| الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء الأحد 12 مارس 2023, 9:30 pm | |
| الباب الثاني أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء وسنتولى في هذا الباب الحديث عن مسائل عدة متعلقة بالطهارة في الشتاء والتركيز على موضوع المسح على الخفين والجوربين والنعلين.
وذلك على النحو التالي: الفصل الأول مسائل في أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء وفيه عدة مسائل نبينها على النحو التالي: أولاً: طهارة ماء المطر: ماء المطر طاهر يرفع الحدث ويزيل الخبث، قال تعالى: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ" (الأنفال:11).
وقال تعالى أيضاً: "وَأَنَزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً" (الفرقان:48).
قال الإمام البغوي في تفسير هذه الآية: "يعني المطر، وهو الطاهر في نفسه المطهر لغيره،... فالماء مطهر لأنه يطهر الإنسان من الحَدَث والنجاسة".
ثانياً: إسباغ الوضوء على المكاره خاصة في الشتاء: إن من مخالفات الطهارة في الشتاء عدم إسباغ الوضوء لشدة البرد, بل إن بعض الناس لا يأتي بالقدر الواجب من الغسل، فترى البعض لا يشمر يديه بشكل كامل إلى المرفقين عند غسلهما، بل إن البعض يكاد يمسح وجهه ويديه مسحاً بدل غسلهما، وهذا لا يجوز ويبطل الوضوء وبناءً عليه تبطل الصلاة تبعاً لبطلان الوضوء؛ إذ إن غسل الوجه واليدين إلى المرفقين والقدمين إلى الكعبين من أركان الوضوء (مع مراعاة موضوع المسح على الخفين والجوربين والنعلين الذي سنبينه في الفصل الثاني من هذا الباب).
وعليه ينبغي على المسلم أن يسبغ الوضوء في أيام البرد، ففضلاً عن وجوبه إنَّ فيه الأجر العظيم والدرجات العلى ومغفرة الذنوب والخطايا، روى الإمام مسلم وأحمد والنسائي والترمذي من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط ".
عن معاذ بن جبل قال: "عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: احْتُبِسَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى عَيْنَ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ سَرِيعًا فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ دَعَا بِصَوْتِهِ، فَقَالَ لَنَا: "عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ"، ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا، ثُمَّ قَالَ:" أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ أَنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي، فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتّى اسْتَثْقَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: "لَبَّيْكَ رَبِّ"، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: "لَا أَدْرِي"، قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: "فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ"، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: "لَبَّيْكَ رَبِّ"، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: "فِي الْكَفَّارَاتِ"، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: "مَشْيُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ"، قَالَ: فِيمَ؟ قُلْتُ: "إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الْكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ"، قَالَ: سَلْ، قُلْتُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا، ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا". (أخرجه الترمذي وقال: "هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل -يعني: البخاري- عن هذا الحديث فقال: هذا صحيح". وأخرجه أحمد في مسنده، وصححه الألباني).
قال الشيخ المباركفوري مبيناً معنى قوله: "فيم يختصم الملأ الأعلى؟" في كتابه تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: "(فيم) أي في أي شيء (يختصم) أي يبحث (الملأ الأعلى) أي الملائكة المقربون والملأ هم الأشراف الذين يملئون المجالس والصدور عظمةً وإجلالاً ووصفوا بالأعلى إما لعلو مكانهم وإما لعلو مكانتهم عند الله تعالى.
واختصامهم إما عبارة عن تبادرهم إلى إثبات تلك الأعمال والصعود بها إلى السماء وإما عن تقاولهم في فضلها وشرفها وإما عن اغتباطهم الناس بتلك الفضائل لاختصاصهم بها وتفضلهم على الملائكة بسببها".
ومعنى إِسْبَاغ الْوُضُوء عَلَى الْمَكَارِهِ: قال الإمام النووي في شرح مسلم: "وإسباغ الوضوء إتمامه، والمكاره تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحو ذلك".
وقال القرطبي: "إِسْبَاغ الْوُضُوء عَلَى الْمَكَارِهِ، أي: تكميله وإيعابه مع شدة البرد وألم الجسم ونحوه".
وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: "إسباغ الوضوء على المكاره، يعني إتمام الوضوء في أيام الشتاء؛ لأن أيام الشتاء يكون الماء فيها بارداً. وإتمام الوضوء يعني إسباغه، فيكون فيه مشقة على النفس، فإذا أسبغ الإنسان وضوءه مع هذه المشقة، دل هذا على كمال الإيمان، فيرفع الله بذلك درجات العبد ويحط عنه خطيئته".
وروى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه وصى ابنه عبد الله رضى الله عنهما عند موته فقال له: "أي بني، عليك بخصال الإيمان". قال: وما هي؟ قال: "الصوم في شدة الحر أيام الصيف، وقتل الأعداء بالسيف، والصبر على المصيبة، وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي، وتعجيل الصلاة في يوم الغيم، وترك ردغة الخبال"، قال: وما ردغة الخبال؟ قال: "شرب الخمر".
ملاحظة هامة جداً: بَيَّنَ الشيخ ابن عثيمين في شرحه (إسباغ الوضوء على المكاره) في كتابه شرح رياض الصالحين نقطة هامة فقال: "المهم أنه يتوضأ على كره ومشقة، لكن بدون ضرر، أما مع الضرر فلا يتوضأ بل يتيمم، هذا مما يمحو اللهُ به الخطايا، ويرفع به الدرجات".
فديننا دين يسر لا عسر وشدة، فمن كان مريضاً لا يقوى على استعمال الماء البارد، واستعماله يُلحق به الضرر والأذى، ولا يستطيع تسخين الماء، يجوز له التيمم.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 12 مارس 2023, 9:40 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء الأحد 12 مارس 2023, 9:35 pm | |
| ثالثاً: تسخين الماء للوضوء في الشتاء: بعض الناس يتحرج من تسخين الماء للوضوء في الشتاء ظاناً أن الوضوء في الماء البارد مع تحمل شدة البرد أثوب وأفضل، وهذا الكلام غير صحيح، ولم يرد أي دليل شرعي في عدم جواز تسخين الماء للوضوء.
وقال الإمام الأُبي المالكي في كتابه إكمال إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم: "تسخين الماء لدفع برده ليتقوى على العبادة لا يَمنع من حصول الثواب المذكور".
يقصد الثواب المذكور في حديث أبي هريرة رضى الله عنه، الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره..." (رواه مسلم وأحمد والنسائي والترمذي).
وبَيَّنَ الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين نقطة هامة فقال: "أن يشق الإنسان على نفسه ويذهب يتوضأ بالماء البارد ويترك الساخن أو يكون عنده ما يسخن به الماء، ويقول أريد أن أتوضأ بالماء البارد؛ لأنال هذا الأجر، فهذا غير مشروع، لأن الله يقول: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم}، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً واقفاً في الشمس، قال: ما هذا؟، قالوا: نذر أن يقف في الشمس، فنهاه عن ذلك وأمره أن يستظل، فالإنسان ليس مأموراً ولا مندوباً في أن يفعل ما يشق عليه ويضره بل كلما سهلت عليه العبادة فهو أفضل، لكن إذا كان لابد من الأذى والكره فإنه يؤجر على ذلك لأنه بغير اختياره ".
رابعاً: تنشيف الأعضاء بعد الوضوء في الشتاء: بعض الناس يتحرج من تنشيف الأعضاء بعد الوضوء في الشتاء، وجمهور العلماء قالوا بإباحة تنشيف الأعضاء بعد الوضوء في الشتاء وغير الشتاء؛ لأن الأصل في هذا الفعل الإباحة.
وقال الإمام النووي: "وحكى ابن المنذر إباحة التنشيف عن عثمان بن عفان، والحسن بن علي، وأنس بن مالك، وبشير بن أبي مسعود، والحسن البصري، وابن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق والضحاك، ومالك، والثوري، وأصحاب الرأي، وأحمد، وإسحاق".
وقال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه المغني: "لَا بَأْسَ بِتَنْشِيفِ أَعْضَائِهِ بِالْمِنْدِيلِ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ؛ وهو المنقول عن الإمام أحمد، وقد رُوِيَ أَخْذُ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ عن عُثْمَان وَالْحَسَن بْن عَلِيٍّ وَأَنَس, وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وهو الأصح، لأن الأصل الإباحة، وترك النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الكراهة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك المباح كما يفعله". (بتصرف).
وسُئِلَ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تنشيف أعضاء الوضوء. فأجاب فضيلته: "تنشيف الأعضاء لا بأس به؛ لأن الأصل عدم المنع، والأصل فيما عدا العبادات من العقود والأفعال والأعيان الحل والإباحة حتى يقود دليل على المنع.
فإن قال قائل: كيف تجيب عن حديث ميمونة رضي الله عنها، حينما ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل، قالت: فأتيته بالمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده؟
فالجواب: أن هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم قضية عَيْن تحتمل عدة أمور: إما لأنه لسبب في المنديل، أو لعدم نظافته، أو يخشى أن يبله بالماء وبلله بالماء غير مناسب، فهناك احتمالات، ولكن إتيانها بالمنديل قد يكون دليلاً على أن من عادته أن ينشف أعضاءه، وإلا لما أتت به".
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء الأحد 12 مارس 2023, 9:36 pm | |
| خامساً: الطين والوحل في فصل الشتاء: يعلق في ثياب المصلين وهم في طريقهم إلى المسجد الطين والوحل نتيجة المطر، فهل هذا الطين طاهر أم نجس؟
طين الشوارع ليس نجساً، بل هو طاهر إذا لم تعلم نجاسته؛ لأن الأصل في الأشياء الطهارة. فإن خالطته نجاسة يسيرة يعفى عنه إن لم يظهر عين النجاسة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه مجموع الفتاوى: "فطين الشوارع إذا قدر أنه لم يظهر به أثر النجاسة فهو طاهر، وإن تيقن أن النجاسة فيه، فهذا يعفي عن يسيره. فإن الصحابة رضوان الله عليهم كان أحدهم يخوض في الوحل، ثم يدخل المسجد، فيصلي ولا يغسل رجليه، وهذا معروف عن على ابن أبي طالب رضى الله عنه وغيره من الصحابة".
جاء في كتاب الشرح الصغير للإمام الدردير المالكي فيما يعفى عنه من النجاسات: "يُعْفَى عَنْ طِينِ الْمَطَرِ، وَنَحْوِهِ، كَطِينِ الرَّشِّ، وَمُسْتَنْقَعِ الطُّرُقِ، وَكَذَا يُعْفَى عَنْ مَاءِ الْمَطَرِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ، حَالَ كَوْنِ مَا ذُكِرَ مِن الطِّينِ، أَوْ الْمَاءِ مُخْتَلِفًا بِنَجَاسَةٍ... سَوَاءٌ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَذِرَةً (أي غائط)، أَوْ غَيْرَهَا مَا دَامَ الطِّينُ طَرِيًّا فِي الطُّرُقِ يُخْشَى مِنْهُ الْإِصَابَةُ ثَانِيًا، وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِ نُزُولِ الْمَطَرِ، وَمَحَلُّ الْعَفْوِ مَا لَمْ تَغْلِبْ النَّجَاسَةُ عَلَى الطِّينِ بِأَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَقِينًا، أَوْ ظَنًّا، كَنُزُولِ الْمَطَرِ عَلَى مُطْرَحِ النَّجَاسَاتِ، أَوْ مَا لَمْ تُصِبْ الْإِنْسَانَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ الْغَيْرِ الْمُخْتَلِطَةِ بِغَيْرِهَا، وَإِلَّا فَلَا عَفْوَ، وَيَجِبُ الْغَسْلُ".
جاء في الموسوعة الفقهية أقوال العلماء في طين الشوارع المختلط بنجاسة: "يرى الشافعية والحنابلة: العفو عن يسير طين الشارع النجس لعسر تجنبه, قال الزركشي تعليقاً على مذهب الشافعية في الموضوع: وقضية إطلاقهم العفو عنه، ولو اختلط بنجاسة كلب أو نحوه، وهو المتجه لا سيما في موضع يكثر فيه الكلاب; لأن الشوارع معدن النجاسات.
ومذهب الحنفية قريب من مذهب الشافعية والحنابلة إذ قالوا: إن طين الشوارع الذي فيه نجاسة يُعفى عنه، إلا إذا علم عين النجاسة, والاحتياط في الصلاة غسله.
ويقول المالكية: الأحوال أربعة: الأولى والثانية: كون الطين أكثر من النجاسة أو مساوياً لها تحقيقاً أو ظناً: ولا إشكال في العفو فيهما, والثالثة: غلبة النجاسة على الطين تحقيقاً أو ظناً, وهو معفو عنه على ظاهر المدونة, ويجب غسله على ما مشى عليه الدردير تبعاً لابن أبي زيد، والرابعة: أن تكون عينها قائمة، وهي لا عفو فيها اتفاقاً".
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في كتابه الإنصاف: "طين الشوارع فهو طاهر على الصحيح من المذهب، وقال ابن تميم: هو طاهر ما لم تُعلم نجاسته" (بتصرف).
وجاء في الموسوعة الفقهية: "ما يصيب ثوبه أو رجله من طين المطر أو مائه المختلط بنجاسة مادام موجوداً في الطرق ولو بعد انقطاع المطر، فيعفى عنه بشروط ثلاثة: 1- أن لا تكون النجاسة المخالطة أكثر من الطين أو الماء تحقيقا أو ظناً. 2- أن لا تصيبه النجاسة بدون ماء أو طين. 3- أن لا يكون له مدخل في الإصابة بشيء من ذلك الطين أو الماء، كأن يعدل عن طريق خالية من ذلك إلى طريق فيها ذلك".
والأحوط العمل على أن طين الشوارع في الشتاء طاهر ما لم يُعلم نجاسته، فإذا تيقنا أن ما مس الثوب من الطين والوحل فيه نجاسة ظاهرة، فلا بد من إزالتها وغسل الثوب بالماء لتطهيره، والله تعالى أعلى وأعلم.
وبما أن طهارة البدن والثوب والمكان من شروط الصلاة، فلا تجوز الصلاة بالثوب الذي علقت فيه عين النجاسة أما النجاسة اليسيرة التي لا يظهر عينها إذا خالطت طين الشوارع وأصابت الثوب فمعفو عنها.
ملاحظة هامة: من صلى وعلى ثوبه نجاسة فإن صلى وهو عالم بها، فلا تصح صلاته؛ لأنه خالف أمر الله ورسوله، فوجب عليه إعادة الصلاة، وإن صلى وهو متلبس بالنجاسة على الثوب، لكن جهلها حتى فرغ من الصلاة.
ففي هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: لا تفسد صلاته. وهو قول: ابن عمر، وعطاء، وسعيد ابن المسيب، وسالم، ومجاهد، والشعبي، والزهري، وإسحاق، وابن المنذر، والشافعي في قول، وأحمد في رواية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشيح ابن باز وابن عثيمين.
الثاني: يعيد الصلاة وهو قول: الشافعي في الأصح، والإمام أحمد في رواية، وعليها المذهب، لأنها طهارة مشترطة للصلاة، فلم تسقط بجهلها، كطهارة الحدث.
الثالث: يعيد الصلاة ما كان في الوقت ولا يعيد بعده، وهذا قول مالك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلو صلى وببدنه أو ثيابه نجاسة ولم يعلم بها إلا بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة في أصح قولي العلماء، وهو مذهب مالك وغيره وأحمد في أقوى الروايتين. وسواءً كان علمها ثم نسيها أو جهلها ابتداء؛ لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه ثم خلعهما في أثناء الصلاة لما أخبره جبريل أن بهما أذى، ومضى في صلاته ولم يستأنفها مع كون ذلك موجوداً في أول الصلاة لكن لم يعلم به، فتكلفه للخلع في أثنائها -مع أنه لولا الحاجة لكان عبثاً أو مكروهاً- يدل على أنه مأمور به من اجتناب النجاسة مع العلم، ومظنة تدل على العفو عنها في حال عدم العلم بها".
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء الأحد 12 مارس 2023, 9:37 pm | |
| سادساً: التيمم عند عدم وجود الماء أو تعذر استعماله: من لم يجد الماء، أو عَجَزَ عن استعماله لمرض أو شدة برد مع عدم القدرة على تسخينه فإنه يغسل من بدنه ما يستطيع دون خوف ضرر ويتيمم للباقي، وإن لم يستطع استعمال الماء بالكلية يجوز له التيمم. وعليه فإن كان قادراً على استعمال الماء البارد ولو مع المشقة المحتملة فلا يجوز التيمم، فيقول هنا ابن مسعود رضى الله عنه: "لو رخصنا لهم في هذا لأوشك أحدهم إذا برد عليه الماء أن يتيمم ويدعه"، ويقول عمر بن الخطاب: " أما أنا لو رخصنا لهم، في هذا لكان أحدهم إذا وجد برد الماء تيمم بالصعيد".
وهذا يدلل على أنه حتى مع المشقة المحتملة في استعمال الماء البارد في الشتاء لا يجوز التيمم.
وإن كان قادراً على تسخين الماء فلا يجوز التيمم، فيشترط لجواز التيمم بدل الغسل أو الوضوء في الشتاء عدم القدرة والعجز عن استعمال الماء وعدم القدرة على تسخينه وأن يكون استعمال الماء البارد يوقع به الضرر والأذى.
قال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه المغني: (وإن خاف من شدة البرد وأمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضواً عضواً كلما غسل شيئاً ستره لزمه ذلك وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر أهل العلم... ولنا قول الله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم، وقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة?.
وروى أبو داود وأبو بكر الخلال بإسنادهما عن عمرو بن العاص قال: "احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي فقال: يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله عز وجل يقول: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، فضحك رسول الله ولم يقل شيئاً".
وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز؛ لأنه لا يقر على الخطأ ولأنه خائف على نفسه فأبيح له التيمم كالجريح والمريض).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "التيمم جائز إذا عدم الماء وخاف المرض باستعماله، كما نَـبَّـه الله تعالى على ذلك بِذِكْر المريض وذِكر من لم يجد الماء، فمن كان الماء يضره بزيادة في مَرضه لأجل جُرح به أو مرض أو لخشية البرد ونحو ذلك، فإنه يتيمم، سواء كان جنبا أو مُحْدِثاً ويُصَلِّي... ولا إعادة عليه إذا صلى سواء كان في الحضر أو في السفر في أصح قولي العلماء.
فإن الصحيح أن كل من فعل ما أُمِر به بحسب قدرته من غير تفريط منه ولا عدوان فلا إعادة عليه، لا في الصلاة ولا في الصيام ولا الحج، ولم يوجب الله على العبد أن يصلي الصلاة الواحدة مرتين.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لو خاف البرْد، فإِنه يُسخِّن الماء، فإِن لم يَجِد ما يسخِّن به تيمَّم؛ لأنَّه خَشِيَ على بَدَنِه من الضَّرر، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. واستدلَّ عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على جواز التَّيمُّم عند البَرْد إِذا كان عليه غُسْل".
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا وقع البرد وأنت في مكان لا حيلة لك في ماء دافئ كالذي في الصحراء وليس عنده ما يسخن به الماء، ويخشى المضرة عليه من استعمال الماء فإنه يتيمم، والحمد لله، مثلما تيمم عمرو بن العاص في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لما اشتد البرد وخاف على نفسه تيمم وأقره النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا تيسر للإنسان ما يسخن به الماء، وما حل فيه شيء يستطيع أن يغتسل فيه فإنه يتوضأ بالماء المسخن ويغتسل به، أما إذا كان في مكان يخشى على نفسه من الخطر لكونه في مكان بارد مكان ظاهر للبرد لا حيلة له فيه، ــ ولا في الماء المسخن فالله جل وعلا: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، ويقول سبحانه: ولا تقتلوا أنفسكم، ويقول: فاتقوا الله ما استطعتم".
وصفة التيمم: ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الواجب في التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين وذهبوا إلى أن الواجب في اليدين هو مسحهما إلى المرفقين، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن الواجب ضربة واحدة والفرض في مسح اليدين إلى الكوعين والزيادة إلى المرفقين سنة والزيادة على الضرب سنة عند المالكية.
وخلاصة صفة التيمم على ما يرجحه كثير من أهل العلم: ضربة واحدة للوجه والكفين، بأن يضرب الأرض ضربة ثم ينفخ في يديه ثم يمسح ظاهر كفيه يمسح ظهر يمينه بشماله وظهر شماله بيمينه، ثم يمسح وجهه كما ثبت في الصحيحين من حديث عمار رضي الله عنه وهو أصح حديث في صفة التيمم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ؟ فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ -وفي رواية فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ- فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ "(رواه البخاري ومسلم)، وفي رواية أخرى عند البخاري: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا، فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِها ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ".
ملاحظة: لا يصح التيمم إلا بالنية، فينوى بالتيمم استباحة الصلاة ولا يقصر نيته على رفع الحدث عند الجمهور.
بما يكون التيمم؟ قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "وأما جنس ما يتيمم به فاختلف العلماء فيه فذهب الشافعي وأحمد وبن المنذر وداود الظاهري وأكثر الفقهاء إلى أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق بالعضو، وقال أبو حنيفة ومالك يجوز التيمم بجميع أنواع الأرض حتى بالصخرة المغسولة وزاد بعض أصحاب مالك فجوزه بكل ما اتصل بالأرض من الخشب وغيره وعن مالك في الثلج روايتان وذهب الاوزاعي وسفيان الثوري إلى أنه يجوز بالثلج وكل ما على الأرض".
مسألة: إذا تيمم وصلى هل عليه الإعادة بعد طهارته بالماء؟ 1- ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه إلى أنه يعيد؛ لأنه عذر نادر فلا يسقط به الفرض.
2- ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه إلى أنه لا يعيد؛ لأنه أتى بما أمر به فخرج من عهدته، ولأنه صلى بالتيمم المشروع على الوجه المشروع.
قال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه المغني: (وإذا تيمم وصلى، فهل يلزمه الإعادة؟ على روايتين: إحداهما، لا يلزمه. وهو قول الثوري، ومالك، وأبي حنيفة، وابن المنذر؛ لحديث عمرو، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة، ولو وجبت لأمره بها؛ ولأنه خائف على نفسه، أشبه المريض؛ ولأنه أتى بما أمر به، فأشبه سائر من يصلي بالتيمم.
والثانية: يلزمه الإعادة. وهو قول أبي يوسف ومحمد؛ لأنه عذر نادر غير متصل، فلم يمنع الإعادة كنسيان الطهارة.
والأول أصح.
ويفارق نسيان الطهارة؛ لأنه لم يأت بما أمر به، وإنما ظن أنه أتى به، بخلاف مسألتنا.
وقال أبو الخطاب -وهو من كبار أئمة الحنابلة-: لا إعادة عليه إن كان مسافراً، وإن كان حاضراً فعلى روايتين؛ وذلك لأن الحضر مظنة القدرة على تسخين الماء، ودخول الحمامات، بخلاف السفر، وقال الشافعي: يعيد إن كان حاضراً، وإن كان مسافراً فعلى قولين).
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء الأحد 12 مارس 2023, 10:07 pm | |
| الفصل الثاني المسح على الخفين والجوربين والنعلين
أولاً: المسح على الخفين: 1- تعريفه: الخُف: نعل من جلد يغطي الكعبين، والكعبان: العظمتان الناتئتان في القدم. والمسح: هو إمرار باطن اليد على الشيء الممسوح بسطاً.
ونعرف المسح على الخفين بأنه: إمرار باطن اليدين على الخفين في وقت مُحَدَّدٍ شرعاً بدل غسل الرجلين في الوضوء.
ملاحظة: المسح على الخفين خاص بالوضوء دون الغُسل، بمعنى أن الغسل من الجنابة لا يصح فيه مسح الخفين مطلقاً، ونقل ابن حجر إجماع العلماء في ذلك.
أي أنه لا يجوز لمن لبس خفيه على طهارة إذا حصلت معه جنابة أن يغتسل ويمسح على خفيه بل لابد من أن ينزعهما ويغتسل غسلاً كاملاً بالماء.
2- مشروعية المسح على الخفين: أجمع أهل العلم على أن من أكمل طهارته ثم لبس خفيه، وأحدث، أن له أن يمسح عليهما، وقد ثبتت مشروعيته بالسنة الصحيحة المتواترة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومما يدل على مشروعيته ما رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن همام النخعي -رضى الله عنه- قال: «بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه».
قال الأعمش: قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. أي أن جريراً أسلم في السنة العاشرة بعد نزول آية الوضوء التي تفيد وجوب غسل الرجلين، فيكون حديث جرير مبيناً أن المراد بالآية الغسل لغير صاحب الخف، وأما صاحب الخف فله المسح فتكون السنة مخصصة للآية وهي قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" (المائدة: 6).
ومن الأدلة على المسح على الخفين حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، قال المغيرة: فأهويت لأنزع خفيه فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما" (رواه البخاري ومسلم).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: "ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه".
وقال النووي في شرح صحيح مسلم: "وقد روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة".
3- مدة المسح على الخفين: أ- تحديد مدة المسح: حدد الشرع مدة المسح على الخفين بثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم، وعلى هذا جماهير العلماء، ويدل على ذلك حديث شريح بن هاني رضي الله عنه قال: سألت عائشة –رضى الله عنها- عن المسح على الخفين فقالت: سل علياً، فإنه أعلم بهذا مني، كان يسافر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألته فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ، وللمقيم يوم وليلة" (رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه).
ب- بداية مدة المسح: مدة المسح كما أسلفنا للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، فمتى يبدأ حساب هذه المدة؟ لأهل العلم في هذا عدة أقوال: الأول: يبدأ من أول حدث بعد لبس الخف، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه، وظاهر مذهب الحنابلة، قالوا: لأن ما بعد الحدث زمن يجوز فيه المسح، فاعتُبر أول وقتها من حين جواز فعل المسح.
الثاني: يبدأ من وقت اللبس، وهو قول الحسن البصري.
الثالث: يمسح المقيم لخمس صلوات فقط، والمسافر لخمس عشرة صلاة فقط، لا يمسحان أكثر من ذلك، وهو مذهب الشعبي وإسحاق وأبي ثور وغيرهم.
الرابع: يبدأ من حين أول مسح بعد الحدث: وهو قول أحمد بن حنبل والأوزاعي، واختاره النووي وابن المنذر وابن عثيمين وابن باز، وهو أرجح الأقوال عند كثير من العلماء، لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يمسح المسافر» ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح، ولا يجوز العدول عن هذا الظاهر بغير برهان.
وعلى هذا، لو أن رجلاً توضأ عند صلاة الظهر، ولبس خفيه الساعة الثانية عشرة مثلًا وبقي على طهارة حتى الساعة الثالثة عصراً، ثم أحدث ولم يتوضأ إلا الساعة الرابعة -بعد العصر- ومسح على خفيه، فله أن يمسح عليهما حتى الساعة الرابعة عصراً من اليوم التالي -إن كان مقيماً-، وحتى الساعة الرابعة عصراً بعد ثلاثة أيام من إذا كان مسافراً.
مسألة: إذا مسح المقيم ثم سافر، هل يأخذ حكم المقيم أم المسافر في المسح؟
مَنْ مسح على خفيه -وهو مقيم- أقل من يوم وليلة، ثم سافر، فللعلماء فيه قولان: الأول: له أن يمسح حتى يتم ثلاثة أيام بلياليهن (بما في ذلك ما مسحه وهو مقيم): وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ورواية عن أحمد وبه قال ابن حزم.
الثاني: له أن يمسح حتى يتم يوماً وليلة ثم يلزمه غسل رجليه إذا توضأ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.
ويرجح كثير من العلماء ومنهم الشيخ ابن عثيمين أن المقيم إذا مسح ثم سافر له المسح حتى تمام ثلاث الأيام ولياليهن، لأن هذا الرجل إذا انتهى يوم وليلة وهو مسافر فله أن يتم المدة لظاهر حديث «يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن».
مسألة: إذا مسح وهو مسافر ثم أقام، هل يأخذ حكم المسافر أم المقيم في المسح؟
مَنْ مسح على خفيه وهو مسافر يوماً وليلة أو أكثر ثم قدم الحضر، فلابد أن يخلع خفيه، ويغسل رجليه إذا توضأ، ثم يكون له ما للمقيم.
وإن كان مسح وهو مسافر أقل من يوم وليلة، جاز له إذا قدم الحضر أن يكمل ما تبقى من اليوم والليلة ثم عليه أن يخلعه. وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفيَّة، والشَّافعيَّة على الصَّحيح، والحنابلة، وهو الراجح كما بين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
مسألة: إذا شكَّ المصلي في ابتداء المسح ووقته فماذا يفعل؟
إذا شك المصلي في ابتداء المسح ووقته فإنه يبني على ما يتيقن، قال ابن عثيمين رحمه الله: "يبني على اليقين، فإذا شكَّ هل مسح لصلاة الظهر أو لصلاة العصر فإنه يجعل ابتداء المدة من صلاة العصر، لأن الأصل عدم المسح".
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 12 مارس 2023, 10:23 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء الأحد 12 مارس 2023, 10:08 pm | |
| 4- شروط المسح على الخفين: أ- طهارة الخفين: وهذا أمر مفترض، فلا يصح أن يمسح على خفين نجسين.
ب- أن يلبسهما على طهارة: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما" (رواه البخاري ومسلم). وهذا الحديث يدلل على أن الطهارة قبل لبس الخف شرط لجواز المسح.
مسألة: هل يُشترط لجواز المسح على الخفين أن يدخل رجليه فيهما بعد تمام الوضوء؟
مَنْ توضأ فغسل إحدى رجليه وأدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف، فقال مالك والشافعي وأحمد في رواية: لا يجوز له إن أحدث أن يمسح عليهما، لأنه لبس الخف قبل تمام الطهارة، فإن نزع الأول ثم لبسه جاز له المسح عندهم، وقد أخذ بهذا الرأي ابن حجر والنووي.
وقال أبو حنيفة وأحمد -في إحدى الروايتين- وابن حزم والثوري والمزني واختاره ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجوز له المسح عليهما لصدق أنه أدخل كلاًّ من رجليه وهي طاهرة.
والأحوط إدخالهما في الخفين بعد تمام الوضوء كما يقول الشيخ ابن باز رحمه الله.
مسألة: هل يجوز لمن تيمم ولبس خفيه أن يمسح عليها عند وضوئه إن وجد الماء؟
إن من شروط المسح على الخفين عند جمهور الفقهاء أن يكون لبسهما بعد طهارة مائية لا ترابية، أي بعد وضوء لا تيمم، فإذا تيمم المصلي ثم لبس خفيه وأراد الوضوء بالماء فلا يجوز له أن يمسح على خفيه، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن ذلك، فأجاب: "لا يجوز له أن يمسح على الخفين إذا كانت الطهارة طهارة تيمم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإني أدخلتهما طاهرتين). وطهارة التيمم لا تتعلق بالرِّجل إنما هي في الوجه والكفين فقط".
ت- سترهما لمحل الفرض عند جماهير أهل العلم وأصحاب المذاهب الأربعة: أي المفروض غسله من الرجل، أي أن يكون الخفين إلى الكعبين.
مسألة: هل يمسح على الخف المُخرَّق؟
اشترط أكثر الفقهاء لجواز المسح على الخف أن يكون ساتراً للمحل المفروض غسله في الوضوء، فمنعوا المسح على الخف المخرق لأنه يرى منه مواضع الوضوء التي فرضها الغسل، ولا يجتمع غسل ومسح، فغلب حكم الغسل، وهذا قول الشافعي وأحمد.
وقال مالك وأبو حنيفة: يجوز المسح على الخف المخرق ما دام المشي فيه ممكناً واسمه باقياً، وهو قول الثوري وإسحاق وأبي ثور وابن حزم واختاره ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين؛ لأن الإذن بالمسح على الخفين عام يدخل فيه كل ما وقع عليه اسم الخف على ظاهر الأخبار ولا يستثنى خف دون خف إلا بدليل، ولو كان الخرق يمنع من المسح لبينه صلى الله عليه وسلم لا سيما مع كثرة فقراء الصحابة في عهده، والغالب أن لا تخلو خفافهم من الخروق.
قال الثوري: "كانت خِفاف المهاجرين والأنصار لا تسلم من الخروق كخفاف الناس، فلو كان في ذلك حظر لورد ولنقل عنهم".
مسألة هامة: هل يُشترط لِمَنْ أراد أن يمسح على خفيه أن ينوى عند لبسه الخفين نية المسح؟
سُئِلَ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك فأجاب: "النية هنا غير واجبة؛ لأن هذا عمل علق الحكم على مجرد وجوده فلا يحتاج إلى نية، كما لو لبس الثوب فإنه لا يشترط أن ينوي به ستر عورته في صلاته مثلاً، فلا يشترط في لبس الخفين أن ينوي أنه سيمسح عليهما. ولا كذلك نية المدة، فإذا كان مسافراً فله ثلاثة أيام نواها أم لم ينوها، وإن كان مقيماً فله يوم وليلة نواها أم لم ينوها".
5- محل المسح وصفته: أ- محل المسح: المشروع في المسح على الخفين أن يمسح ظاهرهما لا باطنهما مرة واحدة لحديث علي بن أبي طالب قال: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه» (رواه أبو داود).
وهذا مذهب الثوري والأوزاعي وأحمد وأبي حنيفة وأصحابه، وبذلك أخذ الشيخ ابن عثيمين، فقال: "مسح أسفل الخف ليس من السنة".
وإن مسح على ظاهرهما وباطنهما جاز ذلك وهو قول مالك والشافعي، أما إن اقتصر على باطن (أسفل) الخف دون أعلاه لم يجزئه المسح.
ب- صفة المسح: القول الأول: يمسح الرجلين معاً في وقت واحد، وهو مذهب الحنفية وقول للحنابلة واختاره الشيخ ابن عثيمين.
فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "كيفية المسح أن يمرَّ يده من أطراف أصابع الرجل إلى ساقه فقط، يعني أن الذي يمسح هو أعلى الخف، فيمر يده من عند أصابع الرجل إلى الساق فقط، ويكون المسح باليدين جميعاً على الرجلين جميعاً، يعني اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة كما تمسح الأذنان، لأن هذا هو ظاهر السنة لقول المغيرة ابن شعبة: فمسح عليهما، ولم يقل: بدأ باليمنى، بل قال مسح عليهما.
فظاهر السنة هو هذا، نعم لو فرض أن إحدى يديه لا يعمل بها فيبدأ باليمنى قبل اليسرى.
وكثير من الناس يمسح بكلا يديه على اليمنى وكلا يديه على اليسرى، هذا لا أصل له فيما أعلم، إنما العلماء يقولون: يمسح باليد اليمنى على اليمنى واليد اليسرى على اليسرى، وعلى أي صفة مسح أعلى الخف فإنه يجزئ لكن كلامنا هذا في الأفضل".
القول الثاني: تُقدَم اليمنى على اليسرى في المسح، وهو مذهب أحمد ورجَّحه الشيخ ابن باز، فقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "السنة: أن يبدأ بالرجل اليمنى قبل اليسرى، كالغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم"، وقول عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله، وفي طهوره، وفي شأنه كله" (متفق على صحته)، فإذا مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، والرجل اليسرى باليد اليسرى، فلا بأس إذا بدأ باليمنى، وإن مسحهما جميعاً باليد اليمنى أو باليسرى فلا حرج".
خلاصة القول في صفة المسح: يمسح باليد اليمنى على ظاهر الرجل اليمنى ويمسح باليد اليسرى على ظاهر الرجل اليسرى في وقت واحد أو يمسح كما الغسل في الوضوء يبدأ باليمنى ثم اليسرى. والأمر في هذا واسع كما قال الشيخ ابن عثيمين: "على أي صفة مسح أعلى الخف فإنه يُجزيء".
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 12 مارس 2023, 10:21 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء الأحد 12 مارس 2023, 10:10 pm | |
|
6- مُبطلات المسح على الخفين: يبطل المسح على الخفين في الحالات الثلاث التالية، فإن حدث شيء من هذه الأمور لم يحل له أن يمسح على خفيه، وإنما يجب عليه إذا أحدث أن يتوضأ ويغسل رجليه، ثم يكون له أن يلبس خفيه ويمسح بعد ذلك مرة أخرى: أ- إذا حصل ما يوجب الغسلُ: قال صفوان بن عسال -رضي الله عنه-: "أمرنا (يعني النبي -صلى الله عليه وسلم-) أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثاً إذا سافرنا، ويوماً وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما إلا من جنابة" (رواه الشافعي وأحمد وابن خزيمة والترمذي والنسائي وصححاه).
ب- انقضاء مدة المسح: فلا يجوز المسح على الخفين بعد انقضاء مدة المسح المحددة شرعاً يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.
ملاحظة: انتهاء مدة المسح لا ينقض الوضوء على الراجح وهو اختيار ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين والألباني وغيرهم، فلا يجب على لابس الخفين أن يتوضأ إذا انتهت مدة المسح إن كان لا يزال على طهارة؛ لأن انتهاء المدة ليس من نواقض الوضوء.
قال الشيخ ابن عثيمين: "لا ينتقض الوضوء بتمام مدة المسح، والقول بالنقض لا دليل عليه فتمام المدة معناه أنه لا مسح بعد تمامها".
مسألة: رجل مسح بعد انتهاء مدة المسح ناسياً ثم صلى فما حكم صلاته؟
إذا مسح بعد انتهاء مدة المسح سواءً كان مقيماً أو مسافراً فإن ما صلاه بهذه الطهارة يكون باطلاً -ولو كان ناسياً- بإجماع أهل العلم؛ لأن وضوءه باطل حيث إن مدة المسح انتهت، فيجب عليه أن يتوضأ من جديد وضوءاً كاملاً بغسل رجليه، وأن يعيد الصلوات التي صلاها بهذا الوضوء الذي مسح به بعد انتهاء المدة.
وبذلك أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، وأفتت اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ ابن باز رحمه الله نحو ذلك.
ت- نزع الخف والإحداث قبل لبسه: فإذا نزع خفَّه -ولو قبل انقضاء المدة- ثم أحدث، فلا يجوز أن يلبسه ويمسح عليه، لأنه حينئذ لم يدخل رجله على طهارة.
مسألة: هل نزع الخفين بعد المسح عليهما ينقض الوضوء؟
مَنْ نزع خفيه بعد المسح عليهما ولم يُحدث، فللعلماء في حكمه أربعة أقوال: الأول: عليه أن يعيد الوضوء، وهو مذهب النخعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق والشافعي في القديم ويرجحه ابن باز رحمه الله؛ لأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا أزال الممسوح بطلب الطهارة في القدمين فتبطل جميعها لأنها لا تتجزأ.
الثاني: عليه أن يغسل قدميه فقط، وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور والشافعي في الجديد.
الثالث: عليه أن يغسل قدميه فور خلعه، فإن تأخر أعاد الوضوء: وهو مذهب مالك والليث.
الرابع: ليس عليه وضوء ولا غسل لقدميه، وبه قال الحسن البصري وعطاء وابن حزم واختاره النووي وابن المنذر ويرجحه شيخ الاسلام ابن تيمية وابن عثيمين؛ لأنه -والخف عليه- طاهر كامل الطهارة بالسنة الثابتة، ولا يجوز نقض ذلك إذا خلع خفه إلا بحجة من سنة أو إجماع، وليس عند القائلين بإعادة الوضوء أو غسل الرجلين حجة.
وأخرج البيهقي في حديث صحيح عن أبي ظبيان «أنه رأى عليًّا رضي الله عنه بال قائماً، ثم دعا بماء، فتوضأ ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى». ثم يُقاس على من مسح الشعر ثم حلقه فإنهم لا يقولون بإعادة مسح الرأس أو إعادة الوضوء، فإذا خلع خفيه ولم يُحدث فإن له أن يصلي ما شاء حتى ينتقض وضوؤه.
وقال الشيخ ابن عثيمين في ذلك: "القول الراجح من أقوال أهل العلم الذي اختاره شيخ الإِسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم رحمهم الله تعالى، أن الوضوء لا ينتقض بخلع الخف، فإِذا خلع خفه وهو على طهارة وقد مسحه فإنِ وضوءه لا ينتقض، وذلك لأنه إذا مسح على الخف فقد تمت طهارته بمقتضى دليل شرعي، فإذِا خلعه فإنِ هذه الطهارة الثابتة بمقتضى الدليل الشرعي، لا يمكن نقضها إِلا بدليل شرعي، ولا دليل على أن خلع الممسوح من الخفاف أو الجوارب ينقض الوضوء، وعلى هذا فيكون وضوؤه باقياً...".
مسألة: إذا نزع الخفين وهو على وضوء ثم أعادها قبل أن ينتقض وضوءه فهل يجوز المسح عليها؟
إذا نزع الشراب ثم أعادها وهو على وضوئه فإذا كان هذا هو الوضوء الأول أي إن لم ينتقض وضوءه بعد لبسه فلا حرج عليه أن يعيدها ويمسح عليها إذا توضأ ما دامت المدة باقية.
أمَّا إذا كان هذا الوضوء وضوءً مسح فيه على خفه فإنه لا يجوز له إذا خلعهما أن يلبس ويمسح عليها؛ لأنه لا بد أن يكون لبسها على طهارة بالماء، وهذه طهارة بالمسح، هذا ما يعلم من كلام أهل العلم.
وبذلك أفتى الشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز رحمهما الله تعالى.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 12 مارس 2023, 10:18 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء الأحد 12 مارس 2023, 10:11 pm | |
|
ثانياً: المسح على الجوربين: 1- تعريفه: الجورب: هو ما يلبسه الإنسان في قدميه سواء كان مصنوعاً من الصوف أو القطن أو الكتان أو القماش أو نحو ذلك، وهو ما يُعرف «بالشراب».
والمسح: هو إمرار باطن اليد على الشيء الممسوح بسطاً.
ونعرف المسح على الجوربين بأنه: إمرار باطن اليدين على الجوربين في وقت محدد شرعاً بدل غسل الرجلين في الوضوء.
ملاحظة: المسح على الجوربين -مثل الخفين- خاص بالوضوء دون الغُسل، أي أنه لا يجوز لمن لبس جوربيه على طهارة إذا حصلت معه جنابة أن يغتسل ويمسح عليهما بل لابد من أن ينزعهما ويغتسل غسلاً كاملاً بالماء.
2- حكم المسح على الجوربين: للعلماء في حكم المسح على الجوربين ثلاثة أقوال: الأول: أنه لا يجوز المسح عليهما إلا أن يكون عليهما نعل جلد: وهو مذهب أبي حنيفة (ثم رجع عنه) ومالك والشافعي، قالوا: لأن الجورب لا يسمى خفًّا فلا يأخذ حكمه.
الثاني: يجوز المسح عليهما بشرط أن يكونا صفيقين (ثخينين) ساترين محل الفرض: وهو مذهب الحسن وابن المسيب وأحمد بن حنبل والصاحبين أبو يوسف ومحمد.
الثالث: يجوز المسح على الجوربين مطلقًا ولو كانا رقيقين: وهو ظاهر مذهب ابن حزم واختيار شيخ الاسلام ابن تيمية، ورجحه ابن عثيمين وابن باز والشنقيطي.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "المسح على الجوارب وهي الشراب قد ورد فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح عن غير واحد من الصحابة أنه مسح على الجوارب، ولو قدرنا أنه ليس فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أثر عن الصحابة، فإن القياس الصحيح الجلي يقتضي جواز المسح على الجوربين-أي الشراب- وذلك لأننا نعلم أن الحكمة من جواز المسح على الخفين هي المشقة التي تحصل بخلعهما عند الوضوء ثم غسل الرجل ثم إدخالها وهي رطبة فإن في ذلك مشقة من جهة النزع واللبس، ومن جهة إدخال الرجل وهي رطبة، وهذه الحكمة المعقولة الواضحة تكون تماماً في الجوربين فإن في نزعهما مشقة وفي إدخالهما والرجل رطبة مشقة أخرى، لذلك نرى أن النص والنظر كلاهما يدل على جواز المسح على الجوربين، ولكن هل يشترط في الجوربين أي الشراب أن يكونا صفيقين بحيث لا يرى من ورائهما الجلد أو لا يشترط؟ هذا محل خلاف بين العلماء منهم من قال يشترط أن يكونا ثخينين لا يصفان البشرة وإنه عليهما لو حصل خرق ولو يسير فإنه لا يجوز المسح عليها، ومنهم من قال يشترط أن يكونا ثخينين يمنعان وصول الماء إلى الرجل وإن لم يكونا ساترين.
وعلى هذا فيجوز المسح على الجوربين إذا كانا من النايلون الشفاف، ومنهم من قال لا يشترط ذلك كله وأنه يجوز المسح على الجوربين الرقيقين ولو كان يرى من ورائهما الجلد ولو كانا يمكن أن يمضي الماء منهما إلى القدم، وهذا القول هو الصحيح؛ لأنه لا دليل على الاشتراط والحكمة من جواز المسح موجودة في الرقيقين كما هي موجودة في الثخينين وعلى هذا فيجوز المسح على الجوربين الخفيفين كما يجوز على الجوربين الثخينين".
وسُئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: عن حكم المسح على الجورب المخرق والخفيف؟
فأجاب رحمه الله: "القول الراجح أنه يجوز المسح على الجورب المخرق والجورب الخفيف الذي تُرى من ورائه البشرة، لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون ساتراً، فإن الرِّجل ليست عورة يجب سترها، وإنما المقصود الرخصة على المُكلَّف والتسهيل عليه، بحيث لا نُلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء، بل نقول يكفيك أن تمسح عليه، هذه هي العلة التي من أجلها شُرع المسح على الخفين، وهذه العلة -كما ترى- يستوي فيها الخف أو الجورب المخرق والسليم والخفيف والثقيل".
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 12 مارس 2023, 10:16 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء الأحد 12 مارس 2023, 10:11 pm | |
|
3- مشروعية المسح على الجوربين: أ- ثبت جواز المسح على الجوربين في أدلة، منها حديث المغيرة بن شعبة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» (رواه أبو داود وصححه الألباني).
ب- ثبت عن جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم مسحوا على الجوربين، قال أبو داود في سننه: (ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث، ورُوي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس).
وجمهور الأئمة جوَّزوا المسح على الجوربين، فالإمام أبو حنيفة رحمه الله كان يقول طيلة حياته بعدم جواز المسح على الجوربين إلا في الأسبوع الأخير، فقال بجواز المسح على الجوربين، وقال لعُوَّاده قبل موته بثلاثة أيام أو بسبعة: فعلت ما كنت أنهى عنه.
وقال الترمذي: (وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحق قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم يكن نعلين إذا كانا ثخينين).
ملاحظة هامة: أحكام المسح على الجوربين هي نفس أحكام المسح على الخفين السابق بيانها.
مسألة هامة: ماذا يترتب من أحكام المسح على من لبس أكثر من جورب؟
هذا له حالات: 1- إذا توضأ ثم لبس جوربين، ثم أحدث، فإن حكم المسح يكون للجورب الأعلى، وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفيَّة، والمالكيَّة ، والحنابلة، والشافعي في القديم، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء.
غير أن الشيخ ابن عثيمين أفتى بأن من توضأ ثم لبس جوربين فإن له إذا أحدث أن يمسح على أي منهما؛ لأنه لبسهما على طهارة.
2- إذا توضأ ولبس جوربين، ثم مسح عليهما، ونزع الأعلى بعد المسح، جاز له إتمام المدة بالمسح على الأسفل، لأنه يصدق عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين.
3- إذا توضأ ولبس جورباً واحداً ثم أحدث ومسح عليه ثم لبس عليه جورباً آخراً، فإن المسح يستمر على الجوارب الأولى ولا يجزئ على الجوارب الفوقانية؛ لكون حكم المسح تعلق بالجوارب الأولى، وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء.
غير أن مذهب المالكيَّة والقديم عند الشَّافعيَّة وما يقول به الشيخ ابن عثيمين: يصح أن يمسح على الثاني؛ لأنه يصدق عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين، لكن يمسح عليه بقية المدة، لا يبدأ من جديد، غير أنه إذا مسح على الثاني تعلق الحكم به، فإذا نزع الثاني فلا يمسح على الأول بل عليه الوضوء بالماء.
4- إذا لبس الجورب على طهارة ثم أحدث ولبس آخر فإنه يمسح على الأول لا على الثاني؛ لأنه لبس الأول على طهارة أما الثاني على غير طهارة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة.
ثالثاً: المسح على النعلين: تقدم حديث المغيرة بن شعبة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» (رواه أبو داود وصححه الألباني).
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في جواز المسح على النعلين، والراجح أن يجوز المسح عليهما، وهو مذهب جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم-، وقال به طائفة من أهل العلم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية إلا أنه قيده بالنعل التي يشق نزعها إلا بيد ورجل، وما ذهب إليه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- من تقييد النعلين بهذا القيد هو الظاهر؛ لأن الظاهر من حكمة المسح على الخفين والجوربين هي مشقة النزع والحاجة وهذا لا يكون إلا في النعل التي يشق نزعها إلا باليد والرجل كالخفين والجوربين، أمَّا النعل التي تنزع بدون ذلك بمجرد رفع الرجل عنها أو إخراجها بسهولة، فحكمة المسح غير متحققة، فلا يجوز أن يترك غسل القدمين في الوضوء، الذي هو ركن من أركان الوضوء الوارد في تركه الوعيد من غير سبب، وأيضاً من تتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته –رضي الله عنهم- يظهر له أن نعالهم كانت لا تنزع إلا باليد.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 12 مارس 2023, 10:14 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء الأحد 12 مارس 2023, 10:12 pm | |
| وخلاصة أقوال الفقهاء في المسح على الأحذية أو النعال: أن المسح لا يخلو من حالين: 1- إن كانت الأحذية تغطي الكعبين: فهذه حكمها حكم الخف قطعاً في جواز المسح عليها إن كانت طاهرة.
2- وإن كان من الأحذية التي لا تغطي محل الفرض: فتظهر الكعبين وأعلى القدم، وهي ما تسمى (جزمة، كندرة).
وهذه لها أحوال: أ- إن لبسها على القدم مباشرة بدون جورب، فلا يصح المسح عليها على الراجح وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء؛ لأنها لا تغطي محل الفرض وتظهر جزءاً أصيلاً من القدم.
ب- أمَّا إن لبسها على جورب فيكون حكمها وحكم الجورب واحداً، وتأخذ حكم من لبس جورب فوق جورب.
فإذا لبس النعلين فوق الجوارب وهو على طهارة جاز المسح على النعلين، مع أنها لا تستر محل الفرض غالباً- لأنهما صارا كشيء واحد.
إلا أننا نرى أن النعال التي في زماننا يمر الناس بها في الشوارع والطرقات وربما تعلق بها نجاسة تجعل المسح عليها غير جائز، فالأحوط أن تنزع ويمسح على الجوربين والله تعالى أعلى وأعلم.
ملاحظة هامة: ليس هناك فرق بين الرجال والنساء في أحكام المسح المبينة أعلاه، فالأصل أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء، وأن ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل يدل على افتراقهما.
|
|
| |
| الباب الثاني: أحكام الطهارة المتعلقة بالشتاء | |
|