أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الفصل الثاني: الطهارة للداخلين في الإسلام الثلاثاء 20 يونيو 2023, 5:48 pm | |
| الفصل الثاني الطهارة للداخلين في الإسلام
وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: في الغسل والوضوء. المبحث الثاني: خصال الفطرة. المبحث الثالث: طهارة الخمر بالتخليل للداخل في الإسلام. المبحث الرابع: دخول غير المسلم المسجد ومسه للمصحف. المبحث الأول: الغسل والوضوء المطلب الأول: تعريف الغسل والوضوء
أولاً: تعريف الغسل: لـــــغة: من غسل الشيء يغسله غسلاً وغسلاً.
والغسـل: تمام غسل الجسد كله(1).
اصطلاحاً: "سيلان الماء على جميع البدن مع النية"(2).
ثانـــــياً: تعريف الوضوء بالفتح الماء الذي يتوضأ به، والوضوء أيضاً المصدر من توضأت للصلاة،
وقيل الوضوء بالضم المصدر(3).
اصطلاحاً: طهارة مائية تتعلق بأعضاء مخصصة على وجه مخصص بنية(4).
المطلب الثاني: غُسل الدخول في الإسلام ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الغسل على من أسلم سواء وجد منه قبل إسلامه ما يوجب الغسل أو لم يوجد أو اغتسل قبل إسلامه أو لم يغتسل(5).
قال ابن القيم(6): "إن عادة المسلمين كانت غسل الإسلام قبل دخولهم فيه، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- به، وأصح الأقوال وجوبه على من أجنب في حال كفره و من لم يجنب"(7).
واستدلوا على ذلك بما يلي: 1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ثمامه بن أثال(8) أسلم فقال له -صلى الله عليه وسلم-"اذهبوا إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل"(9).
في الحديث دليل على شرعية الغسل بعد الإسلام لأمره -صلى الله عليه وسلم-لثمامه بالغسل، والأمر يدل على الوجوب(10). 2- عن قيس بن عاصم(11) أنه أسلم فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل بماء وسدر(12).
فأمره الرسول -صلى الله عليه وسلم- لقيس بالغسل وعدم استفساره هل وجد في كفره ما يوجب الغسل عليه أم لا يوجد؟ وهل اغتسل قبل إسلامه أو لا؟ دليل على شرعية الغسل ووجوبه(13).
المطلب الثالث: اغتسال غير المسلم أو وضوؤه قبل إسلامه صورة المسألة: إذا كان غير المسلم يعتقد ديناً يرى الغسل من الجنابة، فاغتسل من جنابته في حال كفره ثم أسلم أو توضأ ثم أسلم.
فقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية(14) إلى صحة غسله ووجوب إعادة وضوئه (15).
واستدل على صحة غسله: حديث أبي سعيد الخدري(16) قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أسلم العبد فحسن إسلامه، كتب الله له كل حسنة كان أزلفها* ومحيت عنه كل سيئة أزلفها(17))". وعن حكيم بن حزام(18) رضي الله عنه أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي رسول الله! أرأيت أموراً كنت أتحنَّث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أسلمت على ما أسلفت من خير"(19)).
فإن هذه الأحاديث تدل على أنه يثاب على أعمال الخير التي عملها قبل إسلامه وعلى قبولها منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولو اغتسل الكافر بسبب يوجبه، ثم أسلم، لا يلزمه إعادته إن اعتقد وجوبه بناءً على أنه يثاب على طاعته في الكفر إذا أسلم"(20).
واستدل على عدم صحة وضوئه ووجوب الإعادة عليه: بأن الردة تنقض الوضوء، لأن العبادة من شرط صحتها دوام شرطها استصحاباً في سائر الأوقات، وإذا كان كذلك فالنية من شرائط الطهارة على أصلنا، وغير المسلم ليس من أهلها(21).
قال ابن القيم: "وحرف المسألة: إن أعمال الجوارح إنما تكون عبادة بالنية، والوضوء عبادة في نفسه مقصود مرتب على فعله الثواب وعلى تركه العقاب، وكما يجب في العبادات إفراد المعبود تعالى عن غيره بالنية والقصد، فيكون وحده المقصود المراد بها لا سواه، فكذلك – يجب فيها تمييز العبادة عن العادة، ولا يقع التمييز بين النوعيين مع اتحاد صورة العملين إلا بالنية"(22). المطلب الثالث: غسل ثياب وأواني من أسلم ذهب بعض الفقهاء إلى عدم وجوب غسل ثياب وأواني من أسلم، إلا إن علم أن عليها نجاسة(23).
جاء في كتاب فتاوى وأحكام إلى الداخلين في الإسلام: سؤال: هل يلزم غسل حاجات وملابس وأغراض وأواني من اعتنق الإسلام؟
جواب: لا يلزم ذلك إذا كانت طاهرة، فالعادة أنه ينظف أوانيه ويغسل ثيابه للنظافة ونحو ذلك، وهذه الأشياء لا يحتاج تطهيرها إلى النية، لأن الغسل للنظافة أو إزالة النجاسة، أما إن كان فيها نجاسة خمر أو ميتة فلابد من تطهيرها(24).
واستدلوا على عدم وجوب غسل ثياب وأواني من أسلم بما يأتي: 1- قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} (المائدة: 25).
ومعلوم أن طعامهم مصنوع بأيديهم ومياههم وفي أوانيهم فدل على طهارة ذلك كله، فلا يجب على من أسلم غسل ثيابه وأوانيه(25).
2- عن عمران بن حصين(26) رضي الله عنه: "أنهم كانوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فعطشوا فأرسل من يطلب الماء فجاءوا بامرأة مشركة على بعير بين مزادتين(27) من ماء، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بإناء فأفرغ فيه منها ثم قال فيه ما شاء الله، ثم أعاده في المزادتين ونودي في الناس: اسقوا واستسقوا فشربوا حتى رووا، ولم يدعوا إناء ولا سقاء إلا ملئوه وأعطى رجلاً أصابته جنابة إناء من ذلك وقال: "اغرفه عليك"، ثم أمسك بالمزادتين وكأنهما أشد امتلاءً مما كانتا، ثم أسلمت المرأة بعد ذلك هي وقومها"(28).
فوضوء الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المزادتين وإعطاؤه الجنب ما يغتسل به، دليل على طهارة إناء غير المسلم، وكذلك إسلام المرأة وعدم أمره لها بغسل المزادتين دليل على عدم وجوب غسل آنية من أسلم(29).
3- الأصل في الثياب هو الطهارة، فلا تثبت النجاسة بالشك(30). المبحث الثاني: خصال الفطرة وهي المذكورة في الحديث – عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: "الفطرة خمس: الإختتان، والإستحداد(31)، وقصى الشارب وتقليم الأظافر، ونتف الإبط"(32).
قال أبو داود: وروي نحوه عن ابن عباس رضي الله عنه وقال: "خمس كلها في الرأس وذكر فيها الفرق(33) ولم يذكر إعفاء اللحية.
وفي رواية أخرى عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية(34)، والسواك، واستنشاق الماء وقص الأظافر، وغسل البراجم(35)، ونتف الإبط، وحلق العانة وانتقاص الماء"(36). رواه مسلم(37).
وقد اختلف في المراد بالفطرة فقيل: المراد بها: السنة عند أكثر العلماء، وقيل: المراد بالفطرة هنا: الدين، وأما أصل الفطرة فابتداء الخلق واختراعه من قوله: {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} {يوسف101} وقيل: المراد به الجبلة التي جبل عليها ابن آدم(38). المطلب الأول: ختان من أسلم تعريف الختان لغة: الاسم من الختن وهو قطع القلفه من الذكر والنواة من الأنثى، كما يطلق على موضع القطع ويطلق عليه كذلك الخفض والأعذار، وخص بعضهم الختن بالذكر والخفض بالأنثى والأعذار مشترك بينهما(39) ولا يختلف المعنى اللغوي عن المعنى الاصطلاحي عند الفقهاء.
فقد جاء في حديث جريج قال: أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: قد أسلمت فقال: له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألق عنك شعر الكفر واختتن"(40).
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الختان سُنَّةٌ للرجل ومَكْرُمَةٌ للمرأة(41).
واستدلوا على ذلك: بحديث أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: الفطرة خمس: الإختتان والإستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط".
والاستدلال بهذا الحديث على سنية الختان من وجهين: أحدهما: أن الفطرة هي السنة عند أكثر العلماء، والسنة تؤكد من مقابل الواجب.
والثاني:أن خصال الفطرة المنتظمة ليست واجبة إلا عند بعض من شذ فلا يكون الختان واجباً(42). 2- ولأنه أسلم الناس الأسود والأبيض ولم يفتش أحد منهم ولم يختتنوا(43).
قال الشوكاني: "لكن الحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، والمتيقن السنية كما في حديث: "خمس من الفطرة" ونحوه، والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه"(44).
وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية بأن الختان ليس شرطاً للدخول في الإسلام، فقد جاء في الفتوى رقم 8438، "الختان من سنن الفطرة وهو مشروع لجميع المسلمين، لكنه ليس شرطاً من شروط الدخول في الإسلام"(45). المطلب الثاني: حلق شعر الرأس لمن أسلم ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يأمر من أسلم أن يحلق رأسه إن كان شعر رأسه على غير زي العرب كالقزعة(46) وشبهها(47).
واستدلوا بحديث عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء النبي -صلى الله عليه وسلم-فقال: قد أسلمت، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ألق عنك شعر الكفر".
وقالوا: المقصود بشعر الكفر: أن الشعر الذي هو زي أهل الكفر، وقد كانت العرب تدخل في دين الله أفواجاً ولم يروا في ذلك أنهم يحلقون رؤوسهم(48).
جاء في عون المعبود "ليس المراد أن كل من أسلم أن يحلق رأسه حتى يلزم له حلق الرأس كما يلزم عليه الغسل، بل أضافه الشعر إلى الكفر يدل على حلق الشعر الذي هو للكفار علامة لكفرهم، وهي مختلفة الهيئة في البلاد المختلفة، فكفرة الهند ومصر لهم في موضع من الرأس شعور طويلة لا يتعرضون بشيء من الحلق أو الجز أبداً، وإذا يريدون حلق الرأس يحلقون كلها إلا ذلك المقدار وهو على الظاهر علامة مميزة بين الكفر والإسلام، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لجد عثيم ومن كان معه أن يحلقا شعرهما الذي كان على رأسهما من ذلك الجنس، والله أعلم"(49). المطلب الثالث: إعفاء اللحية لمن أسلم ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب إعفاء اللحية وحرمة حلقها للداخل في الإسلام ولعامة المسلمين ومنهم الداخل في الإسلام(50).
واستدلوا بحديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال "خالفوا المشركين، وفروا اللحى واحفوا الشوارب"(51).
فأمره عليه الصلاة والسلام بإعفائها ومخالفة المشركين في حلق لحاهم وإطالة شواربهم، والداخل في الإسلام مأمور بمخالفة غير المسلمين في هيئتهم.
قال الخطابي: "وأما إعفاء اللحية فهو إرسالها وتوفيرها، كره لنا أن نقصها كفعل بعض الأعاجم، وكان من زي آل كسرى قص اللحى وتوفير الشوارب، فندب صلى الله عليه وسلم أمته إلى مخالفتهم في الزي والهيئة، ويقال، عفا الشعر والنبات إذا وفا، وقد عفوته وأعفيته لغتان، قال تعالى"حَتَّى عَفَواْ" الأعراف: 95, أي كثروا. المبحث الثالث: طهارة الخمر بالتخليل للداخل في الإسلام الداخل في الإسلام قد يكون يملك خمراً قبل إسلامه، وعند إسلامه يرغب في التخلص منها، فإما أن يريقها أو يخللها لينتفع بها.
لذلك سنتناول موضوع حكم تخليل الخمر للداخل في الإسلام. وسنقسمه إلى مطلبين: المطلب الأول: إذا تخللت بنفسها. المطلب الثاني: إذا تخللت بغيرها. المطلب الأول: تخليل الخمر بنفسها.
اتفق الفقهاء على أن من أسلم وعنده خمر وتخللت بنفسها فإنها تطهر ويحل الانتفاع بها.
جاء في المغني: "فأما إذا انقلبت بنفسها فإنها تطهر وتحل في قول جميعهم(52)."
واستدلوا: 1- بأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " لا يحل خل من خمر قد أفسدت، حتى يبدأ الله إفسادها"(53).
قال النووي: "يبدأ الله إفسادها – يعني بإفسادها.
جعلها خلاً، وهو إفساد الخمر، وإن كان صالحاً بهذا المائع من حيث إنه صار حلالاً ومالاً "(54).
وإذا تخللت بنفسها فتطهر بالتخليل لأن علة النجاسة والتحريم الإسكار وقد زالت. المطلب الثاني: تخليل الخمر بغيرها وذهب بعض الفقهاء إلى أن الخمر إذا خللت بغيرها لم تطهر(55).
وقالوا من أسلم وعنده خمر فإنه يريقها.
جاء في الذخيرة: "ومن أسلم وعنده خمر أريقت لأن الملك لا يثبت عليها، وإن أسلم وعنده ثمن خمر فلا بأس به، لأن الإسلام يجبٌّ ما قبله"(56).
واستدلوا على ذلك بما يأتي: 1- عن أنس أن أبا طلحة سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أيتام ورثوا خمراً، قال "أهرقها" قال: أفلا نجعلها خلاً؟ قال: لا(57)".
قال ابن تيمية: "فلما أمر بإراقتها ونهى عن تخليلها وجبت طاعته فيما أمر به ونهى عنه، فيجب أن تراق الخمر ولا تخلل، هذا مع كونهم كانوا يتامى، ومع كون تلك الخمرة كانت متخذة من قبل التحريم فلم يكونوا عصاه"(58).
2- حديث ابن عباس: "أهدى رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رواية خمر، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما علمت أن الله حرمها؟" قال: لا، قال فساره إنسان في جنبه، فقال: بم ساررته؟ قال: أمرته ببيعها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" قال: ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيها"(59). قال ابن عبد البر(60): "ومن هذا الحديث أيضاً دليل على أن الخمر لا يجوز لأحد تخليلها، ولو جاز لأحد تخليلها ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع الرجل أن يفتح المزادتين حتى ذهب ما فيها، لأن الخل مال، وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إضاعة المال، بل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمره أن يخلها لقوله -صلى الله عليه وسلم-، "نعم الإدام الخل"(61).
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تخليل الخمر عندما سأله أبو طلحة عن الأيتام الذين ورثوا خمراً وذلك من باب سد الذرائع، فالداخل في الإسلام قد يكون في بداية إسلامه ضعيف الإيمان فلو أمسكها بقصد تخليلها فقد يؤدي به ذلك إلى وقوعه في الحرام(62).
وقد ذكر ابن القيم حلاً لمن أراد أن يسلم وعنده خمر، فقال "إذا أراد الذمي أن يسلم فخاف إن أسلم يجب عليه إراقتها ولا يجوز بيعها، فالحيلة أن يبيعها من ذمي آخر بثمن معين أوفى ذمته، ثم يسلم، ويتقاضى الثمن، ولا حرج عليه في ذلك، فإن تحريمها عليه بالإسلام كتحريمها بالكتاب بعد أن لم تكن حراماً، وفي الحديث: "إن الله تعالى يعرَض بالخمر، فمن كان عند منها شيء فليبعه"(63)..(64). المبحث الرابع: دخول غير المسلم المسجد ومسه المصحف قد يرغب غير المسلم في التعرف على الإسلام أو مشاهدة المسلمين وهم يصلون، وسماع تلاوة القرآن الكريم، فيطلب من بعض المسلمين الإذن له في دخول المسجد لعله يكون سبباً في دخوله في الإسلام.
ولأهمية الموضوع سنتناول حكم دخول غير المسلم المسجد ومَسُّهُ للمصحف بمطلبين: المطلب الأول: في دخوله المسجد. المطلب الثاني: حكم مس المصحف لغير المسلم.
مع ملاحظة أن هناك بعض المراكز الإسلامية تقوم بتعريف غير المسلمين بالإسلام عن طريق السماح لهم بزيارة المساجد ومشاهدة عبادة المسلمين.
المطلب الأول: في دخول غير المسلم المسجد. ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يجوز لغير المسلم دخول جميع المساجد ما عدا المسجد الحرام(65).
جاء في مغني المحتاج: "ويستحب الإذن له فيه لسماع القرآن ونحوه كفقه وحديث رجاء إسلامه"(66).
واستدلوا بما يأتي: 1- بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 28).
قال الشافعي: "الآية عامة في سائر المشركين، و خاصة في المسجد الحرام، فلا يمنعون من دخول غيره من المساجد"(67).
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيل قبل نجد – فجاءت برجل من بني حذيفة، يقال له: ثمامه بن أثال، فربطوه بساريه من سواري المسجد.
وفي هذا دليل على جواز إدخال المشرك إلى المسجد، لكن بإذن المسلمين(68).
3- إنزال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوفد ثقيف في المسجد وبناؤه خياماً لكي يسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا.
قال ابن القيم: "ومنها جواز إنزال المشرك في المسجد، ولا سيما إذا كان يرجو إسلامه وتمكينه من سماع القرآن، ومشاهدة أهل الإسلام، وعبادتهم"(69).
4- قصة قدوم وفد نجران عليه -صلى الله عليه وسلم-في مسجده بالمدينة.
قال ابن القيم: "ففيها: جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين"(70). المطلب الثاني: حكم مس المصحف لغير المسلم وذلك في حالة ما إذا أراد غير المسلم الإطلاع على القرآن الكريم لكي يتعرف على الإسلام، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن غير المسلم يمنع من مس المصحف(71).
واستدلوا على ذلك بما يأتي: 1- قوله تعالى:{لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ} (الواقعة: 79).
قال الخازن(72): {لا يَمَسُّهُ} أي الكتاب المكنون {إلا الْمُطَهَّرُونَ} وهي الملائكة الموصفون بالطهارة من الشرك والذنوب والأحداث، يروي هذا القول عن ابن عباس وأنس..
وعلى القول الثاني: من أن المراد بالكتاب المصحف، فقيل: معنى "لا يمسه إلا المطهرون"أي: من الشرك، وكان ابن عباس ينهى أن تمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن"(73).
2- عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم(74) عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم-كتب إلى أهل اليمن كتاباً وكان فيه " لا يمس القرآن إلا طاهر" (75).
"والحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهراً وغير المسلم ليس بطاهر"(76). مما سبق يظهر لي أنه لا يجوز لغير المسلم مس المصحف ولكن الأولى أن يعطى غير المسلم تفسيراً للقرآن الكريم أو ترجمه له إذا كان لا يعرف اللغة العربية لعله يكون سبباً في هدايته للإسلام.
ولقد أسلم العديد من غير المسلمين عندما اطلعوا على ترجمه لتفسير القرآن الكريم.
وسنتناول حكم مس غير المسلم لترجمه تفسير القرآن الكريم(77): المراد بترجمة تفسير القرآن: هو تفسير القرآن بلغة غير لغته، أي بلغة أعجمية لا عربية(78).
أمَّا مس كتاب تفسير القرآن فقد أجاز جمهور الفقهاء مسه لغير المسلم إذا كان التفسير أكثر من القرآن، والترجمة تعتبر من هذا القبيل لأنها ترجمه لتفسير القرآن، وذلك لأنه لا يقع عليه اسم المصحف ولا نثبت له الحرمة.
جاء في المغني: "ويجوز مس كتب التفسير والفقه وغيرها من الرسائل وإن كان فيها آيات من القرآن، بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى قيصر كتاباً فيه آية ولأنها لا يقع عليها اسم مصحف ولا تثبت لها حرمته"(79). ------------------------------------
(1) ابن منظور: لسان العرب، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، ط1 (1995)مادة غسل (ج10 / ص70) (2) الشربيني: شمس الدين الخطيب ، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج بيروت ، دار الكتب العلمية (2000م) (ج1 / ص212) (3) ابن منظور: لسان العرب مادة وضأ (ج15 / ص322) (4) النفراوي: الفواكه الدواني (ج1 / ص131) (5) ابن قدامه: موفق الدين، المغني والشرح الكبير، بيروت دار الفكر (ج1 / ص239) (6) محمد بن أبي بكر الدمشقي، الفقيه الحنبلي الأصولي المفسر النحوي تفنن في علوم الإسلام توفي سنة احدى وخمسين وسبعمائة. (7) زاد المعاد بيروت مؤسسة الرسالة ط25 (1991)، (ج3 / ص627) (8) هو ثمامه بن أثال الحنفي، أسره الرسول صلى الله عليه وسلم قبل نجد وربطه في المسجد ثم أطلقه فأسلم. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة (ج5 / ص368). (9) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب 76 الاغتسال إذا أسلم رقم 462 (10) الصنعاني: محمد بن إسماعيل، سبل السلام شرح بلوغ المرام، بيروت دار الكتاب العربي ط6 (1991م) (ج1 / ص179) (11) هو قيس بن عاصم التميمي وفد على رسول الله في وفد بني تميم فأسلم. ابن حجر: الاصابه في تمييز الصحابة (ج5 / ص368) (12) سنن أبي داود – كتاب الطهارة – باب الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، حديث رقم 355، قال النووي في المجموع (ج2 / ص173): حديث حسن. وقال ابن المنذر في الأوسط (ج2 / 114) حديث ثابت, (13) البهوتي : كشاف القناع (ج1 / 257) (14)تقي الدين أحمد بن شهاب الدين الحراني، العلامة الحافظ الناقد الفقهي المجتهد توفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. الذهبي: تذكرة الحفاظ (ج4 / ص192) (15) الفتاوى الكبرى بيروت: دار الكتب العلمية ط1 (1988) (5ج / ص307) (16) سعد بن مالك بن سنان، استصغر بأحد واستشهد أبوه بها وغزا ما بعدها مات سنة 74ابن حجر: الإصابة (ج3 / ص65) * أزلفها: أسلفها وقدمها. ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث ( ج2 / ص309) (17) سنن النسائي – كتاب الإيمان – باب صفة المسلم حديث رقم 5001 (18) حكيم بن حزام بن خويلد ابن أخي خديجة أم المؤمنين، أسلم يوم الفتح، ابن حجر تغريب بالتقريب (ص161) (19) صحيح مسلم –كتاب الإيمان – باب بيان حكم الكافر إذا أسلم بعده حديث رقم 123. (20) الفتاوى الكبرى (ج5 / ص307) (21) المصدر السابق. (22) ابن القيم: بدائع الفوائد، مكة المكرمة: دار عالم الفوائد ط1 (1420 هـ) (ج3 / ص1148) (23) السرخسي: المبسوط (م1 / ج1 / ص100)، الحطاب: مواهب الجليل (ج1 / ص173) النووي: المجموع (ج1 / ص320)، المرداوي: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (ج1 / ص71) (24) إعداد "أبو لوز" من إجابات الشيخ عبد الله بن جبرين (ص36) (25) الماوردي: الحاوي الكبير (ج1 / ص80) (26) عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي، أسلم عام خيبر، مات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة، ابن حجر: تقريب التقريب (ص457). (27) المزادة الظرف الذي يحمل فيه الماء، كالراوية والقربة والسطحية والجمع المزاود . ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث (ج4 / ص334) (28) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب التيمم – باب الصعيد الطيب، حديث رقم 344. ومسلم – كتاب المساجد – فضل الصلاة الغائبة واستحباب قضائها، رقم (312 – 684) (29) النووي: المجموع (ج1 / ص318). (30) الكاساني: بدائع الصنائع (ج1 / 236). (31) الإستحداد: هو "حلق العانة بالحديدة" ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث [ج1/ ص353] (32) أخرجه البخاري – كتاب اللباس – باب قص الشارب، حديث رقم 5889. سنن أبي داود – كتاب الطهارة – باب السواك من الفطرة [1ج / ص46] (33) الفرق: "فرق شعر الرأس" وهو قسمته في المفرق، وهو وسط الرأس، ابن حجر: فتح الباري [ج10 / ص374] (34) "وهو أن يوفر شعرها ولا يقص كالشوارب، من عفا الشيء إذا كثر"، النهاية: [ج3 / 266] (35) البراجم: "وهي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيه الوسخ" النهاية[ج1 / ص113] (36) انتقاص الماء: "هو الاستنجاء وقيل: نضح الفرج بالماء" شرح النووي [ج2 / 152] (37) كتاب الطهارة: باب خصال الفطرة، حديث رقم 56. (38) العراقي: طرح التثريب في شرح التقريب، مكة المكرمة مكتبة الباز ط (2003 م) [ج1 / ص234] (39) ابن منظور: لسان العرب، مادة ختن [ج4 / ص26] (40) سنن أبي داود – كتاب الطهارة- باب الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، حديث رقم 356، والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الأشربة – باب السلطان يكره على الختان، برقم 17557 قال النووي: رواه ابو داود و البيهقي وإسناده ليس بالقوي للان عثيماً وكليباً ليسا بمشهورين ولا وثقا، لكن أبا داود رواه ولم يضعفه". المجموع[ج2 / ص176] * مكرمه: بمعنى مستحب النفراوي: الفواكه الدوائي [ج2 / ص 306] (41) ابن قدامه: المغنى [ج1 / ص100]، ابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار [ج11 / ص129] (42) العراقي: طرح التثريب [ج1 / ص35]، ابن حجر: فتح الباري [ج10 / ص352] (43) ابن قدامه: المغني [ج1 / ص100] (44) نيل الأوطار: [ج 1 / ص149] (45) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، الرياض: دار بلنسية للنشر والتوزيع، ط الثالثة (2000) م [ج5 / ص115] (46) قال القرافي: "القزع: أن يحلق البعض ويترك البعض شبهاً بقزع السحاب" الذخيرة [ج13 / ص278] (47) الحطاب: مواهب الجليل [ج1 / ص455] (48) المصدر السابق. (49) محمد بن شمس الحق،عون المعبود شرح سنن أبي داود، بيروت، دار الكتب العلمية ط2 (1995) [2 ج / ص15] (50) حاشية ابن عابدين [ج3 / ص354]، الدسوقي: [ج1 / ص90] (51) صحيح البخاري – كتاب اللباس – باب تقليم الأظافر، حديث رقم 5812 وصحيح مسلم باب إعفاء اللحية، حديث رقم 5813. (52) ابن قدامه: المعني مع الشرح الكبير [ج 10 / 338] (53) السنن الكبرى رقم 11201 [ج6 / ص62] (54)- المجموع [2ج / ص593] (55) النووي: المجموع [ج2 / ص599]، ابن عبد البر: الإستذكار [ج24 / ص312] (56) القرافي [4ج / ص120] (57)- صحيح مسلم – كتاب الأشربة – باب تحريم تخليل الخمر، رقم 1983. (58) الفتاوى الكبرى [ج1 / ص308] (59)- صحيح مسلم – كتاب المساقاة – باب تحريم بيع الخمر، حديث رقم 1579 (60)- هو أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي، حافظ المغرب، ساد أهل الزمان في الحفظ والإتقان، توفي سنة ثلاث وستين وأربع مائة. الذهبي: تذكره الحفاظ [ج3 / ص217] (61)- التمهيد [ج1 / ص160] (62) إعلام الموقعين عن رب العالمين: [ج5 / ص50] (63)- صحيح مسلم – كتاب المساقاة – باب تحريم بيع الخمر، حديث رقم 1578. (64) إعلام الموقعين عن رب العالمين [ج5 / 362] (65) النووي: المجموع [ج2 / ص201]، ابن قدامه: المغنى [ج10 / ص605]، المحلى: [ج3 / ص163] (66) الشربيني: [ج1 / ص146] (67)- الشوكاني: فتح القدير ، القاهرة: دار الحديث ط1 (1993م) [2ج / ص490] (68)- عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، الرياض: دار ابن الجوزي، ط الأولى (1996م) [2ج / ص560] (69)- زاد المعاد : [3ج / ص601] (70)- المرجع السابق (71) ابن عبد البر التمهيد [ج1 / ص44]، النووي: المجموع [ج2 / ص85]، ابن قدامه: المغنى [ج1 / ص168]. (72) علي بن محمد البغدادي، خازن الكتب توفي سنة إحدى وأربعين وستمائة بحلب، الداوودي: طبقات المفسرين [ج1 / ص472] (73)- لباب النقول في معاني التنزيل، بيروت: دار الكتب العلمية ط1، (1995) [6ج / 108] (74)- أبو بكر محمد بن عمر بن حزم الأنصاري، ثقة عابد، مات سنة 120، ابن حجر تقريب التقريب [ص694] (75)- صحيح ابن حبان – كتاب التاريخ رقم 6559 [ج14 / ص501] (76)- الشوكاني: نيل الأوطار [ج1 / ص501] (77) والذي كان من بينهم يوسف "كات استيفنس سابقاً" المغنى البريطاني، انظر قصة إسلامه في مطوية باللغة الإنجليزية، طبعت على نفقة دار زايد لرعاية المسلمين الجدد – العين – الإمارات العربية المتحدة. (78)- الزر قاني: مناهل العرفان في علوم القرآن، بيروت: دار الكتب العلمية ط(1996) م [2ج /ص 149] (79)- ابن قدامه [1 / ص169]
|
|