منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52691

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:16 am

تفويض الزوجة فى الطلاق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للزوج أن يفوض زوجته في تطليق نفسها إذا دعت الظروف بمعنى أن تكون العصمة فى يدها؟

الجواب
يجوز للزوج أن يفوض زوجته في تطليق نفسها منه، وذلك أخذا من تخيير النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته كما جاء في قوله تعالى {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن اللَّه أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا} الأحزاب 28، 29.
إلا أن هذا التفويض يتقيد بمجلس علمها فقط، فلا يجوز أن تطلق نفسها في غير هذا المجلس إلا إذا كانت صيغة التفويض عامة، كما إذا قال لها: طلقى نفسك متى شئت، أو في أي وقت شئت، فإنها لا تتقيد بالمجلس، وكذلك إذا كان التفويض مقيدا بزمن، كما إذا قال لها، طلقي نفسك في مدة ثلاثة أشهر، فإنها تتقيد بهذا الزمن، وتفويضها طلاق نفسها إذا دعت إليه الضرورة ليس نصا في التفويض العام. ولهذا نرى أن يستبدل بها لفظ عام كقوله "متى شئت " حتى تستطيع أن تطلق نفسها في الوقت الذي تراه.
ويجوز أن يكون هذا التفويض قبل العقد ومع العقد، فإذا قال الرجل لامرأة:
إن تزوجتك فأمرك بيدك تطلقين نفسك في أي وقت، ثم تزوجها صح هذا التفويض ولا يتقيد بزمن لعمومه وكذلك إذا قالت امرأة لرجل: زوجتك نفسي على أن يكون أمر الطلاق بيدي أطلق نفسي متى شئت فقال: قبلت، تم عقد الزواج وصح التفويض ولا يتقيد بزمن لعمومه أيضًا. وإذا قال الزوج لزوجته: طلقى نفسك كلما شئت فليس لها أن تطلق نفسها ثلاثًا جملة واحدة، بل لها تفريق الثلاث، لأن القانون المصري رقم 25 لسنه 1929 منع الرجل من إيقاع الثلاث دفعة واحدة. فلا يستطيع أن يملك غيره مالا يملكه هو، وإن صح ذلك عند الحنفية كما هو مشهور مذهبهم.
هذا، وتفويض المرأة بالطلاق، أو جعل العصمة بيدها، لا يمنع الزوج من طلاقها متى شاء
(9/463)
________________________________________
إكراه البنت على الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى بعض البلاد يزوج الأب بنته دون أن يأخذ رأيها، وقد تكون كارهة لهذا الزواج فهل هذا الزواج صحيح؟

الجواب
روى البخارى أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة- وكانت ثيبا - فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها. وفي السنن أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهى كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم يعني جعل لها الخيار في إمضاء هذا الزواج وفي فسخه، وروى أحمد والنسائي وابن ماجه أن رجلاً زوج بنته بغير استشارتها، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن أبى زوجنى من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته. فجعل الأمر إليها، فلما رأت ذلك قالت: أجزت ما صنع أبى، ولكنى أردت أن أعلم النساء أنه ليس للأباء من الأمر شيء.
وروى عبد الرزاق أن امرأة قتل عنها زوجها يوم أحد ولها منه ولد، فخطبها عم ولدها ورجل آخر، فزوجها أبوها من هذا الرجل، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تريده، وتريد عم ولدها لأنه أخذ منها ولدها، فقال لأبيها "أنت الذي لا نكاح لك اذهبي فانكحى عم ولدك " وذكر الحارث في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل زوج بنته دون أن يستشيرها "أشيروا على النساء في أنفسهن " إن استبداد الولى باختيار الزوج وانفراده بالعقد هو جناية على المرأة واستهانة بعواطفها وإحساساتها.
وكان العرب يستثيرون بناتهم في الزواج قبل الإسلام، فجاء الإسلام واحترام رأيها كجزء من تكريمه لها.
وقد جاءت في ذلك عدة أحاديث، منها ما رواه مسلم "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن " قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال "أن تسكت " وفي رواية "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها" الأيم في اللغة من لا زوج لها، ثيبا كانت أم بكرا، صغيرة أم كبيرة. واختلف العلماء في المراد بها فى هذا الحديث، فالجمهور على أن المراد بها الثيب، أي التي سبق لها زواج، وقال الكوفيون: هي كل امرأة لا زوج لها، بكرا كانت أم ثيبا، كما هو مقتضاه في اللغة، وقالوا: كل امرأة بلغت فهى أحق بنفسها من وليها، وعقدها على نفسها النكاح صحيح، وقال الأوزاعى وأبو يوسف ومحمد: تتوقف صحة النكاح على إجازة الولى.
واختلفوا أيضًا في عبارة "أحق بنفسها من وليها" هل هى أحق بالإذن فقط، أم بالإذن والعقد على نفسها؟ فعند الجمهور: هي أحق بالإذن فقط، وأما الذي يتولى العقد فهو وليها، وقال الكوفيون: هي أحق بالإذن والعقد، وقول الجمهور أصح لحديث "لا نكاح إلا بولى". وقد تبين من الأحاديث وجوب احترام رأى المرأة عند الزواج، ولابد من موافقتها عليه إما بالقول من الثيب وإما بالسكوت من البكر، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إلى من زوجت بغير رضاها، إن شاءت أمضت وإن شاءت رفضت.
قال الشافعي وأصحابه: يستحب ألا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها، لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، ما لم تكن هناك مصلحة تفوت لو لم يزوجها، وهو أدرى بها منها، كما زوج أبو بكر رضي الله عنه عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم " وهي صغيرة.
وبالجملة لابد من احترام رأى المرأة وتعاون ولى أمرها معها في اختيار زوجها، فالرجل له من عقله الراجح وتجاربه ما يوجه به عاطفة المرأة، وبخاصة إذا كانت نيته الوجهة الصالحة، فالزواج يحتاج إلى العقل والعاطفة معا، كما يقول بعض الكتاب: إن المرأة في عاطفتها القوية كحامض الكبريتيك المركز، فيه خطر كبير، والولى كالماء المخفف لتركيزه، فيجعله صالحًا لتوليد الكهرباء بين القطبين، وينتفع بهذه القوة انتفاعا كبيرا "انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/464)
________________________________________
الذبح على رجل العروس

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من عادة بعض الناس ذبح الأغنام على أساس الدار الجديدة، وعلى رجل العروس حينما تصل إلى بيت زوجها، فهل هذا من الدين؟

الجواب
إذا كان الذبح شكرًا للَّه على النعمة في بناء البيت لا أكثر فهذا لا بأس به، وإن كان الذبح عند زفاف العروس شكرًا لله على النعمة لإطعام الفقراء فهو كالوليمة المسنونة فى الزواج، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه، وأمر الصحابة بهذه السنة، فينبغي إذا قدمت هذه الأشياء أن تكون بنية طيبة، وألا تلتزم فيها عادة قديمة لا أصل لها في الدين كالذبح على رجل العروس، فإن كانت بنية غير هذه فلا يوافق عليها الدين "انظر الوليمة في الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/465)
________________________________________
المرأة وزوج بنتها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز شرعا لزوج بنتى أن يدخل بيتى ويجلس مع أمها في حالة حضورى أو غيابى عن البيت، ولوجود خلاف شديد ونزاع مستمر داخل الأسرة بسبب هذا الموضوع؟

الجواب
وجود المرأة مع زوج ابنتها في مكان خال بدون وجود محرم أو طرف ثالث - أمر جائز شرعا، لأنه من المحارم، أى من يحرم التناكح بينهما، فهى بمنزلة أمه، وهو بمنزلة ابنها، قال تعالى في المحرمات من النساء {وأمهات نسائكم} النساء: 23، والحديث الشريف يقول "لايبيتن رجل عند امرأه ثيب إلا أن يكون ناكحا - أى زوجا - أو ذا حرم " رواه مسلم ويقول "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " رواه البخاري ومسلم.
فإذا أحس الزوج أن هناك ريبة في هذه الخلوة كان على المرأة أن تستجيب لرغبة زوجها، وتمتنع عن الخلوة مع زوج بنتها على الرغم من أن ذلك حلال، وبخاصة إذا كان في المرأة ما يغرى، وكان زوج بنتها شابا لا يستطيع التحكم فى نفسه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله " رواه ابن ماجه ويقول "ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبرا، رجل أمَّ قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وأخوان متصارمان " رواه ابن ماجه وابن حبان والترمذي وحسنه
(9/466)
________________________________________
شبهة فى المتعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى قوله تعالى {نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} البقرة:
223؟

الجواب
فهم بعض الناس من هذه الآية أن للزوج أن يباشر زوجته في غير المحل الطبيعي للمباشرة، اعتمادا على ما يفهمه من تعبير"أنى شئتم " وعلى ما نقل خطأ عن بعض الأئمة، وقد جاء في البخارى ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول، فأنزل اللَّه قوله تعالى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وفى لفظ مسلم "إن شاء مُجبيةً وإن شاء غير مجبية -والمجبية المنكبة على وجهها- غير أن ذلك في صمام واحد " والصمام الواحد هو المحل الطبيعي، وهو موضع الحرث والولد.
وفي المسند عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هلكت، قال "وما أهلكك "؟ قال: حولت رحلى البارحة. فلم يرد عليه شيئا، فأوحى الله إليه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} أقبل وأدبر واتق الحيضة والدبر.
وذكر الشافعي: بسند وثق رجاله أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال "حلال " فلما ولى دعاه فقال "كيف قلت: في أي الحرثتين أو فى أى الحرزتين أو في أى الخصفتين؟ أمن دبرها في قبلها فنعم، أم من دبرها في دبرها فلا، إن اللَّه لا يستحى من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن " وفي بعض الروايات التعيير بالحشوش والمحاش.
إن لفظ "أنَّى" في الآية يطلق على معان ثلاثة، أين ومن أين وكيف.
والمعنى الثالث هو المقصود منها، فالتعميم في الحال لا في المكان كما بينته السنة الصحيحة، والحرث هو الذي ينبت الزرع وهو الولد.
وقال مجاهد: سألت ابن عباس عن هذه الآية فقال: تأتيها من حيث أمرت أن تعتزلها، يعني فى الحيض، لأن هذه الآية متصلة بآية الحيض.
ومن هنا يعلم خطأ من نسب القول إلى الإتيان في غير ذلك إلى بعض الأئمة فهو مجمع على حرمته، وتفصيله في شرح الزبيدى للإحياء "ج 5 ص 375" وزاد المعاد لابن القيم وخلاصته فى الجزء الثالث من موسوعة: الأسرة تحت رعاية الإسلام
(9/467)
________________________________________
زينة المعتدة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى الزينة الممنوعة على الزوجة التى توفى عنها زوجها؟

الجواب
الزوجة التى توفى عنها زوجها يجب عليها أن تعتد، أي تمكث بلا زواج حتى تضع حملها إن كانت حاملا، أو يمر عليها أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل، كما جاء في قوله تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة: 234، وقوله {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق: 4.
ويحرم عليها أثناء العدة أمور تتنافى مع الحزن والأسف لفراق الزوج، والوفاء لحق الحياة الزوجية، والمساعدة على عدم طمع أحد في زواجها حتى تنتهي عدتها.
فيحرم عليها التزين بأية زينة تتنافى مع هذه الحكمة، وكانت للعرب في الجاهلية مظاهر استمر النساء عليها حتى جاء الإسلام فأقر بعضها وأبطل الآخر. وليس هناك ما يمنع من القياس على ما كان عند الجاهلية مما لم يبطله الإسلام عند عدم ورود النص فيه.
فالطيب بجميع أنواعه حرام، وكذلك زينة بدنها من خضاب ومساحيق وكحل وما إلى ذلك، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على النهى عن الخضاب، للتنبيه على ما شاكله أو كان أعظم منه منافاة لمقصود الإحداد، وكل ذلك ممنوع ليلاً ونهارا، ففى سنن أبي داود عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا تكتحل ولا تختضب ".
لكن لو احتيج لشيء من ذلك على سبيل التداوى فلا مانع منه، ويرخص فيه بقدر الضرورة، بدليل ما ورد في الصحيحين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب " [وهو برود من اليمن يعصب غزلها ثم يصبغ ثم ينسج مصبوغا فيخرج ملونا-وقيل هو النبت الذي يصبغ به لا الزينة] "ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت - أى من الحيض -في نبذة من قسط أو أظفار" نوعان من البخور.
وهذا القول هو ما عليه جمهور الفقهاء، كمالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي وغيرهم. ويقاس عليه كل ما لم يقصد به الزينة كالقطرة السائلة والجافة والأصباغ الطبية التى توضع على الجروح وغيرها، ولا تمنع المحدة من تقليم الأظفار، وإزالة الشعر المندوب إزالته وكل ما يقصد به النظافة لا الزينة.
وكذلك يحرم على المحدة لبس الثياب التي يقصد منها الزينة أيا كان لونها أو نوعها، والعرف يختلف في تقدير الزينة من هذه الملابس، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا ما كان نساء العرب قد اعتدنه، فنهى عن الثوب المصبوغ للزينة.
وكذلك يحرم عليها لبس الحلى بجميع أنواعه، فهو للزينة قطعا، وقد صح عن الصحابة نهيهم عن ذلك كابن عمر وابن عباس وأم سلمة وعائشة رضى الله عن الجميع
(9/468)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52691

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:19 am

الولد للفراش

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تزوج رجل بفتاة وبعد ثلاثة أشهر اكتشف خيانتها فطلقها، وبعد ثلاثة أشهر تزوجت برجل آخر وبعد ستة اشهر وضعت طفلا وتوفيت على الأثر فلمن ينسب هذا الطفل؟

الجواب
ثبت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال "الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخاري ومسلم، وقد ولد هذا الطفل على فراش الزوجية الأخيرة.
فهو ينسب إلى هذا الأب الثاني، ومدة الحمل هي من ستة أشهر من حين اجتماع الزوجين أو من حين العقد على خلاف فى ذلك. 

فقد روى أن رجلا تزوج امرأة فولدت لستة أشهر، فهمَّ عثمان رضي الله عنه برجمها، فقال ابن عباس: لو خاصمتكم بكتاب اللَّه لخصمتكم قال تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال: {وفصاله في عامين} فلم يبق للحمل إلا ستة أشهر وقد درأ عثمان الحد، واشتهر ذلك بين الصحابة ولم ينكره أحد، فلو ولدته قبل ستة أشهر من الدخول أو الخلوة فلا يثبت نسبه إلا إذا ادعاه الزوج.
أما العقاب فأمره متروك إلى اللَّه، لأنه هو الذي يعلم السر كله فى هذا الموضوع، وليس لنا إلا الحكم بالظاهر، حفاظا على الأعراض والأنساب ومنعا للفتنة
(9/469)
________________________________________
بيت الطاعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى إلزام القضاء للزوجة العاصية بالدخول في بيت الطاعة، وكيف تدخل الزوجة التي لا تطيق العيش مع زوجها في هذه الطاعة بإرغامها بالحكم القضائي، وهل وردت هذه الطاعة فى القرآن أو السنة؟

الجواب
من الأوضاع الشاذة التى تضطر الزوجة إليها من أجل الحفاظ على حق النفقة، وبخاصة إذا كان عن طريق التحاكم إلى القضاء- ما يسمى ببيت الطاعة.
فالرجل يعمد إلى مسكن لا يرضى أن يسكنه هو، بل ولا يرضى لابنته أو أخته أن تسكنه، ويقدم إليها من الطعام والشراب في هذا السجن ما يتنافى مع الكرامة الإنسانية، وذلك كله من أجل التضييق عليها حتى تفتدى نفسها منه ليطلقها، وقد أمر الله سبحانه بإحسان عشرتها في المسكن والنفقة وحرم الإضرار بها لتطلب الطلاق منه فقال {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} الطلاق: 6، إن هذه المعاملة تتنافى مع الوصية بالإحسان إليهن ومعاشرتهن بالمعروف. وقد يحمل عناد المرأة على عدم تمكن زوجها من الوصول إلى غرضه.
وأقول: إذا عرف كل من الزوجين حقه وواجبه نحو الآخر وجب التنفيذ بدقة وإخلاص، فإذا ساء التفاهم بينهما أوصيهما بقول الله تعالى {فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا} البقرة: 231.
وإذا فشل التحكيم في التوفيق فليتفرقا ليغنى اللَّه كلا من سعته ولا داعى للعناد الذي يجر إلى ما لا يرضاه اللَّه، وأذكَرهما بالحديث الشريف "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وليحذر كل منهما أن ينعكس خلافهما على أولادهما، وينتقم اللَّه من الظالم في شخص ولده أو بنته عند الزواج
(9/470)
________________________________________
عدة من استؤصل رحمها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كيف تعتد المرأة عدة الطلاق لو استؤصل رحمها ولم تعد تحيض ولا تحمل؟

الجواب
المرأة المطلقة إما حامل وإما غير حامل، وغير الحامل إما أن تحيض أو لا تحيض، والتى لا تحيض إما أن الحيض لم يأتها بعد لصغرها، وإما أنه انقطع بعد أن كان يأتيها لكبر سنها مثلا، ولكل حكمه فى العدة:
فالحامل عدتها تنتهى بوضع الحمل، كما قال تعالى {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق: 4، وغير الحامل التى تحيض عدتها بالأقراء، وهى الأطهار أو الحيضات، كما قال تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة: 288، والتى لم يأتها الحيض لصغرها عدتها بالأشهر وهى ثلاثة قمرية، ومثلها التى انقطع حيضها لليأس منه بكبر سنها، كما قال تعالى {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن} الطلاق: 4، واليأس إما طبيعى أو عارض ومن استؤصل رحمها ولم تعد تحيض بعد، قد عرض لها اليأس فتعتد بثلاثة أشهر.
لأنها يئست من الحيض.
هذا، والأئمة الذين فسروا القرء بأنه الطهر هم مالك والشافعى وأحمد فى رواية، والذين فسروه بالحيض هم أبو حنيفة وأصحابه وأحمد فى رواية، وقانون الأحوال الشخصية فى مصر أخذ برأى الحنفية فى القرء وهو الحيض
(9/471)
________________________________________
التعامل مع الحائض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
شاب كان فى سفر طويل ثم حضر فى إجازة قصيرة فوجد زوجته حائضا أو نفساء ويريد أن يتمتع بها فكيف يتصرف؟

الجواب
يقول اللَّه سبحانه {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اللَّه إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} البقرة: 222.
تنهى الآية عن قربان الحائض حتى تطهر والطهر يكون بالغسل عند جمهور للعلماء، فيحرم الجماع قبله، وقال أبو حنيفة: يجوز الجماع بمجرد انقطاع الدم ولو قبل الغسل إذا كان الانقطاع لأكثر مدة الحيض، فإن انقطع قبل ذلك حرم إلا بعد أن تغتسل أو تتيمم أو يمضى عليها وقت صلاة، والقربان يصدق بالجماع وبغيره، أما الجماع فهو حرام باتفاق العلماء، ويؤكد حرمته ما نصت عليه الآية وما اقره المختصون من الأذى.
وأما غير الجماع فقد ورد فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت فسأل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله هذه الآية وقال صلى الله عليه وسلم " اصنعوا كل شىء إلا النكاح " وكل شىء ما عدا النكاح جائز فيما عدا ما بين السرة والركبة، كالقبلة وغيرها، تقول السيدة عائشة رضى الله عنها: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم-أى تناوله الإناء - فيضع فاه على موضع فمى فيشرب، وأتعرَّق العَرْق -أى العظم الذى عليه بقية من لحم - وأنا حائض ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على فمى رواه مسلم، وتقول أم المؤمنين ميمونة رضى اللَّه عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معى وأنا حائض، وبينى وبينه ثوب، رواه مسلم أيضا، كما روى مثل هذا عن أم سلمة، قال النووى تعليقا على ذلك: قال العلماء: لا تكره مضاجعة الحائض ولا قبلتها ولا الاستمتاع بها فيما فوق السرة ولحت الركبة، ولا يكره وضع يدها فى شيء من المائعات، ولا يكره غسل رأس زوجها أو غيره من محارمها وترجيله، ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك من الصنائع، وسؤرها-بقية شربها - وعرقها طاهران، وكل هذا متفق عليه.
أما الاستمتاع بما بين السرة والركبة من غير جماع فالآراء فيه مختلفة، فأبو حنيفة ومالك والشافعى يحرمونه، بدليل ما سبق عن ميمونة وأم سلمة من اضطجاع الرسول معها مع وجود ثوب حائل كما روى البخارى عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر فأتزر فيباشرنى وأنا حائض.
وروى أحمد وغيره عن عمر أنه سأل الرسول عما يحل للرجل من امرأته وهى حائض فقال " له ما فوق الإزار ".
أما أحمد بن حنبل فقد أباح الاستمتاع بما بين السرة والركبة، بناء، على فهمه من اعتزال النساء فى المحيض أنه نهى عن موضع الحيض وهو الفرج لا غير، وهو احتمال لا يدل على الحرمة فى غيره، مع عموم قوله صلى الله عليه وسلم " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " وقال بقول أحمد الثورى وإسحاق، ومن قبلهم عطاء وعكرمة والشعبى، ورأى الجمهور أقوى.
وهنا يثار سؤال، هل تجب كفارة على من وطئ زوجته وهى حائض؟ هناك رأيان، رأى يقول بوجوب كفارة، بناء على حديث رواه أبو داود والنسائى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ذلك "يتصدق بدينار أو نصف دينار " ورأى لا يقول بذلك، بناء على حديث رواه ابن ماجه " من أتى كاهنا فصدقه بما قال، أو أتى امرأة فى دبرها، أو أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد " صلى الله عليه وسلم، حيث لم يذكر الحديث كفارة، ولأنه وطء نهى عنه لأجل الأذى فأشبه الوطء فى الدبر.
وعلى هذا الرأى أبو حنيفة ومالك وأكثر أهل العلم، والشافعى له قولان فى ذلك.
وعلى القول بوجوب الكفارة هناك روايتان فى مقدارها، رواية تقول:
إنها دينار أو نصف دينار، وأخرى تقول: إن كان الدم أحمر أو فى أوله فدينار وإن كان أصفر أو فى آخره فنصف دينار.
ولو كان من فعل ذلك جاهلا بالحكم أو ناسيا هل تجب عليه؟ قيل تجب وذلك لعموم الخبر، وقيل لا تجب، لحديث " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه.
والمرأة المختارة المطاوعة قيل تجب عليها كفارة، وقيل لا تجب لعدم تناول النص لها
(9/472)
________________________________________
انقطاع الدم ثم عودته

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحدث أن الحائض أو النفساء ينقطع دمها بعض الأيام ثم يعود، فهل تحسب أيام الانقطاع طهرا أم حيضا ونفاسا؟

الجواب
أقل مدة الحيض مختلف فيها بين لحظة ويوم وليلة وثلاثة أيام بلياليها، وأكثرها عشرة أيام عند الحنفية وخمسة عشر يوما عند غيرهم.
وغالبه ستة أو سبعة، وأقل مد النفاس لحظة وأكثره عند بعضهم ستون يوما وعند البعض الآخر أربعون وغالبه أربعون يوما.
وعند انقطاع الدم فى أثناء الحيض أو النفاس هناك قولان للعلماء، قول يطلق عليه اسم السَّحْب، أى سحب حكم الحيض والنفاس على مدة الانقطاع، وهو قول الحنفية، بصرف النظر عن قصر مدة الانقطاع وطولها، وقول يطلق عليه اسم اللقط أى لقط أيام الطهر وعدم سحب حكم الحيض والنفاس عليها، وهو قول الشافعية والمالكية إذا بلغت مدة الانقطاع خمسة عشر يوما أو زادت، فتكون طهرا، وما قبلها نفاس وما بعدها حيض، فإن قلت مدة الانقطاع عن ذلك انسحب عليها حكم الحيض والنفاس كما يقول الحنفية، والانقطاع فى النفاس عند أحمد وأكثره أربعون يوما يعتبر طهرا.
وإن تجاوز الحيض أكثره أو النفاس أكثره كان استحاضة لا يجرى عليها حكم الحيض والنفاس.
وإن تجاوز الحيض ما تعودته المرأة ولم يتجاوز أكثر مدته، كأن كانت عادتها ستة أيام فامتدت إلى ثمانية مثلا عند أبى حنيفة، أو إلى ثلاثة عشر يوما عند غيره وكذلك إذا تجاوز النفاس ما تعودته النفساء ولم يتجاوز أكثر مدته كان ذلك كله نفاسا
(9/473)
________________________________________
الولى فى الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى المرأة التى تزوج نفسها دون وليها؟

الجواب
مما درج عليه الناس من قديم الزمان أن تكون هناك كفاءة بين الزوجين، ومن هنا وجد الاختيار فى قبول أحد الطرفين للآخر عند الخطبة، والمقياس الأول للكفاءة هو الدين الذى يليه فى المرتبة الأخلاق، وما بعدها يترك للعوامل التى تختلف زمانا ومكانا.
والذى يزن ذلك هو العاقل الحكيم الذى يزن الأمور بميزان العقل البعيد عن حدة العواطف، وذلك أحرى بالرجال إلى حد كبير، دون إغفال للناحية العاطفية عند المرأة، فلابد من إشراكها فى الاختيار أيضا، وبهذا الاشتراك يوجد نوع من التوازن فى تقدير كفاءة الزوج.
وللعلماء فى تقدير الكفاءة وجهان: أحدهما أنها شرط لصحة النكاح متى فقدت بطل العقد، وهو قول الشافعية وأحد الروايتين عن أحمد، وبه قال أبو حنيفة إذا زوجت العاقلة نفسها ولها ولى عاصب لم يرض بالزواج قبل العقد، والوجه الثانى أنها شرط للزوم النكاح، فيصح العقد بدونها ويثبت الخيار، وهو الرواية الثانية عن أحمد، والكفاءة بهذا حق للأولياء كما أنها حق للمرأة.
ومن هنا شرعت استشارة البنت، واحترام رأيها وجاءت فى ذلك نصوص منها: ما رواه مسلم "لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر ولا تنكح البكر حتى تُستأذن " قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال "أن تسكت " وفى رواية "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تُستأمر وأذنها سكوتها" ومما يدل على تأكدها حديث البخارى أن خنساء بنت خدام زوَّجها أبوها وهى كارهة وكانت ثيبا فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّ نكاحها، وفى رواية أحمد والنسائى وابن ماجه أن خنساء أو غيرها قالت للرسول -إن أبى زوجنى من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته، فجعل النبى الأمر إليها -أى الخيار-فلما رأت ذلك قالت: أجزت ما صنع أبى ولكن أردت أن أعلم النساء أنه ليس للآباء من الأمر شيء. وكانت الأََمَة "بريرة " متزوجة من العبد "مغيث " فلما عتقت لم ترض أن تبقى معه لعدم التكافؤ، ولم ترض بشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم حين تدخل بينهما، وفى مصنف عبد الرزاق أن امرأة مات زوجها فى غزوة أحد وترك لها ولدا، فخطبها أخوه فأراد أبوها أن يزوجها رجلا غيره، ولما تم الزواج شكت للنبى أن عم ولدها أخذه منها لما تزوجت غيره، فقال لأبيها "أنت الذى لا نكاح لك، اذهبى فتزوجى عم ولدك ".
هذا كله فى المشورة واحترام رأى المرأة عند الزواج، لكن هل لها أن تباشر العقد بنفسها أم الذى يباشر هو ولى أمرها؟ يرى جمهور الفقهاء "مالك والشافعى وأحمد" أن المرأة لا تباشر العقد بنفسها سواء أكانت بكرا أو ثيبا، لأن العقد هو نهاية المطاف من التشاور، وولى الأمر أرجح رأيا كما تقدم وجاء فى ذلك حديث رواه أصحاب السنن "لا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هى التى تزوج نفسها" وحديث آخر من روايتهم "أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل " ثلاث مرات. كما ورد حديث "لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل " رواه ابن حبان. يقول النووى فى شرح صحيح مسلم، إن العلماء اختلفوا فى اشتراط الولى فى صحة النكاح، فقال مالك والشافعى: يشترط ولا يصح نكاح إلا بولى وقال أبو حنيفة: لا يشترط فى الثيب ولا فى البكر البالغة، بل لها أن تزوج نفسها بغير أذن وليها، وقال أبو ثور: يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليها ولا يجوز بغير إذنه، وقال داود: يشترط الولى فى تزويج البكر دون الثيب اهـ.
هذا، وإذا كان القانون المصرى يأخذ برأى أبى حنيفة للتيسير، فإن المرأة المصرية التى تريد أن تثبت وجودها وتتمتع بحريتها واستقلالها استغلته استغلالا سيئا، ورأينا بنات يخرجن عن طاعة أوليائهن ويتزوجن من يُردن، وتعرضن بذلك إلى أخطار جسيمة. وأرى العودة إلى رأى الجمهور فهو أقوى وأحكم، والظروف الحاضرة ترجح ذلك، وقد رأى عمر رضى الله عنه إيقاع الطلاق ثلاثا بلفظ واحد، لسوء استغلال الرجال لما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من إيقاعه مرة واحدة، وإذا وجدت المصلحة فثمَّ شرع الله
(9/474)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52691

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:19 am

الطلاق فى حال الحيض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يقع الطلاق على المرأة إذا كانت حائضا؟

الجواب
قال تعالى {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} الطلاق: ا، أى فى وقت عدتهن، وهى الأطهار كما هو رأى الشافعى ومالك ومن وافقهما، أو مستقبلات لعدتهن، وهى الحيض كما هو رأى أبى حنيفة ومن وافقه.
قال العلماء: الطلاق يكون سنيا إذا كان على المدخول بها غير الحامل وغير الصغيرة والآيسة، فى طهر غير مجامع فيه ولا فى حيض قبله، والطلاق البدعى هو إيقاع الطلاق على المدخول بها فى وقت الحيض أو فى طهر جامعها فيه وهى ممن تحمل، أو فى حيض قبله، وسمى بدعيا لمخالفته للسنة المشروعة.
روى مالك فى الموطأ أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهى حائض على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله عن ذلك فقال "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسكها بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التى أمر الله أن يُطلق لها النساء" ورواه البخارى ومسلم، وجاء فى رواية مسلم "مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت وهى حامل " ورواه البيهقى بوجه آخر، واسم امرأة ابن عمر آمنة بنت غفار كما قال النووى وغيره، وقيل اسمها النوار "نيل الأوطار".
ومع حرمة الطلاق هل يقع أو لا؟ فيه خلاف بين العلماء السلف والخلف، فقيل: يقع،وعليه الأئمة الأربعة، وقيل: لا يقع، وارتضى ابن القيم عدم وقوعه، وسماه بدعة، وساق حجج الأولين ورد عليها بتطويل يراجع فى كتابه "زاد المعاد! ج 2 ص 44 وما بعدها" والشيعة الإمامية وأهل الظاهر على هذا القول "انظر الجزء السادس من موسوعة: الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/475)
________________________________________
خياطة ملابس النساء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا سيدة أمتلك ماكينة خياطة هى مورد رزقى الوحيد، وأخيط للسيدات الملابس الموضة، فهل كسبى حرام؟

الجواب
ما دمت لا تتأكدين أن هذه الملابس ستكون للخروج والاختلاط بالناس الأجانب فخياطتها غير حرام، لأنه يجوز أن تلبسها المرأة فى بيتها لزوجها ومحارمها، كما يحتمل أنها تخرج بها، فالأمر غير مقطوع به، مثل ذلك مثل من يبيع العطور وأدوات الزينة للنساء، فإنها تستعمل فيما يحل وفيما يحرم، وكذلك أقمشة النساء، بل التعامل فى كل ما يستعمل للخير والشر لا يحرم على الإنسان، فليس هناك شيء يستعمل فى الخير خاصة ولا يمكن أن يستعمل فى الشر ولو بوجه من الوجوه.
أما إذا كانت الملابس التى تخاط لا تستعمل إلا فى الشر، ولا يوجد مكان لاستعمالها فى الخير، وتعلم الخيَّاطة أن هذا الثوب للأشياء المحرمة فيحرم عليها أن تخيط هذا الثوب، لأنها معونة على الشر، والدال على الشر أو المساعد عليه شريك فى الإثم. والأدلة كثيرة لا مجال لذكرها هنا
(9/476)
________________________________________
حكم الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما موقف الشريعة من مسلم يعيش حياته حتى الموت دون زواج لعدم توافر الإمكانات عنده؟

الجواب
الزواج فى أصله سنة الحياة من أجل بقاء النوع الإنسانى، وسنة الأديان التى تنزلت على الرسل {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} الرعد: 38، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذى "أربع من سنن المرسلين: الحناء والتعطر والسواك والنكاح ".
وقد أمر الإسلام به من استطاعه، أما غير المستطيع فلا حرج عليه، بل يشغل نفسه بعبادة أخرى حتى لا يقع فى مكروه، قال تعالى {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} النور: 33، وقال صلى الله عليه وسلم "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء" رواه البخارى ومسلم.
فما دام الإنسان غير مستطيع فلا ذنب عليه، أما إذا استطاع ولم يتزوج فإن خاف على نفسه الزنى وجب عليه أن يتزوج، وإن لم يخف كان الزواج بالنسبة له سنة يثاب عليه ولا يعاقب على تركه.
ويقول النووى فى المفاضلة بين الزواج وتركه: إن الناس فيه أربعة أقسام:
ا-قسم تتوق إليه نفسه ويجد المؤن، فيستحب النكاح.
ب -وقسم لا تتوق -أى نفسه -ولا يجد المؤن، فيكره الزواج.
جـ -وقسم تتوق -أى نفسه - ولا يجد المؤن، فيكره له، وهذا مأمور بالصوم لدفع التوقان.
د-وقسم يجد المؤن ولا تتوق: فمذهب الشافعى وجمهور أصحابنا أن ترك النكاح لهذا والتخلى للعبادة أفضل، ولا يقال:
النكاح مكروه، بل تركه أفضل، ومذهب أبى حنيفة وبعض أصحاب الشافعى وبعض أصحاب مالك أن النكاح له أفضل والله أعلم
(9/477)
________________________________________
تحويل الجنس إلى جنس آخر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فيما نشر وما ينشر من تحول بعض الناس من جنس إلى جنس أخر عن طريق العلاج الطبى والعمليات الجراحية؟

الجواب
إن الذكورة لها أعضاؤها التى من أهمها القُبُل والخصية وما يتصل بها من حبل منوى وبروستاتا، ومن الآثار الغالبة للذكورة عند البلوغ الميل إلى الأنثى، وخشونة الصوت ونبات شعر اللحية والشارب وصغر الثديين. .. وللأنوثة أعضاؤها التى من أهمها المهبل والرحم والمبيض وما يتصل بها من قناة فالوب وغيرها، ومن آثارها الغالبة عند البلوغ الميل إلى الذكر ونعومة الصوت وبروز الثديين وعدم نبات شعر اللحية والدورة الشهرية.
وقد يولد شخص به أجهزة الجنسين، فيقال له: خنثى، وقد تتغلب أعضاء الذكورة وتبرز بعملية جراحية وغيرها فيصير ذكرا، يتزوج أنثى وقد ينجب. وقد تتغلب أعضاء الأنوثة وتبرز بعملية جراحية وغيرها فيصير أنثى تتزوج رجلا وقد تنجب.
أما مجرد الميول الأنوثية عند رجل كامل الأجهزة المحددة لنوعه فهى أعراض نفسية لا تنقله إلى حقيقة الأنثى، وقد تكون الميول اختيارية مصطنعة عن طريق التشبه فتقع فى دائرة المحظور بحديث لعن المتشبه من أحد الجنسين بالآخر، وقد تكون اضطرارية يجب العلاج منها بما يمكن، وقد يفلح العلاج وقد يفشل، وهو مرهون بإرادة الله سبحانه. كما أن مجرد الميول الذكرية عند امرأة كاملة الأجهزة المحددة لنوعها لا تعدو أن تكون أعراضا لا تنقلها إلى حقيقة الذكورة فتقع فى دائرة المحظور إن كانت اختيارية ويجب العلاج منها إن كانت اضطرارية.
هذا، وقد رفع طلب إلى دار الإفتاء المصرية فأجاب عنه الشيخ جاد الحق على جاد الحق بتاريخ 27 من يونية 1981 م بما خلاصته أن الإسلام أمر بالتداوى، ومنه إجراء العمليات الجراحية بناء على حديث رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل طبيبا إلى أبىِّ بن كعب فقطع عرقا وكواه،وأنه نهى عن التخنث المتعمد المتكلف كما رواه البخارى ومسلم ثم قرر أنه يجوز إجراء عملية جراحية يتحول بها الرجل إلى امرأة، أو المرأة إلى رجل متى انتهى رأى الطبيب الثقة إلى وجود الدواعى الخلقية فى ذات الجسد بعلامات الأنوثة المغمورة أو علامات الرجولة المغمورة، تداويا من علة جسدية لا تزول إلا بهذه الجراحة.
ومما يزكى هذا ما أشار إليه القسطلانى والعسقلانى فى شرحيهما لحديث المخنث من أن عليه أن يتكلف إزالة مظاهر الأنوثة. وهذا التكلف قد يكون بالمعالجة والجراحة علاج، بل لعله أنجح علاج.
لكن لا تجوز هذه الجراحة لمجرد الرغبة فى التغيير دون دواع جسدية صريحة غالبة، وإلا دخل فى حكم الحديث الشريف الذى رواه البخارى عن أنس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال "أخرجوهم من بيوتكم " فأخرج النبى فلانا وأخرج عمر فلانا.
وإذ كان ذلك جاز إجراء الجراحة لإبراز ما استتر من أعضاء الذكورة أو الأنوثة، بل إنه يصير واجبا باعتباره علاجا متى نصح بذلك الطبيب الثقة، ولا يجوز مثل هذا الأمر لمجرد الرغبة فى تغيير نوع الإنسان من امرأة إلى رجل، أو من رجل إلى امرأة "الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر-ص 3501"
(9/478)
________________________________________
الحجاب بين أمر الله وإرادة البشر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل توافق الزوجة على أمر زوجها لها بخلع الحجاب؟ وهل يجوز للفتاة المتحجبة خلع الحجاب ليلة الزفاف؟

الجواب
حجاب المرأة مفروض بالكتاب والسنة، وإذا كان الله ورسوله قد أمرا به فلا يتوقف التنفيذ على إذن أحد من البشر، والزوج الذى يأمر زوجته بخلعه عاص لأنه يأمرها بمعصية، كقوله لها لا تصلى ولا تصومى، وذلك إثم عظيم لأنه يأمر بالمنكر، وبالتالى يحرم على الزوجة أن تطيعه فى ذلك، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.
وطاعة الزوجة لزوجها فى المقصود الأصلى من الزواج، وهو المتعة ورعاية البيت والاستقرار فيه، ولا سلطان عليها فيما عدا ذلك من الأمور العامة التى يشترك فيها الرجال والنساء، فالله هو الذى يأمر وينهى.
ولا يقال: إنها مكرهة على ذلك فتعفى من المسئولية، فغاية عصيانه أنه سيطلقها ورزقها ليس عليه بل على الله سبحانه، وسيهيئ لها من يرعاها ويحميها فى غير هذا البيت الذى تنتهك فيه حرمات الله، ولا خوف على أولادها منه، فهو المتكفل بالإنفاق عليهم وعلى أمهم الحاضنة لهم.
ولتعلم الزوجة أنها لو أطاعته فى خلع الحجاب -وهو عنوان الشرف. والعفاف - فسيسهل عليها طاعته فيما هو أخطر من ذلك لأن مثل هذا الزوج لا غيرة عنده ولا كرامة وستجره المدنية إلى تجاوز حدود الدين حتى لا يعاب بالرجعية إن لم تكن زوجته مجارية للعرف الحديث بما فيه من أمور يأباها الدين.
فليتق الله أمثال هذا الزوج، وليحمدوا ربهم أن أعطاهم زوجات عفيفات محافظات على شرفهن وعلى شرفهم، ولا يستهينوا بسفور الزوجة زاعمين أنه شيء بسيط، فإن معظم النار من مستصغر الشرر.
أما خلع العروس حجابها ليلة الزفاف فهو حرام ما دام هناك أجنبى، فلم يرد الشرع ولم يقل أحد من العلماء باستثناء هذه المناسبة، ولا يجوز أن نطوِّع الدين لهذا السلوك الوافد علينا ممن لا يدينون بالإسلام، فقد كانت العروس تظهر بكامل زينتها فى الماضى البعيد والقريب ما دام المحتفلون بها هم النساء والأقارب المحارم كالأب والأخ والعم والخال، وذلك بمعزل عن الرجال الأجانب.
وما يعمل الآن فى الأماكن العامة التى يختلط فيها الرجال مع النساء دون التزام بالحجاب الشرعى لا يقره الإسلام، ومن شارك فيه فهو مخطئ مهما كانت شخصيته ولا ينتظرن أحد أن يفتى عالم ديني بجوازه للضرورة أو الحاجة، فليست هناك ضرورة ولا حاجة، والزوجة للزوج لا لغيره، وزينتها له لا لغيره، ومن خرج على حدود الدين فهو آثم، والحلال بيِّن والحرام بيِّن، ولأن يرتكب الحرام على أنه حرام أخف من أن يرتكب على أنه حلال، وإن كان الكل عصيانا لله، وعصيان يفضى إلى توبة أخف من عصيان يفضى إلى كفر
(9/479)
________________________________________
المرأة فى الإسلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى يوم 4 من مارس 1984 نشرت كاتبة بجريدة الواشنطن بوست مقالا عرضت فيه صورة غير دقيقة عن وضع المرأة فى الإسلام، وردَّت عليها نائبة رئيس الجمعية الإسلامية الدولية فى فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية وتطلب رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
من الملاحظ أن كثيرا ممن يكتبون من الأجانب عن الإسلام غير فاهمين له فهما صحيحا، كما أن بعضهم يكون غير منصف فيما يكتب، وذلك لغرض من أغراض كثيرة تكشف الأيام عن بعضها، وتنبه المسلمون إلى اليقظة لما يدور حولهم من أفكار وحركات.
ومن الملاحظ أيضا أنهم يحكمون على الإسلام بالصورة التى عليها بعض المجتمعات الإسلامية أى يحكمون بالسلوك والممارسة على المبدأ ذاته، وهذا خطأ فقد يكون المبدأ صحيحا والتطبيق خطأ، إما لعدم الفهم أو عدم الالتزام وما جاء به الدين حق. والناس قد يلتزمون به أو لا يلتزمون.
والحقيقة التى لا يشك فيها منصف أن الإسلام وضع المرأة فى موضعها اللائق بها شأنه فى كل ما جاء به من هداية، لأنها تنزيل من حكيم حميد، فصحح كثيرا من الأفكار الخاطئة التى كانت مأخوذة عنها فى الفلسفات القديمة، وفى كلام من ينتسبون إلى الأديان.
وردَّ لها اعتبارها وكرَّمها غاية التكريم، ومع ذلك وضع إطارا واحتياطات تصون هذا التكريم وتمنع سوء استغلاله والناظر فى هذا الإطار وهذه الاحتياطات يجدها حكيمة كل الحكمة لأنها من صنع الله الحكيم الذى يعلم سر مخلوقاته، مراعًى فيها أن كل حرية مقيدة بما يحقق المصلحة ويدفع الضرر، وأن كل حق يقابله واجب، ضرورة أن النشاط البشرى نشاط اجتماعى. بل إن الإنسان مع نفسه له حق وعليه واجب، ليمكن أن يعيش فى وضع كريم.
ومن الخطأ أن يحاول بعض الناس إخضاع أحكام الدين لأهوائهم، أو صبغها باللون الثقافى الذى عاشوا فيه، مع أن العكس هو الصحيح، فالواجب هو إخضاع الأهواء والثقافات للدين.
وإذا كان بعض المسلمين فى بعض العصور أو البيئات تشددوا فى تطبيق الاحتياطات حتى أدى ذلك إلى حرمان المرأة من بعض حقوقها، فإن بعض المسلمين اليوم ينادون بإلغاء هذه الاحتياطات، حتى تنطلق المرأة بفكرها وسلوكها، وتتساوى مع الرجل أو تنافسه فى كل ميدان.
وهؤلاء وهؤلاء مخطئون، والنصوص فى التوسط والاعتدال، والموازنة بين الحقوق والواجبات ووضع الشخص المناسب فى المكان المناسب -كثيرة، والواجب على من يكتب عن الإسلام أو غيره أن يقرأ ويفهم كل شىء عنه، ليستطيع أن يصل إلى حكم صحيح أو قريب من الصحة
(9/480)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52691

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:20 am

العلاقة بين الخطيبين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
خطبت فتاة قريبة وأحببت أن أجلس معها وأحدثها ليتعرف كل منا أخلاق الآخر فمنعنى أقاربها، فهل الدين يحرم ذلك؟

الجواب
أباح الإسلام بل ندب للخطيب أن ينظر إلى خطيبته فى حدود الوجه والكفين ليرى منها ما يرغِّبه فى زواجها، وذلك بشرط أن يكون جادا فى خطبتها،ودليله قول النبى صلى الله عليه وسلم وفعله، أما قوله فمنه ما رواه مسلم أن رجلا تزوج امرأة من الأنصار فقال له "أنظرت إليها"؟ قال لا،،قال "فاذهب فانظر إليها فإن فى أعين الأنصار شيئا". وروى الترمذى وحسَّنه والنسائى وابن ماجة من حديث المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال له النبى "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" أى تحصل الموافقة والملاءمة بينكما.
وأما فعله فقد روى البخارى في سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسى، فنظر إليها فصعَّد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه. . . . . .
ويجوز عند أحمد بن حنبل النظر إلى أكثر من الوجه والكفين، مما لا يخدش حياء أو يثير فتنة، بناء على الحديث الذى رواه، وهو "إذا خطب أحدكم المرأة فقدر على أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " ولذلك قال ابن الجوزى فى كتابه "صيد الخاطر" ومن قدر على مناطقة المرأة أو مكالمتها بما يوجب التنبيه ثم ليرى ذلك منها، فإن الحسن فى الفم والعينين - فليفعل هذا.
هذا هو الطريق لمعرفة جمالها وصحتها، أما معرفة أفكارها وثقافتها وأخلاقها فيكون إما بسؤال أهل الثقة والخبرة، وإما بمعرفة ذلك بنفسه عن طريق المحادثة والمجالسة والمحادثة نفسها لا مانع منها شرعا، والمحرم منها هو لين الكلام أو اشتماله على محرم، أما المجالسة فلا تجوز أن تكون فى خلوة بل لا بد من وجود طرف آخر يمنع وسوسة الشيطان لهما بالسوء على حد قول الحديث الشريف الذى رواه الطبرانى "إياك والخلوة بالنساء، فوالذى نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا ودخل الشيطان بينهما" وقد صح فى تحريم الخلوة "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " رواه البخارى ومسلم فإذا وجد المحرم أى القريب الذى يحرم زواجه منها كالأب والأخ والعم والخال فلا حرمة.
أما ما وراء النظر والمجالسة مع المحرم من مثل التلامس باليدين بدون حائل، أو ما هو أكبر من تلامس اليدين فهو حرام، وإذا كان هناك اجتماع عام كما هو فى الشوارع أو الأسواق بحيث يطلع الناس على الخطيبين فلا يعد ذلك خلوة، بل هو جائز. هذا هو الشرع فى حدوده التى وضعها لتلاقى الخطيبين، وهى حدود معتدلة ليس فيها تزمت ولا تفريط، فالذين يمنعون النظر إلى الوجه والكفين والكلام العادى بحضور محرم -مخالفون للشريعة، والذين يبيحون النظر بدون حدود والكلام واللقاء الحر بدون ضوابط -مخالفون للشريعة. والخير فى اتباع الهدى النبوى، حماية للشرف وصيانة للعرض، ومنعا للتهمة وسوء الظن، وإذا كان لبعض الناس عرف يخالف ذلك فالدين يحكم على العرف لوجود النص فى المسألة، ولا يجوز للعرف أن يحرِّم ما أحل الله أو يحلل ما حرَّم الله، "انظر الجزء الأول والثانى من موسوعة:
الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/481)
________________________________________
نكاح الشغار

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
شاب له أخت يريد أن يتزوج أخت شاب آخر على أن يتزوج هذا الشاب أخته "تبادل " فهل هذا جائز؟

الجواب
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا شغار فى الإسلام " وصورته أن يزوج الرجل ابنته أو قريبته إلى رجل على أن يزوجه هو ابنته أو قريبته وليس بينهما صداق.
وسمى بذلك لخلوه من المهر وعدم معاوضة البضع، مأخوذ من شغر البلد إذا خلا من الناس، وليس فى هذا النوع عيب إلا خلوه من الصداق، فهو لا يمس العرض والشرف.
وقد أبطله الإسلام لأن البضع جعل مقابل البضع فلم تستفد منه المرأة شيئا، وقال ببطلانه الإمام الشافعى، أما أبو حنيفة فقد أجازه وألزم كلاًّ بمهر المثل،. وحكى ذلك عن عطاء والزهرى والليث بن سعد وغيرهم.
لكن لو جعل كل رجل مهرًا لمن يريد أن يتزوجها فالزواج صحيح لا غبار عليه. وهناك نوع من الزواج كانت العرب فى الجاهلية تمارسه أيضا وهو نكاح البدل أو المبادلة وصورته أن يقول رجل لآخر: خذ زوجتى وأعطنى زوجتك. روى الدارقطنى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: كان البدل فى الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: انزل لى عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتى أزيدك فأنزل الله عز وجل {ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} الأحزاب: 152.
وذكر دخول عيينة بن حصن الفزارى على الرسول وعرض عليه أن ينزل له عن أحسن من عائشة، فقال له "إن الله قد حرم هذا" وأنكر الطبرانى أن يكون هذا النوع قد حدث عند العربى لكن القرطبى قال: إن هذه الحادثة تدل على أنه كان موجودا "تفسير القرطبى ج 14 ص 221"
(9/482)
________________________________________
الصداق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل فى الإسلام شىء عن مؤخر ومقدم الصداق، وما رأى الدين فى حالة تنازل المرأة عنه، وما حكم المغالاة فى المهور؟

الجواب
الصداق عِوَض يدفع للمرأة عند النكاح، وهو ملك لها لا يجوز لوليها أو زوجها أن يأخذ شيئا منه إلا برضاها، كما قال تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء:
4، وقال {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 20، 21.
المهر يجوز أن يدفع مرة واحدة، وأن يدفع على أقساط، وذلك حسب الاتفاق وهو يجب بمجرد العقد ويتأكد بالدخول، ولو طلقها قبل الدخول كان لها النصف، كما قال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح} البقرة: 337، أما الطلاق بعد الدخول فلا يبيح له استرداد شيء منه، وما دام المهر ملكا للزوجة فهى حرة التصرف فيه ما دامت عاقلة رشيدة، ويجوز لها أن تتنازل عنه كله أو بعضه،. كما تنص عليه الآية المذكورة، وكما يجوز عند الخلع أن تتنازل عنه كله أو بعضه بل تعطيه أكثر مما دفع كما ذهب إليه بعض الفقهاء، ودليله حديث حبيبة بنت سهل الأنصارية وقد اختلعت من زوجها ثابت بن قيس وردت إليه مهرها وهو حديقة أو حديقتان على خلاف فى الروايات وكان ذلك بأمر النبى صلى الله عليه وسلم ما رواه البخارى، وذلك بعد قوله تعالى {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} البقرة: 229.
وليس للصداق حد أدنى فيجوز أن يكون بكل ما يُموَّل، لحديث "التمس ولو خاتما من حديد" ورأى بعض الفقهاء ألا يقل عن ربع دينار، وبعضهم ألا يقل عن عشرة دراهم، بل يجوز أن يكون منفعة.
ولا حد لأكثره بدليل آية {وآتيتم إحداهن قنطارا" وقد ندب النبى صلى الله عليه وسلم إلى عدم المغالاة فيه، فقد روى أحمد والبيهقى بإسناد جيد حديث "من يمن المرأة أن تتيسر خطبتها وأن يتيسر صداقها وأن يتيسر رحمها "يعنى بالولادة، ولم يرض لفقير أن يكلف نفسه فوق طاقته فيدفع مهرا كبيرا بالنسبة إليه، فقد روى مسلم حديث الرجل الذى تزوج على أربع أواق فاستنكره النبى صلى الله عليه وسلم وقال "كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك فى بعث تصيب منه ... " فالمدار كله على طاقة الزوج والناس مختلفون فى ذلك، والغالب أن المغالاة فى المهور تكون من جهة الزوجة، إلى جانب ما يطلب من شبكة وهدايا ومصاريف أخرى، وهو أمر له نتائجه الخطيرة، فهو يقلل من الإقبال على الزواج وبخاصة فى الظروف الاقتصادية الحرجة ولو استدان الزوج قد يعجز عن الوفاء، وذلك له أثره على حياتها الزوجية، قد يحس بالنفور والامتعاض من الزوجة التى تسببت له فى الهم بالليل والذل بالنهار.
ومن أجل هذا نهى عمر عن المغالاة فى المهور بما يشبه أن يكون قرارا يسرى على الجميع، غير أن امرأة ذكرته بقوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا} فرجع عن فكرته.
ومن الواجب أن يكون هناك تعاون بين الطرفين فى تيسير أمر الزواج بل على المجتمع ممثلا فى المسئولين أن يتدخل من أجل مصلحة الجميع
(9/483)
________________________________________
عطر المرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها بعطر خفيف تقصد به إزالة رائحة العرق؟

الجواب
ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهى زانية، وكل عين زانية" رواه النسائى وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما، ورواه الحاكم أيضا وقال: صحيح.
كما رواه أبو داود والترمذى بلفظ "كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس كذا وكذا" يعنى زانية، وقال الترمذى: حديث حسن صحيح.
وفى المأثور: خير عطر المرأة ما ظهر لونه وخفى ريحه.
يفهم من هذا أن وصف المرأة بأنها زانية أى تشبُّها، يقوم على وضعها العطر بقصد أن يجد الناس ريحها، وهذا واضح لا يشك أحد فى أنه مذموم، فالقصد به حينئذ الفتنة والإغراء، ولا يكون كذلك إلا إذا كان العطر نفَّاذا أو قويا، أما الخفيف الذى لا تجاوز رائحته مكانه إلا قليلا، والذى لا يقصد به الإغراء، بل إخفاء رائحة العرق مثلا فلا توصف المرأة معه بأنها كالزانية، وذلك لانتفاء المقصد ومع ذلك أرى أنه مكروه على الأقل، فإن الرائحة حتى لو كانت خفيفة فستجد من يتأثر بها من الرجال الذين تزدحم بهم الطرق والأسواق والمواصلات فأولى للمرأة الحرة العفيفة أن تبتعد عن كل ما يثير الفتنة من قريب أو بعيد.
وإزالة رائحة العرق تمكن بالاستحمام أو غسل المواضع التى يتكاثر فيها العرق ولا يحتاج إلى وضع روائح، فإن الخفيف منها يجر إلى الكثير القوى.
وهذا كله عند وجود رجال أجانب خارج البيت أو داخله، أما مع المحارم أو الزوج أو النساء فلا مانع من الروائح، وذلك لعدم فتنة المحارم بها ولإدخال السرور على قلب زوجها، وعدم انتقاد النساء لها.
وضمير المرأة له دخل كبير فى هذا الموضوع
(9/484)
________________________________________
الإحداد على الميت

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل لبس السواد حزنًا على الميت حرام؟

الجواب
ليكن معلوما أن الإحداد على الميت مشروع للنساء لا للرجال، وليس كل النساء فيه سواء، فهو واجب على الزوجة لوفاة زوجها مدة العدة، وجائز لها على غير زوجها ثلاثة أيام فقط، ويمنع بعدها، فقد روى البخارى ومسلم أن زينب بنت أبى سلمة دخلت على أم حبيبة رضى الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم حين توفى والدها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة، خلوق أو غيره، فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تُحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" وورد مثل ذلك عن زينب بنت جحش وأم سلمة رضى الله عنهما، وإذا كان هذا محرما على النساء فهو على الرجال أولى.
ومن مظاهر الإحداد لبس الملابس التى لا تدل على الفرح والسرور، والناس مختلفون فى أعرافهم فى هذا الموضوع، ففى بعض البلاد يحدون على موتاهم بلبس الملابس البيضاء وغيرهم يحدون بالملابس السوداء، وهكذا.
والمهم أن إحداد المرأة على غير زوجها لا يجوز أن يتعدى ثلاثة أيام، والتى لم يمت لها قريب لا يجوز أن تجامل امرأة أخرى فى لبس السواد إذا كان إحدادها غير مشروع، فإن المجاملة فيها نوع من الرضا أو فيها عون على غير ما شرع الله، والرجال أولى بمراعاة هذا الحكم من النساء
(9/485)
________________________________________
مكان العدة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تعتد المرأة عند الفرقة فى البيت الذى كانت فيه؟ .
وهل لها أن تخرج منه؟

الجواب
تعتد المرأة فى البيت الذى كانت تسكنه عند موت زوجها، سواء أكان البيت مملوكا لزوجها أم مؤجرا أم معارا، وهو مذهب الجمهور، ودليله حديث الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبى سعيد الخدرى لما مات زوجها خارج المدينة سألت النبى صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلى أهلها، لأنه لم يتركها فى مسكن يملكه ولا نفقة، فقال لها أخيرا "اسكنى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " رواه الترمذى وقال: حسن صحيح.
وملازمة البيت واجب عليها إن تركه لها الورثة ولم يكن عليها فيه ضرر، أو كان المسكن لها، فلو حوَّلها الوارث أو طلب أجرا لا تقدر عليه جاز لها أن تتحول إلى غيره.
وقال جماعة من الصحابة منهم عائشة وجابر: إن المتوفى عنها لا يلزم أن تعتد فى بيت الزوجية، بل يجوز لها أن تقضيها فى أى بيت، لأن الله حين أمرها بها لم يعين بيتا خاصا.
وقال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت، وإن شاءت خرجت، لقول الله عز وجل {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن من معروف} البقرة: 240.
وفى اعتداد المطلقة جاء قوله تعالى {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} الطلاق: 1، أى ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت فى العدة ولا يجوز لها الخروج أيضا إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة، ودليله حديث مسلم عن جابر أن خالته لما طلقت وأرادت أن تخرج لتقطع ثمر نخلها زجرها رجل، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال "بلى، فجذِّى نخلك فإنك عسى أن تصدقى أو تفعلى معروفا".
يقول القرطبى فى تفسير الآية: والرجعية والمبتوتة فى هذا سواء، وإضافة البيوت إليهن إضافة إسكان وليس إضافة تمليك، ثم قال فى التعليق على الحديث: فى هذا دليل لمالك والشافعى وابن حنبل والليث على قولهم: إن المعتدة تخرج بالنهار فى حوائجها، وإنما تلزم منزلها بالليل، وسواء عند مالك كانت رجعية أو بائنة.
وقال الشافعى فى الرجعية: لا تخرج ليلا ولا نهارا، وإنما تخرج المبتوتة نهارا.
وقال أبو حنيفة: ذلك فى المتوفى عنها زوجها، وأما المطلقة فلا تخرج ليلا ولا نهارا، والحديث يرد عليه.
ثم ذكر القرطبى حديث الصحيحين فى طلاق فاطمة بنت قيس طلاقا بائنا، أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تنتقل من بيتها الذى كانت فيه إلى بيت عبد الله ابن أم مكتوم لتعتد فيه لخوفها على نفسها فى البيت الأول كما جاء فى بعض روايات الصحيحين، ولما اعترض البعض على ذلك ردت عليهم بأن عدم الخروج إنما هو فى الطلاق الرجعى لأن زوجها قد يراجعها ما دامت فى عدتها، أما البائن فليس له شىء من ذلك.
فالخلاصة: أن المتوفى عنها زوجها تعتد فى بيت زوجها ولا تتركه إلا لعذر مقبول وذلك على رأى الجمهور.
وأجاز لها البعض الخيار فى أن تعتد فى أى مكان تشاء، ولها أن تخرج نهارا لكسب عيشها.
وأما المطلقة طلاقا رجعيا فتعتد في بيت مطلقها وتبيت فيه ليلا وأما خروجها نهارا لحاجة ففيه خلاف.
وأما المطلقة طلاقا بائنا فتعتد فى بيت مطلقها أيضا، ولا تتركه إلا لعذر، وقيل يجوز لها أن تعتد فى غيره كما فى حديث فاطمة بنت قيس ولها الخروج نهارا للحاجة.
هذا، وما دام الأمر خلافيا فيجوز الأخذ بأحد الآراء دون تعصب له، فالرأى الاجتهادى صواب يحتمل الخطأ، أو خطأ يحتمل الصواب، بهذا لا يكون هناك تناقض ولا تضارب فى أحكام الشريعة المنصوص عليها والمتفق على صحتها
(9/486)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52691

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:21 am

من أحكام الحائض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للحائض أن تذبح الطيور وتغسل ملابس زوجها التى يصلى فيها؟

الجواب
جاء فى سفر اللاويين "الإصحاح الخامس عشر كله " حديث طويل عن الدم. ومنه أن المرأة بعد سبعة أيام من انقطاع حيضها تقرب يمامتين أو فرخى حمام للكاهن، ويكفر عنها الكاهن أمام الرب من سيل نجاستها، وذكر القرطبى فى تفسيره أن من قبائل العرب من كانت الحائض عندهم مبغوضة، فقد كان بنو سليح أهل بلد الحضر-وهم من قضاعة - نصارى، إن حاضت المرأة أخرجوها من المدينة إلى الربض -ما حول البلد-حتى تطهر، وفعلوا ذلك بنصرة بنت الضيزن ملك الحضر، فكانت الحال مظنة حيرة للمسلمين فى هذا الأمر وتبعث على السؤال عنه.
وجاء فى صحيح مسلم "ج 3 ص 211" عن أنس رضى الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت - أى لا يجتمعون معهن - فسأل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم - الرسول فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} البقرة: 222.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اصنعوا كل شىء إلا النكاح " فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله اليهود تقول كذا وكذا، فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما -أى غضب - فخرجا فاستقبلهما هدية من اللبن إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأرسل فى آثارهما فسقاهما، فعرفنا أنه لم يجد عليهما.
وجاء أبو الدحداح فى نفر من الصحابة فقالوا: يا رسول الله، البرد شديد والثياب قليلة، فإن آثرناهن هلك سائر أهل البيت، وإن استأثرنا بها هلكت الحيَّض، فقال "إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن ". ومن هنا نقول: يجوز للحائض أن تذبح الطيور وتذكر اسم الله، وتغسل ملابس زوجها وله أن يصلى فيها، وكل ذلك مع الاعتراف بأن الحائض تعتريها تغيرات فسيولوجية ربما نتعرض لها إن شاء الله
(9/487)
________________________________________
وجه المرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول البعض: أن الحديث الذى روته السيدة عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذى يحل ظهور كفَّى المرأة ووجهها فقط حديث ضعيف. لأن الآية التى تتحدث عن الحجاب نزلت بعد هذا الحديث، وأن اللذين رويا هذا الحديث أحدهما لم يكن موجودا فى حياة السيدة عائشة والآخر كذاب، فما صحة هذا القول؟

الجواب
حديث السيدة عائشة رواه أبو داود وابن مردويه والبيهقى عن خالد بن دريك عنها، وهو أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا " وأشار إلى وجهه وكفيه.
يقول الحافظ المنذرى فى " الترغيب والترهيب ج 3 ص 33": هذا مرسل، وخالد بن دريك لم يدرك عائشة، وذكره القرطبى فى تفسيره وقال: إنه منقطع. وقال ابن قدامة فى " المغنى ": إن صح هذا الحديث فيكون قبل نزول الحجاب.
وبناء على هذا لا يوجد دليل يستثنى وجه المرأة وكفيها من وجوب سترهما.
ويؤكد ذلك الشوكانى بأن المسلمين من قديم الزمان على ذلك، ويميل إلى هذا فى زمن يكثر فيه الفساق. والخلاف موجود بين الأئمة، وفى قول فى مذهب مالك: للمرأة أن تكشف وجهها وعلى الرجل أن يغض بصره، وقيل: يجب ستره، وقيل: يفرق بين الجميلة فيجب وبين غيرها، فيستحب.
وجاء فى "خليل " وشرحه ومحشِّيه كراهة انتقاب المرأة فى الصلاة وغيرها، لأنه من الغلو فى الدين، إذ لم ترد به السمحة، ما لم يكن من عادتهم ذلك.
وفى الموطأ جواز أكل المرأة مع غير ذى رحم. وقال ابن القطان: فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويديها للأجنبى، إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا، وقد أبقاه الباجى على ظاهره.
وتوجد نصوص أخرى للمالكية فى قولهم بجواز كشف المرأة وجهها أمام الأجانب " يراجع ذلك فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ".
وما دام الأمر خلافيا فلا يحكم ببطلان رأى ولا يجوز التعصب لغيره، وللإنسان حرية الاختيار، وكل هذا الخلاف ينتهى إذا كان وجه المرأة جميلا تخشى منه الفتنة فيجب ستره
(9/488)
________________________________________
طلاق المدهوش والسكران

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يقع طلاق المدهوش والمُكره والسكران؟

الجواب
المدهوش هو الذى اعترته حالة انفعال لا يدرى فيها ما يقول ويفعل، أو يصل به الانفعال إلى درجة يغلب معها الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله، وذلك بسبب فرط الخوف أو الحزن أو الغضب، ويلحق به من اختل إدراكه لكبر أو مرض. وهذا لا يقع طلاقه. والمكره لا يقع طلاقه عند الأئمة الثلاثة، اعتمادا على حديث " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات. .
وذلك لأن الإكراه يغلق على المكره طريق الإرادة، ولو نطق بالكفر لا يكفر، لقوله تعالى {إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان} النحل: 106، وأبو حنيفة يوقع طلاق المكره، معتمدا على حديث "لا قيلولة فى الطلاق " وهو حديث مطعون فيه. ورأى الجمهور هو المعتمد لقوة دليله.
والسكران هو الذى غطى على عقله بسبب تناول الخمر وما شاكلها حتى صار يهذى ويخلط فى كلامه ولا يعى بعد إفاقته ما كان منه حال سكره.
وفى الحكم على طلاقه تفصيل، فإن كان سكره من شىء حلال، أو من شىء حرام ولكن تحت الضغط والإكراه فلا يقع طلاقه، أما إن كان سكره بشىء حرام وهو متعمد له فإن طلاقه يقع، على الرغم من تغطية عقله، وذلك عقوبة له على عصيانه.
وكانت المحاكم الشرعية قبل صدور قانون 25 لسنة 1929 م تحكم بوقوع طلاق السكران والمكره كما قال الحنفية، لكن نص القانون فى المادة الأولى منه على أنه لا يقع طلاقهما، والفتوى عليه "انظر كتاب الأحوال الشخصية، للشيخ عبد الرحمن تاج "
(9/489)
________________________________________
تبرج الجاهلية الأولى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى الجاهلية الأولى، وماذا كانت عليه من التبرج المنهى عنه؟

الجواب
قال تعالى {وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} الأحزاب:
32، الآية مذكورة فى سياق النداء لنساء النبى صلى الله عليه وسلم.
ترشدهن إلى الاستقرار فى بيوتهن وعدم التبرج كما كان عند الجاهلية الأولى.
والتبرج قيل: هو المشى مع تبختر وتكسر، وقيل: هو أن تلقى المرأة خمارها على رأسها ولا تشده، فتنكشف قلائدها وقرطها وعنقها، وقيل: هو أن تبدى من محاسنها ما يجب ستره. وهو مأخوذ من البَرَج -بفتح الباء والراء -أى السعة، كما توصف العين الحسنة بالسعة، وكما يقال فى أسنانه برج، إذا كانت متفرقة. وقيل: هو من البرج -بضم الباء، أى القصر العالى.
ومعنى تبرجت ظهرت من برجها، وهو بهذا المعنى يجعل جملة "ولا تبرجن " مؤكدة لجملة "وقرن ".
والجاهلية الأولى مختلف فى تحديد زمنها. وملخص الأقوال كما فى تفسير القرطبى "ج 14 ص 179 ":
ا -ما بين آدم ونوح. وهى ثمانمائة سنة. قاله الحكم بن عيينة.
2 -ما بين نوح وإدريس، كما قاله ابن عباس.
3-ما بين نوح وإبراهيم، كما قاله الكلبى.
4 -ما بين موسى وعيسى، كما قاله جماعة.
5 -ما بين داود وسليمان. كما قاله أبو العالية.
6-ما بين عيسى ومحمد، كما قاله الشعبى.
وكلها أقوال لا يسندها دليل صحيح. فالقدر المتفق عليه أنها قبل البعثة النبوية بزمن طويل، لأن وصفها بالأولى يشعر بأن هناك جاهلية ثانية أتت بعدها، وهى أقرب منها إلى البعثة.
وكانت المرأة فى الجاهلية الأولى تلبس الدرع من اللؤلؤ، أو القميص من الدر غير مخيط الجانبين، وتلبس الرقاق من الثياب ولا توارى بدنها، فتمشى وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال.
وهذا يشعر بأن ذلك العهد عهد ترف، فهل كان فى أيام عاد وثمود حيث جاء فى القرآن الكريم ما يدل على أن هؤلاء كان فيهم حضارة وقوة وترف يبنون بكل مكان آية على قوتهم يعبثون ولا يجدّون بشكر الله. ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون. وأمدهم الله بأنعام وبنين وجنات وعيون، وينحتون من الجبال بيوتا فارهين؟ ربما يكون ذلك هو عهد الجاهلية الأولى، ومهما يكن من شىء فإن الجاهلية الثانية المتصلة ببعثة النبى صلى الله عليه وسلم ما كانت بهذا الثراء الفاحش، لكن كان فى بعض نسائها بعض مظاهر التبرج، الذى قد يصل إلى العرى الكامل فى بعض الأحيان. فقد ذكر مسلم فى صحيحه "كتاب التفسير" أن المرأة كانت تطوف بالبيت وهى عريانة - وفى لسان العرب: إلا أنها كانت تلبس رهطا من سيور-فتقول: من يعيرنى تطوافا-بفتح التاء وكسرها-تجعله على عورتها وتقول:
اليومَ يبدو بعضُه أوكلُّهُ * فما بدا منه فلا أُحِلُّهُ فنزل قوله تعالى {يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الأعراف: 31 وكان إعطاء المرأة ما تطوف به يُعد من البر.
ووصف التبرج بأنه تبرج الجاهلية الأولى، لا يعنى أن المنهى عنه هو ما كان على هذه الصورة الفاضحة، بل هذا الوصف لبيان الواقع وليس قيدا لإخراج ما عداه من الحكم. ويراد به بيان شناعته ومضادته للذوق والفطرة السليمة.
فلا يقال: إن التبرج البسيط معفو عنه ما دام لم يكن فاضحا حسب العرف الذى يحدده، ومثاله قوله تعالى فى الربا {لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} فالمراد النهى عنه مطلقا حتى لو كان بسيطا، لكن ذلك هو ما كان عليه العرب كمظهر من مظاهر الجشع والاستغلال.
والتبرج المنهى عنه فى الإسلام هو كشف العورة التى يختلف حجمها أو مساحتها باختلاف من يطلعون عليها، فمع المحارم كالأب والابن والأخ، هى ما بين السرة والركبة، ومع الرجال الأجانب هى جميع البدن ما عدا الوجه والكفين، والخدم الموجودون الآن رجال أجانب، وعورة المرأة مع المرأة كعورتها مع المحارم. وليس من المحارم ابن العم وابن العمة وابن الخال وابن الخالة، وأخو الزوج وكل أقاربه ما عدا والده.
وإذا جاز لها كشف الوجه مع الأجانب فليكن من غير أصباغ ومغريات فاتنة، فالمقصود من النهى عن التبرج هو عدم الفتنة وسد باب الفساد.
وإذا كان النهى موجها. إلى نساء النبى فغيرهن أولى، لعدم وجود ما لديهن من الشرف والحصانة والانتساب للرسول والبيئة الصالحة.
ويتبع كشف العورة لين الكلام والتعطر والخلوة والتلامس وكل ما يدعو إلى الفتنة
(9/490)
________________________________________
أسبوع المولود

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أيهما أفضل: عمل ما يسمى بالسبوع أم العقيقة بعد الولادة؟

الجواب
كلمة السبوع فى لغة العامة مأخوذة من العدد سبعة، الذى ورد أن الإنسان يسن أن يسمى ولده ويعق عنه ويحلق شعره ويتصدق بمثله فضة أو ذهبا يوم السابع.
فروى أصحاب السنن قوله صلى الله عليه وسلم "الغلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه " وهو حديث صحيح كما قال الترمذى.
وروى الترمذى أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق.
ومعنى مرتهن لا ينمو نمو مثله، ولا يأمن من الأذى. وقيل إن المعنى لا يشفع لوالده إن مات صغيرا.
وإن لم يتيسر الذبح يوم السابع ففى اليوم الرابع عشر، وإلا ففى اليوم الحادى والعشرين، وإلا ففى أى يوم.
هذا، وما يعمل يوم السابع من رَشِّ الملح وإيقاد الشموع والدق بالهاون والكلمات المخصوصة التى ترجع إلى أفكار غير صحيحة لا أصل له فى الدين.
مع التنبيه على مراعاة الآداب عند اجتماع الأهل والأصحاب للاحتفال بالمولود يوم سابعه أو فى مناسبات أخرى
(9/491)
________________________________________
ما تمسه الحائض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يعتبر كل ما تلمسه الحائض نجسا إذا لم يتم تطهيره بغسله سبع مرات مع التلفظ بالشهادة؟

الجواب
هذه نظرة قديمة كانت عند بعض عرب الجاهلية تأثروا فيها باليهود الذين كانوا يقولون. إن أى شىء تمسه الحائض ينجس، ويجب غسله، فإن مست لحم القربان أحرق بالنار، ومن مسها أو مس شيئا من ثيابها وجب عليه الغسل، وما عجنته أو طبخته أو غسلته فهو نجس وحرام على الطاهرين حلال للحيَّض، ذكر ذلك المقريزى فى خططه "ج 4 ص 373". ولو أردت أن تعرف مقدار تحرجهم منها فاقرأ سفر اللاويين "إصحاح 15 " كله، ففيه حديث طويل عن الدم [راجع ص 50 من الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام] .
أبطل الإسلام ذلك وكرَّم المرأة بما لم تكرم به من قبل ولا من بعد.
ويمكن الرجوع إلى عنوان "التعامل مع الحائض " لمعرفة طرف من ذلك، وما دامت يد الحائض طاهرة من النجس فإن ما تمسه لا يتنجس أبدا ودم الحيض لا ينجس إلا المكان الذى خرج منه أو أصابه من الجسم أو الثياب. ولا داعى لتطهير ما لمسته، لا مرة ولا سبع مرات
(9/492)
________________________________________
المرأة التى لا ترد يد لامس

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الحديث ما يقال: شكا رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم أن امرأته لا ترد يد لامس، فقال "طلقها" قال: إنى أخاف أن تتبعها نفسى، فقال " استمتع بها"؟ وقد قرأت أن ابن القيم يقول: أى أنها لا تجذب نفسها ممن لاعبها ووضع يده عليها أو جذب ثوبها ونحو ذلك، فإن من النساء من تلين عند الحديث واللعب ونحوه "روضة المحبين ص 130 "؟

الجواب
هذا الحديث رواه أبو داود عن ابن عباس، ورواه الترمذى والبزار، ورجاله ثقات، وأخرجه النسائى من وجه آخر، وقال عنه: إنه مرسل وليس بثابت، وقال أحمد: حديث منكر، وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات "الإحياء ج 2 ص 34" وذكره صاحب "المطالب العالية ج 2 ص 53" وقال: رواه أحمد بن منيع بسند ضعيف كما قاله البوصيرى.
وعلى فرض ثبوته اختلف فى معناه، فاختار أحمد أن عيبها اقتصادى وليس خلقيا يتصل بالشرف، أى أنها تعطى من يطلب منها إحسانا ولا ترد أحدا يلتمس منها ذلك، وهذا يؤثر على الحالة الاقتصادية للزوج، ولما علم الرسول أنه يحبها أمره بإمساكها، فربما تميل إليها نفسه بالمعصية.
وقيل: إن عيبها خلقى لا تتورع عن الفاحشة، ولكن كيف يأمره النبى بإمساكها وهو الذى ذم الديوث الذى يقر السوء على أهله؟ قيل:
إن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أولا بطلاقها، ولما وجد تعلقه بها أمره بإمساكها من أجل تربية الأولاد أو عدم الصبر على الاتصال بها إن طلقها، لكن ذلك كله يتنافى مع الشرف الذى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بحمايته.
وقيل: إن طبعها هو ذلك لكنه لم يقع منها شىء، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر الفاحشة، ولعل هذا التفسير أقرب، يقول فيه على وابن مسعود:
إذا جاءكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا به الذى هو أهدى وأتقى"تفسير ابن كثير لسورة النور، ونهاية ابن الأثير"
(9/493)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52691

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:22 am

عدد الرضعات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو عدد الرضعات التى يحرم بسببها الزواج؟

الجواب
قال تعالى فى آية المحرمات من النساء {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} النساء: 23.
والرضاع المحرم للمصاهرة اختلف الفقهاء فى عدد مراته، ويتلخص ذلك فيما يلى:
1 - قليل الرضاع وكثيره سواء فى التحريم، أى بالمرة الواحدة والمرات الكثيرة، وبالقدر القليل فى الرضعة الواحدة والكثير منها، وهذا مذهب مالك وأبى حنيفة، وزعم الليث بن سعد أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم فى المهد ما يفطر به الصائم، وهذا القول رواية عن أحمد.
وحجتهم أن الله علَّق التحريم باسم الرضاعة، فحيث وجد اسمها وجد حكمها، ولأنه فعل يتعلق به التحريم فاستوى قليله وكثيره، وذلك للاحتياط فى الأبضاع بالذات، ولأن إنشاز العظم وإنبات اللحم يحصل بالقليل والكثير، ولأن القائلين بالعدد اختلفت أقوالهم فى الرضعة وحقيقتها، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم لما رفعت له قضية عقبة بن الحارث الذى تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب، وجاءت أَمة سوداء فقالت: قد أرضعتهما، لم يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن عدد الرضعات، وهو فى الصحيحين عن عائشة.
2 - لا يثبت التحريم بأقل من ثلاث رضعات، وهو رواية ثانية عن أحمد بن حنبل، ودليل هذا الرأى حديث " لا تحرِّم المصة ولا المصتان " وفى رواية "لا تحرم الإملاجة والإملاجتان " رواه مسلم عن عائشة، وأقل مرتبة فى التحريم بالعدد بعد المرتين هو الثلاثة.
3- لا يثبت التحريم بأقل من خمس رضعات، وهو مذهب الشافعى وأحمد فى ظاهر مذهبه، وقول ابن حزم الذى خالف داود الظاهرى فى هذه المسألة، وهو أحد الروايات الثلاث عن عائشة، والرواية الثانية عنها أنه لا يحرم بأقل من سبع رضعات، والثالثة لا يحرم بأقل من عشر.
وحجة القائلين بالخمس حديث عائشة فى الصحيحين البخارى ومسلم:
كان فيما نزل من القرآن "عشر رضعات يحرمن " ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن، وما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لسهلة بنت سهيل "أرضعى سالما خمس رضعات تحرمى عليه ".
قالوا: عائشة أعلم الأمة بحكم هذه المسألة هى ونساء النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت عائشة إذا أرادت أن تدخل عليها أحدا أمرت إحدى بنات إخوتها أو أخواتها أن ترضعه خمس رضعات، وقالوا أيضا: نفى التحريم بالرضعة والرضعتين صريح فى عدم تعليق التحريم بالقليل والكثير، وهى ثلاثة أحاديث صحيحة صريحة، والتعليق بالخمس لا يخالف نصًا، وإنما هو تقييد للمطلق، فهو بيان للقراَن لا نسخ ولا تخصيص.
ومن علق التحريم بالثلاث خالف أحاديث الخمس، واختار القضاء المصرى هذا الرأى وعليه الفتوى.
ثم إن القائلين بالرأيين الأولين ردوا حديث عائشة، لأنها نقلته نقل قرآن، ولا يقبل فيه الآحاد، بل لابد فى قبوله من التواتر، وعلى هذا لا يثبت به حكم ما دام غير قرآن، ورد عليهم أصحاب الرأى الثالث بأن خبرها يقبل قبول الأحاديث ويكفى فيه خبر الواحد، لأنه ما دام لم يقبل كقرآن فليس هناك إلا أن يقبل كحديث نبوى، لأنه لا يصح نسبته إليها كقول خاص بها، فإن هذا الأمر لا يقال فيه بالرأى، ولذلك عده رجال الحديث من السنة النبوية. والموضوع مبسوط فى كتاب "زاد المعاد" لابن القيم ج 4 ص 167 - 182 وملخص فى الجزء الأول من "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " ص 361.
هذا، واشترط القائلون بالتحريم بتعدد الرضعات أن يكون العدد متيقنا، ولو حدث شك فى ذلك لا يثبت التحريم، ومن هنا أنبه من تقوم بإرضاع غير طفلها أن تسجل ذلك أو تُعْلِمَ به عددا من الناس حتى يشتهر أمره، حتى لا يتم فى المستقبل زواج بين أخوين من الرضاعة فى غيبة الأم المرضع أو نسيانها.
وأرى أنه عند الشك - وإن كان لا يثبت به التحريم -ألا يتم الزواج، ما لم تكن ضرورة أو حاجة مُلِحة
(9/494)
________________________________________
رضاع المسلم من كافرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يحرم أن يرضع مسلم من كافرة وهل يكون كافرا لو رضع منها؟

الجواب
الإنسان قبل البلوغ تابع فى الدين لأشرف الأبوين دينا، فإن كان أبوه مسلما وأمه يهودية أو نصرانية فهو مسلم، وإن كان أبوه مجوسيا وأمه يهودية أو نصرانية فهو يهودى أو نصرانى تبعا لأمه، لأن دينها أشرف من دين أبيه.
فإذا بلغ الصبى صار مكلفا وجرى عليه هذا الحكم الذى كان عليه، فإذا تحول عنه صار مرتدا.
وكل ذلك فى الأبوة والأمومة النسبية، أما الأبوة أو الأمومة بسبب الرضاع، وإن كانت لها أحكام فى الزواج وما يتصل به، فلا ينسحب حكمها على الرضيع من جهة الدين ولا يحرم أن يرضع طفل مسلم من غير مسلمة لعدم وجود دليل على التحريم، وبخاصة إذا لم يوجد غيرها، وإذا رضع بقى على دينه مسلما، ولو رضع طفل مسيحى أو يهودى من مسلمة بقى على دين اليهودية أو النصرانية.
وعليه فالرضيع المسلم من امرأة يهودية أو نصرانية يحرم عليه أن يتزوج ممن أرضعته، لأنها أمه من الرضاعة، والزواج منها محرم، ويجوز له لمسها والجلوس معها فى خلوة والنظر إلى غير ما بين السرة والركبة كأنها أمه النسبية فى هذه الأحكام أما دينه فلا يتأثر بهذا الرضاع
(9/495)
________________________________________
مرضع عجوز

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
امرأة كبيرة فى السن لا يوجد بثديها لبن وكانت تلقمه لطفلة صغيرة حتى تسكت من البكاء، فهل تعتبر هذه الطفلة ابنتها من الرضاع؟

الجواب
الرضاع المحرم للمصاهرة هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم كما هو شأنه، بمعنى أن يكون بالمرضع لبن فعلاً يتغذى به الرضيع، فإذا كانت المرضع كبيرة فى السن وليس بثديها لبن بالفعل، فإن الطفلة لم تتغذ بلبن، وإنما سكتت عن البكاء كأنها ترضع، وذلك أشبه بما يوضع فى فم الطفل من حلمة صناعية يخيل إليه أنه يرضع منها فيسكت أو ينام، وعليه فلا تثبت حرمة بهذا الرضاع الخالى من اللبن.
ولو كانت فتاة لم تتزوج ولا يوجد فى ثديها لبن أو أى سائل لو رضعت منه طفلة أو طفل لا يثبت به تحريم، أما لو كان فى ثديها لبن بأى شكل من الأشكال فالتحريم يثبت بالرضاع منه. جاء فى كفاية الأخيار فى فقه الشافعية "ج 2 ص 121 " ولا فرق فى المرضعة بين كونها مزوجة أم لا، ولا بين كونها بكرا أم لا، وقيل: لا يحرم لبن البكر، والصحيح أنه يحرم، ونص عليه الشافعى.
وجاء فى تحفة المحتاج لشرح المنهاج "ج 8 ص. 28" فى فقه الشافعية أن المرضع إذا كانت - صغيرة أو آيسة وتأكدت أن ما ينزل من ثديها ليس له وصف اللبن ولكن هو ما يسمى عرفا بالمصل أو المِش الحصير، فإنه لا يترتب عليه تحريم، أما لو كان له وصف اللبن حتى لو كان نقطة واحدة فإن التحريم يثبت بذلك ولا يشترط كون الرضعات مشبعات "الفتاوى الإسلامية ج 9 ص 2365، 3274".
هذا، والصغيرة التى لا يعتبر رضاعها هى التى لم تبلغ تسع سنين كما قال الشافعية، لأنها لا تحتمل البلوغ ولا الولادة، واللبن المحرِّم فرع ذلك "الشرقاوى على التحرير ج 2 ص 340"
(9/496)
________________________________________
الحائض وسوط اللبن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هلا صحيح أن المرأة الحائض لو وضعت يدها فى اللبن الحليب تَخثر؟

الجواب
ذكر ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث "ص 231 " أن المرأة الطامث "الحائض " تدنو من اللبن لتسوطه - تخلطه - وهى منظفة الكف والثوب فيفسد اللبن، وقد تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس فيه من غير أن تمسها.
وجاء فى كتاب "محاضرات الأدباء " للراغب الأصبهانى "ج 1 ص 200" أنهم قالوا: إن الطامث تدنو من إناء اللبن لتسوطه فتفسده.
ومن أجل ما عند الحائض من إفرازات ضارة كان اليهود يقولون: إن أى شىء تمسه الحائض ينجس ويجب غسله، فإن مست لحم القربان أحرق بالنار، ومن مسها أو مس شيئا من ثيابها وجب عليه الغسل، وما عجنته أو طبخته أو غسلته فهو نجس حرام على الطاهرين حل للحيّض "خطط المقريزى ج 4 ص 373".
ولعل مما يفسر هذه الظواهر ما نشرته مجلة "الحوادث " اللبنانية بتاريخ أول نوفمبر سنة 1974 ص69: أن المجلة الطبية البريطانية "ذى لانسيت " ذكرت القصة التالية: تسلم أحد الأطباء باقة زهور، فأمر الممرضة بوضعها فى الماء فامتنعت، ثم أرغمها على وضعها.
وبعد بضع ساعات ذبلت الزهور، وأخبرت الممرضة الطبيب بأن هذا سبب امتناعها عن وضعها فى الماء، فإن الزهور تذبل كلما مستها وهى حائض.
والتفسير العلمى لذلك أن جلد المرأة الحائض يفرز مادة تسمم النبات، ويعتقد بعضهم أن هذه المادة شبيهة بمادة "أوكسيخو لستريف " وزعم بعض الأطباء أيضا أنهم لاحظوا ظاهرة غريبة لدى بعض النساء وقت الحيض، وهى أن جلد الأصابع يكتسى ببقعة سوداء تحت محبس الزواج "كذا" ولاحظوا أيضا أن المرأة المنقبضة النفس قد تفرز مادة خاصة مضرة للأزهار أيضا، وجاء فى " عجائب المخلوقات " للقزوينى غرائب مماثلة عن الحائض، وذلك كله يفسر معنى الأذى فى الحيض والأمر باعتزال القربان حتى ينتفى، ولزيادة المعلومات يرجع إلى الجزء الثالث من كتاب "الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/497)
________________________________________
البكر والثيب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو الحد الفاصل بين البكر والثيب وأحكام كل منهما؟

الجواب
البكر هى المرأة التى لم تزل بكارتها بوطء حلال أو شبهة أو زنا والثيب هى التى زالت بكارتها بشىء من ذلك، والبكارة هى الغشاء الخاص الموجود فى فرج المرأة، جاء فى "كفاية الأخيار " فى فقه الشافعية "ج 2 ص 47 " أن الثيوبة لو حصلت بالسقطة أو بأصبع أو حدة الطمث وهو الحيض، أو طول التعنيس، وهو بقاوها زمانا بعد أن بلغت حد التزويج ولم تزوج فالصحيح أنها كالأبكار، ولو وطئت مكرهة أو نائمة أو مجنونة فالأصح أنها كالثيب، وقيل كالبكر، ولو خلقت بدون بكارة فهى بكر.
وجاء فى المصدر نفسه أن المرأة لو ادعت البكارة أو الثيوبة فالصيمرى والماوردى قطعا بأن القول قولها، ولا يكشف حالها، لأنها أعلم، قال الماوردى: ولا تسأل عن الوطء ولا يشترط أن يكون لها زوج، قال الشاشى: وفى هذا نظر، لأنها ربما أذهبت بكارتها بأصبعها،فله أن يسألها، فإن اتهمها حلَّفها.
قلت: طبع النساء نزاع إلى ادعاء نفى ما يجر إلى العار، فينبغى مراجعة القوابل فى ذلك وإن كان الأصل البكارة، لأن الزمان قد كثر فساده فلابد من مراجعة القوابل ولا يكفى السكوت، احتياطا للأبضاع والأنساب.
ومن أهم الأحكام المترتبة على ذلك أن البكر عندما تستأذن فى الزواج يكفى سكوتها، أما الثيب فلابد من نطقها بالقبول أو الرفض، روى مسلم أن النبى قال: "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها ".
ومن الأحكام أن الزوج لو تزوج بأخرى خصها بسبع ليال إن كانت بكرا، أما إن كانت ثيبا فيخصها بثلاث ليال فقط، ثم يسوى بين الجميع بعد ذلك فى القَسْمِ، لقول أنس رضى الله عنه "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم " قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنَسًا رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم، رواه البخارى ومسلم.
ولو تزوج المرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فالنكاح صحيح، وهو بالخيار إن شاء أمسك وإن شاء طلق، مع العلم بأن كتمانها ذلك حرام، لأنه غش والغش حرام
(9/498)
________________________________________
دبلة الخطوبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن دبلة الخطوبة بدعه وحرام؟

الجواب
خاتم الخطوبة أو الزواج له قصة ترجع إلى آلاف السنين، فقد قيل: إن أول من ابتدعها الفراعنة، ثم ظهرت عند الإغريق، وقيل إن أصلها مأخوذ من عادة قديمة، هى أنه عند الخطبة توضع يد الفتاة فى يد الفتى ويضمهما قيد حديدى عند خروجهما من بيت أبيها، ثم يركب هو براده وهى سائرة خلفه ماشية مع هذا الرباط حتى يصلا إلى بيت الزوجية، وقد تطول المسافة بين البيتين، ثم أصبحت عادة الخاتم تقليدا مرعيا فى العالم كله.
وعادة لبسها فى بنصر اليسرى مأخوذة عن اعتقاد الإغريق أن عرق القلب يمر فى هذا الإصبع، وأشد الناس حرصا على ذلك هم الإنجليز وقيل: أن خاتم الخطوبة تقليد نصرانى.
والمسلمون أخذوا هذه العادة، بصرف النظر عن الدافع إليها، وحرصوا على أن يلبسها الطرفان، ويتشاءمون إذا خلعت أو غير وضعها، وهذا كله لا يقره الدين.
والمهم أن نعرف حكم لبسها.
أما اللبس فى حد ذاته فليس محرما حيث لم يرد نص فى التحريم، ولم يقصد التشبه بالكفار، فالتشبه ممنوع وبخاصة إذا كان فى معنى دينى لا يرضاه الإسلام، ثم نقول: إن كانت الدبلة من فضة فلا بأس بها للرجال والنساء، أما إن كانت من ذهب فهى حرام على الرجال حلال للنساء، وذلك لعدة أحاديث وردت فى ذلك، منها حديث رواه الترمذى بإسناد حسن "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتى وأحل لإناثهم " وحديث مسلم "ونهأنا عن خواتم - أو عن تختم - بالذهب " وحديثه أيضا "يعمد أحدكم إلى جمرة نار فيجعلها فى يده "؟ وذلك عندما رأى خاتما من ذهب فى يد رجل، فنزعه فطرحه.
ومن أراد التوسع فى معرفة تاريخ الدبلة والباعث عليها والعبارات المكتوبة عليها وغير ذلك فليرجع إلى الجزء الأول من كتابنا "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/499)
________________________________________
عقد الزواج بالمسرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يصح عقد الزواج عن طريق التليفون بين الزوجين والشهود؟

الجواب
لا بد لصحة عقد الزواج من وجود الشاهدين مع الزوجين مجلس العقد، وذلك للتأكد من شخصية الزوجين وسماع الصيغة، وقد يحصل التأكد إذا أرسل الزوج كتابا إلى الزوجة بأنه تزوجها وقبلت هى وشهد على قبولها شاهدان،فالكتاب الموقع عليه منه يقوم مقام النطق بالصيغة كما قال بعض العلماء.
أما الكلام فى المسرة "التليفون " فالتحقق فيه من صوت الزوج فيه عسر، لإمكان التقليد والمحاكاة للأصوات، وإذا سمعته الزوجة فالشاهدان ربما لا يسمعانه، اللهم إلا إذا كانت الزوجة والشاهدان يسمعون من سماعة واحدة بالآلات الحديثة، ومع ذلك ففيه عسر فى التأكد. ويمكن أن يقال: إنه بتطور آلات الاتصال التى تنقل بها الصورة مع الصوت قد يحصل التأكد من شخصية الطرفين وكلامهما بالإيجاب والقبول، وتجرى هذه الرؤية عن بعد مجرى الحضور فى المجلس الواحد الذى اشترطه الفقهاء. وهنا يكون العقد صحيحا. "راجع كتاب: أحكام الأسرة فى الإسلام، للدكتور محمد مصطفى شلبى".
وجاء فى كتاب الأحوال الشخصية للدكتور الشيخ عبد الرحمن تاج "ص 24": أن أحد المتعاقدين إذا كان غير حاضر مع الآخر فى مجلس واحد فإنه يمكن أن يتعاقد بوساطة رسول أو كتاب، وتقوم عبارة الرسول وما سطر فى الكتاب مقام تلفظ العاقد الحاضر، والشهادة اللازمة لصحة العقد يلزم توافرها فى مجلس القبول الذى يصدر من المرسل إليه أو المبعوث إليه الكتاب. ولا يلزم أن يُشهِد صاحب الكتاب على كتابه، بل يكفى أن يشهد الشهود فى مجلس القبول على هذا القبول، وعلى ما جاء فى الكتاب بعد قراءته عليهم أو إخبارهم بما فيه، فإن ذلك يقوم مقام حضور صاحب الكتاب وتلفظه فى المجلس. ويجب التنبيه على التثبت من أن الكتاب هو كتاب فلان وذلك بشهادة من قرأوه أو علموا بما فيه، فإنه قد ينكر، وهنا لا يثبت الزواج، وتنص لائحة المحاكم الشرعية على أنه لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة رسمية
(9/500)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52691

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:50 am


العدة فى الطلاق الغيابى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
زوج طلبت زوجته من المحكمة الطلاق منه فحكمت بطلاقها، ثم استأنف الزوج الحكم، فمتى تبدأ عدة المطلقة؟

الجواب
تبدأ عدهَ الطلاق من تاريخه سواء أكان المطلق هو الزوج أو المحكمة، وفى الطلاق الغيابى الصادر من المحكمة لا تبدأ العدة إلا إذا صار نهائياً، وذلك إن مضت مدة المعارضة والاستئناف ولم يعارض ولم يستأنف، أو استأنف وتأيد الحكم، أمَّا إذا لم يصر الحكم بالطلاق نهائياً فلا تترتب عليه آثاره ومنه العدة حتى يكون نهائياً" الفتاوى الإسلامية "المجلد: 6 ص: 2193".
(10/1)
________________________________________
نية الطلاق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تحدثنى نفسى بأننى أطلق زوجتى، وأحيانا أطلقها بقلبى دون أن أتلفظ بالطلاق، فهل يقع الطلاق بالنية والحديث النفسى؟

الجواب
أثار القرطبى فى تفسيره "ج 8 ص 210" هذه المسألة فقال:
العهد والطلاق وكل حكم ينفرد به المرء ولا يفتقر إلى غيره فيه فإنه يلزمه ما يلتزمه بقصده وإن لم يلفظ به، قاله علماؤنا -أى المالكية- وقال الشافعى وأبو حنيفة: لا يلزم أحدا حكم إلا بعد أن يلفظ به، وهو القول الأخر لعلمائنا. قال ابن العربى - المالكى - والدليل على صحة ما ذهبنا إليه ما رواه أشهب عن مالك -وقد سئل: إذا نوى الرجل الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه -فقال: يلزمه، كما يكون مؤمنا بقلبه وكافرا بقلبه.
قال ابن العربى: وهذا أصل بديع، وتحرير أن يقال:
عقد لا يفتقر فيه المز إلى غيره فى التزامه فانعقد عليه بنية، أصله الإيمان والكفر.
قلت -أى القرطبى- وحجة القول الثانى ما رواه مسلم عن أبى هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " ورواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم: أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيئا حتى يتكلم به، قال أبو عمر: ومن اعتقد بقلبه الطلاق ولم ينطق به لسانه، فليس بشىء.
هذا هو الأشهر عن مالك، وقد روى عنه أنه يلزمه الطلاق إذا نواه بقلبه، كما يكفر بقلبه وإن لم ينطق به لسانه. والأول أصح فى النظر وطريق الأثر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "تجاوز الله لأمتى عما وسوست به نفوسها ما لم ينطق به لسان أو تعمله يد". فالخلاصة أن نية الطلاق لا يقع بها طلاق عند جمهور العلماء
(10/2)
________________________________________
من آداب الحياة الزوجية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نقرأ فى الكتب والصحف عن تجارب المفكرين فى وسائل محافظة الزوجة على قلب زوجها أشياء كثيرة قد تكون صدى لإحساس خاص، أو نَضْحًا لبيئة بعرفها المناسب لها، فهل فى الإسلام شىء من هذه الوسائل التى تستعين بها الزوجة على سعادة زوجها والأسرة؟

الجواب
الإسلام وهو الدين الذى أكمله الله وأتم به النعمة فيه تبيان كل شىء يحقق السعادة للفرد والمجتمع فى الدنيا والآخرة، وكل تشريعاته العامة والخاصة لها صلة كبيرة بإسعاد الحياة الزوجية، ومع ما عرفناه مأثور العرب فى وصايا بناتهم عند الزواج نورد بعضا من هذه الآداب:
1- أن تكون الزوجة صورة حسنة فى عين زوجها تجذب قلبه إليها، وذلك بالعناية بجمالها، وقد مر الحديث عنه وموقف الإسلام منه.
2 -تنسيق البيت بشكل يدخل السرور على قلب الزوج، وتجديد هذا التنسيق حتى يتجدد شعوره بالسرور، ولا تسير الحياة على وتيرة واحدة.
3-توفير الجو الهادى له ليستريح من عناء عمله، وبخاصة فى أيام الراحة، التى لا ينبغى أن تشغلها بما يصرفها عنه، ولا تترك الأولاد يعكرون صفو هذا الجو.
4 -مشاركته فى فرحه وفى حزنه، ومحاولة التسرية عنه بكلام طيب أو عمل سار، كما كانت السيدة خديجة رضى الله عنها مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم أن جاء من الغار يرجف فؤاده، فطمأنته بأن الله لا يخزيه أبدا.
5 -معرفة مواعيد أكله ونومه وعمل الحساب لكل منها، وذلك بإعداد طعامه الذى يشتهيه والهدوء التام عند نومه الذى يحب أن يهدأ الجو من حوله ليشعر بالراحة.
6-عدم إظهار الاشمئزاز منه لعيب وجد فيه كمرض وفقر وكبر سن، ومحاولة تخفيف هذه الآلام عنه بالقول أو الفعل، فهذا ضرب من الوفاء له.
7 - الأدب معه فى الحديث، واختيار الألفاظ المحببة إلى قلبه، وعدم مراجعته بصورة تثير غضبه، أو تجرح شعوره، فقد يكون من وراء ذلك هدم الأسرة.
8 - عدم المن والتطاول عليه بغناها أو حسبها أو منصبها مثلا، وعدم ذكره بالسوء والشكاية منه إلا فى أضيق الحدود، لدفع شر يتوقع مثلا، جاء فى إحياء علوم الدين للغزالى أن الأصمعى قال: دخلت البادية فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها، وزوجها من أقبح الناس وجها فقلت لها: يا هذه أترضين لنفسك أن تكونى زوجة له؟ فقالت: اسكت يا هذا، فقد أسأت فى قولك، لعله أحسن فيما بينه وبين الله فجعلنى ثوابه. أو لعلنى أسأت فيما بينى وبين ربى فجعله عقوبتى، أفلا أرضى بما رضى الله لى؟ .
تلك وأمثالها آداب يقرها الإسلام ويدعو إليها، وأولى أن نتبعها بدل أن نتبع التقاليد الأخرى التى لا تناسبنا، فلكلٍّ شرعة ومنهاج
(10/3)
________________________________________
الوفاء للزوج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مضى على زواجنا عشرون سنة وأنا متمتعة بحياة زوجة سعيدة، ولكن زوجى مرضى مرضا أحسست بأننى لا أطيق البقاء معه، لقيامى على خدمته وضيق ذات اليد عندنا، فهل من الجائز أن أطلب الانفصال عنه، أو الأفضل أن أظل معه مع المعاناة الشديدة التى أعيش فيها؟

الجواب
لا شك أن الحياة متقلبة بين اليسر والعسر، والصحة، والمرض، والمؤمن الصادق يثبت جدارته بالحياة فى كل الأحوال، كما جاء فى الحديث الذى رواه مسلم " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ".
والزوجة تقر بأنها عاشت مع زوجها أياما سعيدة عندما كان صحيح الجسم وافر الثراء، فهل من المروءة والإنسانية أن تتركه فى محنته لتتزوج غيره تكمل معه مشوار حياتها سعيدة كما بدأته.
إن التى تفكر فى ذلك تدخل تحت حكم الحديث الذى ينهى عن كفران العشير، فقد نسيت ما قدمه لها زوجها من خير، وتبخر بسرعة ما نعمت به سنوات طوالا، وقد صح فى الحديث الذى رواه مسلم عن أمر النبى صلى الله عليه وسلم النساء يوم العيد بكثرة التصدق، لأن أكثرهن حطب جهنم، بسبب كثرة الشكاة وكفران العشير "لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط ".
إن الزوجة الصالحة تعين زوجها على نوائب الدهر لا أن تتخلى عنه، وكفى بالسيدة خديجة رضى الله عنها مثالا رائعا فى صدق معونتها للنبى صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل والمال. وبهاجر أم إسماعيل التى تحملت الوحدة وقاست البعد والألم طاعة لأمر الله وأمر زوجها إبراهيم، وبأم الدحداح التى شجعت زوجها على التصدق بالحديقة فى سبيل الله، وبزينب الثقفية التى ساعدت زوجها ابن مسعود بمالها فى حال إعساره، وبزينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم التى وفت لزوجها فخلصته من الأسر بأعز ما تملكه.
إن النبى صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إلا إذا كان هناك سبب قاهر يجعل الحياة متعذرة أو متعسرة، ففى الحديث الحسن الذى رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه "أيما امرأة سالت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ".
وفقر الزوج المريض إن وصل إلى حد الإعسار بالنفقة الواجبة، هل يجيز لها طلب التفريق أو لا؟ مذاهب الفقهاء فى ذلك مختلفة، فقيل: يجبر على طلاقها عند إعساره أو امتناعه، وقيل: يؤجل شهرا ثم يطلق عليه الحاكم، وقيل: تخير إن شاءت أقامت وإن شاءت فسخت، وقيل ليس لها الفسخ ولكن تَرْفَعُ يده عنها لتكتسب، وليس عليها أن تمكنه من الاستمتاع بها، والاحتجاج لكل هذه الآراء طويل يمكن الرجوع إليه فى كتاب زاد المعاد لابن القيم، الذى قال فى ختام بحثه: والذى تقتضيه أصول الشريعة أن الرجل إذا غرر بالمرأة قبل الزواج بأنه ذو مال ثم ظهر أنه مفلس، أو كان ذا مال وترك الإنفاق عليها ولم تقدر على أخذ كفايتها من ماله بنفسها أو بالحاكم فلها الفسخ، وإن تزوجته وهى عالمة بعسره أو كان موسرا ثم أعسر فلا فسخ لها.
وهذا رأى جميل يضم إليه أن ترفع يده عنها لتكتسب وتبقى على عصمته، ولها أن تمتنع عن تمكينه من التمتع بها، فإن عجزت عن الاكتساب أو وجدت عنتا فيه فأرى أنها تخير بعد ذلك فى البقاء معه أو الانفصال عنه إذا لاح لها فى الأفق ما يوفر لها الحياة الكريمة
(10/4)
________________________________________
إعفاف الزوجة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن يسافر ويترك زوجته مدة طويلة، وبخاصة إذا كانت شابة، هل تتحمل هذا البعد أو تطلب الفراق منه؟

الجواب
لا شك أن من أهم مقاصد الزواج تنظيم نشاط الغريزة الجنسية، الذى يكون من آثاره عفة الزوج والزوجة عن الحرام، والذرية التى تتربى فى ظل الأسرة المستقرة، فكما أن له حقا فى اتصاله بها كذلك هى لها حق فى الاتصال به، وإن كان الحياء يكفها عن المطالبة به بطريق مباشر فى غالب الأحيان، فهى مثله مخلوق بشرى تتحرك فيه الغريزة، والزواج هو الفرصة المشروعة لتلبية ندائها، ومن هنا لم يرض النبى صلى الله عليه وسلم عمن عزم ألا يتزوج، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص الذى صرفته عبادته عن حق زوجته، وعن أبى الدرداء الذى ترك زوجته مكتئبة بملابسها المبتذلة، لانشغاله بصيام النهار وقيام الليل، وكل ذلك وردت به الأحاديث الصحيحة.
إن كلا من الزوجين حين يبتعد أحدهما عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق ويتعطش للاطمئنان على نصفه الاخر، ويغذى هذا الشعور أمران:
أحدهما يحتاجه الجسد، والآخر يحتاجه القلب، وإذا طال أمد البعد قوى ألم الفراق، وربما أورث مرضا أو أمراضا، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين وحصانة من أخلاق؟ وقد جاء فى المأثور أن عمر رضى الله عنه سمع -وهو يتفقد أحوال رعيته ليلا-زوجة تنشد شعرا تشكو فيه بُعْدَ زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين، وتضمن شعرها تمسكها بدينها وبوفائها لزوجها، ولولا ذلك لهان عليها بعده، وذلك بآخر يؤنسها فى غيبة الزوج.
فرق عمر لحالها، وقرر لكل غائب أمدا يعود بعده إلى أهله. ولكن هل لهذا الإعفاف حد أو ميقات؟ الأقوال فى ذلك كثيرة يقوم أكثرها على الاجتهاد. لكن الأوفق أن يراعى فى ذلك حال الزوج والزوجة، من وجود الداعى إليه والقدرة عليه وعدم المانع منه، فقد امتنع النبى صلى الله عليه وسلم عن نسائه شهرا، وخيرهن بين البقاء معه والفراق، وينبغى ألا تزيد فترة البعد على أربعة أشهر، وهى المدة التى ضربها الإسلام لِلْمولى من امرأته، أى الذى يحلف ألا يقربها، قال تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم. وان عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} البقرة: 226، 227، فإنه يطالب بعد هذه المدة بأحد أمرين:
الفىء أى الرجوع عن حلفه، فيباشر زوجته، أو الطلاق. بل جعل أبو حنيفة الشهور الأربعة أجلا لوقوع الطلاق، تطلق الزوجة بمجرد انقضائها إن لم يرجع إليها زوجها.
إن بعد الزوج عن زوجته -حتى لو وافقت عليه حياء أو مشاركة فى كسب يفيدهما معا-يختلف فى أثره عليها، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها، ولا المتدينة مع غيرها، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب، وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام لقاء ما يعانيه الزوج أيضا من بعد عنها فيه مصلحتهما معا، فإنى أيضا أنصح الزوج بألا يتمادى فى البعد، فإن الذى ينفقه حين يعود إليها فى فترات قريبة سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التى سافر من أجلها، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين، وشرف الإنسان أغلى من كل شىء فى هذه الحياة، وإبعاد الشبه والظنون عن كل منهما يجب أن يعمل له حسابه الكبير.
ولئن كان عمر رضى الله عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر (مصنف عبد الرزاق وتفسير للقرطبى "ج 3 ص 108 والسيوطى فى تاريخ الخلقاء ص 96 وابن الجوزى فى سيرة عمر ص 59) فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعة إذ ذاك، أما وقد تغيرت الأعراف واختلفت الطباع، فيجب أن تراعى المصلحة فى تقدير هذه المدة، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها.
ومهما يكن من شىء فإن الشابة إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها فلها الحق فى رفع أمرها إلى القضاء لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها، حفاظا على الأعراض، ومنعا للفساد، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار
(10/5)
________________________________________
احترام ملكية المرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل للزوج حق فى أن يستولى على الكسب الخاص لزوجته، بحجة التعاون على مطالب الأسرة؟

الجواب
يقول الله سبحانه {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء: 4.
ويقول {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا. وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 20، 21، ويقول {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} النساء: 19.
تشير هذه الآيات إلى وجوب احترام الرجل لملكية المرأة، فحرم على الزوج أو ولى أمرها أن يأخذ من صداقها شيئا إلا عن طيب نفس، وذلك إبطال لما كان الناس عليه فى الجاهلية.
والحكمة فى ذلك تقرير مبدأ الحرية للمرأة فى التملك والتصرف فيما تملك، وكذلك رفع قيمة الرجل وتكريم رجولته وتحقيق قوامته عليها، فمهما اشتدت حاجته لا ينبغى أن يطمع فى مال زوجته الغنية حتى لا يكون عبدا لإحسانها إن أعطته بطيب خاطر.
وقد قرر الإسلام لها هذا الحق قبل أن تقرره المدنيات الحديثة بعدة قرون.
ولذلك يجوز للزوجة أن تتاجر فى مالها الخاص وأن تتصرف فيه بدون إذن زوجها ما دام ذلك فى حدود المشروع، وإذا كان لها أن تتصدق وتتبرع فليكن الأولى أن يكون لمصلحة الأسرة بمعونة زوجها إن أحست الحاجة إلى المساعدة، فهو نوع من الوفاء والتعاون على الخير.
والإسلام قد نفر من الإقدام على زواج المرأة الغنية من أجل غناها فقط والطمع في ماليا، دون اهتمام بالمقياس الخلقى والدينى للزوجة، لكن لو كان هناك اتفاق سابق على الزواج أن يتعاونا معا على الأسرة، أو أذن لها الزوج أن تعمل لقاء اشتراكها فى ذلك كان لا بد من تنفيذ الاتفاق، فالمؤمنون عند شروطهم، وكان لا بد من النزول على حكم العرف إن كان العرف يقضى بذلك. وبدون هذا لا يحق للزوج أن يأخذ شيئا من مالها الخاص، ويا حبذا لو كان هناك تحديد واضح بينهما من أجل ذلك حتى لا يكون نزاع قد يفضى إلى هدم الأسرة
(10/6)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52691

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:50 am

المحافظة على شرفها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى الزوج الذى يسىء الظن بزوجته ويفرط فى الغيرة عليها حتى يمنعها من كثير مما أحل الله للنساء وللناس جميعا؟

الجواب
من المسلم به أن الرجل مسئول عن المحافظة على سمعته وسمعة الأسرة عامة، وسمعة زوجته التى اختارها شريكة لحياته، والحديث الشريف يقول "والرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته " ومن الرعاية أن يراقب سلوكها كما يراقب سلوك أولاده، لكن هذه المراقبة لها حدود حتى لا تنتج نتيجة عكسية، فالمرأة إن لم تكن عندها حصانة من خلق ودين يمكنها أن تتفلت من هذه المراقبة بوسائل قد تتفنن فيها، وقد قالها عزيز مصر منذ آلاف السنين، وسجلها القرآن الكريم {إن كيدكن عظيم} يوسف: 128.
وإذا كان الحديث قد حذر من التهاون فى مراقبة سلوكها، ومن ترك الحبل لها على الغارب بقوله صلى الله عليه وسلم، كما رواه النسائى والبزار وصححه الحاكم "ثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء" - فإنه وجهه إلى الاعتدال والتوسط فى ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم، كما رواه أبو داود والنسائى وابن حبان "إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهى غيرة الرجل على أهله من غير ريبة " ذلك أن شدة الغيرة تجلب على المرأة سُبَّة، فسيقول الناس، إن صدقا وان كذبا، ما اشتد عليها زوجها إلا لعلمه بأنها غير شريفة، أو فيها ريبة، يقول الإمام على: لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك.
إن هذه الغيرة الشديدة تحمله على كثرة الظن السيئ وعلى التجسس، وذلك منهى عنه فى القرآن والسنة، وقد نهى الحديث عن إحدى صوره، وهى الطروق ليلا للمسافر، أى مباغتته لأهله عند قدومه من السفر دون علم منهم، فقد روى مسلم عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا لئلا يخونهم أو يطلب عثراتهم. وروى البخارى ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إذا قدم أحدكم ليلا فلا يأتين أهله طروقا، حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة".
فالخلاصة أن الرجل لابد أن يغار على زوجته، ولكن يجب أن يكون ذلك فى اعتدال، وخير ما يساعده على ذلك أن يختارها ذات خلق ودين
(10/7)
________________________________________
المحافظة على شعورها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الإسلام أن تعيش المرأة فى البيت كمَّا مهملا، ينظر إليها بمنظار أسود، وتعامل كجارية لا إحساس لها ولا شعور؟

الجواب
من ميزة الإسلام أنه كرم المرأة وأزال الصورة القاتمة التى صورت بها من قبل. وقرر لها كثيرا من الحقوق التى أضاعتها هذه الصورة، واعتد بإنسانيتها التى سلبتها إياها بعض الأفكار وطبقها بعض الرسول - والله سبحانه أمر بمعاشرتها بالمعروف كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة، ومن أهم مظاهر هذه المعاشرة التى تتصل بإحساسها وشعورها:
1 - صون اللسان عن رميها بالعيوب التى تكره أن تعاب بها، سواء أكانت خِلقية لا تملك من أمر تغييرها شينا كدمامة وقصر، أم كانت خُلقية لها دخل فيها كتباطؤ فى إنجاز العمل، أو ثرثرة كثيرة، فالله نهى بوجه عام عن السخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والسباب، والنبى صلى الله عليه وسلم قال فيما يخص المرأة، كما رواه أبو داود بإسناد حسن "ولا تضرب الوجه ولا تقبح "أى لا تقل لها: قبَّحك الله، يقول الحافظ المنذرى بعد ذكر هذا الحديث: أى لا تسمعها المكروه ولا تشتمها ولا تقل قبحك الله.
2 - ومع عدم رميها بالعيوب، لا ينبغى الاشمئزاز وإظهار النفور منها، ولتكن النظرة إليها بعينين لا بعين واحدة، فكما أن فيها عيوبا فيها محاسن ينبغى ألا تغفل وتنسى، والله سبحانه يقول {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء: 19، والحديث يقول كما رواه مسلم "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضى منها آخر" ويعجبنى فى هذا المقام ما جاء فى "الأحكام السلطانية للماوردى" أن عمر بن الخطاب رأى رجلا يطوف حول الكعبة وعلى عاتقه امرأة حسناء، وهو يقول:
عُدْت لهذى جملا ذلولا * مُوطَّأً أتبع السهولا أعدلها بالكف أن تميل * أحذر أن تسقط أو تميلا أرجو بذاك نائلا جزيلا فقال له: من هذه التى وهبت لها حجك؟ فقال: امرأتى يا أمير المؤمنين، وإنها حمقاء مرغامة، أكول قمامة، لا يبقى لها خامة. فقال له: لم لا تطلقها؟ لا قال: إنها حسناء لا تُفْرَك، وأم صبيان لا تُترك.
قال: فشأنك بها.
3 - عدم ذكر محاسن غيرها من النساء أمامها بقصد إغاظتها، فليس أقتل لشعور المرأة من ذلك وبخاصة إذا كانت هذه المرأة ضرتها أو جارتها أو لزوجها صلة بها أيا كانت هذه الصلة اللهم إلا إذا كان يقصد بمدح غيرها تأديبها وتوجيهها لتكون مثلها. روى البخارى ومسلم عن عائشة قالت:
ما غرت على أحد من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها قط، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها فى صدائق خديجة فربما قلت له: كأن لم يكن فى الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت وكانت. . . . وكان لى منها ولد".
4 - حفظ أسرارها وبخاصة ما يكون من الأمور الداخلية التى لا يعرفها إلا زوجها. يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفض إليه ثم ينشر سرها". أراد بعض الصالحين أن يطلق امرأته فقيل له: ما الذى يريبك منها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته. فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال: ما لى ولامرأة غيرى؟ (الإحياء ج 2 ص 52) 5 -نداؤها بلفظ يشعر بكرامتها مثل: يا أم فلان، والعرف مختلف فى ذلك.
6 -إلقاء السلام عليها عند دخول البيت، لإيناسها واطمئنانها، ففى حديث الترمذى وصححه "يا بنى، إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكن سلامك بركة عليك وعلى أهل بيتك ".
تلك بعض المظاهر التى تدل على احترام الإسلام لشعور المرأة، ليعاملها زوجها على ضوئها معاملة كريمة، وهناك أكثر وأوضح من ذلك فى كتاب "الأسرة تحت رعاية الإسلام -الجزء الثالث "
(10/8)
________________________________________
وطء شبهة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن أرسل رجلا نائبا عنه لعقد النكاح، ثم سأفر فى اليوم نفسه، ولما عاد وقع على خطيبته ظانا أن نائبه عقد له عليها،وظهر أنه لم يعقد عليها وحملت منه، فهل يعتبر الحمل منسوبا إليه أم لا؟

الجواب
الاتصال الجنسى بين الرجل والمرأة على ثلاثة أضرب، ضرب حلال وضرب حرام وضرب ليس بحلال ولا بحرام، أما الحلال فهو ما كان بعقد نكاح صحيح مستوف للأركان والشروط، أو كان تمتعا بملك اليمين للأمة غير الحرة، والحرام ما كان على غير هذه الصورة مع عدم وجود شبهة ومع العلم والاختيار، قال تعالى فى صفات المؤمنين المفلحين {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المؤمنون:5-7، وفى الحرام عقوبة بالجلد والتغريب لغير المُحْصَنِ، وبالرجم للمحصن.
وأما الاتصال الذى لا يوصف بحل ولا حرمة فهو ما كان فيه شبهة، كأن جامع الرجل امرأة يظن أنها زوجته فبانت أجنبية عنه، وهذا لا حَدَّ ولا عقوبة فيه. لكن من جهة لحوق النسب فى الحمل فالمولود ينسب إلى أمه فى الأضرب الثلاثة لأنها هى التى حملت وولدت، وذلك لا خلاف فيه بين العلماء. أما نسبُه للرجل فهو ثابت له فى الاتصال الحلال، غير ثابت له لى الاتصال الحرام، وأما فى الاتصال بشبهة فإن كانت الموطوءة على فراش رجل آخر-يعنى متزوجة-فالولد يلحق الزوج، لحديث "الولد للفراش وللعاهر الحجر" إلا إذا نفاه عنه باللعان المذكور فى أوائل سورة النور فلا يلحقه، وإن كانت غير متزوجة فإن الولد يلحق من وطئها، وذلك على رأى جمهور الفقهاء.
جاء فى كتاب "المغنى" لابن قدامة "ج 9 ص 57" أنه لو وطىء رجل امرأة لا زوج لها بشبهة فأتت بولد لحقه نسبه، وهذا قول الشافعى وأبى حنيفة، وقال أحمد بن حنبل كل من درأتُ عنه الحدَّ ألحقت به الولد، ولأنة وطء اعتقد الواطئ حِلَّهُ فلحق به النسب، كالوطء فى النكاح الفاسد - أى الذى اختل أحد أركانه أو شروطه - وفارق وطء الزنا -أى فى عدم لحوق النسب به -فإنه لا يعتقد الحل فيه، ولو تزوج رجلان أختين فغلط بهما عند الدخول فزفت كل واحدة منهما إلى زوج الأخرى فوطئها وحملت منه لحق الولد بالواطئ، لأنه يعتقد حله فلحق به النسب كالوطء في نكاح فاسد.
وجاء مثل هذا الكلام فى حاشية الشرقاوى على التحرير فى فقه الشافعية "ج 2 ص 219، 271 " وذكر أن شبهة الفاعل تمنع الحد وتوجب مهر المثل، ولا يوصف بها الوطء بحل ولا حرمة، ويثبت به النسب، وتثبت به العدة. من هذا يعرف جواب السؤال وهو لحوق الحمل بهذا الرجل الذى ظن أن من جامعها هى زوجته
(10/9)
________________________________________
الخلوة بين الجنسين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا فتاة ملتزمة للحجاب الشرعى، وأعمل سكرتيرة لأحد رجال الأعمال، وفى بعض الأحيان نمض ساعات وحدنا لمراجعة الأعمال، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
ليكن معلوما أن الحجاب الشرعى ليس قاصرا على تغطية الجسم بما يمنع رويته للأجنبى، بل إن من مقوماته التى تتعاون كلها على منع الفتنة وصيانة المجتمع من الفساد-عدم خلوة المرأة برجل أجنبى عنها، فالأحاديث كثيرة فى النهى عنها لخطورتها، ومنها ما رواه البخارى ومسلم " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " وما رواه الطبرانى "إياك والخلوة بالنساء، فو الذى نفسى بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما".
إن الغريزة الجنسية تتحين أية فرصة للاستجابة لرغبتها، ومن أجل ذلك حرم الإسلام النظر واللمس والخضوع بالقول، والخلوة، أخرج أبو داود والنسائى أن رجلا من الأنصار مرض حتى صار جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية تعوده وحدها فهشَّ لها ووقع عليها، فدخل عليه رجال من قومه يعودونه فأخبرهم بما حصل منه وطلب الاستفتاء من النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا لرسول الله: ما رأينا بأحد من الضر مثل ما الذى هو به، ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلدة على عظم، فأمر رسول الله: بإقامة الحد عليه، بضربه بمائة شمراخ ضربة واحدة.
إن فرص الخلوة بين الجنسين كثيرة فى هذه الأيام، فقد تكون فى البيوت والفنادق والمكاتب ودواوين القطارات المغلقة، والسيارات الخاصة والمصاعد الكهربائية، حتى فى الأماكن الخلوية البعيدة عن الأنظار.
إن مجرد الخلوة حرام حتى لو لم يكن معها سفور أو كلام مثير، وتتحقق باجتماع رجل وامرأة فقط، أو باجتماع امرأة برجلين، أو باجتماع امرأتين مع رجل على بعض الأقوال، فإن كان الاجتماع رباعيا أو أكثر، فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إن تساوى العدد فى الطرفين، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة، هكذا حقق الفقهاء.
والخلوة لا تجوز إلا للضرورة، وليس من الضرورة كسب العيش بالعمل الذى يستلزمها ولو فى بعض الأحيان، كما أنه ليس من الضرورة خلوة المدرس الخصوصى بالمتعلمة، فقد يكون الشيطان أقوى سلطانا على النفس من العلم، ومن مأثور السلف قول عمر بن عبد العزيز: لا تخلون بامرأة وإن علمتها سورة من القرآن (المستطرف ج 2 ص 2) وليس من الضرورة خلوة المخدومة بخادمها، أو المخدوم بخادمته، فكم من مآسٍ ارتكبت بسبب ذلك، وليس هؤلاء الخدم مملوكين ملك اليمين حتى يكون لهم مع سادتهم وضع خاص، بل هم أجانب تجرى عليهم كل أحكام سائر الناس.
وفى حكم الخلوة سائقو السيارات الخاصة، المترددون على النساء كثيرا فى البيوت، دون أن يكون هناك من يخشى معهم السوء.
هذا، ولا يعتبر من الخلوة المحرمة وجود الطالبات مع الطلبة فى أماكن الدراسة، كما لا تتحقق الخلوة فى الشوارع والمحال التجارية والمواصلات التى تغص بالرجال والنساء، وإنما المطلوب هو الحشمة فى الملابس والأدب فى الكلام، وعدم الاحتكاك بين الطرفين، وبخاصة فى الزحام، وحديث الطبرانى يقول "لأن يزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له " وحديثه أيضا "أن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " وحديث البيهقى "إذا استقبلتك المرأتان فلا تمر بينهما، خذ يمنة أو يسرة".
هذا، والرحلات المختلطة إذا أمنت فيها الفتنة وكانت تحت رقابة مؤمنة يقظة، وكانت النساء ملتزمات بالآداب الشرعية فى الستر والجدية والعفاف، لا بأس بها، وإلا حرمت والأولى أن تكون الرحلات؟ لنوع واحد، اطمئنانًا للقلب وصيانة للشرف ومنعا للتهم والظنون
(10/10)
________________________________________
شعر المرأة والباروكة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للمرأة أن تقصر شعرها، وما حكم لبس الشعر المستعار "الباروكة "؟

الجواب
من المعلوم أن الجمال محبب للنفس إذا وصف به أى كائن فى الوجود، وله حاسة جعلها المفكرون مستقلة عن الحواس الخمس، وجالت فى فنونه أقلام الكتاب وآراء الباحثين، ولا عجب فى ذلك، فالله جميل يحب الجمال، كما فى الحديث الذى رواه مسلم.
وجمال المرأة بالذات له خطره وأهميته فى حيلة الأفراد والأمم، فكم ربط بين جماعتين على أثر إعجاب تَمَّ بزواج، وكم فرق بينهما إثر تنافس انتهى بقتال، وكم جدت فى الأسر مشاكل غيرة منه وتحزُّبا ضده، وكم أطلق ألسنة العشاق بروائع المنظوم والمنثور، وكم خلدت آثار فى الفن والأدب كان هو ملهمها الأول، وواضع قصتها ومخرج مشاهدها على مسرح الوجود.
وتجمل الزوجة لزوجها من أهم الوسائل لكمال متعته بها وحبه لها، والحديث الذى رواه ابن ماجه يقول "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن اقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته فى نفسها وماله ".
ومظاهر التجمل كثيرة، منها جمال الشعر الذى لا ينكر أثره فى إعجاب الرجل بالمرأة، وفى تفنن الشعراء والأدباء فى التغنى والغزل به، فما حرك أساطيل اليونان قديما فى حرب "طروادة" إلا الشعر المعقوص المضفر بشرائط الذهب لهيلانة الجميلة، وما سحر البلاط الفرنسى ورجال الأدب والسياسة والدين إلا شعر مدام بومبادور، وما نسى فحل الشعراء فى الجاهلية أن يضمن معلقته غزلا فى شعر كهداب الدمقس المفتل، وما كان لأمير الشعراء فى العصر الحديث ليلان إلا عند جارة الوادى، فرعها والدجى.
والإسلام عنى بجمال الشعر: ترجيلا أى تمشيطا، وتصفيفا أى تنظيما فى ضفائر وغدائر ونحوها، وتهذيبا بالتقصير والتطويل والتلميع، وتطييبا بالدهن المعطر والروائح الطيبة، فهو القائل فى الحديث الصحيح الذى رواه أبو داود "إذا كان لأحدكم شعر فليكرمه " وهو عام فى الرجال والنساء.
أما قص الشعر للسيدة فليس هناك ما يمنعه شرعا، فقد كان أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يأخذن من شعر رءوسهن حتى تكون كالوفرة، كما رواه مسلم. والوفرة ما قصر عن اللمة أو طال عنها، واللمة ما يلم من الشعر بالمنكبين كما قاله الأصمعى. [هناك خلاف فى تحديد معنى الوفرة واللمة والجمة موجود فى "نيل الأوطار"ج 1 ص 137 وثلاثيات أحمد ج 2 ص 207] وقد قصر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم من شعورهن بعد وفاته، لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفا لمئونة رءوسهن كما قاله القاضى عياض وغيره، ولم يكن ذلك فى حياته.
هذا، وقد روى النسائى عن على رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها. والحلق هو إزالته بالمرة، وذلك لا يليق بالمرأة فهو من خصائص زينتها، أو المراد النهى عن حلقه عند المصائب كالحزن على وفاة زوج أو ولد.
لكن محل جواز تقصير شعرها إذا كان بإذن الزوج، فهو صاحب حق فيه لمتعته، وألا يكون التقصير بيد رجل أجنبى أو اطلاعه عليه، وإلا تقصد به التشبه بالرجال، فالأعمال بالنيات.
والشعر المستعار "الباروكة " ورد فيه أن امرأة قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: إن لى ابنة عُرَيِّسًا-تصغير عروس -أصابتها حصبة فتمزق شعرها، أفأصله؟ فقال "لعن الله الواصلة والمستوصلة" رواه البخارى ومسلم. وبعد كلام العلماء فى شرح هذا الحديث وما يماثله نرى أن التحريم مبنى على الغش والتدليس، وهو ما يفهم من السبب الذى لعنت به الواصلة والمستوصلة، ومبنى أيضا على الفتنة والإغراء لجذب انتباه الرجال الأجانب. وهو ما أشارت إليه بعض الأحاديث بأنه كان سببا فى هلاك بنى إسرائيل حين اتخذه نساوهم. وكن يغشين بزينتهن المجتمعات العامة والمعابد كما رواه الطبرانى.
هذا، وجاء فى كتب الفقهاء: أن لبس الشعر المستعار حرام مطلقا عند مالك، وحرام عند الشافعية إن كان من شعر الآدمى، أو شعر حيوان نجس، أما الطاهر كشعر الغنم وكالخيوط الصناعية فهو جائز إذا كان بإذن الزوج، وأجاز بعضهم لبس الشعر الطبيعى بشرطين: عدم التدليس وعدم الإغراء، وذلك إذا كان بعلم الزوج وإذنه، وعدم استعماله لغيره هو.
ومن هذا يعلم أن تصفيف شعر المرأة عند "الكوافير "الرجل الأجنبى حرام، وأن لبسها "الباروكة" عند الخروج، أو عند مقابلة الزائرين الأجانب حرام
(10/11)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52691

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:51 am

الزواج من خالة الأم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يصح للرجل أن يتزوج من خاله أمه؟

الجواب
جاء فى كتاب الأحوال الشخصية للدكتور الشيخ عبد الرحمن تاج "ص 69" أن من المحرمات من النساء بسبب النسب فروع أجداده وجداته بمرتبة واحدة، وهن العمات والخالات لا غير، سواء كن عمات وخالات للشخص نفسه أم كن عمات وخالات لأبيه أو أمه أم لأحد أجداده وجداته، أما ما دون العمات والخالات من المراتب فلسن من المحرامات، فلا تحرم بنات العمات والأعمام ولا بنات الخالات والأخوال، ومن باب أولى إذا نزلت المراتب عن ذلك
(10/12)
________________________________________
الولد الأسود لوالدين أبيضين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا وله طفل أسود من أبوين أبيضى اللون، فهل يعد ذلك دليلا على خيانة الزوجة؟

الجواب
لا تدل مخالفة لون الولد للون أبويه على أن هناك خيانة زوجية، فالمؤثر على الجنين قد يكون أمرا وراثيا من بعيد، وقد يكون عارضا بسبب تركيز الأم على لون أسود بأى سبب من أسباب التركيز فيظهر هذا فى الجنين.
ومما يدل على أن مخالفة اللون لا يجوز أن يتخذ دليلا على الخيانة الزوجية ما رواه مسلم أن رجلا من بنى فزارة قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن امرأتى قد ولدت غلاما اسود، وفى رواية: وإنى أنكرته أى كرهته، فقال صلى الله عليه وسلم "هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: " فما ألوانها؟ قال حمر" قال: " هل فيها من أورق؟ " أى أسود غير صافى السواد، قال " إن فيها لورقا" قال: " فأنى أتاها ذلك "؟ قال: " عسى أن يكون نزعه عرق "، قال: "وهذا عسى أن يكون نزعه عرق " يريد النبى بهذا أن يحافظ على العرض مما يشينه من شبهة لا أصل لها، فالعرض إذا خدش قل أن ترجع إليه سمعته الطيبة الأولى، إن الزجاجة كسرها لا يشعب ولا يجبر.
وهناك حوادث كثيرة تدل على أن الوحم العارض للحامل قد يؤثر على الجنين، فالصفات المكتسبة إذا أثرت تأثيرا عميقا فى الأعصاب والأحاسيس قد تورث فى الجنين، جاء فى ذيل تذكرة داود (ص 231) أن شبه الولد بوالديه قد يكون من التخيلات والأوهام ساعة الاتصال الجنسى أو من تخيلات الحامل زمن تخلق الجنين. وتحدث العلماء عن حمل الغيرة وهو الشعور بالحمل وانتفاخ البطن دون أن يكون فيه جنين.
ولعل مما يؤكد هذا-وإن أنكره البعض -ما جاء فى سفر التكوين (1ص ج 30) أن يعقوب وضع قضبانا من فروع الشجر مخططة فى مساقى الغنم لتتوحم عليها وتلد أغناما مخططة، وفى مختار تاريخ الجبرتى (ج 1 ص 107) أن امرأة ولدت ولدا يشبه الفيل وكان الفيل قد حضر لأول مرة (1ص10) فالخلاصة أنه لا يجوز اتهام الزوج لزوجته بالخيانة إذ ولدت ولدا لونه غير لونهما
(10/13)
________________________________________
الأبناء وذنوب الآباء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يؤاخذ الله سبحانه وتعالى الأبناء بذنوب فعلها الآباء؟

الجواب
يقول الله سبحانه {ولاتزر وازرة وزر أخرى} الإسراء: 15، وقال {كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر: 38، وقال {كل امرئ بما كسب رهين} الطور: 21، هذه الآيات وأمثالها التى تدل على أن الله لا يظلم أحدا فيعاقبه بما جناه غيره، متفق على أنها فى يوم القيامة عند الحساب والجزاء، لكن فى عقاب الدنيا قد يؤخذ البرىء بسبب معصية غيره عندما يجىء عقاب عام كالخسف والزلزال بسبب شيوع المعاصى، كما فى حديث البخارى ومسلم " يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على قدر نياتهم "ومنه ما جاء فى بعض الأدعية، (لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا) فالأبناء وغيرهم يؤخذون بذنوب آبائهم ومجرميهم إذا كثر الفساد، وذلك فى عقاب الدنيا، وسيعوض الله الأبرياء خيرا فى الآخرة، والآباء إذا كانوا مجرمين سرت العدوى إلى أولادهم بالتقليد والمحاكاة، وكرههم الناس لكراهتهم لآبائهم، فشؤم معصية آبائهم يلحقهم فى معاملات الدنيا طوعا أو كرها، أما الأعمال، فكل واحد مسئول عن عمله يوم القيامة أمام الله، وعلى ضوء هذا يفهم الحديث القدسى الذى رواه أحمد عن وهب (أنى إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتى نهاية، وإذا عُصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتى تبلغ السابع من الولد) ، وعلى شاكلة هذا لو اختار الرجل زوجة صالحة كان هناك أمل فى صلاح الأولاد، وبالعكس لو اختار الرجل زوجة غير صالحة نشأ الأولاد، وقد نزعهم عرق من الأم، ومن هنا كانت الوصية (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ، وقال أبو الأسود الدولى لأولاده: قد أحسنت إليكم صغارا وكبارا وقبل أن تولدوا، حيث اخترت لكم أما لا تسبون بها، فجناية الآباء تصيب الأبناء فى مثل هذه الأمور الدنيوية
(10/14)
________________________________________
المرأة على منصب القضاء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم تولية المرأة للقضاء؟

الجواب
فى تولى المرأة للقضاء ثلاثة آراء:
الرأى الأول: وهو رأى الجمهور وعليه الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد، أنه لا يجوز، بناء على حديث رواه البخارى وغيره "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لأن منعها من القضاء أولى من منعها من الولاية العامة، قال ابن حجر فى " فتح البارى ": وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة فى القاضى إلا عند الحنفية، واستثنوا الحدود، وأطلق ابن جرير.
الرأى الثانى: جوازه مطلقا فى كل الأمور، ونسب إلى ابن جرير الطبرى، بحجة أن الأصل أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى، ورد بأن شهادتها إذا كانت على النصف من شهادة الرجل بنص القرآن فهى لا تستقل بالحكم الذى هو نتيجة الشهادة، وعلق الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية " على هذا الرأى بقوله: ولا اعتبار بقول يرده إجماع، هذا ونص أبو بكر بن العربى على أن نسبة هذا القول إلى ابن جرير كاذبة، كما قال الشيخ محمد الخضر حسين "الأهرام 27/ 6/1953" وانظر تفسير القرطبى ج 12 ص 184.
الرأى الثالث: جواز قضائها فيما تصح فيه شهادتها، وذلك فى غير الجنايات التى فيها حدود، وهو منسوب لأبى حنيفة.
وقال أبو بكر بن العربى: مراد أبى حنيفة ولايتها فى جزئية لا أن يصدر لها (مرسوم) بولاية القضاء العام.
ووضح بعضهم رأى أبى حنيفة بقوله:
هناك مسألتان:
أولاهما: تولية منصب القضاء وهو غير جائز، وذلك كرأى الجمهور.
وثانيهما: نفاذ حكمها لو وليت.
فقالوا: إذا أثم الحاكم فى توليتها فحكمت فإن حكمها ينفذ إلا فى الأمور التى لا تصح شهادتها فيها، وهى الحدود والقصاص " فتح القدير للكمال بن الهمام جـ 5 ص 486 " وأختار رأى الجمهور، وأنصح المرأة أن تبعد عن هذه المجالات الدقيقة المحتاجة إلى فكر عميق ودراسة واعية ووقت طويل، وهى بطبيعتها ومهمتها الأساسية تتحمل ما لا يطاق، مع عدم وجود ضرورة تدعو إلى المزاحمة فى هذا المجال فالجديرون به كثير، والمجالات الأخرى المناسبة لها كثيرة وفى غاية الأهمية، ولا يصلح المجتمع إلا بوضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، أما إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فقد ضُيِّعت الأمانة وقربت الساعة
(10/15)
________________________________________
توارث الزوجين بالعقد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عقد رجل قرانه على فتاة، وتوفى قبل الدخول بها، فكيف يكون ميراثها، وهل يحق لها أن ترث فى المعاش المستحق له فى التأمينات الاجتماعية، وهل يحق لابنه الزواج منها؟

الجواب
ما دام عقد الزواج قد تم فكل من الزوجين يرث الآخر عند الموت سواء كان قبل الدخول أو بعده، أما المعاش فله نظام خاص وإذا لم يعين المتوفى من يستفيد من معاشه يوزع كالميراث.
وليس لابنه أن يتزوج منها لأنها زوجة أبيه بمجرد العقد، قال تعالى:
{ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} النساء: 22، ويدخل فى النكاح هنا الزواج بلا وطء
(10/16)
________________________________________
ملابس الحداد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يوجد نص فى الدين الإسلامى يشير إلى ضرورة ارتداء الملابس السوداء حدادا عند حدوث حالة وفاة؟

الجواب
الحزن على الميت شىء طبيعى أقره الدين الإسلامى ومن مظاهره الامتناع عن الزينة بالعطور وبالأصباغ سواء فى البدن أو فى الملابس، وهذا الامتناع واجب على المرأة عند وفاة زوجها حتى تضع الحمل إن كانت حاملا، وحتى تنتهى أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل، وحرام على غير زوجها كأبيها وابنها أكثر من ثلاثة أيام، وهذا الامتناع يطلق عليه اسم الحداد أو الإحداد. وهو غير جائز للرجال بل هو خاص بالنساء، جاء فى البخارى ومسلم أن زينب بنت أبى سلمة دخلت على أم حبيبة رضى الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم حين توفى أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة -أى طيب فيه لون كالخلوق المعروف عندهم- فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها -أى صفحتى وجهها- ثم قالت: والله ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا".
ومن مظاهر الإحداد بالنسبة للملابس الامتناع عن لبس ما يتنافى مع الحزن، وذلك يختلف فى الشكل واللون والنوع باختلاف الأعراف، وقد ذكرت كتب التاريخ والرحلات أن الملابس البيضاء هى المختارة للحداد فى بعض البلاد. والنبى صلى الله عليه وسلم ضرب مثلا لما كان عند العرب فنهى عن الثوب المصبوغ بالعصفر لأنه من ملابس الزينة التى لا تتناسب مع الحداد.
وإذا كان اللون الأسود فى الثياب هو المختار فى بعض البلاد للحداد فليس ذلك لوجود نص عليه فى الدين، وإنما هو راجع للعرف والعادة، وقد ذكر الإمام السيوطى فى كتابه "الأوائل" أن أول ما لبس العباسيون السواد حين قتل مروانُ الأموى إبراهيمَ الإمام الذى ادعى الخلافة، وصار السواد شعارا لهم، وقيل إن المصريين اختاروا الملابس السوداء للحزن حدادا على شهداء الأقباط فى عصر "دقلديانوس" حيث ذبح مائة وثمانين ألف مسيحى فى يوم واحد، فلبست نساؤهم الملابس السوداء.
والخلاصة أنه لا يوجد نص دينى فى القرآن والسنة يشير إلى ارتداء الملابس السوداء حدادا على المتوفى، وإنما الموجود هو النهى عن الملابس التى تتنافى مع الحزن، ويُترك تحديد ذلك للعرف، مع التنبيه على أن الحداد خاص بالنساء وجوبا لفقد الزوج، وجوازا لفقد أى قريب آخر، ولا حداد للرجل فعقله أقوى من عاطفته
(10/17)
________________________________________
عدة الفراق والإحداد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى المدة التى تنتظرها الزوجة بعد فراق زوجها لتتزوج غيره؟ وما هو المطلوب منها حال العدة؟

الجواب
يقول الله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة: 228، ويقول {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق: 4، وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} الأحزاب:
49، وقال تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة: 234.
العدة مدة تتربص فيها المرأة ولا تتزوج حتى تنتهى، وذلك عند انتهاء الحياة الزوجية، وانتهاؤها يكون بالفراق أو الموت.
فإذا حصل فراق بالطلاق إن كان قبل الدخول فلا عدة على الزوجة، وإن كان بعد الدخول وجبت العدة وهى ثلاثة قروء، أى أطهار أو حيضات على خلاف للفقهاء فى معنى القرء، وذلك إن كانت ممن تحيض، أو ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض كالصغيرة والآيسة، وإن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل، وإذا حصل الفراق بموت الزوجة فلا عدة على الرجل عند الجمهور، وإذا حصل بموته كانت عدة الحامل وضع الحمل، يعنى تنتهى بوضع الحمل، وعدة غير الحامل أربعة أشهر وعشرة أيام.
وذلك من أجل التأكد من براءة الرحم والوفاء للحياة الزوجية والعشرة السابقة.
والفراق يلزمه الإحداد وهو الامتناع عن الزينة مدة العدة، وعدة الوفاة مجمع على وجوب الإحداد فيها، أما عدة الطلاق فالإحداد فيها اختلفت الأقوال فيه، ما بين الوجوب وعدمه، وما بين الوجوب فى الطلاق البائن وعدمه فى الرجعى.
ومظاهر الإحداد الامتناع عن كل ما يتنافى عقلا وشرعا وعرفا مع الحزن والأسف على الفراق، وذلك كالطيب والأصباغ والمساحيق والاكتحال وما إلى ذلك مما كانت تتجمل به لزوجها حال حياته، جاء فى سنن أبى داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة. .. ولا تكتحل ولا تختضب "، إلا إذا كانت هناك ضرورة لما منعت منه فى مثل الدواء.
وهذا الإحداد الواجب هو على موت الزوج فقط، أما على موت غيره من أب أو أخ أو ابن مثلا فلا يجب هذا الإحداد، وإنما يجوز لها لمدة ثلاثة أيام فقط، ويمتنع أكثر من ذلك، بدليل ما ورد فى الصحيحين أن زينب بنت أم سلمة دخلت على أم حبيبة زوج النبى حين توفى والدها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها ثم قالت: والله ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" وفى هذا دليل على حرمة ما تلتزم به النساء من الحزن والإحداد على موت غير الزوج عاما أو أعواما وإذا حرم على المرأة حرم على الرجل، فليس عليه إحداد لموت أحد لا زوجته ولا غيرها.
وبهذه المناسبة نقول: إن تجديد الحزن بعد موت الميت بخمسة عشر يوما أو أربعين يوما إو إقامة الميعاد السنوى وغير ذلك ليس من الدين فى شىء، فالتعزية بعد ثلاثة أيام غير مشروعة، وأكثر هذه المظاهر ميراث فرعونى قديم (تاريخ الحضارة المصرية للدكتور مراد كامل ج 2 ص 291.) وكذلك عادة المبيت فى القبور وكسر أوانى الفخار عقب خروج الجنازة حتى لا تعود روحه وذبح الثور عند القبر (المرجع نفسه ج اص 234.)
(10/18)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:53 am

العدة بين الرجل والمرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل للرجل المطلق عدة كما للمرأة؟

الجواب
العدة مشروعة للمرأة للتأكد من براءة رحمها إذا كانت مطلقة وللإحداد على زوجها إذا كان متوفى عنها، والأيات كلها تتحدث عن عدة المرأة.
{والمطلقات يتربصن بأنفسض ثلاثة قروء} البقرة: 228، {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} الطلاق:1، {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق: 4، {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة: 234.
فالمرأة لا يجوز لها أن تتزوج غير زوجها إذا كانت فى العدة، كما قال تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} البقرة: 235.
فإذا كان الطلاق رجعيا ولم تنته العدة جاز للرجل أن يعيدها إلى عصمته بالرجعة قولا أو فعلا.
وما يقال إن على الرجل عدة فذلك ليس بعدة شرعية واجبة عليه، وإنما هى عدة المرأة، غاية الأمر أن الرجل المطلق لا يجوز له أن يتزوج أخت المطلقة ولا عمتها ولا خالتها ما دامت زوجته المطلقة طلاقا رجعيا لم تنته عدتها، لأنها فى حكم الزوجة، وكذلك لو كان متزوجا بأربع نسوة ثم طلق إحداهن طلاقا رجعيا لا يجوز له أن يتزوج خامسة حتى تنتهى عدتها.
فمنعه من الزواج فى هاتين الحالتين حتى تنتهى عدة المرأة، يطلق عليه بعض الناس أن الرجل عليه عدة، وليس كذلك، إنما هو انتظار منه حتى تنتهى عدة المرأة
(10/19)
________________________________________
مزاحمة الرجال النساء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الحديث ما يقال "لأن يزحم أحدكم خنزيرا متلطخا بالطين خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له "؟

الجواب
هذا حديث رواه الطبرانى عن أبى أمامة وقال عنه: إنه غريب، أى رواه راو واحد، وظاهر الحديث أن المزاحمة بالمناكب مع سترها ممنوعة فكيف إذا كانت غير مستورة؟ والحديث يدل على خطر الاحتكاك بين الجنسين بأية وسيلة من الوسائل، فهو يؤدى إلى الفحشاء التى وضع الإسلام لها احتياطات كثيرة، كغض البصر وعدم الكلام اللين وعدم الخلوة.
ويؤيد ذلك حديث "أن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من ان يمس امرأة لا تحل له " رواه الطبرانى والبيهقى عن معقل ابن يسار، ورجال الطبرانى ثقات رجال الصحيح
(10/20)
________________________________________
القواعد من النساء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما المراد بالقواعد من النساء المذكورات فى القرآن الكريم؟

الجواب
سورة النور نزلت فيها أحكام كثيرة خاصة بالمحافظة على الأعراض، من وضع عقوبات رادعة للتعدى عليها، ومن آداب تتبع للوقاية من الوقوع فى الفاحشة المنكرة، وقد أمر الله فيها ألا يبدى النساء زينتهن إلا ما ظهر منها، وأن يضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الداخلية التى من شأنها أن تستر -إلا لجماعة مخصوصين لا يخشى منهم السوء غالبا، كالمحارم- وكل ذلك للحفاظ على المرأة وعلى سمعتها وسمعة أهلها، وبعدا بالمجتمع عن الفوضى والفساد.
والمرأة يجب عليها ستر كل جسمها عن الأجانب بما لا يصف ولا يشف، مع آراء فى كشف الوجه والكفين عند عدم الفتنة، وكل ذلك فى الشابة أو غير المتقدمة فى السن. أما العجوز فقد جاء فيها قوله تعالى {والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم} النور:65.
والقواعد جمع قاعد، وهى العجوز التى قعدت عن التصرف من أجل كبر السن، وقعدت عن الولد والعادة الشهرية كما قال أكثر العلماء، وقال ربيعة: هى التى إذا رأيتها تستقذرها من كبرها. ومعنى وضع الثياب: خلعها، والمراد أن العجوز لا حرج عليها فى أن تتخفف من بعض ثيابها الكثيفة التى كانت معتادة عند الخروج لزيادة التصون والستر، بمعنى أنه يجوز لها أن تخلع خمارها الذى يستر رأسها، أولا لثقله عليها وهى المسنة، وثانيا لأن شيب شعرها لا يفتن من يقع نظره عليه، وبخاصة أنها فى الغالب ملازمة للبيت لا تخرج منه لغير ضرورة، وقد يدخل رجل أجنبى فلا عليها أن يرى بعض شعرها، ومع ذلك فالاستعفاف بدوام الستر أفضل، وكل هذا بشرط ألا يكون هناك تبرج وظهور بالزينة المغرية، كوضع أصباغ وغيرها من أجل لفت الأنظار إليها على الرغم من كبر سنها، فإن ذلك حرام لسوء القصد.
ومع ذلك فقد قال بعض العلماء: إن العجوز كالشابة فى وجوب الستر الكامل، ومعنى وضع ثيابها هو خلع الجلباب أو العباءة التى فوق غطاء الرأس للتخفيف مع بقاء الرأس مستورا، ومهما يكن من شىء فليكن هناك حساب للفتنة وحساب للقصد والنية وأثر التطور والظروف فى ذلك
(10/21)
________________________________________
المرأة والانتخاب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح للمجالس التشريعية؟

الجواب
من ضمن ما حصلت عليه المرأة المسلمة حديثا حق إعطاء صوتها لمن يرشح لبعض المجالس، فى ظل الحكم الديمقراطى، وليس فى إعطائها هذا الحق أو ممارسته ما يمنعه شرعا، وبخاصة إذا طلب منها ذلك، فهو لا يعدو أن يكون شهادة بصلاحية شخص أو عدم صلاحيته، وقضية التواصى بالحق والتناصح تؤكد هذا الحق.
لكن العلماء اشترطوا فيمن يختارون الخليفة: العدالة الجامعة لشروطها، والعلم الذى يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها، والرأى والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو أصلح للامامة وبتدبير المصالح أقوم وأعرف.
وإذا كانت هذه الشروط لم تتحقق حتى فى الرجال، حيث إن الانتخاب فى الدساتير المعمول بها فى كثير من البلاد الإسلامية لا يحتم وجودها، فهل يمكن أن تتحقق فى النساء؟ وإذا أمكن أن تتحقق فهل يوجد ذلك فى عالم الواقع، ذلك يحتاج إلى نظر. "الأحكام السلطانية للماوردى ص 6 ".
أقول هذا لأن الدساتير الحالية تعطى حق الترشيح لمن أعطى حق التصويت، فلو أن الأمر اقتصر على إعطاء صوتها إذا وجدت فيها المواصفات التى ذكرها الماوردى ما كان هناك اعتراض، لكن الذين ينادون بإعطائها هذا الحق يربطون بينه وبين حق الترشيح لتمثيل الشعب فى المجالس التشريعية، وبالتالى إذا اشتركت فى انتخاب الإمام أو الحاكم جاز لها الترشيح لهذا المنصب، فالتصويت سلم للترشيح، والقوانين الوضعية لا تلتزم حدود الدين فى الوقوف عند منح امتياز معين.
ومن هنا لا يجوز القول بجواز تصويتها لأنه وسيلة إلى ممنوع، كما قررته لجنة الفتوى بالأزهر ونشر فى المجلة فى يونية 1952 م، ونصها مذكور فى ص 448 من الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، وجاء فيها: أن وسيلة الشىء تأخذ حكمه، وأن حركة عائشة ضد على رضى الله عنه لا تعد تشريعا وقد خالفها فيها كثيرون، وأن مبايعة النساء للنبى لا تثبت زعامة ولا رياسة ولا حكما للرسول، بل هى مبايعة على الالتزام بأوامر الدين ثم ذكرت اللجنة عدم جواز ترشيح المرأة للمجالس التشريعية، لأن فيه معنى الولاية العامة وهى ممنوعة بحديث البخارى وغيره: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وهذا ما فهمه أصحاب الرسول وجميع أئمة السلف، ووضحت المبررات لذلك، ثم ذكرت أن منع المرأة من التصويت والترشيح لم ينظر فيه إلى شىء آخر وراء طبيعة هذين الأمرين، أما ما يلازم عملية الانتخاب المعروفة والترشيح لعضوية البرلمان من مبدأ التفكير إلى نهايته فإننا نجد سلسلة من الاجتماعات والاختلاطات والأسفار للدعاية والمقابلات وما إلى ذلك، مما نشفق على المرأة أن تزج بنفسها فيها، ويجب تقدير الأمور وتقدير الأحكام على أساس الواقع الذى لا ينبغى إغفاله أو التغافل عنه.
هذا ما قررته لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1952، فهل يقبل فى هذه الأيام أو يرفض؟ وهل للمادة الثانية فى الدستور المصرى اعتبار فى التشريع؟
(10/22)
________________________________________
الوعد بالزواج وقراءة الفاتحة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
خطبنى شاب فوافق أبى عليه وقرأ الفاتحة معه،ثم تبين أنه ليس على ما كنا نظن فيه، فهل يجوز نقض الفاتحة وفسخ الخطبة أم أن ذلك حرام؟

الجواب
الوعد بالزواج لا يلزم الوفاء به، وبخاصة إذا ظهر ما يبرره، وفترة الخطبة فترة اختبار وامتحان واستطلاع، لا تترتب عليها حقوق، ويجوز لكل من الطرفين أن يعدل عن الوعد على الرغم من قراءة الفاتحة، فالفاتحة ليست عقدا، ولكن قراءتها من باب التبرك بها.
ومهما يكن من شىء فإن الوفاء بالوعد -كما قال ابن حجرالهيتمى فى كتابه "الزواجر" الجزء الأول ص 109- مندوب عند الشافعية وليس بواجب، ومخالفة المندوب جائزة ليست حرمة ولا عقوبة عليها، والنصوص الواردة بالأمر بالوفاء هى فى العهود والعقود، والفرق بينهما وبين الوعود يرجع فيه إلى الكتاب المذكور
(10/23)
________________________________________
زواج المسلم بالكتابية فى الكنيسة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى بعض البلاد غير الإسلامية يصرون على أن المسلم لو تزوج بكتابية فلا بد من عقد الزواج بالكنيسة، فهل يعتبر ذلك حراما، مع أنه لم ينطق بكلمة مما يقوله القسيس؟

الجواب
إذا تم زواج المسلم بالمسيحية على الطريقة المدنية - بإيجاب وقبول وحضور شاهدين مسلمين كان الزواج صحيحا شرعا، أما إجراوه فى الكنيسة على الطريقة المعهودة عندهم فلا يصح، وإذا تحتم العقد فى الكنيسة فليكن بعد إجراء العقد على الطريقة الشرعية فى أى مكان آخر، وإلا فليكن العقد بعد الانتهاء من إجراءات الكنيسة، أما إذا لم يتحتم العقد فى الكنيسة فلا حاجة إلى الذهاب إليها والعقد بها.
"الفتاوى الإسلامية - المجلد الخامس ص 1927 "
(10/24)
________________________________________
عقد الزواج فى شهر المحرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس إن عقد الزواج فى شهر المحرم حرام أو شؤم، فهل هذا صحيح؟

الجواب
روى البخارى من طريق عروة أن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: تزوجنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شوال، وبنى بى فى شوال، فأى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده منى؟ قال عروة: وكانت عائشة تستحب أن تُدخل نساءَها فى شوال.
لقد حرص كثير من الناس على تحرى عقد الزواج فى يوم معين من الأسبوع، أو شهر معين من السنة، تحريا يترتب عليه أحيانا نزاع أو تشاؤم ورجم بالغيب عن فشل الزواج إن خولف فيه المعتاد من هذه الأوقات.
وهذه عادة جاهلية ترد على بطلانها السيدة عائشة بهذا الحديث، فقد كانوا يتطيرون أى يتشاءمون من شهر شوال، لما فى اسمه من معنى الإشالة والرفع، فيقال عندهم: شال لبن الناقة أى ارتفع وقَلَّ، ويقال: شالت الناقة بذنبها إذا امتنعت عن الفحل أن يطرقها. فهم يخافون أن تمتنع الزوجة عن زوجها إذا أرادها، ويقال: شالت نعامتهم إذا ماتوا وتفرقوا، والنعامة يراد بها الجماعة، فالمهم أنهم كانوا يتطيرون بهذا الشهر ويمتنعون عن الزواج فيه.
وقد ذكرت كتب السيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم عقد لفاطمة بنته عَلَى عِلىٍّ بن أبى طالب بعد بنائه بعائشة بأربعة أشهر ونصف الشهر، وحيث قد علمنا أن زواجه وبناءه بعائشة كان فى شوال فيكون زواج فاطمة فى شهر صفر، وذكر بعضهم أنه كان فى أوائل المحرم.
ومهما يكن من شىء فلا ينبغى التشاؤم بالعقد فى أى يوم ولا فى أى شهر، لا فى شوال ولا فى المحرم ولا فى صفر ولا فى غير ذلك، حيث لم يرد نص يمنع الزواج فى أى وقت من الأوقات ما عدا الإحرام بالحج أو العمرة
(10/25)
________________________________________
سكن المطلق مع مطلقته

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل طلق زوجته طلاقا بائنا ولم يجد مسكنا لأولاده حيث ستكون هى حاضنة لهم، إلا السكن الذى هو فيه، فهل يجوز أن يسكن هو فى هذا البيت أم لا بد من الفصل بينه وبينها بمسكن آخر؟

الجواب
إذا حدث الطلاق صارت المرأة أجنبية عن زوجها فى بعض الأحكام. وإذا كان الطلاق بائنا بينونة صغرى أو كبرى فلا يحل له أن يتمتع بها بأى نوع من أنواع التمتع بل يحرم عليه أن يختلى بها أو ينظر إلى غير وجهها وكفيها، أما إذا كان الطلاق رجعيا فله كل ذلك ما دامت فى العدة، لأنها فى حكم الزوجة.
ومن المقرر شرعا أن المطلقة طلاقا بائنا لها الحق فى حضانة أولادها الصغار ما لم تتزوج، ونفقتهم ونفقة حضانتها على أبيهم، ومن النفقة إعداد المسكن اللائق لذلك، وهو مسكن لها ولا صلة للمطلق به. فإن لم يجد لها مسكنا أو لم يجد هو لنفسه مسكنا يستقل فيه بعيدا عن مسكنها فلولى الأمر تمكينه من البقاء فى مسكن الزوجية السابقة، وذلك بصفة مؤقتة - نظرا لأزمة المساكن فى بعض البلاد- حتى يجعل الله له من بعد عسر يسرا، على شرط أن يكون وجوده فى هذا المسكن المشترك كالرجل الغريب تماما عنها، وذلك من حيث حرمة النظر والخلوة والملامسة وغيرها. فلكل منهما غرفة أو جزء من المسكن مستقل، كأنهما نازلان فى فندق، وإن كان الالتزام بذلك صعبا جدا.
وهذا -كما قلت- إجراء مؤقت حتى يستقل كل منهما بمسكن، وللضرورة أحكام ولا تظهر هذه الصعوبة إلا إذا كان هناك أولاد يحق لها حضانتهم، التى قد تستمر سنوات طوالا، أما إذا لم يوجد أولاد للحضانة فالأمر سهل، وهذا إجراء يجب أن يعطينا درسا فى التفكير أكثر من مرة عند الزواج وعند الطلاق. "انظر فتوى الشيخ أحمد هريدى سنة 1965 فى الفتاوى الإسلامية- المجلد السادس ص 2200"
(10/26)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:54 am

الزوجة تكون فى الجنة لآخر أزواجها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تزوجت امرأة فى حياتها أكثر من زوج، أحدهم بعد الآخر، فإذا ماتت ستكون زوجة للأول أم للآخر؟

الجواب
هناك رأيان للعلماء فى ذلك، رأى يقول: إنها لآخر أزواجها، ودليله أن هجيمة بنت حُيى الأوصابية أم الدرداء الصغرى خطبها معاوية بن أبى سفيان، فأبت وقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرأة لآخر أزواجها" ولست أريد بأبى الدرداء بديلا، وهو حديث صحيح رواه الطبرانى وأبو يعلى برجال ثقات ولفظه: "أيما امرأة توفى عنها زوجها فتزوجت بعده فهى لآخر أزواجها" "المطالب العالية لابن حجر ج 2 ص 67، والجامع الصغير". وكما فعلت أم الدرداء فعلت زوجة حذيفة "تفسير القرطبى سورة الأحزاب ص 229".
ورأى يقول: إنها ستكون لأحسنهم خلقا، وإن خيرت بينهم اختارته، واستأنس هذا الرأى بحديث رواه الطبرانى فى معجمه الكبير، عن أنس قال:
قالت أم حبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت المرأة يكون لها زوجان فى الدنيا فتموت ويموتان ويدخلون الجنة، لأيهما تكون؟ قال "لأحسنهما خلقا كان عندها فى الدنيا، يا أم حبيبة ذهب حسن الخلق بخيرى الدنيا والآخرة" إحياء علوم الدين ج 3 ص 45، فلنترك الأمر إلى الله، فهو من المغيبات التى لا نلتزم فى اعتقادها إلا بخبر قاطع فى ثبوته ودلالته، ولعل القول بأنها تكون لأحسنهم خلقا أنسب لما تكون عليه الجنة من نعيم عظيم لا غل فيه ولا هم ولا حزن
(10/27)
________________________________________
نفقة علاج الزوجة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تجب على الزوج نفقة علاج زوجته، أم أن النفقة عليها هى؟

الجواب
قال الله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} النساء: 19 وقال صلى الله علية وسلم "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. " رواه مسلم، وحذر من التقصير فى ذلك فقال "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يَقُوت " رواه أبو داود وروى مثله مسلم.
وقد فصل العلماء هذه المعاشرة المطلوبة وأنواع النفقة اللازمة، من غذاء وكساء ومسكن ومتعة وخدمة، وما يعتاد فى المواسم والمناسبات "يراجع الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 203".
ومن جهة علاجها قال الذين أوجبوا لها ما تطلبه الحامل أثناء الوحم، بوجوب علاجها من المرض، فإن المرض له دخل كبير فى التأثير على تمتعه بها، وعلاجها فهو من المعاشرة بالمعرف، وللفقهاء اجتهاد فى ذلك. وفقهاء الشافعية "الإقناع للخطيب ج 2 ص 191 " لا يوجبون على الزوج ثمن الدواء ولا أجر الطبيب، متعللين بأن ذلك لحفظ الأصل ولا صلة له به، وكيف يقال ذلك والمرض مانع أو منغص على الزوج متعته وما يلزمها وما تقوم به الزوجة من واجبات الأسرة؟ مثل الشافعية قال الحنابلة "معجم المغنى ص 970 ".
وفى القانون المصرى للأحوال الشخصية رقم 44 لسنة 1979 م نصت المادة 2/ 4 على أن النفقة تشمل الغذاء والكساء والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقض به العرف "الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع ص 1387 ".
وتجهيزها من الموت إلى الدفن بدون إسراف ولا تبذير يكون على الزوج كما ذهب إليه أبو يوسف من الأحناف، وصدر به قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 " مادة 4 " الفتاوى الإسلامية - المجلد الخامس ص 1938
(10/28)
________________________________________
طلاق زوجة الغائب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى شاب عقد قرانه علي ابنة عمه وسافر إلي الخارج منذ خمس سنوات ولم يدخل بها، وفى كل عام يرسل خطابا يقول إنه سوف يحضر ثم لا يحضر فهل لها حق الطلاق؟

الجواب
إذا غاب الزوج ولم تصبر الزوجة ولم تتحمل وخيف عليها من السوء كان لها أن تطلب التفريق، ويجيبها القاضى إلى مطلبها بطلاق بائن، بعد عمل الإجراءات اللازمة.
واختلف أصحاب الإمام مالك القائلون بذلك فى الحد الأدنى للغيبة التى تعتبر إضرارا بالزوجة وتسوغ لها طلب التفريق، فقدَرها بعضهم بثلاث سنين، وقدرها آخرون بسنة، وبهذا الرأى جاء القانون رقم 25 لسنة 1929م كما يلى:
مادة (12) -إذا غاب الزوج سنة فأكثر بلا عذر مقبول جاز لزوجته أن تطلب إلى القاضى طلاقها بائنا إذا تضررت من بُعده عنها ولو كان له مال يستطيع الإنفاق منه.
مادة (13) - إذا أمكن وصول الرسائل إلى الغائب وضرب له أجلا وأعذر إليه بأنه يطلقها عليه إن لم يحضر للإقامة معها أو ينقلها إليه - فإذا انقضى الأجل ولم يفعل ولا يُبد عذرا مقبولا فرق القاضى بينهما بتطليقة بائنة، وإن لم يمكن وصول الرسائل إلى الغائب طلقها القاضى عليه بلا إعذار وضرب أجل
(10/29)
________________________________________
عقد الزواج بالإشارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى حاله زواج مسلم من كتابية لا تتحدث باللغة العربية وليس لها ولى، هل يكتفى بأخذ موافقتها فقط بالإشارة كالإيماء برأسها، أم أخذ شهادة اثنين من أهل الكتاب حيث لا يوجد شهود مسلمون؟

الجواب
جمهور الفقهاء على أنه لا يشترط فى عقد الزواج أن يكون باللغة العربية، بل يصح باللغة التى يفهم بها كل طرف ما يقوله الطرف الآخر.
أما الولى فهو ضرورى عند الجمهور، وعند الحنفية يجوز للمرأة الرشيدة أن تزوج نفسها بدون ولى.
والقادر على الكلام لا يصح عقد زواجه بالكتابة فقط ولا بالإشارة وحدها، أما العاجز عن الكلام فإن كان لا يحسن الكتابة ينعقد الزواج بالإشارة المعروفة، لأنه لا سبيل إلى التعبير عن إرادته إلا بها.
أما إن كان يحسن الكتابة فعند أبى حنيفة روايتان: الأولى- يصح العقد، لأن المقصود معرفة الغرض بأية وسيلة، ويستوى فى ذلك الإشارة والكتابة، والرواية الثانية: لا يصح العقد بالإشارة ولا بد من الكتابة، والعمل فى مصر على الرواية الثانية.
وإذا لم يتيسر وجود شاهدين مسلمين صح العقد بشاهدين كتابيين عند أبى حنيفة وأبى يوسف، ولا يصح عند الأئمة الثلاثة ومحمد بن الحسن ونفر من الحنفية، والعمل فى مصر على رأى أبى حنيفة وأبى يوسف "أحكام الأسرة فى الإسلام ص 102، 104، 105، 128"
(10/30)
________________________________________
الاختلاط فى العمل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى العمل بالشركات مع الرجال والنساء الأجانب غير الملتزمات بالملابس التى تراعى الآداب والأخلاقيات، وإذا لم أجد عملا إلا فى هذا الجو فماذا أفعل؟

الجواب
العمل بأية مؤسسة فيها رجال ونساء مثل المشى فى الطرقات وارتياد الأسواق والاجتماعات العامة، وعلى كل جنس أن يلتزم بالآداب الموضوعة فى الشريعة، التى من أهمها ما جاء فى قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} النور: 30، وقوله: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن. . .} النور: 31، وما جاء فى السنة النبوية من عدم الخلوة المريبة والملامسة المثيرة والكلام الخاضع والعطر النفاذ والتزاحم إلى غير ذلك من الآداب.
ومع حفاظ كل جنس على الآداب المطلوبة عليه أن يوجه من يخالفها، من منطلق قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} التوبة: 71، وذلك بأسلوب حكيم يرجى منه الأمثال، أو على الأقل تبرأ به ذمته من وجوب الوعظ على كل حال كما قال تعالى: {واذ قالت أمة منهم لِمَ تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} الأعراف: 164.
ولا يجوز السكوت على مخالفة الآداب اعتمادا على قوله تعالى {عليكم أنفسكم. لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} المائدة: 105، فالاهتداء لا يكون إلا بعد القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما جاء فى نصوص أخرى، وإن لم ينتج النصح ثمرة وجب الإنكار بالقلب، وهو يظهر فى معاملة المخالفين معاملة تشعرهم بعدم الرضا عنهم، فقد يفكرون فى تعديل سلوكهم.
ومن العسير أن يترك الإنسان العمل فى مثل هذا المجال المختلط، فالمجالات كلها أو أكثرها فيها هذا الاختلاط، سواء على المستوى المحلى أو العالمى، فعلى من يلجا إلى هذا العمل أن يلتزم بالآداب مع القيام بواجب النصح بالحكمة والموعظة الحسنة
(10/31)
________________________________________
المرأة رئيسة فى العمل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز أن تكون المرأة رئيسة على الرجل فى العمل مع أن الله يقول {الرجال قوامون على النساء} ؟

الجواب
رئاسة المرأة للرجل فى أى عمل لا تكون ممنوعة إلا فى الرئاسة أو الولاية العامة التى جاء فيها الحديث الصحيح "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رواه البخارى وغيره. وذلك أمر اتفق عليه العلماء، لخطورة هذه الولاية وحاجتها إلى مواصفات عالية فيمن يتولاها، وبدون نقاش "الرجال اقدر من النساء فى هذا المجال " وليس هذا تحيزا أو تعصبا، فالحياة أساسها التعاون ولا يتم الخير إلا بوضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، كما سبق أن ذكرناه فى حق المرأة فى العمل.
وآية {الرجال قوامون على النساء} النساء: 34 تفيد معنى المسئولية الواجبة على الرجال نحو النساء إن كن بنات أو زوجات بالذات، وذلك لوجوب الإنفاق والرعاية، ومؤهلات هذه المنزلة مذكورة فى الآية نفسها، {بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} والواجب هو الاعتراف بالواقع الفعلى الذى خلق عليه الرجل والمرأة وبالنصوص المؤكدة لذلك.
ومهما أعطى من معنى "القوامة" بأنها رئاسة أو غيرها فإن المرأة لا تمنع منها إلا كما قلت فى الولاية العامة، وبشرط أن تكون محافظة على جميع الآداب الشرعية عند خروجها لأى عمل من الأعمال، حفاظا عليها وعلى غيرها مما لا يمكن تجامله.
والرئاسة فى الأعمال الأخرى مدارها على الكفاية والخبرة والأمانة التى لخصها سيدنا يوسف فى قوله {قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم} يوسف:55، وأشارت بها بنت شعيب عليه لاستئجار موسى {إن خير من استأجرت القوى الأمين} القصص: 26.
والنصوص فى شرط الكفاءة فى مزاولة أى عمل كثيرة، يستوى فى ذلك الرجل والمرأة وفى الحديث "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قيل: وكيف إضاعتها؟ قال "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" رواه البخارى
(10/32)
________________________________________
المرأة وكحل العين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للمرأة أن تخرج وهى مكحلة العينين يراها الأجانب؟

الجواب
كان الكحل معروفا عند العرب قبل الإسلام، يستعمله الرجل والنساء للدواء والزينة، والإسلام فى احتياطه لصيانة الأعراض ومنع الفتنة أمر بالامتناع عن كل ما يغرى بالسوء، وأمر المرأة بالذات بستر مفاتنها فقال تعالى {ولا يبدين زينته ق إلا ما ظهر منها} النور: 31، والظاهر المعفو عنه فيه خلاف للمفسرين، يقول القرطبى:
الزينة قسمان، خلقية ومكتسبة، فالخلقية وجهها، والمكتسبة كالثياب والحلى والخضاب والكحل، ومنه قوله تعالى {خذوا زينتكم عند كل مسجد} الأعراف: 31، وعلى هذا فالكحل فى العينين من الزينة الظاهرة المعفو عنها، وذلك للحاجة إلى كشف العينين بالذات تبعا لكشف الوجه الذى جاء الترخيص به وبكشف الكفين.
غير أنى أنبه إلى أن الكحل إذا كان زينة معفوا عن إبدائها فالمراد به ما لا يكون مبالغا فيه يلفت النظر، وما لا يقصد به الفتنة، لأن الكحل العادى قد تكون العين فى غير حاجة إليه إذا كانت جميلة بالطبيعة بما يعرف باسم "الكَحَل " أما ما يزيد على ذلك مما يتفنن فيه نساء العصر فإن المقصود منه غالبا ليس تحسين العين لذات التحسين، بل الفتنة والإعجاب بما استحدث من أصباغ ذات ظلال وألوان خاصة للجفون وما يتبعها من أهداب صناعية وغيرها، وكل هذا لا يقر الإسلام أن يطلع عليه الرجال الأجانب، إلى جانب النية التى جاء فيها الحديث "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" رواه البخارى ومسلم، والقياس على التعطر الذى يقصد به أن يجد الرجال ريحها وهو دليل الفساد.
فليتق الله النساء فإنهن بغير زينة فتنة ما بعدها فتنة، وليحس كل رجل مسئوليته نحو أهله، فإن الله سائل كل راع عما استرعاه {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} التحريم: 6
(10/33)
________________________________________
فاطمة ورأيها فى الاختلاط

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقال إن السيدة فاطمة بنت النبى صلى الله عليه وسلم ترى وجوب الفصل بين الرجل والمرأة، فهل هذا صحيح؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن عليا رضى الله عنه سيتزوج على ابنته فاطمة لم يوافق على ذلك وقال "فاطمة بضعة منى يريبنى ما راباها ويؤذينى ما آذاها " وروى البزار والدارقطنى من حديث على رضى الله عنه أنه قال: كنت ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أى شىء خير للمرأة"؟ فسكتنا جميعا ولما رجعت سألت فاطمة فقالت: ألا ترى رجلا، ولا يراها رجل. ثم أخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "من علَّمك هذا"؟ فقلت: فاطمة قال "إنها بضعة منى" وفى بعض الروايات أن النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى سألها ذلك، ولما أجابت ضمها إليه وقال "ذرية بعضها من بعض " يقول العراقى فى تخريج أحاديث "إحياء علوم الدين " للإمام الغزالى ج 2 ص 43 إن سنده ضعيف.
فالحديث وإن كان معناه صحيحا إلى حد كبير، إلا أن نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نسبة ضعيفة السند، وليس كل معنى مقبول يلزم أن يكون صادرا عمن نسب إليه، فأما كون فاطمة بضعة من أبيها عليه السلام فذلك صحيح لا شك فيه، وأما كون الرأى وهو عدم اختلاط الرجال بالنساء إلا فى أضيق الحدود، مقبولا فإن الواقع يشهد له، والأدلة فى القرآن والسنة بعمومها تؤيده، وإن كانت نسبته إلى السيدة فاطمة رضى الله عنها غير مجزوم بها.
هذا، وما جاء فى الكتب المطبوعة حديثا من أن هذا الحديث صححه الترمذى وابن حبان وأخرجه الأربعة لا يطابق الواقع بعد البحث والتحرى، ويرجى تدارك ذلك فى المستقبل إن شاء الله "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام - ج 2 ص 93 "، "الصبان على هامش مشارق الأنوار" ص 162
(10/34)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:55 am

خضراء الدمن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هن الحديث ما يقال "إياكم وخضراء الدمن "قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال "المرأة الحسناء فى المنبت السوء"؟

الجواب
هذا الحديث رواه الدارقطنى، وذكره الإمام الغزالى فى كتابه "الإحياء " ورواه العسكرى فى كتابه "الأمثال " من طريق أبى سعيد الخدرى، وقد تفرد به الواقدى. وقال العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء: إنه حديث ضعيف.
والدمن جمع دِمْنَة وهى-كما قال ابن الأثير فى النهاية- ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها، أى تلبده فى مرابطها، وربما نبت فيها النبات الحسن النضير.
والمراد من الحديث النهى عن تزوج المرأة لمجرد الإعجاب بحسنها وجمالها دون النظر إلى دينها وخلقها، فهى تشبه النبتة الرائعة فى مظهرها ولكنها تعيش فى وسط قذر، أو تستمد جياتها من منبع غير كريم، ومثل هذه المرأة لا تؤمن الحياة الزوجية معها.
وقد جاء فى حديث البخارى ومسلم "تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " وهو دعاء عليه بالفقر والتصاق يده بالتراب إن لم يفعل ذلك
(10/35)
________________________________________
شهادة الكتابى على زواج المسلم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تجوز شهادة غير المسلم على عقد زواج المسلم؟

الجواب
يشترط فى الولى والشاهدين على عقد الزواج الإسلام، والأئمة متفقون على شرط الإسلام فى الولى إلا إذا كانت الزوجة كتابية، فيجوز أن يكون وليها غير مسلم.
وأما فى الشهادة فالأكثرون على اشتراط الإسلام حتى لو كانت الزوجة كتابية، وأبو حنيفة وأبو يوسف أجازا أن يكون الشاهدان غير مسلمين فى هذه الحالة، ويقال: إن نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان ابن عفان رضى الله هذه كان وليها أخاها "ضبا" وكان مسلما كما ذكره ابن قتيبة فى كتابة "عيون الأخبار"ج 4 ص 46.
والدليل على رأى الفقهاء فى اشتراط الإسلام فى الشاهدان أن الشهادة فيها معنى الولاية، وقد قال تعال {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} النساء: 141، وهو دليل على رأى الجمهور فى اشتراطه حتى لو كانت الزوجة غير مسلمة، وذلك لمنع ولاية غير المسلم على عقد فيه مسلم. واعتمد أبو حنيفة وأبو يوسف على أن الشهادة هى على الزوجة، فلا توجد ولاية لغير مسلم على مسلم. ورده الجمهور باشتراك الزوج فى هذه الشهادة، وبأن الإشهار والإعلان لا يتحقق بين المسلمين بغير المسلمين.
هذا، وعمل المحاكم المصرية على رأى أبى حنيفة وأبى يوسف
(10/36)
________________________________________
بالرفاء والبنين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سعنا أنه لا يجوز أن يقال فى التهنئة بالزواج بالرفاء والبنين، فهل هذا صحيح، وما معنا هذه الكلمة؟

الجواب
من السنة أن يتقدم الناس بتهنئة العروسين والدعاء لهما بالبركة، بناء على التوجيهات العامة بالمشاركة الوجدانية بين المسلمين، أى الفرح لفرحهم والحزن لحزنهم، ففى سنن الترمذى وأبى داود وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تزوج الإنسان قال له "بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينكما فى خير " وهذا الحديث كما يقول الترمذى:
حسن صحيح.
ويكره عند التهنئة أن يقال: بالرفاء والبنين، كما ذكره النووى فى كتابه "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" ص 281، فقد تزوج عقيل ابن أبى طالب امرأة من بنى جشم ولما ذهبوا إليه ليهنئوه قالوا: بالرفاء والبنين، فقال لهم: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم بارك لهم وبارك عليهم " رواه النسائى وابن ماجه وروى أحمد مثله، وفى رواية له "لا تقولوا ذلك، قولا بارك الله لها فيك، وبارك فيها".
يقول ابن الأثير فى "النهاية". الرفأ هو الالتئام والاتفاق والبركة والنماء، ومنه قولهم: رفأت الثوب رفءا، ورفوته رفوا، وإنما نهى عنه كراهية لأنه كان من عادتهم، ذكر ذلك الشوكانى فى "نيل الأوطار" وابن مفلح فى "الآداب الشرعية".
والخلاصة أن الكلمة معناها جميل، لأنها دعاء بالوفاق والبركة بين الزوجين، ودعاء بذرية البنين، وهو خير، والدعاء بالخير غير ممنوع، لكن قال العلماء بكراهة هذه العبارة، لأنها كانت من عادات الجاهلية، وبخاصة الدعاء للبنين الذى يدل على ما كان عندهم من كراهية البنات، والأولى أن يقال ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم
(10/37)
________________________________________
سر الزوجين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للزوج أو الزوجة أن يفشى السر الخاص بينهما لطلب مشورة أو حل مشكله؟

الجواب
إفشاء السر له خطورته، وبخاصة إذا كان فى الأمور الهامة، على المستوى العام كأسرار الدول والحكومات، وعلى المستوى الخاص كأسرار الأسر والشركات والجماعات، وإفشاء السر منهى عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحقوق الغير، فى الحديث الذى رواه أبو داود والترمذى وحسَّنه "إذا حدَّث الرجل الحديث ثم التفت فهى أمانة" وفى تاريخ الإسلام أحداث كان إفشاء السر فيها خطيرا، من ذلك نقل حاطب بن أبى بلتعة سر مسيرة النبى وصحبه لغزو مكة، ولم يعصمه من القتل إلا أنه قد شهد بدرا، وكان قصده حسنا، ونقل بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم حديثه إلى بعضهن كما قال تعالى {وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض} التحريم: 3.
ومن الأسرار التى لها حرمتها ما يحصل بين الزوج وزوجته فى الخلوة الخاصة، وقد أخرج أحمد بن حنبل عن أسماء بنت يزيد بن السكن أنها كانت عند الرسول والرجال والنساء قعود عنده فقال "لعل رجلا يقول ما فعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها" فأرمَّ القوم، أى سكتوا، فقالت يا رسول الله، إى والله إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلن، فقال ما معناه: "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقى شيطانة فكان منهما ما كان والناس ينظرون " وروى مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفض إلى المرأة وتفضى إليه، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه ".
هذا فى السر الخاص، أما الأسرار الأخرى للبيوت فلا ينبغى إفشاؤها لغير من تهمهم مصلحة الأسرة من الأقارب، بل إن البيوت الكريمة تحاول أن تخفى أسرارها حتى عن أقرب الناس إليها، لأن السر إذا خرج أوغر الصدر، إلى جانب ما يترتب عليه من آثار ضارة، أقلها الشماتة عند معرفة العيوب التى يشكو منها أحد الزوجين، وكثير من الناس يتصيدون أخبار البيوت للإفساد، وللنساء فى مجالسهن الخاصة أحاديث متشعبة وخبر أم زرع بشأن النسوة اللاتى تحدثن عن أزواجهن معروف.
على أنه لا بأس بإفشاء بعض الأسرار عند الحاجة بقصد الإصلاح، كما شكت هند إلى النبى تقتير زوجها أبى سفيان، وذلك عند التقاضى، أما الحديث لمن لا يرجى عنده إصلاح فممنوع، ففى حديث مسلم "ومن ستر مسلما ستر الله فى الدنيا والآخرة" ومن كتم سره كان الخيار بيده
(10/38)
________________________________________
غياب الزوج عن زوجته

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يسافر بعض الأزواج إلى بلد آخر لطلب العلم أو كسب العيش ويترك زوجته وأولاده، فما موقف الدين من ذلك؟

الجواب
معلوم أن الزواج شركة يتعاون فيها الزوجان على توفير الأمن والراحة والسكن لكل منهما ولمن يأتى من ذريتهما، وحتى يكون هذا التعاون نابعا من الأعماق قوى الرسوخ فى النفس ربط الله بينهما برباط وثيق هو الشهوة والعاطفة، وبخاصة حين يحسان أن ثمرة اللقاء ستكون مولودا يشبعان به عاطفة الأبوة والأمومة، ويقدمان له أعز ما عندهما ويستعذبان فى سبيل توفير الراحة والسعادة له كل صعب وشاق.
وحين يبتعد أحد الزوجين عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق للاطمئنان على نصفه الآخر، ويغذى هذا الشعور أمران أحدهما يحتاجه الجسد والآخر يحتاجه القلب، وإذا طال أمد البعد قوى ألم الفراق، وربما أحدث مرضا أو أمراضا، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين، وحصانة من أخلاق.
جاء فى المأثور أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه سمع -وهو يتفقد أحوال الرعية ليلا-زوجة تنشد شعرا تشكو فيه بعد زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين، ولولا تمسكها بدينها ووفاؤها لزوجها لانحرفت، فرقَ عمر لحالها، وقرر لكل غائب أمدا يعود بعده إلى أهله.
وبالرغم من ترك الغائب لأهله النفقة اللازمة، فإن عليه حقوقا لزوجته وأولاده غير ذلك، والناس مختلفون فى الشعور بأداء هذا الحق، ولئن كان عمر جعل أمد البعد أربعة أشهر فى بعض الروايات فلعل ذلك كان مناسبا للبيئة والظروف التى ينفذ فيها هذا القرار، والبيئات والظروف مختلفة، والشعور بالبعد يختلف بين الشباب والكبار، ويختلف من زوجة فيها دين وخلق قوى إلى من ليس عندها ذلك، والزوج هو الذى يعرف ذلك ويقدره.
وإذا كنت أنصح بتحمل بعض الآلام لمصلحة الأسرة ماديا فإني أنصح الزوج أيضا بألا يتمادى فى البعد، فالسعادة النفسية باللقاء على فترات متقاربة لها أثرها فى سعادة الأسرة.
ويراجع فى الجز الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام توضيح حق إعفاف الزوج لزوجته
(10/39)
________________________________________
عودة الزوج الغائب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى زواج امرأة بعد سفر زوجها، وانقطعت صلته بها عشر سنوات ولكنه عاد بعد زواجها بسنتين؟

الجواب
إذا غاب الزوج لا يجوز للزوجة أن تتزوج إلا بعد رفع أمرها إلى القضاء ليتخذ الإجراءات اللازمة لاستدعائه أو للحكم بفقده، أما أن تتزوج هى بغير ذلك فإن زواجها باطل، وتبقى على ذمة زوجها الأول، تعود إليه عند عودته حتى لو تزوجت بغيره، لأن الزواج باطل.
وإذا حكم القاضى بفقد الزوج بعد الإجراءات المعروفة ثم تزوجت وعاد زوجها فالقضاء يعيدها إلى زوجها الأول إن لم يكن الزوج الثانى قد دخل بها، فإن عاد بعد الدخول بها يخير بين أخذها وأخذ صداقها وتبقى للزوج الثانى، على تفصيل يرجع إليه فى قانون الأحوال الشخصية. والمهم أن زواجها قبل رفع الأمر للقاضى باطل، ولو عاد زوجها كان له الحق فيها دون الثانى
(10/40)
________________________________________
الاستئذان بين الآباء والأبناء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما الأوقات التى لا يجوز فيها دخول الأبناء على الآباء دون استئذان والأوقات التى لا يجوز فيها دخول الآباء على الأبناء؟

الجواب
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة للفجر وحتى تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاه العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم. وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم} النور: 58، 59.
يؤخذ من هاتين الآيتين أن الاستئذان مطلوب من الخدم والأطفال الذين يعيشون مع الأسرة، وذلك فى الأوقات التى يغلب فيها النوم والإخلاد للراحة، بما يتبع ذلك من تخفيف الملابس وتعرض العورات للانكشاف وهى:
1 - قبل صلاة الفجر، لأنه وقت النوم المستغرق غالبا.
2 -وقت الظهيرة وتغلب فيه القيلولة والتخفيف من الملابس وطلب الراحة بالنوم.
3-بعد صلاة العشاء، لأنه وقت الاستعداد للنوم.
وقد ورد عن ابن عباس أن الناس فرطوا فى هذا الأدب، وعلله بأنهم أولا كانوا لا يضعون ستورا على أبوابهم وحجالهم - مخادعهم - فربما يفاجىء الخادم أو الطفل الرجل مع أهله، لكن لما أثروا واتخذوا الستور والمخادع الخاصة تهاونوا فى الإذن، ظنا أنه لا حاجة إليه.
قال المحققون: هذه الآية محكمة لم تنسخ بآية {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} النور: 59.
لأن البالغ يستأذن قى كل وقت، أما الأطفال ففى هذه الأوقات الثلاثة.
والآباء يدخلون على الأبناء الصغار لرعاية مصالحهم ولا حاجة إلى استئذانهم، فإذا بلغوا روعى معهم الاستئذان كما روعى استئذانهم على آبائهم
(10/41)
________________________________________
الإيلاء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا حلف الرجل ألا يقترب من متعة من متع الحياة مثل معاشرة زوجته ولم يستطع فهل عليه كفارة؟

الجواب
نعم من حلف على فعل شيء أو تركه ولم يستطيع تنفيذ ما حلف عليه وجبت عليه كفارة يمين وهى المذكورة فى قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم} المائدة: 89 ولا يشترط أن تكون الأيام متتابعة.
وإذا كان حلفه على الامتناع عن زوجته فذلك يعتبر إيلاء إن زاد الحلف على أربعة أشهر، فهنا يطالب بواحد من اثنين، هما: قربان زوجته مع الكفارة المذكورة أو طلاقها، قال تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} البقرة: 226، 227 أما إن كان الامتناع لأقل من أربعة أشهر فلا يجرى عليه حكم الإيلاء، إن رجع عن حلفه أى فاء فى هذه المدة المحلوف عليها وجبت عليه الكفارة، وإن لم يفىء فلا شىء عليه.
قال عبد الله بن عباس: كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، يقصدون به إيذاء المرأة عند المساءة، فوقِّت لهم أربعة أشهر، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمى، وذكر القرطبى "ج 3 ص 103 " فى تفسيره أن النبى صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه، لأنهن سألنه من النفقة ما ليس عنده كما فى صحيح مسلم. هذا فى الحلف على عدم قربانها، فإن امتنع بدون يمين حلفها، وذلك للإضرار بها أُمر بقربانها، فإن أبى وأصر على امتناعه مضرا بها فرق القاضى بينه وبينها من غير ضرب أجل، وقيل يضرب أجل الإيلاء.
وقيل لا يدخل على الرجل الإيلاء فى هجره لزوجته وإن أقام سنين لا يغشاها، ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى الله فى ألا يمسكها ضرارا.
هذا، والجمهور على أن مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر إذا انقضت ولم يرجع المولى، لا تطلق زوجته إلا إذا طلقها، وعند أبي حنيفة تطلق ولا سبيل له عليها إلا بإذنها كالمعتدة بالشهور والأقراء، إذا انتهت فلا سبيل له عليها "تفسير القرطبى ج 3 ص 11 "
(10/42)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:56 am

المخطوبة التائبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كيف تكفر الفتاة عن ذنوب تتعلق بجوانب أخلاقية ارتكبتها قبل زواجها، وهل لها أن تصارح من تقدم لخطبتها بتلك الذنوب أم ماذا تفعل؟

الجواب
التوبة من المعصية واجبة لقوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور: 31 وهى تكفر الذنوب إذا كانت نصوحا كما قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفِّر عنكم سيئاتكم. . .} التحريم: 8.
والتوبة النصوح تقوم على الإقلاع عن المعصية والندم على العصيان والعزم الأكيد على عدم العود إليه، مع رد الحقوق إلى أصحابها أو تنازلهم عنها. والذنب مهما كبر فالتوبة إن شاء الله تغفره ما عدا الشرك كما قال سبحانه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48 وينبغى ألا يدخل اليأس قلب العاصى ويظن أن الله لا يغفر له، فهو القائل {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} الزمر: 53.
وإذا لم تشتهر الفتاة العاصية بانحرافها ولم يعلم به إلا هى أو خاصة أهلها فلا حاجة إلى إخبار من يتقدم لخطبتها بماضيها، وقد نهى عمر رضى الله عنه رجلا أن يفضح بنته بما حدث منها عندما أراد أن يزوجها، وذلك فى الانحراف الذى لا غش فيه، فإن كان انحرافا ضاعت به بكارتها وقامت بعملية ترقيع أو إبدال فهو غش سينكشف أمره، وهنا يكون للخاطب الخيار بعد العقد فى إتمام الزواج أو فسخ العقد.
ولو سألها الخاطب عن ماضيها أو عيوبها، فلا بد أن تخبره بها، ولعله إن عرف صدقها فى التوبة أنس إلى صراحتها وتزوجها.
وأحذِّر ثم أحذر من يساعدون على تغطية الانحراف فى الشرف بالعمليات المعروفة وبخاصة إذا لم يكن هناك عذر لمن حدث لها ذلك، أحذرهم من القيام بهذه العمليات مهما كان الإغراء المادى، ففى ذلك تشجيع على الانحراف بضياع أعز ما يحرص عليه كل إنسان كريم
(10/43)
________________________________________
عورة المسلمة مع غير المسلمة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر من جسمها شعرها وصدرها وذراعيها أمام غير المسلمة؟

الجواب
إذا كان الإسلام قد أباح التعامل مع غير المسلمين بمثل قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} الممتحنة: 8 فإن لهذا التعامل حدودا لا يجوز الخروج عليها، ومن ذلك تحديد العورة التى لا يجوز كشفها من المرأة المسلمة أمام امرأة غير مسلمة مهما كانت العلاقة بينهما فهى معها كالرجل الأجنبى.
يقول القرطبى فى تفسيره "ج 12 ص 233": لا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئا من بدنها أمام امرأة مشركة إلا أن تكون أمة لها، فذلك قوله تعالى {أو ما ملكت أيمانهن} النور: 31 وكان ابن جريج وعبادة بن نُسى وهشام القارئ يكرهون أن تقبل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها، ويتأولون {أو نسائهن} يعنى المسلمات، وقال عبادة بن نُسَىٍّ: وكتب عمر رضى الله عنه إلى أبى عبيدة بن الجراح: أنه بلغنى أن نساء أهل الذمة دخلن الحمامات مع نساء المسلمين، فامنع من ذلك وحل دونه، فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة -ما يعرى منها وينكشف- قال: فعند ذلك قام أبو عبيدة وابتهل وقال: أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسود الله وجهها يوم تبيض الوجوه: وقال ابن عباس رضى الله عنهما: لا يحل للمسلمة أن تراها يهودية أو نصرانية لئلا تصفها لزوجها، وفى هذه المسألة خلاف، فإن كانت الكافرة أمة لمسلمة جاز أن تنظر إلى سيدتها، وأما غيرها فلا، لانقطاع الولاية بين أهل الكتاب وأهل الكفر لما ذكرنا
(10/44)
________________________________________
استثناءات الحرمة بين الرضاعة والنسب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ورد حديث يقول "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " ولكن فيه بعض مسائل مستثناة من هذه القاعدة، فما هى؟

الجواب
هذا الحديث رواه البخارى ومسلم، ولكن جاء فى شرح الدردير لأقرب المسالك أن هناك ست مسائل مستثناة من هذه القاعدة وهى:
1- أم الأخ أو أم الأخت، لأنها من النسب إما أمك وإما امرأة أبيك، وكلاهما محرمتان، لكن أم الأخ من الرضاع لا تحرم وكذلك أم الأخت.
2- أم ولد ولدك من الرضاع، لأنها من النسب إما بنتك أو زوجة ولدك.
3- جدة الولد من الرضاع، لأنها إما أمك أو أم زوجتك.
4- أخت الولد من الرضاع، لأنها إما ابنتك وإما بنت زوجتك.
5- أم عمك وعمتك من الرضاع، لأنها إما جدتك أو زوجة جدك.
6- أم خالك أو خالتك من الرضاع، لأنها إما جدتك أم أمك أو زوجة جدك أبى أمك، "مجلة الإسلام - المجلد الرابع، العدد السابع عشر"
(10/45)
________________________________________
الرضاع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كم عدد الرضعات التى تحرم الزواج وهل يشترط أن يكون فى الصغر؟

الجواب
هناك محرمات من النساء لا يجوز التزوج منهن، ومن أسباب التحريم الرضاع، كما قال تعالى فيمن حُرمن {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} النساء: 23 وإذا كانت الآية قد نصت على تحريم الأم والأخت من الرضاعة، فإن الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يدخل محرمات أكثر بسبب الرضاع كالعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت وغيرهن.
وقد ثبت فى الحديث الذى رواه مسلم أنه "لا تحرم المصة ولا المصتان،وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها: كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن. ومهما يكن من خلاف الفقهاء فى عدد الرضعات فإن الفتوى فى مصر على مذهب الإمام الشافعى، وهو خمس رضعات، والشرط أن يكن معلومات متيقنات، والشك لا يبنى عليه تحريم، وليس للرضعة مقدار معين كما رآه الشافعى، واشترط الفقهاء أن يكون الرضاع فى مدة الحولين، وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه الترمذى وصححه "لا تحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان فى الثدى قبل الفطام " وقوله كما رواه الدارقطنى بإسناد صحيح "لا رضاع إلا فيما كان فى الحولين ".
وجمهور الفقهاء على أن الرضاع بعد الحولين أو ما قاربهما لا يثبت التحريم، غير أن هناك جماعة من السلف والخلف قالوا: الرضاع يحرم ولو كان الذى رضع شيخا كبيرا، وحجتهم فى ذلك حديث رواه مسلم عن سهلة بنت سهيل التى قالت للنبى صلى الله عليه وسلم إنى أرى فى وجه أبى حذيفة وهو زوجها، من دخول سالم وهو حليفه، يعنى يغار من دخوله البيت ورؤيتها، فقال لها "أرضعيه تحرمى عليه " فقالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم وقال "قد علمت أنه كبير" وظاهر هذا أن رضاع الكبير يثبت به التحريم، وعليها أن تتصرف فى كيفية الرضاع، إما أن تحلب له اللبن ليشربه حتى لا يرى ولا يلمس شيئا من جسمها، وإما أن يكون الرضاع المباشر من ثديها ضرورة والضرورات تبيح المحظورات.
وأكدت عائشة هذا الرأى لأم سلمة كما رواه مسلم، وفى رواية أبى داود أن عائشة كانت تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت هى أن يراها ويدخل عليها حتى لو كان كبيرا، لتكون عائشة عمة الرضيع أو خالته، لكن سائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم لم يوافقنها على هذا الرأى، ويرين كما يرى الجمهور أن الرضاع المحرم لا يكون إلا فى الصغر، وقلن لعائشة:
لعل مسألة سهيلة وسالم كانت رخصة خاصة ليست لسائر الناس. والخلاصة:
أن لكل من الرأيين دليله ووجهة نظر، وقد ارتضى الفقهاء أن إرضاع الكبير لا يحرم الزواج، فلتكن عليه الفتوى
(10/46)
________________________________________
التعقيم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم ربط المبايض والتعقيم كوسيلة من وسائل تنظيم النسل؟

الجواب
خلق الله سبحانه وتعالى الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما خصائص من أجل التناسل والتعاون على عمارة الأرض، وتعقيم واحد منهما معناه جعل الرجل أو المرأة عقيما لا يلد ولا يولد له، ويتم ذلك بوسائل متعددة، كان منها فى الزمن القديم سل الخصيتين من الرجل، وفى الزمن الحديث ربط الحبل المنوى، أو جراحة أو إعطاء دواء يمنع إفراز الحيوانات المنوية أو يبطل مفعولها، وتعقيم المرأة يكون بتعطيل المبيضين بجراحة أو دواء يمنع إفراز البويضات، أو بسد قناة فالوب، أو استئصال الرحم أو غير ذلك من الوسائل.
وإذا جاز من الناحية الصحية أو غيرها تأجيل الحمل مدة معينة، مع بقاء الاستعداد للقدرة على الإنجاب عندما تتاح الفرصة، فإنه لا يجوز مطلقا تعطيل الجهازين تعطيلا كاملا عن أداء وظيفتهما، إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة قصوى. ففى ذلك مضادة لحكمة خلق الله للنوعين، مع ما ينتج عنه من فقد كل من الرجل أو المرأة بعض الخصائص المميزة لهما فى الصوت والشعور والإحساس وتأثير ذلك على السلوك ولو إلى حد ما.
ومن هنا نهى الإسلام عن خصاء الرجل لما فى حديث البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه حيث سأل النبى صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فى الخصاء لعدم وجود ما يتزوج به وهو شاب يخاف على نفسه الوقوع فى الإثم.
وكما فى حديث أحمد فى النهى عنه للغزاة الذين ليس معهم زوجاتهم، وفى قول النبى صلى الله عليه وسلم لرجل استأذنه فى الخصاء، "خصاء أمتى الصيام والقيام " رواه أحمد والطبرانى.
وتعقيم المرأة كالخصاء للرجل فى الحكم وهو الحرمة، وقد قرر المختصون أن عملية الحمل ضرورية لتوازن الحيوية فى المرأة، والوقوف ضدها عناد للطبيعة، وبهذا يكون ربط المبايض حراما كما قاله جمهور الفقهاء، ومن كانت عندها أولاد تريد الاكتفاء بهم فتعقم نفسها، هل تضمن تصاريف القدر بالنسبة لهؤلاء الأولاد، مع أن هناك وسائل لتأجيل الحمل لا لمنعه، فيها مندوحة عن التورط فى أمر يكون من ورائه الندم حيث لا ينفع، وإذا كان الإمام أحمد أجاز شرب المرأة الدواء لقطع دم الحيض فلعله لغرض آخر غير التعقيم، ومع ذلك لا يصح أن يلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى كتحقق الوراثة لمرض خبيث أعيا الطب علاجه، والضرورة تقدر بقدرها
(10/47)
________________________________________
الجنين الحى فى بطن أم ميتة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز إخراج الجنين من بطن أمه، إذا توفيت وأثبت الأطباء أن الجنين مازال حيّا؟ وهل شق البطن فى هذه الحالة يعتبر تعديا على حرمة جسد الميت؟

الجواب
قال ابن قدامة فى المغنى: والمذهب -أى الحنبلى- أنه لا يشق بطن الميتة لإخراج ولدها، مسلمة كانت أو ذمية، وتخرجه القوابل إن علمت حياته بحركة، وإن لم يوجد نساء لم يسط الرجل عليه وتترك أمه حتى يتيقن موته ثم تدفن، ومذهب مالك وإسحاق قريب من هذا، ويحتمل أن يشق بطن الأم إن غلب على الظن أن الجنين يحيا، وهو مذهب الشافعى، لأنه -أى الشق - إتلاف جزء من الميت لإبقاء حى فجاز، كما لو خرج بعضه حيا ولم يمكن خروج بقيته إلا بشق، ولأنه يشق لإخراج المال منه، فلإبقاء الحى أولى.
ويرد ابن قدامة رأى الشافعى فيقول: ولنا أن هذا الولد لا يعيش عادة ولا يتحقق أنه يحيا، فلا يجوز هتك حرمة متيقنة لأمر موهوم،وقال النبى صلى الله عليه وسلم "كسر عظم الميت ككسره حيا" وفيه مثلة وقد نهى النبى عن المثلة اهـ.
وأظن أن هذا النقل كاف للإجابة عن هذا السؤال، وقد يقبل كلام الحنابلة فى منع شق البطن إذا كانت حياة الجنين متوهمة غير راجحة أو متيقنة، أما لو أثبت الأطباء أن الجنين ما زال حيًّا فإن رأى الشافعى يكون قويا جدًا
(10/48)
________________________________________
حدود الاختلاط بين الجيران

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى مقاطعة الجيران بدعوى أن الاقتصار فى الاختلاط بالآخرين عبادة؟

الجواب
لا تجوز مقاطعة الجيران إلا إذا تحقق الضرر من جهتهم ولم يمكن دفعه، فإذا أمكن إصلاح الفاسد منهم وجب ذلك قيامًا بواجب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر.
كما ينبغى تقديم حسن الظن وعدم التصرف بناء على وهم أو ظن غير راجح وليعلم الجميع أن الجار قد يكون أقرب وأنفع من الأقارب إذا كانوا بعيدين عن المسكن واستغاث الإنسان فلا يغيثه إلا جاره.
فلتكن صلتنا بجيراننا طيبة، لادخارهم لمثل هذه الظروف، ولا يلزم من حسن الجوار كثرة الزيارات والاختلاط، فكل شىء له حد معقول لو زاد عنه قد يضر.
وأقل ما يجب نحو الجار كف الأذى عنه، وما زاد على ذلك من تقديم الخير له فهو مندوب مستحب، إلا إذا كان فى حاجة أو ضرورة فالواجب تقديم ما يحتاجه ويدفع ضرورته
(10/49)
________________________________________
الملابس الضيقة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى ارتداء المرأة للملابس الطويلة والحجاب، ولكنها ضيقة توضح أعضاء الجسم، وهل يعتبر هذا الزى ساترا لجسد المرأة؟

الجواب
الشرط فى ملابس المرأة التى تسترها وتمنع الفتنة بها ألا تصف وألا تشف، يعنى ألا تكون ضيقة تصف أجزاء الجسم وتبرز المفاتن.
وألا تكون رقيقة شفافة لا تمنع رؤية لون البشرة، ومن النصوص التى تنهى عن لبس ما يصف جسم المرأة ما رواه أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم أهدى أسامة بن زيد قبطية كثيفة، فأعطاها لامرأته فقال له "مرها أن تجعل تحتها غلالة، فإنى أخاف أن تصف حجم عظامها" والقبطية لباس من صنع مصر يلتصق بالجسم،والغلالة شعار يلبس تحت الثوب.
وأخرج أبو داود نحوه عن دحية الكلبى. وفى رواية للبيهقى أن عمر رضى الله عنه لما أعطى الناس الثياب القباطى نهى عن لبس النساء لها، لأنها إن لم تشف فإنها تصف.
واخرج ابن سعد بسند صحيح أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما ردت ثوبا أهدى إليها من ثياب "مرو" وقيل لها: إنه لا يشف فقالت: لكنه يصف.
وبهذا يعلم أن ثياب المرأة حتى لو لم تكن رقيقة شفافة، وحتى لو كانت سابغة تغطى كل جسمها حتى قدميها، لو كانت محددة لأجزاء جسمها ضيقة تبرز مفاتنها فهى محرمة، لأنها لا تحقق الحكمة من مشروعية الحجاب وهى عدم الفتنة.
وأحذر من الاغترار بالإعلانات عن الأزياء الخاصة بالمحجبات فإن فيها لمسة فتنة لا تخفى على أى إنسان، والعبرة فى التنفيذ ليس بالشكل ولكن بتحقيق الهدف منه
(10/50)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:57 am

تعليم المرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى تعليم المرأة؟

الجواب
التكاليف الشرعية موجهة للرجال والنساء جميعا، وإن كان أكثر النصوص فى القرآن والسنة تتحدث عن الرجل، لأنه الأصل وكل من بعده تبع له {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء} النساء: 1 وفى بعض الأحيان تنزل نصوص تتحدث عن الجنسين لوجود سبب يدعو إلى ذلك، كما جاء فى رواية أحمد والنسائى أن أم سلمة قالت للرسول: ما لنا لا نذكر فى القرآن كما يذكر الرجال؟ فتلا قوله تعالى وهو على المنبر يا أيها الناس الله يقول {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} إلى آخر الآية الأحزاب: 35، وفى رواية الترمذى أنها سألته: لِمَ لم تذكر النساء فى الهجرة؟ فنزل قوله تعالى {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ... } إلى آخر الآية آل عمران:195،.
وذلك كله مع مراعاة التناسب فى التكليف بين طبيعة كل من الجنسين، وطلب العلم واجب لمعرفة ما أمرنا الله باتباعه مما أنزله على رسله المبشرين والمنذرين، وتلك حقيقة لا تحتاج إلى دليل، وأكثر النصوص الواردة تبين فضل المتعلم على غيره بأساليب كثيرة والرجل والمرأة فى ذلك سواء، وإذا كان قد جاء فى حديث ضعيف "طلب العلم فريضة على كل مسلم " دون لفظ "ومسلمة" فهي مضافة حكما لا رواية والواقع يشهد لذلك، فقد صح فى البخارى ومسلم طلب النساء من النبى تخصيص يوم لهن للتعلم، وأن كثيرات منهن سألنه فى أمور دقيقة قالت فى شأنها السيدة عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين، بل جاء فى رواية البخارى ومسلم "أيما رجل كانت عنده وليدة- أى أمة رقيقة-فعلَّمها فأحسن تعليمها، وأدَّبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران " وإذا كان هذا فى تعليم الأمة فكيف بالحرة؟ والنصوص عامة للجميع، لقد قال الفقهاء - كما جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى وغيره -يجب على الزوج أن يعلم زوجته القدر الضرورى الذى تصحح به عبادتها وتؤدى به واجبها المنوط بها، وذلك إما بنفسه هو أو بمن يستعين به، فإن لم يفعل كان لها أن تخرج لطلب العلم الواجب ولا يجوز أن يمنعها منه.
وقد صح فى الحديث نهى الرجال عن منع النساء من الذهاب إلى المسجد، وذلك من أجل التعلم، لأن صلاتهن فى بيتهن أفضل.
فإذا كان للمرأة أن تخرج لطلب العلم فعليها أن تلتزم بكل الآداب الواجبة لكل خروج من بيتها، من الحشمة والعفة والأدب وعدم المغريات من عطر نفاذ أو قول خاضع، أو خلوة مريبة، أو تزاحم متعمد، مع التأكد من الأمن عليها من الفتنة والفساد.
وعلى المجتمع كله أن يوفر الجو الآمن لتحقيق الغرض من التعليم ومنع الفساد بأى وجه يكون. وبالفهم الجيد لنصوص الدين وروح الشريعة يمكن الحكم على أى عمل حكما صحيحا،بعيدا عن التخبط والانحراف
(10/51)
________________________________________
فى الهندسة الوراثية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يمكن الآن تنشيط رحم المرأة بالهرمونات بعد سن اليأس ليصبح رحمها معدَّا لحضانة بويضة ملقحة، وبذلك تحمل بويضة لغيرها لأن جسمها توقف عن التبويض، فما الحكم، هل يكون الولد لها أم لصاحبة البويضة؟

الجواب
هذه الصورة يطلق عليها اسم "الرحم المؤجَّر" أو "الأم الحاضنة" حيث إن البويضة الملقحة التى وضعت فى رحمها ليست بويضتها، والحكم هو التحريم، لأن فيها صورة الزنا، والزنا محرم بالكتاب والسنة والإجماع وذلك لأمور، من أهمها أمران:
ا- المحافظة على الأنساب إذا كان الرجل والمرأة قابلين للإنجاب، بصلاحية مائه وصلاحية بويضتها، فلا يدرى لمن ينسب المولود ويكون مصيره الضياع، وقد صح فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر".
ب - صيانة الأعراض عن الانتهاك وحماية الحقوق لكل من الرجل والمرأة، وفى الزنا وقعت المتعة الجنسية بغير الطريق الشرعى الذى يدل عليه قول الله تعالى فى صفات المؤمنين المفلحين {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المؤمنون: 5-7.
وتظهر الحكمة الثانية فى تحريم الزنا إذا كان أحد الطرفين غير صالح للإنجاب كما فى الصورة المذكورة فى السؤال، حيث توقف جسم المرأة عن التبويض فإذا كان مجرد دخول ماء الرجل الغريب عن المرأة فى رحمها حراما فكيف بدخول ماء وبويضة "بويضة ملقحة بمائه" أى دخول جنين أو أصل جنين غريب عنها؟! إن الحرمة تكون من باب أولى.
السؤال الثانى- أصبح من الممكن الآن تلقيح بويضة بحيوان منوى وتجميد هذا الجنين لعدة سنوات حتى تحتاج إليه المرأة فيوضع فى رحمها وتحمل وتلد، ويطرح هذا التطور عدة أسئلة عن حالات واقعية:
أولا: يقوم زوجان بتلقيح بويضة من الزوجة بحيوانات منوية من الزوج قبل إقدام أحدهما على تناول العلاج الكيماوى أو الإشعاعى أو غيرهما من العلاجات التى لا تسمح للزوجين بالإنجاب، وبعد الانتهاء من العلاج تحمل الزوجة بهذه البويضة الملقحة.
ثانيا: قد يتوفى الزوج أثناء العلاج أو لأى سبب، فتلقح الزوجة بعد الوفاة بهذه البويضة وتحمل من زوجها الذى توفى.
ثالثا: تتوفى الزوجة فتلقح امرأة أخرى "أم حاضنة" بهذه البويضة فتحمل وتسلم الوليد للزوج.
والجواب:
أولاً: ما دامت الزوجية قائمة فلا مانع من وضع البويضة الملقحة من ماء زوجها فى رحمها وهى صاحبة البويضة، ويكون الجنين الذى حملته ووضعته منسوبا شرعا إلى الزوج والزوجة وهذه الصورة هى من صور التلقيح الصناعي الذي يتم فيه التلقيح بين الماء والبويضة خارج الرحم، ثم تعاد البويضة إلى الزوجة صاحبتها، وذلك مشروع لا مانع منه مع اتخاذ الاحتياطيات اللازمة.
ثانيا: إذا توفى الزوج انقطعت العلاقة الزوجية من الناحية الجنسية بالذات بينه وبين زوجته، ووضع هذه البويضة الملقحة فى رحمها أصبح وضعا لشىء غريب منفصل عنها، فالمرأة صارت غريبة عنه، ولذلك يحل لها أن تتزوج من غيره بعد الانتهاء من العدة المضروبة لوفاة الزوج، وهى قبل انتهاء العدة أشبه بالمطلقة طلاقا بائنا، حيث لا يجوز أن تكون بينهما معاشرة زوجية تعتبر رجعة بالفعل فى بعض المذاهب الفقهية، بل لا بد أن يكون ذلك بعقد جديد، وهو فى هذه الصورة غير ممكن لوفاة الزوج، فلو وضعت المرأة - بعد وفاة الرجل - بويضتها الملقحة منه قبل وفاته فى رحمها وحملت وولدت كان الولد غير منسوب إليه كولد الزنا، وإنما ينسب إليها هى، مع حرمة هذه العملية.
ثالثا: إذا توفيت الزوجة فوضعت بويضتها الملقحة من ماء زوجها فى رحم امرأة أخرى التى يطلق عليها اسم "الأم الحاضنة" صاحبة الرحم المؤجَّر كان ذلك حراما، لما سبق ذكره فى السؤال الأول من أنه زنا، حتى لو سلمت الولد للزوج.
السؤال الثالث: من المعتقد أن الطب الحديث سيتمكن قريبا من تجميد الحيوانات المنوية، ويطرح البعض فكرة جديدة لتنظيم الحمل، وبعد الاحتفاظ بهذه الحيوانات المنوية المجمدة للرجل، ثم تعقيمه بربط الحبل المنوى عنده، بحيث لا تحتاج زوجته إلى استعمال وسائل منع الحمل مثل الحبوب وغيرها، فإذا أرادا الإنجاب استعملا بعض الحيوانات المنوية المجمدة، أى أنه على الرغم من انقطاع قدرة الرجل على الإنجاب من ناحية، فإنه يحتفظ خارج جسمه برصيد من الحيوانات المنوية المجمدة، يمكنه من الإنجاب، حتى لو طلق زوجته وتزوج بأخرى، فما حكم هذه العملية؟ الجواب: يجوز للزوجة فى هذه الحالة عند رغبتها فى الحمل أن تستعمل بعض هذه الحيوانات المجمدة لتحمل بها، لأنها من ماء زوجها والزوجية قائمة، ويكون الجنين منسوبا إلى الزوج على الرغم من تعقيمه.
ولو طلق زوجته أو لم يطلقها وتزوج بأخرى ولقَّحها من منيه المجمد كان ذلك جائزا، وينسب المولود إليه لأنه من مائه، وكذلك ينسب إلى الزوجة الأخرى شرعا، لأنه من بويضتها الملقحة بماء زوجها. السؤال الرابع: الموقف السابق يطرح نفسه بالنسبة للزوجة وتجميد بويضاتها، فما حكمه؟ الجواب: ما دامت البويضة المجمدة هى لزوجته يجوز أن يلقحها بمائه هو ما دامت الزوجية قائمة، ولو طلقت منه وتزوجت بآخر جاز للزوج الآخر أن يلقح بويضة هذه الزوجة بمائه، حيث لا يوجد شىء غريب بين الطرفين.
السؤال الخامس - فكرة الأم الحاضنة، أو الرحم المؤجر، بأن تلقح بويضة من الزوجة بحيوان منوى من الزوج، ثم تدخل هذه البويضة الملقحة فى رحم امرأة أخرى، ثم تمر بمراحل الحمل حتى تلد فتسلم المولود الى الزوجين الأصليين، هذه الطريقة يكون فيها المولود حاملا لكل الخصائص الوراثية من الزوجين، ولا علاقة للأم الحاضنة بالطفل إلا علاقة إنماء الجنين عن طريق دمائها وجسمها، والسؤال هنا: هل يمكن اعتبار الأم الحاضنة أمًا فى الرضاعة، حيث هناك تشابه كبير بين الحالتين، فالأم فى الرضاعة ينمى لبنها جسم الطفل كثيرا، ويحدث رباط عاطفى بينهما؟ وإذا كان ذلك لا يجوز فلماذا مادامت ليست هناك شبهة زنا أو اختلاط فى الأنساب؟ والجواب: فكرة الأم الحاضنة أو الرحم المؤجر محرمة كما سبق ذكره فى إجابة السؤال الأول، لأن فيها صورة الزنا، حيث أدخلت الأم الحاضنة فى رحمها جنينا مكونا من ماء وبويضة ليس لها فيهما شىء.
وقد قرر العلماء أن الحمل من الزنا ينسب لأمه الحامل به لتحقق ولادتها منه، كما صح فى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بالأم فى قضية رجل وامرأة تلاعنا فى زمنه، عندما اتهم الزوج زوجته بأن حملها ليس منه، ولا ينسب لمن زنى بها عند جمهور الفقهاء.
ومحل ذلك إذا كان للمرأه الزانية اشتراك فى تكوين الجنين عن طريق بويضتها، وفى صورة الأم الحاضنة ليس لها هذا الاشتراك إذا كانت عقيما لا تفرز بويضات فلا ينسب لها الولد، لكن ينسب لصاحبى البويضة الملقحة، وإن كان لحملها تأثير أيضا على تكوينه من جهة البيئة التى تربى فيها كما يقول المختصون، فالولد يتأثر بمؤثرين، أحدهما الوراثة والثانى البيئة، كالمرضعة التى ترضع ولد غيرها بلبنها، لأن لها تأثيرا إلى حد ما على الرضيع، والحامل لجنين غيرها فى بطنها وقد غذته بدمها كما تغذى كل جزء من أجزاء جسمها لا تعدو أن تكون كالمرضعة، وعمل المرضعة مشروع، غير أن هناك فرقا بينهما، فالحامل أدخلت رحمها شيئا غريبا عنه كما قدمنا، فعملها محرم، والمرضعة عملها حلال، والولد فى كلتا الحالتين منسوب لأبويه بالأصالة فى تكوينه وبولادة أمه له فى صورة الإرضاع بالاتفاق، وفى صورة الرحم المؤجر على ما رجحته من الأقوال.
السؤال السادس - إذا كان الرجل متزوجا من زوجتين، الأولى لا ينتج جسمها بويضات لسبب أو لآخر، أو لا يمكن أن تحمل باستعمال بويضاتها هى، فهل يمكن أن تؤخذ بويضة من الزوجة الثانية تلقح بحيوان منوى من زوج المرأتين، ثم يوضع الجنين فى رحم الزوجة الأولى لتحمل وتلد، هل يجوز ذلك؟ وإذا كان لا يجوز فلماذا ما دام الأب واحدا والعملية كلها تتم داخل إطار علاقة زوجية مشتركة؟ والجواب: إذا أخذت بويضة الزوجة الثانية الملقحة بمنى زوجها ووضعت بدون إذنها وموافقتها فى رحم ضرتها الأولى كان ذلك حراما، لأنه اعتداء على حق الغير بدون إذنه، والكل يعلم ما بين الضرائر من حساسية شديدة، وأثر ذلك على الأسرة.
وإن كان بإذنها وموافقتها يثار هذا السؤال: لماذا يلجأ الزوج إلى هذه العملية؟ إن كان لمصلحة تعود عليه هو مثل كثرة الإنجاب الحاصل من زوجتين لا من زوجة واحدة فقد يكون ذلك مقبولا إن دعت إليه حاجة أو ضرورة، مع التأكد من القيام بواجب الرعاية الصحيحة، ومع ذلك لا أوافق عليه لما سيأتى بعد من العلاقة بين الإخوة الأشقاء والإخوة غير الأشقاء.
وإن كان لمصلحة تعود على الزوجين، فإن المصلحة العائدة على الزوجة الثانية الصالحة للإنجاب ليست ذات قيمة، بل قد يكون فى ذلك ضرر على أولادها عند تقصير الأب عن الوفاء بحق هذه الكثرة من الأولاد، أو بضآلة نصيب أولادها من ميراث أبيهم حيث يوزع على عدد كبير من أولاده.
وإذا كانت المصلحة عائدة على الزوجة الأولى التى لا تنجب فإنها تتمثل فى أمرين هامين، أولهما إرضاء عاطفة الأمومة وعدم الشعور بنقصها بالنسبة لضرتها،لكنها لا تتحقق إلا إذا كان أولادها ينسبون إليها، وقد تقرر-كما سبق ذكره- أنها مجرد أم حاضنة وما ينتج منها فهو لزوجها ولضرتها صاحبة البويضة، فإذا عرفت أن من يولد منها فهو لضرتها فلماذا تتعب نفسها بالحمل والوضع دون فائدة لها؟ إذًا ليست هناك مصلحة لها قيمتها من هذه العملية لكلتا الزوجتين ولا يجوز للزوج أبدا أن يجعل ما تلده الزوجة الأولى الحاضنة أولاداً لها، لمعارضته ما سبق ذكره ولأنهم سيكونون بذلك بالنسبة لأولاد الزوجة الثانية صاحبة البويضة إخوة غير أشقاء، أى إخوة من أب فقط، وهذا له أثره فى الميراث إذا توفى أحد الإخوة، فالأخ الشقيق يحجب الأخ لأب، والحاضنة إذا ماتت لا يحق لها شرعا أن ترث ممن ولدتهم ولا أن يرثوا منها، فالأمومة النسبية مقطوعة، وذلك إلى جانب ما يكون بين الأولاد من كل من الزوجتين من حساسيات معروفة لها اثار غير طيبة.
وهنا يمكن أن نقول إن المفاسد المترتبة على هذه العملية أكبر من المصلحة العائدة على الزوج والزوجتين والقاعدة الشرعية تقول:
درء المفاسد مقدَّم على جلب،المصالح. ولهذا أرجح عدم جواز هذه العملية، وإذا كان للزوج رغبة فى كثره الإنجاب فأمامه الوسائل المشروعة الأخرى، مع مراعاة واجب العدل فى معاملة الزوجات والأولاد.
السؤال السابع - فى الحالة نفسها وهى حالة زوج الاثنتين، هل يجوز أن تكون إحدى الزوجتين أمًا حاضنة لبويضة ملقحة هى لزوجة الأخرى؟ الجواب: قلنا: إن الأم الحاضنة لا يجوز لها أن تدخل رحمها ماء غير ماء زوجها، وفى الصورة المذكورة وإن كان الماء ماء زوجها فإن للبويضة ليست لها، وعلى فرض التجاوز فى ذلك إذا كانت حضانتها للبويضة بإذن صاحبتها فإن الآثار المترتبة عليها والتى سبق بيانها فى إجابة السؤال السابق تجعلنى أرجح عدم الجواز.
السؤال الثامن - يقوم الأطباء الآن باختيار جنس الجنين عن طريقة دراسة مواصفات الحيوانات المنوية الذكرية والحيوانات المنوية الأنثوية، وعزل الحيوان المطلوب لتلقيح بويضة الزوجة به، والسبب فى محاولات تحديد جنس الجنين مسبقا يكون غالبا لأن بعض الأمراض الوراثية لدى الزوجين يتوارثها الذكور فقط، فيحاول الزوجان تفادى إنجاب الذكور، تفاديا لولادة أطفال معوقين أو مشوهين بدرجة كبيرة، وفى بعض الأحوال يكون الزوجان قد أنجبا عدة ذكور ويريدان إنجاب أنثى أو العكس، فيلجآن إلى الطب لإنجاب ما يريدان، فما هو الحكم فى ذلك؟ وهل يعتبر تدخلا فى الإرادة الإلهية واعتداء على التوازن البشرى، أم هو مجرد استغلال لما هو متاح من خلق الله؟ والجواب: قضية التحكم فى جنس الجنين شغلت العالم قديما وحديثا، ولهم فى ذلك طرق متعددة وأغراض متنوعة، والمدار فى الحكم على ذلك هو اتباع النص إن وجد، فإن لم يوجد كان المدار على معرفة الغاية والوسائل المتبعة لبلوغها، فيحرِّم الحرام ويحل الحلال من ذلك، ومعلوم ان الله سبحانه خلق آدم وخلق له حواء، وذلك من أجل التناسل وعمارة الكون، والتنوع لابد منه لحركة الحياة، قال تعالى {ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} الذاريات: 49 والتناسب بين نوعى الذكورة والأنوثة مطلوب، وطغيان أحدهما على الآخر ليس من المصلحة.
والناس من قديم الزمان وقبل مجىء الإسلام يؤثرون الذكر على الأنثى لعوامل تتناسب مع أغراضهم وظروف حياتهم، ونظرا لما كان عليه العرب قبل الإسلام من تفضيل الذكر على الأنثى وما أدى إليه من وأد البنات وحرمانهن من كثير من الحقوق جاء قول الله تعالى {لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير} الشورى: 49، 50.
وعلى الرغم من تقرير الإسلام لذلك ما تزال المحاولات جادة فى هذا السبيل، ويتلخص موقف الدين منها فيما يأتى:
1 - إذا كانت المحاولات يسيطر عليها الغرور بالعلم لحل المشكلات وعدم الإيمان بأن إرادة الله غالبة، كما هو شأن الماديين، كانت محرمة باتفاق، لأنها إن لم تكن كفرا فهى تؤدى إليه.
2 - وإذا كانت المحاولات تحت مظلة الإيمان بالله، واستغلال الفرص المتاحة للخير، لمجرد أنها أسباب ومقدمات، والآثار والنتائج مرهونة بإرادة الله، كالتداوى من الأمراض مع الإيمان بأن الشفاء هو من الله - فينظر إلى أمرين، الأول الهدف والغرض والنية الباعثة على ذلك، والثانى الأسباب والوسائل التى يتوصل بها إلى تحقيق الأهداف، ذلك لأن الأعمال بالنيات، والوسائل تعطى حكم المقاصد، والأمثلة على ذلك كثيرة، واقتصارا على موضوع السؤال نقول:
ا - إذا كان الغرض من هذه العملية تجنُب وراثة بعض الأمراض فى الذكور أو الإناث، وكان ذلك بطريقة علمية مؤكدة ليس فيها ارتكاب محرَّم فلا أرى مانعا من ذلك، لأن الوقاية خير من العلاج. والقرآن ينهانا عن الإلقاء بأيدينا إلى التهلكة والحديث يحذرنا من العدوى والتعرض لها، فلا ندخل بلدا سمعنا أن فيه طاعونا، ولا نخرج منه إذا وقع ونحن فيه، وينهانا عن الأكل مع المجذوم، وعن التعامل مع أى شىء فيه ضرر، فلا ضرر ولا ضرار فى الإسلام، إلى غير ذلك من النصوص.
ب - إذا كان الغرض من هذه العملية هو الإكثار من أحد النوعين إلى الحد الذى يختل فيه التوازن ويؤدى إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات كالمتعة بين الجنس الواحد، أو يؤدى إلى إرهاب الغير بكثرة الذكور مثلا، أو إلى استغلال النوع الآخر لأغراض خبيثة كان ذلك حراما لا شك فيه، ويكفى فى ذلك قول الله تعالى فى حق بعض الكفار المناوئين لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم {أن كان ذا مال وبنين. إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطيرالأولين} القلم: 14، 15 وما جاء فى قوم لوط ومن يكرهون فتياتهم على البغاء لابتغاء عرض الحياة الدنيا.
ج - وإذا كان من وسائل التحكم فى نوع،الجنين التعقيم النهائى الذى لا يكون بعده إنجاب كان ذلك محرما، لأن فيه تعطيلا لقوة لازمة لعمارة الكون، وتظهر فيه المعارضة لحكم الله وتقديره، ومن أجل ذلك. منع الحديث الذى رواه البخارى وغيره خصاء الرجال من الناس، وكذلك إذا كان التحكم فى جنس الجنين عن طريق إجهاض الحامل يكون محرما حتى فى أيام الحمل الأولى كما قال به كثير من الفقهاء فالخلاصة أن هذه المحاولات إن كان الغرض منها مشروعا، وكانت الوسائل مشروعة فلا مانع منها، وبغير ذلك تكون ممنوعة. السؤال التاسع - هناك طريقة حديثة أخرى تعتبر امتدادًا للطريقة السابقة وتأكيدًا لاحتمالاتها، ويجرى ذلك بتلقيح عدة بويضات من الزوجة بحيوانات منوية من الزوج، وتترك هذه فترة لتوالد الخلايا، ثم تؤخذ عينة منها وتحلل مكوناتها للتعرف على الكروموسومات، وبذلك يتعرف الطبيب على مواصفات الجنين فى هذه المرحلة المبكرة، وما إذا كانت ذكرا أو أنثى، ثم يوضع الجنين المطلوب فى رحم الزوجة لتحمل وتلد، وتترك الأجنَّة الأخرى فتموت، فهل يعتبر هذا إجهاضا لتلك الأجنة الأخيرة، رغم أن عمرها يكون عدة ساعات فقط؟ والجواب: عرَّف العلماء الإجهاض بأنه إنزال الجنين من بطن أمه قبل تمام نموه الطبيعى، وما دامت هذه البويضات الملقحة لم تكن فى بطن المرأة فلا يصدق على التخلص منها معنى الإجهاض، وقد جاء ذلك مصرحا به فى بعض أقوالهم ومع ذلك تدخل هذه العملية فى حكم العملية المذكورة فى السؤال السابق، وهو النظر إلى الغاية والوسيلة
(10/52)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 9:03 am

التسمية بأسماء عزيز وكريم وسيد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس: إن تسمية الولد باسم عزيز أو كريم أو سيد حرام، لأن هذه الأسماء من أسماء الله تعالى، فهل هذا صحيح؟

الجواب
جاء فى تفسير القرطبى"ج 4 ص 77" عند شرح قوله تعالى عن يحيى {وسيدا} أن فى ذلك دلالة على جواز تسمية الإنسان "سيدا" كما يجوز أن يسمى: عزيزا أو كريما، وذكر ما قلناه فى صفحة 163 من المجلد الأول من بيان عدم حرمة قولنا "سيدنا محمد" لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبنى قريظة فى استقبال سعد بن معاذ "قوموا إلى سيدكم " وقال عن الحسن - كما رواه البخارى ومسلم "إن ابنى هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ".
وكره العلماء التسمية بهذه الأسماء إذا كانت معرفة بأل مثل:
العزيز - الكريم - السيد
(10/53)
________________________________________
الطلاق فى بلد لا تعترف به

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تزوجت امرأة زواجا شرعيا لكنه لم يسجل حسب القوانين المعمول بها فى بلد، لعدم اعترافه به، وقد ظهر للمرأة أن استمرار هذا الزواج فى غير صالحها، ولهذا تترك زوجها وتسافر للإقامة فى بلد آخر فما هى الطريقة لتخليص نفسها من الزوج الذى لا يرضى أن يطلقها ولو عن طريق الخلع، ويقصد بذلك إضرارها حتى لا تتزوج من غيره؟

الجواب
إذا كان الزوج موفيا لها بحقوقها من النفقة والإعفاف فحرام عليها أن تتركه وتسافر بدون إذن، وعليها أن توسِّط أهل الخير ليطلقها إن أرادت ذلك.
أما إذا قصَّر فى الإنفاق عليها فلها أن ترفع الأمر إلى القضاء لتطلب التطليق، وحيث إن دعواها لا تسمع لعدم توثيق الزواج فلها أن ترفع أمرها إلى جهة دينية معترف بها لتتولى بحث الموضوع، وبعد التأكد من صحة الدعوى وامتناع الزوج عن الإنفاق بعد محاولة التوفيق تطلقها هذه الجهة طلقة واحدة رجعية على مذهب الإمام أحمد.
وإذا كان التقصير فى إعفافها ومضى على ذلك أربعة أشهر اعتبر الامتناع بمثابة الإيلاء عند مالك وأحمد، فيطالب من الجهة الدينية بالعودة إلى إعفافها أو تطليقها طلقة بائنة، وإذا امتنع عنهما انفسخ النكاح بدون أية إجراءات على مذهب الإمام أبى حنيفة ولا مخلص إلا ذلك منعا للضرر.
ونحذر من تريد الزواج من رجل زواجا عرفيا غير موثق أن تقع فى مثل هذا المأزق ولهذا ننصحها، -إن تحتم الزواج العرفى -أن تشترط أن تكون عصمتها بيدها على ما رآه الإمام أبو حنيفة، حتى إذا لم توفق فى هذا الزواج أمكنها أن تطلق نفسها منه بدون اللجوء الى القضاء، لأنه لا يسمع دعواها، وبدون لجوء إلى لجنة وغيرها.
تنبيه: الإجابة على السؤال تمت بعد بحث الموضوع مع فضيلة الشيخ عبد الله المشد رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فى تاريخ نشرها بمجلة منبر الإسلام عدد ذى الحجة 1403 هـ
(10/54)
________________________________________
عدة الزوجة التى أسلمت

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
زوجة اعتنقت الإسلام وحصلت على حكم بالطلاق فكيف تحتسب عدتها؟

الجواب
الزوجة التى أشهرت إسلامها ولم يسلم زوجها وحكم القاضى بطلاقها تحسب عدتها من وقت الحكم لا من وقت إسلامها، ذلك لأن امتناع الزوج عن الإسلام يعتبر نوعا من أنواع الفراق التى تتوقف على القضاء كما هو فى مذهب أبى حنيفة، الذى أخذ منه قانون الأحوال الشخصية فى مصر"الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج ص 241" ولو أسلم الزوج قبل أن تنتهى عدتها من وقت إسلامها تبقى هى على ذمته، وهناك جماعة تقول: لا تعتبر العدة أجلا مضروبا لإسلامه أو عدم إسلامه، فلا يحكم بالطلاق إلا إذا حكم القاضى بذلك مهما طال الفصل بين إسلامها وحكم القاضى.
والموضوع مبسوط فى "زاد المعاد لابن القيم ج 4 ص 13 "
(10/55)
________________________________________
الذهب للنساء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الحديث ما يقال "من أحب أن يحلِّق حبيبته بحلقة من نار فليحلقها حلقة من ذهب، ومن أحب أن يطوق حبيبته طوقا من نار فليطوقها طوقا من ذهب، ومن أحب أن يسور حبيبته سوارا من نار فليسورها سوارا من ذهب، ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها، العبوا بها" لأننى سمعت بعض العلماء يحرم الذهب على النساء؟

الجواب
هذا الحديث ذكره الحافظ المنذرى "الترغيب والترهيب " بلفظ "حبيبة" وليس "حبيبته " ورواه أبو داود بإسناد صحيح، قال المنذرى:
الأحاديث التى ورد فيها الوعيد على تحلى النساء بالذهب تحتمل وجوها من التأويل:
أحدها: أنه منسوخ فإنه قد ثبت إباحة تحلى النساء بالذهب، والثانى: أن هذا فى حق من لا يؤدى زكاته دون من أداها، كما نص عليه الحديث، والثالث: أنه فى حق من تزينت به وأظهرته. انتهى.
وإذا كان الذهب محرما على الرجال فهل يجوز لهم أن يلبسوه الأولاد الصغار غير المكلفين؟ قيل: يحرم، لأن الحديث فى حق من يلبس الأولاد، فقد ورد بلفظ "من أحب أن يسور ولده بسوار من نار فليسوره سوارا من ذهب، ولكن الفضة العبوا بها كيف شئتم " رواه أحمد وأبو داود. وقيل: لا يحرم لأنهم غير مكلفين، "نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 86".
هذا، وأرجو ألا يتعجل بعض الناس فى إصدار الحكم على شىء لمجرد أنهم قرءوا حديثا واحدا، ولم يستوعبوا ما ورد فى الموضوع وما تحدث به العلماء المختصون الذين اطلعوا على روايات متعددة وخلصوا منها إلى الحكم الصحيح
(10/56)
________________________________________
العلاج بين الجنسين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز أن يتولى علاج المرأة وتوليدها رجل أجنبى؟

الجواب
من القواعد الفقهية أن الضرورات تبيح المحظورات، ومعلوم أن المرأة لا يجوز لها أن تكشف عن شىء من جسمها لرجل أجنبى-فيما عدا الوجه والكفين على تفصيل فى ذلك - وبالتالى لا يجوز اللمس بدون حائل، أما عند الضرورة المصورة بعدم وجود زوج أو محرم أو امرأة مسلمة تقوم بذلك فلا مانع من النظر واللمس، مع مراعاة القاعدة الفقهية الأخرى وهى: أن الضرورة تقدر بقدرها.
ولهذا الاستثناء احتياطات وآداب نورد فيها بعض ما قاله العلماء.
جاء فى كتاب "الإقناع فى شرح متن أبى شجاع" للشيخ الخطيب فى فقه الشافعية "ج 2 ص 120" أن النظر للمداواة يجوز إلى المواضع التى يحتاج إليها فقط، لأن فى التحريم حينئذ حرجا، فللرجل مداواه المرأة وعكسه، وليكن ذلك بحضرة محرم أو زوج أو امرأة ثقة إن جوزنا خلوة أجنبى بامرأتين وهو الراجح، ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطى ذلك من امرأة، وعكسه كما صححه كما فى زيادة "الروضة" وألا يكون ذميًا مع وجود مسلم، وقياسه -كما قال الأذرعى- ألا تكون كافرة أجنبية مع وجود مسلمة على الأصح، ولو لم نجد لعلاج المرأة إلا كافرة ومسلما فالظاهر أن الكافرة تقدم، لأن نظرها ومسها أخف من الرجل، بل الأشبه عند الشيخين أنها تنظر منها ما يبدو عند المهنة، بخلاف الرجل. وقيد -فى الكافى- الطبيب بالأمين، فلا يعدل إلى غيره مع وجوده، ثم قال:
وشرط الماوردى أن يأمن الافتتان ولا يكشف إلا قدر الحاجة، وفى معنى ما ذكر نظر الخاتن إلى فرج من يختنه، ونظر القابلة إلى فرج التى تولدها. ويعتبر فى النظر إلى الوجه والكفين مطلق الحاجة، وفى غيرهما -ما عدا السوأتين- تأكدها، بأن يكون مما يبيح التيمم كشدة الضنا، وفى السوأتين مزيد تأكدها، بألا يعد التكشف بسببها هتكا للمروءة.
وفى حاشية عوض على شرح الخطيب المذكور ما يدل على أن المباح فى العلاج ما كان بالنظر، أما اللمس فيجوز عند الحاجة، وإلا فلا، وجاء فيها: رتب البلقينى المعالج فى المرأة بأن يقدم أولا المرأة المسلمة فى مسلمة، ثم صبى مسلم غير مراهق،ثم كافر غير مراهق، ثم مراهق مسلم، ثم مراهق كافر ثم المحرم المسلم، ثم المحرم الكافر، ثم الممسوح المسلم، ثم المرأة الكافرة، ثم الممسوح الكافر، ثم المسلم الأجنبى، ثم الكافر الأجنبى، والزوج مقدم على الكل. انتهى
(10/57)
________________________________________
صورة من الخلوة بين الجنسين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز ركوب امرأة أو مجموعة من النساء مع سائق أجنبى عنهم ليوصلهن إلى مكان قريب داخل المدينة أو فى سفر طويل؟

الجواب
الخلوة المنهى عنها والتى هى مظنة الغلط تكون باجتماع رجل مع امرأة أجنبية فى مكان واحد لا يراهما فيه أحد، أما الاجتماع فى الطريق والأماكن العامة كالأسواق ودور العلم ووسائل المواصلات فلا تتحقق به الخلوة المحرمة، وإن تحقق به محظور آخر، كالسفور والنظر إلى المفاتن والكلام اللين والملامسة ونحوها.
ومحصل ما قاله العلماء فى اجتماع الجنسين هو:
1- إذا كان الاجتماع ثنائيا، أى بين رجل وامرأة فقط، فإن كان الرجل، زوجا أو محرما جاز وإن كان أجنبيا حرم.
2 - وإذا كان الاجتماع ثلاثيا، فإما أن يكون بين امرأة ورجلين، وإما أن يكون بين امرأتين ورجل، فإن كان الأول جاز إن كان أحدهما زوجا أو محرما، وإلا حرم "النووى على مسلم ج 9 ص 159 " وإن كان الثانى فإن كانت إحداهما محرما جاز وإلا ففيه قولان، وقد ذكر النووى فى شرح المهذب والخطيب على متن أبى شجاع "ج 2 ص 120 " جواز الخلوة بامرأتين.
3-وإن كان الاجتماع رباعيا فأكثر فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إذا تساوى العدد فى الطرفين، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة، كمن دخلوا على زوجة أبى بكر الصديق أسماء بنت عميس وكان غائبا، وإلا حرم.
ويشترط فى المحرم الذى تجوز الخلوة بالأجنبى مع حضوره ألا يكون صغيرا لا يستحيا منه، كابن سنة أو سنتين، وقال بعض العلماء:
تجوز الخلوة بالأجنبية إذا كانت عجوزا لا تراد، ولكن مع الكراهة، أما الشابة مع كبير السن من غير أولى الإربة فقيل لا تجوز الخلوة به، وقيل:
تجوز مع الكراهة.
هذا ملخص ما قاله العلماء فى الخلوة ومنه يعرف أن السائق الذى يوصل امرأة واحدة إن كان فى طريق مكشوف والناس ينظرون فلا حرمة فى ذلك، وإن كان معه مجموعة من النساء فلا حرمة أيضا، أما الطريق الخالى من الناس كطرق الصحراء وغيرها فيحرم سفر امرأة واحدة مع سائق أجنبى، أما مع مجموعة فينظر التفصيل السابق. ومثل السائق المدرس الخصوصى للبنت والبنات، حتى لو كان يعلمهن القرآن الكريم
(10/58)
________________________________________
طلاق المكره

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تزوجت وأحسست بالراحة والتوفيق فى زواجى، ولكن والدى يرغمنى على طلاق زوجتى، مهددًا لى بعدم الرضا عنى وحرمانى من الميراث فماذا أفعل؟

الجواب
فى حديث حسَّنه النووى من رواية ابن ماجه وابن حبان يقول النبى صلى الله عليه وسلم "رُفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وفى رواية لأبى داود وابن ماجه "لا طلاق فى إغلاق" أى إكراه كما فسره علماء الغريب وروى سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم ابن سلام أن رجلا على عهد عمر تدلى بحبل ليجنى عسلا من خلية نحلٍ، فهددته زوجته بقطع الحبل ليسقط ميتا إن لم يطلقها، فطلقها لإنقاذ حياته، فلم يجعله عمر طلاقا لأنه مكروه.
بذلك قال جمهور الفقهاء خلافا لأبى حنيفة وأصحابه، فالله قد عفا عن النطق بكلمة الكفر ما دام القلب مطمئنا بالإيمان، والطلاق أخف من الكفر فالعفو عند الإكراه عليه أولى.
غير أن للإكراه شروطا منها أن يكون ظلما وبعقوبة عاجلة لا مستقبلة، وأن يكون المكره غالبا قادرا على تنفيذ التهديد، بولاية أو تغلب أو هجوم مثلا، وأن يكون المكره عاجزا عن دفع الإكراه بنحو هرب أو مقاومة أو استغاثة، وأن يغلب على ظنه وقوع ما هدَّد به إن لم يُطلِّق، وألا يظهر منه ما يدل على اختياره كأن أكره على التطليق منجزا فطلق معلقا.
ثم قال الفقهاء: إن المعفو عنه فى الإكراه هو التلفظ فقط بالطلاق فلو نواه بقلبه مع التلفظ وقع، لأن ذلك يدل على اختياره، وقالوا: إن أسلوب الإكراه يختلف بالأشخاص وما هُدِّد به، فهو يتحقق بالتهديد بكل ما يؤثر العاقل أن يُطلِّق ولا يقع ما هدَّد به، كالقتل والضرب الشديد والحبس الطويل وإتلاف المال الكثير ومثله الضرب اليسير والحبس القصير عند أهل المروءات، وإتلاف المال اليسير عند الفقير، وكذلك تهديد الوجيه بشتمه والتشهير به أمام الملأ كما قال الشافعية.
هذا، وليس من الإكراه المعفو عنه تهديد الوالد لولده بعدم الرضا عنه إن لم يطلق امرأته أو بحرمانه من الميراث مثلا، وليس من بر الوالدين طاعتهما فى ذلك إذا كان لأغراض شخصية لا تمس الخلق والدين، وعليه فأقول لصاحب السؤال: لا تطلق زوجتك لإكراه والدك لك بمثل ما جاء فى سؤالك، ولو طلقت وقع الطلاق. وأنصح الوالدين بالتخلى عن مثل هذه الأساليب التى تخرب البيوت فأبغض الحلال إلى الله الطلاق، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر بطاعة أبيه فى تطليق زوجته كما رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه، وقال الترمذى:
حسن صحيح. لكن رفعت مثل هذه القضية إلى الإمام أحمد بن حنبل فلم يأمر الولد بطلاق زوجته إرضاء لوالده قائلا، ليس كل الناس كعمر، لأن عمر كان ينظر إلى المصلحة الدينية، أما الدوافع الشخصية والدنيوية فلا تلزم الاستجابة لها ما دامت الناحية الدينية موفورة
(10/59)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 9:04 am

قص شعر المولود فى اليوم السابع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجب قص شعر المولود فى اليوم السابع من ولادته والتصدق بالفضة أو الذهب بما يساوى وزن الشعر الذى تم تقصيره؟

الجواب
يُسَنُّ -ولا يجب- حلق رأس المولود والتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، يستوى فى ذلك الذكر والأنثى، وذلك لحديث رواه البيهقى أن فاطمة رضى الله عنها وزنت شعر الحسن والحسين، وزينب وأم كلثوم رضى الله عنهم، فتصدقت بوزنه فضة "نيل الأوطار ج 5 ص 145".
وأما تلطيخ رأس المولود بدم الذبيحة التى يطلق عليها اسم العقيقة فباطل، لأن الدم أذى، والنبى صلى الله عليه وسلم قال "أميطوا الأذى" وكان المتبع عند العرب أن تستقبل أوداج الذبيحة بصوفة منها ثم توضع على يافوخ المولود حتى يسيل منها خيط الدم على رأسه، ثم يغسل بعد ذلك ويحلق.
وجاء فى بعض روايات الحديث "ويدمى" وقد طعن المحققون فى هذا الحديث من جهة الإسناد، أو من جهة تصحيف كلمة "يسمى" إلى "يدمى" ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب زاد المعاد ج 2 ص 3 وما بعدها"
(10/60)
________________________________________
عدة المسافرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا سافرت المطلقة إلى دولة يختلف توقيتها عن البلدة التى تم طلاقها فيها فكيف تحسب مدة العدة؟ وإذا ردها زوجها قبل إتمام العدة طبقا لتوقيت الدولة التى طلقت فيها وبفارق زمنى ساعة واحدة هل يعتبر عقد زواجها من شخص آخر باطلا؟

الجواب
مدة العدة لمن يأتيها الحيض هى ثلاثة قروء، وهذه لا دخل لاختلاف المواقت فيها أبدا، فقد تطول مدتها وقد تقصر.
أما إذا كانت العدة بالأشهر كاليائسة فهى ثلاثة أشهر قمرية، أى نحو تسعين يوما إذا كانت الأشهر كاملة العدد، أى ثلاثين يوما لكل شهر، لكنها قد تكون تسعة وعشرين يوما فى بعض الأشهر.
وهذه الأشهر أيضا قد تختلف باختلاف الأماكن حسب ظهور الهلال، ومعلوم أن كل يوم من الشهر مدته أربع وعشرون ساعة، سواء كان الليل أطول من النهار أو العكس.
وعلى هذا لا يظهر معنى لما جاء فى السؤال، اللهم إلا إذا كان يحسب الزمن مثلا بأن بدء الحيضة أو بدء الطهر منها -على الخلاف فى تفسير القرء- كان فى الساعة العاشرة صباحا فى بلدة، أى قبل وقت الظهر بنحو ساعتين، وعندما يسافر إلى بلد شرقى يحين وقت الظهر فيها قبل وقت الظهر فى بلده الأصلى -بحكم الفرق فى التوقيت - هذه المسألة تشبه مسألة الصيام، هل يفطر الإنسان على توقيت بلده الأصلى أو على توقيت البلد الذى سافر إليه؟ والصحيح أنه يأخذ بتوقيت المكان الذى غربت فيه الشمس فيفطر عند غروبها فيه حتى لو كان قبل غروبها فى بلده أو بعد غروبها فيه إن سافر إلى الغرب وقد يعمل بهذا فى المسألة التى معنا، لكن الأولى الاحتياط للأبضاع، وبخاصة أن الفرق ساعة أو ساعات قليلة لا يصعب انتظاره
(10/61)
________________________________________
صيغة علىَّ الطلاق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يكثر على ألسنة الناس قولهم علىَّ الطلاق، فهل يقع الطلاق بهذه الصيغة؟

الجواب
قال العلماء: إن هذه الصيغة وهى: علىَّ الطلاق أو يلزمنى الطلاق، تعتبر يمين طلاق يقصد به إثبات شىء أو نفيه، أو الحث على فعل شىء أو تركه، كقول القائل: علىَّ الطلاق أو يلزمنى الطلاق إن كان إبراهيم قد حضر أمس، أو: علىَّ الطلاق لأفعلن كذا أو أتركن كذا. وقد أفتى بعض الحنفية كأبى السعود بعدم وقوع الطلاق بمثل هذه الصيغة، اعتمادا منه على أن شرط صحة الطلاق أن يكون مضافا إلى المرأة أو إلى جزء شائع منها، وهذا اللفظ لا إضافة فيه إليها، فهو ليس من صريح الطلاق ولا من كنايته، فلا يقع به الطلاق.
ويرى المحققون من الحنفية أن مثل هذا الطلاق واقع، لاشتهاره فى معنى التطليق وجريان العرف بذلك، والأيمان مبنية على العرف، وهو وإن كان بصورة ظاهرة فى اليمين إلا أن المتبادر منه أنه تعليق فى المعنى على فعل المحلوف عليه وإن لم يكن فيه أداة تعليق صريحة. ويرى الإمام على وشريح وعطاء والحكم بن عيينة وداود الظاهرى والقفال من الشافعية وابن حزم - أن تعليقات الطلاق لاغية، وصح عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس أنه قال فيها: إنها من خطوات الشيطان لا يلزم بها شىء، وروى عن طاووس أنه قال: ليس الحلف بالطلاق شيئا والشافعية يقيدون هذا من صيغ الطلاق ويوقعونه بها.
والعمل الآن فى المحاكم المصرية حسب القانون رقم 25 لسنة 1929م - كما تنص عليه المادة الثانية منه- على أن الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شىء أو تركه لا غير لا يقع. وقد سبق فى ص 279 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى توضيح ذلك فيرجع إليه
(10/62)
________________________________________
زواج الصغيرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى بعض البلاد يزوجون البنات وهن صغيرات غير بالغات، سواء أكان القانون يمنع أو يجيز فما حكم موافقة البنت على تزويج وليها لها؟

الجواب
من المعلوم أن عقد الزواج يشترط فى صحته تمييز المتعاقدين، فإن كان أحدهما مجنونا أو صغيرا لا يميز فإن الزواج لا ينعقد، وهنا يكون للولى الحق فى عقد الزواج، فالصغيرة إن كانت مميزة لابد من استئذانها وموافقتها، أما إن كانت غير مميزة فإنه يجوز للأب والجد تزويجها بغير إذنها، لأن الغالب أنهما يرعيانها ويريدان لها الخير، وقد زوج أبو بكر الصديق رضى الله عنه ابنته عائشة من الرسول صلى الله عليه وسلم وهى صغيرة دون إذنها، حيث لم تكن فى سن يعتبر فيها إذنها، وليس لها الخيار إذا بلغت، فكان سنُّها ست سنوات.
ومن أجل هذا استحب الشافعية ألا يزوجها الأب أو الجد حتى تبلغ ويستأذنها، ولا يجوز لغير الأب والجد أن يزوج الصغيرة كما رآه الجمهور، فإن زوجها لم يصح الزواج، لكن أبا حنيفة وجماعة من السلف أجازوا لجميع الأولياء وقالوا بصحة الزواج، ولها الخيار إذا بلغت، وذلك لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم زوَّج أمامة بنت حمزة - وهى صغيرة- وجعل لها الخيار إذا بلغت، وهو لم يزوجها بوصفه نبيا، بل لأنها قريبته وهو وليها لأنها بنت عمه، ولو زوجها بوصفه نبيا لم يكن لها الخيار، كما قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} الأحزاب: 36 وقال بهذا الرأى عمر وعلى وابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة.
أما الكبيرة فلا يجوز إكراهها على الزواج كما تقدم توضيحه فى صفحة 593 من المجلد الأول من هذه الفتاوى
(10/63)
________________________________________
التعامل مع المطلقة رجعيا

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
طلقت زوجتى طلقة أولى رجعية وفى أثناء قضائها للعدة فى المنزل كانت تعاملنى كزوج في عدم تحجبها منى، وخدمتها لى، فهل هذا حرام؟

الجواب
الإجابة على هذا السؤال مبنية على الخلاف فى أن الطلاق الرجعى يرفع عقد الزواج أو لا يرفعه، يقول الجمهور: إن الطلاق الرجعى لا يمنع الاستمتاع بالمطلقة، ولا تترتب عليه آثاره ما دامت المطلقة فى العدة، فهو لا يمنع استمتاعه بها، وإذا مات أحدهما ورثه الآخر، والنفقة عليها واجبة، ويلحقها الطلاق والظهار والإِيلاء، وله الحق أن يراجعها دون رضاها، كما لا يشترط الإشهاد على الرجعة وإن كان مستحبا، وهى تحصل بالقول مثل: راجعتك، وبالفعل مثل الجماع والقبلة واللمس.
والإمام الشافعى يرى أن الطلاق الرجعى يزيل للنكاح، ولا بد لرجوعها أثناء العدة من القول الصريح،ولا يصح بالوطء ودواعيه. ويشترط ابن حزم مع ذلك الإشهاد لقوله تعالى {وأشهدوا ذوى عدل منكم} الطلاق: 2.
ومن هنا يجوز على رأى الجمهور أن تتزين المطلقة الرجعية لزوجها وتتطيب له وتلبس الحلى وتضع الكحل، لكن لا يدخل عليها إلا أن تعلم بدخوله بقول أو حركة كالتنحنح مثلا.
والشافعى قال: هى محرمة عليه تحريما قاطعا كالأجنبية تماما، وقال مالك: لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلا بإذنها ولا ينظر إلى شعرها، ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معها غيرها، وقيل: إنه رجع عن القول بإباحة الأكل معه.
وقد قلنا فى أكثر من موضع: إن الأمر إذا كان فيه خلاف، فللإنسان أن يأخذ بما شاء من الآراء حسب الظروف التى تحقق المصلحة
(10/64)
________________________________________
خروج المعتدة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
طلقنى زوجا طلاقا بائنا ولزمت البيت فى العدة وأنا أعمل لكسب عيشى فهل أنقطع عنه، ومن أين آكل إذا لم أخرج؟

الجواب
سبق فى صفحة 337- من المجلد الثالث من هذه الفتاوى الكلام عن المكان الذى تعتد فيه المطلقة والمتوفى عنها زوجها، وحكم خروجها من مكان العدة، ولزيادة الإِيضاح أقول بالنسبة إلى خروجها من المنزل:
يقول الله تعالى: {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا} الطلاق: 1 اختلف الفقهاء فى خروج المعتدة من المكان الذى تعتد فيه، فذهب الأحناف إلى أنه لا يجوز للمطلقة الرجعية ولا البائن أن تخرج من بيتها ليلا ولا نهارا، أما المتوفى عنها زوجها فتخرج نهارا وبعض الليل، ولكن لا تبيت إلا فى بيتها. والفرق بينهما أن المطلقة نفقتها فى مال زوجها فلا يجوز لها الخروج كالزوجة، بخلاف المتوفى عنها زوجها فإنها لا نفقه لها، فلا بد أن تخرج بالنهار لكسب عيشها وقضاء مصالحها. وكانت عائشة رضى الله عنها تفُتى المتوفى عنها زوجها بالخروج فى عدتها، وخرجت بأختها أم كلثوم حين قتل عنها طلحة بن عبيد الله لعمل عمرة.
وذهب الشافعية إلى عدم خروج المطلقة رجعيا لا ليلا ولا نهارا. أما المبتوتة فتخرج نهارا فقط، وذهب المالكية إلى جواز خروج المطلقة بالنهار سواء أكان الطلاق رجعيا أم بائنا، فقد روى مسلم عن جابر أن خالته لما طلقت وأرادت أن تخرج لتقطع ثمر نخلها زجرها رجل، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال " بلى، فجذى نخلك فإنك عسى أن تصدقى أو تفعلى معروفا " وكان طلاقها ثلاثا.
والحنابلة أجازوا خروجها نهارا، سواء أكان الطلاق رجعيا أم بائنا. أما المتوفى عنها زوجها فلها الخروج نهارا فقط. فعندما استشهد رجال يوم أحد جاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال " تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها " وليس لها المبيت فى غير بيتها ولا الخروج ليلا إلا للضرورة، لأن الليل مظنة الفساد.
وأقول لصاحبة السؤال: ما دام الطلاق بائنا فلك الخروج بالنهار أثناء العدة على أن يكون المبيت بالمنزل، وذلك على رأى الجمهور
(10/65)
________________________________________
دية المرأة والكتابى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا قتلت امرأة هل تكون ديتها كدية الرجل أو على النصف من ديته كالميراث وما هى دية الكتابى؟

الجواب
ذهب أكثر العلماء إلى أن دية المرأة إذا قتلت تكون على النصف من دية الرجل، فقد روى ذلك عن عمر وعلى وابن مسعود وزيد بن ثابت رضى الله عنهم أجمعين، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد فيكون إجماعا، وذلك قياسا على نصيبها فى الميراث، وعلى شهادتها فهى على النصف من نصيب الرجل وشهادته، وليس فى ذلك نص فى القرآن أو السنة الصحيحة.
أما دية الكتابى وهو اليهودى والنصرانى فهى عند أبى حنيفة كدية المسلم لقول الله تعالى: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلَّمة إلى أهله وتحرير رقبة} النساء: 92 قال الزهرى: كانت كذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة، حتى كان معاوية فجعلها على النصف يعطى له، ويوضع النصف الثانى فى بيت المال، ولما جاء عمر بن عبد العزيز ألغى النصف الذى يوضع فى بيت المال.
وديته عند مالك على النصف عن دية المسلم، أما الشافعى فقال: إنها على الثلث ونساء أهل الكتاب ديتهن على النصف من دية الرجل منهم، وقال أحمد بن حنبل فى رواية عنه: دية الذمى مثل دية المسلم إن قتل عمدا، وإلا فنصف دية، والأدلة والمناقشة يرجع إليها فى " نيل الأوطار للشوكانى ج 7 ص 68 - 72"
(10/66)
________________________________________
سن الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك سن محددة لصحة عقد الزواج، ولماذا قررت بعض الدول سنَّا معينة لذلك؟

الجواب
ذكرت فى ص 357 من الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإِسلام أن التشريعات القديمة لم تهتم بتحديد سن للزواج، حتى جاء فى أوروبا "جوستنيان" فحدده باثنتى عشرة سنة للبنت وبأربع عشرة للولد، وإن كان ذلك لم يحترم بعد دخول النصرانية أوروبا، كما حدث فى زواج مارى ستيوارت بهنرى الثامن وسنها ست سنوات.
والزواج المبكر كان منتشرا فى بعض البلاد الشرقية وما تزال صورته فى العصر الحديث كالهند التى تزوج الأجنة فى البطون، بناء على فلسفة دينية فيها أن مجرد اسم الابن يخلص أباه من جهنم ثم انتهى الأمر عندهم إلى تحديده.
ومجاراة لسنة التطور لجأت الدول إلى وضع سن محددة للزواج، وإن كان الناس يتحايلون على عدم احترام ذلك بطرق شتى.
والإِسلام لم يضع سنًّا محددة للزواج، وإنما وضع حدًّا للتكليف بوجه عام. وهو البلوغ إما بالعلامة الطبيعية أو بمرور خمس عشرة سنة قمرية، وللظروف أثرها فى العلامة الطبيعية، غير أن هذه السن لم يجعلها الإِسلام أساسا لصحة العقد، فقد أجازه قبل ذلك عن طريق أولياء الأمور.
وعلى الرغم من عدم تحديد سن الزواج فيستحسن أن يبكر به بأن يكون فى أوائل سنوات البلوغ حيث يكون نضج الفتى والفتاة، وذلك لعصمتهما من الانحراف، ومع ذلك فى التبكير الشديد إرهاق بالتكاليف التى تحتاج إلى عقل ورشد، ومن هنا أرى أن قيام بعض الحكومات بتحديد سن الزواج فيه خير، على أن يراعى فى التحديد كل الظروف، وتجب طاعة أولى الأمر فى تنفيذ القوانين والقرارات ما دامت فيها مصلحة، فالله يقول: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء: 59
(10/67)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 9:05 am

صلاة المرأة على الجنازة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للمرأة أن تصلى على الجنازة؟

الجواب
نعم يجوز، حيث لا يوجد دليل بمنعها بل أقرها الصحابة حيث صلت النساء على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى الرجال عليه، والروايات ضعيفة، ولكن لم يثبت أن النساء مُنعن من الصلاة عليه وقد أمرت عائشة -رضى الله عنها- أن يؤتى بسعد بن أبى وقاص لتصلى عليه، وذكر ابن الأثير فى أسد الغابة فى ترجمته أن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم صلين عليه.
وقال النووى: ينبغى أن تسن لهن الجماعة كما تسن فى غيرها، وبه قال الحسن بن صالح وسفيان الثورى وأحمد والأحناف، وقال مالك: يصلين فرادى.
فالمهم أنه لا مانع من صلاة المرأة على الجنازة وذلك باتفاق الأئمة
(10/68)
________________________________________
العداوة فى الأسرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نريد تفسير قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} وكيف يتناسب ذلك مع ما ورد فى الزواج من سكن ومودة ورحمة؟

الجواب
الأسرة تقوم على الزوج والزوجة والأولاد، وهى إذا أحسن توجيهها حققت السكن والمودة والرحمة، لكن ليست كل الأسر تستطيع الالتزام بتوجيهات الدين، ومن هنا يأتى القلق والبغض والقسوة، وتكون المساءلة الشديدة أمام الله سبحانه، ولذلك أوصى الإِسلام ببناء الأسرة على أسس القيم الرفيعة الموجودة فى الرجل والمرأة، فتُختار المرأة ذات الدين والخُلق، ويُختار الرجل ذو الدين والأمانة كما جاء فى السنة النبوية.
وإذا وجب على الأسرة أن تتعاون لتحقيق أهدافها فكيف تكون العداوة أو من أين تأتى؟ إن الآية الكريمة تبين أن بعض الأزواج -الزوجات- وبعض الأولاد قد يكونون أعداء للزوج والوالد، وليس الكل أعداء، وإلا ما كانت هناك حاجة إلى الزواج، ولذلك عبرت الآية بلفظ " مِنْ " التى تفيد التبعيض.
والعداوة تأتى من مخالفة الوصية بحسن المعاشرة، وعدم التزام أفراد الأسرة بالواجبات المفروضة عليها، والاهتمام بالحقوق أكثر من الواجبات، قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف} النساء: 19 وقال: {ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} البقرة: 228 وقال {الرجال قوَّامون على النساء بما فضًل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء: 34 وقال: {وبالوالدين إحسانا} الإِسراء: 23 إلى غير ذلك من النصوص التى تبين الحقوق والواجبات.
جاء فى سبب نزول الآية التى فى السؤال أن بعض الرجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فى المدينة، فأبى أزواجهم وأولادهم، فلما أتوا النبى صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس قد تفقهوا فى الدين همُّوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم، رواه الترمذى بسند حسن صحيح فنزلت الآية ولذلك جاء فى آخر الأية {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} والعفو هو ترك المؤاخذة بالذنب، والصفح هو إزالة أثره من النفس، يقال: صفح عنه أعرض عن ذنبه، وضرب عنه صفحا أى أعرض عنه وتركه، والغفر هو الستر.
وقيل: نزلت فى عوف بن مالك الأشجعى، كان إذا أراد الغزو بكت الزوجة والأولاد ورققوه قائلين: إلى من تتركنا؟ فيرق لهم. وفى حديث ضعيف "يكون هلاك الرجل على يد زوجته وأولاده، يعيّرونه بالفقر فيركب الصعب من أجلهم".
ومن جهاد الزوج لهم ما فى البخارى أن الشيطان قعد لابن آدم -وسْوس أو أغرى زوجته وأولاده ليقولوا له- فى طريق الإيمان فقال: أتؤمن بالله وتذر دينك ودين آبائك؟ فخالفه فآمن، فقعد له فى طريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر مالك وأهلك؟ فخالفه فهاجر، فقعد له فى طريق الجهاد فقال: أتجاهد فتقتل نفسك وتنكح زوجاتك ويقسم مالك؟ فخالفه وجاهد، فحق على الله أن يدخله الجنة وفي الحديث "الأولاد مَجبنة مبخلة" أو " مُجَبِّنَةٌ مُبَخِّلةٌ" رواه البغوى. وأخرج الترمذى عن خولة بنت حكيم قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو مُختَضِنٌ أحد ابني بنته وهو يقول "إنكم لتبخِّلون وتجبِّنون وتجهلون، وإنكم لمن ريحان الله ". أى تحملون على البخل على غيركم إيثارا لكم، وتحملون على الجبن والقعود عن الجهاد، وتحملون على الاعتداء على غيركم دفاعا عنكم.
والموضوع مبسوط فى كتابنا "تربية الأولاد فى الإِسلام" وفى هذا القدر كفاية
(10/69)
________________________________________
شهادة المرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس: إن الإسلام لم ينصف المرأة بمساواتها للرجل فى الشهادة حيث جعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل، فكيف نرد عليهم؟

الجواب
يقول الله سبحانه {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} البقرة: 282.
وأبادر فأقول: إن مساواة المرأة بالرجل ليست على إطلاقها فى أى دين من الأديان، بل ولا فى الشرائع المنصفة العاقلة، فذلك أمر مستحيل لاختلاف النوعين فى التكوين والاستعداد، وهو صنع الله سبحانه لإمكان تحقيق الإنسان للخلافة فى الأرض، وهو يعلم المصلحة، ولا نعلم نحن ما يعلمه الله سبحانه.
وفى موضوع الشهادة قررت الآية السبب فى كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل وهو تعرضها للنسيان كثيرا عند تحمل الشهادة وعند أدائها، ولا بد من التسليم بما قاله القرآن فى ذلك، وقد أثبت العلم أو أكد صحة هذا السبب، وشرحه الدكتور السيد الجميلى "مجلة الأزهر عدد ربيع الأول 1415 هـ " حيث تحدث عن مرض "الهستريا" الذى يكثر عند النساء، ومن مظاهره سرعة الانفعال والتحول من حال إلى حال قد يكون على النقيض، وقد يفضى إلى الانفصام، وكان القدماء يرون أن سمات هذه الهستريا لصيقة بالنساء لا تزايلهن، لكن الواقع يؤكد إصابة الرجل بها أيضا لكن فى أضيق الحدود.
ولما كان للشهادة قيمتها فى إثبات الحقوق احتاط لها الشارع منعا للظلم وإقرارًا للعدل، وقرر الفقهاء فى هذا الخصوص أن لشهادة المرأة مجالات.
1 -ففى مجال الأمور الخاصة بالنساء والتى لا يطَّلع عليها الرجال فى الغالب كالولادة والبكارة تقبل شهادة المرأة ولا حاجة إلى شهادة الرجل معها، وروى فى ذلك حديث "شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه " وهذا لا يمنع قبول شهادة الرجال، كالأطباء الممارسين لأعمال التوليد والجراحة، سواء أكانوا منفردين أم كان معهم نساء ومع قبول المرأة فى هذا المجال اختلف الفقهاء فى العدد اللازم لاعتمادها، فقيل: تكفى شهادة امرأة واحدة، وقيل: لا يكفى أقل من اثنتين إلا فى حالتين خاصتين وهما: استهلال المولود للحياة، وحالة الرضاع.
وقيل: لا بد من شهادة أربع من النساء إلا فى حالة الرضاع فتكفى شهادة امرأة واحدة.
2 - فى مجال الأمور المتصلة بالأسرة كالزواج، رأى جمهور الفقهاء عدم قبول شهادة المرأة، بل لابد من رجلين على الأقل، كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} المائدة: 106 وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل " رواه ابن حبان فى صحيحه، وأجاز الحنفية شهادة رجل وامرأتين قياسا لشئون الأسرة على الشئون المالية.
3-وفى مجال المعاملات المالية نصت آية الدَّين على قبول شهادة المرأة مع الرجل، وهى مذكورة فى أول الإجابة، والتعليل كما سبق ذكره ليس فيه إهانة للمرأة، بل هو تقرير للحقيقة من أجل الحفاظ على الحقوق، وذلك هو الغالب فى النساء بالفطرة.
4 - وفى مجال الحدود والقصاص ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم قبول شهادتها فيها، وذلك لخطورتها، حيث تدرأ الحدود بالشبهات، وتقر القوانين أن الشك يفسر لصالح المتهم، وقد تحملها رقتها فى هذا المجال على التغيير لصالح المتهم، وأجاز ابن حزم شهادة النساء منفردات فى هذا المجال عدا حد الزنا "ملخص من مقال الدكتور عبد السميع أبو الخير فى المجلة المذكورة ".
ومن أراد الاستزادة فليرجع إليها لتوضيح الرأى الطبى والفقهى
(10/70)
________________________________________
الرضاع من ميتة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما الحكم لو رضع طفل من امرأة ميتة، هل يثبت به التحريم أو لا يثبت

الجواب
معلوم أن الرضاع فى الحولين يثبت حرمة بين الطفل وبين من رضع منها، وتمتد الحرمة إلى من يتصل بها على قاعدة " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " مع الخلاف فى عدد الرضعات التى تسبب التحريم، والوسيلة التى وصل بها اللبن إلى جوف الطفل.
والرضاع من المرأة الميتة، إما أن يكون بعد موتها، بأن يؤخذ منها اللبن أو يرضع منها الطفل وهى ميتة، وإما أن يكون اللبن قد أخذ منها قبل موتها ثم رضعه الطفل بعد أن ماتت، ففى الحالة الأولى يقول جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والحنابلة - وأهل الظاهر: يقع التحريم برضاع اللبن المأخوذ من المرأة الميتة، لأن المقصود من اللبن التغذى وقد حصل، يستوى فى ذلك أن تكون المرضع حية أو ميتة، وأما الشافعية فيرون أن هذا الرضاع لا يثبت التحريم، لأن اللبن من جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة " الخطيب ج 2 ص 183 والمغنى ج 9 ص 198 ".
وفى الحالة الثانية التى حلب فيها اللبن وهى حية ثم شربه الطفل بعد موتها، فالجميع متفقون على أنه يثبت التحريم
(10/71)
________________________________________
مدة الرضاع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم من يرضع وسنه أكبر من سنتين، هل يثبت التحريم برضاعه؟

الجواب
اتفق الفقهاء على أن الرضاع المثبت للتحريم يكون فى مدة الرضاع ولو رضع بعد ذلك لا يثبت برضاعه تحريم، ولم يخالف أحد من العلماء فى ذلك، لكن جاء أن السيدة عائشة رضى الله عنها تثبت به التحريم وتبعها داود الظاهرى وابن حزم فى ذلك.
وما هى مدة الرضاع التى يثبت التحريم فى أثنائها؟ الاتفاق بين الأئمة على أن الرضاع فى الحولين يثبت التحريم، إذا كان الطفل لم يفطم أما إذا فطم فى أثناء الحولين، ورضع قبل انتهائهما، أو رضع بعد الحولين، أو رضع وهو كبير ففيه خلاف.
أما رضاع الكبير الذى جاوز ثلاثين شهرا فالكل متفق على أنه لا يثبت به تحريم وخالف فى ذلك أهل الظاهر كما سبق ذكره، فإن لم يجاوز الثلاثين شهرا ورضع ثبت برضاعه التحريم حتى لو فطم قبل الرضاع على رأى أبي حنيفة، لأن المدة عنده ثلاثون شهرا بناء على قوله تعالى {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} الأحقاف:15 حيث فسر الحمل بالحمل باليد وفى الحجر، وليس حمل الجنين فى البطن، وأما قوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} البقرة: 233 فمحله عند تنازع الوالدين على أجرة الرضاع عند الطلاق، وقال بعض الأحناف: إن المدة ثلاثة أعوام وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبى حنيفة قالا: المدة حولان تكمل ثلاثين شهرا مع مدة الحمل وهى ستة أشهر، ويقال: إن أبا حنيفة رجع عن قوله ليطابق قول الصاحبين وقول سائر الأئمة فى أن من جاوز الحولين لا يثبت برضاعه تحريم.
وأجابوا عن رأى عائشة الذى تابعها فيه داود وابن حزم بأنه منسوخ بحديث " لا رضاع إلا ما كان فى الحولين " رواه الدارقطنى.
والمالكية زادوا على الحولين شهرا أو شهرين ما دام الطفل يعتمد على الرضاعة، أو يتناول معه شيئا يضره الاقتصار عليه، ولو فطم يوما أو يومين ثم عاد إلى الرضاعة يثبت التحريم. والشافعية جعلوا المدة حولين قمريين وكذلك قال الحنابلة وذكر الشوكانى " نيل الأوطارج 6 ص 333" تسعة أقوال فى تقدير المدة يرجع إليها من شاء.
وأما رأى الظاهرية وابن حزم فمعتمد على حديث رواه مسلم وأحمد أن أم المؤمنين أم سلمة قالت لعائشة رضى الله عنهما: إنه يدخل.
عليك الغلام الأيفع - المقارب للبلوغ - الذى ما أحب أن يدخل علىَّ، فقالت عائشة: أما لك فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟ وقالت:إن امرأة أبى حذيفة قالت: يا رسول الله إن سالما يدخل علىَّ وهو رجل، وفى نفس أبى حذيفة منه شىء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرضعيه حتى يدخل عليك " وفى رواية عن أم سلمة أنها قالت: أبَى سائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا. ولم يأخذوا بخصوصية ذلك لسالم مولى أبى حذيفة، فهو رأى وليس حديثا لكن الجمهور قال: إن هذه خَصوصية، والحكم العام هو عدم تحريم رضاع الكبير، والشوكانى فى نيل الأوطار: "ج 6 ص 332" تحمس لرأى ابن حزم وقال: إنه مذهب على بن أبى طالب
(10/72)
________________________________________
الطلاق السنى والبدعى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو الطلاق السنى والطلاق البدعى. وما معنى الطلاق البائن؟

الجواب
الطلاق السنى فى عرف الفقهاء هو طلاق المرأة فى غير طهر جامعها فيه وليست حاملا ولا آيسة ولا صغيرة، والطلاق البدعى هو طلاق المرأة المد خول بها فى الحيض أو فى النفاس أو فى طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها.
والطلاق البدعى وإن كان مكروها أو محرما يقع على رأى جمهور الفقهاء، وقد صح أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما طلق زوجته وهى حائض، فسأل عمر الرسول عن ذلك فقال " مُرهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يجامع ".
وللعلماء كلام طويل حول هذا الحديث، رأى بعضهم أن الطلاق وقع لأن الرسول أمره بمراجعتها، والمراجعة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق، ورأى بعضهم عدم وقوعه. ويمكن الرجوع إلى توضيح ذلك فى كتاب " زاد المعاد " لابن القيم.
هذا، والطلاق البائن نوعان، الأول بائن بينونة صغرى، وهو ما كان قبل الدخول، أو كان بعده وطلقها على عوض وهو الخلع، أو طلقها طلاقا رجعيا للمرة الأولى أو الثانية ثم انتهت عدتها. وهذا النوع لا بد فيه من عقد جديد مستوف للأركان، والشروط إذا أراد المطلق أن يعيدها إلى عصمته، والنوع الثانى بائن بينونة كبرى، وهو الطلاق المكمل للثلاث، وهو يحتاج إلى زواج آخر صحيح بنية التأبيد لا التحليل حتى يمكن أن يعيدها إلى عصمته، قال تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ..} البقرة: 229 ثم قال بعد ذلك {فإن طقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} البقرة 230] . وبشرط المباشرة الجنسية كما نص عليه الحديث الشريف، ويمكن الرجوع في توضيح ذلك إلى عنوان زواج التحليل فى صفحة 555 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى
(10/73)
________________________________________
الرضاع وحقن اللبن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما الحكم لو وصل لبن المرأة إلى الطفل بطريق الحقنة وليس بطريق الرضاع، هل يثبت به التحريم فى الزواج؟

الجواب
النصوص الواردة قى القراَن والسنة عبَّرت بالرضاع، والرضاع معروف أنه مَصُّ اللبن من الثدى، أما وصول اللبن إلى الطفل بغير ذلك ففى حكمه خلاف، يرى الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن حكم الرضاع يثبت بمص اللبن من الثدى، وبصبه فى الفم، وهو ما يعبر عنه بالوجور، وكذلك بالسعوط وهو صبه فى الأنف، ومثله ما لو عمل اللبن جبنا وأكله الطفل، وأبو حنيفة يخالف فى مسألة الجبن، لزوال اسم اللبن عنه.
أما داود وابن حزم الظاهريان فقصرا الرضاع المحرم على المص بالفم فقط، واستدل الجمهور بأن الغرض من الرضاع وهو طرد الجوع، وإنبات اللحم ونشز العظم يحصل بأية وسيلة تكون، كما جاء التعبير عن الغرض فى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التى رواها البخارى وغيره.
وإذا وصل اللبن إلى جوف الطفل بحقنة شرجية لم يحرِّم عند أبى حنيفة ومالك واحمد، ويحرِّم عند الشافعى، كما يفطر به الصوم. وله رأى آخر كالجمهور، لأن الحقنة فى الشرج ليست للتغذية ولكن للإسهال.
ورأى الظاهرية معتمد على النص على الرضاعة وهى لا تكون إلا بمص اللبن من الثدى، فهم ملتزمون بالنص، والآخرون ناظرون إلى الحكمة، والوسائل فى تغير وتطور
(10/74)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 9:11 am

أدب النساء فى الطرق والمجالس

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى سير النساء ووجودهن فى الأماكن العامة مرتديات ملابس تثير غرائز الشباب؟

الجواب
إذا خرجت المرأة من بيتها وكان هناك أحد أجنبى عنها وجب عليها أن تستر ما أمر الله بستره بملابس سابغة ليست محددة ولا شفافة، وأن تبتعد عن الزينة اللافتة للنظر، وعن العطور النفاذة، وان تلتزم الأدب فى مشيها وكلامها وفى كل أحوالها، كما نصت عليه الآيات والأحاديث.
والمقصرة فى ذلك تسىء إلى نفسها بالتعرض لها أو التحرش بها، وتسئ إلى أسرتها وتسئ أيضا إلى المجتمع كله، والحديث الذى رواه البخارى ومسلم يقول: "ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء" وعلى المسئولين من الأباء والأزواج بالذات أن يراقبوا ذلك منعا للضرر وحفاظا على الشرف، فالله يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناسُ والحجارةُ} التحريم: 6 والنبى صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث المتفق عليه: "والرجل راع فى أهله ومسئولٌ عن رعيته".
وإذا كان على الرجال أن يراعوا أمر الله من الحفاظ على الشرف والحرمات فكذلك على النساء أن يراعين ذلك. فعندما قال عن الرجال: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} النور: 30، قال عن النساء: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن. . .} النور: 31.
وإذا كانت القوانين الوضعية -كالقوانين الدينية- تحرم الاغتصاب فعليها أيضاً أن تحرم الخروج على الآداب من الطرف الاخر، ليتعاون الجميع على تحقيق الغرض من التشريع. ورحم الله مصطفى صادق الرافعى الذى قال: إذا عاقبت الفتى مرة فإنى أعاقب الفتاة مرتين، لأنها كشفت اللحم للقط.
إن الإصلاح لا يكون من طرف واحد، بل لابد من تعاون كل الأطراف، وعدم المبالاة والسكوت على الباطل يأباهما الدين، والله يقول: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: 25].
(10/75)
________________________________________
الطلاق بالرجال

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الحديث ما يقال: الطلاق بالرجال، وكيف تكون العصمة بيد المرأة؟

الجواب
روى ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " يقول ابن عباس: أتى رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، سيدى زوجنى أمته وهو يريد أن يفرق بينى وبينها، فصعد النبى صلى الله عليه وسلم المنبر فقال " يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما؟ إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " قال ابن القيم عن هذا الحديث: فى إسناده مقال ولكن القران يعضده. وذكره السيوطى فى الجامع الصغير ورمز له بأنه حسن من رواية الطبرانى عن ابن عباس، وقال لمناوى فى " فيض القدير" رمز المصنف بحسنه ليس فى محله.
والمهم -بيان أن الطلاق يكون بيد الرجل، لأن الله جعل له القيام على المرأة بسبب مواهبه وبما كلف به من دفع المهر لها والإنفاق عليها، قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضَل اللهُ بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء: 34، ومن لوازم هذا أن تكون العصمة بيده، إن شاء أمسك وإن شاء طلق. ولقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} لأحزاب: 49، وقوله: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} البقرة: 131، حيث جعل الله الطلاق لمن ينكح، إن شاء أمسك وإن شاء طلق. ولأن الرجل أعقل من المرأة وأضبط لعواطفه وأدرى بالتبعات التى تترتب على الطلاق، وقد أفاض ابن القيم فى بيان حكمة التشريع فى جعل الطلاق بيد الرجل، وذلك فى كتابه" زاد المعاد" ج 4 ص70، 13 2 فمن الصواب أن يكون الطلاق بيده.
ومع كون الطلاق حقا للرجال أجاز بعض العلماء أن ينيب غيره فيه بأن يجعل له حق تطليق زوجته استنادا إلى تخيير النبى صلى الله عليه وسلم لنسائه وقد مَرَّ توضيح،ذلك فى صفحة 591من المجلد الأول من هذه الفتاوى فليرجع إليه
(10/76)
________________________________________
تقبيل زوجة الابن وأم الزوجة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للرجل أن يقبل زوجات أبنائه، وما حكم الدين إذا صاحب ذلك نوع من الشهوة؟

الجواب
زوجة الابن من المحرمات على الأب بمجرد عقده عليها، فهى كبنته فى الحرمة، قال تعالى فى آية التحريم فى النساء: 23 {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} فإذا كانت قبلته لبنته رحمة وحنانا وتكريما فلا حرج فى ذلك، والرحمة والحنان والتكريم يتنافى مع القصد الخبيث الذى يثير الشهوة، فإذا كانت القبلة بشهوة كانت محرمة دون شك فى ذلك، لأنها فتنة، وقد يستغل تحريم الزواج بها استغلالا سيئا، وبخاصة إذا كانت جميلة وهو لم يزل فى سِن لا تحول بينه وبين إشباع رغبته المعروفة، حتى لقد قال العلماء: إن تقبيل الولد لأمه إذا كان بشهوة فهو محرم.
ومن أجل الخطورة فى مثل هذه الحالة حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء فى غيبة أزواجهن، ولما سأله واحد: أفرأيت الحمو يا رسول الله؟ قال " الحمو الموت " والحمو هو قريب الزوج كأخيه وقريب الزوجة كابن عمها وابن خالها. رواه مسلم.
هذا، ويقال مثل ذلك فى تقبيل الرجل لأم زوجته، فهو جائز بدون قصد الشهوة لأنها بمنزلة أمه، فهى من المحرمات عليه بمجرد العقد على بنتها قال تعالى {وأمهات نسائكم} النساء: 23 وكذلك تقبيل المرأة لزوج بنتها حلال لحرمة زواجه منها، فهو كابنها، ولكن أحذر من أن يكون ذلك بشهوة، وبخاصة إذا كانت المرأة غير متزوجة وفى سِن تحس فيه بالحاجة إلى ما تحس به كل امرأة، أو كان زوجها غائبا عنها مدة تحس فيها بألم الفراق.
وقد يخفى الألم فى نفسه من يرى أن أباه يقبِّل زوجته، ومن يرى أن زوجته تقبل زوج بنته أو يقبلها، وبعض الزوجات الشابات يشكون من تقبيل أزواجهن لأمهاتهن وبخاصة إذا كان فى التقبيل مبالغة أو صاحبته أحضان، فالواجب مراعاة ذلك مع الإيمان بأن الله يعلم النيات، ولكل امرئ ما نوى
(10/77)
________________________________________
لبن الفحل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل له زوجتان، رضعت من إحدى هاتين الزوجتين، فهل يصح لى أن أتزوج بنت هذا الرجل من زوجته للأخرى التى لم أرضع منها؟

الجواب
المعلوم أن الولد إذا رضع من امرأة فى مدة الحولين خمس رضعات معلومات صار- على رأى الشافعى وهو المختار للفتوى - اخا لكل أولادها، يستوى فى ذلك من رضع معه ومن رضع قبله أو بعده - فلا يصح أن يتزوج من إحدى بناتها لأنهن أخواته، ولا من أخوات المرضع لأنهن خالات له، وكذلك لو رضعت بنت من امرأة حرم عليها كل أولادها لأنهم أخوتها، وحرم عليها إخوة المرضع لأنهم أخوالها، وقد جاء فى الحديث المتفق عليه "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب".
لكن هل يصير زوج المرضع أبا للرضيع أو لا؟ هذه مسألة اختلف فيها الفقهاء قديما وحديثا، وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة، على أن الرضاع يثبت أبوة زوج المرضع للرضيع، فهو الذى تسبب فى نزول لبنها الذى رضعه، وعليه يكون جميع أولاد هذا الزوج إخوة وأخوات للرضيع يستوى فى ذلك أولاده من الزوجة التى أرضعت الرضيع، وأولاده من الزوجة الأخرى التى لم يرضع منها.
ودليلهم فى ذلك ما رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخل علىَّ أفلح أخو أبى القعيس، فاستترت منه ولم اذن له، فقال:
أتستترى منى وأنا عمك؟ قلت: من أين؟ قال:أرضتك امرأة أخى، فقلت: إنما أرضعتنى المرأة ولم يرضعنى الرجل، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه، فقال: " إنه عمك فليدخل عليك ".
ومن أدلتهم كذلك ما رواه البخارى أن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن رجل له جاريتان أرضعت إحداهما جارية، والأخرى غلاما، فهل يتزوجان؟ فقال: لا، اللقاح واحد.
يقول النووى: لم يخالف فى هذه المسألة إلا أهل الظاهر وقليل،ودليلهم عقلى أكثر منه نقليا، فما احتجوا به ليس نصا فى دعواهم.
وتفريعا على رأى الجمهور فى ترتب التحريم على لبن الفحل وهو زوج المرضعة، قد يكون الأخوان من الرضاع شقيقين إذا رضعا من زوجة رجل واحد، وقد يكونان أخوين لأم، إذا أرضعت أحدهما بعد ولادتها من زوج، ثم أرضعت الاخر بعد ولادتها من زوج اخر، وقد يكونان أخوين لأب، إذا كان لرجل زوجتان، رضع أحدهما من زوجة والاَخر من زوجته الأخرى.
وعلى هذا نقول لصاحب السؤال: لا يجوز لك ان تتزوج من بنت هذا الرجل من زوجته الأخرى، غير زوجته التى أرضعتك فهى أختك من الأب
(10/78)
________________________________________
الزغاريد فى الأفراح

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم زغاريد النساء فى الأفراح؟

الجواب
زغاريد النساء فى الأفراح تعطى حكم صوت المرأة وغنائها، فإذا كانت بنبرات عادية غير فاتنة فلا بأس بها، وبخاصة إذا كانت فى محيط النساء لا تصل إلى الرجال الأجانب، أما إن كانت بنبرات فيها إثارة أو فتنة، فالشرع لا يوافق عليها إذا وصل صوتها إلى الرجال الأجانب كما هو الغالب فى أفراح اليوم
(10/79)
________________________________________
نقوط الفرح

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى المجاملات بين الناس فى حالات الزواج وغيرها بتبادل الهدايا والأموال بما يسمى "النقطة " بغرض المساعدة، وكثيرا ما ينتظر الناس هداياهم وأموالهم وقد يطالبون بردها؟ وهل تعد هذه الهدايا والأموال دينا إذا توفى الشخص المتلقى للهدايا والأموال، فيقوم أهله بردها؟

الجواب
النقوط الذى اعتاد الناس تقديمه بمناسبة الزواج - قال عنه علماء الشافعية:
إنه من باب الإعارة، يرجع به صاحبه سواء أكان مأكولا أم غير مأكول "حاشية عوض على الخطيب فى باب الهبة" وعلى هذا الرأى تكون الهدايا دينًا يلزم الوفاء به فى حياة الإنسان وبعد مماته، ويخرج ذلك من التركة قبل توزيعها كما نص القراَن الكريم فى آيات المواريث {من بعد وصية يوصى بها أو دين} وبعض الناس يحرصون على رده أورد مثله فى مناسبة مماثلة، وقد يسبب التقصير فى ذلك مشاكل كبيرة، والأعراف على كل حال تختلف.
فيرجع إلى العرف ليحكم عليه بأنه هبة للمساعدة والمجاملة، لا ينظر إلى ردها، أو بأنه إعارة أو سُلفة لابد من ردها أو رد مثلها، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطا.
وأرجو أن يدفع بسخاء نفس ولا ينظر إلى رده، فقد تحول الظروف دون ذلك، وقد تختلف القوه الشرائية فيكون الهمس والتعليق الذى يحز فى النفس. إن قصد الهبة قصد طيب يحقق معنى التعاون على البر، واجرها كبير عند الله، والأعمال بالنيات
(10/80)
________________________________________
ما يثبت به الرضاع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى الوسائل التى يثبت بها الرضاع؟

الجواب
لا شك أن الرضاع من موجبات التحريم فى الزواج، بنص القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف. كما أنه يحتاط فى الأبضاع ما لا يحتاط فى غيرها.
وإذا كان هناك خلاف فى عدد الرضعات المحرِّمة فإن الأحوط قبل الزواج أن يؤخذ بالقول الذى يحرم برضعة واحدة، وإن جاز الزواج على أقوال أخرى، كما أن الأحوط بعد الزواج، وبخاصة إذا كانت هناك ذرية، أن تبقى الأسرة على وضعها بناء على القول الذى لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات أو أكثر، وإن وجب التفريق على أقوال أخرى.
والملاحظ أن أمر الرضاع يطلع عليه النساء أكثر من الرجال، ولذلك قبل فيه بعض الأئمة شهادة النساء دون حاجة معهن إلى الرجال، فيثبت بشهادة أربع نسوة.
كما يلاحظ أن بعض النساء اللاتى لسن على الدرجة المطلوبة من خوف الله، إذا رغبن فى زواج رجل وامرأة ينكرن حدوث رضاع بينهما، وإذا لم يرغبن فى هذا الزواج، سواء أكان قبل إتمامه أو بعده يؤكدن أنه حدث بينهما رضاع،وهنا تكون المشكلة.
وقد تحدث العلماء عما يثبت به الرضاع، فقالوا يثبت بالإقرار أو البينة.
الإقرار:
يراد بالإقرار اعتراف الطرفين، أو أحدهما، وهذا الإقرار قد يكون قبل الزواج أو بعده.
1 - فإذا أقر رجل بأن هذه المرأة أخته من الرضاع فإن صدقته فى إقراره ثبتت الحرمة بينهما بهذا التصادق، سواء أكان قبل الزواج أو بعده، وكذلك إذا أقرت المرأة وصدقها الرجل.
وعند الافتراق قبل الدخول فلا شىء لها من المهر، وإن كان بعد الدخول وجب الأقل من المهر المسمى ومهر المثل، وذلك شأن كل نكاح فاسد أعقبه دخول، ولا تجب لها نفقة فى عدتها ولا سكنى.
2 - وإذا أقر الرجل وكذبته المرأة ثبت التحريم أيضا ووجب التفريق بعد الزواج، فإذا كان قبل الدخول وجب لها نصف المهر، وإذا كان بعد الدخول وجب المهر كله، إذا كان مسمى، كما أن لها النفقة والسكنى فى مدة العدة، لأن إقراره حجة قاصرة عليه، ولا يتعدى إلى حقوق المرأة بالإبطال ما دامت مكذِّبة له.
فإذا رجع عن إقراره بالرضاع يقبل رجوعه بشرط ألا يكون قد أكد إقراره الأول بما يفيد اليقين. ولو كان رجوعه بعد العقد يبقى العقد قائما كما كان.
3- وإذا أقرت المرأة بالرضاع وكذبها الرجل فلا يجوز لها أن تتزوجه فإذا رجعت عن إقرارها يجوز لها الزواج، أما إن كان الإقرار بعد الزواج وكذبها الزوج فلا عبرة بإقرارهما حتى لو أصرت عليه لأنها متهمة فيه، فقد يكون لها غرض فى التخلص منه بهذا الادعاء، بخلاف إقراره هو فإنه يقبل ولا عبرة بإنكارها، لأنه غير متهم فى إقراره بأنه يريد التخلص منها، لأن تخلصه منها ممكن بالطلاق الذى يملكه، دون حاجة إلى الإقرار بالرضاع ولدوران الحكم على التهمة لو كان أمرها بيدها فى الطلاق تصدق فى إقرارها بالرضاع.
البينة إذا كان هناك اتفاق بين العلماء على اعتبار البينة فى ثبوت الرضاع فإن بينهم خلافا فى قدر هذه البينة والعدد الذى يعتبر فيها.
فمنهم من اكتفى بشهادة النساء وحدهن، وهؤلاء منهم من يكتفى بامرأة واحدة إذا كانت معروفة بالصدق والعدالة، ومنهم من يشترط العدد، وهو امرأتان على الأقل، ومنهم من يشترط أربع نساء، ومنهم من لا يكتفى بشهادة النساء وحدهن، فالرضاعة لا تثبت عندهم إلا برجلين، أو رجل وامرأتين.
1 - فالذين يكتفون بشهادة امرأة واحدة هم الحنابلة، وهو رواية عن مالك، وهذا القول مروى عن عثمان وابن عباس والزهرى والحسن وإسحاق والأوزاعى ومروى كذلك عن أبى عبيد إلا أنه قال: يجب على الرجل أن يعمل بقول المرأة فيفارق زوجته، لكن لا يجب على الحاكم أن يحكم بشهادتها وحدها إذا رفع الأمر إليه. واستدل هؤلاء بحديث رواه البخارى وغيره أن عقبة بن الحارث تزوج أم يحى بنت إهاب، فجاءت بأمة سوداء وأخبرتهما بأنها أرضعتهما، ولما رفع الأمر إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أبره أن يفارقها على الرغم من أن عقبة يظنها كاذبة، ولما كرر عقبة على الرسول هذا الخبر قال له "كيف وقد قيل، دعها عنك ".
فدل هذا على أن الزواج وقع فاسدا وتجب المفارقة. ولو كان قد وقع صحيحا وأراد له النبى أن يفارقها استحبابا لا وجوبا لقال له:
طلِّقها، ولم يقل له ذلك.
ثم قال أصحاب هذا الرأى، ردًّا على من يشترطون العدد فى الشهادة إن قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} البقرة: 282، قول عام يخصص بحديث عقبة المذكور.
وردوا أيضا على ما روى أن عليًّا وابن عباس والمغيرة لم يفرقوا بين الزوجين بسبب شهادة واحدة على الرضاع بأن المقرر أن أقوال بعض الصحابة ليست بحجة على فرض عدم معارضتها لما ثبت عن الرسول، فكيف تكون حجة وهى معارضة لما ثبت عنه.
2 -والجمهور على عدم الاكتفاء بشهادة واحدة على الرضاع، ومن هؤلاء من اكتفى بشهادة امرأتين، وهو الإمام مالك ومنهم من اشترط أن يشهد رجلان أو امرأتان وهو أبو حنيفة، ومنهم من أجاز الشهادة من أربع نسوة وهو الشافعى.
هذا، وقد قال الشوكانى فى نيل الأوطار، (ج 6 ص 338) : حكى فى البحر عن الهادوية والشافعية والحنفية أنه يجب العمل بالظن الغالب فى النكاح تَحريما، ويجب على الزوج الطلاق إن لم تكتمل الشهادة، بدليل حديث الأمة التى شهدت برضاع عقبة وأم يحيى، وقال الإمام يحيى: الخبر محمول على الاستحباب، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى كتاب "أحكام الأسرة فى الإسلام " للدكتور محمد شلبى
(10/81)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 9:23 am

الطلاق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعنا أن الطلاق محرم فى الأديان الأخرى فلماذا أباحه الإسلام؟

الجواب
الانفصال بين الزوجين معروف من قديم الزمان فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية، لأن الزواج تكوين لشركة تتعاون على تحقيق الهدف منه وهو السكن والمودة ورعاية النسل، وكل شركة لا توفَّق فى تحقيق أهدافها بعد محاولة إصلاحها كان من الأوفق أن تنحل، ويسعى أصحابها للبحث عن شركاء آخرين صالحين لإنتاج الخير.
وجاء الإسلام وهو خاتمة الرسالات فأبقى على هذا المبدأ ونظمه ووضع له ضوابط لعدم إساءة استعماله، فأباح للزوجة إن كانت كارهة لزوجها أن تفتدى منه بمال، وأباح للزوج إن تضرر من زوجته ولم يطق صبرا على ما يراه منها أن ينفصل عنها بعد محاولة التوفيق بين الطرفين، وحفظ الحقوق "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ".
ومن وجوه الحكمة فى تقرير مبدأ الطلاق:
1 -قد تكون الزوجة عقيما والرجل يريد نسلا، وطلب النسل مشروع وهو الهدف الأول من الزواج، ولا ترضى الزوجة بأن يضم إليها أخرى.
أو لا يستطيع هو أن ينفق على زوجتين، وبالمثل قد يكون بالزوج عيب يمنع من وجود النسل، وهى تتوق لإشباع غريزة الأمومة، فلا سبيل إلا الطلاق.
2 - وقد يكون بأحدهما مرض معد يحيل الحياة إلى متاعب وآلام، فيكون العلاج بالطلاق.
3-قد يكون الزوج سيئ العشرة خشن المعاملة لا يجدى معه النصح، وقد تكون هى كذلك فلا مفر من الفراق.
وقد تكون هناك أسباب أخرى منه أو منها فيكون الطلاق أمرا لابد منه، والواقع يقرر أن للطلاق مضار بجوار ما فيه من منافع، فله أثره على المرأة إذا لم يكن لها مورد رزق تعتمد عليه ويخشى أن تسلك مسالك غير شريفة، وله أثره على الرجل فى تحمل تبعاته المالية والنفسية إذا لم يجد من تعيش معه إذا كان الطلاق بسببه، كما يتضرر به الأولاد الذين لا يجدون الرعاية الصحيحة فى كنف الوالدين، فإما أن يعيشوا تحت رعاية زوج أمهم أو تحت رعاية زوجة أبيهم، وإما أن يتشردوا فلا يجدوا ما يحميهم من الانحراف، وفى ذلك كله ضرر على المجتمع.
من أجل هذا جعله الإسلام فى أضيق الحدود، ونهاية المطاف فى محاولة التوفيق، وقرر أنه أبغض الحلال إلى الله، وبيَّن الحديث الشريف أنه من أهم العوامل التى يستعين بها إبليس على إفساد الحياة البشرية، فقال عليه الصلاة والسلام "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منزلة أعظمهم فتنة، يجئ أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول له: ما صنعت شيئا، قال ويجئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، قال فيدنيه، أو قال: فيلتزم ويقول: نعم أنت " رواه مسلم. وكما حذر منه الرجل حذَر المرأة فقال: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقا فى غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة" رواه أبو داود والترمذى وقال: حسن. وكان من هدى الإسلام فى الحد منه إلى جانب ما ذكر:
1 -أنه وصف الزواج بالميثاق الغليظ وذلك يدعو إلى احترامه وعدم التفكير فى حله، قال تعالى {وكيف تأخذونه وقد أفض بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 21.
2 -جعل الطلاق على مراحل من أجل التجربة فلم يحكم بهدم الحياة الزوجية من أول نزاع بين الزوجين، بل جعله على ثلاث مرات يملك بعد كل من الأولى والثانية أن يراجعها، ولا تحل له بعد الثالثة حتى تتزوج غيره، قال تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} إلى أن قال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} البقرة: 229، 230.
3- ندب إلى إمساك الزوجة وعدم طلاقها إن كرهها لأمر وفيها أمور تدعو إلى إمساكها، قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء: 19، وقال صلى الله عليه وسلم " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر " رواه مسلم.
4 - أمر الزوج بضبط أعصابه والتريث فى تقويم زوجته، قال تعالى {واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} النساء: 34.
5 -إذا لم يستطع الطرفان علاج المشكلة تدخلت عناصر للعلاج تهمها مصلحة الزوجين قال تعالى {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفِّق الله بينهما. إن الله كان عليما خبيرا} النساء: 35.
6 - صان قداسة الزوجية من العبث فحذر من صدور كلمة الطلاق حتى على سبيل الهزل. ففى الحديث " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة" رواه أبو داود.
7-لم يحكم بطلاق المجنون والمكره عليه ففى الحديث "رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبى حتى يدرك ومن النائم حتى يستيقظ " رواه أبو داود وصححه وفيه أيضا "إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات وليس فيه علة قادحة، وفيه "لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق " رواه أبو داود والحاكم وصححه. وفسر الإغلاق بالإكراه كما فسر بالغضب وألحق بعض العلماء السكران بالمجنون.
8 - لا يقع الطلاق بحديث النفس دون تلفظ به، ففى الحديث "إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به " رواه البخارى ومسلم.
9 -حرم على المرأة أن تشترط لزواجها أن يطلق الزوج من هى تحت يده، ففى الحديث "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ ما فى صحفتها، فان لها ما قدِّر لها" رواه البخارى ومسلم.
10 - جعل العصمة أصلا بيد الرجل، لأنه هو الذى دفع المهر، ويتكفل بنفقة الزوجية وهو أضبط لعواطفه وأدرى بالتبعات التى تترتب عليه. وفى دليله مقال.
11 - وهناك تشريعات أخرى كعدم وقوع الطلاق قبل النكاح، والطلاق المعلق الذى لا يقصد به التطليق، وما يسمى بالطلاق السنى والبدعى، وفيها نصوص وخلاف للعلماء.
هذه بعض التشريعات التى تساعد على الحد من الطلاق، وقد علمنا أنه حل يلجأ إليه عند تعذر الإصلاح،. وأخذت به كل التشريعات قديمها وحديثها، وما لجأت إليه بعض الدول من تحريمه وإباحة التفريق الجسدى أدى إلى أخطار كثيرة وانحرافات شكا منها المصلحون.
ومحاولات بعض الدعاة للتجديد وتحرير المرأة للحد منه باقتراحات وإجراءات قضائية، قد تزيد المشكلة تفاقما، وتقضى على فرصة العودة بعد تجربة الفراق وتكشف ما كان ينبغى أن يبقى مستورا، بل جعلت بعض الشباب يحجم أو يتأخر عن الزواج خشية تبعاته وتبعات الفراق، وفى ذلك إضرار بالمرأة أيضا من حيث يظن المتحررون أنهم يخدمونها.
وفى اتباع هدى الإسلام تشريعات وخلقا، مع الإخلاص المتبادل، ما يغنى عن كل هذه الاقتراحات، التى لا يعدم من لا ضمير عنده أن يتحايل حتى لا يقع تحت طائلتها، والواقع يشهد بذلك، فلنحرص على التمسك بالدين ولنتعلم ما جاء عن الله ورسوله بفهم دقيق وإحاطة وشمول ففيه الخير كله {ومن يعتصم بالله فقد هُدى إلى صراط مستقيم} آل عمران: 101.
هذا، وهناك أحكام كثيرة تتعلق بالطلاق لا مجال لذكرها هنا، والمقصود هو بيان حكمة مشروعيته ورفع الاعتراض عن تقرير الإسلام له، أما ما تختلف فيه القوانين المعمول بها فى البلاد الإسلامية فهو فى مسائل فرعية وللاجتهاد فيها مجال كبير، وذلك لا يضر ما دام الأصل سليما وهو مشروعيته وعدم إبطاله. فهو تشريع حق عادل منصف لا عيب فيه، وإنما العيب على من يجهلونه أو يسيئون تطبيقه.
وقد بحث موضوع الطلاق فى المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد فى سنة 1385 هـ (1965 م) وانتهى فى قرارته إلى أن الطلاق مباح فى حدود ما جاءت به الشريعة الإسلامية، وأن طلاق الزوج يقع دون حاجة إلى إذن القاضى.
وللاستزادة بعد كتب الفقه يمكن الرجوع إلى:
1 -كتاب الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج.
2-أحكام الأسرة فى الإسلام للدكتور محمد مصطفى شلبى.
3-بحث تنظيم الأسرة للشيخ (محمد أبو زهره) من بحوث المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية.
4 -الأسرة تحت رعاية الإسلام -الجزء السادس
(10/82)
________________________________________
نكاح الزانية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما علاقة الزنا بالشرك فى قوله تعالى {الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة} وما سبب نزول هذه الآية؟

الجواب
يقول الله تعالى {الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرِّم ذلك على المؤمنين} النور: 3، جاء فى تفسير القرطبى لهذه الآية أن "مرثدا الغنوى" وكان يحمل الأسارى بمكة - استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى نكاح "عناق " وكانت بغيا - تحترف الزنا - فقرأ عليه هذه الآية وقال "لا تنكحها" رواه أبو داود والترمذى والنسائى والحاكم. قال الخطابى: هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة أما الزانية المسلمة فإن العقد عليها صحيح لا ينفسخ وقال الشافعى: قال عكرمة: معنى الآية أن الزانى لا يريد ولا يقصد إلا نكاح زانية. وقال سعيد بن المسيب وغيره: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} النور: 32، فهى عامة.
ومن شرط فى صحة العقد عدم الزنا قال: إن هذه الآية غير منسوخة، لان النبى صلى الله عليه وسلم حث على نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان، وهو العفة لأن زواجها يؤدى إلى فساد أخلاق الرجل ودينه، فتلحق به غير ولده، أو تنشئ أولاده على الفساد.
وقد رأى ابن القيم حرمة الزواج بالزانية وقال فى كتابه "زاد المعاد" إن الزواج بها خبيث لقوله تعالى {الخبيثات للخبيثين} النور: 26، لكن قال فى كتابه "بدائع الفوائد" لو زنى بامرأة ثم أراد أن يتزوجها لا يصح إلا بعد علمه بتوبتها.
وبناء على هذا لا أرى بأسا بزواج من كانت زانية إذا علمت توبتها، ولا بأس بزواج رجل زنى بامرأة ثم تاب بامرأة عفيفة، وتفصيل ذلك فى الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "ص 333"
(10/83)
________________________________________
اغتصاب المرأة وحملها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى حمل امرأة مسلمة اغتصبها عدو فى الحرب، هل يجوز لها أن تسقطه ولمن ينسب هذا الحمل؟

الجواب
من حملت باغتصاب حملا غير شرعى فهو ابنها ينسب إليها لأنه تكوَّن من بويضتها، وولدته من بطنها، ولا يجوز نسبته إلى أحد إذا كانت غير متزوجة، وعليها أن ترعاه رعاية كاملة إذا وضعته، أما إن كانت متزوجة ولم تكن حاملا وقت الاغتصاب فحملت، فالولد ولدها أيضا ترعاه بعد الولادة رعاية كاملة.
ولزوجها إن لم يستلحقه أن يتبرأ منه، وإن كانت حاملة من زوجها الشرعى واغتصبت فالولد ينسب إلى الزوج. لأن الولد للفراش كما ثبت فى الحديث المتفق عليه. وقد قال العلماء فى الحمل غير الشرعى:
لا يجوز إجهاضه ولا التخلص منه بعد نفخ الروح فيه،أى بعد أربعة أشهر من الحمل، لأنه نفس بريئة يحرم قتلها بغير حق، ما لم يكن هناك خطر على الحامل من تمام الحمل، أما قبل نفخ الروح فيه فهناك وجهات نظر مختلفة للعلماء سبق الكلام عليها فى ص 480 من المجلد الأول من هذه الفتاوى. فبعضهم حرم الإجهاض مطلقا، وبعضهم أباحه مطلقا، وبعضهم كرهه مطلقا، ومنهم من قيد ذلك بعدم وجود العذر.
ومن هنا يجوز لمن حملت من اغتصاب أن تتخلص من الحمل قبل نفخ الروح فيه على رأى من الآراء المذكورة
(10/84)
________________________________________
الزوجة التى لا تصلى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ماذا على الزوج أن يفعل مع زوجته التى لا تؤدى الصلاة ولا تلتزم الزى الشرعى، وإذا رفضت الالتزام بهما فهل له أن يطلقها؟

الجواب
ثبت فى الحديث أن الرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته، فعلى الزوج أن ينصح زوجته بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال رب العزة لنبيه صلى الله عليه وسلم {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} طه: 132، ذلك لأنها مقصِّره فى حقوق الله سبحانه، ويهددها بما يستطيع من التهديد إن ظن أن فى ذلك فائدة، كالهجر وعدم الاستجابة لرغباتها الكمالية. يقول الإمام الغزالى فى الإحياء "ج 2 ص 45" له حملها على الصلاة قهرا، ورأى صاحب "الفروع " أن الزوج لا يملك حق تعزيرها على الحقوق المتمحضة لله تعالى، فذلك من اختصاص الحاكم، وجاء فى معجم المغنى لابن قدامة الحنبلى أن للزوج ضرب امرأته على ترك الفرائض، وإن لم تصلِّ احتمل ألا يحل له الإقامة معها.
ومن هذا نعرف أن الرأى الغالب أنه يعظها باللسان، فإن لم يفلح أنكر عليها تهاونها فى الواجب لله، وعاملها معاملة تدل على كرهه وبغضه لها، ولا يتحتم عليه أن يطلقها من أجل ترك الصلاة، لأن المسلمة المقصِّرة ليست أقل شأنا من الكتابية.
وتركها للحجاب كذلك لا يحتم عليه طلاقها إلا إذا تأكد أن عدم التزامها بالزى الشرعى سيؤدى إلى الفاحشة وهى مصرَّة على ذلك فمن الخير أن يفارقها "انظر ص 25 من المجلد من هذه الفتاوى"
(10/85)
________________________________________
الكذب بين الزوجين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
متى يباح للزوجة أن تكذب على زوجها، وهل هناك من الحديث الشريف ما يؤيد ذلك؟

الجواب
تقدم فى ص 605 من المجلد الأول من هذه الفتاوى أن الكذب لا يجوز إلا عند الضرورة كالحالات الثلاثة المذكورة فى الحديث، ومنها الكذب بين الزوجين، وهذا الكذب المسموح به بين الزوجين هو فى مثل قوله لها أو قولها له: أنا أحبك، وقد يكون الواقع غير ذلك، او فى مثل قوله عند طلب شىء منه لا يستطيعه: سأحضره لك، وذلك لتطييب خاطرها فقط. جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 3 ص 120 " أن ابن أبى عذرة الدولى حلف على زوجته أن تصدقه فى أنها تحبه أو لا تحبه، فأخبرته أنها لا تحبه، فاختصما إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه فسألها: هل تحدثت أنك تبغضين زوجك؟ قالت: نعم، لأنه أنشدنى الله. أفأكذب يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم فاكذبى، فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك، أقل البيوت الذى يبنى على الحب.
وذكر القرطبى فى تفسيره "ج 5ص 209" خبر عبد الله بن رواحة الذى كذب على زوجته فى أنه باشر جاريته عندما رآها تحمل شفره -سكينا-لضربه حين رأته معها، وقال شعرا يوهمها بأنه قرآن، والجنب لا يقرأ القرآن، وعلم الرسول بذلك فضحك حتى بدت نواجذه، كما ذكر هذه القصة أيضا ابن القيم، في كتابه "إغاثة اللهفان ص 208، 257" ومن هنا يعلم أن الترخيص فى الكذب بين الزوجين يكون فى أضيق الحدود، وفيما يوثق العلاقة بينهما، ويوفر الاستقرار فى الأسرة، أما الكذب فى الأمور التى تهدد كيان الأسرة، كغيابها أو غيابه عن البيت فى متعة حرام، وادعاء أن الغياب كان بحكم العمل أو لقضاء مصالح، والواقع خلاف ذلك فهو حرام لا شك فيه، ومن أجل هذه الناحية وغيرها أرشد الإسلام إلى تلمس ناحية التدين فى كل من الرجل والمرأة عند الإقدام على الزواج، والنصوص فى ذلك معروفة
(10/86)
________________________________________
التمريض بين الرجل والمرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى مهنة التمريض حيث تنكشف عورات المرضى أثناء علاجهم؟

الجواب
سبق الكلام على العلاج بين الجنسين فى ص 135 من المجلد الخامس، وأؤكد هنا أن أى عمل فيه اطلاع على العورات حرام، ولا يجوز إلا عند الضرورة حيث لا يوجد الجنس الذى يعالج جنسه، ومعلوم أن الضرورة تقدر بقدرها فلا يجوز تجاوز الحد فى استعمال هذه الرخصة، ومما يدل على تمريض الجنس للجنس الأخر عند الضرورة أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة أن يحجمها رجل، وجاء فى "فتح القدير" ج 8 ص 98 أن عبد الله بن الزبير استأجر عجوزا تمرضه، وكانت تغمز رجليه وتنظف رأسه وقال ابن مفلح فى كتابه "الآداب الشرعية" فإن مرضت امرأة ولم يوجد من يطبها غير رجل جاز له منها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره منها حتى الفرجين، وكذا الرجل مع المرأة، ونقل عن ابن حمدان وغيره مثل هذا الكلام، وقد أذن النبى لامرأة أن يحجمها رجل اسمه أبو طيبة.
هذا، وإذا لم يوجد الجنس الماهر فى العلاج، أو وجد ولكن لم يكن ماهرا فلا مانع من العلاج عند الجنس الآخر الماهر، فالخطأ فى العلاج خطير، والدين حذر من تعريض النفس للتهلكة كما هو معروف
(10/87)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 9:24 am

الإشهاد فى عقد الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى شهادة شخصين أجنبيين غير ناطقين باللغة العربية على زواج مسلم من مسلمة ناطقين باللغة العربية وإشهار وإتمام هذا الزواج فى دولة أجنبية، وهل يشترط كتابة عقد الزواج؟

الجواب
فى هذا السؤال عدة نقط:
1 - مبدأ اشتراط الشهادة على عقد الزواج قال به جمهور الفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة. وذلك لحديث أحمد والدارقطنى"لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل " والشيعة الجعفرية لا يشترطون الشهادة فى عقد الزواج، فهو عندهم صحيح بدونها، لكنه أمر مستحب فقط كالإعلان، لأن القرآن لم يشترط الشهادة فى النكاح، والحديث المذكور لم يثبت عندهم، وصرح الباقر والصادق من أئمتهم بعدم اشتراطها.
2 -هذا الزواج بين مسلم ومسلمة، فيشترط فى الشاهدين الإسلام، لأن الشهادة فيها معنى الولاية والله يقول: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} النساء: 141، فإذا كان الشاهدان على هذا الزواج غير مسلمين بطل العقد.
3- يشترط فى الشاهدين أن يفهما المراد من كلام العاقدين إجمالا وإن لم يفهما معانى المفردات. فلو كانا لا يفهمان المراد فلا يصح العقد، ويشترط سماعهما لكلام العاقدين إن كان العقد بالكلام، أما لو كان بالإشارة فلا بد من فهم المقصود من الإشارة.
وكتب الحنفية فيها خلاف لفقهائهم فى شرط السماع والفهم، فمنهم من جعل الشرط هو حضور الشاهدين فقط وإن لم يسمعا، ومنهم من يقول: لابد من السماع، وهو الأصح. ومنهم من لم يشترط فهم الشاهدين للغة العقد، لكن الأصح أنه يشترط فهمهما للغة العقد ووفق بعض الفقهاء بين القولين "اشترط الفهم وعدمه " فقال: إن اشتراط الفهم محمول على فهم المقصود إجمالا من كلام العاقدين وانهما يقصدان عقد الزواج، وعدم اشتراطه محمول على فهم معانى الألفاظ بعد فهم أن المراد عقد الزواج، فيكون الأصح فى المذهب اشتراط السماع والفهم إجمالا للمقصود ولا يشترط فهم معانى الألفاظ، بل يكفى أن هذا اللفظ يقصد به الزواج " أحكام الأسرة فى الإسلام للدكتور محمد مصطفى شلبى".
4 - أما إشهار وإتمام هذا الزواج فى دولة أجنبية فلا دخل له فى صحة الزواج وكذلك كتابة عقد الزواج ليست شرطا فى صحته، فقد كانت عقود الزواج فى القرون الماضية لا تسجل، لكن فى هذه الأيام لابد من الكتابة، لا لصحة المعاشرة الزوجية، بل لحفظ الحقوق وعدم التقصير فى أداء واجب.
بعد هذا نقول: إن كان الشاهدان يفهمان إجمالا ما يحصل من كلام المتعاقدين الدال على الزواج فالزواج صحيح، وعلى رأى عند بعض الأحناف يصح الزواج بمجرد حضورهما وإن لم يفهما ما يقوله المتعاقدان
(10/88)
________________________________________
عقم الزوجة والزوج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعد أن تزوجت وتأخر حمل الزوجة عدة سنوات عرضتها على الأطباء المختصين فقرروا أنها لن تنجب لوجود عيب خلقى يمنع الإنجاب فهل عقد الزواج صحيح وهل ينفسخ بعد ظهور العيب أو لا ينفسخ؟ وما الحكم إذا ظهر أن الزوج لا يستطيع الإنجاب؟

الجواب
لقد تحدث الفقهاء عن العيوب التى تعطى الزوج الحق فى فسخ النكاح ومنها البرص والجذام والجنون والرتق - أى انسداد مدخل الذكر من الفرج -والقرن شىء يبرز فى الفرج كقرن الشاة أو غدة تمنع المخالطة. وقال بذلك الأئمة الثلاثة دون أبى حنيفة.
واتفق الفقهاء على أن عقم المرأة وعدم إنجابها ليس عيبا فيها يمنع استمتاع الزوج بها، فليس له خيار الفسخ لأن الإنجاب يرجع إلى إرادة الله سبحانه.؟ ومن هنا لا ينفسخ العقد بظهور عدم إنجاب الزوجة. ولكن له الحق فى طلاقها وتترتب أحكام الطلاق فى هذه الحالة، كأية حالة أخرى، فما دام الزوج قد دخل بها فلو طلقها كان لها مؤخر الصداق، ونفقة العدة وليس له أن يلزمها بإبرائه أو التنازل عن شىء من حقوقها إلا إذا طلبت هى الطلاق فيمكن التفاهم على ما تتنازل عنه، وهذا ما يجرى عليه العمل فى المحاكم المصرية طبقا للقانون رقم 78 لسنة 1931 م.
وإذا ظهر أن بالزوج عيبا يمنع الإنجاب. كأن كان مجبوبا -أى مقطوع الذكر-أو عنينا - أى غير قادر على الجماع لضعف خلقى أو كبر السن مثلا-أو خصيا-أى مقطوع الخصيتين -فللزوجة أن ترفع الأمر إلى القضاء لطلب التفريق بينه وبينها، وإذا ثبت ذلك عند القاضى بأى طريق من طرق الإثبات أمر الزوج بتطليقها، فإن لم يطلقها ناب عنه القاضى فى تطليقها منعا للضرر الذى يلحقها -وهذا الطلاق يكون بائنا بينونة صغرى.
لكن التفريق مشروط بعدم علمها بحالته قبل الزواج، وبألا يوجد منها ما يفيد رضاها بالمكث معه بعد الزواج والعلم بحاله.
والتفريق بسبب الجب فى الحال لا يحتاج إلى ضرب أجل، وبسبب العنة يمهل الزوج سنة لعله يقوى بالعلاج أو بغيره على الجماع،وبسبب الخصاء يمهل الزوج سنة. والتفريق بسبب الجب والعنة والخصاء يعتبر طلاقا عند الحنفية والمالكية وأكثر العلماء.
هذا وإذا فرق بين الزوجة وزوجها العنين أو الخصى وكان قد خلا بها، فإنها تستحق جميع المهر، لأنها خلوة صحيحة وعليها العدة للاحتياط، وإذا كان مجبوبا وخلا بزوجته ثم فرق بينهما كان لها جميع المهر أيضا عند أبى حنيفة، ولها نصفه عند أبى يوسف ومحمد صاحبيه، وعليها العدة باتفاق الجميع بذلك للاحتياط. "الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج ص 347 - 350 "
(10/89)
________________________________________
وحم الحامل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رأيت فى بعض كتب الفقه أن من ضمن نفقة الزوج لزوجته إحضار ما تتوحم عليه أثناء الحمل. فهل هذا صحيح، وهل الوحم نفسه صحيح؟

الجواب
إن إنفاق الزوج على زوجته معروف أنه واجب والنصوص فيه كثيرة، وأهم أنواعها الطعام والكسوة والمسكن، وقد قرر بعض الفقهاء، ومنهم الشافعية، أن من المعاشرة بالمعروف التى أمر الله بها الأزواج توفير الكماليات لها مما تقض به العادة، وقد جاء فى حاشية الشيخ عوض على شرح الخطيب "الإقناع " لمتن أبى شجاع فى فقه الشافعية "ج 2 ص 190 " أنه يجب عليه لها فطرة العيد وكحك العيد وسمكه ولحم الأضحية وحبوب العشر والبيض فى خميس البيض وما تحتاجه عند الوحم.. .
إن من المشاهد أن الحامل إذا توحمت على شىء ظهر أثره فى تكوين الجنين بصور مختلفة، بل إنها إذا توحمت عليه أثناء رضاعة الطفل ظهر الأثر أيضا. وقد أنكر كثير من الباحثين ذلك. لكن شوهد أن بعض النساء تأتى بمولود فيه شبه بأحد الناس أو بأحد الحيوانات، دون أن يكون هناك اتصال جنسى بينهما، أو اتصال بنسب ينحدر منه هذا الشبه، فهل يمكن أن يقال: إن التأثرات النفسية العصبية قد تكون بمثابة رسل أو وسائط توصل هذه الانطباعات إلى جسم الجنين أو الرضيع عن طريق اللبن؟ .
رأيت فى سفر التكوين "إصحاح 30" ما يبين قدم هذه الظاهرة ومحاولة استغلالها وهى أن يعقوب وضع قضبانا من فروع الشجر مخططة فى مساقى الغنم، لتتوحم عليها وتلد أغناما مخططة. فليتأمل.
وهذا يؤيد الرأى القائل: إن الصفات المكتسبة تورث إذا أثرت تأثيرا عميقا فى الأغصاب والأحاسيس. وفى ذيل تذكرة داود الأنطاكى "ص 31 " أن شبه الولد بوالديه قد يكون من التخيلات والأوهام ساعة الاتصال الجنسى، أو من تخيلات الحامل زمن تخلق الجنين.
وتحدث العلماء عن حمل الغيرة، لأنها عبارة عن انفعال عصبى شديد يؤدى إلى حدوث انفعالات فى خلايا المخ -تؤثر بدورها على جزء منه يسمى " الهيبوتلاس " فتزداد إشارته العصبية الموجهة إلى الغدة النخامية فيزداد بالتالى إفرازها للهرمونات التى تساعد على حدوث التبويض "دكتور إسماعيل صبرى - الأهرام 27 / 12 / 1981 ".
كما تحدثوا عن الحمل الكاذب وأثره. فى تغيرات الجسم، يقول الدكتور أحمد زكى:
إن المرأة شديدة الرغبة فى الحمل أو شديدة الخوف منه تحدث لها أعراض الحمل وليس بها حمل، فينقطع حيضها ويثقل ثدياها، وتعرض لها فترة من الوحم والقىء ويكبر بطنها رويدا رويدا، كأن فيه جنينا ينمو شهرًا بعد شهر، ولو استمر ذلك الأمر حتى تبلغ أشهر الحمل لجاءها مخاض كاذب، بل استدعاء وطلق كالولادة غير أنها لا تلد شيئا.
كل هذا دليل على ما للحالة النفسية من أثر، لا على العقل الواعى فحسب ولكن حتى فيما لا إرادة فيه ولا وعى كهذه الأعراض "مجلة العربى يونية 1968 ص 139 ".
ويقول ابن القيم: الحجَّام يرى الخرَّاج فيشمئز منه فيخرج له مثله، ومداوى رمد يقشعر فيحصل له مثله، كالتثاؤب لمن يرى متثائبا "زاد المعاد - الاستفراغ بالقىء"، ويمكن الرجوع فى هذا الموضوع إلى الجزء الرابع من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "ص. 27".
والخلاصة أن ظاهرة الوحم معروفة من قديم الزمان، والعلم يشهد لها. ومن المعاشرة بالمعروف أن يهيئ الزوج لزوجته الحامل ما تميل إليه نفسها أثناء فترة الوحم. لأن له تأثيرا على الجنين، وأن يهبىء لها الجو الذى يدخل على نفسها البهجة وبخاصة أثناء الحمل والرضاعة
(10/90)
________________________________________
الشروط فى عقد الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعض الحركات التحرريه للنهوض بالمرأة تتجه الآن إلى وضع قيود فى عقود الزواج تضمن للزوجة حقها وتساعدها على الإسهام بحرية فى تنمية المجتمع. فهل فى الشريعة الإسلامية ما يكفل للمرأة ذلك؟

الجواب
إلى جانب ما تقدم ذكره فى صفحة 351 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى وكذلك فى صفحة 254 من المجلد الرابع، وفى صفحة 260 من المجلد الأول، وفى غير ذلك من المواضع التى تبين إنصاف الإسلام للمرأة والإشادة بدورها فى حياة الأسرة والمجتمع.
والضمانات التى تصون عن الانحراف فى الحقوق والواجبات - إلى جانب ذلك أقول:
1 -إن الجهل بالإسلام يؤدى إلى الانحراف فى كل شىء، وإلى التردى فى هواية التقليد الأعمى. ثم نسبة ذلك إلى الإسلام وهو منه برئ.
إن التشريع الإسلامى نظم العلاقة بين الرجل والمرأة مراعيا الاستعداد الطبيعى لكل منهما، والمهمة الأساسية التى خلقا من أجلها، والمكان المناسب الذى يباشر فيه كل منهما نشاطه، بروح التعاون والاشتراك فى المسئولية لصالح الطرفين ولصالح المجتمع.
3 -إن عدم الفهم الصحيح لهذا الإطار التعاونى ولإمكانات كل من الطرفين. يتيح الفرصة للتأثر بالآراء المتطرفة. ويحمل المرأة بالذات على النضال من أجل المساواة الكاملة بينها وبين الرجل، مع التغاضى عن التفاوت فى القدرات ونسيان شرف المهمة الأساسية المناسبة لها، وهذا يحول الرجل من شعوره بالحب نحو المرأة والعطف عليها لضعفها ورقتها، إلى الشعور بالكراهية والنفور، وإلى الغلظة والقسوة فى معاملتها، شأن كل عدوين يناضلان فى معركة حامية وجها لوجه.
وتنقلب الحياة الزوجية بالذات من السكن والمودة اللتين جعلهما الله آية من آيات حكمته ونعمة من أكبر نعمه فى خلق المرأة للرجل والتزاوج لتكوين أسرة مستقرة هى اللبنة الأساسية فى بناء المجتمع والخلية الأولى فى جسم الجنس البشرى المؤهل لتحقيق الخلافة فى الأرض - تنقلب إلى جحيم يصلاه كل منهما ويصلاه النسل والمجتمع كله.
وبهذا التحول فى الشعور نحو الطرفين سيكون أول من يكوى بناره هو المرأة التى بدأت المعركة وحاولت أن تصمد فيها على الرغم من شعورها بقسوة المعاناة، وحينئذ يصدق عليها المثل القائل: "على نفسها جنت براقش " وصدق الله إذ يقول: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} الطلاق: 1، ويقول: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} الفتح: 10، ويقول: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الشورى:
35.
4 -إن خلق المرأة للرجل وعدم استغناء أحد منهما عن الآخر أمر ضرورى للتكاثر وبقاء الجنس البشرى، ضمن القانون العام الذى قال الله فيه {ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} الذاريات: 49.
5 -إن التناسل البشرى ليس كالتناسل الآخر يجتمع فيه أى ذكر مع أية أنثى وينتج عن ذلك نسل ضائع بينهما، بل إن هناك تنظيما للقاء بين الرجل والمرأة أساسه الزواج الشرعى الذى تحدد فيه الحقوق والواجبات بالنسبة لكل منهما وبالنسبة للنسل الذى ينتج عنهما، ومن هنا أبطل الإسلام، بل أبطلت كل الأديان السماوية، أى لقاء بين الرجل والمرأة لا تلزم فيه الشروط والقواعد التى جاء بها الدين.
والشروط الشرعية لصحة عقد الزواج معروفة. وأى إخلال بها يفسد العقد أو يعطى الفرصة لفسخه لمخالفته لحكمة الزواج وتكوين الأسرة.
6 -بعد هذا أقول: إن أى شرط فى عقد الزواج يتنافى مع حكمته أو مع نص شرعى أو أمر مجمع عليه يكون باطلا، وذلك لحديث "المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلال " رواه الحاكم وصححه بلفظ " المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك " ولحديث البخارى ومسلم "إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ".
وقد اتفق العلماء على عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء وترك الإنفاق والخلو من المهر، واختلفوا فى شرط الإقامة فى بلد الزوجة وألا يتسرَّى عليها أو لا يتزوج أخرى عليها.
إن اشتراط عدم زواج الزوج بزوجة أخرى ممنوع ولا يصح أن يفرضه الحاكم، ولأنه يؤدى إلى مفسدة بل مفاسد. ذلك أن المحتاج إلى زوجة أخرى، وشرط عليه الامتناع سيلجأ إلى أحد أمور كلها صعبة، إما الطلاق وإما الكبت والحرمان إن كان متدينا وإما الانحراف بالزنا إن لم يعصمه دين، وإما إلى الزواج العرفى الذى لا تقيم له الجهات الرسمية وزنا، وإما إلى التحايل لإيجاد مبررات كاختلاق عيوب فى زوجته قد يطول تحقيق هذا الاختلاق، مع ما فيه من كشف للأسرار والسوءات، فالمنع لا يحل المشكلة إن كانت مشكلة بل يزيدها تعقيدا "ج 6 ص 155 من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ".
يقول النووى: حديث الوفاء بالشرط هو فيما يقتضيه النكاح من نفقة وعشرة بالمعروف إلى آخره، لكن ما يخالف مقصود النكاح لا يجب الوفاء به كألاَّ يقسم لها-أى يعطيها نصيبها عند تعدد الزوجات - ولا يتسرى عليها-أى لا يتمتع بأمة يملكها- ولا يسافر بها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: "كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل " رواه البزار والطبرانى عن ابن عباس وصححه، وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشروط مطلقا لعموم الحديث.
يقول ابن قدامة فى كتاب المغنى "ج 7 ص 448 - 451 " عن حكم الشروط فى النكاح ما ملخصة. هناك ثلاثة أنواع من الشروط:
الأول: ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إلى الزوجة نفعه، مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها، فإن لم يف لها فلها الفسخ، فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط، وقيل:هو شرط لازم، لأنه لا ينافى العقد، ولها فيه فائدة.
والثانى: ما يبطل الشرط ويصح العقد، كأن يشترط أن لا مهر لها، أو لا ينفق عليها، أو تشترط هى ألا يطأها، أو أن يكون لها النهار دون الليل، أو تنفق هى عليه فكلها شروط باطلة، أما العقد فهو صحيح.
والثالث: ما يبطل النكاح من أصله، كما لو اشترط تأقيت النكاح، أو أن يطلقها لوقت بعينه، أو أن يعلق النكاح على شرط، كأن يقول: إن رضيت أمها.
ومما أثر من اختلاف جهات النظر فى ذلك ما رواه الترمذى أن عمر رضى الله عنه قال: إذا تزوج الرجل المرأة وشرط لها ألا يخرجها من مصرها-بلدها-فليس له أن يخرجها بغير رضاها. ورفع رجل إلى عمر قضية زوجته التى شرط لها دارها، وعزم على الرحيل إلى أرض أخرى، فقال له: لها شرطها، فقال الرجل: هلك الرجال، إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها، إلا طلقت، فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم.
وعن على رضى الله عنه أنه سئل عن ذلك فقال: شرط الله قبل شرطها. أخرجه الترمذى أيضا. وابن حجر فى "فتح البارى ج 9 ص 124 " تحدث عن الشروط فى النكاح وقول البخارى: قال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط، وذكر قول الخطابى:
إن الشروط فى النكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث -وهو: أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج - ومنها ما لا يوفى به اتفاقا، كسؤال طلاق أختها، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله.
وذكر ابن حجر أن أحمد يقول: بوجوب الوفاء بالشروط مطلقا- وأن عمر تضادت الروايات عنه فى رجل شرط لامرأته ألا يخرجها من دارها، فمرة قال: المرأة مع زوجها ومرة قال:لها شرطها.
هذا بعض ما فى كتب الفقه، يتبين منه أن الاشتراط فئ عقد الزواج إذا كان ينافى مقصود النكاح فهو باطل، والبطلان إما للعقد وإما المشرط مع صحة العقد، أما ما لا ينافى مقصود النكاح مثل سفرها معه أو زيارتها لأهلها: فلا يبطل العقد، أما الوفاء به ففيه خلاف، قيل بوجوب الوفاء كما قال أحمد وقيل بعدم وجوبه كما قال الشافعى.
وإذا كان الفقهاء قد ضربوا أمثلة من واقع حياتهم وعصورهم فالأمثلة تختلف باختلاف البيئات والعصور، وينظر فيها على ضوء القواعد الأساسية القديمة المشار إليها فيما ذكر
(10/91)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 9:29 am

ماء الزنا لا حرمة له

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن الإنسان لو زنى بامرأة فولدت منه بنتا يجوز له أن يتزوج هذه البنت وأنه من زنى بأخت زوجته حرمت عليه زوجته؟

الجواب
يقول النبى صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخارى ومسلم. جمهور الفقهاء على أن الزنا لا يثبت به نسب الولد للزانى، بل ينسب إلى أمه بالولادة، وعليه فيجوز للزانى أن يتزوج من البنت التى نتجت من زناه، ويرى الحسن البصرى أن الولد ينسب إلى الزانى، وتحمس ابن القيم لهذا الرأى قائلا: إن القياس الصحيح يقتضيه، فإن الأب أحد الزانيين، وهو إذا كان يلحق بأمه وينسب إليها وترثه ويرثها، ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه مع كونها زانية به، وشد وجد الولد من ماء الزانيين وقد اشتركا فيه واتفقا على أنه ابنهما-فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدَّعه غيره؟ فهذا محض القياس، وكان الشافعى يقول بذلك فى مذهبه القديم. أما فى الجديد فماء الزنا لا حرمة له ولا يثبت به نسب.
"زاد المعاد ج 4 ص 173 " وما بعدها وتفسير القرطبى ج 5ص114 " والأدلة والمناقشة متوفرة فيهما.
ومن زنى بأخت زوجته أو أمها أو بنتها لا تحرم عليه زوجته عند جمهور الفقهاء وعقد النكاح باق على صحته، لأن النكاح الذى يحرم ذلك هو النكاح القائم على العقد الصحيح، وليس مجرد الوطء، ولأن الزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث، وقال به ابن عباس فى رواية وعن سعيد بن المسيب وعروه والزهرى فقد أجازوا أن يقيم الرجل مع امرأته ولو زنى بأمها أو أختها، قال ابن عبد البر: أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه لا يحرم على الزانى تزوج من زنى بها فنكاح أمها أو أختها أجوز، أى أولى بالجواز. وقال الزهرى: قال على: لا يحرم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها، وقال به أحمد، وهو رواية عن مالك. ورواية عن ابن عباس لكن الرواية ضعيفة: ففى حديث أخرجه ابن أبى شيبة "من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها" وإسناده مجهول كما قال البيهقى. وهؤلاء عمموا فى التحريم الخلوة والقبلة بشهوة " فتح البارى ج 9 ص 57 "
(10/92)
________________________________________
القتال فى الإسلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء فى الحديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله " فكيف يتفق هذا مع قوله تعالى " لا إكراه فى الدين "؟

الجواب
ليس المراد من الحديث أن القتال وسيلة من وسائل دخول الناس فى الإسلام، بل المراد أن الإسلام الذى يستدل عليه بالنطق بالشهادتين مانع من القتال، لا أنه غاية أو هدف له، ومثل ذلك قوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} التوبة: 29، فليس المراد أن إعطاء الجزية هو الهدف من القتال ولكنه مانع منه.
وإذا كان بعض الناس يفهم من الحديث أن الإسلام قد انتشر بالسيف فإن هذا الفهم غير صحيح. لأن العقائد لا تغرس أبدا بالإكراه، وذلك أمر معروف فى تاريخ الرسالات، قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} هود: 28، وقال تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الكهف: 29، وقال تعالى: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس: 99، وقال تعالى {لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى} البقرة: 256، والنصوص والحوادث فى ذلك كثيرة.
وأين كان السيف فى مكة عندما أسلم السابقون الأولون؟ لقد كان موجودا ولكن كان عليهم لا لهم. وقد أثر عن عمر رضى الله عنه أن عجوزا جاءته فى حاجة فعرض عليها الإسلام فأبت، وتركها عمر وخشى أن يكون فى قوله - وهو أمير المؤمنين -إكراه لها، فاتجه إلى ربه ضارعا معتذرا: اللهم أرشدت ولم أكره، ثم تلا قوله تعالى {لا إكراه فى الدين} ويراجع فى رد اتهام الإسلام بأنه انتشر بالسيف كتاب " الدعوة الإسلامية دعوة عالمية "
(10/93)
________________________________________
الجندى وأسرار الحرب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ماذا يفعل المجاهد الحريص على الجنة حينما يحيط به العدو ويخشى أن يقع أسيرا فى أيديهم وربما تكون معه أسرار تجعله حريصا على عدم حصول العدو على شىء منها بوسائل التعذيب الشديدة؟

الجواب
يجب على الجندى أن يبذل أقصى جهده فى الدفاع عن نفسه حتى لا يقع أسيرا، إلا بعد نفاذ كل وسيلة للخلاص من العدو، فإن أسر كان عليه أن يحافط على الأسرار الخطرة التى يضر إفشاؤها بمصلحة المسلمين، والكذب فى هذه الأحوال جائز، فإن الحرب خدعة كما ثبت فى الحديث، والإكراه يرفع المسئولية كما قال سبحانه {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} النحل: 106.
فليبذل غاية جهده فى الدفاع عن النفس وحفظ السر، والضرورات تبيح المحظورات، ولا يجوز أن يفكر فيما يفكر فيه بعض الناس من الالتجاء إلى الانتحار خوف التعذيب لاستخراج الأسرار، فإن ذلك محرم أشد التحريم، وتعذيبهم للأسير لإفشاء الأسرار أمر مظنون غير محقق، فربما لا يلجأ العدو إلى ذلك، فالانتحار من أجل ضرر مظنون غير محقق لا يجوز
(10/94)
________________________________________
لقمان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل لقمان نبى أم ولى، وفى أى عصر كان يعيش؟

الجواب
يقول الله سبحانه {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله} لقمان:
112، أنزل الله فى القرآن سميت باسم لقمان، ونصت الآية على أن الله سبحانه آتاه الحكمة، كما ذكرت ال وصيته لابنه، وذلك لأهميتها.
والخلاف فى نسبه ونشأته كبير، وليس لأى قول فى ذلك دليل قوى، فمثلا قال محمد بن إسحاق: هو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح، وهو آزر أبو إبراهيم، وقال السهيلى: هو لقمان بن عنقاء بن سرون وكان نوبيا من أهل أيلة، وقال الزمخشرى: هو لقمان بن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته، عاش ألف سنة وأدركه داود وأخذ عنه العلم، وقال الواقدى:
كان قاضيا فى بنى إسرائيل، وقال سعيد بن المسيب: كان لقمان أسود من سودان مصر.
واختلف فى صنعته، فقيل كان خياطا، وقيل حطابا، وقيل: كان راعيا، وقيل: كان نجارا كما اختلف فى شكله فقيل: كان أسود مشقق الرجلين ذا مشافر، أى عظيم الشفتين وكل ذلك كلام لا دليل عليه يطمئن إليه القلب، لكن المهم أن نعرف هل كان نبيا أو وليا أى رجلا صالحا؟ .
المتفق عليه أن الله آتاه الحكمة وسجل وصيته فى القرآن إشادة بها وتقريرا لها، وجمهور العلماء على أنه كان وليا ولم يكن نبيا، وقال بنبوته عكرمة والشعبى لأنها هى الحكمة التى آتاها الله إياه، ولكن الصواب كما ذكره القرطبى فى تفسيره لل " ج 14 ص 59 " أنه رجل حكيم بحكمة الله تعالى.
ومهما يكن من شىء فلا يضرنا الجهل بذلك، والمهم هو الإقتداء بسيرته والأخذ بحكمته
(10/95)
________________________________________
النحت والرسم والتصوير

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم التصوير والرسم والنحت؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: احيوا ما خلقتم ".
ورويا أيضا عن عائشة رضى الله عنها قالت: قدم علينا رسول صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة- الطاق فى الحائط يوضع فيه الشىء وقيل غيره -بقرام - ستر -فيه تماثيل. فلما رآه تلوَّن وجهه وقال لا يا عائشة، أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله " قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين.
ورويا أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم " قال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تملثيل " وفى رواية البخارى (صورة) بدله (تماثيل) .
اختلف الفقهاء فى حكم الصور والتماثيل وإليك ملخص ما قيل:
أولا- حكم اقتنائها: اتفق العلماء على حرمة اقتنائها إذا كان الغرض منها العبادة أو التقديس، لأنها رجس والله يقول {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} الجج: 30 وإن لم يكن الغرض منها ما ذكر فهو حرام أيضا إذا توافرت هذه الشروط:
1 - أن تكون التماثيل تامة الأجزاء الظاهرية.
2 - ألا تكون هناك مصلحة تدعو إلى اقتنائها.
3- أن تكون من مادة تبقى مدة طويلة كالخشب والمعدن والحجر.
وذلك للأحاديث السابقة، ولسد الذريعة إلى عبادة الأصنام، وعدم التشبه بمن يحرصون على تقديسها، كما مزق النبى صلى الله عليه وسلم ثوبا فيه تصاليب، لأنها ترمز إلى عقيدة جعلها بعض الناس من أصول دينهم. وبمقتضى هذه الشروط يقال:
(أ) لو كان التمثال نصفيا أو نقص منه جز لو كان التمثال حيا لا يعيش بدونه كالرأس أو البطن، جاز اقتناؤه وإن كان ذلك مكروها. ونقل عن المالكية جواز اتخاذ التمثال التام إذا كان فيه ثقب فى مكان بحيث تمتنع معه الحياة حتى لو كان الثقب صغيرا، واشترط الحنفية والحنابلة فى هذا الثقب أن يكون كبيرا حتى يجوز اقتناؤه.
(ب) ولو كانت هناك مصلحة فى اتخاذ التمثال كلعب البنات أو كوسيلة إيضاح فى التعليم جاز ذلك، لان النبى صلى الله عليه وسلم أقر وجود العرائس عند عائشة كما فى الصحيحين. وعلل العلماء هذا بأن فيها تمرينا للبنات على المستقبل الذى ينتظرهن، وهو اسثشاء من عموم النهى عن الصور. وتوسع بعض العلماء فأجاز التماثيل التى تقام لتخليد ذكرى العظماء، وإن كان ذلك مكروها فى نظرهم، لأنه قد يجر إلى عبادتها، كما عبدت تماثيل (وَدّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر) وكانت فى الأصل لتخليد ذكرى قوم صالحين كما ورد فى الحديث، ولان الأوْلى فى تخليد العظماء أن يكون بالمنشآت المفيدة كالمدارس والمصحات.
(ج) ولو كانت التماثيل مصنوعة من نحو حلوى أو عجين فقد أجاز أصبغ بن الفرج المالكى اتخاذها.
وذكر القرطبى جواز ذلك عند تفسير قوله تعالى فى سبأ {يعملون له ما يشاء من محاريب وتملثيل. . .} .
ثانيا- حكم صنعها: اتفق العلماء على أن صنع هذه التماثيل حرام، وهو من الكبائر إذا قصد من عملها العبادة أو التعظيم على وجه يشعر بالشرك، وذلك للأحاديث السابقة، أما إذا لم يقصد بصنعها ذلك فيحرم إن كانت تامة وليس هناك غرض صحيح من صنعها، وكانت مادتها مما يطول بقاؤه عادة. وذلك لعموم الأحاديث الواردة فى النهى عنه، وقصر بعض العلماء الحرمة على ما قصد به مضاهاة خلق الله.
وبهذا يعرف أن صنع التماثيل الناقصة غير محرم وكذلك وسائل الإِيضاج وتماثيل الحلوى والعجين.
هذا هو حكم النحت، أما الرسم والنقش والتصوير للإنسان وكل ما فيه روح فهناك أربعة أقوال فى الصنع والاقتناء:
ا - التحريم مطلقا، سواء أكانت تامة أم ناقصة فى ظاهرها، وسواء أكانت مكرمة لكونها على ستار أو جدار مثلا أم ممتهنة لكونها فى بساط مفروش مثلا - وذلك لعموم النهى فى الأحاديث المتقدمة.
2 -تحريمها إذا كانت تامة لا ناقصة.
3- تحريم إذا كانت مكرمة غير ممتهنة 4 - جوازها مطلقا، وهو منقول عن القاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة السبعة.
على أنهم استثنوا التصوير الشمسى، لأنه حبس ظل بمعالجة كيماوية على نحو خاص، وليست فيه معالجة الرسم المعروفة.
هذا وأما تصوير ما لا روح فيه كالنباتات فلا مانع منه مطلقا، وهو من الفنون الجميلة التى لم يرد نهى عنها لذاتها.
وقد تمنع الصور الحية إذا كان فيها كشف لما أمر الله بستره، أو كان فيها إغراء أو قصد بها ابتزا أو نحو ذلك
(10/96)
________________________________________
العجز عن الوفاء بالنذر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نذرت أن أذبح كبش إذا نجح ابنى، ولكننى لم أستطع أن أوفى بالنذر فماذا أفعل؟

الجواب
النذر تعهد بعمل طاعة ليست واجبة فتجب على الناذر، كصلاة ركعتين للَّه، وذبح شاة للفقراء، وقراءة القرآن، والواجب هو الوفاء بالنذر كما قال سبحانه {وليوفوا نذورهم} الحج: 29، وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه " رواه البخارى ومسلم.
فمن نذر ذبح كبش إذا نجح ولده انعقد النذر ووجب الوفاء به، وليس الذبح مقيدا بوقت فهو فى ذمته ما دام حيا، والأولى التعجيل به كالدين، فإن لم يستطيع الوفاء به عند نجاح ولده فليكن فى أى وقت شاء، فإن وجوب الوفاء المطلق هو على التراخى، وذلك ما دام يرجى أن يجد ثمنه فى أى يوم من الأيام، كالمريض الذى أفطر فى رمضان عليه أن يقض ما دام مرضه يرجى شفاؤه.
أما إذا تأكد أنه لن يجد ثمن النذر أبدا -أو مرض مرضا لا يرجى شفاؤه لا يستطيع معه الوفاء بالنذر مثل من نذر أن يقرأ القرآن كله كل أسبوع، فله أن يتحلل من النذر، أى من الالتزام بالوفاء به، وذلك - يسمى بالحنث كالحنث فى اليمين، والكفارة هى كفارة يمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام لا يشترط فيها التتابع، كما نص عليه القرآن الكريم فى المائدة، الآية: 89.
وكما جاء فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " كفارة النذر كفارة يمين " قال النووى فى شرح هذا الحديث: اختلف العلماء فى المراد بهذا الحديث، فحمله جمهور أصحابنا - الشافعية - على نذر اللجاج - أى غير المجازاة أو المشروط بحصول شىء - فهو مخير بين الوفاء بالنذر أو الكفارة، وحمله مالك والأكثر ون على النذر المطلق، كقوله: علىَّ نذر، وحمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذور وقالوا: هو مخير فى جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة اليمين. (ج 11 ص 154) يقول الشوكانى فى " نيل الأوطار " ج 8 ص 256: والظاهر اختصاص الحديث بالنذر الذى لم يسم، وأما النذور المسماة إن كانت طاعة فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين، وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها، سواء كانت متعلقة بالبدن أو المال.
والذى أختاره بعد كل ذلك: أن صاحب هذا النذر عليه أن يذبح كبش فى أى وقت من الأوقات يتيسر فيه الحصول عليه ولو بعد سنين، أما إذا أراد أن يتحلل منه فعليه أن يكفر كفارة يمين على الوجه المذكور فى المائدة، وعليه أيضا أن يتوب من هذا الذنب، ويعزم ألا يعود إلى التورط فيما لا يقدر عليه
(10/97)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 9:29 am

الجن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نريد توضيحا لعالم الجن، وهل يمس الإنسان بِشَرِّ؟

الجواب
1 -الجن -كما يقوك الدميرى فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى" - أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة. لها عقول وإفهام وقدرة على الأعمال الشاقة.
2 - وهم خلق موجودون بالنصوص الثابتة فى القرآن والسنة، وبالإجماع، والعقل لا يحيل ذلك.
3- وهم أصناف، فقد روى الطبرانى بإسناد حسن عن أبى ثعلبة الخشنى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " الجن ثلاثة أصناف، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها فى الهواء، وصنف حيَّات، وصنف يَحُلُّون ويظعنون " أى يمشون ويتحركون، وكذلك رواه الحاكم وقال: صحيح الإِسناد. وجاء فى حديث رواه ابن أبى الدنيا عن أبى الدرداء رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " خلق الله الجن ثلاثة أصناف، صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض، وصنف كالريح فى الهواء، وصنف كبنى آدم، عليهم الحساب والعقاب ".
وإذا كان اسم الجن يطلق على الهوام المؤذية فيمكن فهم هذا الحديث بسهولة، وهو ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم " نهى عن إرسال الأطفال بعد غروب الشمس إلى العشاء، لأن الشياطين تنبعث فى هذه الفترة. وكذلك ما رواه البخارى ومسلم عن أبى لبابة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجِنَان التى فى البيوت إلا الأبتر وذا الطُّفيتين، فإنهما اللذان يخطفان البصر ويطرحان أولاد النساء. والطفيتان - بضم الطاء - الخطان الأبيضان على ظهر الحية. والأبتر قصير الذَّنب. وقال النضر بن شميل: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب، ولا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها " حياة الحيوان - للدميرى ".
4 - والجن مستترون، وقد يتشكلون بأشكال مختلفة، وتحكم عليهم الصورة كما قال العلماء، قال تعالى {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} الأعراف: 27. وقد تشكل شيطان فى صورة لص أراد أن يسرق من الصدقة التى كان يحرسها الصحابى، ولما أخبر النبىَّ به عرَفَه أنه شيطان رواه البخارى.
وهم من ذرية إبليس على المشهور، قال تعالى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو} الكهف: 50.
5 - الجن مكلفون كالبشر ومحاسبون على أعمالهم كما يحاسب بنو آدم، وجاء ذلك فى القرآن الكريم فى مثل قوله تعالى {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم أياتى وينذرونكم لقاء يومكم هذا} الأنعام: 130، وقوله {سنفرغ لكم أيها الثقلان} الرحمن: 31، وقد ثبت أنهم سمعوا القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم، وأن منهم من آمن ومنهم من كفر، قال تعالى {قل أوحى إلَّى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} الجن: 1، 2، وقال تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستعمون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا. .
} الأحقاف: 25، وقال على لسانهم {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا} الجن: 11 وثبت فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم ذهب إليهم وتحدث معهم. ففى صحيح مسلم أنه قال " أتانى داعى الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن " وفيه أنهم سألوه الزاد فقال " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تأخذونه فيقع فى أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بَعْرٍ علَفٌ لدوابكم " ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه " فلا تستنجوا بهما فانهما طعام إخوانكم ".
6 -إن عدم رؤيتنا للجن إنما هو فى رؤيتهم على حقيقتهم، وقد يخص الله نبيه بأن يراهم كذلك أحيانا، وقد قيل: إنه لم يرهم فى أول الآمر ولم يحس بأنهم يستمعون القرآن منه، والله هو الذى أخبره بأنهم يستمعون، ثم بعد ذلك رآهم وكلمهم حين ذهب إليهم، إمَّا على حقيقتهم وإما بأشكال أخرى، وذلك ممكن لغير النبى صلى الله عليه وسلم كما سبق ذكره فى رؤية أبى هريرة له وهو يريد أن يسرق من زكاة رمضان، وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إن عفريتا من الجن تفلَّت عل البارحة يريد أن يقطع علىَّ صلاتى، فَذعْتُه - أى خنقته - وأردت أن أربطه فى سارية من سوارى المسجد، فذكرت قول أخى سليمان، فأطلقته " وجاء فى رواية مسلم قوله " والله لولا دعوة أخى سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " كما جاء فى رواية النسائى بإسناد جَيد أنه خنقه حتى وجد برد لسانه على يده.
7 - إن إبليس أقسم حين طرد من الجنة أن يُغوى الناس أجمعين إلا عباد الله المخلصين، وقد حذرنا الله منه بمثل قوله تعالى {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} فاطر: 6،. وقوله تعالى {ألم أعهد إليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} يس: 60.
وثبت أن كل إنسان يُوَكَّل به شيطان يطلق عليه اسم القرين. ففى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن " قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال " وإياى، إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرنى إلا بخير ".
8- والشيطان كما يضر الأنسان بالإِغواء والفتنة، يمكنه أن يؤذيه بأى نوع من الأذى الحسى أو المعنوى، شأن الإِنسان مع الإِنسان، وإذا ثبت أن منهم الكافرين والمؤمنين، وأن منهم الطائعين والعاصين، كما جاء فى قوله تعالى {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك} فإن العقل لا يحيل أن يؤذى الجن الإِنس بأى أذى، وليس هناك دليل صحيح يحيل هذا الأذى، فالجن قد سرق من الزكاة كما سبق وهو يشارك الإِنسان فى الطعام وغيره، ولذلك حثنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نسَمِّى الله عند الأكَل وعند دخول البيت، بل عند إرادة اللقاء مع الزوجة.
9-واتقاء شره فى الوسوسة يكون بمثل ما جاء فى قوله تعالى {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} الأعراف: 200، كما يستعان عليه بقوة الإِيمان بالله والمواظبة على العبادة والسلوك الحسن، حتى يكون الإِنسان من عباد الله المخلصين، الذين نجأهم الله من سلطان إبليس.
10 -والمسألة التى يسأل عنها كثيرا هى: هل يستطيع الجن أن يلبس جسم الإِنسان ويصيبه بما يسمى الصرع؟ .
الجواب أنه لا يوجد دليل صحيح يمنع ذلك، وقال بعض الناس: إن ذلك ممنوع، لأن طبيعة الجن النارية لا يمكن أن تتصل بطببيعة الإِنس الترابية أو تلبسها وتعيش معها، وإلا أحرقتها، لكن هذا الاحتجاج مردود، لأن الطبيعة الأولى للجن والإِنس ذهبت عنها بعض خصائصها، بدليل الحديث السابق، فى إمساك الرسول للعفريت وخنقه وإحساسه ببرد لعابه على يده،، فلو كانت طبيعة النار باقية لأصابت يده الشريفة صلى الله عليه وسلم، ولاشتعل البيت والمكان والملابس نارا إذا أوى إليها الشيطان عندما لم يسم الإِنسان عند دخول البيت والأكل من الطعام.
وفى هذا يقول ابن القيم فى كتابه زاد المعاد فى " الطب ": الصرع، صرعان، صرع من الأرواح الأرضية الخبيثة، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثانى هو الذى يتكلم فيه الأطباء، فى سببه وعلاجه، وأما صرع الأرواح فأثمتهم وعقلاؤهم يعترفون به، ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية، لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدفع آثارها وتعارض أفعالها وتبطلها، ثم يقول ابن القيم: لا ينكر هذا النوع من الصرع إلا من ليس له حظ وافر من معرفة الأسرار الروحية. وأورد بعض الحوادث التى حدثت أيام النبى صلى الله عليه وسلم وأثر قوة الروح وصدق العزيمة فى علاجها، وأفاض فى النعى على من ينكرون ذلك
(10/98)
________________________________________
القرعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قد تلجا بعض الجهات إلى عمل قرعة لتوزيع جائزة على بعض من قدموا عملا يستحق الجائزة، فهل هذا مشروع؟

الجواب
القرعة جائزة شرعا، لأنها تُعَينَ، لا تحرم ولا تحلل وهى معروفة من قديم الزمان، ومن حوادثها:
أ- القرعة فيمن يكفل مريم، كما قال تعالى {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} آل عمران: 44.
ب - القرعة فيمن يرمونه من السفينة التى ركبها يونس. فى قال تعالى {فساهم فكان من المدحضين} الصافات 141.
ج - صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج عليها السهم سافر بها.
د - وروى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم عرض علي، قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم فى اليمين أيهم يحلف.
ط -جاء فى السنن ومسند أحمد أن رجلين تداعيا فى دابة ليس لواحد منهما بينة، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسهما على اليمين، أحبا أو كرها.
و وفيهما أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها ".
ز- وجاء فى السنن عن أم سلمة رضى الله عنها: أن رجلين اختصما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فى مواريث بينهما درست، ليس بينهما بينة، فقال "إنكم تختصمون إلى، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، وإنما أقض بينكم على نحو ما أسمع، من قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه،، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتى بها أسطاما فى عنقه يوم القيامة " فبكى الرجلان وقال كل منهما: حقى لأخى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " أما إذ قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما عليه، ثم ليتحلل كل منكما صاحبه " الاسطام جمع سطام وهو حد السيف.
ح - وأقرع سعد بن أبى وقاص يوم القادسية بين المؤذنين " بدائع الفوائد لابن القيم " هذا، وهناك قرعة تجرى بين المتسابقين لأخذ جائزة، أو لإعطاء هدايا لمن يشترون بضاعة بثمن معين من محل تجارة، أو لأى غرض مباح، وهذه حلال لا حرمة فيها.
جاء فى تفسير القرطبى (ج 4 ص 86) أن القرعة أصل فى شرعنا لكل من أراد العدل فى القسمة، وهى سنة عند جمهور الفقهاء فى المستويين فى الحجة، ورد العمل بالقرعة أبو حنيفة وأصحابه وردوا الأحاديث الواردة فيها وزعموا أنها لا معنى لها وأنها تشبه الأزلام التى نهى الله عنها، وحكى ابن المنذر عن أبى حنيفة أنه جوزها، وقال: القرعة فى القياس لا تستقيم، ولكنا تركنا القياس فى ذلك وأخذنا بالأَثار والسنة، قال أبو عبيد: وقد عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء: يونس وذكريا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن المنذر: استعمال القرعة كالإجماع من أهل العلم فيما يقسم بين الشركاء، فلا معنى لقول من ردها.
وقد ترجم البخارى فى آخر كَتاب الشهادات " باب القرعة فى المشكلات " وقول الله عز وجل {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} وساق حديث النعمان بن بشير فى مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة. وحديث أم العلاء الذىَ جاء فيه:
أن عثمان بن مظعون طار لهم سهمه فى السكتى حين اقترعت الأنصار سكنى المهاجرين، وحديث عائشة: كان النبى إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها.
ثم يقول القرطبى: وقد اختلفت الرواية عن مالك فى ذلك أى فى القرعة بين النساء فى السفر فقال مرة بالقرعة لحديث عائشة، وقال مرة:
يسافر بأوفقهن له فى السفر ثم ذكر القرطبى حديث " لو يعلم الناس ما فى النداء - الأذان - والصف الأول - فى صلاة الجماعة -ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا " أى أجروا القرعة، والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة.
ثم تحدث عن رأى أبى حنيفة فى شأن زكريا وأزواج الرسول بأن القرعة كانت مما لو تراضوا عليه دون قرعة لجاز، قال ابن العربي: وهذا ضعيف لأن القرعة إنما فائدتها استخراج الحكم الخفى عند التشاح - التنازع -ولا يصح لأحد أن يقول: إن القرعة تجرى مع موضع التراضى، فإنها لا تكون أبدا مع التراضى، بل تكون فيما يتشاح الناس فيه ويُضَنَّ به
(10/99)
________________________________________
عقوبة السجن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس: إن الحكم بالحبس أو السجن ليس فى الإسلام، فهل هذا صحيح؟

الجواب
فكرة العقوبة بالسجن معروفة قبل الإسلام، وفى القرآن الكريم ما يدل على أن عزيز مصر كان عنده سجن ودخله يوسف عليه السلام، ودخل معه فتيان دعاهما إلى توحيد الله " انظر سورة يوسف 36- 42 " وفيه أيضا أن فرعون الذى أرسل إليه موسى كان له سجن هدده بإدخاله فيه، {قال لئن اتخذت إلها غيرى لأجعلنك من المسجونين} الشعراء: 29.
وفكرة السجن موجودة فى الإسلام ولم تكن أيام النبى صلى الله عليه وسلم بالمعنى المتبادر إلى الذهن من اتخاذ دار خاصة يوضع فيها من استحق عقوبة، ولم تكن كذلك أيام أبى بكر رضى الله عنه، ولكن كان هناك "حبس" بمعنى تعويق الشخص ومنعه من التصرف الحر حتى يقضى دينا وجب عليه، أو يرد حقا اغتصبه، وكان الذى يلازم المحبوس هو الخصم أو وكيله، ولهذا سماه النبى صلى الله عليه وسلم أسيرا، وروى أحمد أنه عليه الصلاة والسلام حبس فى تهمة، وكذا رواه أبو داود والترمذى والنسائى، قال الترمذى: حسن. وزاد هو والنسائى: ثم خلى عنه. والحاكم صحح هذا الحديث، وله شاهد آخر من حديث أبى هريرة يقوى حديث بَهْزَ بن حكيم الذكور. وجاء فى حديث أبى هريرة أن الحبس كان يوما وليلة استظهارا وطلبا لإظهار الحق بالاعتراف.
وروى البيهقى أن عبدا كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه، فحبسه النبى صلى الله عليه وسلم حتى باع غنيمة له " وهذا الحديث وإن كان فيه انقطاع فإنه روى من طريق أخرىَ عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. والبخارى فى صحيحه جعل بابا بعنوان "باب الربط والحبس فى الحرم " قال ابن حجر فى شرح البخارى " فتح البارى ": كأنه أشار بهذا التبويب إلى رد ما نقل عن طاوس أنه كان يكره السجن بمكة ويقول: لا ينبغى لبيت عذاب أن يكون فى بيت رحمة.
ويقال إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه هو أول من اتخذ دار للسجن فى مكة، اشتراها من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، وكان ذلك بمعرفة عامله على مكة "نافع بن عبد الحرث الخزاعى" وقيل: إن أول مرن اتخذ دارا للسجن هو معاوية بن أبى سفيان: كما ذكره المقريزى "الخطط ج 3 ص 303 ". وكان القاضى شريح هو أول من حبس فى الدين.
ومن وقائع الحبس أيام عمر رضى الله عنه، أنه حبس الحطيئة الشاعر الهجاء لتطاوله على ابن بدر، عامل عمر، أو هدده بالحبس حتى تضرع له بقصيدة معروفة منها قوله:
ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ * زغب الحواصل لا ماء ولا شجر * ألقيت كاسبهم فى قعر مظلمة * فاغفر عليك سلام الله يا عمر فعفا عنه.
وكذلك حبس أبا محجن الثقفى، لما جلده على السكر ونفاه إلى جزيرة فى البحر فهرب من الرجل الذى كان يصحبه، ولحق بسعد بن أبى وقاص وهو يحارب، فكتب عمر إلى سعد أن يحبسه، وبعد نفيه إلى رابغ وهروبه منها قبض عليه وسجن قرب القادسية أسفل قصر الإمارة، وتوسل إلى سلمى بنت حفصة زوجة سعد فأطلقته واشترك فى الحرب وأبلى بلاء حسنا ثم عاد إلى القيد، وفى النهاية أفرج عنه بعد توبته، وأيضا معن بن زائدة، أمر المغيرة بن شعبة بحبسه فى حادث تزوير فى أوراق رسمية، ولما هرب من السجن عاد إلى عمر تائبا وفى النهاية عفا عنه.
وعثمان بن عفان رضى الله عنه أقر عقوبة الحبس، ومن سجنائه جنائى بن الحرث الذى هجا بنى جرول.
ويلاحظ أنه لم يكن له مكان خاص، بل كان يسجن أحيانا فى السجن ودهاليز البيوت.
وأما على بن أبى طالب فيقال إنه حبس الغاصب وآكل مال اليتيم ظلما والخائن فى الأمانة، وخصص للسجن مكانا، وكان أولا من أعواد القصب، ثم بنى غيره محكما، ويقول البلاذرى والمسعودى: إن معاوية أربى على الخلفاء فى إعداد السجون والاهتمام بها.
ومن أنواع السجن النفى، لأنه فصل عن المجتمع الذى كان يعيش فيه المَنفِى، ومنه قوله تعالى فى جزاء المحاربين المفسدين {أو ينفوا من الأرض} المائدة: 33.
وقد قرر الفقهاء إيقاع الحبس على المشترك فى جناية حتى يفصل فيها، وكذلك أجازوا التعزير للردع وللديون حتى ترد، وللتأديب الذى يراه الحاكم، فالسجن الموجود الآن نوع من التعزيرات التى لم تحدد فى الإسلام لاَ كما ولا كيفا، بل ترك أمرها إلى القاضى ليقرر ما يراه مناسبا للجريمة أو المخالفة بوجه عام.
ونظرًا لبعض المعاملات القاسية التى تتخذ مع المسجونين الآن، رأى بعض العلماء عدم جوازه، رجوعا إلى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وخليفته أبى بكر، مع استبدال إجراءات أخرى به تضمن رد الحقوق إلى أصحابها ومنع الضرر عن الناس.
هذا، وقد تطورت السجون فى التشريعات الحديثة لدى بعض الدول، فجعلت كمؤسسة تربوية، يعامل فيها المسجون كمريض تدرس أحواله، ويعالج بطرق خاصة، لتجعل منه مواطنا صالحا بعد الانتهاء من مدة إحتجازة. والشوكانى فى نيل الأوطار "ج 9 ص 218 " يقول بعد بحث الموضوع " والحاصل أن الحبس وقع فى زمن النبوة وفى أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الآن فى جميع الإعصار والأمصار، من دون إنكار. وفيه من المصالح ما لا يخفى. . . " وأخذ يعدد هذه المصالح إلى أن قال. . وقد استدل البخارى على جواز الربط بما وقع منه صلى الله عليه وسلم من ربط ثمامة بن أثال بسارية من سوارى مسجده الشريف، كما فى القصة المشهورة فى الصحيح. "يراجع نيل الأوطار ج 7 ص 160، قضايا عصرية للشيخ جاد الحق ج 5 ص 269 "
(10/100)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:27 am


على كرم الله وجهه

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا إذا ذكر الإمام على بن أبى طالب قيل: كرم الله وجهه أو عليه السلام؟

الجواب
ذكر ابن كثير أنه قد غلب فى عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد على رضى الله عنه بأن يقال: عليه السلام، من دون الصحابة، أو كرم الله وجهه، وهذا وإن كان معناه صحيحا لكن ينبغى أن يسوى بين الصحابة فى ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، والشيخان - أبو بكر وعمر - وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه.
نقله السفارينى عنه " غذاء الألباب ج 1 ص 23 " ثم قال: قد ذاع ذلك وشاع وملأ الطروس والأسماع، قال الأشياخ: وإنما خص على رضى الله عنه بقول: كرم الله وجهه لأنه ما سجد إلى صنم قط، وهذا إن شاء الله تعالى لا بأس به.
هذا ما قيل، وقد يكون السبب غير ذلك، ولا يوجد سند صحيح لما يقال.
(10/101)
________________________________________
قتل الحيوان المريض لإراحته

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى قتل الحيوانات التى لا يؤكل لحمها إذا مرضت أو عجزت وأصبحت غير نافعة؟

الجواب
أخرج الشافعى وأبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً -أى إلى صلى الله عليه وسلم- وقال صحيح الإسناد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عنها " قال: يا رسول الله وما حقها؟ قال: "يذبحها ويأكلها ولا يقطع رأسها ويطرحها" نيل الأوطار ج 8 ص 142.
فإذا كان قتل العصفور -وهو مأكول اللحم- لغير أكلها منهياً عنه فإن قتل ما لا يؤكل لحمه أولى بالنهى.
وقد نص الشافعية على أنه لا يجوز ذبح ما لا يحل أكله كالحمار الزَّمن -العجوز- ولو لإراحته عند تضرره من الحياة "حاشية الشرقاوى على التحرير ج 2 ص 459" "كتاب الفقه على المذاهب الأربعة لوزارة الأوقاف ص 607".
وأرى أنه لو ذبح لأخذ جلده والانتفاع به بعد دبغه فلا حُرمة فى ذلك، لأنه ذبح لغرض مشروع. وكذلك لو قدم لحمه طعاما لبعض الحيوانات الموجودة فى حدائق الحيوان فلا مانع منه، لأن هذه الحدائق لها أغراض مشروعة، منها دراسة طبائع وأحوال الحيوانات المتوحشة التى لا يتيسر رويتها للكثيرين.
ومن ذلك أيضا اصطياد الحيوانات البرية للانتفاع بفروها أو عظامها أو أظلافها أو أى شىء منها. فهذه كلها أغراض مشروعة، يقتل الحيوان لها سواء أكان مريضا أم غير مريض، فالمنهى عنه هو القتل الذى لا فائدة منه، كاتخاذ حيوان أو طير غرضا للتسابق فى الرمى بالنبل أو الرصاص، ففى صحيح مسلم " لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا " وفيه أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وجعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم - فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه روح غرضاً.
(10/102)
________________________________________
الصيد بالبنادق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى صيد الطيور المأكولة كاليمام والعصافير، وهل يحل أكلها إذا ماتت قبل أن تذبح؟

الجواب
(أ) روى البخارى ومسلم عن عدى بن حاتم أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم وقال: فإنى أرمى بالمعراض الصيد فأصيد. قال: (إذا رميت بالمعراض فخزق فكل، وما أصاب بعرضه فلا تأكل) .
المعراض قيل هو السهم الذى لا ريش له ولا نصل، قيل هو خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها وشد لا يحدد، واختاره النووى تبعا لعياض. وقال ابن التين: المعراض عصا فى طرفها حديدة يرمى بها الصائد، فما أصاب بحده فهو ذكى فيؤكل، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ. وخزق أى نفذ. وجاء بلفظ وخسق أى خدس.
(ب) وروى البخارى ومسلم أيضا عن عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف، وقال: (إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين) الخذف أى الرمى بحصاة أو نواة بواسطة المخذفة وهى كالمقلاع.
(ج) وروى أحمد عن عدى أيضا أنه قال: يا رسول الله، إنا قوم نرمى، فما يحل لنا؟ قال: (يحل لكم ما ذكيتم، وما ذكرتم الله عليه وخزقتم فكلوا منه) .
(د) وروى أحمد مرسلا عن عدى عن النبى صلى الله عليه وسلم: (ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت) والبندقة تتخذ من طين وتيبس.
نستنتج من هذه الأحاديث ما يأتى:
1 - إذا أدرك المصيد حيا حياة مستقرة وذبح فهو حلأل بالاتفاق. واشترط التسمية أو عدم اشتراطها عند الذبح فيه خلأف بين الفقهاء، وهو يكون فى الصيد المذبوح وفى غير الصيد 0 2 -إذا مات الصيد قبل أن يذبح، وكان موته بشىء محدد كالسهم الذى يجرح أو يخترق، فهو حلال، واشترط بعضهم التسمية ولم يشترطها بعضهم عند إطلاق السهم.
3-إذا مات الصيد قبل أن يذبح وكان موته بشىء محدد أى لم يجرح ولم ينفذ كالحجر والبندقة فإن الجمهور يقول بحرمته، وعن الأوزاعى وغيرة من فقهاء الشام أنه يحل مطلقا كل صيد، سواء أكان بمحدد أم بغير محدد، ولكن النصوص تشهد لقول الجمهور.
والرصاص الذى يطلق من البنادق والمسدسات هل يعد كالسهم فيحل صيده؟ رأى جماعة أنه كالسهم لأنه يخترق جسم الصيد وينفذ منه بل هو أشد منه. وعلى هذا فيحل الصيد به، ورأى آخرون أن الرصاص ليس محددا جارحا كالسكين والسهم بل يقتل الصيد بثقله الشديد، وعلى هذا فلا يحل أكله.
وأختار أن الصيد بالرصاص يحل أكل ما صيد به، والأحوط أن يذكر اسم الله عند إطلاق الرصاص، خروجا من خلاف من أوجبه
(10/103)
________________________________________
شعر الغزل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
الشعر الذى يتغزل فى النساء، منهى عنه، فكيف يسمعه النبى صلى الله عليه وسلم من كعب بن زهير؟

الجواب
كان من عادة الشعراء العرب أن يبدأوا قصائدهم بالغزل، وقد تكون القصيدة كلها قائمة عليه، وروت كتب السيرة أن كعب بن زهير ابن أبى سلمى لما قدم على النبى صلى الله عليه وسلم تائبا قال قصيدته التى جاء فيها:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول * متيم أثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين اذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول تجلو عوارض ذى ظلم اذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول ويقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم أعجب بها والبسه بردته.
وثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع الشعر فى المسجد من حسان بن ثابت، ودعا أن يؤيده الله بروح القدس كما رواه البخارى، وجاء فى الأدب المفرد للبخارى أنه عليه الصلاة والسلام استنشد عمرو بن الشريد من شعر أمية بن أبى الصلت، فأنشده مائة قافية، وروى أنه كان يستزيده عقب كل قافية بقوله:
هيه، كما رواه مسلم، وكاد أمية أن يسلم، أى فى شعره، كما رواه البخارى ومسلم. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن من الشعر لحكمة " كما رواه البخارى، وقال فى شعر لبيد بن ربيعة: أصدق كلمة قالها شاعر: كلمة لبيد ألا كل شىء ما خلا الله باطل، كما رواه البخارى ومسلم 0 ومن الصحابة، غير حسان، قال الشعر عبد الله بن رواحة وغيره، ولم ينكر عليهم أحد.
وإلى جانب هذه النصوص التى تفيد جواز قول الشعر وسماعه، جاءت نصوص تفيد كذلك النهى عنه والتنفير منه، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لأن يمتلىء جوف رجل قيحا يريه خير من أن يمتلىء شعرا " معنى يريه يأكل جوفه ويفسده، مأخوذ من الورى، وهو داء يفسد الجوف. وروى البغوى من حديث مالك بن عمير السلمى أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الشعر فنهاه عنه. وجاء فيه "فإن رابك منه شىء فأشبب بامرأتك وامدح راحلتك " 0 وفى الأدب المفرد اللبخارى حديث " أن أعظم الناس فرية الشاعر يهجو القبيلة بأسرها" وسنده حسن. وأخرجه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ " أعظم الناس فرية رجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها " وصححه ابن حبان.
كذلك وردت فى الشعر نصوص تفصل حكمه، فقد أخرج أبو يعلى بإسناد جيد مرفوعا " الشعر كلام، فحسنه حسن وفى وقبحة قبيج " وقريب من هذا الكلام جاء عن عائشة وعبد الله بن عمر كما رواه البخارى فى الأدب المفرد، واشتهر عن الإمام الشافعى.
إزاء هذه المجموعات الثلاث من النصوص لم يقل العلماء بمدح الشعر مطلقا ولا بذمه مطلقا بل حملوا المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، فقالوا: ما كان منه حسنا فهو حسن، وما كان منه قبيحا فهو قبيح، ويحدد الحسن والقبيح من الشعر قول ابن حجر فى فتح البارى "ج 13 ص 155 ": والذى يتحصل من كلام العلماء فى حد الشعر الجائز أنه إذا لم يكثر منه فى المسجد وخلا عن هجو وعن الإغراق فى المدح والكذب المحض والتغزل بمن لا يحل، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على جوازه إذا كان كذلك.
وبناء على هذا يكون ما سمعه النبى صلى الله عليه وسلم من الشعر هو ما كان حسنا، وشعر كعب بن زهير وإن كان فيه تغزل فهو تغزل حلال. وقد تحدث العلماء فى الغزل الحلال، وخلاصة كلامهم: أن الشاعر إذا لم يقصد بالتشبيب امرأة معينة، أى كان مرسلا، أو اختلق لها اسما كسعاد وسلمى غير مقصود به معينة فهو جائز، فإن قصد به امرأة معينة وكانت على قيد الحياة فهو حرام إن كانت أجنبية عنه، لأنه يهيج إليها، كما يحرم وصف الخمر وصفا يغرى بها، وقد ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تنعت المرأة المرأة لزوجها، أما غير الأجنبية كزوجته فقد اختلف العلماء فى حكمه، وأختار القول بجوازه، على ألا يتخذ الشعر ديدنا يقصر عليه أكثر أوقاته، فإن المواظبة على اللهو جناية، وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة كذلك بعض المباحات
(10/104)
________________________________________
حكم التمثيل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم دراسة فن التمثيل واحترافه؟

الجواب
التمثيل هو تقليد أو حكاية لشخصيات ذات أحداث وقعت، أو أحداث متخيلة فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل. وهو أسلوب للتثقيف والترفيه. وليس هو الوسيلة الوحيدة لذلك حتى يتجاوز عما فيه من بعض السلبيات. فهناك القراءة والرحلات وغيرها.
وقد يكون التمثيل لشخصيات تاريخية يصور حياتها بالقول والفعل، أى بالكلمة والحركة، فإن كان صادقا شكلا وموضوعا، ويستهدف غرضا شريفا أعطى حكم الخبر الصادق، وهو الجواز، وإن كان غير صادق فى شكله كيفا أو كمًّا، أو فى موضوعه قولا أو فعلا أعطى حكم الخبر الكاذب وهو المنع، ولا يستباح هذا الكذب حتى لو كان الغرض صحيحا، فهو ليس من الضرورات التى تباح من أجلها المحظورات.
وإن كانت الشخصيات اختراعيه، كما هو الشأن فى القصص الذى لا يعنى شخصا معينا، وقد يكون على لسان بعض الحيوانات كما فى كتاب " كليلة ودمنة " فإن كان الهدف صحيحا، والمادة لا تحوى أمرا محظورا، والأداء نفسه يكون ملتزما بالآداب الإسلامية، ولم يؤد تعلمه أو احترافه إلى تقصير فى واجب أو ضرر بدنى أو عقلى أو مالى أو خلقى أو غير ذلك من الأضرار كان التمثيل حلالا، يستعان به على إبراز المعانى بصورة محسوسة كأنها حقيقية.
هذه قيود دقيقة لضبط التمثيل المقبول من غيره، والخروج على أى واحد منها يجعله ممنوعا بقدر ما يكون عليه الخروج من حرمة أو كراهة.
فلو كان الهدف منه استهزاء بشخصية محترمة، أو دعوة إلى مبدأ مخالف للدين والخلق، أو كانت المادة محرمة ككذب أو اختلاق حديث نبوى مثلا، أو كان الأداء غير ملتزم بالآداب كالتخنث وكشف المفاتن، وتشبه المرأة بالرجل أو الرجل بالمرأة، وكالقبلات بين الجنسين وما شاكل ذلك، أو أدى الاشتغال بالتمثيل إلى تقصير فى واجب دينى أو وطنى مثلا، أو أدى إلى فتنة أو ضرر لا يحتمل كان ممنوعا.
ولا يقال إن القبلات أو شرب المحرمات أو الرقص هو لتصوير حال بعض الناس وليس المراد من ذلك حقيقة ما يعمل، بل هو تمثيل. لا يقال ذلك لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، والغاية يمكن التوصل إليها بطرق مشروعة، كحكاية الخبر بالأسلوب المقروء أو المسموع، كما فى الكتب المشحونة بالقصص وحكاية أحوال السابقين بكل ما فيها.
كما لا يقال إن هذه الأمور هى من وسائل الإيضاح، فوسائل الإيضاح المباحة موجودة وليس ذلك ضرورة كما قلنا، فحياة المسلمين بالذات قامت فى أزهى عصورها على الثقافة الأصيلة والترفيه الحلال، ولم تعرف تمثيلا رخيصا أو هابطا كما يشاهد فى هذه الأيام.
هذا فى تمثيل الشخصيات العادية، أما فى تمثيل الرسل والصحابة فقد مر حكمه
(10/105)
________________________________________
المخدرات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل المخدرات التى اكتشفت بعد الخمر تعطى حكمها؟

الجواب
من المعلوم من الدين بالضرورة أن الخمر المتخذة من عصير العنب محرمة ومن أكبر الكبائر، ويكفر مستحلها، ويحد شاربها، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} المائدة: 90، 91، وقوله صلى الله عليه وسلم " ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " رواه البخارى ومسلم.
والعلة أو الحكمة فى تحريمها صيانة العقل الذى كرم الله به الإنسان وجعله مناط التكليف، وبالتعدى على العقل أمكن التورط فى فعل المنكرات والاستجابة للشهوات كما نصت عليه الآية السابقة والحديث الذى رواه الحاكم وصححه " اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر " والذى رواه ابن حجات فى صحيحه " اجتنبوا أم الخبائث " وفيه أنها حملت على القتل والزنى.
ومن أجل خطورتها حرم الإسلام الاشتراك فيها بأى نوع من الاشتراك، وجاء فى ذلك حديث أنس ابن مالك رضى الله عنه قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشترى لها والمشترى له " رواه ابن ماجه والترمذى واللفظ له وقال: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط. قال الحافظ المنذرى: ورواته ثقات.
حتى الجلوس مع شاربى الخمر منهى عنه قال تعالى {وقد نزل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذا مثلهم} النساء: 140، وقد قرأ هذه الآية عمر بن عبد العزيز عندما أمر أن يُحَدَّ جماعة كانوا فى مجلس خمر، فقالوا له: إن فلانا لم يشرب لأنه صائم، فقال ابدءوا به، يقول القرطبى فى تفسير هذه الآية: فكل من جلس فى مجلس معصية ولم ينكر عليهم: يكون معهم فى الوزر سواء، فان لم يقدر على النكير عليهم فينبغى أن يقوم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
ومثل الخمر فى الحرمة كل ما اشترك معها فى مخامرة العقل أى تغطيته من أية مادة كانت، روى البخارى ومسلم عن عمر رضى الله عنه أنه قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن الخمر قد حرمت وهى من خمسة، من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل.
والنبى صلى الله عليه وسلم حرم كل مسكر دون قصره على مادة معينة، روى البخارى أن أبا موسى الاشعرى رضى الله عنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن البِتْع والمِزْر، فقال " كل مسكر حرام " والبتع نبيذ العسل، والمزر نبيذ الشعير. روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الأشربة التى تنتبذ من العسل والذرة والشعير فأجاب " كل مسكر خمر وكل خمر حرام ". ويدخل فى ذلك المواد الطبيعية والمصنعة.
وتغيير اسم المشروب المسكر لا يغير من الحكم كما لا تغيره المادة المسكرة، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء، وقد ورد فى ذلك حديث رواه ابن ماجه وابن حبان فى صحيحه " يشرب ناس من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها، يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات - المغنيات - يخسف الله بهم الأرض ويجعل الله منهم القردة والخنازير.
ويستوى فى الحكم كل وسائل التناول للمسكر، من شرب أو أكل أو شم أو تدخين أو حقن أو غير ذلك.
والحشيش، وإن كان لم يعرف فى العالم الإسلامى إلا حوالى القرن السادس أو السابع الهجرى عند ظهور التتار، إلا أنه كان معروفا فى التاريخ القديم فى الشرق والغرب ولما عرفه المسلمون ولمسوا آثاره طبقوا عليه عموم الحديث الذى حرم كل مسكر وكذلك عموم قول أم سلمة رضى الله عنها: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر ومفتر، كما رواه أبو داود فى سننه. فهو محرم إما بالنص وإما بالقياس، وقد نقل الإجماع على حرمته غير واحد من الأئمة، منهم القرافى وابن تيمية، وقد جمع بعض الباحثين القدامى نحو مائة وعشرين مضرة دينية وبدنية فى الحشيش، ولهذا أكد ابن تيمية حرمته وقال: إن مستحله يكفر، وصرح فى كتابه " السياسة الشرعية " بأنه أخبث من الخمر من جهة أنه يفسد العقل والمزاج حتى يصير فى الرجل تخنث، وهو داخل فيما حرمه الله ورسوله من اخمر والمسكر لفظا ومعنى. وابن القيم فى كتابه " زاد المعاد " قال: إن الخمر يدخل معها كل مسكر، مائعا كان أو جامدا، عصيرا أو مطبوخا.
وإذا كانت هذه المسكرات أو المخدرات أو المفترات محرمة كالخمر، فإن عقوبتها المنصوص عليها فى الأحاديث تشملها أيضا، وهى عقوبة أخروية شديدة، والقليل من المسكر حرام كما نص عليه الحديث الذى رواه النسائى وأبو داود وقال الترمذى: إنه حسن " ما أسكر كثيره فقليله حرام ". وفى رواية للنسائى " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره " وإسناده صحيح.
فمن شرب المسكر - وهو مسلم بالغ عاقل مختار عالم بأنه مسكر وعالم بتحريمه -وجب عليه الحد، سواء سكر أم لا، والحد الأدنى فى العقوبة أن يجلد أربعين كما روأه مسلم من فعل النبى صلى الله عليه وسلم، وروى مسلم أيضا أن عبد الله بن جعفر جلد الوليد بين يدى عثمان وعلى يعد حتى بلغ أربعين فقال: أمسك، ثم قال: " جلد النبى صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعثمان ثمانين والكل سنة، وهذا أحب إلى " فإذا رأى الإمام أن يبلغ بالحد ثمانين فعل لما رواه مسلم عن عمر جعله ثمانين، وقال على لعمر: إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفترى ثمانون، فأخذ به عمر ولم ينكره أحد 0 واتفق الصحابة على ذلك، فالعقوبة مقررة بصرف النظر عن الخلاف فى كون الحد أربعين وما زاد على ذلك فهو تعزيز.
والعقوبة لا تنفذ حال السكر حتى يحس بها، ولو نفذت حال السكر، قيل يعتد بها وقيل لا يعتد. " كفاية الأخيار ج 2 ص 116 ".
وعقوبة الحد مقررة لمن شرب الخمر، أما من تعاطى غيرها من المائعات أو الجوامد فعقوبته الحد كالخمر عند بعض العلماء ومنهم ابن تيمية، أو التعزير كما قال آخرون. مع مراعاة أن الحد لا يجوز العفو عنه، أما التعزير فيجوز، ومع مراعاة الخلاف فى أن التعزيز يصل إلى الحد أو لا يصل، وأجاز أبو حنيفة أن يصل، التعزير إلى حد القتل، تاركا تحديده لما يراه القاضى أو الحاكم حسب مقتضيات الأحوال
(10/106)
________________________________________
اللقطة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ماذا يفعل الإنسان إذا وجد شيئا أو مالا، وقد أعلن عنه مرارا ولم يستدل على صاحبه؟

الجواب
هذا المال من اللقطة، وهى كل مال معصوم معرض للضياع لا يعرف مالكه، وهذه اللقطة يستحب التقاطها أى أخذها وقيل يجب، وذلك لصيانتها من التلف أو الضياع، وفى الوقت نفسه يجب على من التقطها أن يعلن عنها رجاء أن يعرفها صاحبها، والإعلام أو التعريف يكون لمدة يغلب على الظن أن صاحبها يبحث عنها، وذلك يختلف باختلاف قيمة اللقطة وأهميتها عند صاحبها. وجاء فى الحديث أن مدة التعريف بها سنة، فان جاء صاحبها وعرف علاماتها دفعها له، وإن لم يجىء بعد سنة حلَّ له أن ينتفع بها أو يتصدق بها، جاء فى صحيح البخارى وغيره أن رجلا وجد صرة فيها مائة دينار، فسأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "عرِّفها حولا " فعرفها حولا فلم يجد صاحبها فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم " احفظ وعاءها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها " والوعاء هو الشىء الذى تكون فيها اللقطة كالصندوق والكيس، والوكاء هو الخيط الذى يربط به الكيس، والمراد تمييز هذه اللقطة حتى لا تختلط بماله وأمتعته. وإذا وجد الملتقط مشقة فى حفظها والإعلان عنها فليسلمها إلى الحكومة الأمينة التى عندها محل لهذه الأمانات لتتولى هى التعريف عنها والتصرف فيها. وإذا كانت اللقطة شيئا مأكولا يخاف عليه التلف لو حفظه الملتقط وعرَّف عنه جاز أكله، وقيل يضمن ثمنه لو طلبه صاحبه، وقيل لا يضمن. وإذا كانت شيئا تافها لا يسأل عنه صاحبه جاز الانتفاع به بعد تعريفه مدة تتناسب مع أهميته. روى أحمد وأبو داود أن جابر بن عبد اللَّه قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العصا والسوط والحبل وأشباهه، يلتقطه الرجل ينتفع به. هذا فى غير لقطة الحرم بمكة، أما لقطته فيحرم أخذها إلا لتعريفها، ولا يجوز تملكها أو التصرف فيها، ويمكن تسليمها لحكومة الحرم لتتولاها، ففى الحديث عن مكة " ولا يلتقط لقطتها إلا من عرفها "
(10/107)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:27 am

حلقات الذكر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى حلقات الذكر التى يبدو الناس فيها كأنهم يرقصون؟

الجواب
ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم أنه قال " يقول اللَّه: أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم " وروى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يقعد قوم يذكرون اللَّه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم اللَّه فيمن عنده " وروى البخارى ومسلم حديثا جاء فيه " أن لله ملائكة سيارة يبتغون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وأن اللَّه قد غفر لهؤلاء الذاكرين ولمن جلس معهم " هم القوم لا يشقى جليسهم ". يؤخذ من هذا أن مجالس الذكر مشروعة، وأن الله يبارك أهلها ويرضى عمن يشارك فيها ولو بمجرد-الحضور دون ذكر، وقد قال المحققون: إن الذكر كأية عبادة لا يقبل إلا إذا كان خالصا لوجه الله، لا رياء فيه ولا سمعة، وإذا كان نابعا من القلب يعبر عنه اللسان، أما اللسانى فقط مع الغفلة عن معنى الذكر وعدم الإحساس بجلال من يذكره الذاكر فلا أثر له فى الوجدان والسلوك، والله وحده هو الذي يقدره، وكذلك إذا صحب الذكر أصوات صاخبة أو حركات خاصة تذهب الخشوع كان عبادة ظاهرية جوفاء خالية من الروح، ومثل ذلك يقال إذا كانت هذه المجالس تؤذى الغير كالمرضى المحتاجين إلى الراحة أو المشتغلين بمذاكرة علم أو عبادة أخرى، فقد روى أحمد عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتكف فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة وهم في قبة لهم، فكشف الستور وقال " ألا إن كلكم مناج لربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة"
(10/108)
________________________________________
التداوى بالمحرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لبعض المرضى أن يشربوا أبوال الإبل، وإذا صح فكيف يتفق ذلك مع قوله: لم يجعل اللَّه شفاء أمتى فيما حرم عليها؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن ناسا من قبيلة عُكْل أو عُريْنَة قدموا المدينة فمرضوا لعدم ملاءمة جوها لهم، فوصف لهم النبى صلى الله عليه وسلم " أن يخرجوا منها إلى المراعى وأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، ففعلوا فصحت أجسادهم ". وروى مسلم عن طارق بن سويد الحضرمى أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم "إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها فقال " لا " فراجعه وقال: إنا نستشفى للمريض، فقال " إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء". وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال " إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها " وروى ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى أم سلمة تَغلِى نبيذا لتداوى به ابنتها فقال " إن اللَّه تعالى لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها ". وروى الترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يا عباد الله تداووا، فان الله لم يضع داء إلا وضع له دواء " وفى رواية لأبى داود " فتداووا ولا تتداووا بالمحرم ".
وروى أيضا النهى عن الدواء الخبيث، والخمر أم الخبائث.
إزاء هذه النصوص تحدث العلماء عن التداوي بالمحرم، وبخصوص الخمر اتفق العلماء على أنه لا يجوز شربها إلا للضرورة القصوى كإنقاذ حياته من الموت لشدة العطش، أو من لقمة غُصَّ بها فى حلقه، ولا يجد شيئا حلالا أو أخف حرمة يرويه أو يمنع الغصة، وذلك قياسا على ما نص عليه من تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها ثم قال تعالى فى الآية نفسها {فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} المائدة: 3، وهى الأصل الذى أخذت منه القاعدة المعروفة: الضرورات تبيح المحظورات. أما استعمال الخمر فى غير ذلك فالجمهور على منعه حتى لو تعينت الخمر ولا يوجد غيرها من الحلال، بناء على ظاهر الأحاديث التى نصت على حرمتها مطلقا، ولا يقاس التداوى بها على شربها للعطش أو الغصة، لأن فائدتها فيهما محققة، أما فى غيرهما فمظنونة غير مقطوع بها، وأجاز بعضهم التداوى بها عند الضرورة قياسا على أكل الميتة والدم ولحم الخنزير بشرط أن يخبر بذلك طبيب مسلم عدل، وألا يوجد دواء حلال أو شىء أخف حرمة يقوم مقام الخمر، سئل ابن تيمية عن التداوى بالخمر فقالع ما نصه: وأما التداوى بالخمر فإنه حرام عند جماهير الأئمة، كمالك وأحمد وأبى حنيفة، وهو أحد الوجهين فى مذهب الشافعى. انتهى.
ولو خلطت الخمر بالماء أو أضيف المخدر إلى مادة أخرى فالتناول والتداوى حرام، أما العقوبة بالحد فتكون إذا غلب المخدر أو تساوى مع ما أضيف إليه، فإن كان أقل فلا يعاقب بالحد إلا عند السكر " مجلة الأزهر- المجلد الثالث ص 0 49، 91 4 ". أما التداوى بالنجس غير الخمر، وتناول النجس حرام، فقد قال العلماء: إنه لا يجوز إلا عند الضرورة، أما عند الاختيار وتوافر الدواء الحلال فلا يجوز. والحديث الذى ذكر أن الخمر ليست دواء ولكنها داء، وأن اللَّه لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها هو خاص بالخمر، أما المحرمات الأخرى فيجوز أن يكون فيها الشفاء ويمكن التداوى بها عند الضرورة، فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم " إن فى أبوال الإبل شفاء للذَّرِبَة بطونهم " أى الفاسدة معدتهم، ولعل ذلك لما ترعاه من الشيح والقيصوم ونباتات البادية التى تعالج بها بعض الأمراض، ومع ذلك لا يعالج بها إلا عند الضرورة، كما رخص الرسول صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام بلبس الحرير لوجود حِكَّة فى جسده. وكل هذا الخلاف في التداوى بالبول بناء على القول بنجاسته، وهو ما ذهب إليه الشافعى وغيره من القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، سواء أكانت من مأكول اللحم أم من غيره، محتجين بعموم الحديث الصحيح الذى أخبر عن عذاب الميت لأنه كان لا يستبرئ من بوله، ووضع الرسول على قبره جريدة لعل اللَّه يخفف بها من عذابه. لكن ذهب فريق من العلماء إلى أن أبوال الإبل وغيرها من مأكول اللحم طاهرة، وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، محتجين بهذا الحديث، وهو عام ليس خاصا بالقوم الدين مرضوا فى المدينة، لعدم الدليل على الخصوصية. وأرى أن التداوى بالخمر ممنوع فليس فيها شفاء، والحلال متوفر، أما المحرمات الأخرى فلا مانع من التداوى بها إذا لم يوجد الحلال أو ما هو أخف حرمة
(10/109)
________________________________________
آكل لحم الآدمى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يدخل أكل لحم الآدمى فى حكم المضطر إلى التداوى بالحرام؟

الجواب
أثار القرطبى فى تفسيره " ج 2 ص 229 " مسألة قال فيها: إذا وجد المضطر ميتة وخنزيرا ولحم ابن آدم أكل الميتة لأنها حلال أى فى حال - والخنزير وابن اَدم لا يحل بحال، والتحريم المخفف أولى أن يقتحم من التحريم المثقل، وهذا هو الضابط للأحكام، ولا يأكل ابن آدم ولو مات، قاله علماؤنا - أى المالكية - وبه قال أحمد وداود، احتج أحمد بقوله عليه السلام " كسر عظم الميت ككسره حيا ". وقال الشافعى: يأكل لحم ابن آدم ولا يجوز له أن يقتل ذميا، لأنه محترم الدم، ولا مسلما ولا أسيرًا لأنه مال الغير، فإن كان حربيا أو زانيا محصنا جاز قتله والأكل منه. وشنَّع داود على المزنى- صاحب الشافعى - بأن قال:
قد أبحت أكل لحوم الأنبياء. فغلب عليه ابن سريج بأن قال: فأنت قد تعرضت لقتل الأنبياء إذ منعتهم من أكل الكافر. قال ابن العربى: الصحيح عندى ألا يأكل الآدمى إلا إذا تحقق أن ذلك ينجيه ويحييه. وجاء فى " الفتاوى الإسلامية ج 10 ص 3711" قول الشيخ جاد الحق على جاد الحق: وفى جواز أكل لحم الآدمى عند الضرورة قال فقهاء الحنفية-على ما جاء فى الدر المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار لابن عابدين فى الجزء الخامس -إن لحم الإنسان لا يباح فى حال الاضطرار ولو كان ميتا، لكرامته المقررة بقول الله تعالى {ولقد كرمنا بنى آدم} الإسراء: 70، وكذلك لا يجوز للمضطر قتل إنسان حى وأكله ولو كان مباح الدم كالحربى والمرتد والزانى المحْصَن، لأن تكريم الله لبنى آدم متعلق بالإنسانية ذاتها، فتشمل معصوم الدم وغيره، وبهذا أيضا قال الظاهرية بتعليل آخر غير ما قال به الحنفية. ويقول الفقه المالكى: إنه لا يجوز أن يأكل المضطر لحم آدمى، وهذا أمر تَعَبُّدى، وصحح بعض المالكية أنه يجوز للمضطر أكل الآدمى إذا كان ميتا، بناء على أن العلة فى تحريمه ليست تعبدية وإنما لشرفه، وهذا لا يمنع الاضطرار، على ما أشار إليه فى الشرح الصغير بحاشية الصاوى فى الجزء الأول. وأجاز الفقه الشافعى والزيدى أن يأكل المضطر لحم إنسان ميت بشروط منها: ألا يجد غيره، كما أجاز للإنسان أن يقتطع جزء نفسه كلحم من فخذه ليأكله، استبقاء للكل. بزوال البعض، كقطع العضو المتاَكل الذى يخشى من بقائه على بقية البدن، وهذا بشرط ألا يجد محرما آخر كالميتة مثلا، وأن يكون الضرر الناشىء من قطع الجزء أقل من الضرر الناشىء من تركه الأكل، فإن كأن مثله أو أكثر لم يجز قطع الجزء، ولا يجوز للمضطر قطع جزء من آدمى آخر معصوم الدم، كما لا يجوز للآخرأن يقطع عضوا من جسده ليقدمه للمضطر ليأكله. وفى الفقه الحنبلى: إنه لا يباح للمضطر قتل إنسان معصوم الدم ليأكله فى حال الاضطرار، ولا إتلاف عضو منه، مسلما كان أو غير مسلم، أما الإنسان الميت ففى إباحة الأكل منه فى حال الضرورة قولان، أحدهما لا يباح والآخر يباح الأكل منه، لأن حرمة الحى أعظم من حرمة الميت. قال ابن قدامة فى " المغنى " إن هذا القول هو الأولى.. ثم قال الشيخ جاد الحق فى " ص 3712 " ونخلص إلى أنه يجوز اضطراراً أكل لحم إنسان ميت فى قول فقهاء الشافعية والزيدية، وقول فى مذهب المالكية ومذهب الحنابلة، ويجوز أيضا عند الشافعية والزيدية أن يقطع الإنسان من جسمه فلذة ليأكلها حال الاضطرار بالشروط السابق ذكرها. كان هذا ما خلص إليه فى فتواه فى 5 من ديسمبر 1979 م، وفى فتواه فى 16 من يناير 1980 م قال بالنص: والذى نختاره للإفتاء هو قول الحنفية والظاهرية وبعض فقهاء المالكية والحنابلة القائلين بعدم جواز أكل لحم الآدمى الميت عند الضرورة لكرامته، والضرورة هى دفع الهلاك وحفظ الحياة
(10/110)
________________________________________
العلاقة بين المسلم وغيره

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى حدود المعاملة بين المسلم وغيره أو كيف نظم الإسلام العلاقة عند اختلاف الأديان؟

الجواب
من المعلوم أن الناس مختلفون فى الرأى والعقيدة والسلوك بحكم طبيعتهم البشرية التى تخطىء وتصيب، قال تعالى {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} هود: 118، 119، وقد أمدهم اللَّه بهدى من عنده عرَّفهم فيه الخير ودعاهم إليه وعرفهم فيه الشر وحذرهم منه، وقال لآدم ومن معه حين أهبطهم إلى الأرض {فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} طه: 123، وأرسل إليهم الرسل تترى لينبهوهم إلى هذه الحقيقة، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، حتى جاء خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فأكد ما دعوا إليه من العقائد الأساسية، وبيَّن أنه ليس غريبا عنهم فى هذه الدعوة، وقرر وجوب الإيمان بهم جميعا {لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة: 136،. وكانت دعوة الإسلام عامة غير خاصة بزمان أو مكان، فهى لكل الناس، سواء منهم من كان على دين سابق ومن ليس على دين، قال تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الاَخرة من الخاسرين} آل عمران: 85، وكان عرض الدعوة على ضوء قوله تعالى {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران: 20، فليس هناك إكراه، لأن العقائد لا تغرس إلا بالاقتناع، وما على الرسول إلا البلاغ {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، الكهف: 28، {لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى} البقرة: 256، وحينما أرسل الرسول الكتب لدعوة الملوك والرؤساء عرض عليهم الإيمان ولم يلزمهم به، فإن أسلموا فبها، وإن أبوا طلب منهم الاعتراف بالوضع الجديد للإسلام وعدم التعدى عليه، ففى بعض الكتب {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} آل عمران: 64، وعندما خرجت قوافل الدعوة ومرت على جماعة عرضت عليهم الإسلام، فإن أسلموا فبها، وإلا طلبوا منهم عدم التعرض لمسيرتهم وتركوهم وما يدينون، وتعهدوا بحمايتهم وضمان حريتهم لقاء مقابل رمزى يطلق عليه اسم الجزية، وهؤلاء معاهَدون، فإن تعرضوا للمسلمين كانوا حربيين، يقاتلون ليفسحوا لهم الطريق، فإذا انتشر الإسلام فى إقليم أو دار أو جماعة وبقى بعضهم على دينه كانوا ذميين، لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات الاجتماعية مثل من يعيشون معهم من المسلمين.
يتبين من هذا أن غير المسلمين ثلاثة أصناف، صنف محارب، وضنف معاهد، وصنف ذمى، والمحارب لا نبدؤه بحرب ولكن نرد عليه إن حاربنا، وحربه ضرورة تقدر بقدرها قال تعالى {وقاتلوا فى سبيل اللَّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا، إن اللَّه لا يحب المعتدين} البقرة: 190، وقال تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للَّه، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} البقرة: 193،. وهؤلاء تحرم مودتهم وموالاتهم ضد المسلمين كما قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} الممتحنة: 1، وقال أيضا {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللَّه فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم اللَّه نفسه وإلى الله المصير} آل عمران: 28،.
والمعاهد من لم يقبل الإسلام وتعهد بعدم حرب المسلمين، وهؤلاء يحترم عهدهم، لا يحاربون إلا إذا نكثوا العهد، قال تعالى {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} . التوبة: 7، وقال تعالى {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون} التوبة: 12.
وحذر النبى صلى الله عليه وسلم من الغدر بهذا العهد وأمر المسلمين باحترامه، وهو الذى ردَّ أبا جندل وقد فر هاربا من أهل مكة وأسلم، لأن العهد فى الحديبية كان يقضى برده، وقال فى ذلك: " نفى لهم بعهدهم ونستعين اللَّه عليهم " وقال مثل ذلك فى أبى بصير، وقال فى احترام العهد " من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة لما رواه أبو داود، وعهد عمر لأهل إيلياء معروف، وفيه الأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وعدم إكراههم على الدين وعدم الإضرار بهم.
والذمى هو من عاش بين المسلمين. فهو مواطن معهم، له ما لهم وعليه ما عليهم، ولا يأس بالتعاون مع الذميين على الخير ومن برهم ومجاملتهم فى الحدود المشروعة، كما كان اليهود فى المدينة أيام النبى صلى الله عليه وسلم، والمعاهدة معهم معروفة.
وفى هولاء وغيرهم من المعاهدين جاء الحديث الذى رواه البغوى " إن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذى فرض عليهم " وفيهم أيضا يقول اللَّه سبحانه {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} الممتحنة: 8، 9.
والنبى صلى الله عليه وسلم تعامل مع اليهود واقترض منهم الطعام، ولم يرض للمسلم أن يتعدى على اليهودى الذى فضَّل موسى عليه، ونهى عن تفضيله على الأنبياء، مع أنه أفضلهم، وذلك منعا للفتنة. وقال فى حديث رواه مسلم " الأنبياء إخوة من عَلاَّت، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه ليس بينى وبينه نبى " ورأى عمر يهوديا ضريرا يسأل، فجعل له من بيت المال ما يكفيه، وكتب للولاة بمعونة الذميين الفقراء، وكانت هذه المعاملة لغير المسلمين من منطلق أن الإسلام دين السلام، لا يبدأ أحدا بحرب ما دام مسالما، قال {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على اللَّه} الأنفال: 61.
وبخصوص أهل الكتاب من اليهود والنصارى أباح التزوج من نسائهم وأكل ذبائحهم ولا يقال: إن أخذ الجزية من أهل الذمة ظلم لهم أو جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، فإنها تقابل الزكاة التى فرضت على المسلمين، وكلتاهما لمصلحة المواطنين جميعا، وهى مفروضة بنسب بسيطة على الذكور القادرين فقط. وهناك حوادث كثيرة فى أيام الرسول وخلفائه، ونصوص وتشريعات كثيرة فى القرآن والسنة تدل على العدل والإنصاف والرحمة والسلام فى تعامل المسلمين مع غيرهم، وضعت فيها تآليف خاصة. جاء فى كتب الأحكام السلطانية للماوردى "ص 145 " أن عقد الجزية مع الذميين يشترط فيه شرطان، أحدهما مستحق والاَخر مستحب، وذكر أن المستحق فيه ستة شروط:
أحدها: ألا يذكروا كتاب اللَّه تعالى بطعن فيه ولا تحريف له.
والثانى: ألا يذكروا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتكذيب له ولا ازدراء.
والثالث: ألا يذكروا دين الإسلام بذم له ولا قدح فيه. والرابع: ألا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح. والخامس: ألا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يتعرضوا لماله ولا لدينه.
والسادس: ألا يعينوا أهل الحرب ولا يودوا أغنياءهم، فهذه حقوق ملتزمة فتلزمهم بغير شرط، وإنما تشترط إشعاراً لهم وتأكيداً لتغليظ العهد عليهم، ويكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم. وتحدث الماوردى عن الأمور المستحبة التى تتعلق بالملابس والأبنية والنواقيس والمجاهرة بالمعاصى، وما يتعلق بالموتى ووسائل، الانتقال، وقال إنها لا تلزم حتى تشترط، ولا يكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم، لكن يؤدبون عليها زجرا، ولا يؤدبون إن لم تشترط، ثم تحدث عن كنائسهم إنشاءً أو تعميرا، ولو نقضوا العهد لم يستبح بذلك قتلهم ولا غنم أموالهم ولا سبى ذراريهم ما لم يقاتلوا، ووجب إخراجهم من بلاد المسلمين آمنين حتى يلحقوا مأمنهم من أدنى بلاد الشرك، فإن لم يخرجوا طوعا أخرجوا كرها. وجاء فى كتاب " غذاء الألباب للسفارينى "ج 1 ص 12 كلام طويل عن التعامل معهم وموقف أحمد بن حنبل منهم لا داعى لذكره فيرجع إليه من شاء. إن عقد الذمة يجوز مع من يعيشون معنا فى بلاد الإسلام، كما يجوز مع من لا يقيمون فيها، فقد عقد الرسول عقدا مع نصارى نجران مع بقائهم فى أماكنهم وديارهم دون أن يكون معهم أحد من المسلمين
(10/111)
________________________________________
سد الأسنان بالذهب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الإسلام فى استبدال الإنسان لبعض أسنان الفم التالفة أو المشوهة بأخرى مصنوعة من الفضة أو الذهب؟

الجواب
حشو الأسنان بالذهب أو الفضة أو عمل سنٍّ منهما جائز عند الضرورة إذا كان غير الذهب والفضة لا يفيد، ففى مسند أحمد أن عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب " حرب " فاتخذ أنفا من فضة فأنتن، فأمره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأن يتخذ أنفا من ذهب، وثبت أن كثيرا من الأئمة قد شد أسنانه بالذهب، مثل موسى بن طلحة وأبى رافع وإسماعيل بن زيد بن ثابت، ورخص فيه الحسن البصرى وأئمة الحنفية. جاء فى فتوى للشيخ حسنين مخلوف بتاريخ 18 نوفمبر 1946 ما نصه: فالحشو والغطاء والسلك من الذهب أو الفضة جائز، سواء أخذنا ما روى عن الإمام أحمد من إجازة اليسير منهما أو على مذهب الإمام محمد بن الحسن من أئمة الحنفية، أو أخذنا بجهة الضرورة المبيحة لاستعمالهما، والبلاتين ونحوه من المعادن غير الذهب والفضة لم يرد فيها ما يمنع جواز استعمالها. " الفتاوى الإسلامية ج 4 ص 1302، ج 10 ص 1710 " و " وغذاء الألباب للسفارينى ج 2 ص 174 "
(10/112)
________________________________________
زرع الشعر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز لشاب مصاب بالصلع الشديد أن يجرى عملية زرع شعر أو يلبس شعرا مستعارا، أو يستخدم دهانات لتثبيت ونمو الشعر؟

الجواب
هذا العمل يدخل تحت حديث " لعن الله الواصلة والمستوصلة " وقد مر الحكم فى علميات التجميل، وخلاصته كما قال المحققون كابن الجوزى وغيره أن زرع الشعر إذا كان يدوم كالشعر العادى فلا غش فيه ولا خداع، أما إذا كان ينبت مؤقتا لمدة ثم يختفى فهو كالباروكة إن قصد به التدليس والغش عندما يريد الزواج مثلا، أوقصد به فتنة الجنس الاَخر للوقوع فى الإثم فهو حرام لا شك فيه. . أما إذا لم يقصد شيئا من ذلك فلا حرمة فيه
(10/113)
________________________________________
الفيديو والتلفزيون والراديو

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم اقتناء الفيديو والتليفزيون والراديو ومشاهدة وسماع ما يذاع فيها؟

الجواب
هذه الأجهزة الحديثة كأى جهاز يستعمل فى الخير والشر، كالقلم نكتب به درسا علميا ونكتب به سبًّا وإشاعة، وكالكوب، تشرب فيه ماء وشرابا حلالا، وتشرب فيه شرابا حراما. ولهذه الأجهزة فوائد عظيمة إذا استعملت فى الخير تسجيلا أو إذاعة أو مشاهدة أو سماعا، وذلك إذا أمكن للإنسان أن يتحكم فيها، أما إذا لم يتمكن من التحكم فعلى من يذيعون ويعرضون أن يتقوا اللَّه ويختاروا ما هو أنفع وأجدى، وأن يبتعدوا عن كل ما يتنافى مع الدين والذوق، وعلى القاعدة المستقبلة لما يذاع ويعرض أن تنبه المسئولين عن البث إلى مراعاة ذلك، على ضوء قوله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل:
125
(10/114)
________________________________________
الإطعام فى كفارة القتل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء فى كفارة القتل تحرير الرقبة، وعند العجز صيام شهرين متتابعين فما هو الحكم لو عجز عن الصيام؟

الجواب
قال تعالى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللَّه، وكان الله عليما حكيما} النساء: 92. تفيد الآية أن كفارة القتل هى تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجدها القاتل أو لم يجد ثمنها انتقل إلى صيام شهرين متتابعين. هذا هو منطوق الآية، ولكن ما حكم ما لو عجز عن الصيام؟ اختلف الفقهاء فى ذلك فقال الحنفية والمالكية والشافعية فى الأظهر من مذهبهم، والحنابلة فى رواية: يثبت الصيام فى ذمته ولا يجب الإطعام كما يجب فى كفارة الظهار، وحجتهم فى ذلك أن اللَّه لم يذكر الإطعام ولو كان واجبا لذكره حيث لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما قالوا: إنه من المقادير، والمقادير لا تعرف إلا سماعا. وفى رواية عن أحمد والظاهر من مذهب الشافعية أنه يطعم ستين مسكينا، قياسا على كفارة الظهار وكفارة الفطر فى رمضان. وأرى أنه من المصلحة الأخذ بالرأى الثانى، ففيه تحقيق المقصود من شرعية الكفارة، وهو شعور الإنسان بخطئه فسنزجر عن معاودة الإثم، وذلك بالقياس على جريمة أخرى انتقل فيها العاجز عن الصيام إلى الإطعام
(10/115)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:28 am

الكبائر والصغائر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء فى بعض التعبيرات عن الذنوب بأن منها كبائر، فهل هناك من ضابط تميز به الكبائر عن الصغائر؟

الجواب
اختلف السلف فى انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، فذهب الجمهور إلى ذلك، ومنعه جماعة منهم الإسفرايينى، ونقله عن ابن عباس، وحكاه القاضى عياض عن المحققين. ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية. وحجتهم أن المخالفة بالنسبة إلى جلال اللَّه كبيرة على كل حال. أما الجمهور فحجتهم قوله تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} النساء: 31، وقوله تعالى {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم} النجم: 32، وحديث تكفير الذنوب الوارد فى الصلاة والوضوء مقيد باجتناب الكبائر. وبهذا ثبت أن من الذنوب ما يكفر بالطاعات العامة ومنها ما لا يكفر بها، ولهذا قال الإمام الغزالى: إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بالفقيه. ثم إن مراتب الصغائر والكبائر تختلف بحسب تفاوت مفاسدها، قال الطيبى: الكبيرة والصغيرة أمران نسبيان، فلابد من أمر يضافان إليه، وهو أحد ثلاثة أشياء: الطاعة والمعصية والثواب، فأما الطاعة فكل ما تكفره الصلاة مثلا فهو من الصغائر، وأما المعصية فكل معصية يستحق فاعلها بسببها وعيدا أو عقابا أزيد من الوعيد أو العقاب المستحق بسبب معصية أخرى فهى كبيرة، وأما الثواب ففاعل المعصية إن كان من المقربين فالصغيرة بالنسبة إليه كبيرة، فقد وقعت المعاتبة فى حق بعض الأنبياء على أمور لم تعد من غيرهم معصية. انتهى. قال النووى: واختلفوا فى ضبط الكبيرة اختلافا كثيرا منتشرا، فروى عن ابن عباس أنها كل ذنب ختمه اللَّه بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. قال: وجاء نحو هذا عن الحسن البصرى. وقال آخرون: هى ما أوعد اللَّه عليه بنار فى الآخرة أو أوجب فيه جزاء فى الدنيا.
يقول الشوكانى فى نيل الأوطار "ج 8 ص 222" وممن نص على هذا الإمام أحمد، ومن الشافعية الماوردى، ولفظه: الكبيرة ما أوجبت فيها الحدود أو توجه إليها الوعيد. وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخر، منها قول إمام الحرمين: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة، وقال الحليمى: كل محرم لعينه منهى عنه لمعنى فى نفسه، وقال الرافعى: هى ما أوجب الحد، وقيل: هى ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة. وقد استشكل بأن كثيرا مما وردت النصوص بكونه كبيرة لا حد فيه كعقوق الوالدين، وأجيب بأن مراد قائله ضبط ما لم يرد فيه نص بكونه كبيرة، أما العقوق مثلا فقد صح فيه حديث أنه من أكبر الكبائر. قال ابن عباس فى القواعد: لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض، والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بذنبه إشعارا دون الكبائر المنصوص عليها، قال الحافظ:
وهو ضابط جيد. هذا، وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما: لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار، والإصرار قيل هو التسويف، أى أن يقول:
أتوب غدا. وقيل هو الثبات على المعصية، وقيل هو أن ينوى ألا يتوب، وهو بالمعنى الذى قبله، وروى فى الحديث " لا توبة مع إصرار " القرطبى ج 4 ص 211". أما عدد الكبائر فمختلف فيه، وما جاء منها فى بعض الأحاديث فليس للحصر، وروى الطبرانى عن ابن عباس أنها إلى السبعين أقرب، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى مقدمة كتاب الزواجر لابن حجر الهيتمى
(10/116)
________________________________________
تحلية الخنجر بالفضة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرى بعض الرجال يعتزون بحمل الخناجر أو السيوف أو اقتنائها، ونرى على بعضها حلية من الفضة. فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
روى أبو داود والترمذى بإسناد حسن أن قبيعة سيف النبى صلى الله عليه وسلم كانت من الفضة. والقبيعة هى التى على رأس قائم السيف، وهى التى يدخل القائم فيها، وربما اتخذت من فضة على رأس السكين، وقيل: ما تحت شاربى السيف مما يكون فوق الغمد، فيجىء مع قائم السيف. والشاربان أنفان طويلان أسفل القائم، أحدهما من هذا الجانب والآخر من هذا الجانب. وقيل: قبيعة السيف رأسه الذى فيه منتهى اليد إليه، وقيل: قبيعته ما كان على طرف مقبضه من فضة أو حديد. وقال هشام بن عروة: كان سيف الزبير محلى بالفضة، أنا رأيته "المغنى لابن قدامة ج 8 ص 323 ". قال الأثرم: قيل لأبى عبد الله:
الحلية لحمائل السيف؟ فسهل فيها، وقال: قد روى: سيف محلى؟ ولأنه من حلية السيف فأشبه القبيعة، ولذلك يخرج فى حلية الدرع والمغفر والحوذة والخف والران، ولأنه فى معناه.
قال أحمد: قد روى أنه كان لعمر رضى الله عنه سيف فيه سبائك من ذهب.
وروى الترمذى بإسناده من مزيدة العصرى قال: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة. وقال: هذا حديث غريب.
ولا يباح الذهب فى غير هذا إلا لضرورة كأنف الذهب وما ربط به أسنانه إذا تحركت
(10/117)
________________________________________
الرق فى نظر الإسلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تحدث القرآن والسنة عن ملك اليمين، ويعيب بعض الناس ذلك لأنه يتنافى مع كرامة الإنسان، فكيف نرد عليهم؟

الجواب
الرق فى نظر الإسلام موضوع درست أحكامه فى الكتب الدينية، وألفت فيه كتب خاصة اهتمت ببيان أصل مشروعيته وموقف الإسلام منه، والرد على الشبه المثارة حوله. والرقيق قوة بشرية كان لها أثرها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية قى الأزمان الغابرة، وجاء الإسلام فوجد الرق موجودا فى كل أنحاء الدنيا، وكانت وسائله متعددة، بعضها يقوم على الخطف والسرقة، فلم يشأ الإسلام أن يمنعه مرة واحدة حتى لا تكون هناك هزة، وهو فى الوقت نفسه ظاهرة موجودة عند كل الأمم عندما تقوم الحروب بينها ويقع فيها أسرى من الجانبين يساوم كل على فدائهم. فضيق الإسلام منابع الرق وحصرها فى الحرب المشروعة التى تقوم بين المسلمين والكفار، وكذلك فيما يتوالد من الأرقاء السابقين. وجعل ضرب الرق على الأسير بأمر الحاكم إن رأى فيه المصلحة. ثم وسع أبواب الحرية بالعتق قى مخالفات كثيرة، كالفطر فى رمضان والظهار والقتل والقسم أى الحلف وغير ذلك، كما حبب فى العتق بدون سبب موجب، ورغب فيه ترغيبا كبيرا، وإذا ضاق المنبع واتسع المصب كانت النتيجة قضاء على الرق بالتدريج. وفى المسافة التى بين الرق والعتق أمر الإِسلام بالإِِحسان إلى الرقيق، ونصوصه فى ذلك كثيرة جاء فيها التعبيرعن المملوكين بأنهم إخوان من ملكوهم، وهى إخوة فى الإِنسانية تقتضى الرحمة والحفاظ على كرامتهم، حتى كان عتق العبد كفارة عن ضربه وإهانته، ولعل هذه الطيبة قى معاملتهم تكون دعاية للإِسلام ومبادئه الإِنسانية العظيمة، على يد من يعتقون. وموقف الإِسلام بهذه الخطوات الثلاثة الحكيمة: تضييق منابع الرق، وتوسيع منافذ الحرية، والإِحسان إلى المملوك والترغيب فى عتقه - موقف شريف يزرى بالأساليب التى كانت موجودة قبل الإِسلام فى بلاد الحضارة، وبالأساليب التى اتخذها تجار الرقيق قى القرون الأخيرة لتعمير الأراضى المكتشفة، وحين اشتد التنافس بين الدول فى هذه التجارة قرروا الاتفاق على منعها، متذرعين - صدقا أو كذبا - بأنها منافية لكرامة الإِنسان، واستبدلوا به رقا آخر بالاستعمار وبسط النفوذ المسلمون من أول 17 والتحكم فى مصائر الشعوب الضعيفة، وكانت من وافقوا على منع هذه التجارة، وإن كانت له اَثار قليلة باقية. وفى النهاية نهتف مباهين بالإِسلام وتشريعه وأسلوبه فى معالجة المشكلات، مؤمنين حقا بقول اللَّه سبحانه {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء: 107، والموضوع كل موجود فى رسالتى "الرق فى نظر الإسلام "
(10/118)
________________________________________
دار الإسلام ودار الحرب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما المقصود بدار الحرب، ومتى يطلق على منطقة بأنها دار حرب، وهل تقام فيها الحدود؟

الجواب
جاء فى كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف، ج 1 ص 248 " أن تقسيم البلاد إلى دار كفر وإسلام أمر اجتهادى من واقع الحال فى زمان الأئمة المجتهدين، وليس هناك نص فيه من قرآن أو سنة. والمحققون من العلماء قالوا: إن مدار الحكم على بلد بأنه بلد إسلام أو بلد حرب هو الأمن على الدين. حتى لو عاش المسلم فى بلد ليس له دين أو دينه غير دين الإسلام، ومارس شعائر دينه بحرية فهو فى دار إسلام، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها. وذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة فى رسالة عن نظرية الحرب فى الإسلام " ص 38" رأيين للفقهاء فى دار الإسلام ودار الحرب. ثم اختار رأى أبى حنيفة وهو: أن مدار الحكم هو أمن المسلم، فإن كان اَمنا بوصف كونه مسلما فالدار دار إسلام وإلا فهى دار حرب. وقال: إنه الأقرب إلى معنى الإسلام، ويوافق الأصل فى فكرة الحروب الإسلامية وأنها لدفع الاعتداء. انتهى. وبخصوص الحدود قال فريق من الفقهاء منهم أبو حنيفة: إذا غزا أمير أرض الحرب فإنه لا يقيم الحد على أحد من جنوده فى عسكره، إلا أن يكون إمام مصر أو الشام أو العراق أو ما أشبه ذلك، فيقيم الحدود فى عسكره، وحجتهم أن إقامتها فى دار الحرب قد تحمل المحدود على الالتحاق بالكفر. وقد نص على عدم إقامتها أحمد وإسحاق بن راهويه والأوزاعى وغيرهم، وعليه إجماع الصحابة. وكان أبو محجن الثقفى لا يطيق الصبر عن شرب الخمر، فشربها بالقادسية فحبسه أمير الجيش سعد بن أبى وقاص وأمر بتقييده، ثم طلب من امرأة سعد أن تطلقه ليشترك فى المعركة وتعهد بالعودة إلى الحبس، وكان ذلك، ولما عرف سعد بلاءه فى الحرب عفا عنه فتاب عن الحمر. ورأى جماعة آخرون عدم الفرق بين إقامة الحدود فى دار الإسلام وغيرها، ومنهم مالك والليث بن سعد.
وبعد، فهذا سؤال تقليدى عن الحدود قضت به ظروف كان المسلمون فيها أصحاب قوة وسلطان يفتحون البلاد بالإسلام، فهل يمكن فى ظروفنا الحاضرة أن يكون لنا هذا الوضع؟ هذا، ويثار هنا سؤال عن حكم إقامة المسلم فى بلاد المشركين، ورأى الإسلام فى الجاليات الإسلامية. روى أبو داود والترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ". وهذا الحديث يلتقى مع الآيات التى تحث على الهجرة من مكة إلى المدينة، وتنعى على من يستطيعون الهجرة ولا يهاجرون، ومنها قوله تعالى {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض اللَّه واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} النساء: 97،. والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة، لكن هل هى واجبة أم مندوبة؟ قال العلماء: إن خاف المسلم على دينه وخلقه أو على ماله وجب أن يهاجر، وإن لم يخف لم تجب الهجرة، وتكون سنة. لكن قال المحققون: إذا وجد المسلم أن بقاءه فى دار الكفر يفيد المسلمين الموجودين فى دار الإسلام، أو يفيد المسلمين الموجودين فى دار الكفر بمثل تعليمهم وقضاء مصالحهم، أو يفيد الإسلام نفسه بنشر مبادئه والرد على الشبه الموجهة إليه - كان وجوده فى هذا المجتمع أفضل من هجره، ويتطلب ذلك أن يكون قوى الإيمان والشخصية والنفوذ حتى يمكنه أن يقوم بهذه المهمة.
وقد كان لبعض الدعاة والتجار فى الزمن الأول أثر كبير فى نشر الإِسلام فى بلاد الكفر " انظر الجزء الأول من كتاب بيان للناس من الأزهر الشريف "
(10/119)
________________________________________
حد عمر لابنه

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل ضرب عمر ابنه بسبب الخمر حتى مات؟

الجواب
هذه الحكاية تتردد كثيرا على ألسنة المتحدثين عن عدالة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وعدم محاباته فى تطبيق الشريعة، وسيدنا عمر- وإن كان معروفا أنه يمثل العدالة فى أسمى معانيها أو يكاد، إلا أنه وكذلك كثير من المشهورين فى التاريخ - قد نسبت إليه أمور لم يصح سندها، يحكيها الناس توكيدا لعدله.
ونشرت فى مجلة إسلامية فتوى حول هذا الموضوع جاء فيها: إن أبا الفرج عبد الرحمن بن الجوز ذكر فى كتابه " سيرة عمر بن الخطاب " أن عبد الرحمن بن عمر ومعه أبو الروعة عقبة بن الحارث، وهو من أهل بدر، كانا فى مصر وشربا نبيذا، وظنا أنه لا يسكر، فسكرا، وكان يكفيهما الإحساس بخطئهما والتوبة إلى اللَّه، غير أنهما غضبا للَّه على أنفسهما، فذهبا إلى عمرو بن العاصى وهو والى مصر، وطلبا منه إقامة الحد عليهما. وقد كان عبد الله بن عمر سمع أن أخله شرب، ثم علم أنه رفع أمره إلى عمرو بن العاصى، فذهب معه وشهد إقامة الحد عليهما فى دار عمرو. ثم سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إلى عمرو خطابا شديد اللهجة، يذكر فيه محاباته لابنه، حيث لم يقم الحد عليه فى مكان عام مكشوف، كما يقام على غيره من عامة الناس، وطلب منه أن يرسله إليه بالمدينة فى ثوب خشن،1717 أوعلى مركب خشن فلما حضر مع أخيه عبد الله وسأله عمر عما حدث: أقر واعترف فغضب منه وضربه وعبد الرحمن يستغيث وهو لا يرحمه، ثم حبسه بعد أن انتهى من ضربه، ثم مرض عبد الرحمن ومات. وأخرج الديلمى فى كتابه " المنتقى " كما حكاه صاحب " الرياض النضرة " أن حادثة الحد كانت عن زنى عبد الرحمن بجارية فى حائط - بستان - بنى النجار، وكان سكران من خمر شربه عند يهودى اسمه "نسيك " كما نقله الشبلنجى فى كتابه " نور البصائر والأبصار ". والكتب الصحيحة لم تشر إلى هذه الحادثة، وقد قال ابن الجوزى فى كتابه: إن عمر لم يقم الحد على ابنه، فإن ضربه ليس حدا، بل غضبا وتأديبا، لأن الحد لا يتكرر، ثم يقول: وقد أخذ هذا الحديث قوم من القصاص فبدأوا فيه وأعادوا، فتارة يجعلون هذا مضروبا على شرب الخمر، وتارة على الزنى ويذكرون كلاما ملفقا يبكى العوام لا يجوز أن يصدر عن مثل عمر، وقد ذكرت الحديث بطرقه فى كتاب "الموضوعات " ونزهت هذا الكتاب عنه " ص 167 ". وأرى أن مثل هذه الأمور التى تمس الشخصيات الكريمة ينبغى أن يحتاط فى الحديث عنها مهما كان الغرض من الحديث، وبخاصة الخلفاء الراشدون الذين أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهديهم
(10/120)
________________________________________
الحدود زواجر أم جوابر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا أقيم الحد على الزانى، هل هذا الحكم يكفى لمحو الذنب عنه أم أن الله يعاقبه عليه فى الآخرة؟

الجواب
روى البخارى ومسلم عن عبادة بن الصامت فى حديث المبايعة على عدم الشرك والسرقة والزنى والقتل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فى الدنيا فهو كفارة له لما وروى مسلم حديث الجهنية التى أقيم عليها حد الزنى، وصلى عليها النبى صلى الله عليه وسلم وقال جوابا عن استفهام: " لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها للَّه " وروى الترمذى والحاكم وصححه حديث: " من أصاب ذنبا فعوقب به فى الدنيا فاللَّه أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده فى الآخرة ". بناء على هذه الأحاديث رأى أكثر العلماء أن الحدود كفارات للذنوب أى جوابر لا يعاقب اللَّه عليها بعد ذلك، ولكن قال بعض التابعين والمعتزلة وابن حزم: الحدود زواجر لا جوابر، وعلى من أقيم عليه الحد أن يتوب إلى اللَّه توبة نصوحا حتى يكفر الله ذنبه. وتوقف جماعة فى الحكم بناء على حديث رواه الحاكم وقال عنه الحافظ ابن حجر: إنه صحيح على شرط الشيخين، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا أدرى: الحد كفارة لأهلها أم لا ".
ولكن الرأى الأول أرجح، لأن أدلته أقوى، وهذا كله فى الحق الخالص للَّه، الذى ليست له علاقة بحقوق العباد، أما ما فيه حق للعباد فمع الحد والتوبة لا بد من رد هذه الحقوق أو طلب العفو والتنازل عنها، فإن لم يفعل ذلك طالبه أهل الحقوق بحقوقهم يوم القيامة، وإن كان صادق التوبة فى الدنيا مع الله، وحاول رد الحقوق لأصحابها، أو طلب العفو منهم ولم يستطع فالمرجو من اللَّه - ورحمته واسعة - أن يطلب له العفو منهم، والله أعلم
(10/121)
________________________________________
دهن الخنزير

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز أكل ما طبخ يدهن الخنزير للضرورة، كان كان الإنسان فى الجيش أو فى طريق لا يوجد فيه أكل آخر؟

الجواب
شحم الخنزير كلحمه محرم لقوله تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} المائدة: 3، فلا يجوز أكل اللحم أو الشحم أو ما طبخ به، وذلك بشرط الاختيار بأن يكون هناك طعام حلال آخر، ولم يكرهه على تناوله أحد. فإن لم يوجد إلا لحم الخنزير أو ما طبخ بشحمه، أو أكرهه على تناوله من هو أقوى منه جاز أكله، لأن هذه حالة ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، بدليل قوله تعالى فى الآية نفسها {فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن اللَّه غفور رحيم} وحكم الاضطرار هذا راجع إلى جميع المحرمات المذكورة فى الآية. والمخمصة هى الجوع الشديد والتجانف هو تجاوز الحد الأدنى فى الأكل، أو هو العصيان فى السفر على اختلاف للفقهاء فى ذلك. فالآية تدل على تناول لحم الخنزير أو شحمه عند الضرورة بشرط ألا يزيد على ما يمسك الرمق، فإن الضرورة تقدر بقدرها. والحال الواردة فى السؤال وهى وجود الشخص فى الجيش، إن كان فى الجيش طعام آخر ليس فيه لحم أو شحم الخنزير، ويمكن الحصول عليه ولو بالشراء لا يجوز أكل الخنزير. فإن لم يوجد إلا هو ولا يمكن الحصول على غيره جاز له تناوله بقدر يسير. وكذلك من كان فى طريق لا يوجد فيه غير لحم الخنزير أو ما طبخ بشحمه، يجوز له أن يأكل منه بقدر الضرورة حتى يصل إلى مكان فيه طعام حلال
(10/122)
________________________________________
الجهاد فى الإسلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى حكمة مشروعية الجهاد فى الإسلام؟

الجواب
الجهاد من الكلمات التى أُسىء استعمالها لعدم فهم معناها فهما صحيحا، فالجهاد مأخوذ من الجَهْد وهو التعب، أو الجُهد وهو القوة، فالمجاهد يبذل جُهْدا يحس فيه بِجَهْد، أي يبذل قوة يحس فيها بتعب، ومعنى الجهاد بذل الجهد لنيل مرغوب فيه أو دفع مرغوب عنه، يعنى لجلب نفع أو منع ضر، وهو يكون بأية وسيلة وفى أى ميدان حسى أو معنوى، ومنه جهاد النفس والشيطان وجهاد الفقر والجهل والمرض وجهاد البشر. والنصوص فى ذلك كثيرة، وجهاد البشر يكون بدفع الصائل المعتدى على النفس أو المال أو العرض، والميت فى هذا الجهاد شهيد كما صح فى الحديث، كما يكون الجهاد عند الاعتداء على الأوطان والحرمات، أو الوقوف ضد الدعوة إلى الخير. والجهاد فى سبيل الله عرف فى الشرع بما يرادف الحرب لإعلاء كلمة اللَّه، ووسيلته حمل السلاح وما يساعد عليه ويتصل به من إعداد وتمويل وتخطيط، ويشترك فيه عدد كبير من الناس، من زراع وصناع وتجار وأطباء ومهندسين وعمال ورجال أمن ودعاة وكُتَّاب، وكل من يسهم فى المعركة من قريب أو بعيد.
وكان هذا الجهاد هو الشغل الشاغل للمسلمين فى بدء تكوين المجتمع الإسلامى وأكثر آيات القراَن وأكثر الأحاديث كانت للأمر به والتشجيع عليه: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل اللَّه} التوبة: 41، وهو فرض عين على كل قادر عليه إن أغار علينا العدو، وفرض كفاية إن لم تكن إغارة علينا، وإذا استنفر الإمام القوة وجب الخروج، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض. . .} التوبة: 38، وحديث البخارى ومسلم " وإذا استنفرتم فانفروا " لقد كان هناك انتقال بالدعوة لنشرها فى ربوع العالم حيث يقوم بذلك جماعة من القادرين نيابة عن غيرهم ما دامت فيهم كفاية، وكل مسلم يجب أن يكون مستعدًّا لإجابة الداعى إلى الجهاد، وعليهم جميعا أن يكونوا على أقصى درجات الاستعداد {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة. . . .} الأنفال: 60،. لكن: هل حمل السلاح هو الوسيلة الوحيدة لنشر الدعوة؟ إن مهمة حمل السلاح كانت لغرضين أساسيين، أولهما رد العدوان الواقع أو المنتظر، والثانى تأمين طريق الدعوة. ورَدُ العدوان ظهر فى غزوات بدر وأحد والخندق وغيرها، وكان عدوانا حقيقيا واقعا، ومنه إغاثة المظلومين: {وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر. . .
} الأنفال: 72، أما رد العدوان المنتظر فكان فى فتح مكة حيث نقضت قريش عهدها الذى أبرمته مع النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديبية، وفى غزوة تبوك وغيرها. وتأمين الطريق كان فى تحرك المسلمين خارج حدود المدينة لنشر الدعوة فى أنحاء العالم، لأنها دعوة عالمية للناس جميعا. إن الإسلام إذا كان قد فرض القتال، والرسول عليه الصلاة والسلام إذا أخبر أنه بعث بالسيف، وجُعل رزقه تحت ظل رمحه، كما رواه أحمد عن ابن عمر، فإن الواجب أن نفهم أن الإسلام أمر بالقوة، بل دعا إلى أن يكونوا فى أعلى درجاتها، والسبب فى ذلك أن الإسلام قوة جديدة فالمنتظر أن تحاربها القوات القائمة إذا ذاك حتى لا تزاحمها فى سلطانها، وذلك شأن الناس فى كل العصور، فلا بد من الدفاع عن الكيان الجديد ليثبت وجوده ويؤدى رسالته، ولو أن الإسلام كان دعوة محلية أو مؤقتة لكانت مهمة التسلح هى من أجل الدفاع، لكنه دعوة عالمية لابد أن تبلغ للعالم كله، والوسيلة إذ ذاك هى السفر والضرب فى الأرض، والسفر كان وما يزال تحفُّه المخاطر، فكان لا بد من التسلح حتى لا يقف الأعداء فى طريق الدعوة.
وإذا كان السيف لابد منه لتأمين طريق الدعوة فى الماضى، فإنه فى هذه الأيام لا مهمة له إلا الدفاع ضد من يريدون شرًّا بالإسلام وأهله، أما نشره فله عدة وسائل لا تحتاج إلى سفر ولا تخشى معه مخاطر لطريق، فالصحف والمكاتبات وما إليها أصبحت تتخطى الحدود، ولئن أمكن التحكم فيها إلى حد ما، فإن الإذاعات اليوم أصبحت من القوة والانتشار، بحيث لاحقت الناس وهم في بيوتهم وعلى أسِرّةِ نومهم لا تمنعها سلطة ولا تقف دونها حدود ولا أبواب. هذا، وما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة قبل الهجرة " أما والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح " كما رواه الطبرانى- فهو حديث ضعيف يرده العقل والنقل، أما الأول فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يصرح بذلك فى بدء الدعوة وهو منفر لها لا مرغب فيها؟ وكيف يقوله وهو ضعيف لا يستطيع حماية نفسه فضلا عن حمايته لأتباعه القلة؟ ولماذا تركته قريش وهم يعلمون ما جاء به من الذبح ليحقق ما يريد، ولم يتغدوا به قبل أن يتعشى بهم؟ وأما الثانى فلمنافاته لآية {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء: 107، وحديث " إنما أنا رحمة مهداة" رواه الحاكم والطبرانى، وما يماثله من نصوص وأحداث تدل على رقة قلبه وعظيم رحمته. ولو كان النبى صلى الله عليه وسلم متعطشا للدماء، وبخاصة من قريش ما عفا عنهم عند فتح مكة وهو القادر على الانتقام منهم، كما أن الحديث لا يراد به قهرهم على الإسلام فهو يتنافى مع طبيعة الدعوة. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم الذى رواه أحمد بسند صحيح " جُعل رزقى تحت ظل رمحى" أن رزقه من الغنائم التى يحصل عليها المسلمون من الحروب التى كان يباشر أكثرها بنفسه، وكفاية رئيس الدولة توفر من الخرينة العامة بمواردها المتعددة، ومنها الغنائم، وهو مبدأ إسلامى أقره الصحابة لأبى بكر وعمر والخلفاء. إن الفهم السطحى لمشروعية القتال بالآيات والآحاديث ربما يوحى بأن الإسلام قد انتشر بقوة السلاح، ولولا ذلك ما كان له وجود أو ما كان بهذه المساحة الكبيرة من الأرض، أو من نفوس الناس، وكيف يقال ذلك والإسلام دين الرحمة كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وهو الذى قال {ادخلوا فى السلم كافة} البقرة: 208، {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على اللَّه} الأنفال: 61، " لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " رواه البخارى ومسلم. إن الدعوة الإسلامية للعرض لا للفرض، فما كانت العقائد تغرس بالإكراه أبدا، لا فى القديم ولا فى الحديث، والله يقول عن نوح {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} هود: 28، ويقول لمحمد عليه الصلاة والسلام {أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس: 99، إلى غير ذلك من النصوص. وعندما أرسل النبى صلى الله عليه وسلم عليًّا لقتال يهود خيبر قال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ يعنى أرغمهم على الإسلام، فقال له " انفذ على رِسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإِسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فواللَّه لأن يهدى اُلله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَم " رواه مسلم. وإذا جاءت نصوص تدل بظاهرها على الأمر المطلق بالقتال فهناك نصوص أخرى تقيدها بما إذا كان ذلك ردًّا لعدوان وقع، أو جزاء على نكث العهد، أو منعا لعدوان سيحدث، قال تعالى {وقاتلوا فى سبيل اللَّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} البقرة: 190، وقال تعالى {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر} التوبة: 14، فيُقَيَّدُ بذلك قوله تعالى {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} التوبة: 36، وقوله {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} البقرة: 191، {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} البقرة: 193،. ولو جاءت نصوص تفيد فى ظاهرها أن القتال لأجل الإِسلام فالمراد أن القتال ينتهى لو أعلن الناس، الإِسلام، ويسر خوض المعركة أساسا من أجل أن يسلموا، وذلك مثل حديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فاذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه " رواه البخارى ومسلم، وكذلك قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللَّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية. . .} التوبة: 29، فلم يكن أخذ الجزية باعثا على القتال ولكن كان غاية ينتهى عندها إذا دفعوها، ويؤكد أن الغرض من القتال ليس مادة أن أبا عبيدة ردَّ على أهل المدن ما أخذه منهم جزية حين استدعوا إلى مقابلة الروم فى اليرموك، لأنها كانت فى مقابل حمايتهم، وحيث إنهم تخلوا عنها فلامعنى لبقائها فى حوزتهم كما ذكره أبو يوسف فى كتابه " الخراج ". هذا، ولعل الذين ينادون بالجهاد عن طريق حمل السلاح يقصدون الجهاد لتغيير الوضع الحالى للمجتمعات الإِسلامية، وقد قلنا: إن وسيلة الإِصلاح لن تؤمن عاقبتها إذا كانت قائمة على العنف، فإن للقوة إعدادها وتخطيطها الكبير الجبار، وكذلك لدراسة كل الظروف القائمة أهميتها فى القيام بمثل هذه الحركة، ولا يجوز أن يفهم من هذا أننا نهوشّ من شأن الجهاد بمعناه العام، فإنه ماض إلى يوم القيامة فى ميادينه الواسعة وبأساليبه المتعددة، لحديث " والجهاد ماض مذ بعثنى الله إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل " رواه أبو داود، فإنه يدل بعمومه على بقاء الجهاد فى الميادين السلمية، ويدخل فيه الجهاد المسلح دخولا أوليا، وقد يرشح دلالته عليه بخاصة ذكر فتال الدجال بعد.
وإذا كان الجهاد مفروضا بالسلاح لتأمين طريق الدعوة والدفاع عن الحرمات، فذلك واضح فى الجهاد ضد الكفار، أما الجهاد بين الدول الإِسلامية فلا يجوز مطلقا أن يكون للعدوان على الحقوق، بل لرد العدوان، ولا يلجأ إليه إلا إذا فشلت كل الطرق السلمية، على حد قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله. . .} الحجرات: 9، وفى الدفاع يقول الحديث " من قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد. " رواه أبو داود، ويُحَذر من العدوان على الأفراد أو الجماعات أو الدول بين المسلمين فيقول " إخا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار " قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال " كان حريصا على قتل صاحبه " رواه البخارى ومسلم
(10/123)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:28 am

الانتفاع بالمشيمة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل جمع فضلات الإنسان كالدم والشعر والسن والمشيمة لاستخراج مواد طبية منها حرام أم حلال؟

الجواب
جاء فى تفسير القرطبى "ج 2 ص 102 " أن الحكيم الترمذى ذكر فى " نوادر الأصول " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " قصوا أظافيركم، وادفنوا قلاماتكم، ونقُّوا براجمكم، ونظفوا لثاتكم من الطعام، وتسنَّنوا ولا تدخلوا علىَّ فُخْرًا بخْرًا " (المحفوظ -كما فى تفسير القرطبى "ج 2 ص 154 " قُحْلاً وقلحا. والقُحل جمع أقلح وهو الذى اصفرت أسنانه حتى بخرت وأنتنت رائحتها والتسنن تنظيف الأسنان بالسواك.) ثم تكلم عليه فأحسن. وفى شرحه لدفن القلامات قال: إن جسد المؤمن ذو حرمة، فما سقط منه وزال عنه فحفظه من الحرمة قائم، فيحق عليه أن يدفنه، كما أنه لو مات دفن، فإذا مات بعضه فكذلك أيضا تقام حرمته بدفنه، كيلا يتفرق ولا يقع فى النار أو فى مزابل قذرة، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفن دمه حيث احتجم كيلا تبحث عنه الكلاب.
ثم ذكر حديثا عن عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بدفن سبعة أشياء من الإِنسان: الشعر والظفر والذم والحيضة والسن والقلفة والبشيمة.
لم يذكر سند هذا الحديث حتى يمكن الاستشهاد به، وقد تحدث العلماء عن دفن الشعر والظفر والدم فقالوا: إنه سنة، وجاء فى كتاب "غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 382" نقلا عن " الإِقناع " أن الخلاَّل روى بإسناده عن مثل بنت بشرح الأشعرية قالت: رأيت أبى يقلم أظفاره ويدفنها ويقول: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. وعن ابن جريج عن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعجبه دفن الدم. وقال مهنا:
سألت أحمد ابن حنبل عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه. قلت: بلغك فيه شىء؟ قال: كان ابن عمر يفعله.
فدفن فضلات الإِنسان سنة: لتكريم الإِنسان بتكريم أجزائه، وللنظافة بمواراتها وعدم التلوث بها، وصونا لها عن استخدامها فيما يضر كما كان يفعله المشتغلون بالسحر واستخدام آثار الإنسان فى ذلك.
وقد ذكر ابن حجر فى أخذ معاوية لقصة الشعر أن دفنها ليس بواجب.
لكن لو لم تدفن هذه الأشياء فلا يعاقب عليها، لأن المكروه وهو مقابل السنة لا عقاب عليه.
ومحل ذلك إذا لم تكن هناك فائدة ترجى من وراء هذه الفضلات.
وبفضل التقدم العلمى أمكن الانتفاع بهذه الفضلات، وهذا أولى من إهدارها، وكما يقال: إذا وجدت المصلحة فثم شرع اللَّه، وذلك فيما لم يرد فيه نص قاطع ولم يعارض حكما مقررا.
ولذلك أرى أنه لا مانع من استغلال هذه الفضلات فى المنفعة
(10/124)
________________________________________
الإنسان مسير أم مخير

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل الإنسان مسير أم مخير؟

الجواب
الله سبحانه خلق الإنسان وعلم ما سيكون عليه من خير وشر، وجعله قابلا للطاعة والمعصية، وكلفه بأمور ينفذها وترك له الحرية في اختيار التنفيذ وعدم التنفيذ، ليكون محاسبا أمام اللَّه على ما فعله بحريته واختياره من طاعة أو معصية، والإنسان لا يعلم ما قدر له في علم اللَّه إلا بعد وقوع المقدر، ولو أقدم على فعل محرم متعللا بأنه مقدر عليه فهو مخطئ فى هذا التعلل، لأنه ربما يحول بينه وبين فعل المحرم حائل يمنعه، وهنا يعلم أنه لم يُقدر عليه.
فالإنسان مخير في الأمور التكليفية التى يستطيع فعلها أو تركها بحريته واختياره، أما الأمور التى لا تقع تحت حريته واختياره، كالكوارث العامة من الزلازل والبراكين والعواصف والسيول وغيرها فهو فيها مسير.
ثم أقول: لماذا يكثر السؤال فى هذا الموضوع، وبخاصة من يقول: إن المعاصى مقدرة علينا فلماذا نعاقب عليها ونحن مرغمون لا مفر لنا من القضاء والقدر؟ إن اللَّه سبحانه علم أن أبا لهب لن يؤمن بسيدنا محمد، ومع ذلك أمر اللَّه نبيه أن يطلب منه الإيمان، ليكون إيمانه وعدم إيمانه بحريته واختياره، فاختار أبو لهب الكفر، واستمر على ذلك حتى مات كافرا، وهنا علم تماما أن اللَّه سبحانه قضى في علمه أن أبا لهب سيختار الكفر ويموت عليه.
ثم أقول: لماذا يسأل الناس عن تقدير المعاصى لتبرير فعلها لأنها قضاء اللَّه حتى لا يعاقب عليها، ولا يسأل عن تقدير الطاعات، ويطالب بالثواب عليها، مع أن المعاصى والطاعات مقدرة فى علم اللَّه؟ إن الإنسان هنا فى الطاعات حريص على أن ينال الثواب على طاعته لأنها عمله. وفى المعاصى حريص على أن يفر من العقاب على معصيته لأنها ليست عمله - فى ادعائه -بل مقدرة عليه.
لا ينبغى أن يغالط الإنسان نفسه، فهو مسئول عن كل شيء فعله بحريته واختياره من خير أو شر، قال تعالى {كل امرئ بما كسب رهين} الطور:
21، وقال تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر: 38، إن الأمر لو كان كما يريد هؤلاء من تقدير كل الأمور علينا وعدم الحساب عليها ما كانت هناك حاجة إلى إرسال الرسل ولا إلى البعث ولا إلى الحساب ولا إلى الجنة والنار
(10/125)
________________________________________
يأجوج ومأجوج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قرأت أن يأجوج ومأجوج خلقا من نطفة آدم التى امتزجت بالتراب، كما قرأت عنهم أمورا غريبة. والمرجو توضيح الحقيقة حتى لا تختلط بالخيال؟

الجواب
معرفة الحقيقة فى هذه الأمور لا تكون إلا عن طريق صحيح من القرآن والسنة، وكونهما من نطفة آدم المخلوطة بالتراب قول حكاه النووى فى شرح مسلم عن بعض الناس، وهو قول غريب لا دليل عليه من نقل أو عقل، ولا يجوز الاعتماد على ما يحكيه بعض أهل الكتاب من هذه الغرائب.
ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم كما ورد فى الصحيحين، وجاء فيهما أن الله يطلب من آدم أن يبعث بعث النار، ويقول: إن فيكم أمتين ما كانتا فى شىء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج. وجاء فى الصحيحين حديث: "ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا ". وذكر مسلم حديث خروجهم فى آخر الزمان وأن عيسى يدعو عليهم فيرسل اللَّه عليهم النغف -وهو دود يكون فى أنود الإبل والغنم -ثم يرسل الطير لتأكل جثثهم. .
وجاءت أحاديث موقوفة عن أشكالهم وإفسادهم عند الخروج لا يعتمد على كثير منها والخلاصة أنهم من خلق آدم، وكانوا موجودين أيام ذى القرنين، وسيخرجون آخر الزمان، وهذا القدر كاف فى معرفتهم، وما وراء ذلك لا داعى إليه، ولا يضر الجهل به، والاهتمام بغير ذلك مما يفيد واقع المسلمين الآن أولى، واللَّه أعلم.
وأما السد الذى أقامه ذو القرنين فسيذكر مع السؤال الخاص بذى القرنين
(10/126)
________________________________________
المهدى المنتظر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يوجد تضارب كبير فى ظهور المهدى المنتظر فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
سنذكر كلمة موجزة عن المهدى المنتظر ملخصة من عدة كتب ومقالات قديمة وحديثة. فنقول:
ظهور المهدى فيه أربعة أقوال:
القول الأول:
أن المهدى هو المسيح ابن مريم عليهما السلام، ودليله حديث ابن ماجه، "لا مهدى إلا عيسى بن مريم " وهو حديث ضعيف، لتفرد محمد بن خالد به، ولورود أحاديث بوجود المهدى وصلاته مع عيسى ابن مريم تمنع الحصر الوارد فى هذا الحديث فى عدم وجود مهدى إلا عيسى.
على أن هذا الحديث لو صح لم تكن فيه حجة، لأن سيدنا عيسى عليه السلام أعظم مهدى بين يدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والساعة، فيكون الحصر إضافيا، والمراد لا مهدى كاملا إلا عيسى عليه السلام.
القول الثانى:
أن المهدى رجل من آل البيت من ولد الحسين بن على، يخرج آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وأكثر الأحاديث تدل على هذا، وهى وإن كانت ضعيفة يقوى بعضها بعضا، وقد صحح بعضهم بعضها، منها حديث أحمد وأبى داود والترمذى وابن ماجه "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلا من أهل البيت يملأها عدلا كما ملئت جورا" ورواية أبى داود هذه وثقها الهيتمى فى مجمع الزوائد القول الثالث:
أنه المهدى الذى تولى الخلافة فى الدولة العباسية فى القرن الثانى الهجرى، والأحاديث التى رويت فى هذا ضعيفة، وعلى فرض صحتها فالمهدى هذا أحد المهديين، وهناك غيره، ويصح أن يقال: إن عمر ابن عبد العزبز كان مهديا، بل هو أولى بهذه التسمية من مهدى بنى العباس.
القول الرابع:
الأقوال السابقة هى لأهل السنة، وهذا القول هو للشيعة الإمامية، حيث يقولون: إنه محمد بن الحسن العسكرى المنتظر، من ولد الحسين بن على، ويقولون فى صفته: الحاضر فى الأمصار، الغائب عن الأبصار، وأنه دخل سردابا فى "سامرا" وقيل فى مدينة تدعى "جابلقا" وهى مدينة وهمية ليس لها وجود. وزعم أحمد الأحسائى الممهد للبهائية أنه فى السماء وليس فى الأرض. .
دخلها وكان طفلا صغيرا منذ أكثر من خمسمائة عام، فلم تره بعد ذلك عين ولن يحس فيه بخبر، وهم ينتظرونه كل يوم، يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون بأن يخرج إليهم ثم يرجعون، وقال فى ذلك بعض الشعراء:
ما آن للسرداب أن يلد الذى * كلمتموه بجهلكم ما آنا فعلى عقولكم العفاء فإنكم * ثلثتم العنقاء والغيلانا هذا، وهناك مهديون كثيرون ظهروا في التاريخ، فى الشرق وفى الغرب، واليهود ينتظرون الذى يخرج آخر الزمان، لتعلو كلمتهم وينصروا به على سائر الأمم، ويعتقد هذا سبعون ألفا من يهود أصفهان، وكذلك النصارى ينتظرون المسيح يوم القيامة، وبهذا تكون الملل الثلاثة منتظرة للمهدى.
إن المهدى وردت فيه أحاديث كثيرة صحح بعضها وضعف الكثير منها، ويؤخذ من مجموعها أنه من اَل البيت، وسيخرج آخر الزمان، ويلتقى مع سيدنا عيسى عليه السلام.
فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث اللَّه فيه رجلا من عترتى يملؤها عدلا كما ملئت جورا".
ويؤخذ من الأحاديث أن اسمه "محمد" وأن اسم والده "عبد الله " كاسم والد النبي صلى الله عليه وسلم وتقول الشيعة إنه اختفى بعد موت والده، وذكر محيى الدين بن العربى فى "فتوحاته " أن والده هو الإمام حسن العسكرى، وساق نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ابن حجر فى "الصواعق " أن ظهوره يكون بعد أنه يخسف القمر في أول ليلة من رمضان، وتكسف الشمس في النصف منه، وذلك لم يوجد منذ أن خلق الله السماوات والأرض كما قرره علماء الفلك، فهل سيكون ذلك من باب الإعجاز؟ .
بل ذكر الشعرانى فى " اليواقيت والجواهر" أنه يولد فى ليلة النصف من شعبان سنة1255 هـ قائلا: إنه تلقى ذلك من الشيخ حسن العراقى ووافق عليه الخواص.
هذه صور من أفكار المسلمين عن المهدى، وفى بعضها بُعد يصعب تعقله، ولا يجوز أن نبنى العقائد على مثل هذه القواعد غير الثابتة.
لقد استغل كثير من الناس قضية المهدى فتكونت دول وظهرت شخصيات على مسرح التاريخ، وقامت دعوات تتمسح بها، وكل يدعى أن آخر الزمان المقصود فى الكلام عنه هو زمانه الذى كثر فيه الظلم، وكل زمان لا يخلو من ذلك كما يتصوره بعض الناس.
لقد استغلها الفاطميون وأقاموا دولتهم أولا بالمغرب، ثم انتلقت إلى مصر واتسع نطاقها، استغلها "ابن تومرت " فأسس دولة الموحدين بنى عبد المؤمن، وفى أيام الدولة المرينية بفاس قام رجل اسمه "التوبرزى" مدعيا أنه المهدى أيضا، كما ادعاها مغربى من طرابلس قابل نابليون بين دمنهور ورشيد، وقيل إن المهدى صاحب ثورة السودان كان أتباعه يطلقون عليه المهدى المنتظر.. .
يقول القلقشندى فى ادعاء الشيعة الإمامية لوجود المهدى: إنهم يقفون عند باب السرداب بغلة ملجمة من الغروب إلى مغيب الشفق، وينادونه ليخرج حتى يقضى على الظلم الذي عم البلاد.
ويروى ياقوت أنهم كانوا فى "كاشان " من بلاد الفرس يركبون كل صباح للقائه وذلك فى أواخر القرن الخامس الهجرى، ويروى مثل ذلك ابن بطوطة، والكيسانية يدعون أنه "محمد ابن الحنفية " وكان من العادات فى زمن ملوك الصفوية فى فارس إعداد فرسين مسرجين دائما فى القصر لاستقبال المهدى وعيسى. .
وهذا يشبه عمل المتهوسين من الإفرنج فى القدس الذين ينتظرون مجىء المسيح يوم الدينونة. يقول "هوارت " الفرنسى فى " تاريخ العرب ":
إن إنكليزيا ذهب إلى بيت المقدس وأقام بالوادى الذى ستكون فيه الدينونة، وفى كل صباح يقرع الطبل منتظرا للحشر.
وجاءت امرأة إنكليزية إلى القدس، وكانت تعد الشاى كل يوم لتحيى به المسيح عند ظهوره. ويقول " لامرتين " عند زيارته لجبل لبنان: إنه رأى في قرية "جفن " السيدة " استير ستاتهوب " بنت أخى"بيت " الوزير الإنكليزى الشهير، رأى عندها فرسا مسرجا، زعمت أنها تعده ليركبه المسيح.
إن ظهور المهدى ليس له دليل صريح فى القرآن الكريم، وقد رأى ابن خلدون عدم ظهوره كما جاء فى الفصل الذى عقده فى مقدمته خاصا بذلك والشوكانى ألف كتابا سماه "التوضيح فى تواتر ما جاء فى المنتطر والدجال المسيح " جاء فيه أن الأحاديث الواردة فى المهدى التى أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبروهى متواترة بلا شك ولا شبهة.
ومهما يكن من شيء فإن ظهوره ليس ممنوعا عقلا، ولم تثبت استحالته بدليل قاطع كما أن أدلة ظهوره لم تسلم من المناقشة، والعقائد لا ثثبت بمثل هذه الأدلة على ما رآه المحققون. فمن أثبت فهو حر فيما يرى، لكن لا يجوز أن يفرض رأيه على غيره، ومن نفى لم يخرج من الإيمان إلى الكفر. .
وأولى لنا أن نتناقش فى أمر عملى يعيد لنا قوتنا الأولى، أو على الأقل يخلص المسلمين من الوضع الذى هم فيه الآن والعقائد الأساسية واضحة، وأدلتها موفورة.
يمكن الرجوع للاستزادة إلى:
1- المنار لابن القيم.
2- صبح الأعشى للقلقشندى.
3-التوضيح للشوكانى.
4-مقالات الصديق الغمارى فى مجلة الإسلام في السنوات الأولى.
5- سيد البشر يتحدث عن المهدى المنتظر، جمع حامد ليمود.
6-القطرة من بحار ومناقب النبى والعترة والعثرة رضى الدين الموسيوى التبريزى.
7-القول المختصر فى علامات المهدى المنتظر. لابن حجر الهيتمى.
8-المشرب الوردى فى أخبار المهدى لملا على القارى
(10/127)
________________________________________
المسيح الدجال

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هو المسيخ الدجال ومتى يظهر؟

الجواب
من أصح ما ورد بشأن المسيخ الدجال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله كثيرا من فتنته، وفى صحيح مسلم أن خروجه هو أول علامات الساعة الكبرى وأنه يخرج من ناحية المشرق، وسيمكث أربعين يوما يفتن الناس عن الإيمان باللَّه، يوم منها كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر الأيام كالأيام العادية.
وفى اليوم الذى هو كسنة لا تكفى فيه خمس صلوات، بل يجب أن يقدر كل أربع وعشرين ساعة لخمس صلوات كما فى الحديث المذكور " اقدروا قدره " وسيقتله سيدنا عيسى عليه السلام عند باب " لُدّ " كما في صحيح مسلم "ج 18 ص 65-76 ".
وجاء فى كتاب " مشارق الأنوار " للشيخ العدوى كلام كثير عنه بروايات صحيحة وغير صحيحة وتحدث عن أتباعه، وهل ولد أيام الرسول أم سيولد قرب قيام الساعة.
وتحدث عن علامات خروجه وتشويه شكله، والخوارق التى يقوم بها، ومكتوب بين عينيه " كافر" وأنه لا يستطيع دخول مكة والمدينة لحراسة الملائكة لهما، وأن معه مغريات كثيرة يمتحن بها الناس ليؤمنوا به، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قابله وعرض عليه الإسلام.
فارجع إلى هذا الكتاب لتعرف كثيرا عنه، ويكفينا ما ثبت فى الصحيح
(10/128)
________________________________________
المبشرون بالجنة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هم المبشرون بالجنة، ولماذا؟

الجواب
المؤمنون الذين سبقوا بالإيمان وتحملوا المشاق في سبيل الحفاظ على العقيدة وطاعة اللَّه فى كل المجالات مبشرون جميعا بالجنة، كما قال تعالى {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار} ، البقرة: 25، وكما قال سبحانه {إن الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} ، فصلت: 30.
وأدنى تكريم بالبشارة بالجنة أن المؤمن سيموت على الإيمان وتلك هى الخاتمة الحسنة، حتى لو كانت عليه ذنوب لم يغفرها اللَّه سيعذب عليها فى النار بقدرها إن لم تكن شفاعة تحول دون دخولها أو تخفف من المدة التى سيمكثها فيها، وسيخرج منها ويدخل الجنة، أما التكريم الذى فوق ذلك لمن بشر بالجنة فهو أنه سيموت على الإيمان وسيغفر الله له ذنوبه ولن يدخل النار إلا تحلة القسم كما قال سبحانه {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} مريم: 71، 72، على الرأى المختار فى معنى ورود النار.
وأكثر المبشرين بالجنة هم من خير القرون، وهو قرن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث ومع ذلك فقد بشر الرسول جماعة من أصحابه بوجه خاص بأنهم من أهل الجنة، وهم عشرة، وردت فى بعضهم أحاديث خاصة بهم، كما وردت فيهم جميعا بعض الأحاديث، منها حديث سعيد بن زيد-وهو أحدهم -الذى يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "عشرة فى الجنة: أبو بكر فى الجنة، وعمر فى الجنة، وعثمان وعلى والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبى وقاص " وسكت عن العاشر ولما سألوه أخبر عن نفسه. رواه الترمذي.
وقال البخارى: هو أصح من حديث عبد الرحمن بن عوف. والخلفاء الأربعة معروفون، وما كتب عنهم كثير. أما الزبير فهو ابن العوام، قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم "لكل نبى حوارى وحواريى الزبير" كان أول من سَلَّ سيفا فى سبيل اللَّه، وقال له الرسول يوم الأحزاب "فداك أبى وأمى" توفى سنة 36 هـ.
وطلحة هو ابن عبيد اللَّه، لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم على ظهره إلى صخرة فى أحد دعا له وقال "أوجب طلحة" أى وجبت له الجنة-توفى سنة 36 هـ.
وعبد الرحمن بن عوف كثر ماله بعد الهجرة وأنفق منه على الكثيرين وتوفى سنة 30 أو 32 هـ.
وأبو عبيدة هو عامر بن الجراح، لقَّبه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمين الأمة، عندما أرسله مع وفد نصارى نجران، وتوفى سنة 18 هـ في طاعون عمواس.
وسعد بن أبى وقاص كان أول من رمى بسهم فى سبيل اللَّه. وكان مستجاب الدعوة، قال له النبى صلى الله عليه وسلم فى يوم أحد"ارم فداك أبى وأمى" وهو بطل معركة القادسية، توفى سنة 55هـ.
وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، كان مستجاب الدعوة، توفى سنة 51 هـ
(10/129)
________________________________________
إفساد اليهود

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
وردت آيات فى القرآن تدل على أن اليهود أفسدوا مرتين، نريد تفسير هذه الآيات، وهل إفسادهم انتهى بالمرتين أم يمكن أن يستمر؟

الجواب
قال الله تعالى {وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علوا تتبيرا * عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} ، الإسراء: 4 -8، المهم في هذه الآيات هو معرفة المرتين اللتين أفسد فيهما بنو إسرائيل، وهناك كلام طويل وخلاف كبير بين العلماء في ذلك، ومن أقرب الأقوال أنهم أفسدوا أولاً بقتل النبى زكريا عليه السلام كما قال ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم، أو بقتل النبى أشعياء كما يقول ابن إسحاق، أو بتكذيب النبى أرمياء كما نقل عن ابن عباس، فأرسل الله عليهم غزاة من فارس "سنحاريب أو بختنصر" فعذبوهم وأسروا منهم كثيرا وساقوهم إلى بابل. ولما تابوا خلصهم اللَّه من الأسر، وأمدهم بالنعيم والقوة، محذرا لهم من العودة إلى الإفساد فأفسدوا مرة ثانية، وذلك بقتل النبى يحيى بن زكريا، فسلط اللَّه عليهم من انتقم منهم، واختلف فى الذى انتقم منهم، فقيل: أحد ملوك بابل "خردوس " وقيل كما فى حديث نسب إلى الرسول - قيصر الروم، حيث سبى منهم وقتل، وأخذ النساء والأموال، وأودع حُلِىَّ بيت المقدس فى مكان ينتظر من يرده قرب قيام الساعة.
هذا ما فى تفسير القرطبى، ويدل على أن المرتين اللتين أفسد فيهما بنو إسرائيل قد انتهتا قبل ظهور الإسلام، المرة الأولى كانت قبل رسالة عيسى، والثانية بعدها.
ويا تُرى هل المكتوب عليهم من الإفساد هو مرتان فقط، أو سيكون منهم إفساد آخر، لأن العبارة لا تقتضى الحصر؟ قيل بالثانى أى سيحصل منهم إفساد آخر بدليل قوله تعالى {وإن عدتم عدنا} .
وقيل فى تفسيرها: إنهم أفسدوا فسلط الله عليهم محمدا صلى الله عليه وسلم وأجلاهم المسلمون عن جزيرة العرب، وامتلكوا بيت المقدس، وفر اليهود تائهين فى أقطار الأرض.
وعلى فرض أنهم سيعودون كما عادوا من قبل إلى بيت المقدس فإن القرار الإلهى {وإن عدتم عدنا} باق، فإن أفسدوا فسيسلط اللَّه عليهم من ينتقم منهم من عباد اللَّه أولى البأس الشديد.
لكن من هم أولو البأس الشديد؟ هل يكونون هم العرب والمسلمون أو غيرهم؟ اللَّه أعلم
(10/130)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:29 am

ليلة النصف من شعبان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل ليلة النصف من شعبان لها فضل وهل كان النبى صلى الله عليه وسلم يحتفل بها، وهل هناك صلاة مخصوصة أو دعاء مخصوص يقال فيها؟

الجواب
الكلام هنا فى ثلاث نقط:
1 -النقطة الأولى: هل ليلة النصف من شعبان لها فضل؟ والجواب: قد ورد فى فضلها أحاديث صحح بعض العلماء بعضا منها وضعفها آخرون وإن أجازوا الأخذ بها فى فضائل الأعمال. ومنها حديث رواه أحمد والطبرانى "إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثر من شعر غنم بنى كلب، وهى قبيلة فيها غنم كثير".
وقال الترمذى: إن البخارى ضعفه، ومنها حديث عائشة رضى الله عنها، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك، فرجعت، فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: "يا عائشة- أو يا حميراء-ظننت أن النبى صلى الله عليه وسلم -قد خاس بك "؟ أى لم يعطك حقك.
قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضت لطول سجودك، فقال: "أتدرين أى ليلة هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال "هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين.
ويؤخر أهل الحقد كما هم " رواه البيهقى عن طريق العلاء بن الحارث عنها، وقال: هذا مرسل جيد. يعنى أن العلاء لم يسمع من عائشة.
وروى ابن ماجه فى سننه بإسناد ضعيف عن على رضى الله عنه مرفوعا- أى إلى النبى صلى الله عليه وسلم "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر".
بهذه الأحاديث وغيرها يمكن أن يقال: إن لليلة النصف من شعبان فضلا، وليس هناك نص يمنع ذلك، فشهر شعبان له فضله روى النسائى عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور، ما تصوم من شعبان قال "ذاك شهر تغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم ".
ا-النقطة الثانية هل كان النبى صلى الله عليه وسلم يحتفل بليلة النصف من شعبان؟ ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام احتفل بشهر شعبان، وكان احتفاله بالصوم، أما قيام الليل فالرسول عليه الصلاة والسلام كان كثير القيام بالليل فى كل الشهر، وقيامه ليلة النصف كقيامه قى أية ليلة.
ويؤيد ذلك ما ورد من الأحاديث السابقة وإن كانت ضعيفة فيؤخذ بها فى فضائل الأعمال، فقد أمر بقيامها، وقام هو بالفعل على النحو الذى ذكرته عائشة.
وكان هذا الاحتفال شخصيا، يعنى لم يكن فى جماعة، والصورة التى يحتفل بها الناس اليوم لم تكن فى أيامه ولا فى أيام الصحابة، ولكن حدثت فى عهد التابعين. يذكر القسطلانى فى كتابه "المواهب اللدنية"ج 2 ص 259 أن التابعين من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول كانوا يجتهدون ليلة النصف من شعبان فى العبادة، وعنهم أخذ الناس تعظيمها، ويقال أنهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية. فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس، فمنهم من قبله منهم، وقد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم عطاء وابن أبى مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة، ثم يقول القسطلانى:
اختلف علماء أهل الشام فى صفة إحيائها على قولين، أحدهما أنه يستحب إحياؤها جماعة فى المسجد، وكان خالد بن معدان ولقمان ابن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون فى المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال فى قيامها فى المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرمانى فى مسائله. والثانى أنه يكره الاجتماع فى المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلى الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعى إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم.
ولا يعرف للإمام أحمد كلام فى ليلة النصف من شعبان، ويتحرج فى استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه فى قيام ليلتى العيد، فإنه فى رواية لم يستحب قيامها جماعة، لأنه لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فعلها، واستحبها فى رواية لفعل عبد الرحمن بن زيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، وكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، إنما ثبت عن جماعة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام، انتهى. ملخصا من اللطائف. هذا كلام القسطلانى فى المواهب، وخلاصته أن إحياء ليلة النصف جماعة قال به بعض العلماء ولم يقل به البعض الآخر، وما دام خلافيا فيصح الأخذ بأحد الرأيين دون تعصب ضد الرأى الآخر.
والإحياء شخصيا أو جماعيا يكون بالصلاة والدعاء وذكر الله سبحانه، وقد رأى بعض المعاصرين أن يكون الاحتفال فى هذه الليلة ليس على هذا النسق وليس لهذا الغرض وهو التقرب إلى الله بالعبادة، وإنما يكون لتخليد ذكرى من الذكريات الإسلامية، وهى تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى مكة، مع عدم الجزم بأنه كان فى هذه الليلة فهناك أقوال بأنه كان فى غيرها، والاحتفال بالذكريات له حكمه.
والذى أراه هو عدم المنع ما دام الأسلوب مشروعا، والهدف خالصا للَّه سبحانه.
1- النقطة الثالثة: هل هناك أسلوب معين لإحيائها وهل الصلاة بنية طول العمر أو سعة الرزق مشروعة، وهل الدعاء له صيغة خاصة؟ إن الصلاة بنية التقرب إلى الله لا مانع منها فهى خير موضوع، ويسن التنفل بين المغرب والعشاء عند بعض الفقهاء، كما يسن بعد العشاء ومنه قيام الليل، أما أن يكون التنفل بنية طول العمر أو غير ذلك فليس عليه دليل مقبول يدعو إليه أو يستحسنه، فليكن نفلا مطلقا.
قال النووى فى كتابه المجموع: الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهى ثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا تغتر بذكرهما فى كتاب قوت القلوب - لأبى طالب المكى-وإحياء علوم الدين - للإمام الغزالى - ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات فى استحبابهما فإنه غالط فى ذلك. وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسى كتابا نفيسا فى إبطالهما فأحسن فيه وأجاد. "مجلة الأزهر - المجلد الثانى ص 515 ".
والدعاء فى هذه الليلة لم يرد فيه شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم، لأن مبدأ الاحتفال ليس ثابتا بطريق صحيح عند الأكثرين، ومما أثر فى ذلك عن عائشة رضى الله عنها سمعته يقول فى السجود "أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " رواه البيهقى من طريق العلاء كما تقدم.
والدعاء الذى يكثر السؤال عنه فى هذه الأيام هو: اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين وأمان الخائفين، اللهم إن كنت كتبتنى عندك فى أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مقترا على فى الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتى وحرمانى وطردى وإقتار رزقى.. .
... وجاء فيه: إلهى بالتجلى الأعظم فى ليلة النصف من شهر شعبان المعظم، التى يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم ... . .. وهى من زيادة الشيخ ماء العينين الشنقيطى فى كتاب "نعت البدايات ".
وهو دعاء لم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال بعض العلماء إنه منقول بأسانيد صحيحة عن صحابيين جليلين، هما عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما، وعمر-من الخلفاء الراشدين الذى أمرنا الحديث بالأخذ بسنتهم، ونص على الاقتداء به وبأبى بكر الصديق فى حديث آخر، وأصحاب الرسول كالنجوم فى الاقتداء بهم كما روى فى حديث يقبل فى فضائل الأعمال.
ولكن الذى ينقصنا هو التثبت من أن هذا الدعاء ورد عن عمر وابن مسعود ولم ينكره أحد من الصحابة،كما ينقصنا المثبت من قول ابن عمر وابن مسعود عن هذا الدعاء: ما دعا عبد قط به إلا وسع الله فى مشيئته أخرجه ابن أبى شيبة وابن أبى الدنيا.
ومهما يكن من شىء فإن أى دعاء بأية صيغة يشترط فيه ألايكون معارضا ولا منافيا للصحيح من العقائد والأحكام. وقد تحدث العلماء عن نقطتين هامتين فى هذا الدعاء، أولاهما ما جاء فيه من المحو والإثبات فى أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ وهو سجل علم الله تعالى الذى لا يتغير ولا يتبدل، فقال: إن المكتوب فى اللوح هو ما قدره الله على عباده ومنه ما هو مشروط بدعاء أو عمل وهو المعلق والله يعلم أن صاحبه يدعو أو يعمله وما هو غير مشروط وهو المبرم، والدعاء والعمل ينفع فى الأول لأنه معلق عليه، وأما نفعه فى الثانى فهو التخفيف، كما يقال: اللهم إنى لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه وقد جاء فى الحديث "إن الدعاء ينفع فيما نزل وما لم ينزل " والنفع هو على النحو المذكور.
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل: فيم العمل اليوم؟ أفيم جفت به الأقلام وجرت به المقادر أم فيما يستقبل؟ قال "بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير" قالوا: ففيم العمل؟ قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له "وفى رواية: أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال "من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، اعملوا فكل ميسر ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى *وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} الليل 5 - 10، ولم يرتض بعض العلماء هذا التفسير للمحو والإثبات فى اللوح المحفوظ، فذلك يكون فى صحف الملائكة لا فى علم الله سبحانه ولوحه المحفوظ، ذكره الآلوسى والفخر الرازى فى التفسير.
والنقطة الثانية: ما جاء فيه من أن ليلة النصف من شعبان هى التى يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم. فهو ليس بصحيح، فقد قال عكرمة:
من قال ذلك فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها فى رمضان، فالليلة المباركة التى يفرق فيها كل أمر حكيم نزل فيها القرآن، والقران نزل قى ليلة القدر. وفى شهر رمضان. ومن قال: هناك حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم يقول "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه فى الموتى" فالحديث مرسل، ومثله لا تعارض به النصوص "المواهب اللدنية ج 2 ص 260 " وإن حاول بعضهم التوفيق بينهما بأن ما يحصل فى شعبان هو نقل ما فى اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة.
ولا داعى لذلك فالدعاء المأثور فى الكتاب والسنة أفضل.
وللاستزادة يمكن الرجوع إلى مجلة الأزهر، المجلد الثانى ص 515 والمجلد الثالث ص 501ومجلة الإسلام المجلد الثالث، العددان 35، 36
(10/131)
________________________________________
أطفال الأنابيب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الشرع فيما يسمى الآن أطفال الأنابيب؟

الجواب
أطفال الأنابيب هم الذين تخلقوا بطريق غير طريق الاتصال الجنسى المباشر بين الذكر والأنثى، ويسمى بالتلقيح الصناعى، الذى أجريت تجربته الأولى بين الآدميين سنة 1799 م على يد الطبيب الإنجليزى دكتور "جون هنتر".
وحكم الشرع في هذه العملية أنها إذا تمت بين الزوج وزوجته، أى بين مائه وبويضتها وكان التلقيح فى رحمها مباشرة أو فى أنبوبة خارجية ثم نقل إلى رحمها لاستكمال نموه، لا مانع منها، مع التنبيه على الحيطة والحذر عند القيام بهذه العملية فى الأنبوبة أو الحقنة أو غيرهما، حتى لا يكون هناك اختلاط بمادة أجنبية عن الزوج والزوجة.
أما إذا كان التلقيح بغير ماء الزوج وبويضة الزوجة أو رحم آخر فهو حرام لأنه فى حكم الزنى، وإن لم يكن زنى موجبا للحد، سواء أكان ذلك برضاهما أم بغير رضاهما ولولا أن صورته تختلف عن صورة الزنى -وهو اللقاء الجنسى المباشر- لوجب فيه الحد.
ويمكن الرجوع إلى الجزء الأول من موسوعة "الأسرة تحت رعاية الإسلام " لمعرفة الكثير عن هذا الموضوع
(10/132)
________________________________________
النظر إلى صورة المرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم النظر إلى الصورة الشمسية للمرأة أو إلى صورتها فى المرآة، هل هو مماثل للنظر إلى صورتها الحقيقية؟

الجواب
معلوم أن الإسلام حرم النظر إلى أى جزء من جسم المرأة الأجنبية حتى الوجه والكفين إذا كان النظر بشهوة، لأن النظر بريد الزنى، والنصوص فى ذلك كثيرة، أما لو كان النظر بغير شهوة فيجوز فقط إلى الوجه والكفين عند بعض العلماء، ورأى بعضهم عدم جواز النظر إليهما فى كل الأحوال، إلا ما هو مستثنى لعلاج ونحوه مما هو مفصل فى موضعه " الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ".
هذا هو حكم النظر إلى الأصل، أما النظر إلى الصورة فقد مثل لها القدامى بالنظر إلى صورتها فى المرآة أو فى المياه، واختلفوا فى قياس الصورة على الأصل وعدم قياسها، بناء على تصورهم أن الرؤية تحصل من أشعة خارجة من العين، أو أشعة منعكسة من المرئى على العين، والثانى هو الرأى الصحيح الذى أثبته العلم.
ومهما يكن من شىء فإن صورة المرأة لا يجوز النظر إليها بشهوة باتفاق الجميع كما لا يجوز النظر إلى أى شيء يثير الفتنة، لأن حكمة التشريع موجودة فى الأصل والصورة.
وتشتد الحرمة إذا كان النظر إليها فى الصور المتحركة، فإنها لا تقل فتنة عن النظر إلى الأصل، إن لم تكن أقوى، وبخاصة فى الأوضاع التى لا تليق ذوقا وشرعا.
يقول الشيخ طه حبيب "عضو المحكمة العليا الشرعية سابقا " ما نصه.
والذى تسكن إليه النفس ويطمئن له القلب هو أن النظر إلى المرأة الأجنبية إنما كان محرما بسبب أنه داع وذريعة إلى الوقوع فيما هو أشد منه حرمة، وهو الوقوع فى المعصية الكبرى، وعليه فالنظر إلى المرأة الأجنبية المعينة بواسطة المرآة بقصد الشهوة غير جائز، لأنه ذريعة إلى محرم،، وكل ما كان كذلك فهو حرام، سواء أكان ذلك مباشرة أم بواسطة المرآة، انتهى "مجلة الأزهر- المجلد الثالث، صفحة 393"
(10/133)
________________________________________
الوقوف تحية للقادم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم قيام التلاميذ تحية للمدرس عندما يدخل الفصل؟

الجواب
القيام للقادم من أجل التعظيم والاحترام إذا كان يستحقه لا بأس به، كالإمام العادل والوالدين والعلماء، وكذلك للقادم من السفر ولكبير السن والمدرس وغيرهم ممن ينبغى أن نوفر لهم الاحترام.
جاء فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما جاء سعد بن معاذ راكبا على حمار وكان جريحا " قوموا لسيدكم " ولم يكن القيام لأجل معاونته فقط، فقد كان رجال من بنى الأشهل يقولون: قمنا له على أرجلنا صفين، يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقام طلحة رضى الله عنه لكعب بن مالك رضى الله عنه لما تاب الله عليه ولم ينكر عليه النبى ذلك، كما رواه البخارى ومسلم.
وروى الترمذى بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا" وروى أحمد قوله أيضا " ليس من أمتى من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ".
وروى أبو داود بإسناد جيد حديث " إن من إجلال الله تعالى إكرام ذى الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالى فيه والمتجافى عنه وذى سلطان مقسط " وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة قام إليها وأخذ بيدها وقبلها وأجلسها فى مجلسه رواه النسائى والترمذى عن عائشة وقال: حسن صحيح. وكان يقوم لعبد الله بن أم مكتوم كلما أقبل عليه ويقول "مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى".
ويكره القيام تحية لمن لا يستحق التكريم، وبخاصة إذا طلبه، اللهم إذا خاف الإنسان بطشه، فيرفع عنه شره بالقيام له، ويحمل على ذلك حديث حسن لأبى داود والترمذى "من أحب أن يتمثل له الرجِال قياما فليتبوأ مقعده من النار " وحديث أبى داود وابن ماجه بإسناد حسن عن أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا، فقمنا إليه فقال:"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم -لعظم بعضهم بعضا" قال العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء: فى سنده أبو العديس وهو مجهول. وذكر ابن حجر فى الفتح عن الطبرى بأنه ضعيف.
جاء فى كتاب "غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 275 وما بعدها " أن أبا الوليد بن رشد قال: القيام يقع على أربعة أوجه.
الأول: محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام له تكبرا وتعاظما على القائمين إليه.
الثانى: مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة.
الثالث: جائز، وهو أن يقع على سبيل الإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة.
الرابع: مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه، ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنيه، أو مصيبة فيعزيه، انتهى.
وجاء فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبى طالب لما قدم من الحبشة فالتزمه وقبل ما بين عينيه. وروى البيهقى عن الصحابى واثلة بن الخطاب أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فتحرك له النبى، فقال رجل: إن فى المكان سعة، فقال " للمؤمن - أو للمسلم - حق لا كما روى البيهقى من طريق الواقدى بسنده مرفوعا والحاكم فى المستدرك ورواه مالك عن الزهرى مرسلا، أن عكرمة بن أبى جهل لما دخل على النبى صلى الله عليه وسلم مسلما مهاجرا قام إليه فرحا بقدومه. وروى الترمذى وحسنه عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخل زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتى فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه،. والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبَّله.
وجاء فيه أيضا أن أبا داود روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فى المجلس يحدثنا، فإذا قام قمنا قياما حتى نراه قد دخل بيوت أزواجه. .
وروى أبو داود عن عمرو بن السائب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم عليه أبوه من الرضاعة فأجلسه على بعض ثوبه، ثم أقبلت أمه فوضع شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلسه بين يديه، وهو حديث مرسل جيد.
ثم ذكر السفارينى أن مجد الدين بن تيمية تحدث فى "منتقى الأحكام " عن قيام المغيرة بن شعبة على رأس النبى صلى الله عليه وسلم بالسيف فى صلح الحديبية، وقال: فيه استحباب الفخر والخيلاء فى الحرب لإرهاب العدو، وأنه ليس بداخل فى ذمه لمن أحب أن يتمثل له الرجال قياما، وكذا قال غيره: وقال الخطابى:
فيه دليل على أن إقامة الرئيس الرجال على رأسه فى مقام الخوف ومواطن الحروب جائز، وأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أراد أن يتمثل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار" إنما هو فيمن قصد به الكبر وذهب مذهب النخوة والجبرية. انتهى كلامه.
وجاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 2 ص 268": والقيام عند الدخول للداخل لم يكن من عادة العرب، بل كان الصحابة رضى الله عنهم لا يقومون لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحوال كما رواه أنس رضى الله عنه [رواه الترمذى وقال: حسن صحيح، ولكن إذا لم يثبت فيه نهى عام فلا نرى به بأسا فى البلاد التى جرت العادة فيها بإكرام الداخل بالقيام فإن المقصود منه الاحترام والإكرام وتطييب القلب به.
وجا فى الأذكار للنووى (ص 267) أنه قال: وأما إكرام الداخل بالقيام فالذى نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام، لا للرياء والإعظام، وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف.
هذا عرض لبعض ما قيل فى الوقوف للتحية، وللتوفيق بين النصوص المجيزة والمانعة أختار ما نقله السفارينى عن ابن رشد من التفصيل، وللنيات وظرف الأحوال دخل فى تكييف الحكم
(10/134)
________________________________________
الرد على تحية المذيع والكاتب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجب رد التحية إذا سمعها الإنسان من المتحدث فى المذياع أو التلفاز أو قرأها فى كتاب أو صحيفة؟

الجواب
ذكر النووى فى كتابه "الأذكار ص 245 " عن أبى سعد المتولى أن الإنسان إذا كتب كتابا فيه: السلام عليك يا فلان، أو السلام على فلان فبلغه الكتاب وجب عليه أن يرد السلام، وكذا ذكر الواحدى وغيره أيضا أنه يجب على المكتوب إليه رد السلام إذا بلغه السلام. وقال النووى فى شرح صحيح مسلم، لو بلغه سلام فى ورقة من غائب وجب عليه أن يرد السلام باللفظ على الفور إذا قرأه.
وهذا ظاهر فى وصول السلام مكتوبا أو مبلغا على لسان أحد إلى إنسان أو جماعة مقصودة، فيجب الرد على من أرسل إليه الكتاب وفيه السلام، ومثل الكتابة التسجيل على شريط، فيجب على من يستمع إلى التسجيل أن يرد.
أما التسجيل على الشريط لحديث بدئ أو ختم بالسلام، فهل يجب على المستمعين للسلام فيه أن يردوا التحية، وهل يجب على المشاهدين لما يعرض على الشاشة أنْ يردوا التحية؟ ومن يلقى عليهم السلام ليسوا جماعة مخصوصين، فهل يعطون حكم الشخص المعين أو الجماعة المعينة فى شريط التسجيل؟ لا أستطيع أن أجزم بالحكم وإن كنت قد قرأت فى فقه المذاهب الاربعة أن اَية السجدة لو كانت مسجلة على شريط أو سمعها إنسان لا ينبغى ولا يُسنُّ أن يسجد للتلاوة، وإن كان تعليلهم مختلفا، فقال بعضهم: السبب عدم صحة التلاوة لفقد التمييز من الآية المسجل عليها القرآن، وقال بعضهم: السبب أن التلاوة من غير اَدمى، وقال بعضهم: السبب أن القراءة من الحاكى - الفونوغراف -غير مقصودة.
ولو قسنا السلام على قراءة آية السجدة فلا ينبغى رد السلام على للشريط المذاع أو المعروض. وفى نفسى شيء من هذا الحكم الذى لم أعثر على دليل يؤيده.
لكن ما هو الرأى فى المذيع أو المتحدث على الهواء مباسرة دون تسجيل سابق، ومثله ناشر الكتاب أو المقال؟ يبدو أنه يجب الرد، لأن الصوت صادر من إنسان قاصد للتحية، والراديو أو التليفزيون ومثلهما الكتاب والصحيفة كلها ناقلة فقط كالميكروفون الذى يبلغ سلام المتكلم لمن يبعدون عنه ولا يرونه فى المسجد الكبير أو الحفل الكبير، فإذا أعيدت إذاعة هذا الحديث أو عرضه لأنه سجل، أعطى حكم الشريط المسجل فلا ينبغى رد التحية بناء على ما سبق بيانه فى سجود التلاوة.
وقد يقال: إن المذيع أو المتحدث المباشر أو الناشر لا يسلم على أشخاص حقيقيين بل متخيَّلين فى ذهنه وتصوره، لأنه لا يرى ولا يحس بأناس معه، ومن هنا لا يجب الرد.
لكن إذا وجب رد السلام على من ألقيت عليه التحية قال العلماء:
أقل ما يؤدى به الواجب أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلِّم، فإن لم يسمعه لم يسقط عنه فرض الرد. نقله النووى فى "الأذكار" عن المتولى، ولم يعقب عليه.
وعلى هذا فإن رد المستمعين إلى الإذاعة أو المشاهدين للتلفزيون السلام على من سلَّم عليهم واجب، حتى لو لم يسمعه المذيعون - ولن يسمعوه قطعا-كما تقدم فى أول الكلام أن من بلغه سلام فى كتاب وجب الرد، ومعلوم أن المرسل لن يسمعه.
هذا، ولما كان رد التحية الملقاة على جماعة واجبا وجوبا كفائيا، فإنه لو قام به البعض سقط الطلب عن الباقين.
وأغلب الظن - إن لم يكن يقينا - أن الآلاف أو الملايين من المستمعين أو المشاهدين سيرد منهم واحد على الأقل على هذه التحية، فيغنى ذلك عن رد الآخرين والله أعلم
(10/135)
________________________________________
تحية السلام مع غير المسلم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يصح أن أحيى غير المسلم بتحية الإسلام، وهل يجب على أن أرد عليه التحية؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا سلَّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم " وروى مسلم أيضا أنه قال "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام " قال الإمام ابن القيم. اختلف السلف والخلف فى ذلك، فقال أكثرهم: لا يبدءون.أى لا يلقى عليهم السلام ابتداء وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم وجواز الرد عليهم، وروى ذلك عن ابن عباس وأبى أمامة وغيرهما، وهو وجه فى مذهب الشافعى، على أن يكون بلفظ "السلام عليك " بدون ذكر الرحمة وبلفظ الإفراد، وقالت طائفة: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون إليه أو خوف من أذاه، أو لسبب يقتضى ذلك.
وجاء فى "الأذكار للنووى" مثل هذا، ثم نقل عن أبى سعد أنه لو أراد أن يحبى ذميًّا: حياه بغير السلام، بأن يقول: هداك الله، أو أنعم الله صباحك، ثم قال النووى: هذا الذى قاله أبو سعد لا بأس به إذا احتاج إليه فيقول: صبحت بالخير أو بالسعادة أو بالعافية، أو صبحك الله بالسرور أو بالسعادة والنعمة أو بالمسرة أو ما أشبه ذلك، وأما إذا لم يحتج إليه فالاختيار ألا يقول شيئا.
وما دام الأمر خلافيا فى ابتدائهم بالسلام والرد عليهم فليكن ذلك مرهونا بالظروف التى تحقق مصلحة أو تدفع مضرة، ودين الله يسر، وكما هو معروف: إذا وجدت المصلحة فثم شرع الله. ولو أن حديث النهى عن تحيتهم كان قاطعا وعاما ما حدث خلاف بين العلماء على النحو الذى ذكره ابن القيم وذكره النووى
(10/136)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:29 am

الإشارة باليد عند السلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز أن يكتفى الإنسان إذا مر على شخص أو جماعة بالإشارة باليد بدلا من التلفظ بالسلام؟

الجواب
روى أبو داود عن أسماء بنت يزيد قالت: مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نسوة فسلم علينا، وفى رواية قالت: مر رسول الله فى المسجد يوما ونحن عصبة من النساء، فلوى بيده بالتسليم، رواه الترمذى وقال: حديث حسن. وله شاهد من حديث جابر عن أحمد.
إن التحية بالسلام تكون باللفظ ولا تكفى الإشارة دون تلفظ، ولكنها تكون علامة عليه ومساعدة على شعور الناس بإلقاء السلام عليهم، فلا مانع من ذلك، أما الاكتفاء بالإشارة باليد دون تلفظ بالتحية فلا تحصل بها السنة، ومثل ذلك رد التحية، تكون الإشارة علامة ومساعدة ولكن لا يكتفى بها وحدها.
جاء فى كتاب "الأذكار للنووى" ص 244 روينا فى كتاب الترمذى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا النصارى. فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالكف ". قال الترمذى: إسناده ضعيفا
(10/137)
________________________________________
التعليم فى كليات الحقوق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعت أن الانتساب إلى كليات الحقوق بالجامعات حرام لأنها تدرس القوانين الوضعية، فهل هذا صحيح؟

الجواب
الدراسة كمعرفة لا بأس بها أبدا، والمهم هو أثرها على العقيدة والسلوك، وتطبيقها فى المجالات النافعة، وموقف الدين من الحث على العلم وتكريم العلماء معروف، والواجب هو الاستفادة منه بتعميق الإيمان بالله واستثمار خيرات الأرض لتحقيق خلافة الإنسان فيها وقد قال الله تعالى فى سورة فاطر بعد ذكر مجالات مختلفة للعلم فى السماء والأرض بالنبات والجبال والإنسان والحيوان {إنما يخشى الله من عباده العلماء} فاطر: 28.
فإذا استخدمت مواد كليات الحقوق فى التعاون على الخير، بالوصول إلى الحق ودفع الظلم كان ذلك خيرا، بل طاعة لله سبحانه يثاب عليها، وإن استخدمت فى غير ذلك كانت إما عبثا وإما فسادا والحًق هو ما قرره الشرع فى مصادره المعروفة، والظلم ما سوى ذلك، كما أن دراستها لو كانت للمقارنة بينها وبين الشرع ليتبين الحق من الباطل، وليظهر سمو التشريع الإسلامى فهى دراسة مشروعة يثاب عليها بمقدار النية الباعثة عليها، كما قالوا فى جواز تعلم السحر لمعرفة الفرق بينه وبين المعجزة، وفى تعلم الشر من أجل البعد عنه، كما جاء فى القول المشهور:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه.
وأنبه الدارسين للقوانين بوجه عام إلى قول الله سبحانه {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما} النساء: 107، وقوله تعالى {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا} النساء: 109، وقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والطبرانى بإسناد جيد "من خاصم فى باطل وهو يعلم -وفى رواية أو أعان عليه -لم يزل فى سخط الله حتى ينزع لما وقول الله سبحانه {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة: 44،وفى آية أخرى {فأولئك هم الظالمون} وفى آية أخرى {فأولئك هم الفاسقون} المائدة:45 -47
(10/138)
________________________________________
الغش فى الامتحان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى محاولات الطلاب للغش أثناء الامتحانات، وهل يجوز للملاحظين أن يساعدوهم نظرا لصعوبة الامتحان؟

الجواب
من المقرر أن الغش فى أى شىء حرام،والحديث واضح فى ذلك "من غشنا فليس منا"رواه مسلم وهو حكم عام لكل شىء فيه ما يخالف الحقيقة، فالذى يغش ارتكب معصية، والذى يساعده على الغش شريك له فى الإثم. ولا يصح أن تكون صعوبة الامتحان مبررة للغش، فقد جعل الامتحان لتمييز المجتهد من غيره، والدين لا يسوى بينهما فى المعاملة، وكذلك العقل السليم لا يرضى بهده التسوية، قال تعالى {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} ص: 28 وبخصوص العلم قال {قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون} الزمر: 9.
وانتشار الغش فى الامتحانات وغيرها رذيلة من أخطر الرذائل على المجتمع، حيث يسود فيه الباطل وينحسر الحق، ولا يعيش مجتمع بانقلاب الموازين الذى تسند فيه الأمور إلى غير أهلها، وهو ضياع للأمانة، وأحد علامات الساعة كما صح فى الحديث الشريف.
والذى تولى عملا يحتاج إلى مؤهل يشهد بكفاءته، وقد نال الشهادة بالغش يحرم عليه ما كسبه من وراء ذلك، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به وقد يصدق عليه قول الله تعالى {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} آل عمران: 188.
وإذا كان قد أدى عملا فله أجر عمله كجهد بذله أى عامل، وليس مرتبطا بقيمة المؤهل، وهو ما يعرف بأجر المثل فى الإجارة الفاسدة، وما وراء ذلك فهو حرام
(10/139)
________________________________________
الترضى على الصحابة والصالحين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من المشروع أن يقول الإنسان عند ذكر صحابى أو واحد من الصالحين:
رضى الله عنه؟

الجواب
عبارة "رضى الله عن فلان " دعاء من الإنسان أن يرضى الله عن فلان، فهى جملة خبرية تفيد الإشارة بالدعاء، كأن الإنسان قال: اللهم ارض عن فلان، مثل قولنا: صلى الله على محمد يعنى: اللهم صلى على محمد، أى ندعوك يا رب أن ترحم محمدا.
جاء فى كتاب "الأذكار" للنووى ص 121: يستحب الترضى والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء العباد وسائر الأخيار: فيقال: رضى الله عنه أو رحمه الله ونحو ذلك، وأما ما قاله بعض العلماء: إن قوله رضى الله عنه مخصوص بالصحابة ويقال فى غيرهم "رحمه الله " فقط فليس كما قال ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذى عليه الجمهور استحبابه.
ودلائله أكثر من أن تحصر، فإن كان المذكور صحابيا ابن صحابى قال: قال ابن عمر رضى الله عنهما، وكذا ابن عباس وابن الزبير وابن جعفر وأسامة بن زيد ونحوهم، لتشكله وأباه جميعا.
فإن قيل: إذا ذكر لقمان ومريم هل يصلى عليهما كالأنبياء أم يترضى كالصحابة والأولياء أم يقول: عليهما السلام: فالجواب أن الجماهير من العلماء على أنهما ليسا نبيين، وقد شذ من قال: نبيان.
ولا التفات إليه ولا تعريج عليه. وقد أوضحت ذلك فى كتاب "تهذيب الأسماء".
فإذا عرف ذلك فقد قال بعض العلماء كلامًا يفهم منه أنه يقول: قال لقمان أو مريم صلى الله على الأنبياء وعليه -أو عليها -وسلم. قال: لأنهما يرتفعان عن حال من يقال: رضى الله عنه، لما فى القرآن مما يرفعهما 0 والذى أراه أن هذا لا بأس به، وأن الأرجح أن يقال: رضى الله عنه، أو عنها، لأن هذا مرتبة غير الأنبياء، ولم يثبت كونهما نبيين،وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماء على أن مريم ليست نبية، ذكره فى الإرشاد، ولو قال: عليه السلام أو عليها، فالظاهر أنه لا بأس به، والله أعلم، انتهى ما قاله النووى وفيه كفاية
(10/140)
________________________________________
كوافير السيدات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز لى أن أقوم بقص الشعر وتزيين السيدات بالألوان وغيرها؟

الجواب
إذا كان الرجل هو الذى يقوم بهذا العمل، يكون آثما، لأن فيه نظرا لعورة المرأة بالنسبة للرجل الأجنبى، ولأن فيه لمسا لما لا يحل له، ولأن فيه إعانة على المحرم إذا كان يعرف أنها تتزين لمن لا يحل له أن يطلع عليها، وكل ذلك وردت به النصوص.
وإذا كانت المرأة هى التى تقوم بذلك للمرأة بعيدا عن أعين الأجانب ومنهم صاحب المحل الذى تزاول فيه هذه المهنة، فلا مانع من ذلك إلا إذا علمت أنها تتزين للأجانب أو لما لا يحل لها من عمل يتطلب إظهار زينتها، فيكون ممنوعا لما فيه من الإعانة على الممنوع.
وإذا كانت المرأة تقوم بقص الشعر وتزيين الرجال فعملها حرام، من أجل النظر لما لا يحل ولمس ما لا يحل. ومن النصوص فى ذلك ما رواه مسلم " العينان تزنيان وزناهما النظر واليد تزنى وزناها البطش " وفسر بالتلامس.
ولا يقبل تبرير ذلك بالحاجة إلى كسب العيش، فالوسائل الحلال لكسب العيش متوفرة والرضا بالقليل من الحلال خير من الكثير من الحرام
(10/141)
________________________________________
تغيير محل النذر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نذرت أن أتصدق على فقراء بلد معين، أو أشخاص معينين، فوجدت أن هناك من هم أشد حاجة منهم، فهل يجوز لى أن أوجه النذر إليهم؟

الجواب
ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الالتزام بما نذره الناذر فى العين وفى المصرف، ويجوز عند أبى حنيفة تغيير محل الصرف إذا رأى فى ذلك مصلحة، لأن المال خرج من ذمته تقربا إلى الله، فلا فرق بين أن يعطيه لفلان أو لفلان، إلا إذا كان فيما عيَّنه زيادة قربة كالأقارب، فإن الصدقة عليهم صدقة وصلة رحم، وكلك إذا رأى أن بناء مسجد أو مدرسة لتحفيظ القرآن وتعليم الدين، أو مصحة لعلاج الفقراء أحسن من إعطاء كل فقير مبلغا ينفقه فى مصلحة وقتية غير دائمة النفع، فإن توجيه النذر للفقراء إلى هذه المرافق العامة المفيدة أفضل، وهو رأى طيب لا مانع من الأخذ به، بناء على رجحان المصلحة.
ومثل ذلك ما لو نذر أن يصلى الضحى أو التراويح فى مسجد معين، فإنه على رأى أبى حنيفة: يجوز له أن يصلى فى أى مسجد آخر، فالأرض كلها مسجد، وكل المساجد بيوت الله، اللهم إلا إذا نذر أن يصلى فى المسجد الحرام أو مسجد المدينة أو المسجد الأقصى فإنه لا يجوز أن يصلى فى أى مسجد سواها، لما لها من الفضل الذى وردت به الأحاديث
(10/142)
________________________________________
الزنى لا يكفره الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن من زنى بامرأة وتزوج بها يغفر الله له هذا الذنب؟

الجواب
ما دام الزنى قد حصل وجب فيه الحد، وهو الرجم للمحصن والجلد لغير المحصن فإن أقيم عليه الحد كان ذلك توبة يرفع الله بها الإثم. كما قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الجهنية التى رجمت للزنى وصلى عليها "إنها تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أعظم من أن جادت بنفسها للَّه "؟ .
وإذا لم يقم الحد على الزانى، وهو مستعد له راض به، فلا يغفر الذنب إلا بالتوبة النصوح القائمة على الإقلاع عنه والندم عليه والعزم الأكيد على عدم العود للعصيان وطلب العفو والسماح ممن اغتصبها بغير رضاها. إذا حدث ذلك يرجى أن يغفر الله هذا الذنب، وبدون ذلك لا يكون مجرد الزواج بها مسقطا للعقوبة، لا عقوبة الدنيا ولا عقوبة الآخرة، وإذا كان الزواج بها مظهرا من مظاهر التوبة، فالله سبحانه هو وحده الذى يقدرها.
أما حكم العقد على الزانية وحملها من الزانى فسيذكر بعد إن شاء الله
(10/143)
________________________________________
خصاء الحيوانات ووسمه بالنار

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقوم بعض الذين يربون المواشى بخصاء بعض الحيوانات من الغنم والماعز وغيرها بقصد تسمينها كما يشاهد آثار الكى على أجسام بعض الحيوانات،فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
جاء فى تفسير القرطبى عند قوله تعالى {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} النساء: 119، عن خصاء الحيوان أنه رخص فيه جماعة إذا قصدت به المنفعة لسمن أو غيره، والجمهور على جواز التضحية بالخصى، واستحسنه بعضهم إذا كان أسمن. ومنهم منكره خصاء الذكر وذلك لحديث "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون " ولنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن خصاء الغنم والبقر والإبل والخيل، وجاء فى الموطأ عن ابن عمر أنه كان يكره الإخصاء، ويقول: فيه تمام الخلق، أى فى ترك الإخصاء تمام الخلق، وروى نماء الخلق، وروى الدارقطنى"لا تخصوا ما ينمى خلق الله ".
أما خصاء الآدمى فمصيبة، لأنه يقطع النسل المأمور به وقد يفضى إلى الهلاك وفيه مثلة.
أما عن الوسم وهو الكى بالنار فقد أخرج مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بحمار وسم فى وجهه فقال: "لعن الله الذى وسمه " فهو حرام إن كان للتعذيب، ويجوز إن كان للتمييز والتعريف فقد قال فيه القرطبى: إن الرسول أجازه، استثناء من تعذيب الحيوان بالنار.
ثبت فى مسلم عن أنس قال: رأيت فى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الميسم، وهو يسم إبل الصدقة والفىء وغير ذلك، حتى يعرف كل مال فيؤدى فيه حقه ولا يتجاوز به إلى غيره. ولا يجوز فى الوجه، وذلك لشرفه، وهو مقر الحسن والجمال، وبه قوام الحيوان، وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم من كان يضرب عبده وقال "اتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته " أى على صورة المضروب، أى أن وجه هذا المضروب يشبه وجه آدم، فينبغى أن يحترم لشبهه
(10/144)
________________________________________
قراءة كتب الفلسفة والكفر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى دراسة المواد الفلسفية لعلماء مسلمين وغير مسلمين، وما مدى الضرر أو النفع من هذه الدراسات؟

الجواب
لا مانع من دراسة المواد الفلسفية أبدا، إذا كانت الدراسة للإحاطة بالأفكار ومقارنتها بالدين، فإن كانت متفقة معه قبلت وإلا رفضت، مع بيان وجه رفضها، وعلى هذا الأساس ألفت كتب فى الملل والنحل والعقائد المختلفة "الصحيح منها والباطل " وناقشها العلماء مناقشة علمية على ضوء الدين والعقل الصحيح.
أما دراستها لمن لا يعرف الحق من الباطل، وترك الباطل منها دون بيان بطلانه ففيها ضرر كبير.
والقرآن الكريم نفسه ذكر عقائد المشركين، والمنكرين لوجود الله والدهريين والمنكرين للبعث والحساب وغيرهم، وذكر الأدلة على بطلان ما يعتقدون، كما ذكر الأدلة على العقائد الصحيحة التى جاء بها الإسلام.
وقد أثيرت قديما مسألة تعلم علم المنطق الذى وضعه قدامى اليونان، فكان لعلماء المسلمين منه مواقف بالجواز والمنع، وسجل ذلك بعض المؤلفين بقوله:
فابن الصلاح والنووى حرما * وقال قوم ينبغى أن يعلما.
والقولة المشهورة الصحيحة * جوازه لكامل القريحة.
أى لمن عنده قدرة على تمييز الطيب من الخبيث من هذه المواد، وعيب بعض المؤلفات التى تدرس فى بعض مراحل التعليم الآن أنها تعرض الأفكار ولا تناقشها مناقشة علمية على ضوء الدين، فيحسبها البعض أنها أمور مسلمة ما دامت منسوبة لكبار العلماء،، وكم فى هذه الآراء مما يتنافى مع مقررات الدين، ولا يتفق ومكارم الأخلاق.
وللإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " كلام طويل فى العلوم المحمودة والعلوم المذمومة، وهو نفسه ألف فى الرد على الفلاسفة بعد دراسة مذاهبهم
(10/145)
________________________________________
إبليس والجن والشياطين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما الفرق بين الجن والشيطان وإبليس، ولماذا خلقهم الله سبحانه؟

الجواب
جاء في تفسير القرطبى لسورة الجن أن أهل العلم اختلفوا فى أصل الجن، فقال الحسن البصرى: إن الجن ولد إبليس، والإنس ولد آدم، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون، وهم شركاء فى الثواب والعقاب، فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولى الله، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان.
وقال ابن عباس: الجن هو ولد الجان، وليسوا بشياطين وهم يموتون ومنهم المؤمن ومنهم الكافر، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس. انتهى.
وجاء فى تفسير سورة الناس أن قتادة قال: إن من الجن شياطين وإن من الإنس شياطين، وهو يعزز رأى الحسن البصرى المذكور- قال تعالى {وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن} الأنعام: 112.
وجاء فى "حياة الحيوان الكبرى " للدميرى عن الجن أن المشهور أن جميع الجن من ذرية إبليس وقيل: الجن جنس وإبليس واحد منهم ولا شك أن الجن ذريته بنص القرآن الكريم. يريد قوله تعالى {أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو} الكهف:55،ومن كفر من الجن يقال له شيطان.
وجاء فى " آكام المرجان فى أحكام الجان " للمحدث الشبلى "ص 6 " أن الجن تشمل الملائكة وغيرهم ممن اجتنَّ -أى استتر-عن الأبصار، قال تعالى {وجعلوا بينه وبين الجِنة نسبا} الصافات: 58، لأن المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله وقال: الشياطين هم العصاة من الجن وهم ولد إبليس، والمردة هم أعتاهم وأغواهم بقوا، الجوهرى: كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان، والعرب تسمى الحية شيطانا.
هذا ما قيل عن الجن والشيطان وإبليس، أما الحكمة من خلقهم فهى امتحان بنمط آدم هل يستجيبون لأمر الله أو لأمر الشيطان، وإيمان المؤمن لا تكون له قيمته إذا كان نابعا منه ذاتيا بحكم أنه خلق مؤمنا كالملائكة، فان استقر الإيمان بعد الانتصار فى معركة الشيطان الذى أقسم أن يغوى الناس أجمعين -كان جزاء هذا المؤمن عظيما، لأنه حصل بتعب وكد ومجاهدة دفع بها أجر الحصول على تكريم الله له.
قال تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} العنكبوت: 69.
والحياة الدنيا لابد فيها من معركة بين الخير والشر، لتتناسب مع خلق الله لآدم على وضع يتقلب فيه بين الطاعة والمعصية، وقد تزعَّم الشيطان هذه المعركة انتقاما من آدم الذى طرد الشيطان من الجنة بسبب عدم السجود له. فقال كما جاء فى القرآن الكريم.
{قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} الأعراف: 16، 17،وحذر الله الإنسان من طاعة الشيطان فقال {ألم أعهد إليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} يس: 60، وقال {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} فاطر: 6.
فمجاهدة الشيطان بعصيانه لها ثواب، ووجوده يساعد على الحركة القائمة على المتقابلات والحركة سر الحياة، وقد سئل أحد العلماء:
لماذا خلق الله إبليس؟ فقال: لنتقرب إلى الله بالاستعاذة منه وعصيانه، فكل خير فيه شر ولو بقدره
(10/146)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:30 am

اللحوم المستوردة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز أكل اللحوم المستوردة مع عدم العلم بأنها ذبحت على الطريقة الشرعية؟

الجواب
اللحوم المحفوظة والمستوردة إذا علمنا بطريق موثوق به أنها ذبحت على غير الطريقة الإسلامية فلا يجوز أكلها قطعا، أما إذا علمنا أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية جاز أكلها دون حرج، فإذا لم نعلم طريقة ذبحها فإذا كانت هناك أمارات ترجح أن ذبحها شرعى جاز أكلها، ومن هذه الأمارات أن يكتب عليها عبارة " مذبوح على الطريقة الإسلامية " أو تكون هذه الذبائح مستوردة من بلاد تدين باليهودية أو النصرانية، للنص على حل ذبائحهم فى قوله تعالى {وطعام للذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} المائدة:5. وبعض النشرات التى تحذر من تناول هذه اللحوم لا يصح أن تكون دليلا قاطعا على أنها لم تذبح على الطريقة الشرعية، وعلى ذوى الاختصاص أن يثبتوا إن كانت هذه اللحوم مستوفية لشروط الذبح الشرعى أولا، وإلى أن يحصل هذا التثبت يكون العمل بالقاعدة الشرعية وهى: الأصل فى الأشياء الإباحة، واليقين لا يزول بالشك.
هذا، ويغلب على البلاد التى تدين باليهودية أو النصرانية أن تكون صادراتها، للبلاد الإسلامية من الذبائح مذكاة حسب شريعتهم فهى حلال، أما البلاد التى لا تدين باليهودية أو النصرانية فيقال: إن ما أعد للتصدير منها إلى البلاد الإسلامية يتولى ذبحه كتابى، ويكتب عليه: مذبوح على الطريقة الإسلامية.
ويمكن الاعتماد على ما كتب عليه، أما ما لا يكتب عليه ذلك فلا يطمأن إليه، وعلى المسئولين مراقبة ذلك عند الاستيراد وزيادة فى الإيضاح لهذا الموضوع ننقل لك ما نشر فى الجزء الثانى من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف ":
أثيرت فى هذا الموضوع عدة مسائل نذكر أهمها فيما يلى:
1 - تخدير الحيوان قبل ذبحه:
قال تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اللَّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم} المائدة: 3، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " إن اللَّه كتب الإحسان على كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " رواه مسلم وغيره.
فإذا كانت الصدمة الكهربائية أو غيرها من طرق التخدير تساعد على التمكن من ذبح الحيوان بأضعاف مقاومته وقت الذبح، وكانت لا تؤثر فى حياته، بمعنى أنه لو ترك بعدها دون ذبح عاد إلى حياته الطبيعية - جاز استعمال الصدمة الكهربائية أو غيرها من طرق التخدير بهذا المفهوم قبل الذبح، وحلت الذبيحة بهذه الطريقة.
أما إذا كانت تؤثر فى حياته بحيث لو ترك بعدها دون ذبح فقد حياته، فإن الذبح وقتئذ يكون قد ورد على ميتة، فلا يحل أكلها فى الإسلام، لاحتمال موت الحيوان بالصدمة الكهربائية أو التخدير قبل الذبح. إذ تقضى نصوص فقه الشريعة الإسلامية أنه إذا اجتمع فى الذبيحة سبب محرم وآخر مبيح تكون محرمة، كما إذا رمى شخص طائرا فجرحه فسقط فى الماء فانتشله الصائد ميتا فإنه لا يحل أكله لاحتمال موته غرقا لا بجرح الصيد.
2 - ضرب الحيوان على رأسه بحديدة أو تفريغ شحنة مسدس قاتل فيها، أو صعقه بتيار الكهرباء وإلقاؤه فى ماء مغلى ليلفظ أنفاسه:
إذا مات الحيوان بهذه الطرق فهو ميتة، والميتة محرمة بنص القرآن الكريم، وهى ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح، أو ما مات حكما من الحيوان حتف أنفه من غير قتل بذكاة، أو مقتولا بغير ذكاة.
والميتة بهذه الطرق هى الموقوذة التى ورد النص بتحريمها فى آية المائدة المذكورة فى المسألة السابقة " رقم 1 ". والوقذ شدة الضرب قال قتادة: كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ويأكلونه، وقال الضحاك: كانوا يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها فيأكلوها. وفى صحيح مسلم عن عدى بن حاتم قال: قلت: يا رسول اللَّه فإنى أرمى بالمعراض الصيد فأصيب. فقال " إذا رميت بالمعراض فخزقه فكله، وإن أصابه بعرضه فلا تأكله " وفى رواية " فإنه وقيذ " المعراض سهم يصيب بعرض عوده دون حده، خزق السهم أى نفذ فى الرمية، والمعنى نفذ وأسال الدم، لأنه ربما قتل بعرضه ولا يجوز.
والفقهاء اتفقوا على أنه تصح تذكية الحيوان الحى غير الميئوس من بقائه، فإن أصابه ما يوئس من بقائه مثل أن يكون موقوذا أو منخنقا فقد اختلفوا فى استباحته بالزكاة.
ففى فقه الإمام أبى حنيفة: وإن علمت حياتها -وإن قلَّت -وقت الذبح أكلت مطلقا بكل حال. وفى إحدى روايتين عن الإمام مالك، وأظهر الروايتين عن الإمام أحمد: متى علم مستمر العادة أنه لا يعيش حرم أكله ولا تصح تذكيته، وفى الرواية الأخرى عن الإمام مالك: أن الزكاة تبيح منه ما وجد فيه حياة مستقرة. وينافى الحياة عنده أن يندق عنقه أو دماغه. وفى فقه الإمام الشافعى: أنه متى كانت فيه حيلة مستقرة تصح تذكيته، وبها يحل أكله باتفاق فقهاء المذهب.
والذكاة فى كلام العرب الذبح وفى الشرع عبارة عن إنهار الدم وفرى الأوداج فى المذبوح، والنحر فى المنحور، والعقر فى غير المقدور عليه.
واختلف العلماء فيما يقع به الذكاة، والذى جرى عليه جمهور العلماء أن كل ما أنهر الدم وفرى الأوداج فهو آلة للذبح، ما عدا الظفر والسن، إذا كانا غير منزوعين، لأن الذبح بهما قائمين فى الجسد من باب الخنق.
كما اختلفوا فى العروق التى يتم الذبح بقطعها، بعد الاتفاق على أن كماله بقطع أربعة، هى: الحلقوم والمرىء والودجان.
واتفقوا كذلك على أن موضع الذبح الاختيارى، بين مبدأ الحلق إلى مبدأ الصدر.
وإذا كان ذلك، كان الذبح الاختيارى الذى يحل به لحم الحيوان المباح أكله فى شريعة الإسلام، هو ما كان فى رقبة الحيوان فيما بين الحلق والصدر، وأن يكون بآلة ذات حد تقطع أو تخزق بحدها لا بثقلها، سواء كانت هذه الآلة من الحديد أو الحجر، على هيئة سكين أو سيف أو بلطة أو كانت من الخشب بهذه الهيئة أيضا. لقول النبى عليه الصلاة والسلام " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ما لم يكن سنًّا أو ظفرا " فإذا ثبت قطعا أن اللحوم والدواجن والطيور المستوردة لا تذبح بهذه الطريقة التى قررها الإسلام، وإنما تضرب على رأسها بحديدة ثقيلة، أو يفرغ فى رأسها محتوى مسدس مميت، أو تصعق بتيار الكهرباء ثم تلقى فى ماء مغلى تلفظ فيه أنفاسها-إذا ثبت هذا دخلت فى نطاق المنخنقة والموقوذة المحرمة بنص الآية الكريمة.
3 - المؤلفات والنشرات التى توصى بمنع استيراد اللحوم المذبوحة فى الخارج:
ما ينقل عن بعض الكتب والنشرات عن طريقة الذبح لا يكفى لرفع الحل الثابت أصلا بعموم نص الآية الكريمة: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} المائدة: 5، وليس فى هذه النشرات ما يدل حتما على أن المطروح فى أسواقنا من اللحوم والدواجن والطيور مستورد من تلك البلاد التى وصف طرق الذبح فيها من نقل عنهم، ولابد أن يثبت أن الاستيراد من هذه البلاد التى لا تستعمل سوى هذه الطرق، ومع هذا فإن الطب - فيما أعلم -يستطيع استجلاء هذا الأمر وبيان ما إذا كانت هذه اللحوم والطيور والدواجن المستوردة قد أزهقت أرواحها بالطرق المذكورة فى المسألة السابقة " رقم 2 ".
فإذا كان الطب البيطرى أو الشرعى يستطيع علميا بيان هذا على وجه الثبوت، كان على القائمين بأمر هذه السلع استظهار حالها بهذا الطريق أو بغيرها من الطرق المجدية لأن الحلال والحرام من أمور الإسلام التى قطع فيها بالنصوص الواضحة. فكما قال الله سبحانه {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} قال سبحانه قبل هذا {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اللَّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم} .
وقد جاء فى " أحكام القرآن " لابن عربى فى تفسيره للآية الأولى: فإن قيل: فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس، فالجواب أن هذه ميتة، وهى حرام بالنص.
وهذا يدل على أنه متى تأكدنا أن الحيوان قد أزهقت روحه بالخنق أو حطم الرأس أو الوقذ كان ميتة ومحرما بالنص. والصعق بالكهرباء حتى الموت من باب الخنق، فلا يحل ما انتهت حياته بهذا الطريق.
أما إذا كانت كهربة الحيوان لا تؤثر على حياته، بمعنى أنه يبقى فيه حياة مستقرة ثم يذبح كان لحمه حلالا فى رأى جمهور الفقهاء، أو أى حياة وإن قلت فى مذهب الإمام أبى حنيفة.
وعملية الكهرباء فى ذاتها إذا كان الغرض منها فقط إضعاف مقاومة الحيوان والوصول إلى التغلب عليه وإمكان ذبحه، جائزة ولا بأس، وان لم يكن الغرض منها هذا أصبحت نوعا من تعذيب الحيوان قبل ذبحه، وهو مكروه، دون تأثير فى حله إذا ذبح بالطريقة الشرعية حال وجوده فى حياة مستقرة. أما إذا مات صعقا بالكهرباء فهو ميتة غير مباحة ومحرمة قطعا.
فالفيصل فى الموضوع أن يثبت على وجه قاطع أن اللحوم والدواجن والطيور المستوردة المتداولة فى أسواقنا قد ذبحت بواحد من الطرق التى تصيرها من المحرمات المعدودات فى آية المائدة. وما فى الكتب والنشرات لا يعتمد عليه فى ذلك. وعلى الجهات المعنية أن تتثبت من ذلك، وإلى أن تتثبت يكون العمل بالقاعدة الشرعية:
الأصل فى الأشياء الإباحة، واليقين لا يزول بالشك، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أخرجه البزار الطبرانى من حديث أبى الدرداء بسند حسن " ما أحل اللَّه فهو حلال، وماحرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من اللَّه عافيته، فإن اللَّه لم يكن لينسى شيئا ".
وحديث أبى ثعلبة الذى رواه الطبرانى " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها "وفى لفظ "وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها، رحمة لكم فاقبلوها " وروى الترمذى وابن ماجه من حديث سلمان أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الجبن والسمن والغراء التى يصنعها غير المسلمين فقال " الحلال ما أحل اللَّه فى كتابه، والحرام ما حرم اللَّه فى كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه " وثبت فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة امرأة مشركة، ولم يسألها عن دباغها ولا عن غسلها واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.
4 - ذبائح أهل الكتاب:
أهل الكتاب هم اليهود والنصارى لأنهم فى الأصل أهل توحيد، وقد جاء حكم الله فى الآية بإباحة طعامهم للمسلمين، وإباحة طعام المسلمين لهم فى قوله سبحانه {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} . وكلمة طعام عامة تشمل الذبائح والأطعمة المصنوعة من مواد مباحة، وجمهور المفسرين والفقهاء على أن المراد من الطعام فى هذه الآية الذبائح أو اللحوم، لأنها هى التى كانت موضع الشك، أما باقى أنواع المأكولات فقد كانت حلالا بحكم الأصل.
وتثار فى ذبائحهم نقطتان، الأولى طريقة ذبحهم، والثانية التسمية عند الذبح.
أما فى الأولى فقد اشترط أكثر فقهاء المسلمين لحل ذبائحهم أن يكون الذبح على الوجه الذى ورد به الإسلام. وقال بعض فقهاء المالكية: إن كانت ذبائحهم وسائر أطعمتهم مما يعتبرونه مذكى عندهم حل لنا أكله وإن لم تكن ذكاته عندنا ذكاة صحيحة، وما لا يرونه مذكى عندهم لا يحل لنا، ثم استدرك هذا الفرق فقال: فإن قيل: فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس؟ فالجواب أن هذه ميتة وحرام بالنص، فلا نأكلها نحن، كالخنزير فإنه حلال ومن طعامهم، وهو حرام علينا فهذه أمثله واللَّه أعلم، وفتوى الشيخ محمد عبده لأهل الترنسفال فى 6 من شعبان سنة 1321هـ لم تذكر هذا الاستدراك " الفتاوى الإسلامية- المجلد 4 ص 1298 ".
إن من القواعد التى قررها الفقهاء " ما غاب عنا لا نسأل عنه " وهى مأخوذة من نصوص فقهية. ففى فقه الإمام أبى حنيفة: إنما تؤكل ذبيحة الكتابى إذا لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شىء، أو سمع وشهد منه تسمية الله تعالى وحده. وقد روى عن الإمام على بن أبى طالب حين سئل عن ذبائح أهل الكتاب قوله: قد أحل اللَّه ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
وفى فقه الإمام الشافعى: لو أخبر فاسق أو كتابى أنه ذكى هذه الشاة قبلناه، لأنه من أهل الذكاة.
فإذا ذكرت شائعات فإنه عندئذ يلزمنا التحرى. وفى هذه الحالة استفاضت الشائعات أن أوروبا (وهى أهل كتاب) تستعمل وسائل غير الذبح، فلا يصح إهمال ذلك بعدم السؤال، بل ينبغى التحرى.
وأما فى النقطة الثانية وهى التسمية عند الذبح، فقد جاء حديث البخارى فى اللحم الذى لا يدرى: هل سمى عليه اللَّه أو لا، " سموا اللَّه أنتم وكلوا ". وقد حفلت كتب السنة والسيرة بأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يأكل من ذبائح اليهود دون أن يسأل هل سموا اللَّه عند الذبح أم لا، وكذلك الصحابة رضوان اللَّه عليهم، وقد مر قول الإمام على: قد أحل اللَّه ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. اهـ.
هذا، ولو سمعنا ذكر اسم غير الله عند الذبح فالجمهور على عدم الأكل من هذه الذبيحة، حتى من قال منهم بأن التسمية سنة غير واجبة، أما إذا لم نسمع تسمية فالذبيحة حلال للنصوص المذكورة.
والبلاد التى تدين باليهودية أو النصرانية يغلب أن تكون صادراتها من الذبائح مذكاة حسب شريعتهم فهى حلال، أما البلاد التى لا تدين باليهودية أو النصرانية فيقال إن ما أعد للتصدير منها إلى البلاد الإسلامية يتولى ذبحه كتابى، ويكتب عليه مذبوح على الطريقة الإسلامية، ويمكن الاعتماد على ما كتب عليه، أما ما لم يكتب عليه ذلك فلا يطمأن إليه، وعلى المسئولين مراقبة ذلك عند الاستيراد، حتى نعتمد على أنفسنا بتوفير ما نحتاج إليه دون حاجة إلى استيراد ما فيه شبهة.
ومن يعيش أو يزور بلادا كتابية يطمئن إلى ما يذبح فيها إلا إذا رأى بعينيه أنه لم يذبح وكان من المحرمات المذكورة فى آية المائدة على الوجه المبين فيما سبق، أو أخبره بذلك ثقة وصدقه. والذى يزور بلادا ليست كتابية أو يعيش فيها يجب عليه أن يستوثق مما يأكله من ذبائحهم، فالغالب عليه أنه لم يذبح كما يذبح الكتابيون والمسلمون. ولا يكفى عدم العلم بحال هذا المطعوم، بخلاف البلاد الكتابية فيكفى فيها عدم العلم، لأن الغالب أنهم يذبحون
(10/147)
________________________________________
تحضير الأرواح

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تحضير الأرواح صحيح؟

الجواب
تقرر الأديان كلها أن الإنسان مادة وروح. قال تعالى: {إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين} ص: 71، 72، وأنه أحد العوالم الثلاثة التى كلفها الله بعبادته، وهى: الملائكة والإنس والجن، وكلها مادة وروح وإن كانت مادة الملائكة هى النور، ومادة الإنس هى الطين، ومادة الجن هى النار.
والروح سرها عجيب لا يدرك الإنسان منه إلا قليلا، على الرغم من إدراكه الكثير من سر المادة، قال تعالى {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء:85، واهتم علماء المسلمين بدراستها وبيان أثرها فى الحياة وفى الفكر وفى السلوك وفى مصيرها بعد خروجها من البدن بالموت. ومن الكتب المؤلفة فى ذلك كتاب الروح لابن القيم.
وعلى الرغم من الاتجاه المادى للعالم الغربى نشطت أخيرا الدراسات الروحية، فى كليات أو معاهد خاصة، وتكونت جمعيات تمارس أنشطة متصلة بالروح، كبعض الأنشطة التى مارسها بعض المسلمين وغيرهم، باسم السحر وتحضير الأرواح، وما إلى ذلك، ونريد هنا أن نبين موقف الإسلام من تحضير الأرواح.
إن الأرواح هى لثلاثة أصناف من العوالم، الملائكة، والإنس ومعهم الحيوانات والطيور وكل ما يدب على الأرض، والجن.
فما هى صلة الإنسان بهذه الأرواح؟ .
1 - الملائكة عالم شفاف مخلوق من نور، يعطيهم الله القدرة على التشكل بالأشكال المختلفة، ولئن كان الله سخَّرهم لصالح البشر فى مهمات وكلها إليهم كتبليغ الوحى وتسجيل ما يقع من الناس من أقوال وأفعال، ومعونة المؤمنين فى الحرب وغيرها، فإن كل أنشطتهم بأمر الله وتوجيهه، لا سلطان لأحد غيره عليهم، ولا يستطيع إنسان أن يتسلط عليهم ولا أن يستعين بهم مباشرة، إلا بأمر الله سبحانه، ولما فتر الوحى عن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشتاق لنزول جبريل عليه، فلم ينزل إلا عندما أذن الله له. فقد روى البخارى أنه عليه الصلاة والسلام قال لجبريل: " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا "؟ فنزلت {وما تتنزل إلا بأمر ربك} مريم: 64، ومن هنا لا يمكن لبشر أن يحضر ملكا أو يحضر روحه.
2 - الإنسان عندما تفارق روحه جسده لا يعرف بالضبط مكانها إلا الله سبحانه، وإن جاءت الأخبار بأن لها صلة بالميت بقدر ما يسمع ويجيب على سؤال الملكين، ويحس بالنعيم والعذاب ويرد السلام على من سلم عليه، أو بقدر أكبر من ذلك كما قيل عن الأنبياء فى قبورهم، وكما قيل عن الشهداء فى قوله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: 169، فقد روى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: "أرواحهم فى جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوى إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أى شىء نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ فعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا فى أجسادنا حتى نقتل فى سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا".
وستظل الأرواح محبوسة عند الله لا ترد إلى الأجساد إلا عند البعث من القبور للحساب. قال تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون.
لعلى أعمل صالحا فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} المؤمنون: 99،100، ولا يمكن لبشر أن يتسلط على روح الميت ويحضرها ويتحدث إليها لتخبره بما هى فيه من نعيم أو عذاب، أو بأحداث فى الكون غائبة عنه، وقد يحدث الاتصال بها-دون تسلط عليها-فى الرؤى والأحلام، ويقول المهتمون بتعبير الرؤيا: إن أحوال الميت وما يقوله ويخبر به حق، لأنه انتقل من دار الباطل إلى دار الحق. وقد سبق بيان قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم " من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة- أو كأنما رآنى فى اليقظة- لا يتمثل الشيطان بى " لكن هذه الرؤى ليست باختيار الإنسان، وليس فيها تسلط على الأرواح.
3 - الجن عالم شفاف خلق من نار، يعطيهم الله القدرة على التشكل بالأشكال المختلفة، وكما لا ترى الملائكة فى حالتها النورانية، إلا بإعجاز من الله تعالى كما قيل فى رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجبريل فى الغار وليلة المعراج، لا يرى الجن فى حالتهم الشفافة، كما قال تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} الأعراف:
27، ولهم عالمهم الخاص من الأكل والشرب والتزاوج، وسائر الأنشطة التى تنظم حياتهم ومنهم الصالحون وغير الصالحين، كما قال سبحانه: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا} الجن: 11،. وقد التقى النبى صلى الله عليه وسلم ببعضهم واستمعوا القرآن وآمنوا، كما جاء فى الأحقاف (الآية: 29 وما بعدها) .
وتسلط الإنس على الجن لم يكن لأحد إلا لسيدنا سليمان عليه السلام بأمر ربه، حيث سخَر الله له الريح والشياطين كما فى قوله تعالى: {قال رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى،إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب. والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين فى الأصفاد} ص: 35-38، وقد روى البخارى ومسلم،أن عفريتا من الجن تفلت عن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقطع عليه صلاته، فأمسك به وخنقه، وأراد أن يربطه فى سارية من سوارى المسجد، لكنه تذكر دعوة أخيه سليمان، فأطلقه. وجاء فى رواية مسلم قوله: "والله لولا دعوة أخى سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " وفى رواية النسائى بإسناد جيد أنه خنقه حتى وجد برد لسانه على يده.
ومن هنا لا يمكن لبشر أن يتسلط على الجن بتحضيره وقهره على عمل معين، لكن الجن يتسلطون على الأنس ويقهرونهم على سلوك معين، إلا من أعطاه الله القوة فنجاه منهم، قال تعالى على لسان إبليس: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين} ص: 82، 83،. كما أن المتمردين منهم يمكنهم بغير الوسوسة والإغواء أن يضروا الإنس بأى نوع من الضرر، حيث لا دليل يمنع من ذلك.
وقد صح أن كل واحد من بنى آدم له قرين يلازمه من يوم ميلاده إلى أن يموت، روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه " ثم قال أبو هريرة راوى الحديث: اقرءوا إن شئتم {وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} آل عمران: 36،. ويتسلط هذا القرين على صاحبه يحاول إفساد حياته عليه، إلا العباد المخلصين كما التزم وهو أمام الله بقضاء منه سبحانه {إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} الحجر: 42،. يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن " قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: " وإياى، إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرنى إلا بخير " أى فأسلم القرين، أو فأسلم أنا من القرين لأن الله أعاننى عليه.
غير أن الإنسان إذا لم يستطع التسلط على الجن إلا بإذن الله، فليس ذلك بمانع أن يتصل به ويتعاون معه ليحقق له بعض الأغراض وهذا الاتصال يتم بعدة أساليب، ووقع ذلك لبعض الناس فى القديم والحديث، وعرف منهم الكهان والعرافون والسحرة. وكان من هذا الاتصال ما يسمى الآن بتحضير الأرواح. وهذا التحضير كما سبق ذكره لا يكون لأرواح الملائكة ولا الآدميين بعد موتهم، وإنما هو لهذه الأرواح المعروفة بالجن. والقرين من الجن له قدرة على تقليد صاحبه فى صوته وقد يتشكل بشكله، وهو على دراية واسعة بحاله الظاهرة، وقد يكون بحاله الباطنة أيضا مما تدل عليه الظواهر، وللقرناء صلة ببعضهم يعرفون عن طريقها الأخبار التى تحدث للناس، فيمكن لقرين سعد مثلا أن يعرف أحوال سعيد عن طريق سؤال قرينه، ومن هنا يمكن لقرين سعد أن يخبر سعدا بحال سعيد، إما بصوت يسمعه ولا يرى صاحبه، وهو ما يعرف باسم الهاتف، وإما بطريق آخر من طرق الأخبار، وقد يكون هذا القرين مساعدا لصاحبه فى بعض الأعمال فتسهل عليه، وقد يكون على العكس مشاكسا فيضع العراقيل فى طريقه فيحس بالضيق والألم وقد يحصل غير ذلك فإن عالم الجن عالم غريب يخفى علينا الكثير من أحواله. وكل هذه التصرفات فى دائرة الإمكان.
فإذا قام إنسان -على مواصفات معينة وبطرق مختلفة-بتحضير روح إنسان فهو يحضر روح قرينه، الذى يستطيع أن يقلد صوته ويخبر عن كثير من أحواله، وعن أمور غائبة عرفها القرناء وتبادلوا أخبارها، فيحسب الإنسان أن الروح التى تتكلم هى روح آدمى، وهى روح قرينه، التى لا تستطيع أبدا أن تخبر عن المستقبل فمجالها هو الحاضر الذى يخفى على بعض الناس. ذلك أن الجن لا يعلمون الغيب أبدا، قال تعالى: {قل لا يعلم من فى السماوات والأرض الغيب إلا الله} النمل: 65، وقال عن جن سليمان بعد موته {فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين} سبأ: 14، وقد يكذب القرناء فى أخبارهم، فيقول قرين الكافر مثلا إنه فى نعيم، وهو بنص القرآن فى عذاب أليم، والروح الحقيقية لأى إنسان لا تكذب بعد الموت، فهو فى دار الحق التى لا كذب فيها، ولم يحدث أن ادعى من يزاولون تحضير الأرواح أنهم أحضروا روح نبى من الأنبياء، وذلك لأن الشياطين لا تتمثل بهم ولا تستطيع تقليد أصواتهم، كما يحدث من القرناء مع بقية البشر.
فالخلاصة أن تحضير الأرواح هو تحضير لأرواح الجن وليس لأرواح الملائكة أو البشر، ولا يجوز الاعتماد على ما تخبر به هذه الأرواح، فقد تكون صادقة وقد تكون كاذبة فيما تقول. وتحضير أرواح الجن أمر ممكن غير مستحيل، لعدم ورود ما يمنعه، ولحدوثه واقعا والذى لا يمكن ويسمى خرافة هو تحضير أرواح الملائكة وأرواح بنى آدم.
ومن الواجب ألا يستغل إمكان تحضير الجن استغلالا سيئا، كما يفعل الدجالون والمشعوذون، كما أن من الواجب ألا يخرج بنا الحماس فى مقاومة الدجل والشعوذة إلى حد الإنكار لوجود الجن، فهم موجودون ومكلفون مثل البشر، وهم يستطيعون الإضرار بالناس بإذن الله، كما يضر الناس بعضهم بعضا، وليس هذا الإضرار قاصرا فقط على الوسوسة والإغواء، بل منه ما يكون فى الماديات التى تتعلق بالإنسان فى مأكله ومشربه وملبسه، بل وفى جسمه، فليس هناك دليل على منعه، والأمر بالتسمية لطرد الشيطان معروف.
والواجب أن نتحصن بقوة الإيمان والثقة بالله، والإقبال على طاعته والبعد عن معصيته ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأن نزن أمورنا بميزان العقل الذى كرمنا الله به، وأن نحكمه فيما لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة، وما استعصى علينا فهمه ينبغى ألا نبادر بإنكاره، بل علينا التريث والتدبر حتى تتضح الأمور وتظهر الأدلة القاطعة على صدقه أو كذبه
(10/148)
________________________________________
الإضراب عن الطعام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن يضرب عن الطعام إذا وقع عليه ظلم وكيف يكون التصرف معه؟

الجواب
ليس فى الدين شىء اسمه الإضراب عن الطعام أو الشراب لتحقيق غرض من الأغراض، فهو وسيلة سلبية يجب ألا يأخذ بها أحد، والوسائل المشروعة كثيرة.
ومن سلك هنا المسلك فقد أضر نفسه بالجوع والعطش فى غير طاعة، والحديث معروف (لا ضرر ولا ضرار" وفى الوقت نفسه عرَّض نفسه للموت والله يقول {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة: 195،. ومن مات بهذا الإضراب يكون منتحرا، والانتحار من كبائر الذنوب، فإن استحله كان كافرا، لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين
(10/149)
________________________________________
حبس الطيور والأسماك للزينة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز حبس الطيور فى أقفاص للتمتع بمنظرها أو صوتها؟

الجواب
بعض الطيور فيها جمال فى أصل الخلقة أو فى الألوان أو فى الأصوات أو فى غيرها، والجمال محبب إلى كل نفس سوية، وهو من نعم الله التى يجب أن تشكر، كما قال تعالى {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق} الأعراف: 22، وقال {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} النحل: 8.
وإذا كانت الزينة التى خلقها الله وأخرجها لعباده فى الحيوانات والنباتات وغيرها مباحة وغير محرمة، فكذلك التزين - وهو فعل الزينة - ليس ممنوعا فى كل الأحوال، وإذا كان ممنوعا عند التكبر والخيلاء أو الإسراف فهو غير ممنوع إن خلا من هذه الأشياء جاء فى تفسير القرطبى "ج 7 ص 97 " ليس كل ما تهواه النفس يذم وليس كل ما يتزين به الناس يكره، وإنما ينهى عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أو كان على وجه الرياء فى باب الدين، فإن الإنسان يُحِب أن يُرىَ جميلا. وذلك حظ للنفس لا يلام فيه، ولهذا يسرح شعره، وينظر فى المرآة، ويسوى عمامته، ويلبس بطانة الثوب الخشنة إلى داخل وظهارته الحسنة إلى خارج، وليس فى شىء من هذا ما يحرم أو يذم.
وقد روى مكحول عن عائشة قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب، فخرج يريدهم، وفى الدار ركوة فيها ماء، فجعل ينظر فى الماء ويسوى لحيته وشعره، فقلت: يا رسول الله وأنت تفعل هذا؟ قال " نعم، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه، فإن الله جميل يحب الجمال ".
وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر " فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال " إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس ".
بعد هذه المقدمة فى الزينة وأن الأصل فيها الحل، وفى أهمية الجمال فى حيلة الناس، وموقف الإسلام الرائع فى تشريعه العادل الذى لا يهمل الفطرة الإنسانية إهمالا تاما ولكن يوجهها ويهذبها - بعد هذه المقدمة أقول: إن صنع الزينة واستعمالها والاتجار فيها لا بأس به فى حد ذاته، ومن الزينة بعض الطيور والأسماك، فيجوز اقتناؤها وبيعها ما دام ذلك فى حدود الشرع وبشروط، ومن هذه الشروط:
1 - ألا يقصد بها التفاخر والخيلاء، كما هو دأب المترفين، والأعمال بالنيات.
2 - ألا يلهى التمتع بها أو الانشغال برعايتها واستثمارها عن واجب من الواجبات.
3 - ألا يهمل فى رعايتها بالتقصير فى تغذيتها مثلا، فالحديث معروف فى تعذيب الله للمرأة التى حبست القطة دون أن تطعمها أو تسقيها. هذا، وقد ورد فى الصحيحين عن أنس رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا، وكان لى أخ لأمى فطيم يقال له عمير، فكان رسول الله @ إذا جاءنا قال "يا أبا عمير ما فعل النُّغَير "؟ وعمير تصغير عمر أو عمرو. والفطيم بمعنى المفطوم، والنغير تصغير نُغَر وهو طير كالعصافير حمر المناقير، وأهل المدينة يسمونه البلبل.
قال الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى ": فى الحديث دليل على جواز لعب الصغير بالطير الصغير. وقال العلامة أبو العباس القرطبى: لكن الذى أجازه العلماء هو أن يمسك له وأن يلهو بحبسه، وأما تعذيبه والعبث به فلا يجوز، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكله.
وقال غيره: معنى قوله. يلعب به، يتلهى بحبسه وإمساكه، وفيه دليل على جواز حبس الطير فى القفص والتلهى به لهذا الغرض وغيره. ومنع ابن عقيل الحنبلى من ذلك، وجعله سفها وتعذيبا، لقول أبى الدرداء رضى الله عنه:
تجئ العصافير - يوم القيامة تتعلق بالعبد الذىَ كان يحبسها فى القفص عن طلب أرزاقها وتقول: يا رب هذا عذبنى فى الدنيا.
والجواب أن هذا فيمن منعها المأكول والمشروب، وقد سئل القفال عن ذلك فقال -: إذا كفاها المؤونة جاز، بل فى الحديث دليل على جواز قنصها - صيدها - للعب الصبيان بها، وكان بعض الصحابة يكره ذلك، ورأيت لأبى العباس أحمد بن القاص مصنفا حسنا على هذا ويؤخذ مما ذكره الدميرى أن حبس الطيور للزينة وغيرها جائز ما دام يكفيها مؤونتها، وما دام لا يعذبها، ومن كره ذلك من بعض العلماء محله عند التقصير والإيذاء، والكراهة على كل حال لا تعنى الحرمة، فالحرام معصية يعاقب عليها، والمكروه ليس معصية ولا يعاقب عليه.
وحكم الطير يسرى على الأسماك المتخذة للزينة فى أحواض ضيقة ليست فى سعة الأنهار، والبحار، وكذلك على الحيوانات فى الحدائق المعدة لها، وقد حبست فى أقفاص أو أبنية ليست فى سعة الصحراء والغابات التى كانت تعيش فيها من قبل
(10/150)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:32 am


التوبة والاستتابة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعض الناس الرافضين لحد الردة يرفضون أيضا أن تطلب من المرتد توبة، فالله وحده هو الذى يقبلها، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
هناك فرق بين طلب التوبة أى الاستتابة، وبين قبول التوبة، فطلبها من العاصى حق لله وللرسول وحق للمؤمنين، فالله سبحانه أمر بها فى مثل قوله {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم} التحريم: 8.
وقوله {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور: 31، وأمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم فى مثل قوله "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإنى أتوب فى اليوم مائة مرة " رواه مسلم.
والمؤمن يجب عليه أن يطلب التوبة من العاصى قياما بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فى ظل قوله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل: 125، وحذر الإسلام من السكوت على المعاصى، فالرضا بها مشاركة فى الإثم، ووضح الرسول معنى الآية {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} المائدة: 105، موضحا أن الاهتداء لا يكون إلا بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كما رواه ابن ماجه والترمذى وحسَّنه وأبو داود "الترغيب ج 4 ص 28 ".
والمرتد ننصحه بالرجوع عن ردته ببيان الحق فيما يشك فيه لعله يهتدى، أما قبول التوبة فهو أيضا قدر مشترك بين الله سبحانه وبين العباد، فقبولها من الله مرهون بالإخلاص فيها وصدورها من القلب لا من اللسان فقط، فهو سبحانه لم يقبل من المنافقين ما لا يتفق ظاهرهم مع باطنهم، وذلك بعد استكمال مقوماتها المعروفة. وقبولها بالنسبة لنا هو معاملته معاملة المسلم بحسب ظاهره فقط، ولا شأن لنا بباطنه، والأحاديث فى ذلك واضحة، فالرسول قال لأسامة فى شأن من أسلم بلسانه "هلا شققت عن قلبه " مقررا أن علينا الأخذ بالظاهر لأنه المستطاع والله يتولى السرائر "بيان للناس من الأزهر الشريف ج 1 ص 141 - 146 ".
فقول القائل: إن التوبة حق لله يقبلها ويرفضها، وليس لأحد سواه هذا الحق نابع من عدم الفهم الصحيح، وتحريف للكلم عن مواضعه، والوعيد عليه شديد
(10/201)
________________________________________
التائب من الذنب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كيف تكون التوبة إلى الله توبة خالصة، والعودة إلى الله بلا رجعة؟

الجواب
التوبة إلى الله مطلوبة، والآيات والأحاديث فى ذلك كثيرة، وشعور المؤمن بالنقص فى أداء الواجب لله يدعوه إلى الرجوع إليه، حتى لو كان التقصير فى مندوبات، فمن باب أولى تكون التوبة من التقصير فى الواجبات.
وقال العلماء: إن أركانها ثلاثة: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فرط منه، والعزم على عدم العودة إليه، وإذا كان العصيان متعلقًا بحقوق الغير كالسرقة مثلا وجب رد المسروق إلى صاحبه أو طلب السماح منه.
ولا تقبل هذه التوبة إلا إذا كانت خالصة لله صادرة من أعماق القلب لا يكتفى فيها باللسان فقط.
ولو وقعت التوبة بهذه المواصفات يرجى قبولها، ويرجى استقامة السلوك بعدها.
وعدم العودة إلى المعصية أمر لا يجزم به الإنسان، فالإنسان معرض للخطأ غير معصوم، لكن لو صدق فى توبته ثم غلبه الشيطان وأخطأ، ثم بادر بالتوبة الخالصة يرجى أن يعفو الله عنه، فباب التوبة مفتوح إلى أن تقوم الساعة أو يحتضر الإنسان، والمهم هو الإخلاص فيها، والمبادرة بها عند المعصية
(10/202)
________________________________________
العلاج بالزار

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى حفلات الزار التى تقام كعلاج لبعض الأمراض؟

الجواب
الزار طقس خاص يقام للتخلص من التسلط الشيطانى كما يزعم المعتقدون فيه، وأصله عبادة وثنية قديمة تقوم على موسيقى عنيفة وحركات هيستيرية ورقص من المريض ومن يشاركه، مع بخور وأشياء أخرى.
والمريض الذى يعالج بالزار قد يكون مرضه بسبب اعتقاد تسلط الأرواح الشريرة عليه، أو بسبب إجهاد عقلى، أو بسبب وهْم حين تشير بعض الجاهلات على المريضة بأنها ممسوسة مثلا.
والعلاج يكون تابعا لمعرفة أسباب المرض، فالذى يصاب بمس روح شريرة يقول ابن القيم فى كتابه "الطب النبوى ": علاجه بقوة نفسه وصدق توجهه إلى الله والتعوذ الصحيح الصادر من القلب واللسان معا، وكذلك بتوسط رجل صالح يرقيه بالقرآن أو يدعو له، ويقول:
وأكثر مرضى الأرواح الخبيثة يكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من الذِّكْرِ والتحصينات النبوية والإيمانية.
ومن عنده إجهاد عقلى يعالج بالراحة والترويح. والوهم يعالج بالتخلص منه. والموسيقى التى يقوم عليها الزار قد تكون مؤثرة على الأعصاب وطريقا للشفاء الذى قام به أطباء الغرب لعلاج الصرع البدنى والعصبى، مع الإيحاء للمريض بالشفاء، لكن الرقص الجماعى الذى يختلط فيه الرجال بالنساء حرام، وذبح الطيور أو الحيوانات باسم الجان ميتة أُهِلَّ لغير الله بها فهى حرام، وشرب دمها حرام أيضا. وعلى العموم فحفلات الزار بوضعها الحالى لا يوافق عليها الدين "من المراجع التاريخية والعلمية: مجلة نهضة أفريقيا - العدد التاسع - يوليو 1951 م، رسالة للسيدة فاطمة المصرى للماجستير بجامعة الإسكندرية1945 م، ورسالة أخرى للسيدة هدى بدران "
(10/203)
________________________________________
التاريخ الميلادى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى أخذ الدول الإسلامية بالتاريخ الميلادى، فى حين لا تأخذ بالتاريخ الهجرى فى التعاملات المحلية والخارجية؟

الجواب
ليس فى كتابة التاريخ الميلادى بأس، وبخاصة إذا كان عالميا، وإذا كان فى الأمور الموقوتة بزمن محدود لا يتغير، ذلك لأن التاريخ الهجرى موقوف كل شهر على رؤية الهلال، ونحن نعلم اختلاف الناس فيه، فقد نظن أن أول شهر هو يوم الثلاثاء فإذا به يكون - حسب الرؤية - هو الاثنين مثلا، وهذا يحدث ارتباكا فى الأمور المحسوبة بحساب دقيق من جهة الزمن. وهو نظام دنيوى لا حرج فى استعماله، ففى الحديث "أنتم أعلم بأمور دنياكم ".
أما التاريخ الهجرى فترتبط به العبادات كالصوم والحج والأيمان والنذور وغيرها، فلا بد من الحرص عليه فيها، ومن المستحسن ذكر التاريخين معا حتى لا ننسى حرمة تاريخنا وقداسته. فى غمرة الفتنة بالدنيا.
هذا، والتقويم الميلادى عدَّ ل عام 1582 فصار اليوم الرابع من أكتوبر هو اليوم الخامس عشر، وهو مبدأ التقويم الجريجورى وأخذت به مصر سنة 1875 "دائرة معارف الشعب -م 1 ص 224 "
(10/204)
________________________________________
شجرة النخل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن النخلة خلقت من بقايا الطينة التى خلق منها آدم فتكون عمتنا؟

الجواب
شجرة النخل ورد فيها حديث فى الصحيحين عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أُتى بجُمَّار نخلة فقال "إن من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم، لا يسقط ورقها، أخبرونى ما هى "؟ فوقع الناس فى شجر البوادى، ووقع فى نفسى أنها النخلة، فأردت أن أقول: هى النخلة، ثم نظرت فإذا أنا أصغر القوم سنًّا فَسَكَتُّ، فقال رسول الله "هى النخلة " فنقل ذلك إلى أبيه عمر، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلى من كذا وكذا.
يقول ابن القيم "زاد المعاد ج 3 ص 193 " تعليقا على هذا الحديث:
فيه إلقاء العالم المسائل على أصحابه وتمرينهم واختبار ما عندهم، وفيه ضرب الأمثال والتشبيه، وفيه ما كان عليه الصحابة من الحياء من أكابرهم وأجلاَّئهم وإمساكهم عن الكلام بين أيديهم، وفيه فرح الرجل بإصابة ولده وتوفيقه للصواب، وفيه أنه لا يكره للولد أن يجيب بما عرف بحضرة أبيه وإن لم يعرفه الأب، وليس فى ذلك إساءة أدب عليه.
ثم قال: وأما حديث "أكرموا عماتكم النخل، فإنها خلقت من الطين الذى خلق منه آدم " فإن إسناده ليس صحيحا
(10/205)
________________________________________
المسرح والسينما

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الذهاب إلى المسارح والسينما؟

الجواب
المكان الذى يع رض فيه الموضوع يسمى المسرح إن كان العرض حيا، ويسمى سينما أو خيالة إن كان العرض مصورا.
. وإذا تمخض الحضور لجنس واحد-كما فى بعض الدور التى يخصص فيها وقت للرجال وآخر للنساء-ينظر إلى موضوع الفيلم أو المسرحية ويعطى حكم الغناء فى مادته وأسلوبه وأثره، فيحرم إذا كانت المادة محرمة كدعوة إلى إلحاد أو فتنة أو خمر أو غير ذلك، أو إذا كان الأسلوب محرما ككشف العورات والتقبيل بين الجنسين أو الخضوع من المرأة بالقول أو غير ذلك من المحرمات، أو إذا كان التأثير سيئا على الفكر والسلوك، أو ألهى عن واجب؛ كان الذهاب إلى المسرح أو السينما حراما.
أما إذا كان الحضور مع اختلاط للرجال والنساء، فإن كان مع سفور وكشف لما أمر الله بستره حرم، وإن كان مع احتشام كامل وتحفظ بما هو معروف فى الحجاب الشرعى - ينظر إن ذهبت الزوجة بدون إذن زوجها حرم، وإن كان بإذنه وهو معها أو معها محرم كأخيها وابنها فلا حرمة، وكذلك مع الرفقة المأمونة.
والملاحظ: الآن أن دور اللهو لا تحترم هذه الآداب، واتُخذت ذريعة للعبث وقتل الوقت. والحلال بيِّن والحرام بيِّن. وقد قلَّل الإقبال عليها انتشار أجهزة التلفاز. ودخولها كل البيوت أو أكثرها، وصار أكثر رواد هذه الدور من الطبقات التى لا ترعى حرمة
(10/206)
________________________________________
بين حدى الزنى والسرقة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قال الله تعالى {الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} النور:
2، وقال {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} المائدة: 38، لماذا قدم الزانية على الزانى وعكس فى السارق، ولماذا لا يكون الحد هو القطع فيهما؟

الجواب
ذكر القرطبى فى المسألة السابعة والعشرين عند تفسير آية السرقة "ج 6 ص 175 " أن البدء بالزانية لأن شهوة الاستمتاع على النساء أغلب، وحب المال على الرجال أغلب، وذكر فى تفسير آية الزنى "ج 12 ص 160 " أن الزانية قُدمت حيث كان فى ذلك الزمان زنى النساء فاشٍ، وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات، وكنَّ مجاهرات بذلك، ولأن العار بالنساء ألحق، إذ موضوعهن الحجب والصيانة فقدم ذكرهن تغليظا واهتماما.
وذكر أن الله جعل حد السرقة قطع اليد لأنها تتناول المال، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به كما هو واقع السرقة باليد، وذلك لثلاثة معان، أحدها أن للسارق مثل يده التى قطعت فإن انزجر بقطعها اعتاض بالثانية، وليس للزانى مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه، والثانى أن الحد زجر للمحدود وغيره، وقطع اليد فى السرقة ظاهر واضح للناس يتعظ به غيره، أما قطع الذكر فهو باطن مستور لا يراه غير الزانى فلا يكون الزجر المطلوب للغير، والثالث إن قطع الذكر فيه إبطال للنسل، وليس فى قطع اليد إبطاله
(10/207)
________________________________________
قطع يد السارق والسارقة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل الإسلام هو الدين الوحيد الذى جاء بقطع يد السارق، أم أنه كان معروفا من قبل؟ وما الحكم لو وصلت اليد بعد قطعها؟

الجواب
جاء فى تفسير القرطبى "ج 6 ص 160"أن القطع كان فى الجاهلية، وأول من حكم بذلك هو الوليد بن المغيرة، وأقره الإسلام، وكان أول سارق طبق عليه الحد من الرجال الخِيَار بن عَدِى بن نوفل بن عبد مناف، ومن النساء مُرَّة بنت سفيان بن عبد الأسد من بنى مخزوم - وهى التى قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ولم يقبل الشفاعة فيها كما كان فى الجاهلية يتركون إقامة الحد على ذوى الشرف - وأبو بكر قطع يد الرجل اليمنى الذى سرق عقدًا لأسماء بنت عميس زوجة أبى بكر. وقطع عمر يد ابن سمرة أخى عبد الرحمن بن سمرة.
ولأجل أن يكون قطع اليد عبرة للغير تعلق فى عنق السارق حتى يراها الناس، لأن موضع قطعها قد يوارى ويستر فلا يتعظ أحد، روى أبو داود والنسائى والترمذى وقال: حديث حسن غريب، أى رواه راو واحد فقط أن النبى صلى الله عليه وسلم جىء بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت فى عنقه.
وإذا كان قطع يد السارق حقا لله وحقا للمجتمع فهل يضيع حق المسروق منه؟ ذكر القرطبى "ج 6 ص 165 " أن العلماء اختلفوا هل يكون مع القطع غُرْم أو لا؟ فقال أبو حنيفة لا يجتمع الغرم مع القطع، وقال الشافعى:
يغرم قيمة السرقة موسرا كان أو معسرا، وهو قول أحمد وإسحاق، أما مالك وأصحابه فقالوا: إن كانت العين المسروقة قائمة وجب ردها، وإن تلفت فإن كان موسرا غرم، وإن كان معسرا فلا شىء عليه ولا تكون دينا يطالب به، وقيل: يتبع بها دينا مع القطع موسرا كان أو معسرا، وهو قول غير واحد من علماء أهل المدينة. لأنهما حقان لمستحقين فلا يسقط أحدهما الآخر كالدية مع الكفارة. ثم قال: والصحيح قول الشافعى ومن وافقه.
وهنا مسألة أثيرت أخيرا وهى: إذا قطعت يد السارق ثم عولجت بوصلها كما كانت هل يسقط الحد بقطعها أو لابد من قطعها ثانيا لأن حكمة القطع لم تتحقق؟ للعلماء رأيان، رأى بسقوط الحد بمجرد القطع، ورأى بمنعه من وصلها وقطعها إن وصلها، وجهة نظر الرأى الأول أن القطع تمَّ كما أمر الله وهذا كاف فى زجره هو، ولا يُهم إن كان سيتبدل بها يدا صناعية أو يصل يده التى قطعت، فالعقوبة وقعت ولو فى حدها الأدنى، وإذا نفذ القطع علنا كان النكال وكانت العبرة.
ووجهة نظر الرأى الثانى أن العقوبة إذا كانت زجرا له فهى زجر لغيره، ومن أجل ذلك كان تعليق يده بعنقه ليعتبر الناس، فلو وصل ما قطع ضاع معنى العبرة. بل ضاع المعنى فى زجر نفسه هو، إذا عرف أن إعادة يده ممكنة وإن كان فيها بعض الألم.
وقد يقال: إن الخزى حصل للسارق بإثبات السرقة بالشهود، وبإشهار القطع وإعلانه، وهذا كاف فى التأثير عليه وعلى غيره، ولا يهم بعد ذلك وصل يده أو تعويضها بيد صناعية، لكن أيضا يقال: إنه لو كرر السرقة تقطع اليد الأخرى لتعطيله عنها فلو صح الوصل لضاعت الحكمة.
الرأيان مطروحان للمناقشة، وللظروف دخل فى ترجيح أحدهما على الآخر إذا أعوز الدليل القوى
(10/208)
________________________________________
إحياء الموات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى إحياء الموات وما حكمه فى الشرع؟

الجواب
ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أحيا أرضا ميتة فهى له" رواه أبو داود والنسائى والترمذى وقال: إنه حسن. وقال "من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر" رواه النسائى وصححه ابن حبان.
إحياء الموات هو استغلال الأرض بالزرع وغيره من أنواع الاستغلال، مأخوذ من قوله تعالى {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذى أحياها لمحيى الموتى} فصلت: 139.
والحديثان يبينان فضل إحياء الأرض الموات، وأن ما يُحيا منها فهو لمن أحيا لكن اشترط العلماء لاعتبار الأرض مواتا أن تكون بعيدة عن العمران، حتى لا تكون مرفقا من مرافقه، ولا يتوقع أن تكون من مرافقه. وفى الوقت نفسه اشترط بعض الفقهاء أن يأذن الحاكم فى إحيائها واستثمارها، ابتداء قبل العمل أو بعده، على خلاف فى ذلك.
وإحياء الموات يدل على حيوية التشريع الإسلامى بدعوته إلى الاستثمار والتعمير وإخصاب الحياة بالخير ليساعد ذلك على تحقيق خلافة الإنسان فى الأرض، بتعميق الإيمان بالله وشكره على نعمه، والتمتع بالحلال الطيب الذى يعطى القوة ويحقق الكرامة للإنسان.
ومن أساليب الدعوة إلى ذلك قوله تعالى {هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} الملك:15 وقوله صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" رواه مسلم وقد تحدث الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية" ص 190 عن أحكام الموات وإذن الإمام فى إحيائه، وإذا أهمل الإنسان فى ذلك بدون عذر سُلب الإذن منه، وكان غيره أحق به، ويمكن استيفاء معرفة أحكامه منه ومن كتب الفقه
(10/209)
________________________________________
الحب حلال أو حرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل الحب حلال أو حرام؟

الجواب
يقول الله سبحانه {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} آل عمران: 31، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أصحاب السنن عن حبه لعائشة رضى الله عنها "اللهم هذا قسمى فيما أملك، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك " ويقول فيما رواه مالك فى الموطأ " قال الله تعالى: وجبت محبتى للمتحابين فى، والمتجالسين فى، والمتزاورين فى" ويقول فيما رواه مسلم "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف ".
الحب فى دنيا الناس تعلق قلبى يحس معه المحب لذة وراحة، وهو غذاء للروح، وشبع للغريزة، ورى للعاطفة، أفرده بالتأليف كثير من العلماء الأجلاء.
ومن جهة حكمه فإنه يعطى حكم ما تعلق به القلب فى موضوعه والغرض منه، فمنه حب الصالحين، وحب الوالد لأولاده، وحب الزوجين، وحب الأصدقاء، وحب الولد لوالديه، والطالب لمعلمه، وحب الطبيعة والمناظر الخلابة والأصوات الحسنة وكل شىء جميل.
ومن هنا قال العلماء: قد يكون الحب واجبا، كحب الله ورسوله، وقد يكون مندوبا كحب الصالحين، وقد يكون حراما كحب الخمر ولجنس المحرم.
وأكثر ما يسأل الناس عنه هو الحب بين الجنسين، وبخاصة بين الشباب، فقد يكون حبا قلبيا أى عاطفيا، وقد يكون حبا شهويا جنسيا، والفرق بينهما دقيق، وقد يتلازمان، ومهما يكن من شىء فإن الحب بنوعيه قد يولد سريعا من نظرة عابرة، بل قد يكون متولدا من فكر أو ذكر على الغيب دون مشاهدة، وهنا قد يزول وقد يبقى ويشتد إن تكرر أو طال السبب المولد له. وقد يولد الحب بعد تكرر سببه أو طول أمده، وهذا ما يظهر فيه فعل الإنسان وقصده واختياره.
ومن هنا لابد من معرفة السبب المولد للحب، فإن كان من النوع الأول الحادث من نظر الفجأة أو الخاطر وحديث النفس العابر فهو أمر لا تسلم منه الطبيعة البشرية، وقد يدخل تحت الاضطرار فلا يحكم عليه بحل ولا حرمة.
وإن كان من النوع الثانى الذى تكرر سببه أو طالت مدته فهو حرام بسبب حرمة السبب المؤدى له. وإذا تمكن الحب من القلب بسبب اضطر إليه، فإن أدى إلى محرم كخلوة بأجنبية أو مصافحة أو كلام مثير أو انشغال عن واجب كان حراما، وإن خلا من ذلك فلا حرمة فيه.
والحب الذى يتولد من طول فكر أو على الغيب عند الاستغراق فى تقويم صفات المحبوب إن أدى إلى محرم كان حراما، وإلا كان حلالا، وما تولد عن نظرة متعمدة أو محادثة أو ما أشبه ذلك من الممنوعات فهو غالبا يسلم إلى محرمات متلاحقة، وبالتالى يكون حراما فوق أن سببه محرم.
وعلى كل حال فأحذر الشباب من الجنسين أن يورطوا أنفسهم فى الوقوع فى خضم العواطف والشهوات الجنسية، فإن بحر الحب عميق متلاطم الأمواج شديد المخاطر، لا يسلم منه إلا قوى شديد بعقله وخلقه ودينه، وقَلَّ من وقع فى أسره أن يفلت منه، والعوامل التى تفك أسره تضعف كثيرا أمام جبروت العاطفة المشبوبة والشهوة الجامحة.
وبهذه المناسبة طُرِحَ هذا السؤال: أنا فتاة من أسرة متدينة، ولكن شعرت بقلبى يشد إلى شاب توسمت فيه كل خير، ولا أدرى إن كان يشعر نحوى بما أشعر به، فهل هذا الحب يتنافى مع الدين؟ إن الحب إذا لم يتعد دائرة الإعجاب ولم تكن معه محرمات فصاحبه معذور، ولكن إذا تطور وتخطى الحدود فهنا يكون الحظر والمنع. وإذا كان للفتاة أن تحب من يبادلها ذلك والتزمت الحدود الشرعية فقد ينتهى نهاية سعيدة بالزواج، وإذا كان للزوجة أن تحب فليكن حبها لزوجها وأولادها، إلى جانب حبها لأهلها، لكن لا يجوز أن يتعلق قلبها بشخص أجنبى غير زوجها، تعلقا يثير الغريزة، فقد يؤدى إلى النفور من الزوج والسعى إلى التفلت من سلطانه بطريق مشروع أو غير مشروع، والطريق المشروع هو الطلاق مع التضحية بما لها من حقوق، وهو ما يسمى بالخُلْع، فقد جاءت امرأة ثابت بن قيس ابن شماس -وهى حبيبة بنت سهل أو جميلة بنت سلول -إلى النبى صلى الله عليه وسلم تقول له: إن زوجها لا تعيب عليه فى خلق ولا دين، ولكنها تكره الكفر فى الإسلام، لأنها لا تحبه لدمامته، وقد جاء فى بعض الروايات أنها رأته فى جماعة من الناس فإذا هو أشدهم سوادا، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجها، فردت إليه الحديقة التى دفعها إليها مهرا وطلقها. رواه البخارى وغيره.
أما أن تستجيب الزوجة إلى صوت قلبها وغريزتها عن غير هذا الطريق فهو الخيانة الكبرى التى جعل الإسلام عقوبتها الإعدام فى أشنع صوره، وهى الرجم بالحجارة حتى تموت.
فلتتق الله الزوجة،. ولا تترك قلبها يتعلق بغير زوجها تعلقا عاطفيا، ولتحذر أن تذكر اسم من تحب أو تتحدث عنه أو تظهر لزوجها أى ميل نحوه، حتى لو كان الميل إعجابا بخلق، فإن الزوج يغار أن يكون فى حياة زوجته إنسان آخر مهما كان شأنه، والله سبحانه جعل من صفات الحور العين، لتكمل متعة الرجال بهن، عدم التطلع إلى غير أزواجهن فقال فيهن {فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} الرحمن: 56، وقال تعالى {حور مقصورات فى الخيام} الرحمن: 77، وذلك لتحقق الزوجة قول الله تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم: 21.
وأنتهز هذه الفرصة وأقول للفتاة غير المتزوجة، إذا ربطت علاقة الحب بين فتى وفتاة واتفقا على الزواج ينبغى أن يكون ذلك بعلم أولياء الأمور، لأنهم يعرفون مصلحتهما أكثر، ولأن الفتى والفتاة تدفعهما العاطفة الجارفة دون تعقل أو روية أو نظر بعيد إلى الآثار المترتبة على ذلك، فلابد من مساعدة أهل الطرفين، للاطمئنان على المصير وتقديم النصح اللازم، مع التنبيه إلى التزام كل الآداب الشرعية حتى يتم العقد، فربما لا تكون النهاية زواجا فتكون الشائعات والاتهامات.
والدين لا يوافق على حب لا تُلتزم فيه الحدود
(10/210)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:32 am

ذبح غير المأكول

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا اصطدنا نمرا وذبحناه هل يجوز الانتفاع بجلده؟

الجواب
اتفق الفقهاء على أن جلد مأكول اللحم إذا ذبح طاهر يجوز الانتفاع به، كجلد الغنم والمعز والبقر والأرنب، أما إذا لم يذبح أى كان ميتة فإن جلده نجس يطهر بالدباغ لحديث مسلم " إذا دبغ الإهاب فقد طهر" وغير مأكول اللحم كالسباع والنمور إذا لم يذبح فجلده نجس يطهر بالدباغ، لعموم الحديث السابق، أما إذا ذبح فالجمهور على أن ذبحه لا يطهر جلده بل لا يطهر إلا بالدبغ، والحنفية يجعلون ذبحه مسوغا لطهارة جلده وإن حرم أكله.
وكل ذلك فيما عدا جل د الكلب والخنزير، فلا يطهرهما الدبغ عند الجمهور
(10/211)
________________________________________
الولى والكرامة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هو الذى يطلق عليه اسم الولى، وهل لابد أن تكون له كرامة؟

الجواب
الولى هو الذى تولى أوامر الله بالتنفيذ، وتولاه الله بالرعاية. قال تعالى {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمَنوا وكانوا يتقون.
لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} يونس: 62 - 64.
ففى هذه الآيات مواصفات الأولياء {آمَنوا وكانوا يتقون} حيث تولوا أوامره بالتنفيذ عقيدة وعملا، فالتقوى هى امتثال الأوامر واجتناب النواهى، فى كل قطاعات النشاط البشرى، فى العبادات والمعاملات والأخلاق وفى كل شىء.
وفيها جزاؤهم {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} لا يخافون من المستقبل ولا يحزنون على الماضى {لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} حيث تولاهم الله برعايته رعاية شاملة فى حياتهم الدنيا وحياتهم الآخرة.
والكرامة أمر خارق للعادة يظهره الله على يد شخص صالح، أما ما يظهر على يد فاسق أو كافر فهو استدراج قال فيه رب العزة {فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. وأملى لهم إن كيدى متين} القلم: 44، 45.
والكرامة للولى غير لازمة أن تكون فى الدنيا، فهى ليست للدعاية والكسب والتحدى، وقد يدخرها الله فى الآخرة، والأولياء الصالحون لا يطلبون كرامة ولا يحبون أن يعلنوها لو حدثت.
إن الحديث فى هذا الموضوع طويل ومن الكتب التى استوفته: الرسالة القشيرية
(10/212)
________________________________________
الأظافر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فيمن تطيل أظافرها وتلونها، وفيمن يترك من أصابعه إصبعا يطيل ظفره؟

الجواب
تقليم الأظافر من سنن الفطرة التى جاءت فى قول النبى صلى الله عليه وسلم "خمس من الفطرة: الاختتان والاستحداد - حلق العانة - وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط " رواه البخارى ومسلم، وروى مسلم أيضا:
وقَّت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة.
وحكمة الأمر بقص الأظافر منع تجمع الأوساخ التى هى مظنة وجود الميكروبات الضارة، التى يسهل انتقالها بالأيدى لمزاولتها شئون الطعام والشراب، كما أن تراكمها يمنع وصول الماء إلى البشرة عند التطهير بالوضوء أو الغسل، وطولها يخدش ويضر، يقول أبو أيوب الأنصارى:
جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله عن خبر السماء، فنظر إليه النبى صلى الله عليه وسلم فرأى أظفاره طوالا فقال "يسأل أحدكم عن خبر السماء وأظفاره كأظفار الطير يجمع فيها الجنابة والتفث " وهو الخبث.
"تفسير القرطبى ج 2 ص 102 ".
والحد المطلوب فى قص الظفر إزالة ما يزيد على ما يلامس رأس الإصبع، وذلك حتى لا يمنع الوسخ وصول الماء إلى البشرة فى الطهارة، ولو لم يصل بطل الوضوء.
ولم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم خبر صحيح فى استحباب القص فى يوم معين ولا بكيفية معينة كالابتداء بإصبع معين من اليد اليمنى واليد اليسرى، وأرجحها نقلا ودليلا يوم الجمعة، "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 214، 215"، "غذاء الألباب ج 1 ص 380"،" الإسفار فى قص الأظفار للسيوطى" وأنبه إلى عدم المبالغة فى قصها فذلك مؤلم وعائق عن العمل لمدة، بل هناك حالات تستحب فيها إطالة الأظفار إلى حد معقول كما قال عمر: وفروا الأظفار فى أرض العدو فإنها سلاح، وفسر ذلك بالحاجة إليها فى حل عقدة أو ربطها أو ما يشبه ذلك، وقد رفع أحمد هذا الأثر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما إطالتها إلى حد منفَر يعوق عن مزاولة الأعمال أو لطلائها للسيدات فغير مستحب. ووضع الأصباغ عليها يمنع من صحة الوضوء والغسل، كما يمنعها من مزاولة أعمال التنظيف بالماء حرصا عليها من الزوال فلا يلجأ إلى إطالتها وصبغها إلا نسوة مترفات أو خاملات، همهن الظهور فى المجتمعات بمظهر المتمدينات، أو الهروب من الأعمال المنزلية.
على أن بعض الظرفاء علَّل اهتمام نساء العصر بإطالة أظفارهن بأنها كأسلحة للدفاع عن نفسها أو الهجوم على زوجها إن فكر فى إيذائها، أو الهروب من مطالبتها، ويعجبنى قول القائل:
قل للجميلة أرسلت أظفارها * إنى - لخوف - كدت أمضى هاربا إن المخالب للوحوش نخالها * فمتى رأينا للظباء مخالبا بالأمس أنت قصصت شعرك غيلة * ونقلت عن وضع الطبيعة حاجبا وغدا نراك نقلت ثغرك للقفا * وأزحت أنفك رغم أنفك جانبا من علم الحسناء أن جمالها * فى أن تخالف خَلْقَها وتجانبا؟ إن الجمال من الطبيعة رسمه * إن شذ خطّ منه لم يك صائبا وإذا كانت المرأة تطيل أظفارها وتلونها، فلماذا يطيل بعض الرجال بعض أظافرهم؟ فى رأى أن السبب هو التقليد لا غير، وياليتنا نقلد فيما يفيد
(10/213)
________________________________________
البيعة على الإسلام والهجرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء فى الأحاديث أن أعرابيا نقض البيعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام والهجرة، فهل يعتبر ذلك ردة، وإذا كان ردة فلماذا لم يقم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الحد؟

الجواب
روى البخارى ومسلم عن جابر بن عبد الله أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب الأعرابى وعْكٌ بالمدينة، فقال: يا رسول الله أقلْنى بيعتى فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكرر الطلب والرفض ثلاث مرات، فخرج الأعرابى فقال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما المدينة كالكير، تنفى خَبئَها، وينْصعُ طيبها"والطيب بكسر الطاء هو الرائحة الحسنة، وبفتحها وتشديد الياء هو الطاهر.
لم تصرح رواية مسلم بما بايع الأعرابى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرحت رواية البخارى بأنه بايعه على الإسلام، وجاء فى شرح النووى على صحيح مسلم أن المبايعة كانت على الإسلام والهجرة، وجاء فى فتح البارى لابن حجر أن طلب الإقالة من الأعرابى هل كان عن الإسلام والهجرة أم عن الهجرة فقط؟ من المعلوم أن الهجرة إلى المدينة كانت واجبة قبل فتح مكة فى السنة الثامنة من الهجرة، ثم صارت بعد الفتح غير واجبة كما صح فى حديث البخارى ومسلم "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا" فتركها قبل الفتح معصية، وبعد فتحها ليس بمعصية.
ومن المعلوم أيضا أن جو المدينة لم يلائم كثيرا من الوافدين عليها، وشكا بعض المهاجرين ذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم ومنهم أبو بكر وبلال رضى الله عنهما، فدعا الرسول ربه أن يبارك فى المدينة كما بارك فى مكة أو أشد، كما رواه البخارى، ورغب في الصبر على شدتها وعدم مفارقتها.
والأعرابى الساكن فى البادية لما وفد إلى النبى بالمدينة وأسلم لم يعجبه جوها فطلب من الرسول إقالته فلم يُقِلْه، فخرج الأعرابى من المدينة، واختلف العلماء فيما طلب الإقالة منه: هل هو الإسلام والهجرة، أو الهجرة فقط؟ رجح جماعة أنه الهجرة فقط، وذلك بعد سقوط فرضيتها بفتح مكة، لكن قيل: إذا كانت الهجرة سقطت فرضيتها فلماذا لم يأذن له الرسول بترك المدينة؟ أجيب بأن الرسول يحب لمن سكنها ألا يتركها حتى لو كان تركها مباحا، والرجل حين خرج منها بعد طلب الإقالة لم يرتكب إثما، وإنما ارتكب خلاف الأولى، ولا عقوبة فى ذلك لا فى الآخرة ولا فى الدنيا.
وإذا كان طلبه الإقالة من الهجرة قبل فتح مكة كان تركه للمدينة معصية، والرسول لا يسمح بارتكاب المعصية حتى لو كانت صغيرة، وهذه المعصية لا عقوبة عليها فى الدنيا مثل كثير من المعاصى كعقوق الوالدين والغيبة والنميمة وإن كانت لها عقوبة أخروية.
وقال جماعة: إن الأعرابى طلب الإقالة من الإسلام والهجرة، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد رفض الإقالة من الهجرة على الوجه المبين من قبل، فإنه يرفض الإقالة من الإسلام، لأنها ردة.
وهنا يقال: لماذا لم يعاقبه الرسول على الردة؟ والجواب أن الأعرابى إذا خالف بالخروج من المدينة كما نص الحديث فإن رفضه للإسلام غير معلوم، لأنه لا تلازم بين الإثنين، وبخاصة أنه بيَّن فى طلبه عدم ملاءمة جو المدينة له فقط، فيجوز أن يخرج من المدينة إلى البادية طلبا للصحة مع بقائه على الإسلام بعقيدته وشريعته.
ورفض الإسلام الذى يكون ردة أمر متعلق بالقلب والباطن، لا يعلم إلا بقول يصرح فيه بالرفض والإنكار لأية عقيدة من عقائده، أو بفعل يدل على ذلك كسجود لصنم أو إهانة المصحف بإلقائه مثلا فى القاذورات، وبدون هذه الأمارات لا تعلم الردة، كالمنافقين الذين تكفر قلوبهم ولا يصدر منهم قول أو فعل يصرح بما فى قلوبهم، فكانوا يعاملون بظاهرهم معاملة المؤمنين.
والأعرابى لم يتبين للرسول منه ما يفيد رفضه للإسلام حتى يعامله معاملة المرتد، ومجرد خروجه من المدينة ونقض البيعة على الهجرة على فرض أنه من المعاصى الكبيرة لا يلزم منه الكفر، وحديث أبى ذر فى ذلك معروف، فإن المؤمن مصيره الجنة ولا يخلد فى النار كالكافرين حتى لو سرق وزنا "رغم أنف أبى ذر".
وما جاء من الأحاديث التى تنفى الإيمان عن مرتكب الكبائر مثل "لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن. . . " قال فيه العلماء: إن نفى الإيمان إما أن يكون نفيا لكماله، وإما أن يكون نفيا لأصله إذا اعتقد أن الزنا حلال، فإن اعتقاد حِلَّ ما حرمه الله تحريما قاطعا كفر، ولم يُعْلَم أن الأعرابى اعتقد أن ترك المدينة حلال على فرض أنه حرام، ومن هنا لم يقم الرسول عليه حد الردة، ولا يصح أن تكون هذه الواقعة مُتَكأً لمن يرفضون أن الردة يعاقب عليها بالقتل، ويَدْعُون إلى الحرية فى اختيار أى دين، والتحول من دين إلى آخر، أو عدم التقيد بأى دين، تحقيقا للحرية المكفولة لكل إنسان. متجاهلين قول الله تعالى {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خاسرون} البقرة: 217، وقوله {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران: 85، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزانى والقاتل والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه البخارى ومسلم، وقوله "من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخارى
(10/214)
________________________________________
كتمان الشهادة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
حدث خطأ أنا شاهدته وعند التحقيق فيه بعدت عنه حتى لا أطلب للشهادة، خوفا من تعطيل مصالحى وانقطاعى عن عملى، أو خوفا على المخطئ أن يعاقب، فما حكم الدين فى ذلك، وماذا أعمل لو طلبت للشهادة؟

الجواب
شرع الله سبحانه فى التعامل بين الناس أن تكون هناك احتياطات لحفظ الحقوق وعدم الجحود، فإنهم ليسوا جميعا على قلب رجل واحد من الخوف من الله، ومن حب الخير للغير كما يحبونه لأنفسهم، ومن هذه الاحتياطات الإشهاد وكتابة الديون والدقة والأمانة وحسن اختيار الشهود، قال الله تعالى فى آية الدَّيْن {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} البقرة: 282، ثم قال تعالى {وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} البقرة: 283 هناك ثلاثة مواقف: التطوع بالشهادة، طلب الشهادة، أداء الشهادة.
يقول القرطبى عن الآية الأولى بالنسبة إلى الموقفين الأولين: قال ابن عطية:
والآية-كما قال الحسن -جمعت أمرين على جهة الندب، فالمسلمون مندوبون إلى معونة إخوانهم، فإذا كانت الفسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطيل الحق فالمدعو مندوب، وله أن يتخلف لأدنى عذر، وإن تخلف لغير عذر فلا إثم عليه ولا ثواب له، وإذا كانت الضرورة وخيف تعطل الحق أدنى خوف قوى الندب وقرب من الوجوب، وإذا علم أن الحق يذهب ويتلف بتأخر الشاهد عن الشهادة فواجب عليه القيام بها، لاسيما إذا كانت محصلة وكان الدعاء لأدائها، فإن هذا الظرف آكد، لأنها قلادة فى العنق، وأمانة تقتضى الأداء، انتهى.
ومعنى هذا الكلام أن الإنسان يندب له أن يشهد متطوعا بدون أن يستدعيه أحد للشهادة، وله أن يتخلف عنها لعذر أو لغير ذلك، ومحل ذلك إذا كان هناك شهود آخرون ولا يضيع الحق بتخلفه، أما إذا لم يكن إلا هو والحد الأدنى لقبول الشهادة، وخيف ضياع الحق كان تقدمه للشهادة قوى الندب وقرب من أن يكون واجبا يحرم التخلف عنه، إما إذا علم أن الحق يضيع لو تخلف عن الشهادة وجب عليه التقدم لشهادة ما دام ذلك ممكنا، ويتأكد ذلك إذا طلب منه أن يشهد، أى يتحمل الشهادة لإثبات الواقعة، لأن ذلك من باب نصرة المظلوم كما ثبت فى الحديث "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" ولقوله تعالى {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} .
وعلى هذا لا يتعلل الشاهد بالتأخر عن عمله، أو بالخوف على المخطئ من العقوبة، إذا وجب عليه أن يشهد فى الصورة المتقدمة.
وتحمل الشهادة سواء تطوع بها أو دعى إليها لا يتنافى مع حديث الصحيحين عن خير القرون، الذى جاء فيه "ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون " فإنه محمول على ثلاثة أوجه كما قال القرطبى: أحدها أن يراد به شاهد الزور، فإنه يشهد بما لم يستشهد، أى بما يتحمله ولا حمله، ويؤيد هذا الوجه حديث فى فضل الصحابة ومن بعدهم جاء فيه "ثم يفشو الكذب وشهادة الزور" والوجه الثانى أن يراد به المتطفل الشره النهم على تنفيذ ما يشهد به فيبادر بها قبل أن يسألها، فذلك دليل على هوى غالب عليه، والوجه الثالث أنهم الغلمان الصغار كما قال النخعى.
أما الموقف الثالث للشهادة وهو أداوها عند القاضى فله حالتان، الأولى أن يتطوع بها أى يشهد دون أن يستدعى، والحالة الثانية أن يستدعى لأدائها، ففى الأولى يندب له أن يتقدم لأدائها، وفيه حديث رواه أصحاب السنن "خير الشهداء الذى يأتى بالشهادة قبل أن يُسألها" وله ألا يشهد ما دام لم يستدع وذلك على النحو الذى سبق فى تحمك الشهادة لا فى أدائها، فإذا وجد شاهد غيره ولم يكن هناك خوف على ضياع الحق كان حضوره لأدائها مندوبا لا واجبا، فإن تعين هو للشهادة وجب الحضور حتى لو لم يستدع، وفى الحالة الثانية إذا استدعى فلا يجوز له التخلف، لأن القضاء متوقف على الشهادة، والتخلف عنها ضياع للحق، ودليل ذلك قوله تعالى {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} فهو عام فى التحمل والأداء.
قال الحسن: جمعت هذه الآية أمرين، وهما ألا تأبى إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة، ولا إذا دعيت إلى أدائها، وحملها قتادة والربيع وابن عباس على تحملها وإثباتها فى الكتاب - أى الذى بين المتعاقدين - وحملها مجاهد على أدائها بعد تحصيلها أى تحملها، وقال: فأما إذا دعيت لتشهد أولا فإن شئت فاذهب وإن شئت فلا، وقاله جماعة آخرون وعليه فلا يجب على الشهود الحضور، عند المتعاقدين.
وإذا حضر الشاهد أمام القاضى ليشهد عند الاستدعاء وغيره وجب عليه أن يؤديها بأمانة كما تحملها، ولا يجوز له أن يكتمها وينكر أنه تحملها، قال تعالى {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} فالكتمان صادق بعدم أدائها، وبعدم الصدق فيها، أى بقول الزور.
والتعبير بقوله {آثم قلبه} إشارة إلى أن كاتم الشهادة وقع تحت تأثير قصد سيئ انطوى عليه قلبه، وأقل ما يكون من هذا القصد السيئ عدم حب الخير لأخيه، أو حب الشر له والإضرار به، وذلك يتنافى مع الإيمان ففى الحديث "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخارى ومسلم.
وإذا كان الكتمان ناشئا عن طمع فى نوال شىء من أحد الطرفين، أو عن خوف منه فإن الإيمان الحق يوجب أن يكون الرجاء هو فيما عند الله، فهو خير وأبقى، وأن يكون الخوف من الله وحده فهو القاهر فوق عباده، وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم العهد على أصحابه أنَ يقولوا الحق لا يخشون فيه لومة لائم، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا} النساء:135
(10/215)
________________________________________
الضيافة عند اليتيم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لو زرت صغارا يتامى وقدموا لى تحية الضيف هل يجوز تناولها أو لا؟

الجواب
يقول الله تعالى {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} النساء: 10.
هذه الآية تنهى عن أكل مال اليتيم ظلما أى بغير حق، فإن كان بحق فلا مانع منه، ويوضح هذا قوله تعالى فى آية سابقة فى السورة نفسها {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} الآية رقم: 6، فهى تعالج خطأ وقع فيه الناس وهو الطمع فى مال اليتيم، حيث كان الوصى يتصرف فيه لمصلحة نفسه لا لمصلحة اليتيم، حتى إذا كبر لم يجد له مالا، أو يجد ماله قد قَلَّ، لأن الوصى لم يتصرف فيه لصالحه، وقد أباح الله للوصى أن يأخذ من مال اليتيم ما يوازى إشرافه عليه، على أن يكون ذلك فى الحد المعقول، وذلك إذا كان محتاجا، أما إذا كان مستغنيا فالأولى أن يستعفف ولا يأخذ شيئا فى مقابل الإشراف عليه.
ولما كانت النصوص فى القرآن والسنة تحذر من أكل مال اليتيم بدون وجه حق تحرج الناس عن كفالته خشية الوقوع فى المحظور، وذلك أمر يترتب عليه إهمال اليتيم وضياعه، فأذن الله للناس أن يشرفوا على أموال اليتامى على أن يراقبوا الله، فلا يتصرفوا فى غير مصلحتهم.
قال تعالى {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم} البقرة:
220.
وإذا كان هذا فى حق الأوصياء فهو أيضا فى حق كل إنسان يطمع فى مال اليتيم، وقد يحدث أن الذين يتركهم الميت من الأولاد يكون فيهم كبار، فلا ينطبق عليهم أحكام اليتامى، لأنه لا يُتْم بعد الحُلُم، أى البلوغ، ومع الكبار يوجد صغار، وأموالهم مختلطة بعضها ببعض، وهنا نقطتان:
النقطة الأولى خاصة بمخالطة الأولاد الكبار لإخوتهم الصغار، فيجب التحرز من الطمع فى أموالهم أو التصرف فيها على وجه ليس فيه مصلحتهم، وحيث إن الأموال مختلطة فيصعب ذلك، ولهذا ترك الله الأمر لضمير الكبار ورقابتهم لله {والله يعلم المفسد من المصلح} .
والنقطة الثانية خاصة بعلاقة الأجانب بهؤلاء الأولاد، فى مثل زيارتهم وتناول ما يقدم تحية للزائر، وحيث إن أموال الكبار مختلطة بأموال الصغار فلا تمييز فيما يقدم للضيف، هل هو من نصيب الكبار فيجوز تناوله، أو من نصيب الصغار فلا يجوز؟ لا يمكن الحكم بحرمة تناول التحية، لأن مناط التحريم هو التيقن، ولا يوجد، وإذا لم يمكن الحكم بالحرمة فأقل ما يحكم به هو الكراهة التنزيهية، وذلك للشبهة، ومن اتقى الشبهات كان لدينه أورع، وقد يكون من المستحسن أن يتناول الضيف من التحية أقل شىء حتى لا يكون فى الامتناع الكلى بعض آلام نفسية لليتامى، وليكن أمامنا قول الله سبحانه {وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم} فلتكن هناك زيارة خالصة لله، تخفيفا على اليتامى، وليكن معها هدية لهم إن أمكن، حتى لا يرزأهم فى شىء لو تناول التحية، فالمندوب أن نعطى لهم ولا نأخذ منهم
(10/216)
________________________________________
ضرب المتهم للإقرار

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز ضرب المتهم ليقر بما ارتكبه من مخالفة، وهل يُعْتَد بهذا الإقرار؟

الجواب
جاء فى "الأحكام السلطانية" للمواردى ص. 22 أنه يجوز للأمير مع قوة التهمة أن يضرب المتهم ضرب التعزير لا ضرب الحد، ليأخذه بالصدق عن حاله فيما قرف به واتهم، فإن أقر وهو مضروب اعتبرت حاله فيما ضرب عليه، فإن ضرب ليقر لم يكن لإقراره تحت الضرب حكم، وإن ضرب ليصدق عن حاله وأقر تحت الضرب قطع ضربه واستعيد إقراره، فإذا أعاده كان مأخوذا بالإقرار الثانى دون الأول.
فإن اقتصر على الإقرار الأول ولم يستعده لم يضيق عليه أن يعمل بالإقرار الأول وإن كرهناه.
والرأى المختار عند الأحناف والإمام الغزالى من الشافعية أن المتهم بالسرقة لا يُضرب، لاحتمال كونه بريئًا، فترك الضرب فى مذنب أهون من ضرب برىء وفى الحديث " لأن يخطئ الإمام فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة" وأجاز أصحاب الإمام مالك ضرب المتهم بالسرقة، وذلك لإظهار المسروق من جهة، وجعل السارق عبرة لغيره من جهة أخرى
(10/217)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:33 am

أنا ونحن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا يتحدث الله عن نفسه بقوله "نحن " مع أنها للجمع، فهل هناك معه إله آخر؟

الجواب
إن القرآن الكريم نزل من عند الله بلغة العرب التى هى لغة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد نزل فى أرقى درجات البلاغة والفصاحة {بلسان عربى مبين} الشعراء: 195.
ومما جرت به عادة العرب أن يعبر المتكلم عن نفسه بلفظ "أنا" فإذا كان معه غيره قال "نحن " كما أن لفظ "نحن " يستعمل عند تعظيم المتكلم لنفسه، وتعظيم الإنسان لنفسه له دواع تدعو إليه، فقد يكون ذا منصب أو جله أو حسب أو نسب فيتحدث عن نفسه تفاخرا وتكبرا من أجل التفاخر والتكبر، وقد يكون لإدخال الرهبة فى قلوب الآخرين، كأنه عدة أشخاص لا شخص واحد، وقد يعبر عن نفسه بلفظ "نحن " لتعدد مآثره أو مواهبه، كأنه عدة أشخاص فى شخص واحد، فالكثرة والتعدد بالنظر إلى الأثر لا إلى المؤثر.
وأسلوب التعظيم للمتكلم أو المخاطب موجود فى اللغات الأخرى وليس قاصرا على اللغة العربية، ويستعمل فى مثل الأغراض المذكورة.
فإذا كان رب العزة يقول {نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا} الإنسان: 28، فالمقام مقام امتنان بالخلق والإنعام ومقام تخويف وإرهاب للكافرين، يتناسب معه ضمير التعظيم الذى يعطى معنى القوة والهيبة، وإذا كان يقول {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر: 9، فالمقام مقام الاقتدار الذى يدخل الطمأنينة على حفظ الله للقرآن الذى أنزله بقدرته وحكمته، وإذا كان يقول {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} غافر: 51، ففيه اطمئنان لحماية الله لرسله ونصرهم على أعدائهم، كأنها حمايات بوسائل متعددة.
وأعتقد أن المؤمن حين يقرأ القرآن وفيه أسلوب التعظيم لله لا يتسرب إلى نفسه أى شك فى وحدانيته سبحانه، وهو جدير بكل عظمة وإجلال لا يمكن أن يكون لغيره من القدرة والإنعام ما يصرف الناس عن عبادته وحده
(10/218)
________________________________________
بيض الطائر الميت

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ضرب شخص دجاجة فماتت،ولما فتح بطنها وجد فيها بيضة، فهل يحل أكل البيضة؟

الجواب
جاء فى كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميرى عند كلامه على الدجاج ما نصه: "فرع " البيضة التى فى جوف الطائر الميت فيها ثلاثة أوجه حكاها الماوردى والرويانى والشاشى، أصحها - وهو قول ابن القطان وأبى الفياض وبه قطع الجمهور-إن تصلبت فطاهرة وإلا فنجسة، والثانى طاهرة مطلقا، وبه قال أبو حنيفة، لتميزها عنه، فصارت بالولد أشبه، الثالث نجسة مطلقا وبه قال مالك، لأنها قبل الانفصال جزء من الطائر، وحكاه المتولى عن نص الشافعى رضى الله تعالى عنه، وهو نقل غريب شاذ ضعيف.
وقال صاحب الحاوى والبحر: فلو وضعت هذه البيضة تحت طائر فصارت فرخا كان الفرخ طاهرا على الأوجه كلها كسائر الحيوان، ولا خلاف أن ظاهر البيضة نجس.
وأما البيضة الخارجة فى حال حياة الدجاجة فهل يحكم بنجاسة ظاهرها؟ فيه وجهان حكاهما الماوردى والرويانى والبغوى وغيرهم، بناء على الوجهين فى نجاسة رطوبة فرج المرأة، قال فى المهذب: إن المنصوص نجاسة رطوبة فرج المرأة، وقال الماوردى: إن الشافعى رضى الله تعالى عنه قد نص فى بعض كتبه على طهارتها، ثم حكى التنجيس عن ابن سريج، فملخص الخلاف فيها قولان لا وجهان.
وقال الإمام النووى: رطوبة الفرج طاهرة مطلقا، سواء كان الفرج من بهيمة أو امرأة، وهو الأصح، وإذا فرعنا على نجاسة رطوبة الفرج فنقل النووى فى شرح المهذب عن فتاوى ابن الصباغ ولم يخالفه أن المولود لا يجب غسله إجماعا، وقال فى آخر باب الآنية من الشرح المذكور:
إن فيه وجهين حكاهما الماوردى والرويانى، وقد حكاهما الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فى فتاويه، ورأيت فى "الكافى" للخوارزمى أن الماء لا ينجس بوقوعه فيه، فيحتمل أن يكون الخلاف مفرعا على القول القديم بعدم وجوب الغسل لكونه نجسا معفوا عنه، وأما إذا انفصل الولد حيا بعد موتها فعينه طاهرة بلا خلاف، ويجب غسل ظاهره بلا خلاف، وأما البلل الخارج مع الولد أو غيره فنجس كما جزم به الرافعى فى الشرح الصغير والنووى فى شرح المهذب، وقال الإمام: لا شك فيه.
وأما الرطوبة الخارجة من باطن الفرج فإنها نجسة كما تقدم، وإنما قلنا بطهارة ذكر المجامع ونحوه على ذلك القول لأنا لا نقطع بخروجها، قال فى الكفاية: والفرق بين رطوبة فرج المرأة ورطوبة باطن الذكر لأنها لزجة لا تنفصل بنفسها ولا تمازج سائر رطوبات البدن، فلا حكم لها، قلت:
والرطوبة هى ماء أبيض متردد بين المذى والعرق، كما قاله فى شرح المهذب وغيره، انتهى ما قاله الدميرى فى ذلك
(10/219)
________________________________________
الحزبية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى الأحزاب السياسية فى ظل الحكم الديموقراطى؟

الجواب
يقول الله سبحانه {ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} الروم: 31، 32، ويقول عن الكافرين {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} المجادلة: 19، ويقول عن المؤمنين {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} المجادلة: 22، الحزب هو الجماعة من الناس، والحزبية التعصب للحزب، وهذا الحزب له فكر معين يلزمه سلوك معين لتحقيق الهدف منه، واختلاف الناس فى الفكر المؤدى إلى الاختلاف فى السلوك أمر من طبيعة البشر، كما قال سبحانه {ولو شاء ربك لجعل للناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} هود: 118، 119، وكانت رسالة الرسل هى من أجل الدعوة إلى توحيد الفكر والعقيدة، وعلى رأسها الإيمان بإله واحد والرجوع إليه بعد الموت، ومع اتفاق الرسالات على هذه الدعوة كان لكل رسالة شريعة خاصة فى ظل هذه العقيدة تتناسب مع استعداد القوم وظروفهم، كما قال سبحانه {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة: 48، فأمر الاختلاف بين الأمم قائم، والدعوة إلى توحيد العقيدة مستمرة والنهى عن الاختلاف والتفرق إنما هو فى مجالى العقيدة فحسب، فمن كانوا من المؤمنين فهم حزب الله، ومن كانوا كافرين فهم حزب الشيطان، ولعدم صدق العقيدة عند الكافرين لم يجتمعوا على عقيدة واحدة، لأنها صدى لأفكارهم البحتة، والأفكار مختلفة، والتعصب للفكر شديد {ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} قال تعالى للمؤمنين {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} آل عمران: 102، إن الذى ينعى عليه الدين هو الاختلاف فى العقيدة، أما السلوك فإن كان منصوصا على تحديده وجب التزامه، وإلا كان الحكم عليه بمقدار اتصاله بالعقيدة وعدم الخروج عليها، وفى ظل هذا كان اختلاف بعض الصحابة والتابعين والفقهاء الذين جاءوا من بعدهم فى فهم النصوص واستخراج الأحكام لما لم ينص عليه، وكانت الحرية فى الأخذ بأى رأى ما دام لا يصادم نصا ولا يعارض المقررات الأساسية المجمع عليها.
ومن تنوع الأفكار وتعدد المذاهب كان الجميع كتلة واحدة فى تحقيق الخير للأمة والدفاع عنها، لا فرق بين عربى وغير عربى، ولا تعصب لجنس أو عرق أو قبيلة، فالله سبحانه يقول {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات: 13، والأحاديث كثيرة فى النهى على العصبية، والتفرق بسبب من الأسباب الذاتية أو العارضة كالغنى والنسب والعلم والجاه.
بعد هذا نأتى إلى الأحزاب السياسية القائمة فى ظل النظم الديمقراطية، التى من أهم مظاهرها حرية الفكر وإبداء الرأى، فمن أجل هذه الحرية اختلفت الآراء فى خدمة الوطن، كل جماعة ترى أن رأيها ومنهجها هو الذى يحقق الخير دون رأى غيرها.
ولو أن هذه الأحزاب تلاقت واتفقت على منهج سليم لخدمة الوطن لكان الخير مرجوا منها، لكن يعيبها أن كل حزب معتد بفكرته فى هذا المجال، ويعتقد أنه هو الجدير وحده بتسلم الزمام لقيادة الشعب، فالهدف أولا وبالذات هو الحكم، ثم بعد ذلك يكون التفكير فى الإجراءات اللازمة لخدمة الوطن، وقد توفق وقد تخفق بمقدار ما عندها من إخلاص للمصلحة العامة أو الخاصة.
مع أن كل حزب يمكنه أن يخدم وطنه بعيدا عن الحكم، ويقدم نصائحه بالحكمة والأسلوب الحضارى لمن يتولى القيادة، ولا يتم التوفيق لهذه الأحزاب إلا إذا صحت عقيدتها فى الله، والتزمت الأخلاق التى أجمعت عليها كل الأديان، وحافظت على الخطوط العريضة التى وضعتها الرسالات للإصلاح، كما قال سبحانه لآدم حين أهبطه إلى الأرض {فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} طه: 123، 124
(10/220)
________________________________________
تحية العلم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس: إن تحية العلم شرك بالله، فلا يعظم إلا الله وحده، فهل هنا صحيح؟

الجواب
العَلَمُ رمز للوطن فى العصر الحديث، وكان عند العرب رمزا للقبيلة والجماعة، يسير خلفه ويحافظ عليه كل من ينتسب إلى القبيلة أو الجماعة، وكلما كان العلم مرفوعا دل على عزة أهله، وإذا انتكس دل على ذلهم، ويعرف عند العرب باسم الراية أو اللواء.
يقول ابن حجر فى غزوة خيبر: اللواء هو العلم الذى يحمل فى الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وقد صرح جماعة بترادف اللواء والراية، وقال آخرون بتغايرهما، فقد روى أحمد والترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض، وجزم بتغايرهما ابن العربى فقال: اللواء ما يعقد فى طرف الرمح ويلوى عليه، والراية ما يعقد منه ويترك حتى تصفقه الرياح، وقيل: اللواء العلم الضخم وهو علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب.
وفى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية كلام كثير عن العلاقة بين الراية واللواء "ج 1 ص 390" وذكر فى غزوة تبوك أن حامل اللواء كان زيد بن حارثة، ولما قتل تناوله جعفر بن أبى طالب وقاتل حتى قتل، ثم تناوله عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل، فأخذ اللواء ثابت بن أقرم العَجْلاَنى وتقدم به إلى خالد بن الوليد وسلمه إياه لجدارته كما ذكر أن جعفرا لما قطعت يده اليمنى حاملة اللواء أخذه بيده اليسرى، فلما قطعت يداه احتضنه بعضديه ثم قتل، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يعوضه الله بدل اليدين جناحين فى الجنة "ج اص 267 وما بعدها".
والمهم أن العلم أو الراية أو اللواء كان يحرص عليه من يحمله، وإذا وقع رفعه غيره للدلالة على أن فى الجيش قوة، ترفع بها معنوياتهم ليصمدوا.
فتحية العلم بالنشيد أو الإشارة باليد فى وضع معين إشعار بالولاء للوطن والالتفاف حول قيادته والحرص على حمايته، وذلك لا يدخل فى مفهوم العبادة له، فليس فيها صلاة ولا ذكر حتى يقال: إنها بدعة أو تقرب إلى غير الله
(10/221)
________________________________________
التوبة من المال الحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لو كان عند الإنسان مال حرام وأراد أن يتوب إلى الله فكيف يتصرف فى هذا المال؟

الجواب
من المعلوم أن الله سبحانه نهانا عن أكل الحرام، وقرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله لا يقبل التصدق إلا بالمال الحلال، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وأن القليل من الحرام فى بطن الإنسان أو على جسمه يمنع قبول الدعاء، ويؤدى فى الآخرة إلى النار، والمال الحرام يجب التخلص منه عند التوبة، وذلك برده إلى صاحبه أو إلى ورثته إن عرفوا، وإلا وجب التصدق به تبرؤا منه لا تبرعا للثواب.
قال الإمام الغزالى فى كتابه "الإحياء"ج 2 ص 116 فى خروج التائب عن المظالم المادية: فإن قيل: ما دليل جواز التصدق بما هو حرام، وكيف يتصدق بما لا يملك وقد ذهب جماعة إلى أن ذلك غير جائز لأنه حرام، وحكى عن الفضيل أنه وقع فى يديه درهمان فلما علم أنهما من غير وجههما رماهما بين الحجارة وقال: لا أتصدق إلا بالطيب، ولا أرضى لغيرى ما لا أرضاه لنفسى؟ .
فنقول: نعم ذلك له وجه احتمال، وإنما اخترنا خلافه للخبر والأثر والقياس.
فأما الخبر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق بالشاة المصلية التى قدمت إليه فكلمته بأنها حرام، إذ قال صلى الله عليه وسلم "أطعموها الأسارى" - والحديث قال فيه العراقى: رواه أحمد وإسناده جيد - ولما نزل قوله تعالى {الم. غلبت الروم} كذبه المشركون وقالوا للصحابة: ألا ترون ما يقول صاحبكم؟ يزعم أن الروم ستغلب، فخاطرهم - أى راهنهم - أبو بكر رضى الله عنه، بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما حقق الله صدقه وجاء أبو بكر بما قامرهم به قال صلى الله عليه وسلم "هذا سحت فتصدق به " وفرح المؤمنون بنصر الله، وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن الرسول صلى الله عليه وسلم له فى المخاطرة مع الكفار.
وأما الأثر فإن ابن مسعود اشترى جارية فلم يظفر بمالكها لينقده الثمن، فطلبه كثيرا فلم يجده، فتصدق بالثمن وقال: اللهم هذا عنه إن رضى، وإلا فالأجر لى، وروى أن رجلا سولت له نفسه فَغَلَّ مائة دينار من الغنيمة ثم أتى أميره ليردها عليه فأبى أن يقبضها وقال له: تفرق الجيش، فأتى معاوية فأبى أن يقبض، فأتى بعض النساك فقال ادفع خمسها إلى معاوية وتصدق بما بقى. فلما بلغ معاوية قوله تلهف إذ لم يخطر له ذلك. وذهب أحمد بن حنبل والحارث المحاسبى وجماعة من الورعين إلى ذلك.
وأما القياس فهو أن يقال: إن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى خير، إذ قد وقع اليأس من مالكه، وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى من إلقائه فى البحر، فإذا رميناه فى البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى المالك ولم تحصل منه فائدة، وإذا رميناه فى يد فقير يدعو لمالكه حصل للمالك بركة دعائه، وحصل للفقير سَدُّ حاجته، وحصول الأجر للمالك بغير اختياره فى التصدق لا ينبغى أن ينكر، فإن فى الخبر الصحيح أن للغارس والزارع أجرا فى كل ما يصيبه الناس والطيور من ثماره وزرعه، وذلك بغير اختياره، وأما قول القائل:
لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا، ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر، وترددنا بين التضييع وبين التصدق، ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع. انتهى.
وقد أخذ برأى الغزالى هذا -إجابة دار الفتوى على مثل هذا السؤال "الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر ص 3571".
ويستأنس للقول بجواز توجيه المال الحرام إلى منفعة المسلمين إذا لم يعرف صاحبه، بما فعله عمر بن الخطاب رضى الله عنه مع المتسول الذى طلب منه طعاما فأحاله على صحابى فأطعمه، ثم عاد يسأل فوجده محترفا دون حاجة، ومعه زاد كثير، فأمر بطرحه أمام إبل الصدقة لأنها منفعة عامة للمسلمين.
وجاء فى تفسير القرطبى"ج 3 ص 366"ما نصه.
قال علماؤنا: إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، ويطلبه إن كان حاضرا، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه، وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك فى أمر من ظلمه، فإن التبس عليه الأمر ولم يَدْرِ كَمْ الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذى أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه، فإن أيس من وجوده تصدق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع، إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين، حتى لا يبقى فى يده إلا أقل ما يجزئه فى الصلاة من اللباس، ما يستر العورة وهى من سرته إلى ركبته، وقوت يومه، لأنه الذى يجب له أن يأخذه من مال غيره إذا اضطر إليه وإن كره ذلك من يأخذه منه.
وفارق ها هنا المفلس فى قول أكثر العلماء، لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء، بل هم الذين صيروها إليه، فيترك له ما يواريه وما هو هيئة لباسه، وأبو عبيدة وغيره يرى ألا يترك للمفلس من اللباس إلا أقل ما يجزئه فى الصلاة وهو ما يواريه من سرته إلى ركبته، ثم كلما وقع بيد هذا شىء أخرجه عن يده ولم يمسك منه إلا ما ذكرنا، حتى يعلم هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما عليه
(10/222)
________________________________________
من آداب تغير المنكر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للمسلم اقتحام منزل مسلم أو مسيحى إذا علم أن به خمرا، بقصد تغيير المنكر؟

الجواب
اشترط العلماء فى تغيير المنكر - كما جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى - أربعة شروط: أن يكون منكرا، وأن يكون موجودا فى الحال، وأن يكون ظاهرا من غير تجسس، وأن يكون معلوما كونه منكرا بالاتفاق دون اجتهاد.
ودليل منع التجسس واقتحام المنزل الذى يمارس فيه منكر قوله تعالى {ولا تجسسوا} الحجرات: 12، وقوله صلى الله عليه وسلم "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو كان فى جوف بيته " رواه أبو داود والترمذى وقال:
حديث حسن.
قال الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية": لا يجوز التجسس حتى للإمام والمحتسب - أى الموظف المنوط به الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر-إلا إذا غلب على ظنه استمرار قوم بالمعصية لأمارة وآثار ظهرت، ولو لم يتجسس لانتهكت حرمة يفوت استدراكها، كما لو أخبره ثقة عنده بخلو رجل بامرأة للزنى، أو برجل ليقتله، بل يجوز هذا لغير المحتسب
(10/223)
________________________________________
مصارعة الثيران

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى مصارعة الثيران، حيث يقتل المصارع الثور، وقد يصرعه الثور، وهل يتساوى هذا بالصيد فى الصحراء حيث يطارد الصياد الحيوان وقد يقتله بالرمح أو البندقية، ويمكن أن يقتل الحيوان صائده؟

الجواب
المصارعة بين الإنسان والإنسان عمل قديم، ولها أغراض عدة، فإن كانت من أساليب الاستعداد للجهاد والدفاع عن الحرمات فهى مشروعة.
أما مصارعة الثيران فالظاهر فيها أنها من باب المفاخرة بالشجاعة، لأن قصد الخير فيها غير واضح، ولذلك فهى غير مشروعة لأمرين:
الأول: أن فيها إيذاء للحيوان بدون مبرر، بمعنى أنه سينتهى إلى موته، ولحمه لا يؤكل شرعا لأنه لم يذبح بالطريقة الشرعية، أخرج الشافعى وأبو داود والحاكم وصححه حديث؟ " ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عنها" قيل: وما حقها يا رسول الله؟ قال "يذبحها ويأكلها ولا يقطع رأسها ويرميها" نيل الأوطار للشوكانى "ج 8 ص 130، 142 ".
الثانى: أن مصارعة الثيران مخاطرة قد تؤدى إلى قتل الإنسان بدون هدف مشروع، والله يقول {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة: 195.
وذلك إلى جانب ما فيها من قصد الفخر والرياء وما يصاحبها من منكرات تلزم لإعداد الحلبة والشهود الذين يحضرون، مع عدم الحاجة إليها فإن التمرين على المصارعة الحلال موجود بدون هذه المخاطر
(10/224)
________________________________________
النكتة والمزاح

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فيما يسمى بالنكتة؟

الجواب
النكتة أو الفكاهة شىء من قول أو فعل يقصد به غالبا الضحك وإدخال السرور على النفس، وينظر فى حكمها إلى القصد منها وإلى أسلوبها، فإن كان المقصود بها استهزاء أو تحقيرا مثلا، أو كان فى أسلوبها كذب مثلا كانت ممنوعة، وإلا فلا وهى تلتقى مع المزاح فى المعنى، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا كما رواه أحمد، وجاء فى سنن الترمذى: قالوا إنك تداعبنا، قال "إى ولا أقول إلا حقا" وهو حديث حسن.
ومن حوادثه أن رجلا قال له: احملنى على بعير، فقال " بل نحملك على ابن البعير" فقال: ما أصنع به؟ إنه لا يحملنى، فقال صلى الله عليه وسلم " ما من بعير إلا وهو ابن بعير" رواه أبو داود والترمذى وصححه.
"الأذكار للنووى ص 322" وقيل إن السائل امرأة.
وأنبه إلى الإقلال من النكتة وعدم التمادى فيها، فقد تجر إلى المحرم، ففى الحديث "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوى بها سبعين خريفا فى النار" رواه الشيخان.
وقال عمر رضى الله عنه: من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استُخف به. وقال عمر بن عبد العزيز: اتقوا الله وإياكم والمزاح، فإنه يورث الضغينة ويجر إلى القبيح. يقول النووى فى كتابه المذكور: قال العلماء: إن المزاح المنهى عنه هو الذى فيه إفراط ويداوم عليه، لأنه يورث قسوة القلب ويشغل عن ذكر الله ويؤول فى كثير من الأوقات إلى الإيذاء ويورث الأحقاد ويسقط المهابة والوقار، وما سلم من ذلك فلا مانع منه فقد كان الرسول يفعله نادرا للمصلحة وتطييب النفس والمؤانسة، وهذا لا مانع منه قطعا بل هو سنة مستحبة إذا كان بهذه الصفة، فاعتمد ما نقلناه عن العلماء وحققناه فى هذه الأحاديث وبيان أحكامها، فإنه مما يعظم الاحتياج إليه وبالله التوفيق
(10/225)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:33 am

نسب الفاطميين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قامت فى مصر دوله باسم الدولة الفاطمية وهى التى أنشأت الجامع الأزهر وبعض الناس يشككون فى نسب هذه الدولة إلى السيدة فاطمة رضى الله عنها فما رأيكم فى هذا؟

الجواب
هذه الدولة الفاطمية قامت بالفعل وكانت لها آثارها، ومن أهمها الجامع الأزهر الشريف، ثم انتهت هذه الدولة كما انتهى غيرها، والشيعة يذكرونها بالخير فى أمور خدمت مذهبهم، وكما هى العادة لم تسلم من النقد كما لم تسلم دولة أخرى.
والأدب الإسلامى بوجه عام يقض بالشكر لمن قدم خيرا للناس وللدين بوجه خاص، والتاريخ الإسلامى يقدر لهم هذه المأثرة وهى الجامع الأزهر الشريف، الذى شاء الله أن يكون منارة تشع على العالم كله المعرفة الصحيحة لمبادئ الدين، بعيدا عن التعصب لمذهب معين، وأن يكون منتجعا لطلاب العلم من كل الأمصار، وملاذا لكل من وفد إلى مصر من العلماء.
وإذا كانت هناك بعض السلبيات لهذه الدولة فلا ينبغى أن تطغى على الإيجابيات الأخرى، والإنصاف فى الحكم يقتضينا أن ننظر بعينين لا بعين واحدة، والذين حملوا على هذه الدولة شككوا فى نسبها الذى اتخذته منطلقا لدعوتها ومنافستها للخلافة العباسية فى مقرها بغداد.
وممن طعن فى إمامة الفاطميين الإمام السيوطى فى كتابه "تاريخ الخلفاء" وبرر ذلك بأمور منها:
1 - أنهم غير قرشيين وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام، وإلا فجدهم مجوسى.
2 - أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام، ومنهم من أظهر سب الأنبياء، ومنهم من أباح الخمر، ومنهم من أمر بالسجود له.
3 -أن مبايعتهم صدرت والإمام العباسى قائم موجود سابق البيعة فلا تصح.
4 - أن الحديث ورد بأن هذا الأمر إذا وصل إلى بنى العباس لا يخرج منهم حتى يسلموه إلى عيسى بن مريم أو المهدى.
ذلك جزء مما عرفته عنهم، وأرى أن البحث فيه ليس له كبير فائدة فى هذه الأيام، بل قد يضر، فلنتركه لأن الله لا يحاسبنا عليه
(10/226)
________________________________________
أوليات الخلفاء الراشدين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هناك أمور كان أول ظهورها على يد بعض الحكام المسلمين، فهل لهم أجر على ذلك؟

الجواب
معلوم أن الاجتماع البشرى فى تطور، تحدث فيه أشياء لم تكن من قبل.
دعت إليه الظروف واقتضتها الأحداث، فما كان منها خيرا كان لمن أحدثها ولمن سار عليها ثواب، وما كان غير ذلك كان فيه العقاب، فقد صح فى الحديث "من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء ومن سن فى الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شىء" رواه مسلم وغيره.
والمسلم يطمئن بوجه عام إلى ما أحدثه الخلفاء الراشدون من خير، لأننا مأمورون باتباع هديهم كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ" رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه. وقال الترمذى: حديث حسن صحيح. وهناك أمور حدثت أول ما حدثت على أيدى الخلفاء الراشدين فصارت سنة متبعة، منها ما ذكره السيوطى فى كتابه "تاريخ الخلفاء"ص 16، حيث قال:
قال العلماء: أول من اتخذ بيت المال، وأول من سمى المصحف مصحفا أبو بكر الصديق. وأول من أرخ بالهجرة، وأول من أمر بصلاة التراويح، وأول من وضع الديوان عمر بن الخطاب، وأول من زاد الأذان فى الجمعة، وأول من رزق المؤذنين عثمان بن عفان.
ثم ذكر السيوطى أوليات لكثير من الخلفاء والأمراء والملوك لا يلزم الاقتداء بهم فيها، فأكثرها دنيوى تنظيمى، يخضع لبيان حكم الشرع فيها من الأدلة المعتبرة
(10/227)
________________________________________
أوانى الذهب والفضة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عندى بعض هدايا من الفضة، وبعض من الذهب، أو مموه به فهل يحرم استعمالها؟

الجواب
يحرم الأكل والشرب فى الأوانى المتخذة من الذهب والفضة، وذلك لوجود النص فيها، فقد روى البخارى ومسلم عن حذيفة رضى الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا فى آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا فى صحافها، فإنها لهم فى الدنيا ولكم فى الآخرة" ورويا أيضا عن أم سلمة رضى الله عنها قوله صلى الله عليه وسلم "إن الذى يشرب فى آنية الفضة إنما يجرجر فى بطنه نار جهنم " ومعنى يجرجر يصب. وفى رواية مسلم "إن الذى يأكل أو يشرب فى إناء الذهب أو الفضة. .. " وهذا التحريم شامل للرجال والنساء، والمباح للنساء هو التحلى والتزين، وهو نص فى تحريم الأكل والشرب ورأى بعض الفقهاء كراهة ذلك دون التحريم، وأن الأحاديث الواردة فى النهى هى لمجرد التزهيد، لكن الحق هو التحريم، فالوعيد شديد فى رواية أم سلمة.
أما الاستعمالات الأخرى كأدوات التطيب والتكحل فهى ملحقة فى التحريم بالأكل والشرب عند جماعة من الفقهاء، أما المحققون فلم يحرموها، بل قالوا بالكراهة، مستدلين بحديث رواه أحمد وأبو داود "عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا" وجاء فى "فتح العلاَّم "أن الحق هو عدم تحريم غير الأكل والشرب، ودعوى الإجماع غير صحيحة، وهذا من شؤم تبديل اللفظ النبوى بغيره، لأنه ورد بتحريم الأكل والشرب، فعدلوا عنه إلى الاستعمال، وهجروا العبارة النبوية، وجاءوا بلفظ عام من تلقاء أنفسهم.
هذا فى الاستعمال أما الاقتناء دون استعمال فالجمهور على منعه أيضا، ورخصت فيه طائفة. أما الأوانى والتحف والحلى من غير الذهب والفضة، سواء من الأحجار والمعادن مهما غلت قيمتها فلا حرمة فى اقتنائها واستعمالها، لأن الأصل فى الأشياء هو الحل، ولم يرد دليل بالتحريم
(10/228)
________________________________________
الثور والأرض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما زالت بعض الكتب تذكر أن الأرض محمولة على قرن ثور، وأن الزلازل تكون عندما يغيِّر حملها فيقلها إلا قرنه الآخر، فهل لهذا الكلام أصل؟

الجواب
نعم لهذا الكلام أصل ولكنه كاذب وهو منقول عن وهب بن منبه الذى تنقل عنه أخبار عجيبة، وذكره صاحب كتاب "مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار" وذكر فيه غرائب فى كيفية حمل الثور للأرض، وأن له أربعة آلاف عين ومثلها أنوف وأفواه وقوائم، واسمه "كيوثا" وهو قائم على حوت كبير لو وضعت البحار كلها فى إحدى مناخره لكانت كخردلة فى فلاة، واسمه "بهموت ".
وكل هذا كلام لا دليل عليه من قرآن أو سنة صحيحة، ولم يقل به أحد من العلماء المختصين، وإن كان علمنا بالكون ما يزال ضئيلا، فنترك ذلك إلى الله، ولنحاول أن نستفيد مما سخره الله لنا فيه، ولنحذر كل الحذر مما تمتلئ به بطون الكتب القديمة من الخرافات والإسرائيليات "انظر مادة - ثور - فى كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميرى"
(10/229)
________________________________________
الأكل على المائدة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
دعوت بعض زملائى إلى مأدبة، فلما هيأت لهم الطعام غضب أحدهم وقال الأكل على المائدة بدعة محرمة، وأبى أن يأكل وجلس على الأرض يتناول الطعام، ودار نقاش طويل حول هذا الموضوع، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
نبهنا كثيرا إلى عدم الجرأة فى الفتيا بغير علم، وعدم الإسراع بإطلاق اسم البدعة على كل شىء جديد فقد يكون له أصل قديم، وعدم الاستطراد فى الحكم على كل بدعة بأنها ضلالة، وكل ضلالة فى النار.
وكنت ناويا عدم التحدث فى هذا الموضوع الدنيوى الذى لم يرد فيه نهى بصريح القول، فى القرآن والسنة، لولا أن بعض الناس يجعلون من الحبة قبة، ويشغلون الناس بأمور مضت عدة قرون على حسم الخلاف فيها، ليضيعوا الوقت الثمين ويفرقوا بين الجماعة، ويعطوا الفرصة للأعداء لاتهام الدين بالجمود وعدم الصلاحية لقيادة الإنسانية إلى الخير كما يقول المسلمون.
وردت أحاديث فى هدى النبى صلى الله عليه وسلم فى تناول الطعام، منها ما رواه قتادة عن أنس قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم خوان قط، فقال قتادة لأنس: فعلام كانوا يأكلون؟ قال: على السُّفَر.
وهو حديث صحيح ثابت أخرجه الترمذى وقال فيه: حديث حسن غريب، أى رواه راو واحد فقط، وروى مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: لو كان الضب حراما ما أكل على مائدة النبى صلى الله عليه وسلم. وفى حديث خرَّجه الثقات عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تصلى الملائكة على الرجل ما دامت مائدته موضوعة" ذكر ذلك القرطبى فى تفسيره " ج 6 ص 373، 4 37 ".
المائدة كل شىء يمد ويبسط، مثل المنديل والثوب، والخوان - بضم الخاء وكسرها-هو ما ارتفع عن الأرض بقوائمه، والسفرة-كما قال ابن الأثير فى النهاية - هى الطعام الذى يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل فى جلد مستدير، فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمى به، ومنه حديث عائشة رضى الله عنها:
صنعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبى بكر سفرة فى جراب لما هاجرا، أى صنعنا طعاما لهما عند الهجرة.
من هذا نرى أن المائدة الشاملة للسفرة بلا قوائم كان يأكل عليها الرسول صلى الله عليه وسلم والعرب فى أيامه، أما الخوان وهو ما له قوائم ترفعه عن الأرض فلم يأكل عليه. فهل يفهم من هذا أن الأكل على الخوان - المنضدة، الترابيزة. . . -بدعة إن لم تك محرمة فهى مكروهة؟ .
فى بحث واسع عن البدعة اختلف العلماء فى عدم الاقتداء بالرسول فى أفعاله، هل هو حرام أو مكروه، أو ما تركه هل يجب تركه أو يُسَنُّ تركه، وهل الشىء الجديد الذى لم يرد فيه أمر ولا نهى، يعتبر بدعة ضلالة تؤدى إلى النار؟ أنا أترك الحديث فى هذه النقطة لحجة الإسلام الإمام الغزالى الذى عالجها قبل أن يتوفى سنة 505 هجرية.
جاء فى كتابه الكبير "إحياء علوم الدين "ج 2 ص 3: أن من آداب الأكل أن يوضع الطعام على السفرة - المفروشة على الأرض - وذكر أن هناك أربعة أشياء حدثت بعد النبى صلى الله عليه وسلم، وهى الموائد والمناخل والأشنان -مثل الصابون -والشبع. ثم قال:
واعلم أنا وإن قلنا: الأكل على السفرة أولى، فلسنا نقول: الأكل على المائدة منهى عنه نهى كراهة أو تحريم، إذ لم يثبت فيه نهى، وما يقال: إنه أبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس كل ما أبدع منهيا، بل المنهى بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمرا من الشرع مع بقاء علته، بل الإبداع قد يجب فى بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب، وليس فى المائدة إلا رفع الطعام عن الأرض لتيسير الأكل، وأمثال ذلك مما لا كراهة فيه.
ثم قال:
والأربع التى جمعت فى أنها بدعة ليست متساوية، بل الأشنان حسن لما فيه من النظافة، فإن الغسل مستحب للنظافة، والأشنان أتم فى التنظيف، وكانوا لا يستعملونه لأنه ربما كان لا يعتاد عندهم، أو لا يتيسر، أو كانوا مشغولين بأمور أهم من المبالغة فى النظافة، فقد كانوا لا يغسلون اليد أيضا، وكانت مناديلهم أخمص أقدامهم -باطن الأقدام - وذلك لا يمنع كون الغسل مستحبا.
وأما المنخل فالمقصود منه تطييب الطعام، وذلك مباح ما لم ينته إلى التنعم المفرط، وأما المائدة فتيسير للأكل، وهو أيضا مباح ما لم ينته إلى الكبر والتعاظم، وأما الشبع فهو أشد هذه الأربعة، فإنه يدعو إلى تهييج الشهوات وتحريك الأدواء فى البطن. فلتدرك التفرقة بين هذه المبدعات.
أعتقد أنه ليس بعد كلام الإمام الغزالى كلام فى هذا الموضوع -بل وغيره من الموضوعات -فليفهم هذا من يفتون بغير علم، حتى لا يَضِلُّوا ولا يُضَلُّوا والله سبحانه وتعالى يقول {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} النحل: 43 والأنبياء: 7؟
(10/230)
________________________________________
القصاص من الذكر للأنثى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتص منه بل تجب عليه الدية؟

الجواب
ذهب أكثر الفقهاء إلى أن الرجل إذا قتل امرأة فإنه يقتل بها، وحكى ابن المنذر الإجماع على ذلك. ونقل عن الحسن البصرى أن الرجل لا يقتل بالأنثى، وهو قول شاذ مردود، لأن كتاب عمرو بن حزم الذى تلقاه الناس بالقبول جاء فيه أن الذكر يقتل بالأنثى. ولا تجب الدية إلا عند العفو عن القصاص
(10/231)
________________________________________
نزر وفرض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نذرت لله إن تحقق غرض أن أحج، فتحقق، والآن لم أكن، قد حججت فهل يكفى حج واحد عن النذر والفرض، أم لابد من حج لكل منهما، وبأيهما أبدا؟

الجواب
جمهور العلماء على أن الفرضين لا يتداخلان، بل لابد من حج لكل واحد منهما، وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه يكفى عنهما حج وأحد.
وعلى رأى الجمهور بأيهما يبدأ؟ قال الكثيرون: يبدأ بفريضة الحج، ثم يفى بالنذر بعد ذلك، لأن الحج مع الاستطاعة فريضة، والوفاء بالنذر واجب، والفرض أقوى من الواجب فيبدأ به، وهذا على رأى من يفرقون بينهما أما من لا يفرق فيترك الأمر فى الخيار للشخص
(10/232)
________________________________________
نقل جزء من الخنزير إلى الإنسان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يفكر بعض العلماء فى نقل بنكرياس من خنزير بدل بنكرياس إنسان من أجل علاج مرضى السكر فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
على الرغم من قول جمهور الفقهاء بنجاسة الخنزير، وقول بعضهم بطهارته إنهم متفقون على أن ميتة الحيوانات نجسة، وهى التى لم تذبح ذبحا شرعيا أو كان أكلها حراما حتى لو ذبحت كالحمار مثلا. والنجاسة تشمل كل جزء من أجزاء الميتة، غير أن جلد الميتة يطهر بالدباغ إلا جلد الكلب والخنزير عند الجمهور، ورأى داود الظاهرى وأبو يوسف من الحنفية تعميم الطهارة بالدبغ لكل الحيوانات، لعموم الأحاديث الواردة فى ذلك.
أما غير الجلد من الميتة فلا يطهر بالدباغ ولا بأية مادة أخرى ويبقى على نجاسته، كما اتفق الفقهاء على أن ما يؤخذ من الحيوان حال حياته له حكم ميتته، مع استثناء شعر وصوف ووبر مأكول اللحم فهى طاهرة، قال تعالى: {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} النحل:85، وجاء فى الحديث الذى رواه الحاكم وصححه "ما قطع من حى فهو كميتته ".
ومن هنا نقول: إن الجزء الذى ينزع من الخنزير لوصله بجسم الإنسان نجس باتفاق الفقهاء، سواء نرغ منه وهو حى - لأن ما قطع من الحى فهو كميته وميتته نجسة باتفاق -أو نرغ منه بعد موته فهو نجس أيضا، وإذا كان رأى داود وأبى يوسف أن جلده يطهر بالدباغ، فأى جزء آخر غير الجلد لا يطهر بالدباغ.
وإذا كان الأمر كذلك وهو الاتفاق على نجاسة ما يؤخذ من الخنزير حيا أو ميتا فهل يجوز نقل جزء منه إلى جسم الإنسان للعلاج؟ سبق القول فى جبر عظم الإنسان بعظم نجس وخلاصته: أن فقهاء المالكية والحنابلة والشافعية قد صرحوا بأن مداواة الإنسان بشىء نجس جائز عند الضرورة التى صوروها بعدم وجود شىء طاهر، ولو فرض أنه لا توجد ضرورة وحصلت المداواة بالنجس وكان قلعه فيه ضرر لا ينزع وتصح الصلاة به، وهناك قول بأن الجزء النجس إذا اكتسى لحما لا ينزع وإن لم يخف الهلاك. كما أن الحنفية قالوا: إذا قضت الضرورة بوصل العظم المكسور بعظم نجس فلا حرج ولا إثم، ما دام يتعذر نزعه إلا بضرر.
بعد عرض هذه الأقوال [الملخصة من بحث الشيخ جاد الحق على جاد الحق] أقول: زرع بنكرياس خنزير مكان بنكرياس الإنسان لأنه علاج فعال لمرض منتشر لا يقوم غيره الآن مقامه، لا بأس به. والرأى القائل بالجواز وعدم النزع إذا اكتسى العظم لحما يؤيد ما أقول، وبخاصة أن البنكرياس سيزرع فى باطن الجسم لا فى ظاهره، وباطن الجسم مملوء بما نحكم عليه بالنجاسة لو خرج إلى الظاهر كالبول والبراز والدم، ونصلى ونحن حاملون لذلك لأننا لا نستغنى عنه بالطبيعة، فكيف لا يكون ما يزرع فى الداخل من الشىء النجس كهذه الأشياء؟ وإذا تحدث البعض عند الحكم وقال: تجوز الصلاة مع الوصل بالعظم النجس، ورتب الحكم على النجاسة، فإن من ابتلع شيئا نجسا محتاجا إليه فى العلاج كانت صلاته صحيحة ولا حاجة إلى تطهير شىء، اللهم إلا الفم الذى ابتلع منه الدواء وما وقع على ظاهر الجسم، بصرف النظر عن كون الابتلاع حراما أو حلالا، حسب الحاجة والضرورة وعدمها، لأن الابتلاع أكل أو شرب ينظر فيه إلى المادة إن كانت حراما أو حلالا. ولو دخلت المادة النجسة إلى الجسم بغير طريق الأكل والشرب - كالحقن فى الوريد أو العضل، أو تحت الجلد - هل يقال: إن ذلك حرام؟ ربما يقال ذلك لأن الحديث يقول "لم يجعل الله شفاء أمتى فيما حرم عليها"ولكن للضرورة أحكام، إن الأمر ما دام فيه احتمال للجواز لا ينبغى أن نجزم بحرمته، وبخاصة إذا ثبتت فائدة الدواء بصورة فعالة فى مرض يعانى منه الكثيرون. هذا هو رأيى فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمنى، وأرجو العفو منه سبحانه، والأعمال بالنيات
(10/233)
________________________________________
من أحكام الردة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لو تاب المرتد هل يقضى ما فاته من واجبات زمن الردة، وإذا لم يتب هل يقتل عاجلا أو يؤجل قتله، وكيف يكون التصرف معه بعد قتله؟

الجواب
معلوم أن المرتد هو من ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، ويستوى فى ذلك من ولد مسلما ومن أسلم بعد كفر. ويستوى فى ذلك أيضا من اعتنق دينا يقر عليه أهله كاليهودية والنصرانية ومن لم يعتنق هذين الدينين. وقد جاء فى عقوبته الدنيوية قوله صلى الله عليه وسلم "من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخارى ومسلم.
وبصورة موجزة ألخص ما قاله الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية " ص 55، فقد جاء فيه: إن كان المرتدون أفرادا لم يتحيزوا بدار يتميزون بها عن المسلمين فلا نقاتلهم. وإنما نحاورهم، فإن ذكروا شبهة فى الدين أوضحت لهم بالحجج والأدلة حتى يتبين لهم الحق. وطلبنا منهم التوبة مما دخلوا فيه من الباطل، فإن تابوا قبلت توبتهم وعادوا إلى الإسلام كما كانوا، وعليهم بعد التوبة قضاء ما تركوه من الصلاة والصيام فى زمان الردة، لاعترافهم بوجوبه قبل الردة، وقال أبو حنيفة: لا قضاء عليهم كمن أسلم عن كفر. ومن كان من المرتدين قد حج فى الإسلام قبل الردة لم يبطل حجه بها ولم يلزمه قضاؤه بعد التوبة، وقال أبو حنيفة، قد بطل بالردة ولزمه القضاء بعد التوبة.
ومن أقام على ردته ولم يتب وجب قتله، رجلا كان أو امرأة. وقال أبو حنيفة: لا أقتل المرأة بالردة. وقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالردة امرأة كانت تكنى "أم رومان ". ولا يجوز إقرار المرتد على ردته بجزية ولا عهد، ولا تؤكل ذبيحته، ولا تنكح منه امرأة.
واختلف الفقهاء فى قتل المرتدين هل يعجل فى الحال أو يؤجلون فيه ثلاثة أيام؟ هناك قولان، قول بتعجيل قتلهم فى الحال حتى لا يؤخر لله حق، وقول بإنظارهم ثلاثة أيام لعلهم يتوبون، وقد أنظر على كرم الله وجهه "المستورد العجلى" بالتوبة ثلاثة أيام ثم قتله بعدها، والقتل يكون بالسيف، وقال ابن سريج من أصحاب الشافعى: يضرب بالخشب حتى يموت، لأنه أبطأ قتلا من السيف، ولعله يستدرك بالتوبة، وإذا قتل لم يغسل ولم يصل عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين، بل ولا فى مقابر المشركين ويكون ماله فيئا فى بيت مال المسلمين، لأنه لا يرثه عنه مسلم ولا كافر. وقال أبو حنيفة: يورث عنه ما اكتسبه قبل الردة، ويكون ما اكتسبه بعد الردة فيئا وقال أبو يوسف يورث عنه ما اكتسبه قبل الردة وبعدها.
"تذييل ".
لا يقال إن الأمر بقتل المرتد مصادرة لحرية العقيدة، لأن المرتد عن الدين قد دخل فيه غالبا للكيد للمسلمين {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} آل عمران: 72، فقتله هو دفاع عن المسلمين.
أما الكافر الأصلى فالإسلام يعرض عليه دون إكراه، وإن لم يؤمن عاملناه على ضوء قوله تعالى {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} التوبة: 7
(10/234)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 Emptyالإثنين 18 مارس 2024, 9:37 am

تكرير السكر بالعظم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كانت مصانع السكر تستعين بالعظام المحروقة لتكريره، فهل يكون السكر نجسا؟

الجواب
رفع مثل هذا السؤال إلى مفتى مصر المرحوم الشيخ بكرى الصدفى سنة 1325 هجرية فأجاب بأن العظم إذا كان من ميتة فهو طاهر فى رواية، ما عدا ميتة الكلب والخنزير "الفتاوى الإسلامية " المجلد الثالث صفحة 826
(10/235)
________________________________________
الأرضون السبع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل توصل العلماء إلى تحقيق أن الأرضين سبع كما قال الله تعالى {الله الذى خلق سبع سموات ومن الأرضى مثلهن} ؟

الجواب
إضافة إلى الإجابة المنشورة فى ص 133 من المجلد الثانى نقول: كلام الله صادق لا ريب فيه، ويجب الإيمان به كما يجب الإيمان بالغيب الذى لم نره، ولكن ذلك لا يمنع البحث فى تركيب الأرض لمعرفة طبقاتها، وسواء وصل البحث بطريقة علمية ثابتة إلى أن طبقات الأرض سبعة أم لم يصل فالإيمان بكلام الله واجب.
وقد نشر الدكتور محمود سراج الدين محمد عفيفى-بقسم الكيمياء بكلية العلوم بجامعة الأزهر- بحثا قال فيه: أثبتت الدراسات الجيوفيزيائية أن الجسم الصلب فى الأرض مكون من:
1 -القشرة الأرضية.
2 -طبقة من السليكات الخفيفة والثقيلة.
3 - طبقة من الأكاسيد والكبريتيدات.
4 -سائل من الحديد والنيكل.
5 - نواة الأرض المكونة أيضا من الحديد والنيكل، فإذا أضفنا إليها.
6 - الغلاف الجوى.
7 -الغلاف المائى، أصبح العدد سبعة.
وأيضا: بما أن المادة مكونة من ذرات تحمل كل صفات المادة فإننا نرى وحدانية الخالق فى مكونات الأرض وهى الذرات المختلفة للعناصر المكونة للأرضية ومن المعروف أن جميع الذرات تتكون من مدارات رئيسية هى:
K.L.
المبادئ
.N.O.P.
السؤال
هى أيضا سبعة تتنقل بينها الإليكترونات لتعطينا كل الصفات الكيماوية والطبيعية والرقم 7 لا يتوقف عند هذا، فإن جائزتى نوبل لعامى 63، 1975 م أعطيت لعلماء لأنهم اكتشفوا أمورا متعلقة بالتركيب المدارى لنواة الذرة، ظهر فيها رقم 7 "جريدة الأخبار: 19/5/ 1976 "
(10/236)
________________________________________
الطريقة البرهامية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هناك كلام حول الطريقة البرهامية، نريد إلقاء الضوء عليها ورأى الدين فيها؟

الجواب
الطريقة البرهامية إحدى الطرق الصوفية، والطرق الصوفية بوجه عام مدارس تربوية، إن كان منهجها متفقا مع الدين عقيدة وشريعة فهى مشروعة، وإلا كانت غير مشروعة، ووجب تقويمها بالحكمة والموعظة الحسنة "راجع الجزء الثانى من كتاب: بيان للناس من الأزهر الشريف " وقد سبق الحديث عنها فى كتابنا هذا " أحسن الكلام فى الفتاوى والأحكام " " ص 246 من المجلد الأول ".
وقد ثار جدل حول الطريقة البرهامية ألخصه منقولا مما كتب عنها فيما يلى:
جاء فى كلام السيد/ عصمت أبو القاسم القاضى قنصل مصر بالخرطوم وفى كلام غيره نشر بجريدة الأهرام بتاريخ 6/ 2/ 1976 م أن الطريقة البرهامية المنسوبة إلى إبراهيم الدسوقى كانت منتشرة فى السودان، وخليفتها هو " ابن محمد البتيت " الذى توارثها عن أجداده، وحاول " محمد عثمان عبده " أن ينصب نفسه خليفة عليها، فرفع دعوى أمام محاكم السودان ضد " ابن محمد البتيت " يطلب تسليمه أمتعة الطريقة ولوازمها، فرفضت الدعوى، فأشاع أنه رأى فى المنام أن خصمه سيموت إذا لم يسلمه الخلافة، ولما لم ينجح استقل بطريقة أخرى سماها " البرهانية " فنجح وأثرى، وكون شركات وأخذ من المريدين أموالا كثيرة.
ومحمد عثمان عبده بدأ حياته عامل " بوفيه " فى قطارات السكة الحديد بين حلفا والشلال، ثم استطاع أن يمتلك مخبزا فى حلفا، وجاء إلى الخرطوم سنة 1930 م واستطاع بذكائه وتردده على القاهرة أن يجذب إليه كثيرا من الدراويش، وانتشرت دعوته بين الشباب، وبخاصة بعد الفراغ الروحى الذى أعقب نكسة 1967 م، وله مقر بالخرطوم بجانبه زاوية لأتباعه، ويحتاط لعدم دخول أجنبى عن الطريقة بينهم، وهو ذكى حلو الحديث، يسمح لأتباعه بشرب الدخان، وأما هو فيستعمل السعوط " النشوق ".
وللطريقة تنظيم داخلى سرى يقوم على خلايا محدودة العدد، وأعضاء الجماعة متعاونون فى تقديم الخدمات بعضهم لبعض. وقد صدر له كتاب " حكم مجمع البحوث الإسلامية بمخالفته للإسلام وتكفير من يعتقد ما فيه " وقد تورط بعض الكبار فأثنوا على هذا الرجل لكن لما عرفوا ما فى الكتاب تبرءوا منه.
والشيخ محمد حسنين مخلوف -مفتى مصر الأسبق -أصدر حكما على الكتاب الذى جمعه محمد عثمان عبده البرهانى بعنوان "تبرئة الذمة فى نصح الأمة " وقال: فيه حديث أو خطبة لعلى بن أبى طالب جاء فيه: أنا الرحمن، أنا حقيقة الأسرار، أنا خليل جبرائيل.. . وهو كلام مكذوب، فقد كرر فيه لفظ " أنا " 255 مرة ولا يعقل أن يصدر ذلك عن على كرم الله وجهه.
وفيه أنه جعل أهل البيت والخلفاء الأربعة والعبادلة الأربعة شفعاء للناس يوم القيامة، وهو باطل، وفيه ادعاء أن الله علَّم رسوله علما لم يعلمه أحد، ولا يعلم به إلا الأشخاص الذين سماهم فى الكتاب، وهذا لا دليل عليه. وهناك أحاديث غريبة ليست فى كتب السنة، مثل حديث أن جبريل رأى الرسول فى الأرض وفى البيت المعمور فى لحظة واحدة، وأن جبريل قال للرسول:
الأمر منك وإليك يا رسول الله، ففيم تعبى؟ فأجابه الرسول " للتشريع يا أخى جبريل " وهو افتراء على الرسول " الأهرام 13/2/1976م ".
هذا بعض ما عثرت عليه خاصا بهذه الطريقة، والعهدة على المصادر التى نقلت عنها من جهة التاريخ والرأى الدينى، ولم يتح لى أن أطلع على كل المعلومات الخاصة بها حتى أستطيع أن أكون رأيا فيها.
ومهما يكن من شىء فشرع الله واضح، ومن خفى عليه شىء منه فالعلماء أهل الذكر موجودون يمكن الأخذ منهم بسهولة، ولا داعى للتورط فيما فيه شبهة، وأحذر من استغلال الدين لمآرب غير مشروعة، ومن إقحام بعض من عندهم شىء من العلم أنفسهم فى تكوين جمعيات أو طرق تحمل اسم الدين وهم ليسوا من المتخصصين فيه، فذلك مدرجة للانحراف وتشويه لسمعة الدين وتفريق لصفوف المسلمين.
هذا، وقد نشرت أخبار اليوم " بتاريخ 9 من يوليو 1994 " أن المجلس الأعلى للطرق الصوفية أصدر قرارا بحظر نشاط شيخ الطريقة البرهانية وجميع أتباعه، لاستغلال بسطاء الناس، مخالفين بذلك تعاليم الدين الإسلامى
(10/237)
________________________________________
أبو ذر فى الربذة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء فى الأخبار أن عثمان بن عفان رضى الله عنه نفى أبا ذر الغفارى لمكان يسمى الربذة، فهل هذا صحيح، وما سبب ذلك؟

الجواب
أبو ذر رضى الله عنه من كبار الصحابة وفضلائهم، وقديم فى الإسلام، يقال -كما قال ابن الأثير فى أسد الغابة- إنه أسلم بعد أربعة وكان خامسا ثم انصرف إلى بلاد قومه وأقام بها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وتوفى بالربذة -موضع قريب من المدينة- سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين.
دعا له الرسول بقوله " يرحم الله أبا ذر، يمشى وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده" روى البخارى عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا بأبى ذر، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية فى {الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله} فقال معاوية: نزلت فى أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، وكان بينى وبينه فى ذلك، فكتب إلَى عثمان يشكونى، فكتب إلىَّ عثمان أن أقدم المدينة، فقدمتها فكثر على الناس حتى كأنهم لم يرونى قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان فقال: إن شئت تنحيت فكنت قريبا، فذاك الذى أنزلنى هذا المنزل، ولو أمَّروا علىَّ حبشيا لسمعت وأطعت.
والكنز الذى جاء فيه الوعيد الشديد ليس هو ما دفن فى الأرض، بل هو ما لم تؤد زكاته حتى لو كان على سطح الأرض، وما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين كما قال ابن عمر وجابر بن عبد الله، وهو الصحيح من الأقوال، وقيل: الكنز ما فضل عن الحاجة، وهو مروى عن أبى ذر وذلك مذهبه، يقول الفرطبى "ج 8 ص 125" وهو من شدائده ومما انفرد به رضى الله عنه، ثم يقول: ويحتمل أن يكون مجمل ما روى عنه فى هذا ما روى أن الآية نزلت فى وقت شدة الحاجة وضعف المهاجرين وقصر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كفايتهم، ولم يكن فى بيت المال ما يسعهم، وكانت السنون الجوائح هاجمة عليهم، فنُهوا عن إمساك شىء من المال إلا على قدر الحاجة، ولا يجوز ادخار الذهب والفضة فى مثل ذلك الوقت. فلما فتح الله على المسلمين ووسع عليهم أوجب صلى الله عليه وسلم فى مائتى درهم خمسة دراهم وفى عشرين دينارا نصف دينار، ولم يوجب الكل، واعتبر مدة الاستنماء، فكان ذلك منه بيانا صلى الله عليه وسلم. انتهى
(10/238)
________________________________________
أكل الجراد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل أكل الجراد حلال؟

الجواب
روى مسلم عن عبد الله بن أبى أوفى قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل الجراد معه، ولم يختلف العلماء فى أكله على الجملة، وأنه إذا أُخذ حيا وقطعت رأسه أنه حلال باتفاق، وأن ذلك يتنزل منه منزلة الزكاة فيه. وإنما اختلفوا: هل يحتاج إلى سبب يموت به إذا صيد أم لا، فعامتهم على أنه لا يحتاج إلى ذلك ويؤكل كيفما مات، وحكمه عندهم حكم الحيتان [الأسماك] ، وذهب مالك إلى أنه لا بد له من سبب يموت به، كقطع رأسه أو أرجله أو أجنحته إذا مات من ذلك، أو يصلق أو يطرح فى النار، لأنه عنده من حيوان البر فميتته محرمة، وروى الدارقطنى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أحل لنا ميتتان الحوت والجراد، ودمان الكبد والطحال " وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك: كان أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد على الأطباق، وذكره ابن المنذر أيضا "تفسير القرطبى ج 7 ص 268 " وجاء فى حياة الحيوان الكبرى للدميرى زيادة على ذلك أن الإمام مالكا ذكر فى كتابه "الموطأ" عن ابن عمر أن عمر سئل عن الجراد فقال: وددت أن عندى قفة آكل منها، وروى البيهقى عن أبى أمامة الباهلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن مريم بنت عمران عليها السلام سألت ربها أن يطعمها لحما لا دم له، فأطعمها الجراد، فقالت: اللهم أعشه بغير رضاع، وتابع بينه بغير شياع " والشياع هو الصوت. انتهى.
هذا فى حكم أكله، أما قتله وإبادته فقد مر الكلام عليه فى الجزء الأول "ص 473 " وزيادة عليه جاء فى حياة الحيوان أيضا أن ابن ماجه روى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا على الجراد فقال "اللهم أهلك كباره وأفسد صغاره واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا، إنك سميع الدعاء" فقال رجل: يا رسول الله كيف تدعو على جند من أجناد الله تعالى بقطع دابره؟ فقال صلى الله عليه وسلم "إن الجراد نثرة الحوت من البحر" أى عطسته.
وبصرف النظر عن أصل الجراد كما ذكر الحديث فإن قتله جائز إذا حصل منه ضرر، كالغارات على المزارع والمحاصيل وقوت الناس، فمصلحة الإنسان قبل مصلحة أى حيوان، نذبحه لنأكله ونسخره لقضاء مصالحنا فى حدود الإحسان والآداب الشرعية.
وجاء فى تفسير القرطبى "ج 7 ص 268" أن أهل الفقه كلهم قالوا بقتل الجراد إذا حل بأرض فأفسد، وقد رخص النبى صلى الله عليه وسلم بقتال المسلم إذا أراد أخذ ماله، فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كانت أولى أن يجوز قتلها، ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه يجوز قتل الحية والعقرب لأنهما يؤذيان الناس؟ فكذلك الجراد
(10/239)
________________________________________
حكم الأكل فى الطريق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى تناول الطعام فى الطريق العام وتناول الشراب أثناء الوقوف؟

الجواب
تناول الطعام فى الطريق العام لا حرمة فيه، لعدم الدليل الذى يمنع، وإن كان الأفضل تناوله بعيدا عن أعين الناس، منعا للنقد ولتلهف محتاج إليه محروم منه، وتحرزا من وقوع شىء منه على الأرض فيتلف ويصعب إصلاحه أو يكون منه التلوث. روى أحمد وابن ماجه والترمذى وصححه أن ابن عمر رضى الله عنهما قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشى، ونشرب ونحن قيام "غذاء الألباب ج 2 ص 123 ".
وتناول الشراب أثناء الوقوف لا حرمة فيه وإن كان مكروها، اتباعا لهدى النبى صلى الله عليه وسلم، حيث كان أكثر شربه قاعدا، وزجر عن الشرب قائما، وإن كان شرب مرة قائما، وذلك لبيان جواز الأمرين، أو لوجود عذر يمنعه من القعود، فقد أتى زمزم وهم يستقون منها، فأخذ الدلو وشرب قائما "زاد المعاد ج 1 ص 38"
(10/240)
________________________________________
الأكل مع النذر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نذرت لله إن شفانى أن أذبح شاة، فهل يجوز أن آكل منها؟

الجواب
إذا نذر الإنسان شيئا خرج عن ملكه فيجب أن يوجهه إلى ما نُذر إليه، كما قال تعالى {وليوفوا نذورهم} الحج: 29، فمن نذر التصدق بشاة أو توزيع طعام وجب أن يكون التنسيق أو التوزيع على الفقراء والمساكين، ولا يجوز للناذر أن يأخذ شيئا من النذر، لا للأكل ولا لغيره كجلد الشاة للفراش أو الصلاة عليه، أو صوفها للانتفاع به، بل يخرج كل ما فيها لله سبحانه، حتى قال العلماء: لا يعطى شيئا منها أجرة للجزار الذى ذبحها، وإنما يجوز أن يعطيَه بعضها صدقة إذا كان الجزار فقيرا مستحقا لها.
وقد تحدث العلماء عن قوله تعالى فى الهدى فى الحج {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} الحج: 28، وعما ثبت من أن النبى صلى الله عليه وسلم ساق الهدى فى الحج وأكل منه أهله، فقسموا الهدى أربعة أقسام:
ا -هدى تطوع، ويكون لمن حج مفردا، أى نوى الحج فقط، وكذلك لمن اعتمر.
2 -هدى واجب لترك شىء من واجبات الحج، كرمى الجمار والمبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى، والإحرام من الميقات.
3-هدى واجب لارتكاب محظور، كالتطيب وحلق الشعر.
4-هدى واجب جزاء للصيد وما يماثله.
وقالوا: هدى التطوع يجوز لصاحبه أن يأكل منه. أما الهدى الواجب فقد اختلفت آراؤهم فيه:
أ -فأبو حنيفة لا يجيز الأكل من أى هدى واجب، واستثنى من ذلك هدى التمتع والقران فأجاز الأكل منه، مستدلا بالآية المذكورة وبفعل النبى صلى الله عليه وسلم، بناء على أنه كان فى حجه متمتعا أو قارنا.
2-وأحمد بن حنبل قال مثل قول أبى حنيفة.
وعلى رأيهما لا يجوز الأكل من الهدى المنذور، ولا من الكفارة.
3-ومالك بن أنس قال: لا يجوز الأكل من جزاء الصيد، وفدية الأذى التى تجب عند حلق الشعر من الأذى، والمنذور للمساكين.
ويجوز الأكل من هدى التمتع وفساد الحج وفواته، والأنواع الأخرى من الهدى.
4 -والشافعى قال: لا يجوز الأكل من أى هدى واجب مطلقا، ومنه النذر، فلا يجوز أكل شىء منه. وكذلك الكفارات.
جاء فى تفسير القرطبى"ج 2 ص 44": دماء الكفارات لا يأكل منها أصحابها، ومشهور مذهب مالك رضى الله عنه أنه لا يأكل من ثلاث: جزاء الصيد ونذر المساكين وفدية الأذى. ويأكل مما سوى ذلك إذا بلغ محله واجبا كان أو تطوعا، ووافقه على ذلك جماعة من السلف وفقهاء الأمصار.
ثم قال فى صفحة 46: قال الشافعى وأبو ثور: ما كان من الهدى أصله واجبا فلا يأكل منه وما كان تطوعا ونسكا أكل منه وأهدى وادخر وتصدق. والمتعة والقران عنده نسك. ونحوه مذهب الأوزاعى. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يأكل من هدى المتعة والتطوع ولا يأكل مما سوى ذلك مما وجب بحكم الإحرام. وحكى عن مالك: لا يأكل من دم الفساد، وعلى قياس هذا لا يأكل من دم الجبر كقول الشافعى والأوزاعى.
وذكر أن دليل مالك هو أن الله جعل جزاء الصيد للمساكين، وكذلك فدية الأذى، جعلها القرآن والحديث للمساكين، ونذر المساكين مصرح بعدم الأكل منه، وأما غير ذلك من الهدايا فهو باق على أصل قوله تعالى {فكلوا منها} وقد أكل النبى صلى الله عليه وسلم وعلى من الهدى وكان عليه السلام قارنا فى أصح الأقوال والروايات، فكان هديه على هذا واجبا، فما تعلق به أبو حنيفة غير صحيح. انتهى بتصرف.
وجاء فى "المغنى لابن قدامة ج 3 ص 565" ما نصه: المذهب أنه يأكل من هدى التمتع والقران دون ما سواهما، نص عليه أحمد.. .
وهذا قول أصحاب الرأى أى أبى حنيفة وأصحابه - وعن أحمد أنه لا يأكل من المنذور وجزاء الصيد ويأكل مما سواهما.. . لأن جزاء الصيد بدل والنذر جعله لله، بخلاف غيرهما، وقال ابن أبى موسى:
لا يأكل أيضا من الكفارة ويأكل مما سوى هذه الثلاثة، ونحوه مذهب مالك، لأن ما سوى ذلك لم يسمه للمساكين ولا مدخل للإطعام فيه، فأشبه التطوع. وقال الشافعى: لا يأكل من واجب، لأنه هدى وجب بالإحرام فلم يجز الأكل منه كدم الكفارة.
يؤخذ من هذا العرض أن الطعام المنذور لا يجوز للناذر أن يأكل منه باتفاق الفقهاء. سواء كان النذر هديا فى الحج والعمرة أو كان غير ذلك وأجازه أحمد فى الأضحية فقط بل جعله مستحبا "المغنى ج 3 ص 1584
(10/241)
________________________________________
الأدوية المسكنة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تضاف إلى بعض الأدوية المسكنة للصداع أو السعال بعض المواد المخدرة، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
معلوم أن الله سبحانه لم يجعل شفاء أمة النبى صلى الله عليه وسلم فيما حرم عليها كما نص الحديث الشريف الذى رواه البخارى عن ابن مسعود، والبيهقى وصححه ابن حبان عن أم سلمة وكما جاء فى حديث آخر "يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يجعل داء إلا جعل له دواء، ولا تداووا بمحرم " رواه أبو داود والمواد المخدرة نفسها يحرم التداوى بها، سواء أكانت خمرا أم غير خمر، كما قاله ابن تيمية وذلك لورود النص بالحرمة، وذهب الجمهور إلى أن التداوى بغير الخمر من المخدرات ليس حراما، بل هو جائز للضرورة قياسا على تداوى العرنيين بأبوال الإبل، حيث رخص لهم النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك كما رواه البخارى ومسلم لكنهم اشترطوا ثلاثة شروط.
أولها: ألا يكون هناك دواء حلال.
والثانى: أن يقول بذلك طبيب مسلم.
الثالث: أن يكون القدر المخدر قليلا لا يسكر، قال النووى فى "المجموع": قال أصحابنا: يجوز شرب الدواء المزيل للعقل للحاجة، وقال الرويانى: والنبات الذى يسكر وليس فيه شدة مطربة يجوز استعماله فى الدواء وإن أفضى إلى سكر ما لم يكن منه بد.
وقال ابن رجب فى كتابه "جامع العلوم والحكم ": المسكر الذى يزيل العقل ويسكره إن لم يكن فيه طرب ولا لذة كالبنج قال أصحابنا:
إن تناوله لحاجة التداوى به وكان الغالب منه السلامة جاز.
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة للجزيرى: أن المائعات النجسة التى تضاف إلى الأدوية والروائح العطرية لإصلاحها يعفى عن القدر الذى به الإصلاح، قياسا على الإنفحة المصلحة للجبن.
والقطرات القليلة غير الظاهرة والتى لا يكون من شأنها الإسكار إذا اختلطت بالدواء المركب لا تحرم، مثل القليل من الحرير فى الثوب.
أفاده فى المنار
(10/242)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 5 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 5 من اصل 7انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الأول
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الثاني
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الثالث
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الرابع
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الخامس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـعــقـيــــــــدة الإســــلامـيــــــــــة :: فـتـــاوى دار الإفـتــــاء الـمـصــــرية-
انتقل الى: