغير أى تغير يذكر، حتى إنها لم يعرف لها فى كل أطوار حياتها لا طفولة ولا شيخوخة.. . "مجلة الأزهر مجلد 3 ص 240 ". وإلى جانب فضل اللغة العربية فى فهم القراَن والسنة وإتقان العبادة، لها فضل كبير فى توحيد الأمة الإسلامية، التى دخل فيها الفارسى والحبشى والرومى، ونسوا لغتهم الأصلية، وروى الحافظ ابن عساكر أن رجلا عاب على غير العرب مناصرة محمد العربى، يريد أن يصرفهم عنه لاختلاف أجناسهم ولغاتهم، فغضب النبى صلى الله عليه وسلم وخطب فى المسجد "يا أيها الناس إن الرب واحد، والأب واحد، وإن الدين واحد وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هى اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربى ". هناك حملات مسعورة قديما وحكديثا لصرف الناس عن الإسلام بشبهات واهية من جهة العقيدة أو الشريعة أو شخص الرسول أو غير ذلك. ومن هذه الحملات تشجيع اللغات المحلية لكل جماعة بحجة سهولة التعامل بها، وصعوبة فهم القرآن وصعوبة تلاوته وقراءته، وللمحافظة على التاريخ والتراث لكل بلد أو جماعة. والهدف الحقيقى من وراء كل ذلك هو هجر اللغة العربية، وبالتالى الجهل بتعاليم الدين، ثم ضعف الشعور الجماعى ووحدة المسلمين، ثم تفرقهم وتباعدهم، ثم ضعفهم التام، وسهولة السيطرة عليهم. ونسى هؤلاء المغرضون ومن ينخدعون بهم أن الحكماء يسعون الآن لجمع الناس على لغة واحدة لتيسير التفاهم وتبادل المنافع "الإسبرانتو" التى اقترحها الطبيب البولونى "لودفيج زامنهوف " والإسلام جاء بلغة واحدة لكل المسلمين، ولو كانت للمسلمين قوة فى تاريخهم الطويل لسادت اللغة العربية فى كل مكان يوجد فيه إسلام، لأنها أحسن اللغات، والبقاء دائما للاصلح {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض} الرعد: 17. إن اللغة العربية بمقوماتها وبقبولها للتطعيم بألفاظ من اللغات الأخرى يمكن أن تساير كل عصر وتتمشى مع كل حضارة، فهى البحر الذى يكمن فى أحشائه الدر كما يقول شاعر النيل. لقد تصدى لهذه الدعوة للعامية والمحليات بعض الغيورين على الدين وعلى العروبة. وبينوا ما فى كتب المحدثين من سموم حين يعالجون مستقبل الثقافة، ويضعون مناهج للتعليم والتأليف الذى لا يلتزم قواعد اللغة العربية، ووجدت برامج تدرس فى بعض الكليات والمعاهد بعناوين مثل: دراسات لغوية حديثة، والتطور اللغوى العربى فى العصر الحديث، واللهجات العربية الحديثة، والأدب الشعبى، والمذاهب الكبرى فى الآداب الأوروبية، ومدارس القصة، وتطور الفكر الإسلامى فى العصر الحديث. وناقش الدكتور محمد محمد حسين أستاذ الأدب العربى الحديث بجامعة الإسكندرية سنة 1958، على صفحات مجلة الأزهر هذه الأفكار بموضوعية ودقة، وبيَن ما فيها من أثر على اللغة العربية والعروبة والدين، وذكر حملة صاحب "مستقبل الثقافة فى مصر" على الأزهر وعلماء الدين، لاهتمامهم البالغ باللغة العربية ودعوته إلى حرية تعلمها وتعليمها والتصرف فيها دون رقابة أو تحكم "مجلة الأزهر -المجلد 30 ص 326". وذم الدكتور دعوة أحد المناهضين للعربية فى المؤتمر الأول لمجامع اللغة العربية بدمشق -إلى تأليف معاجم محلية لا يثبت فيها إلا ما بقى من اللهجات العربية حيًّا فى عامية كل إقليم، ودعا اَخر إلى إعادة النظر فى تبويب النحو وتدوينه من جديد. وذكر الدكتور من تزعَّم الدعوه من رجال التعليم إلى تأليف كتب القراءة الجديدة " شرشر-جلاجلا. . . " وما جاء فيها من ألفاظ سوقية عامية "ص 359 من المجلة المذكورة" وأن نتيجة ذلك عدم استقامة اللسان باللغة العربية أو صعوبة التزام القواعد النحوية وشيوع الكلمات السوقية، وتعدى ذلك إلى عدم الالتزام بالأوزان الشعرية ذات الوقع الموسيقى المؤثر على العواطف والأذواق. إن مما يؤسف له أن بعض من يسمون أنفسهم عصريين متمدينين يحاولون أن يظهروا عصريتهم بتطعيم كلامهم بكلمات أجنبية، كدليل على معايشتهم للعصر وتفاعلهم مع الظروف وانفتاحهم على العالم كله " مرسى، برافو، شور، داكور، اكسيلانس، مستر. . . " أو يكتبون عناوين محلاتهم بلغة أجنبية مثل: سوبر ماركت، رستوران.. . " وكل ذلك غزو للغة العربية من أبنائها الذين كان المفروض فيهم أن يتعصبوا للغتهم الشرقية الدينية. إن من سياسة الاستعمار فرض نظامه وثقافته ولغته على المستعمرات، ونتيجة لذلك رأينا بعض البلاد الإسلامية التى كانت تروج فيها اللغة العربية أصبحت اللغة الأجنبية هى الرسمية أو الشائعة فى التخاطب والمراسلات والتأليف، وما زال لها أثر واضح حتى بعد زوال الاستعمار شكلا وحكما، وفى ذلك تذويب للشخصية العربية والإسلامية. ويجرنا ذلك إلى الحديث عن تعريب العلوم أو دراستها باللغة العربية كالطب والهندسة، وهناك نداءات تميل إلى ذلك، حفاظا على اللغة، وقامت بعض الدول العربية بالاستجابة لهذا النداء، وإن كانت فيه صعوبة فى الدراسة والترجمة. ولا مانع فى هذا المجال من استعمال الأسلوب الأجنبى مع الأسلوب العربى، وليست هذه دعوة إلى هجر اللغات الأجنبية، فإن تعلمها لازم وبخاصة فى هذه الأيام التى تشابكت فيها المصالح وسهلت المواصلات. وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة يهود ليعرف ما فى كتبهم التى يرسلونها إليه، فتعلم اللغات مشروع، ولكن مع المحافظة على اللغة العربية لغة القراَن والدين ومن المؤكد أن حفظ القرآن الكريم - فى الصغر بالذات - أكبر مساعد على رسوخ اللغة العربية وتعودها واستقامة اللسان بها. هذا، وتعلم اللغة العربية واجب على كل مسلم بالإجماع، كما قرره الإمام الشافعى فى رسالته، وهو الذى جرى عليه العمل، حتى كثر الأعاجم وقل العلم وغلب الجهل، فصاروا يكتفون من لغة الدين بما فرضه الله فى العباده والذكر. أما حكم تعلم اللغات الأجنبية فهو الجواز، وقد يصل إلى حد الوجوب عند الحاجة إليه، وهو داخل فى عموم الأمر بطلب العلم ومدح العلماء، والنصوص الكثيرة الواردة لم تحدد نوعا معينا من العلم، بل وسَّعت ميدانه ومما يدل على ذلك قوله تعالى فى سورة فاطر: 28 {إنما يخشى الله من عباده العلماء} بعد ذكر نزول الماء من السماء ونمو النباتات واختلاف طبقات الأرض ومكونات الجبال واختلاف المخلوقات الحية من الإنسان والحيوان، مما يدعو إلى الإيمان بالله وحسن استخدام كنوز الأرض شكرًا لله وتحقيقًا للخلافة، حتى العلم الذى يظن أنه شر لا بأس بتعلمه لاتقاء شره كما قيل: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه وتعلم اللغات الأجنبية فيه خير لا شك فى ذلك، فمن تعلم لغة قوم أمن من مكرهم، حيث نتمكن من الاطلاع على ماكتبوا لنفيد من خيره ونتقى شره ونرد عليه واليهود كانوا يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارة يدل ظاهرها على أنها خير مثل "راعنا" فهى فى لغتهم تعنى الرعونة، كانوا ينادون بها الرسول، والمسلمون يقلدونهم فيها دون علم بما يقصدون منها، ظانين أنها-كما فى لغة العرب -تدل على الرعاية. قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا} البقرة: 104. وكان ابن عباس رضى الله عنهما يترجم بين يدى الرسول عند قدوم الوفود بلهجاتهم المختلفة "البخارى ج 1 ص 32" ويقال: إن الذين حملوا كتب النبى صلى الله عليه وسلم بدعوة الملوك كانوا يعرفون لغاتهم. وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغة يهود، لأن كتبًا تأتى منهم تحتاج إلى من يترجمها له، روى البخارى تعليقا والبغوى وأبو يعلى موصولا عن زيد بن ثابت الأنصارى قال: أتى بى إلى النبى صلى الله عليه وسلم مقدمه فقيل: هذا غلام من بنى النجار وقد قرأ سبع عشرة سورة. فقرأت عليه فأعجبه ذلك فقال "تعلم كتاب يهود، فإلى ما اَمنهم على كتابى" فتعلمت، فما مض لى نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له. "الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى ج 3 ص 323". فتعلم اللغات الاجنبية مشروع، ويجب أن يكون فى الوطن من يتقنونها كلها، حتى لا يعيش المجتمع فى عزلة عن العالم (10/428) ________________________________________ السباق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أنشئت نواد لسباق الخيل فى بعض البلاد، وأخرى لسباق الإبل، كما أقيمت مباريات للسباق بين بعض الحيوانات الأخرى كالكلاب وغيرها فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب أما سباق الخيل فهو أمر مشروع لأنه من وسائل إعداد القوة، كما قال سبحانه {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} الأنفال: 60، وأقسم الله بها فقال {والعاديات ضبحا. فالموريات قدحا. فالمغيرات صبحا. فأثرن به نقعا. فوسطن به جمعا} العاديات: 1 -5، وقد ورد فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "اركبو الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل " وسابق بين الخيل التى قد أضمرت فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها من ثنية الوداع والمسافة نحو ستة أميال أو سبعة، وسابق بين الخيل التى لم تضمر فأرسلها من ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق، والمسافة نحو ميل. وتضمير الخيل هو إعطاؤها علفًا قليلاً بعد سمنها من كثرة العلف، وكانت عادة العرب أن تعلف الفرس حتى يسمن، ثم ترده إلى القوت، أى الأكل العادى، كما يقال: إن تضمير الخيل يكون بأن تشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب رهلها ويشتد لحمها، ويحمل عليها غلمان خفاف يجرونها ولا يعنفون بها، فإذا فعل بها ذلك أمن عليها من البهر الشديد عند حضرها، أى لا تنهج عند العَدْو والجرى وثبت فى البخارى أن ابن عمر رضى الله عنهما اشترك فى هذا السباق. كما سابق النبى أيضا على الإبل، فسابق على ناقته العضباء وكانت لا تسبق، فجاء أعرابى على قعود له فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم " إن حقًّا على الله ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه " رواه البخارى وتلك صورة من صور الروح الرياضية التى ينبغى أن تحتذى. فالمهم أن سباق الخيل والحيوانات التى تفيد فى المعارك والأمور الهامة أمر مشروع، إلا أن المراهنات على السباق فيها تحفظات، فقد قال العلماء: لا تجوز المسابقة برهان إلا فى صور ثلاثة: الأولى -إذا كان المال الذى يعطى للفائز من طرف ثالث، غير الشخصين المتسابقين -كأن يقول لهما: من سبق منكما فله هذا القدر من المال. والثانية- إذا أخرج أحد الطرفين مالاً وقال لصاحبه: إن سبقتنى فهو لك، وإن سبقك فلا شىء عليك. والثالثة -أن يكون المال من المتسابقين ومعهما محلل يأخذ هذا المال إذا سبق ولا يغرم إن سُبق. ولا يجوز الرهان فى حالة ما إذا كان المال هو من كل واحد، على أنه إن سبق فله الرهان وإن سُبق فيغرم لصاحبه مثله، لأن هذا من باب القمار، وهو حرام. هذا فى سباق الخيل والحيوانات لإعدادها للأمور الهامة، أما سباق حيوانات أخرى لمجرد التسلية فأولى أن نبحث عما هو أهم. فالوقت ثمين والمال ثروة يجب أن توجه إلى الخير (10/429) ________________________________________ من يقيم الحدود
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إذا لم تقم الحكومة بتطبيق عقوبة الحدود عل الزنا والسرقة وشرب الخمر جاز للأفراد أن يقوموا بذلك تطبيقا لواجب تغيير المنكر باليد، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب الحدود عقوبات شديدة قاسية شرعت لحكمة وهى الزجر إلى جانب ما فيها من مغفره، كما شرع تعريض النفس للقتل فى الجهاد فى سبيل الله لضرورته لرد العدوان والأمن على الحقوق، قال تعالى {كُتب عليكم القتال وهوكره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} البقرة: 216، وقال {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} البقرة: 251، ولما كانت الحدود شديدة كان لابد من الاستيثاق من الجريمة التى استوجبتها. فلا تثبت إلا بالإقرار الصريح الاختيارى أو شهادة العدول الذين قد يصلون إلى أربعة كما فى حد الزنى. وإذا وجدت شبهة فى الجريمة فلا يقام الحد، ويمكن اللجوء إلى التعزير. وهو دونه لا يصل إليه ولا يتجاوزه عند جمهور الفقهاء جاء فى الحديث "ادرءوا الحدود بالشبهات " مع الاختلاف فى رفعه ووقفه وضعفه وقوته "نيل الأوطارج 7، 110 " وحدث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتوثق ممن أقر بالجريمة ليكون الإقرار صريحًا ونصًا فيها. ولأجل خطورة الحدود، إلى جانب أهميتها فى استقرار الأمن والحث على إقامتها وعدم التهاون فيها. وجب على ولى الأمر أن يتولى تنفيذها، وولى الأمر يصدق على من له ولاية خاصة على الجانى كالوالد مع أولاده، والزوج مع زوجته، والسيد مع عبده، كما يصدق على من له ولاية عامة كالحاكم العام المسئول عن الرعية كلها كما فى الحديث " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته. . . " رواه البخارى ومسلم. ومن هنا رأى بعض العلماء أن كل صاحب ولاية له الحق فى إقامة الحد على من هو مسئول عنه، واستندوا فى ذلك إلى بعض وقائع حدثت فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم وفى عهد التشريع ومن هؤلاء الإمام الشافعى الذي رأى أن للسيد أن يقيم الحد على مملوكه بدليل ما رواه مسلم وأحمد وأبو داود وغيرهم عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال: أمرنى النبى صلى الله عليه وسلم أن أقيم الحد على خادمة له أخطات، فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها، فأتيته فأخبرته فقال " إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد، أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " وقد يقال: إن المسئول هنا هو النبى صلى الله عليه وسلم وقد أمر عليًّا أن ينفذ الحد، لكن عموم قوله " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " يعطى الحق للسيد أن يقيم الحد على مملوكه. وقد يكون هذا دليلا على إقامة السيد الحد على مملوكه فقط، وليس دليلا على إقامة الحدود عامة. والشوكانى فى نيل الأوطار "ج 7 ص 129 " ذكر حوادث فى جواز إقامة السيد الحد على مملوكه. ونقل عن الثورى والأوزاعي أن ذلك خاص بحد الزنا دون غيره، وأن الحنفية منعوا السيد من إقامة أى حد على مملوكه وجعلوه من اختصاص الحاكم كسائر الحدود، وجاء مثل ذلك فى فتح البارى لابن حجر. والخلاصة إنه إذا وجد خلاف بين الأئمة فى إقامة الحدود بالنسبة للسيد ومملوكه. فإن العلماء يكادون يتفقون على أن الحدود-فيما عدا ذلك -هى من اختصاص الحاكم. بناء على أقوال لبعض الصحابة وليس على نصوص من القراَن والسنة، كقول ابى عبد الله أحد الصحابة: الزكاة والحدود والفىء والجمعة إلى السلطان. وهو ما ينبغى أن يؤخذ به حتى لا تكون هناك فوضى في تطبيق الحدود التى أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرئها بالشبهات. وفي ميدان التعزير متسع لاختلاف وجهات النظر ومراعاة الظروف. وننصح من يتورطون في جريمة عقوبتها الحد أو غيره، وبخاصة ما ليس فيها حق للعباد أن يستروا أنفسهم فلا يبيحوا بها، ولا يطلب أحد أن يقام عليه الحد لتغير خطئه فالتوبة النصوح أحسن وسيلة. وأوقع فى عدم الوصمة للفرد والمجتمع بالانحراف. يقول النبى صلى الله عليه وسلم "من أصاب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد " رواه مالك فى الموطأ. ويقول فى مبايعته لأصحابه على عدم الشرك والزنا والسرقة والقتل " ومن أصاب شيئا، ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذَّبه " رواه البخارى ومسلم. كما ينبغى لمن لم يتورطوا فى الجرائم أن يستروا على من أخطئوا بعد قيامهم بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، فقد قال الرسول لرجل من أسلم اسمه هزَّال جاء يشكو رجلا بالزن " لو سترته بردائك كان خيرا لك " رواه أبو داود والنسائى، وقال "من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه فى بيته " رواه ابن ماجه، ومن الستر ألا يبادر بالشهادة عليه عند الاتهام، ما لم يُدع إليها فتجب. ومحل الستر إذا لم يكن المخطىء مستهترًا متعودًا وإلا كان مساعدة على المنكر وهو ممنوع (10/430) ________________________________________ |
|
| |
| فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع | |
|