منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:36 pm

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Ocia_123

الفصل الثاني

المستشرقون وموقفهم من الإسلام

تمهيد:

بعد أن تعرفنا في الفصل السابق على الخطوط العريضة لنشأة الاستشراق وتطوره نأتي الآن في هـذا الفصل لنتعرف على الآراء والمواقف الاستشراقية المتصلة بالدراسات الإسلامية على وجه الخصوص، ومدى اقترابها أو ابتعادها من الروح العلمية الموضوعية.


وقبل الدخول مباشرة إلى عرض هـذه الآراء والمواقف نرى أنه من المناسب أولا أن نمهد لذلك باستعراض سريع لبعض النقاط العامة التي تتصل بأعمال المستشرقين عامة.


وفي هـذا الصدد لا بد لنا من الحديث عن المنهج الذي يسيرون عليه في دراساتهم لتحقيق الأهداف التي وضعوها لأنفسهم.          


ومن خلال ذلك كله سيتضح لنا أن الحركة الاستشراقية تضم تحت جناحيها فئات من المستشرقين، تتميز كل منها عن الأخرى حسب الأهداف التي وضعتها كل فئة لنفسها. [ص: 57]


وبعد الانتهاء من عرض هـذه النقاط العامة يصبح من السهل علينا أن ننتقل إلى استعراض لبعض الآراء الأساسية للمستشرقين فيما يتصل بالإسلام ودراسته.          


ثم نعقب على ذلك بما نستخلصه من المواقف الاستشراقية إزاء الإسلام.


ونحن بادئ ذي بدء لا ندخل على المستشرقين هـنا دخول المنكر المعاند الباحث عن المثالب، وإنما ندخل عليهم دخول الباحث الذي يتوخى الوصول إلى الحقيقة، وهذا سيجعلنا نتعرف على ما للمستشرقين من إيجابيات تذكر لهم، وما لهم من سلبيات تسجل عليهم.          


وهذا منهج حثنا الإسلام على اتباعه إحقاقا للحق ووضعا للأمور في نصابها: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هـو أقرب للتقوى) (المائدة: 8).


فكل من (الثناء المطلق والتحامل المطلق يتنافى مع الحقيقة التاريخية التي سجلها هـؤلاء المستشرقون فيما قاموا به من أعمال، وما تطرقوا إليه من أبحاث) [1].


وهكذا لن نغمطهم حقهم في تقدير ما لهم من أعمال علمية مفيدة.          


ولا ضير على المرء إذا اعترف بما لخصمه من مزايا وإيجابيات؛ إذ أن ذلك ربما يكون حافزا لنا على النهوض والاستعداد من جديد، وقبول التحدي الذي تفرضه علينا -نحن المسلمين- ظروف العصر.


والإيجابيات التي سنذكر هـنا طرفا منها بعضها يخص المستشرقين أنفسهم ويتصل بأسلوب عملهم ومدى ترابطهم، والقصد من ذكرها هـو مجرد الاعتبار بها فقط؛ وبعضها الآخر أمور تتصل بإنتاجهم العلمي العملي الذي يعود بعضه بالفائدة على الدارسين العرب، وإن كان المستشرقون قد قصدوا به في المقام الأول خدمة أنفسهم، إلا أنهم مع ذلك لم يحجبوه عن غيرهم. [ص: 58]


وفي الوقت نفسه لن نغمض الطرف عن سلبياتهم الكثيرة، وما اقترفوه في حق الإسلام والمسلمين من تضليل وبهتان.

----------------------------------------------

تفسير الأية

(يا أيها الذين آمنوا كُونُوا قوَّامين لله شُهداء بالقسط)

* * *

معنى النص الكريم:

يا أيها الذين اتصفوا بالإيمان بالله والخضوع، وكان ذلك الإيمان عنوانهم الذي يعرفون به، وشرفهم الذين يتشرفون به، كونوا قوامين لله، أي اجعلوا أنفسكم وإحساسكم ومشاعركم مطبوعة على أن تقوم لله ولأجل محبته سبحانه وطلب رضاه، لا لهوى النفس ومنازع الشهوات، وكونوا شاهدين بالحق، لا تطلبون سواه، وهذا هو المعنى الجلي المقرب لما اشتمل عليه النص الكريم، وهو أعلى من أن تتسع عبارتنا لمعناه.


وهنا ملاحظات بيانية يجب اعتبارها والإشارة إلى كمال الحكمة في عمومها:

الأولى:

(كونوا) فهو أمر بالكينونة بأن يجعلوا القيام لله تعالى، والاعتبار به، والأخذ بهديه جزءاً من كيانهم، وذلك بأن يستمروا على الطاعة ويديموا عليها، فإن الدوام على الفعل والاستمرار عليه يجعل النفس تنطبع به، ويكون جزءا منها، فالأمر بـ"كونوا" يتضمن الاستمرار والدوام، وأحب الأعمال إلى الله تعالى ما أمكن الاستمرار عليه، ليكون عادة للنفس بمنزلة الطبيعة، فالعادة طبع ثان، ولقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".


ثانيهما:

قوله تعالى: قوامين لله فإن قوام معناها: من يبالغ بالقيام بالشيء وإتقانه والإتيان به على الوجه الأكمل، وكونه لله تعالى معناه أن تكون تلك المبالغة في الفعل لأجل الله تعالى، لا شيء سواه، وهذا يتضمن "أمرين " [ص: 2058] أحدهما: أن يعمل الشخص على إتقان ما يعمل والمبالغة، فإن كان عبادة أتى بها على أكمل وجوهها، فالصلاة تكون كاملة، وكذلك الصوم... إلخ.          


وهذا يشمل ما يعمله الإنسان في الحياة، سواء أكان عبادة أم كان أمراً من أمور الدنيا، وقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يُحِبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنهُ".


وثانيهما:

أن يكون ذلك لله، بأن يكون أصل العمل لله، وأن يكون إتقانه لله تعالى، فيتجه في كل الأعمال إلى الله تعالى، فالعامل في المصنع يعمل لله إن قصد بذلك نفع عباده، والتاجر كذلك، وإذا قصد بأعماله وجه الله، وما فيها من خير للعموم كان في عبادة مستمرة، وليست العبادة مقصورة على الصلاة والصوم والحج، بل كل عبادة إذا قصد بها وجه الله تعالى، ولقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمنُ أحدُكُم، حتى يُحِبَّ الشيء لا يحبه إلا لله".


الثالثة:

في قوله تعالى شهداء بالقسط فإن شهداء تدل على الحضور، وعلى الإثبات وأداء الشهادة، وعلى الحكم وهي في النص الكريم تشمل كل هذا، فالمعنى: لا يحكمون إلا بالقسط أي العدل، ولا يشهدون إلا بالعدل ولا يشهدون الزور، ولا يحضرون، إلا ما يكون قسطا وعدلا، وما يكون قسطاسا مستقيما لا تحيف فيه ولا انحراف، والمؤدى أن يكون حضورهم في القسط، ونطقهم بالقسط، وحكمهم بالقسط، وعملهم بالقسط، فلا يكون إلا للخير، وفي سبيل الخير دائماً.


وعَبَّرَ بالقسط، لأنه شامل للخير كله، ولأن العدل ميزان الخير، ولذا قال من بعد: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا).


الجرم في أصل معناه اللغوي:

القطع، فيُقال جرم الثمار أي قطعها، ثم أطلق على الكسب، وغلب على الكسب الآثم، ومنه أجرم بمعنى ارتكب إثما، لأنه كسبه، وقد يتضمن معنى الحمل مع اشتماله على معنى الكسب الآثم، وهذا هو القريب من المعنى هنا، فمعنى ولا يجرمنكم شنآن لا يحملنكم حملا آثما [ص: 2059] شنآن قوم ألا تعدلوا، والشنآن: البغض الشديد مصدر شنأه بمعنى أبغضه، والمعنى لا يحملنكم البغض الشديد لقوم على ألا تعدلوا معهم، بل أعطوهم حقوقهم، ومكنوهم مما يستحقون، وفي صدر هذه السورة يقول سبحانه: ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا [المائدة].


والمعنى هناك: أنه لا يصح أن يحمل البغض بسبب الصد عن المسجد الحرام على الاعتداء، ففيها أمر بعدم الاعتداء - أما هنا، فإن فيها أمرا بالعدالة حتى مع الأعداء، فالعدالة نظام هذا الوجود الإنساني، وبجمع الآيتين، يكون المعنى المقرب لمراد الله سبحانه أنه لا يصح أن يكون البغض الشديد حاملا على الاعتداء، ولا أن يكون البغض الشديد حاملا على منع الحقوق، بل يعطى كل ذي حق حقه، ولو كان عدوا مبينا، فالحق ليس منحة من شخص لشخص يسلبه إن أبغض، ويعطيه إن أحب، بل إن التمكين منه واجب مقدس أمر الله سبحانه وتعالى به، وحث عليه، وقد روي في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".          


ولا ينتظم الوجود الإنساني بغير العدل، وقد روى الطبراني عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا ظلم أهل الذمة كانت الدولة دولة العدو" ومعنى هذا الحديث: أنه لا يصح أن يظلم غير المسلم الذي يعيش مع المسلمين، والدولة إذا ظلمت رعاياها من غير المسلمين لا تكون دولة الإسلام بل تكون دولة الأعداء.


وازنوا بين حكم الإسلام وحكم الأقوياء في هذا الزمان الذين يستبيحون كل شيء من غير حريجة من أخلاق أو دين.


اعدلوا هو أقرب للتقوى الضمير في قوله: "هو" يعود إلى العدل الذي تضمنه قوله تعالى: (اعدلوا) وقوله تعالى من قبل: [ص: 2060] ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا والمعنى: اعدلوا، فالعدل أقرب للتقوى، وفي النص انتقال من النهي إلى الأمر، ففي النص الأول نهى عن أن يحملهم البغض على عدم العدل، وفي هذا النص أمر بالعدل، ولا شك أن النص الأول يتضمن الأمر بالعدل، لأن النهي عن الشيء أمر بنقيضه، فالنهي عن الظلم أمر بالعدل، فكان ثمة تكرار مؤكد، وكان مع التكرار فائدة وهي طلب معالجة النفس، ومحاولة ترويضها على العدل، فإن قوله تعالى: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا فيه أمر بعلاج النفس، وحملها على البقاء في دائرة الاعتدال، وتقوية للإرادة، حتى لا يستولي عليها الغضب، فتجمح وفي الجموح سير وراء شيطان الغضب، ووراء ذلك منع الحقوق، والظلم.          


وقوله تعالى: هو أقرب للتقوى فيه بيان قرب العدالة من التقوى، مع أن العدل من صميم التقوى، فلماذا عبر بالقرب من العدالة مع أن العدالة في ذاتها تقوى مؤكدة، وخصوصا في حال المغالبة النفسية والبغض الشديد؟ والجواب عن ذلك أن قلب المؤمن في معاملته مع غير المؤمن قد تعتريه حال يرى فيه أن من التقوى ألا يعطيه حقه، لأنه في ميدان القتال يستبيح ماله ويستبيح دمه، فيظن حال السلم كحال الحرب، ويظن ذلك قريبا من التقوى، فبين له القرآن الكريم أن القرب من التقوى أن يحسن معاملته، وأن يعطي كل ذي حق حقه، فذلك دفعا للخاطر بمثله، أو بما يقرب إليه المعنى في التعبير، ولأن كمال التقوى بعيد المنال، وأنها إذا كانت مطلوبة، فإن الله يعفو عن كمالها، ويكتفي منا بقربها، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "لن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه، ولكن سددوا وقاربوا" فالله جل جلاله غفور رحيم يطلب منا المقاربة بعد أن نسدد ونقارب ولقد طلب سبحانه منا أن نسدد، فقال تعالى: واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون أمرنا الله تعالى بالتقوى في كل الأمور في ذات أنفسنا بأن نراقب الله في كل عمل نعمله، فلا نعمل إلا طيبا، ولا نقول إلا طيبا، ولا نأكل إلا طيبا، ونخشى الله حق خشيته، ونقوم بعبادته [ص: 2061] مسددين مقاربين، ونتقي الله فيما بيننا، ونكون عباد الله إخوانا، ويكون التعاون الحكم بيننا، ونتقي الله تعالى في مخالفينا، فلا يكون منا عليهم اعتداء ولا ظلم، بل تقريب وائتلاف، وإن كان منهم اعتداء دفعناه من غير أن نتجاوز حد الدفع.


وقد ذيل الله سبحانه وتعالى الأمر بالتقوى، بما يدل على علم الله تعالى بكل أعمالنا، حتى خلجات صدورنا، وما يحوك في قلوبنا، فقال سبحانه: إن الله خبير بما تعملون أي أن الله جل جلاله عليم علما دقيقا، فالخبرة: هي العلم الدقيق الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، عليم، هذا النوع من العلم بكل ما نعمل، وما ظهر منه وما بطن، وهو يجازينا بما نعمل، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ومن ينوي الخير، فهو محتسب له، ومن ينوي الشر، ويعدل عنه اختيارا لا يحتسب عليه إثم.. اللهم وفقنا لتقواك، واهدنا لما يرضيك، وقربنا ولا تباعدنا إنك عليم حكيم.

* * *

زهرة التفاسير



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 10 مارس 2023, 8:21 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:37 pm


أعمال المستشرقين

تتمثل جهود المستشرقين على مدى تاريخهم الطويل في أعمال مختلفة تشكل في مجموعها كلا واحدا.


ويمكن تلخيص هـذه الأعمال في عدة أمور هـي:

1 - التدريس الجامعي.

2 - جمع المخطوطات وفهرستها.

3 - التحقيق والنشر.

4 - الترجمة من العربية إلى اللغات الأوروبية.

5 - التأليف في شتى مجالات الدراسات العربية والإسلامية.


وفيما يلي نلقي نظرة سريعة على هـذه الأعمال:

[1] التدريس الجامعي

يكاد يكون هـناك في كل جامعة أوروبية أو أمريكية معهد خاص للدراسات الإسلامية والعربية، بل يوجد في بعض الجامعات أكثر من معهد للاستشراق؛ مثل جامعة ميونخ حيث يوجد بها معهد للغات السامية والدراسات الإسلامية ومعهد لتاريخ وحضارة الشرق الأدنى.


ويرأس كل معهد أستاذ، ويساعده بعض المحاضرين والمساعدين.


وتقوم هـذه المعاهد بمهمة التدريس الجامعي وتعليم العربية، وتخريج الدارسين في أقسام الماجستير والدكتوراة ممن سيواصلون أعمالهم في المجال الاستشراقي الأكاديمي أو غيره [ص: 59] من المجالات أخرى في السلك الدبلوماسي، أو الالتحاق بأعمال في الأقسام الشرقية بدور الكتب، أو في مراكز البحوث المهتمة بالشرق، أو غير ذلك من أعمال في جهات لها صلة بالشرق.


ومن هـنا تأتي أهمية ما يحمله المستشرقون من أيديولوجية بالنسبة لما يخلفونه من آثار في الدارسين على أيديهم، وما ينطبع منهم على غيرهم [1] .


ولكل معهد مكتبة عامرة بالكتب والمراجع العربية والإسلامية التي تخدم الدراسات والبحوث العلمية للدارسين.


وتفتح هـذه المعاهد أبوابها للدارسين من كل مكان، ومنها يتخرج أيضا بين الحين والحين أعداد لا بأس بها من العرب المسلمين، الذين يعودون إلى بلادهم لتولي مهمة التدريس في جامعات بلادهم.


ويتفانى المستشرقون في أعمالهم ويخدمون أهدافهم بإخلاص تام وتفان إلى أقصى حد وبكل الوسائل.


ولديهم صبر عجيب ونادر في البحث والدرس، وإحاطة تامة بالعديد من اللغات القديمة والحديثة.


وقد أشار الشيخ مصطفى عبد الرازق إلى: (الإعجاب بصبرهم ونشاطهم وسعة اطلاعهم وحسن طريقتهم) [2].


ولهم معرفة جيدة بأهم ما ينشر عن الدراسات العربية والإسلامية في بلادنا، ومكتباتهم الخاصة والعامة عامرة بشتى المراجع العربية والإسلامية قديمها وحديثها.


وهناك حقيقة يعرفها كل من خالط المستشرقين وهي أن المستشرق المتمكن لا تأخذه العزة بالإثم إذا نبهته إلى خطأ وقع فيه نتيجة لعدم فهمه لروح اللغة العربية. [ص: 60]



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:38 pm

[2] جمع المخطوطات العربية

اهتم المستشرقون منذ زمن طويل بجمع المخطوطات العربية من كل مكان في بلاد الشرق الإسلامي.


وكان هـذا العمل مبنيا على وعي تام بقيمة هـذه المخطوطات التي تحمل تراثا غنيا في شتى مجالات العلوم.


وكان بعض الحكام في أوروبا يفرضون على كل سفينة تجارية تتعامل مع الشرق أن تحضر معها بعض المخطوطات، وقد ساعد الفيض الهائل من المخطوطات المجلوبة من الشرق على تسهيل مهمة الدراسات العربية في أوروبا وتنشيطها، ومنذ الحملة النابليونية على مصر عام 1798م تزايد نفوذ أوروبا في الشرق، وساعد ذلك على جلب الكثير من المخطوطات.


وكانت الجهات المعنية في أوروبا ترسل مبعوثيها لشراء المخطوطات من الشرق، فعلى سبيل المثال أرسل ( فريدريش فيلهلم الرابع ) ملك بروسيا (ريتشارد ليبسيوس) إلى مصر عام 1842م، و (هينريش بترمان) عام 1852م إلى الشرق لشراء مخطوطات شرقية.


وقد تم جمع المخطوطات من الشرق بطرق مشروعة وغير مشروعة، وقد لقيت هـذه المخطوطات في أوروبا اهتماما عظيما، وتم العمل على حفظها وصيانتها من التلف والعناية بها عناية فائقة وفهرستها فهرسة علمية نافعة، تصف المخطوط وصفا دقيقا، وتشير إلى ما يتضمنه من موضوعات وتذكر اسم المؤلف وتاريخ ميلاده ووفاته وتاريخ تأليف الكتاب أو نسخه... إلخ.


وبذلك وضعت تحت تصرف الباحثين الراغبين في الاطلاع عليها في مقر وجودها أو طلب تصويرها بلا روتين أو إجراءات معقدة.


وقد قام مثلا ألوارد Ahlwardt بوضع فهرس للمخطوطات العربية في مكتبة برلين في عشرة مجلدات بلغ فيه الغاية؛ فنا ودقة وشمولا.


وقد صدر هـذا [ص: 61] الفهرس في نهاية القرن الماضي، واشتمل على فهرس لنحو عشرة آلاف مخطوط.


وقد قام المستشرقون في الجامعات والمكتبات الأوروبية كافة بفهرسة المخطوطات العربية فهرسة دقيقة، وتقدر المخطوطات العربية الإسلامية في مكتبات أوروبا بعشرات الآلاف، بل قد يصل عددها إلى مئات الآلاف.


وهناك دراسات للمستشرقين عن هـذه المخطوطات في مجالات عديدة؛ وعلى سبيل المثال قامت باحثة من المستشرقين بإعداد بحث عن نوادر مخطوطات القرآن الكريم في القرن السادس عشر، قال عنه الشيخ أمين الخولي بعد أن سمعه أثناء حضوره لمؤتمر المستشرقين الدولي الخامس والعشرين: (لقد قدمت السيدة كراتشكو فسكي بحثا عن نوادر مخطوطات القرآن في القرن السادس عشر الميلادي، وإني أشك في أن الكثيرين من أئمة المسلمين يعرفون شيئا عن هـذه المخطوطات، وأظن أن هـذه مسألة لا يمكن التساهل في تقديرها) [1].


وهنا كلمة حق يجب أن تقال وهي:

إن انتقال هـذا العدد الهائل من المخطوطات إلى أوروبا بوسائل شرعية أو غير شرعية قد هـيأ لها أحدث وسائل الحفظ والعناية الفائقة والفهرسة الدقيقة.


وعندما أقول هـذا أشعر بالأسى والحسرة لحال المخطوطات النادرة في كثير من بلادنا العربية والإسلامية، وما آل إليه حال الكثير منها من التلف والتآكل وصعوبة أو استحالة الاستفادة منها. [ ص: 62 ]



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:38 pm


[3] التحقيق والنشر

ولم يقتصر عمل المستشرقين على جمع المخطوطات وفهرستها بل تجاوز ذلك إلى التحقيق والنشر.


فقد قاموا بتحقيق الكثير من كتب التراث، وقابلوا بين النسخ المختلفة، ولاحظوا الفروق وأثبتوها، ورجحوا منها ما حسبوه أصحها وأعدلها، وأضافوا إلى ذلك فهارس أبجدية للموضوعات والأعلام أثبتوها في أواخر الكتب التي نشروها، وقاموا في بعض الأحيان بشرح بعض الكتب شرحا مفيدا [1].


وهكذا استطاعوا أن ينشروا عددا كبيرا جدا من المؤلفات العربية، كانت عونا كبيرا للباحثين الأوروبيين من المستشرقين وغيرهم من بلاد الشرق.


وقد عرفنا الكثير من كتب التراث محققا ومطبوعا على أيديهم؛ ومن بين هـذه الكتب نذكر -على سبيل المثال لا الحصر- نشرهم لسيرة ابن هـشام، والإتقان للسيوطي، والمغازي للواقدي، والكشاف للزمخشري، وتاريخ الطبري، وكتاب سيبويه، والاشتقاق لابن دريد، والأنساب للسمعاني، ومعجم الأدباء لياقوت، وتجارب الأمم لابن مسكويه، وفتوح مصر والمغرب والأندلس لابن عبد الحكم، واللمع لأبي نصر السراج، والبديع لابن المعتز، وحي بن يقظان لابن طفيل، والمختصر في حساب الجبر والمقابلة للخوارزمي، والملل والنحل للشهرستاني، وعمدة عقيدة أهل السنة والجماعة للحافظ النسفي، وفتوح الشام للأزدي البصري، وفتوح الشام للواقدي، والكامل للمبرد، والجمهرة لابن دريد، وأخبار النحويين البصريين للسيرافي، وكتاب المناظر لابن الهيثم، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، والأحكام السلطانية للماوردي، وفضائح [ ص: 63 ] الباطنية للغزالي، وتاريخ اليعقوبي، والفهرست لابن النديم، وكشف الظنون لحاجي خليفة، والتعريفات للجرجاني، وطبقات الحفاظ للذهبي، ووفيات الأعيان لابن خلكان، وتهذيب الأسماء للنووي، وصحيح البخاري، والمقتضب لابن جني، ومقالات الإسلاميين للأشعري، والوافي بالوفيات للصفدي، والتيسير في القراءات السبع لأبي عمرو عثمان الداني، والرد الجميل على مدعي ألوهية المسيح بصريح الإنجيل للغزالي، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، والأغاني للأصفهاني، والأوائل للسيوطي، والطبقات لابن سعد، وعيون الأخبار لابن قتيبة، والفقه الأكبر لأبي حنيفة، وعدد هـائل من دواوين الشعر العربي في عصوره المختلفة.



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:39 pm


[4] الترجمـة

ولم يقتصر الأمر على نشر النصوص العربية بل قاموا أيضا بترجمة مئات الكتب العربية والإسلامية إلى اللغات الأوروبية كافة، فقد نقلوا إلى لغاتهم الكثير من دواوين الشعر والمعلقات وتاريخ أبي الفداء، وتاريخ الطبري، ومروج الذهب للمسعودي، وتاريخ المماليك للمقريزي، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، والإحياء والمنقذ للغزالي، وغير ذلك من مئات الكتب في اللغة والأدب والتاريخ والعلوم الإسلامية المتعددة، هـذا فضلا عما ترجم في القرون الوسطى من مؤلفات العرب والمسلمين في الفلسفة والطب والفلك وغير ذلك من علوم.


وقد سبق أن عرفنا في الفصل السابق أن القرآن قد تمت ترجمته لأول مرة في القرن الثاني عشر.


وقد قام المستشرقون منذ ذلك الوقت وحتى الآن بإعداد العديد من ترجمات القرآن إلى اللغات الأوروبية كافة، وقد مهدوا لترجماتهم [ ص: 64 ] بمقدمات، وضعوا فيها تصوراتهم عن الإسلام، وبذلك أعطوا للقارئ من بادئ الأمر تصورهم الذي لا يتفق في معظم الأحيان مع الحقائق الإسلامية، بل قد يصطدم مع هـذه الحقائق اصطداما جوهريا.


وفيما يلي بيان تقريبي بعدد الترجمات المعروفة التي تمت في عدد من اللغات الأوروبية من قبل غير المسلمين [1]:

- في اللغة الألمانية: 14 ترجمة.

- في اللغة الإنجليزية: 10 ترجمات.

- في اللغة الإيطالية: 10 ترجمات.

- في اللغة الروسية: 10 ترجمات.

- في اللغة الفرنسية: 9 ترجمات.

- في اللغة الإسبانية: 9 ترجمات.

- في اللغة اللاتينية: 7 ترجمات.

- في اللغة الهولندية: 6 ترجمات.



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:39 pm


[5] التأليف

أ - تاريخ الأدب العربي.

ب - دائرة المعارف الإسلامية.

ج - المعاجم.


تعدَّدت مجالات التأليف في الدراسات العربية والإسلامية لدى المستشرقين، وبلغ عدد ما ألفوه عن الشرق في قرن ونصف (منذ أوائل القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين) ستين ألف كتاب [1].


لقد ألفوا في التاريخ العربي والإسلامي، وفي علم الكلام، وفي الشريعة، وفي الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامي، وفي تاريخ أدب [ص: 65] اللغة العربية، وفي الدراسات المتعلقة بالقرآن والسنة النبوية، وفي النحو العربي وفقه اللغة العربية.          


ولم يتركوا مجالا من مجالات العلوم العربية والإسلامية إلا وألفوا فيه.


ولهم بعض مؤلفات قيمة ذات فائدة علمية للباحثين، ولهم مؤلفات أخرى تزخر بالطعن في الإسلام، وتمتلئ بالأكاذيب التي ليس لها في سوق العلم نصيب.


وسنتحدث بشيء من التفضيل عن الأمثلة من هـذه الكتابات عند عرضنا لآراء المستشرقين حول الإسلام في هـذا الفصل،


وسنكتفي هـنا بالإشارة إلى المؤلفات ذات القيمة العلمية كنماذج للمؤلفات المفيدة.



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:40 pm

أ - تاريخ الأدب العربي

من تأليف المستشرق الألماني كارل بروكلمان (توفي 1956م) وهو كتاب أساسي في الدراسات العربية والإسلامية لا يستغني عنه باحث في الدراسات العربية والإسلامية، وقد قام بروكلمان بهذا العمل الضخم بمفرده.

ولا يقتصر هـذا الكتاب على الأدب العربي وفقه اللغة بل يشمل كل ما كتب باللغة العربية من المدونات الإسلامية.

فهو سجل للمصنفات العربية المخطوط منها والمطبوع.


ويكتمل بمعلومات عن حياة المؤلفين.


وقد صدر أولا في مجلدين في عامي 1898م، 1902م ثم أتبعه المؤلف بثلاثة مجلدات تكميلية كبيرة تضم في مجموعها حوالي 2600 صفحة، في الفترة من عام 1937 إلى عام 1942م، ثم أعاد نشر المجلدين الأساسين في عامي 1943م - 1949م في طبعة أخرى معدلة؛ ليتناسب تعديلهما مع المجلدات الثلاثة التكميلية. [ص: 66] وقد حصلت الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية -إدراكا منها لأهمية هـذا الكتاب لكل باحث عربي- حصلت عام 1948م على موافقة بروكلمان وإذنه بترجمة الكتاب إلى العربية.          


وقد بعث بروكلمان إلى الإدارة المذكورة بجزء كتبه بخطه وباللغة العربية، يحتوي على تصحيحات وزيادات لغرض إلحاقها بالترجمة.          


وقد قام الدكتور عبد الحليم النجار -رحمه الله- بترجمة بعض أجزاء من هـذا الكتاب إلى العربية بتكليف من الجامعة العربية، وصدر الجزء الأول منها عام 1959م.


ووصل ما صدر من أجزاء حتى الآن ستة أجزاء، وكانت الترجمة قد توقفت بعد وفاة الدكتور النجار وصدور الأجزاء الثلاثة الأولى، وقد تم تقسيم الكتاب كله إلى ثمانية عشر جزءاً، وقامت المنظمة العربية للترجمة والثقافة والعلوم بتوزيع باقي الأجزاء على مجموعة من الباحثين لترجمتها حتى يتسنَّى نشر الكتاب كله دفعة واحدة.


وقد طلب مني القيام بترجمة الجزء السابع عشر.          


وكانت المنظمة العربية تستحث الباحثين بين الحين والحين برسائل رسمية لإنجاز هـذا العمل.          


ولكن رياح التيارات السياسية التي اجتاحت المنطقة العربية في السنوات الأخيرة عصفت بهذا العمل الثقافي البحت، ولم نعد نسمع شيئا لا من المنظمة العربية صاحبة التكليف بالترجمة، ولا من أي جهة أخرى.


ويكفي هـنا لتعريف القارئ بقيمة هـذا الكتاب أن نورد السطور التالية من مقدمة الدكتور عبد الحليم النجار للكتاب، والتي وردت في الجزء الأول من الترجمة العربية.          


يقول رحمة الله في بداية المقدمة: (كان تعريب كتاب: تاريخ الأدب العربي، (لكارل بروكلمان) أملاً يراود كل قارئ بالعربية حينما يبحث في علوم العرب وآدابهم، أو يحاول سبر جهود العلم العربي ومتابعة خطواته في تأسيس ثقافة العالم الجديد وتنمية حضارته، أو يريد [ص: 67] حصر ما تشتت وإحصاء ما تفرق من تراث الفكر العربي في مكتبات العالم وخزائن الكتب، ليتخذ من ذلك آيات بينات للفخر والاعتزاز، أو عدة ومددا للبعث والإحياء، أو يتطلع أخيرا إلى ما ترجم إلى لغات العالم من ذلك التراث الخالد، وما أثير حوله من بحوث، وصنف من دراسات قدمت خطى العلم والأدب ودفعتهما إلى الأمام في الشرق والغرب.


وقد كان بروكلمان يدرك أن عمله في حاجة مستمرة إلى الإكمال؛ بناء على ما يكتشف من مخطوطات، ولذلك كان دائب العناية بإكماله على مدى نصف قرن.          


ويقوم الآن الباحث التركي المسلم فؤاد سيزكين -تلميذ المستشرق الألماني هـيلمت ريتر- بعد اكتشاف آلاف المخطوطات بإكمال عمل بروكلمان وذلك في كتابه: (تاريخ التراث العربي) بالألمانية، الذي ترجم بعضه إلى العربية، ومنح عليه جائزة الملك فيصل منذ بضع سنوات.



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:40 pm


ب - دائرة المعارف الإسلامية

على الرغم مما لنا نحن المسلمين على هـذه الدائرة من مآخذ كثيرة فإنها تعد ثمرة من ثمار التعاون العلمي الدولي بين المستشرقين.          


وقد تم إصدارها في طبعتها الأولى بالإنجليزية والفرنسية والألمانية في الفترة من 1913م إلى عام 1938م.          


وقد تولت نقلها إلى العربية لجنة دائرة المعارف الإسلامية من خريجي الجامعة المصرية منذ عام 1933م لم تصل في الترجمة إلا إلى حرف العين، وقد عمد المترجمون إلى نشر تعليمات هـامة في أعقاب الكثير من المقالات؛ لتصحيح الخطاء التي وقع فيها المستشرقون، وقام بكتابة هـذه التعليمات مجموعة من العلماء المعروفين. [ص: 68]


وقد تجاوز المستشرقون فيما بعد هـذه الدائرة المتداولة، وقاموا بإصدار دائرة معارف إسلامية جديدة أعيدت فيها كتابة المقالات بناء على ما صدر من بحوث حديثة وما نشر أو اكتشف من مخطوطات.          


وقد ظهرت الطبعة الجديدة باللغتين الإنجليزية والفرنسية فقط، من عام 1954م حتى عام 1977م.


وقد أشار نجيب العقيقي إلى أن اللجنة العربية لترجمة دائرة المعارف ترجع الآن إلى الطبعة الجديدة ابتداء من حرف: العين، بدلا من الرجوع إلى الطبعة القديمة التي تقادمت بعض معلوماتها [1].



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:41 pm

ج - المعاجم

للمستشرقين باع طويل في مجال المعاجم والقواميس اللغوية، وقد سبق أن أشرنا إلى إنجاز أول قاموس لاتيني عربي في القرن الثاني عشر الميلادي.          


ونذكر في هـذا الصدد أيضا المعجم العربي اللاتيني الذي ألفه جورج فيلهلم فرايتاج [ت 1861م]، ذلك المعجم الذي لا يزال يستعمل حتى اليوم [1].          


بالإضافة إلى العديد من القواميس الصغيرة والكبيرة التي تجمع بين العربية وغيرها من لغات أوروبية مختلفة؛ كالإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها من لغات أوروبية أخرى.


وهناك مستشرقون ينفقون سني عمرهم في إعداد مثل هـذه المعاجم.          


وحسبنا أن نشير هـنا إلى معجم اللغة العربية القديمة المرتب حسب المصادر، فقد قضى أوجست فيشر [ت 1949م] أربعين عاما في جمعه وتنسيقه، وتعاون معه عدد من المستشرقين. [ص: 69]


ونخص بالذكر هـنا أيضا المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف، الذي يشمل كتب الحديث الستة المشهورة بالإضافة إلى: مسند الدرامي، وموطأ مالك، ومسند الإمام أحمد بن حنبل.          


وقد تم نشره في سبعة مجلات ضخمة في الفترة من عام 1936م حتى عام 1936م.          


وتفيد من هـذا المعجم الجامعات والمعاهد الإسلامية كافة في العالم.



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:41 pm

أهداف المستشرقين

بعد أن تعرفنا على طرف من أعمال المستشرقين يستبد العجب ببعضنا وتعتريه الدهشة لموضوع الاستشراق ويتساءل: ما الذي يدعو الباحث الغربي إلى بذل كل هـذا الجهد والعمر والمال في دراسة عالم غريب عنه؛ يدرس لغاته التي تختلف تماما عن لغته، ويحاول جاهدا فهم آدابها وعقائد أهلها وتاريخهم؟


ما الذي يحمله على ذلك وقد كان في وسعه أن يوجه كل تلك الجهود لدراسة مجالات أوروبية أخرى يمكن أن تظهر فيها مواهبه وإمكاناته الفكرية من ناحية، ومن ناحية أخرى تكون أكثر فائدة له من الناحية العلمية؟


وكما يقول نجيب العقيقي:

(فلو أن أحدهم انصرف طوال حياته إلى حل الكلمات المتعارضة، أو جمع طوابع البريد النادرة، أو كتابة القصص البوليسي بدل التحقيق والترجمة والتصنيف لخرجت به من تلك الجزائر المتعددة التي يعيش فيها المستشرقون إلى العالم الرحب في القرن العشرين، ولعادت عليه برخاء من العيش، وشهرة بين الناس، وسلامة من النقاد) [1]. [ص: 70]


ويعتقد نجيب العقيقي أن الدافع العلمي كان وراء كل الجهود الاستشراقية.          


والعقيقي -على الرغم من أنه عربي- يعتبر نفسه واحدا من المستشرقين؛ فقد صنف نفسه في كتابه: (المستشرقون) تحت عنوان: المدرسة المارونية، بوصفه واحدا من أتباع هـذه المدرسة التي أسهمت بجهودها في مجال الاستشراق [2].


ولكن المستشرق الألماني المعاصر (رودي بارت) يرى أن الدافع العلمي في الحركة الاستشراقية بدا أظهر ما يكون اعتبارا من منتصف القرن التاسع عشر.          


ويعني هـذا في رأيه أن معظم الكتابات الاستشراقية قبل ذلك كان ينقصها الطابع العلمي.          


يقول (بارت): (إننا في دراستنا لا نسعى إلى نوايا جانبية غير صافية بل نسعى إلى البحث عن الحقيقة الخالصة) [3].


ولكن الأمر بالرغم من ذلك ليس أمرا عاديا أو من قبيل المصادفة؛ فاتجاه الأوروبيين لدراسة الشرق وإقامة مؤسسة ضخمة لذلك هـي مؤسسة الاستشراق لا بد أن تكون وراءه أهداف معينة.


ويستطيع كل باحث عن تاريخ الاستشراق أن يتبين بما لا يدع مجالا للشك أن الهدف الديني كان وراء نشأة الاستشراق ودعم الدراسات الإسلامية والعربية في أوروبا، وقد صاحب الاستشراق طوال مراحل تاريخية ولم يستطع أن يتخلص منه بصفة نهائية، وحتى نهاية القرن التاسع [ص: 71] عشر لم يكن الاستشراق قد حرر نفسه من إسار الخلفية الدينية التي اشتق منها أصلا إلا بدرجة ضئيلة [4].


والهدف الديني للاستشراق كان يسير منذ البداية في اتجاهات ثلاثة متوازية تعمل معا جنبا إلى جنب.


وتتمثّل هـذه الاتجاهات فيما يأتي:

1 - محاربة الإسلام والبحث عن نقاط ضعف فيه، وإبرازها والزعم بأنه دين مأخوذ من النصرانية واليهودية، والانتقاص من قيمه، والحط من قدر نبيه... إلخ.


2 - حماية النصارى من خطره بحجب حقائقه عنهم، وإطلاعهم على ما فيه من نقائص مزعومة، وتحذيرهم من خطر الاستسلام لهذا الدين.


3 - التبشير وتنصير المسلمين، وقد أشرنا إلى ذلك في الفصل السابق.


وقد كان قرار (فيينا) الكنسي في 1312م وقرار إنشاء كرسي اللغة العربية في جامعة كامبردج بعد ذلك بأكثر من ثلاثة قرون، وتأسيس مجلة العالم الإسلامي TheMuslim World عام 1911م عن طريق صمويل زويمر رئيس المبشرين في الشرق الأوسط، والذي توفي في أوائل الخمسينيات من القرن الحالي، كانت هـذه بعض الشواهد الظاهرة في اتجاه خدمة الهدف الديني، والعمل من أجله في محيط الاستشراق.


وإذا كان الهدف الديني لم يعد ظاهراً الآن في الكثير من الكتابات الاستشراقية فليس معنى ذلك أنه قد اختفى تماماً.


إنه لا يزال يعمل من وراء ستار بوعي أو بغير وعي.          


فمن الصعب على معظم المستشرقين النصارى -المشتغلين بدراسة الإسلام- وأكثرهم متدينون، أن ينسوا أنهم يدرسون دينا ينكر عقائد أساسية في النصرانية ويهاجمها ويفندها؛ مثل عقيدة التثليث وعقيدة الصلب والفداء، كما أنه من الصعب عليهم أيضا أن ينسوا أن الدين الإسلامي قد قضى على النصرانية في كثير من بلاد الشرق وحل محلها [5]. [ص: 72]


ونحن إذ نسجل ذلك فإننا ننبه في الوقت نفسه إلى أن ذلك ليس حكما عاما على جميع المستشرقين؛ فهناك فريق من المستشرقين قد حاول جاهدا الالتزام بالحيدة والموضوعية وأنكر على كثير من زملائه نزواتهم، التي انحرفت بهم عن النزاهة العلمية، وهناك من أنصف في جانب وتحامل في جانب آخر.


يقول مونتجمري وات:

(جد الباحثون منذ القرن الثاني عشر في تعديل الصورة المشوهة التي تولدت في أوربا عن الإسلام، وعلى رغم الجهد العلمي الذي بذل في هـذا السبيل فإن آثار هـذا الموقف المجافي للحقيقة التي أحدثتها كتابات القرون المتوسطة في أوروبا لا تزال قائمة، فالبحوث والدراسات الموضوعية لم تقدر بعد على اجتنابها).


ويقول برنار لويس:

(لا تزال آثار التعصب الديني الغربي ظاهرة في مؤلفات عدد من العلماء المعاصرين، ومستترة في الغالب وراء الحواشي المرصوصة في الأبحاث العلمية).


ويقول نورمان دانييل:

(على الرغم من المحاولات الجدية المخلصة التي بذلها بعض الباحثين في العصور الحديثة للتحرر من المواقف التقليدية للكتاب النصارى من الإسلام فإنهم لم يتمكنوا أن يتجردوا منها تجردا تاما.) [6].


ولكن الهدف الديني لم يكن هـو كل شيء، فقد كانت هـناك أيضا أهداف أخرى للاستشراق تقترب أو تبتعد من الهدف الديني.          


ومن هـذه الأهداف ما يأتي [7]: [ص: 73]

1 - أهداف علمية

وقد كانت مقصد بعض من ظهروا في عصر التنوير في أوروبا، فمنهم من قرأ الكتب الدينية وفحصها وأدرك أن رسالة الإسلام قريبة من الرسالات السماوية ومؤيدة لما جاء في كتبها من إيمان بالله وكتبه ورسله، ودعوة إلى الحق والخير والصلاح، ولكن هـؤلاء كانوا قلة.


2 - أهداف تجارية

وقد ظهرت تلك الأهداف التجارية في عصر ما قبل الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين، فقد كان الغربيون مهتمين بتوسيع تجارتهم والحصول من بلاد الشرق على المواد الأولية لصناعاتهم التي كانت في طريقها للازدهار.          


ومن أجل هـذا وجدوا أن الحاجة ماسة للسفر إلى البلاد الإسلامية، والتعرف عليها ودراسة جغرافيتها الطبيعية والزراعية والبشرية، حتى يحسنوا التعامل مع تلك البلاد، وتحقيق ما يصبون إليه من وراء ذلك من تحقيق فوائد كثيرة، تعود على تجارتهم وصناعتهم بالخير العميم.


ولذلك كانت المؤسسات المالية والشركات وكذلك الملوك في بعض الأحيان يزودون الباحثين بما يحتاجون إليه من مال، كما كانت الحكومات المعنية تمنحهم الرعاية والحماية.


ونظرا لأهمية الدين وتأثيره الفعال في الأخلاق والمعاملات فقد اتجه هـؤلاء الباحثون لدراسته وكتابة التقارير وتأليف الكتب عنه.          


ولكن هـذه الطائفة كانت أيضا قلة مثل الطائفة السابقة.


3 - أهداف سياسية

ظهرت تلك الأهداف السياسية واضحة جلية واتسع مداها باتساع رقعة الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين كما سبق أن أشرنا إلى ذلك، واضطرت الدول الاستعمارية أن تعلم موظفيها في [ص: 74] المستعمرات لغات تلك البلاد، وأن تدرس لهم آدابها ودينها؛ ليعرفوا كيف يسوسون هـذه المستعمرات ويحكموها.          


وقد اتجهوا في هـذه المرحلة إلى العناية باللهجات العامية والعادات السائدة، كما عنوا بالدين والشريعة.



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:42 pm


فئات المُستشرقين

ومن خلال هـذا العرض السريع لأهداف المستشرقين المختلفة التي كانت تتداخل مع بعضها في أحيان كثيرة يتضح لنا أن المستشرقين فئات مختلفة، تتراوح بين التعصب والإنصاف.


فإذا تجاوزنا من لهم ميول تبشيرية خفية أو سافرة نجد أن المستشرقين العلمانيين ينقسمون إلى فئات مختلفة:

أ - فريق من طلاب الأساطير والغرائب

من هـؤلاء الذين افتروا على الإسلام واخترع خيالهم المريض حوله الأقاصيص الكاذبة، ولم يكن لهذا الفريق في سوق العلم نصيب، وقد ظهر هـذا الفريق في بداية نشأة الاستشراق، واختفى بالتدريج.


ب - فريق من المرتزقة

الذين جندوا دراساتهم وبحوثهم في خدمة المصالح الغربية؛ الاقتصادية والسياسية والاستعمارية، وقد أشرنا إليهم عند حديثنا عن الاستشراق والاستعمار.


ج - وفريق من المتغطرسين

الذين أخذتهم العزة بالإثم، وأعمتهم الضلالة عن النزاهة العلمية، فراحت أقلامهم تقطر حقدا وعداوة وطعنا في الإسلام من أمثال: (بدويل) و (بريدو) و (سيل) من القرن الثامن عشر، وقد كان لكتابات بعضهم -مثل (سيل) - أثر كبير في الغرب لمدة طويلة، ويتساوى مع هـؤلاء في الحقد والعداوة للإسلام مجموعة من الملحدين، الذين ينالون من الإسلام نيلهم من النصرانية. [ص: 75]


د - فريق تعرض للإسلام باسم البحث العلمي

ولكنهم انحرفوا عن جادة الصواب؛ فراحوا يتلمسون نقاط ضعف في الإسلام، ويشككون في صحة الرسالة الإسلامية، وفي التوحيد الإسلامي، وفي القرآن الكريم من حيث مصدره أو نصه، وفي الحديث من حيث صحته، وفي قيمة الفقه الإسلامي الذاتية، وفي قدرة اللغة العربية على التطور... إلخ.


هـ - وهناك فريق من المستشرقين التزم في دراسته للإسلام بالموضوعية والنزاهة العلمية

وأنصف الإسلام والمسلمين، وقد أدَّى الأمر ببعضهم إلى اعتناق الإسلام [1].


و - وهناك فريق من المستشرقين توفر على دراسة اللغة العربية وفقه اللغة والأدب العربي

أو اشتغل بالمعاجم وما شابه ذلك، ولهؤلاء بحوث قيمة مفيدة.


ويهمنا عند عرض آراء المستشرقين حول الإسلام أن نناقش تلك الآراء الاستشراقية الأساسية التي ترسخت في الأذهان، وأصبح لها حجية أو شبه حجية، وخاصة إذا كانت هـذه الآراء صادرة باسم العلم والمنهج العلمي واستخدام أساليب النقد والتحليل في البحث.


فقد ينخدع بعضهم بتلك الشعارات العلمية، ولكن البحث والتنقيب في هـذه الآراء يظهر لهم أنهم كانوا يجرون وراء سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءوه لم يجدوه شيئاً.


أمَّا الفرق الأخرى فإمَّا أن أمرها مفضوح، وغشها مكشوف، وكذبها صراخ، وهذه ليس لنا معها حديث؛ لأن المستشرقين أنفسهم يعترفون الآن بأن مثل هـذه الفرق لا وزن لها، وإما أنها فرق منصفة للإسلام أو لا صلة لدراساتها بالإسلام، ولذلك فهي بعيدة عن موطن الشبهات.


ولعلنا في مناسبة أخرى نعرض لآراء المستشرقين المنصفين للإسلام، ونوفيهم حقهم من التقدير. [ص: 76]



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:42 pm

منهج المستشرقين

وقبل عرض أمثلة من آراء هـذه الفئة التي صدرت آراؤها ومواقفها باسم العلم والموضوعية يهمنا هـنا أن نتعرف على المنهج الذي يستخدمه المستشرقون في دراستهم للإسلام.


يقول (رودي بارت):

(فنحن معشر المستشرقين، عندما نقوم اليوم بدراسات في العلوم العربية والعلوم الإسلامية لا نقوم بها قط لكي نبرهن على ضعة العالم العربي الإسلامي، بل على العكس؛ نحن نبرهن على تقديرنا الخاص للعالم الذي يمثله الإسلام، ومظاهره المختلفة، والذي عبر عنه الأدب العربي كتابة، ونحن بطبيعة الحال لا نأخذ كل شيء ترويه المصادر على عواهنه دون أن نعمل فيه النظر، بل نقيم وزناً فحسب لما يثبت أمام النقد التاريخي أو يبدو وكأنه يثبت أمامه، ونحن في هـذا نطبق على الإسلام وتاريخه وعلى المؤلفات العربية التي نشتغل بها المعيار النقدي نفسه الذي نطبقه على تاريخ الفكر عندنا، وعلى المصادر المدونة لعالمنا نحن) [1].


وقد لا يبدو على هـذا المنهج غبار من وجهة النظر العلمية؛ (فالقوم يدرسون العلوم الإسلامية العربية ويضعون نظريات، ويكونون آراء في أثناء ما يقومون به من دراسات، ويهتمون بتقديم أدلة وأسانيد لهذه الآراء والنظريات، يستمدونها من المراجع الإسلامية نفسها، وهذا العمل في ظاهره عمل علمي سليم، ولكن الفحص الدقيق أثبت أن كثيرا منه [ص: 77] مصنوع، وكثيرا ما يكون الدافع إليه الرغبة في التجريح، وتوهين العقيدة الدينية والشريعة الإسلامية) [2].


قد عرض مثلا أحد المستشرقين المعاصرين وهو (جاستون فييت) في كتابه: (مجد الإسلام)، تاريخ الإسلام عن طريق صفحات مختارة من أقوال المؤرخين والكتاب المعاصرين لكل فترة من فترات هـذا التاريخ.          


وعلى الرغم من ذلك فإن هـذا الكتاب ينضح بالحقد والطعن في الإسلام وتاريخه؛ لأن (جاستون فييت) اختار فقط النصوص التي تتفق مع الاتجاه الذي اختاره هـو سلفا؛ وهو اتجاه يتسم بالعداء والكراهية للإسلام والمسلمين [3].


والبحث العلمي النزيه لا صلة له إطلاقا بالرغبة في الطعن والتجريح، والبحث عن نقاط الضعف والتشوية، وتسقط الإخطاء.          


والأسلوب العلمي يحتم ضرورة الاستيثاق من صحة النصوص والأسانيد التي نستنبط منها ما نستنبط من نظريات، ولكن الرغبة في التجريح والتشويه كثيرا ما حملت المستشرقين على التماس أسانيد واهية مرفوضة، يؤيدون بها ما يقررونه من نظريات.          


(فهم لا يترددون في الاعتماد على الأحاديث الضعيفة، وهم ينقبون في طوايا كتب التاريخ والسير عن أخبار ضعيفة غير ثابتة يدعمون بها آراءهم، ولهم صبر لا ينفد في استكشاف هـذه المخبوءات، واستغلال الضعيف من الدلالات، ومهما يكن من شيء فهم لا يستوعبون دراسة ما بأيديهم من المسائل، وكثيرا ما يغفلون النصوص والأخبار التي تناقض ما يقررون) [4].


وهذا بطبيعة الحال أمر ليس من العلم في شيء، وإنما هـو انحراف عن النهج العلمي السليم، وهذا الانحراف العلمي هـو للأسف طابع الكثير من [ص: 78] الدراسات الاستشراقية حول الإسلام، الأمر الذي يجعلنا -نحن المسلمين- نقف من هـذه الدراسات موقف الحذر، ويحتم علينا الكشف عما فيها من زيف وخداع، فالكثير من النظريات والآراء التي يقولون بها مبنية على افتراضات لا أساس لها، وتخمينات لا سند لها.


والواقع أنه ليس بالأمر الغريب أن يختلف المستشرقون معنا -نحن المسلمين- في الرأي حول الإسلام، وإنما الغريب أن يتفقوا معنا في الرأي؛ وذلك لأن منطق تفكيرهم بالنسبة للإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم يختلف عن المنطق الذي يصدر عنه تفكير المسلمين.          


ولهذا تختلف وجهات النظر بيننا وبينهم وستظل مختلفة.          


فلا ننتظر منهم أن يتبنوا وجهة نظرنا التي تنظر إلى الإسلام على أنه دين سماوي ختم به الله الرسالات السماوية، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأن القرآن الكريم وحي الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لأصبحوا مسلمين.          


وهذا ما حدث بالفعل بالنسبة لبعضهم ممن تحول إلى الإسلام، وهذا التحول إلى الإسلام يعني في الوقت نفسه التحول عن الخط الاستشراقي.


ونحن لا نطلب من كل مستشرق أن يغير معتقده ويعتقد ما نعتقده عندما يكتب عن الإسلام، ولكن هـناك أوليات بديهية يتطلبها المنهج العلمي السليم؛ فعندما أرفض وجهة نظر معينة لا بد أن أبين للقارئ أولا وجهة النظر هـذه من خلال فهم أصحابها لها، ثم لي بعد ذلك أن أوافقها أو أخالفها.


وعلى هـذا الأساس نقول:

إن الكيان الإسلامي كله يقوم على أساس الإيمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي تلقّى القرآن وحياً من عند الله، ويجب على العالم النزيه والمؤرخ المحايد أن يقول ذلك لقرائه عندما يتعرض للحديث عن الإسلام حتى يستطيع القارئ أن يفهم سر قوة هـذا الإيمان في تاريخ المسلمين [5].


ثم له بعد ذلك أن يخالف المسلمين في معتقدهم وتصوراتهم أو [ص: 79] يوافقهم (غير أن هـذا المنهج المنطقي والطبيعي في العرض قلما يتبع مع الأسف، وكثيراً ما يحدث العكس، فيتعرّض القارئ نتيجة لذلك -ما لم يكن على علم- إلى شيء من الإيحاء برأي معين، أو يتعرض على الأقل إلى اختلاط في الأمور يجعله عاجزاً عن التمييز بين الأصل المتوارث لدى جماعة المسلمين وبين رأي الكاتب، وهكذا نجد كثيراً من المستشرقين الذين يحملون غيرهم أعباء معارفهم الخاصة يهملون ملاحظة مبادئ أولية للمنهج العلمي في معالجة المسائل التاريخية، فهم يؤكدون مثلا أن القرآن من إنشاء محمد، ثم يذهبون مذهباً بعيداً في تأسيس الأحكام التاريخية والعقيدية والأدبية وغيرها على هـذا التأكيد، وسرعان ما ترتفع هـذه بمحض الشهرة إلى مرتبة الحقائق) [6].


وقد يكون صحياً القول بأن ألوان التحامل القديم على الإسلام قد خفَّت حدَّتها إلى درجة كبيرة منذ مطلع هـذا القرن، ولكنها للأسف الشديد لا تزال تعيش قوية، ولا تزال هـناك فئة من الباحثين الغربيين المهتمين بدراسة الإسلام تحرص حتى اليوم على نشر ألوان التحامل القديم في العالم الغربي على نطاق واسع بأساليب مختلفة.


فإذا عبر المسلمون عن استيائهم إزاء التحامل الظالم على الإسلام من جانب المستشرقين فإن هـذا يعني في نظر بعض الباحثين الغربيين عدم قدرة المسلمين على فهم الأمور فهما علميا، فالمستشرقون ليس لديهم أحكام مسبقة كما نعتقد، والحقائق التي يتوصلون إليها تتسم بالحياد والموضوعية والعلمية [7]. [ص: 80]


ومعنى ذلك أن علينا أن نتقبل ما يقوله السادة المستشرقون عنا وعن ديننا ونحن صاغرون، وليس لنا حتى مجرد حق التعبير عن الاستياء وإلا فنحن متخلفون جاهلون، قاصرون عن فهم الأمور فهماً علمياً.


ولست أدري مَنْ الذي ندب مثل هـؤلاء الناس المتغطرسين لتنويرنا؟


ومَنْ أعطاهم حق الوصاية الفكرية علينا؟


أليس هـذا يعد تدخلاً سافراً في أخص أمورنا الذاتية؟


وهل يقبل هـؤلاء أن نتدخل في أي أمر من أمورهم صغر أم كبر؟ [ص: 81]



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:43 pm

نماذج من آراء المستشرقين حول الإسلام

القـرآن

[1] مصدر القرآن

القرآن الكريم هـو كتاب الإسلام الأول، الذي تقوم على أساسه عقائد الدين الإسلامي وشريعته، وتنبثق منه أخلاق الإسلام وآدابه.          


فإذا ثبت أنه وحي الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا ومن خلفه فإن الإيمان به يصبح أمراً لا مفر منه.


ومن أجل ذلك اتجهت جهود المُناهضين للإسلام قديماً وحديثاً إلى محاولة زعزعة الاعتقاد في صحة القرآن وفي مصدره، وقد بذل الوثنيون جهدهم في مقاومة فكرة أن القرآن وحي من عند الله؛ فزعموا أنه (إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون) (الفرقان: 4)، وأنـه (أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) (الفرقان: 5) وأن محمدا (يعلمه بشر) (النحل: 103)، أو أن القرآن قول ساحر أو كاهن.          


وكانوا يهدفون من وراء ذلك كله إلى إبطال القول بأنه وحي السماء إلى محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشر.


وقد حذا المستشرقون المتحاملون على الإسلام في موقفهم من القرآن حذو مشركي مكة، وبذلوا محاولات مستميتة لبيان أن القرآن ليس وحياً من عند الله، وإنما هـو من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، وردَّدُوا أحياناً الاعتراضات التي قال بها الوثنيون قديماً رغم دحض القرآن لها. [ص: 82]


يقول (جورج سيل G. Sale) في مقدمة ترجمته الإنجليزية لمعاني القرآن، التي صدرت عام 1736م ما يأتي: (أمَّا أن محمداً كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيسي له فأمر لا يقبل الجدل، وإن كان من المرجح -مع ذلك- أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هـذه لم تكن معاونة يسيرة، وهذا واضح في أن مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه بذلك) [1].


وقد كان (جورج سيل) ممن لهم اهتمام بالغ بالإسلام لدرجة أنه وصف بأنه نصف مسلم.          


وقد صادفت المقدمة التمهيدية للترجمة التي جزم فيها بتأليف محمد للقرآن نجاحاً عظيماً في أوروبا، الأمر أدَّي بمستشرق آخر هـو (كاسمير سكي) أن يجعل من مقدمة (سيل) مقدمة لترجمته الفرنسية لمعاني القرآن التي صدرت عام 1841م.          


وقد استطاعت هـذه المقدمة أن تثبت وجودها زمناً طويلاً جداً كمصدر علمي موثوق به لدى المستشرقين من حيث اشتمالها على عرض شامل للدين الإسلامي [2] وقد أصبحت قضية تأليف محمد للقرآن لدى المستشرقين (أمراً لا يقبل الجدل)، كما يقول (سيل)، غير أن من المستشرقين من يذكر ذلك صراحة كما فعل (سيل) من قبل، وكما فعل (رينان) من بعده، إذ اعتبر الرسالة المحمدية امتدادا طبيعيا للحركة الدينية التي كانت سائدة في عصر محمد صلى الله عليه وسلم دون أن تشتمل هـذه الرسالة على أي جديد [3].          


ومنهم من يذكر ذلك [ص: 83] بأسلوب أقل حدة وبطريق غير مباشر، وبعض المستشرقين المعاصرين ينحو هـذا المنحى، الأمر الذي يجعل رأيهم يبدو وكأنه استنتاج علمي.


وإذا كان محمد هـو مؤلف القرآن فإن الفرية الاستشراقية تحاول أن تكون محبوكة بقدر الإمكان؛ وذلك ببيان المصادر التي اعتمد عليها محمد في كتابته للقرآن، ويذهب الخيال الاستشراقي في هـذا الصدد كل مذهب لإثبات مزاعمه.


ويرى (ريتشارد بل Richard Bell) ([4]) مؤلف كتاب: مقدمة القرآن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمد في كتابته للقرآن على الكتاب المقدس، وخاصة على العهد القديم في قسم القصص؛ فبعض قصص العقاب كقصص عاد وثمود مستمدة من مصادر عربية، ولكن الجانب الأكبر من المادة التي استعملها محمد ليفسر تعاليمه ويدعمها قد استمده من مصادر يهودية ونصرانية، وقد كانت فرصته في المدينة للتعرف على ما في العهد القديم أفضل من وضعه السابق في مكة؛ حيث كان على اتصال بالجاليات اليهودية في المدينة، وعن طريقها حصل على قسط غير قليل من المعرفة بكتب موسى على الأقل [5].


ويذهب المستشرق (لوت) إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم مدين بفكرة فواتح السور من مثل: حم، وطسم، والم... إلخ، لتأثير أجنبي، ويرجح أنه تأثير يهودي، ظنا منه أن السور التي بدئت بهذه الفواتح مدنية خضع فيها النبي صلى الله عليه وسلم لتأثير اليهود.          


ولو دقق في الأمر لعلم أن سبعاً وعشرين سورة من تلك السور التسع والعشرين مكية، وأن اثنتين فقط من هـذه السور مدنية؛ وهما سورتا البقرة وآل عمران [6]. [ص: 84]


وعن التأثير النصراني يقول (بارت):

(لقد كانت معلومات الناس في مكة -في عصر النبي- عن النصرانية محدودة وناقصة، ولم يكن النصارى العرب سائرين في معتقداتهم في الاتجاه الصحيح، ولهذا كان هـناك مجال لظهور الآراء البدعية المنحرفة، ولولا ذلك لما كان محمد على علم بأمثال تلك الآراء التي تنكر صلب المسيح وتذهب إلى أن نظرية التثليث النصرانية لا تعني: الأب، والابن، وروح القدس، وإنما تعني: الله، وعيسى، ومريم، وعلى أية حال فإن المعارف التي استطاع محمد أن يجمعها عن حياة المسيح وأثره كانت قليلة ومحدودة، وعلى عكس من ذلك كان محمد يعرف الشيء الكثير عن ميلاد عيسى وعن أمه مريم) [7].


وما يقصد أن يقوله (بارت) هـنا واضح؛ وهو أن المعلومات التي وردت في القرآن عن النصرانية وعن المسيح وأمه كانت المعلومات الشائعة آنذاك إما خاطئة أو محدودة، فمحمد إذن هـو مؤلف القرآن.


ويزعم المستشرقون أيضاً أن محمداً تعرَّف على النصرانية من بحيرى الراهب في رحلته التجارية إلى الشام، وقد تمثل محمد في نفسه ما سمعه من بحيرى الراهب [8].


وما عرفه من أتباع اليهودية، وخرج على الناس يعلن دينه الجديد الذي لفقه من الدينين الكبيرين. [ص: 85]


وهذه كلها مزاعم واهية، لا حظ لها من العلم ولا سند لها من التاريخ، وإنما هـي تخمينات وافتراضات يضعها أصحابها كما لو كانت (حقائق ثابتة لا تقبل الجدل).


وقد تناول الدكتور محمد عبد الله دراز -رحمه الله- في دراسته القيمة: (مدخل إلى القرآن)، جميع الافتراضات المتعلقة باحتمال وجود مصدر بشري للقرآن، وناقشها مناقشة علمية، وأظهر زيفها وبطلانها، وانتهى إلى القول بأن:


جميع سبل البحث التي وقعت تحت أيدينا وناقشناها ثبت ضعفها وعدم قدرتها على تقديم أي احتمال لطريق طبيعي أتاح له -أي: للنبي صلى الله عليه وسلم - فرصة الاتصال بالحقائق المقدسة، ورغم الجهد الذهني الذي نبذله لتضخيم معلوماته السمعية ومعارف بيئته، فإنه يتعذر علينا اعتبارها تفسيرا كافيا لهذا البناء الشامخ من العلوم الواسعة والمفصلة، التي يقدمها لنا القرآن الكريم في مجال الدين والتاريخ والأخلاق والقانون والكون... إلخ [9].


فلم يبق إلا أنه وحي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، أرسله رحمة للناس أجمعين، ويحق لنا أن نسأل الذين يجادلون في مصدر القرآن ويرون أنه مأخوذ من النصرانية واليهودية أو من البيئة العربية: ما المانع أن يكون القرآن وحيا أصيلا مأخوذا من النبع نفسه الذي اغترفت منه الديانات السماوية الصحية؟


ما المانع أن يكون الإسلام هـو الحلقة الأخيرة من حلقات الوحي الإلهي، الذي أقام الاتصال بين السماء والأرض على مدى تاريخ البشرية؟ لماذا تحرمون على الإسلام ما تبيحونه لليهودية والنصرانية؟ [ص: 86]


هل هـو التعصب الأعمى، أم هـي الكراهية لهذا الدين الذي جاء مُصحّحاً لِمَا طرأ على الديانات السابقة من أوهام وأباطيل، وكاشفاً لوجه الحق فيها؟ هـل مبدأ جواز اتصال السماء بالأرض عن طريق الوحي مبدأ مسلم به أم لا؟


إنه إذا كان هـذا المبدأ مسلماً به فلا معنى لأن تحتكره اليهودية والنصرانية وتمنعه عن الإسلام، وإذا لم يكن مسلماً به فلا مجال للديانات جميعها؟


لقد جاء القرآن الكريم بما هـو أعلى وأوسع وأكمل من كل المعلومات التي كانت لدي بحيرى الراهب ولدى كل النصارى واليهود في شتى بقاع العالم، وجاء القرآن مصدقا لما نزل على موسى وعيسى وداود وسليمان وغيرهم، من حيث كون الكتب التي نزلت عليهم هـي في الأصل وحي من عند الله، كما جاء القرآن مهيمنا على هـذه الكتب وحاكما عليها، فذكر القرآن أن اليهود والنصارى أوتوا نصيبا من الكتاب، وأنهم نسوا حظا مما ذكروا به، وأنهم حرفوا الكلم عن موضعه، كما بين القرآن الكريم كثيرا من القضايا الكبرى التي كانت موضع خلاف بينهم في العقائد والأحكام والأخبار [10] وهناك العديد من الأمثلة التي خالف فيها القرآن ما ورد من أخبار في كل من العهد القديم والجديد.


فهل أخذ محمد صلى الله عليه وسلم ذلك من الرهبان في رحلته التجارية إلى الشام؟ وهل كان كفار مكة يسكتون عن ذلك لو عرفوا أن محمدا استقى معلوماته من اليهود أو النصارى؟


لقد كانوا يلجأون إلى أوهى المزاعم فلماذا سكتوا عن زعم تلقي محمد عن اليهود والنصارى؟


لقد زعم الزاعمون أن الذي يعلم محمدا هـو عبد رومي كان يصنع السيوف في مكة، فرد عليهم القرآن الكريم زعمهم قائلا: [ص: 87]


(ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) (النحل: 103).


وحتى المعلومات التي ذكرت في القرآن وكان لها أصل في كتب اليهود أو النصارى لم يكن محمد ولا قومه يعلمون شيئا عنها، ويشير القرآن إلى ذلك بعد قصة نوح مثلا: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هـذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) (هود: 49).          


وبعد قصة يوسف يقول القرآن:

(ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) (يوسف: 102).


كما أن هـناك من أخبار القرآن ما لم يكن يعرفه أهل الكتاب؛ فقد ذكر القرآن الكريم بعد قصة زكريا وولادة مريم عليهما السلام وكفالته لها قوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) (آل عمران: 44) [11].


فمن أين أخذ محمد صلى الله عليه وسلم كل ذلك؟


إنه وحي السماء، فالإسلام ليس ديناً تابعاً لأي دين آخر، ولكنه الدين الذي أراد الله أن يكون خاتم الأديان، وآخر حلقة في قصة اتصال السماء بالأرض لهداية البشر، وقد أعلن القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليـكم نعمتي ورضيت لكـم الإسلام دينًا) (المائدة: 3).


ونود في هـذا الصدد أن نُذَكِّرَ السَّادة المُستشرقين بأن مهد اليهودية والنصرانية والإسلام هـو الشرق، فالشرق هـو مهبط الرسالات [ص: 88] السماوية، وعلى أرضه سار رسل الله يحملون رسالته إلى الناس جميعاً، والمقياس لهذه الأديان جميعاً لا بد أن يكون مقياساً واحداً؛ لأن مصدرها واحد.          


ولكن هـذا المقياس الذي نعنيه لن يكون بالتأكيد ذلك المقياس الذي يريد أن يطبقه المستشرقون على علاقة هـذه الأديان بعضها ببعض؛ وهو مقياس التأثير والتأثر كما لو أن الأمر يدور حول شيء إنساني يخضع لهذا المقياس الإنساني.


ولهذا نحن نرفض -ومعنا كل الحق- منهج المستشرقين في دراسة الإسلام؛ لأنه منهج مصطنع جاء وليد اللاهوت الأوروبي؛ ولأنه منهج يقصر عن فهم طبيعة الأديان السماوية، ويحاول أن يضعها في صعيد واحد مع الاتجاهات الفكرية الإنسانية.

----------------------------------------------------------------------------------

تفسير الأية:

(وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفكٌ افتراهُ وأعانهُ عليه قومٌ آخرون فقد جاءوا ظلمًا وزورًا)؛ وقد أظهر هنا؛ ولم يذكر الضمير مجردا كالآية السابقة; لبيان أن الصلة هي السبب في هذا القول؛ فالقرآن لم يكن إفكا في ذاته؛ فقد تحداهم أن يأتوا بمثله؛ فعجزوا؛ وببعضه؛ فعجزوا؛ وبأن يأتوا بسورة من مثله؛ فعجزوا؛ وحصروه في الإفك؛ فلم يقولوا: إفك؛ بل يحصرونه في الإفك في قولهم: إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ؛ "إن"؛ هنا؛ نافية؛ فهنا نفي وإيجاب؛ أي: ما هذا إلا إفك افتراه؛ أي: كذب قصد إلى افترائه؛ وقد أوغلوا في الادعاء البهات الكذب؛ فقالوا: وأعانه عليه قوم آخرون ؛ والقوم الآخرون هم ناس كانوا من الروم بمكة؛ وقد قال (تعالى) -في رد كلامهم-: لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ؛ وقد وصف الله (تعالى) فعلهم بقوله: فقد جاءوا ظلما وزورا؛ "جاؤوا"؛ بمعنى: "أتوا"؛ فيقال: "جئت المكان"؛ و "أتيته"؛ الفاء للإفصاح؛ أي: فقد أتوا ظلما بهذا القول؛ لأنه كفر وشرك: إن الشرك لظلم عظيم؛ وزورا؛ أي: كذبا؛ يبهت السامع؛ لأنه غريب في أنه لا أصل له؛ وقد نكر ظلمًا وزورًا؛ للإشارة إلى عظمة هذا؛ وكبر هذا الزور؛ إذ إنه غير معقول في ذاته؛ بالنسبة لمحمد -صلى الله عليه وسلم- إذ عاش بينهم أربعين سنة قبل الرسالة؛ واشتهر بالصدق والأمانة؛ حتى كان الصادق الأمين.



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:44 pm

 [2] صحة النص القرآني

بعد أن تعرفنا على مزاعم المستشرقين في التشكيك في مصدر القرآن نأتي الآن للحديث عن نقطة أخرى تسير في اتجاه التشكيك نفسه، ولكنها في هـذه المرة تشكك في صحة النص القرآني، وكأنهم بذلك يريدون أن يردوا على القرآن بالسلاح نفسه، فقد قرر القرآن أن التوراة والإنجيل قد أصابهما التحريف والتبديل.


وقد تكلم المستشرقون كثيرا في موضوع القراءات بالأحرف السبعة [1]. [ص: 89] محاولين إثبات أن القراءة كانت حرة طليقة، الأمر الذي جعل تعرض القرآن للتغيير أمرا لا مفر منه.          


وهم بذلك يوهمون بأن التدوين وقع في جو هـذه الحرية، وفي هـذا الجو تم تسجيل قراءات مختلفة، وهذه القراءات التي نجمت عن ذلك لم تكن هـي الصورة التي ورد بها الوحي أساسا، ونتيجة ذلك كله هـي القول بحدوث تغيير في النص القرآني.


وقد روج بعض المستشرقين لفكرة (القراءة بالمعنى) مما يعطي للمزاعم السابقة سندا تعتمد عليه؛ فقد ظهرت هـذه النظرية في زعم بعضهم في العهد الأموي، وسادت الجو، وتلقاها الناس بالقبول، فلم يكن نص القرآن بحروفه بالنسبة لبعض المؤمنين هـو المهم، ولكن المهم كان هـو روح النص.          


ومن هـنا ظل اختيار الوجه (الحرف) في القراءات التي تقوم على الترادف المحض أمرا لا بأس به ولا يثير الاهتمام، وهكذا يمكن أن يخضع تحديد النص لهوى كل إنسان.


إن اختلاف القراءات أمر ثابت لا ننكره، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أيضا أن القرآن كان وحيا باللفظ والمعنى معا، ومن أجل ذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على تسجيل الوحي فور نزوله والعناية بحفظه في السجلات التي سطر فيها [2].          


وليس صحيحاً ما يردده (بلاشير) من أن فكرة تدوين الوحي لم تنشأ إلا بعد إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأن التدوين كان جزئيا وناتجا عن جهود فردية ومثارا للاختلاف [3].


فالثابت أن فكرة تدوين الوحي كانت قائمة منذ نزوله، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبة الوحي ليدونوه.          


وقد بلغ عدد كتاب الوحي -كما يذكر الثقات من العلماء- تسعة وعشرين كاتبا، أشهرهم الخلفاء الراشدون الأربعة، [ص: 90] ومعاوية، والزبير بن العوام، وسعيد بن العاص، وعمرو بن العاص، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت [4].


وأما ما يتعلق بمسألة الأوجه السبعة في القراءة فإن الأمر فيها لم يكن متروكا لأهواء الناس، وإنما كان محكوما بما يقرأه الرسول صلى الله عليه وسلم للناس من أوجه للقراءة، كان القصد منها التخفيف على الناس في أول الأمر، (فأذن لكل منهم أن يقرأ على حرفه؛ أي على طريقته في اللغة، إلى أن انضبط الأمر في آخر العهد وتدربت الألسن، وتمكن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة فعارض جبريل النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مرتين في السنة الأخيرة، واستقر على ما هـو عليه الآن)، وهذا ما عليه أكثر علماء المسلمين [5].


والواقع الذي عليه المسلمون منذ أربعة عشر قرنا هـو تمسكهم الشديد بالمحافظة على الوحي القرآني لفظا ومعنى، ولا يوجد مسلم يستبيح لنفسه أن يقرأ القرآن بأي لفظ شاء ما دام يحافظ على المعنى.          


وليبحث المستشرقون اليوم في أي مكان في العالم عن مسلم يستبيح لنفسه مثل ذلك، وسيعييهم البحث، فلماذا إذن هـذا التشكيك في صحة النص القرآني، وهم يعلمون مدى حرص المسلمين في السابق واللاحق على تقديس نص القرآن؛ لفظا ومعنى؟


إنهم يبحثون دائما -كما سبق أن أشرنا- عن الآراء المرجوحة والأسانيد الضعيفة؛ ليبنوا عليها نظريات لا أساس لها من التاريخ الصحيح ولا من الواقع.          


فنحن المسلمين قد تلقينا القرآن الكريم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بدوره تلقاه وحيا من الله، ولم يحدث أن أصاب هـذا القرآن أي تغيير أو تبديل على مدى تاريخه الطويل، وهذه ميزة فريدة انفرد بها القرآن وحده من بين الكتب السماوية كافة، الأمر الذي يحمل في طياته صحة هـذا الدين، الذي ختم به الله سائر الديانات السماوية. [ص: 91]


وفي هـذا الصدد نورد ما ذكره (رودي بارت) في مقدمة ترجمته الألمانية للقرآن الكريم، وكأنه يرد على زملائه الذين راحوا يشككون في صحة النص القرآني، يقول (بارت): (ليس لدينا أي سبب يحملنا على الاعتقاد بأن هـناك أية آية في القرآن كله لم ترد عن محمد) [6].


ويتصل بالتشكيك في صحة القرآن القول بأن لغة القرآن (لا تتميز عن لغة الأدب الدنيوي بعصمة يقينية، وهذا أمر يجده المرء في عدم اتفاق أصحاب النبي فيما بينهم على تبعية بعض فقرات معينة للقرآن؛ فابن مسعود -مثلا- يرى أن سورة الفاتحة والمعوذتين ليست من القرآن على الرغم من أن هـذه السور تعد من أشهر المشهورات) [7].


وهذا الرأي المنسوب إلى ابن مسعود باطل من أساسه؛ وقد رفضه علماء المسلمين.          


يقول الإمام فخر الدين الرازي:

(نقل في بعض الكتب القديمة أن ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوذتين من القرآن، وهو أمر في غاية الصعوبة؛ لأنا إن قلنا: إن النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصحابة يكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإن قلنا: لم يكن حاصلا في ذلك الزمان، فيلزم أن القرآن ليس بمتواتر في الأصل)، ومن أجل ذلك يقول الفخر الرازي بأن نقل هـذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل. [ص: 92]


وكذلك يقول القاضي أبو بكر:

(إنه لم يصح عن ابن مسعود أن هـذه السور ليست من القرآن).


أمَّا الإمام النووي فيقول في شرح المهذب:

(أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن مَنْ جحد منها شيئاً كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح).


ويقول ابن حزم في كتابه القدح المعلى تتميم المحلى:

(هذا كذب على ابن مسعود وموضوع، وإنما صح عنه -أي: عن ابن مسعود- قراءة عاصم عن زرعان وفيها المعوذتان والفاتحة) [8].


وقد ذكر الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن [9]:

إنه لو صح أن ابن مسعود كان قد أنكر السورتين على ما ادعوا لكانت الصحابة تناظره على ذلك، وكان يظهر وينتشر، فقد تناظروا في أقل من هـذا، وهذا أمر يوجب التكفير والتضليل، فكيف يجوز أن يقع التخفيف فيه، وقد علمنا إجماعهم على ما جمعوه في المصحف؟ فكيف يقدح بمثل هـذه الحكايات الشاذة في الإجماع المقرر والإتفاق المعروف؟


وهكذا يتضح لنا أن هـذا الرأي المزعوم لا يستحق الوقوف عنده أو الاهتمام به على النحو الذي يسلكه المستشرقون، فلم يحدث في تاريخ المسلمين أن كان لأمثال هـذه الآراء الباطلة أي تأثير على الإطلاق في توجيه معتقداتهم، ولم يذكر لنا التاريخ أن هـناك طائفة من المسلمين تبنت هـذا الرأي الباطل المنسوب إلى ابن مسعود، وعلى ذلك فلا يترتب عليه أدنى شك في تميز لغة القرآن عن لغة الأدب الدنيوي المعهود. [ص: 93]


فلغة القرآن لها خصوصية التفرد.          


وقد عجزت فصاحة العرب وبلاغتهم -وهم أصحاب الفصاحة والبلاغة- عن محاكاة لغة القرآن، وقد تحداهم الوحي أن يأتوا ولو بسورة من مثله، ولكنهم عجزوا عن قبول التحدي الذي لا يزال وسيظل قائما إلى أن تقوم الساعة.          


فلو كان القرآن غير خارج عن العادة لأتوا بمثله أو عرضوا من كلام فصحائهم وبلغائهم ما يعارضه.          


فلما لم يشتغلوا بذلك علم أنهم فطنوا لخروج ذلك عن أوزان كلامهم وأساليب نظمهم، وزالت أطماعهم عنه [10].


فإذا جاء مستشرق مثل (دوزي) [ت 1883م] وأطلق عبارات مريضة عن القرآن، تقول بأنه كتاب ذو ذوق رديء للغاية، ولا جديد فيه إلا القليل، وفيه إطناب بالغ، وممل إلى حد بعيد [11].


إذا قال (دوزي) ذلك فلا يأخذنا العجب أن يصدر منه ومن أمثاله مثل هـذا الهراء، ولكنا فقط نتساءل: من أين له الأهلية لإصدار مثل هـذا الحكم على القرآن الكريم؟ إن العلم الذي يتحدث باسمه لا يمكن أن يعطي له مثل هـذا الحق على الإطلاق، وبالتالي فهي الأحقاد والنزعات والأهواء التي تدفعه إلى ذلك، ومن هـذا شأنه لا يمكن أن يصل إلى إدراك ما ينطوي عليه القرآن الكريم من إعجاز وفصاحة وبلاغة، أجبرت المشركين على الاعتراف بها، فراح مندوبهم الوليد بن المغيرة يردد بعد سماعه للقرآن "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يُعلى، وإنه ليحطم ما تحته".


وشتان بين موقف (دوزي) وموقف (الوليد بن المغيرة)؛ فالوليد بن المغيرة قال ما قال عن تذوق سليم لبلاغة القرآن، أما (دوزي) فمن أين له مثل هـذا التذوق، وهو مهما كانت براعته في العربية غريب عن هـذه اللغة، وأجنبي عن روحها وإن برع في معرفة ألفاظها؟ [ص: 94]



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:44 pm

[3] خطورة القرآن

القرآن الكريم كتاب مقلق للغربيين، ومحير لهم، ومبلبل لأفكارهم.          


يقول (بلاشير):

(قلما وجدنا بين الكتب الدينية الشرقية كتابا بلبل بقراءته دأبنا الفكري أكثر مما فعله القرآن) [1].


ولكن الأمر في الواقع ليس مجرد قلق أو حيرة أو بلبلة فكرية، وإنما الأمر أبعد من ذلك بكثير إنه الشعور بخطورة هـذا الكتاب.          


وقد كان للاستشراق دوره في التحذير من خطورة القرآن على العالم الغربي، فقد تكفل بالكشف عن أخطار القرآن طائفة من المستشرقين الذين أخضعوا بحوثهم العلمية للأهواء الشخصية أو الأهداف السياسية والدينية، فأعماهم ذلك عن الحق، وأضلهم عن سواء السبيل.


عندما تدرس هـذه الفئة القرآن الكريم دراسة عميقة، وتتأمل مبادئه الأساسية، وتتبين مزاياه الفريدة، وما فيه من دعوة إلى الترابط، والاعتصام بحبل الله المتين، والتعاون على البر والتقوى، والتحذير من الشر أو الظلم، والنهي عن السخرية بغيرنا أو التجسس عليه، والتحذير من الغيبة والنميمة، والحض على الصدق والأمانة والعدل والوفاء بالعهد، والحث على طلب العلم والتخلص من الجهل عندما يتبينون ذلك كله يحاولون طمس هـذه الحقائق، وإبعاد المسلمين عنها، ويسارعون إلى أولي الأمر في بلادهم من المستعمرين القدامى أو الجدد، ويوحون إليهم بأن هـذا القرآن كتاب خطير؛ لأنه اشتمل على مبادئ تقيم الدنيا وتقعدها، وإذا [ص: 95] تحقق فهمها وتطبيقها ساد أهله العالم كله وتحكموا في مصيره.


وهذا يعني أن المسلمين إذا عرفوا كتابهم حق المعرفة، وطبقوه تطبيقا تاما، فالويل كل الويل للاستعمار القديم والجديد؛ إذ أنه لن تقوم له قائمة بعد الساعة التي تتم فيها هـذه المعرفة، ويتحقق فيها ذلك التطبيق، ومن ثم يتبين ذلك المجهود الذي يبذله المستعمرون في أن يبقى القرآن مجهولا، وأن تظل مبادئه مهجورة بعيدة عن التنفيذ [2].


ومن هـنا نعرف سبب هـلع الغرب وفزعه الذي لا حد له عندما يشعر بوجود تيار إسلامي في أي مكان في العالم الإسلامي، أو ما يعرف الآن بالصحوة الإسلامية، التي تعني -لو أحسن ترشيدها- عودة إلى هـذا القرآن الخطير، الذي يزرع العزة في قلوب أبنائه، ويرفض أن يكونوا أذلاء لأعدائهم.          


وهذا يعني أيضا انطلاق المارد الإسلامي من سجنه ليثبت وجوده مرة أخرى، الأمر الذي يهدد أطماع ومصالح الغرب في الشرق الإسلامي.


وتقوم وسائل الإعلام في الشرق والغرب بتصوير الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي بالتطرف والتشدد والجمود والرجعية والتعصب والإرهاب، وكل ما في القاموس من ألفاظ من هـذا القبيل.          


ويعمل الغرب والشرق مجتمعين على ألا تقوم للإسلام قائمة مرة أخرى، وهذا هـدف لا خلاف عليه بين كلا المعسكرين، ولكن المسلمين لا يدركون هـذه الحقيقة إدراكاً تامًّا.


وتتجه الجهود إلى تحويل أنظار المسلمين إلى أن طريق الخلاص هـو في اتباع سبيل الغرب العلماني.


ولهذا تنطلق الدعوة من جانب بعض المستشرقين إلى إصلاح الإسلام، فالإسلام في زعمهم دين جامد لم يعد مسايرا لروح العصر، ومن أجل ذلك فهو في حاجة إلى إصلاح جذري، وفي ذلك يقول (ك. كراج K.Cragg) رئيس تحرير مجلة العالم الإسلامي: [ص: 96]


(إن على الإسلام إمَّا أن يعتمد تغييراً جذرياً فيه، أو أن يتخلى عـن مسايرة الحياة) [3].


هذه دعوة يوجهها إلى المسلمين غريب عنهم؛ بشأن ما ينبغي عليهم أن يفعلوه في دينهم، وهذا الإصلاح المزعوم يمثل محاولة تغيير وجهة نظر المسلم عن الإسلام، وجعل الإسلام أقرب إلى النصرانية بقدر الإمكان.


ولعله من نافلة القول أن نشير هـنا إلى أن الإسلام يشتمل على أصول لا يملك أحد أن يغير فيها شيئاً؛ وهي عقائد الإسلام الأساسية، ويشتمل على فروع وهي قابلة للتغيير حسب المصلحة الإسلامية، وإن الإصلاح الذي نفهمه نحن المسلمين هـو إصلاح للفكر الإسلامي الذي هـو في حاجة إلى المراجعة المستمرة؛ حتى يتلاءم مع متطلبات العصر وحاجات الأمة في إطار التعاليم الإسلامية، ويعبر الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي عن ذلك بأنه: (مراجعة لا رجوع).


ولكن الدعوة إلى الإسلام أو تحديثه كما يقال أحيانا ليست بهذا المفهوم، وإنما هـي عبارة عن تفريغ الإسلام من مضمونه، وعزله كلية عن تنظيم أمور المجتمع، وجعله مجرد تعاليم خلقية شأنه في ذلك شأن الديانة النصرانية.


ويتورط بعض من أبناء المسلمين في حمل لواء الدعوة إلى إصلاح الإسلام كما يفهمه المستشرقون، ومن أحدث الكتب في هـذا الشأن كتاب صدر في ألمانيا الغربية منذ عامين (عام 1981م) بعنوان: (أزمة الإسلام الحديث)، لمؤلف عربي مسلم، يعمل أستاذاً في إحدى الجامعات الألمانية، يدعو فيه بحماس إلى الأخذ بالأنموذج الغربي في الإصلاح المتمثل في جعل الدين مجرد [ص: 97] تعاليم خلقية، لا تكاليف إلزامية، فذلك في نظره هـو الحل الوحيد لأزمة الإسلام، وبذلك يتم إبعاد الدين كلية عن التدخل في شئون الحياة حسب الأنموذج العلماني الغربي.


وهكذا نوفر نحن أبناء المسلمين على المستشرقين والمنصرين بذل الجهد في هـذا السبيل، ونتولى نحن الدعوة إلى تحقيق الأهداف التي عاشوا قرونا طويلة يعملون من أجلها دون جدوى.


وقد وصل الأمر في بعض البلاد الإسلامية العلمانية إلى معاملة الفكر الإسلامي معاملة الفكر الماركسي من حيث كونهما خطرا تجب مكافحته، وتعقب الداعين إليه.


وقد قام الاستعمار بالتخطيط المدروس لإضعاف العالم الإسلامي وإبعاده عن مقوماته الإسلامية، ومنع أية محاولة لجمع شمل المسلمين مرة أخرى، ووجد الاستعمار من بين أبناء العالم الإسلامي أناسا ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات لتحقيق أهدافه.          


ونحن لا نلقي هـنا القول على عواهنه، وإنما هـذا ما تنطق به الوثائق السرية الاستعمارية نفسها؛ فقد جاء في تقرير وزير المستعمرات البريطاني (أورمسبي غو) لرئيس حكومته، بتاريخ 9 يناير (كانون الثاني)، 1938م ما يأتي: (إن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية هـي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية أن تحذره وتحاربه، وليس الإمبراطورية وحدها، بل فرنسا أيضا، ولفرحتنا فقد ذهبت الخلافة، وأتمنى أن تكون إلى غير رجعة.


إن سياستنا الموالية للعرب في الحرب العظمى (يعني الأولى) لم تكن مجرد نتائج لمتطلبات (تكتيكية) ضد القوات التركية، بل كانت مخططة أيضا لفصل السيطرة على المدينتين المقدستين مكة والمدينة عن الخلافة العثمانية التي كانت قائمة آنذاك. [ص: 98]


ولسعادتنا فإن كمال أتاتورك لم يضع تركيا في مسار قومي علماني فقط بل أدخل إصلاحات بعيدة الأثر، أدت بالفعل إلى نقص معالم تركيا الإسلامية.



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:45 pm


السُّنَّةُ النَّبويَّة

السنة النبوية هـي الأصل الثاني للإسلام، وقد أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ رسالته إلى الناس في قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) (المائدة: 67)


ولكن الأمر لم يكن مجرد تبليغ آلي وإنما هـو تبليغ مصحوب بالتبيين، كما ورد في قوله تعالى:

(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (النحل: 44).          


وفي قوله تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) (النحل: 64).


وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به، فكانت سنته المتمثلة في أقواله وأفعاله وتقريراته للقرآن بمثابة (تفصيل مجمله، وبيان مشكله، وبسط مختصره) [1].          


وبذلك يكون الارتباط بين القرآن والسنة ارتباطا لا يتصور [ص: 99] أن ينفصم في يوم من الأيام، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما؛ كتاب الله، وسنتي) [2].          


ومن أجل ذلك اهتم المسلمون اهتماما عظيما بالسنة بوصفها الأصل الثاني للإسلام.          


وقد كان هـذا الفهم يعد من الأمور البديهية لدى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل واليا إلى اليمن سأله: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي) [3].


وقد أراد المستشرقون بعد محاولاتهم الفاشلة للتشكيك في القرآن الكريم من جوانب مختلفة، وبعد أن أعياهم البحث ولم يكن لهذه المحاولات أي أثر إيجابي لدى المسلمين المتمسكين بقرآنهم وتبين أن هـذه المحاولات لم تكن إلا كما قال الشاعر العربي:

كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل


أراد المستشرقون أن يوجهوا محاولات التشكيك إلى ناحية أخرى؛ أي: إلى الأصل الثاني للإسلام وهو السنة، مع الاستمرار في محاولاتهم السابقة الفاشلة.          


وأول مستشرق قام بمحاولة واسعة شاملة للتشكيك في الحديث النبوي كان المستشرق اليهودي (جولد تسيهر)، الذي يعده المستشرقون أعمق العارفين بالحديث النبوي.


ويقول عنه كاتب مادة: (الحديث)، في دائرة المعارف الإسلامية: (إن العلم مدين دينا كبيرا لما كتبه (جولد تسيهر) في موضوع الحديث، وقد كان تأثير (جولد تسيهر) على مسار الدراسات الإسلامية الاستشراقية أعظم مما [ص: 100] كان لأي معاصريه من المستشرقين، فقد حدد تحديدا حاسما اتجاه وتطور البحث في هـذه الدراسات) [4].


ويلخص (بفانموللر) عمل (جولد تسيهر) في هـذا المجال فيقول: (لقد كان (جولد تسيهر) أعمق العارفين بعلم الحديث النبوي.          


وقد تناول في القسم الثاني من كتابه: (دراسات محمدية) موضوع تطور الحديث تناولا عميقا.          


وراح -بما له من علم عميق، واطلاع يفوق كل وصف- يبحث التطور الداخلي والخارجي من كل النواحي... وقد قادته المعايشة العميقة لمادة الحديث الهائلة إلى الشك في الحديث، ولم يعد يثق فيه مثلما كان (دوزي) لا يزال يفعل ذلك في كتابه: (مقال في تاريخ الإسلام).          


وبالأحرى كان (جولد تسيهر) يعتبر القسم الأعظم من الحديث بمثابة نتيجة لتطور الإسلام الديني والتاريخي والاجتماعي في القرن الأول والثاني.         


فالحديث بالنسبة له لا يعد وثيقة لتاريخ الإسلام في عهده الأول؛ عهد طفولته، وإنما هـو أثر من آثار الجهود التي ظهرت في المجتمع الإسلامي في عصور المراحل الناضجة لتطور الإسلام.          


ويقدم (جولد تسيهر) مادة هـائلة من الشواهد لمسار التطور الذي قطعه الإسلام في تلك العصور التي فيها تشكيلة من بين القوى المتناقضة، والتباينات الهائلة حتى أصبح في صورته النسقية... ويصور (جولد تسيهر) التطور التدريجي للحديث ويبرهن [ص: 101] بأمثلة كثيرة وقاطعة؛ كيف كان الحديث انعكاسا لروح العصر؟ وكيف عملت على ذلك الأجيال المختلفة؟ وكيف راحت كل الأحزاب والاتجاهات في الإسلام تبحث لنفسها من خلال ذلك عن إثبات لشرعيتها بالاستناد إلى مؤسس الإسلام، وأجرت على لسـانه الأقوال التي تعبر عن شعاراتها؟ [5].


وهكذا تم اختراع كم هـائل من الأحاديث في العصر الأموي عندما اشتدت الخصومة بين الأمويين والعلماء الصالحين، ففي سبيل محاربة الطغيان والخروج عن الدين راح العلماء يخترعون الأحاديث التي تسعفهم في هـذا الصدد، وفي الوقت نفسه راحت الحكومة الأموية تعمل في الاتجاه المضاد، وتضع أو تدعو إلى وضع أحاديث تسند وجهات نظرها، وقد استطاعت أن تجند بعض العلماء الذين ساعدوها في هـذا المجال، ولكن الأمر لم يقف عند وضع أحاديث تخدم أغراضا سياسية، بل تعداه إلى النواحي الدينية في أمور العبادات، التي لا تتفق مع ما يراه أهل المدينة، وقد استمر هـذا الحال في وضع الأحاديث في القرن الثاني أيضا [6].


هذا هـو ملخص المزاعم التي روجها (جولد تسيهر) ليهدم بها الأصل الثاني للإسلام؛ وهو السُّنَّة.          


ولسنا هـنا في معرض الرد التفصيلي على هـذه المزاعم، فقد تكفل بعض أفاضل العلماء بذلك، ومن أهم الكتب القيمة في هـذا المجال كتاب: (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي): للدكتور السباعي.          


فمن أراد التفصيل فليرجع إليه.


ولكننا هـنا نود أن نشير إلى أننا لا ننكر أن هـناك الكثير من الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لا أصل لها، وأن ذلك لم يكن في يوم من الأيام خافيا على علماء المسلمين في مختلف العصور، ولكن الأمر الذي لا شك فيه [ص: 102] أيضا أن علماء المسلمين الذين اهتموا بجمع الحديث النبوي لم يفرطوا إطلاقا في ضرورة التدقيق الذي لا حد له في رواية الحقائق، فقد وضع القرآن أمامهم أهم قاعدة من قواعد النقد التاريخي في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) (الحجرات:6).


وتتمثل هـذه القاعدة في أن أخلاق الراوي تعد عاملا هـاما في الحكم على روايته، وقد أفاد المسلمون إفادة عظيمة من هـذه القاعدة وطبقوها على رواة الأحاديث النبوية، وقد كان تطبيق هـذا المنهج النقدي على رواة الأحاديث هـو الذي تطورت عنه بالتدريج قواعد النقد التاريخي [7].


ولعلماء الحديث باع طويل في نقد الرواة، وبيان حالهم من صدق أو كذب، فقد وصلوا في هـذا الباب إلى أبعد مدى، وأبلوا فيه بلاء حسنا، وتتبعوا الرواة ودرسوا حياتهم وتاريخهم وسيرتهم، وما خفي من أمرهم وما ظهر، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا منعهم عن تجريح الرواة والتشهير بهم ورع ولا حرج، قيل ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هـؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة ؟ فقال: لأن يكون خصمي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لم لم تذب الكذب عن حديثي [8].


ويروي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قوله: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم). [ص: 103]


"ويقول ابن عباس أيضاً: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف".


ثم أخذ التابعون في المطالبة بالإسناد حين فشا الكذب.          


يقول أبو العالية:

(كنا نسمع الحديث من الصحابة فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه منهم).


ويقول ابن المبارك:

(بيننا وبين القوم القوائم)؛ يعني: الإسناد. [9].


وقد وضع رجال الحديث القواعد الدقيقة التي ساروا عليها فيمن يؤخذ منه ومن لا يؤخذ، ومن يكتب عنه ومن لا يكتب.          


ويعلم (جولد تسيهر) وغيره من المستشرقين ذلك حق العلم، ويعلمون أيضا أن ما بذله المسلمون في توثيق الحديث لم يبذل أحد من أتباع النصرانية واليهودية عشر معشاره في سبيل توثيق العهدين القديم والجديد، ويعلمون أيضا أن إماما من أئمة الحديث مثل البخاري لم يأخذ في صحيحه بعد حذف المكرر إلا حوالي أربعة آلاف حديث فقط من مجموع حوالي نصف مليون حديث قام بجمعها وغربلتها حتى انتقى منها هـذه الآلاف القليلة؛ نتيجة للمناهج العلمية الدقيقة التي وضعها المحدثون، ولم يكن المسلمون في وقت من الأوقات في حاجة إلى من يعلمهم ذلك من أمثال (جولد تسيهر) ومن سار على نهجه.


أما دعوى أن الحديث أو القسم الأكبر منه كان نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للإسلام في القرنين الأولين، وما ذكره (جولد تسيهر) من حديث عن طفولة الإسلام ونضوجه... إلخ، فإن الواقع والتاريخ يكذب هـذه المزاعم، فإن الواقع والتاريخ يكذب هـذه المزاعم. [ص: 104]


فقد انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى بعد أن اكتمل الدين تماما بنص القرآن الكريم، حيث يقول: (اليوم أكملت لكـم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (المائدة: 3).


وهذه الآية الكريمة تتضمن أيضا إكمال السنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ ومبين لما في الكتاب كما سبق أن أشرنا، فالحديث عن مرحلة نضوج للإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حديث لا أساس له؛ لأن النضوج كان قد تم بالفعل قبل وفاته.          


أما إذا كان المراد بالنضوج هـو تطور الفكر الإسلامي أو الفقه الإسلامي فهذا أمر آخر مع الأخذ في الاعتبار أن تطور الفقه الإسلامي لم يخرج -في أثناء بحثه عن حلول لما جد في المجتمع الإسلامي من مشكلات لم يكن لها نظير من قبل- عن الخطوط العامة التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية.


أما أن الحديث كان انعكاسا للتطورات التي شهدها المجتمع الإسلامي في القرنين الأولين فيكذبه الحديث الشريف الذي سبق أن أوردناه: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما؛ كتاب الله، وسنتي).


قد كان من نتيجة ذلك جمع المسلمين على كلمة سواء في العقائد والعبادات والأخلاق وأحكام المعاملات في كل بقاع الأرض، فكيف يمكن حدوث ذلك إذا لم يكن الدين قد اكتمل، والقواعد قد ترسخت، والأخلاق قد تمكنت من النفوس، والعبادات قد استقرت أوضاعها؟ إن القول بأن الحديث أو القسم الأكبر منه كان نتيجة للتطور الذي حدث في المجتمع الإسلامي في القرن الأول والثاني يترتب عليه ألا تتحد عبادة المسلم في شمال إفريقيا مع عبادة المسلم في جنوب الصين، نظرا للاختلاف البعيد [ص: 105] في البيئة في كل منهما، فكيف اتحدا في العبادة والتشريع والآداب وبينهما هـذا البعد وهذا الاختلاف؟ [10].


أمَّا اختلاف المذاهب وتعددها بعد القرن الأول فقد كان نتيجة لاختلاف أفهام المسلمين في فهم الكتاب والسنة، وهو اختلاف في الاجتهادات في الفروع لا في الأصول، وقد أباح الإسلام مثل هـذا الاختلاف في الفهم الناتج عن اجتهاد صادق، فإذا كان اجتهادا خاطئا فلصاحبه مع ذلك أجر واحد، وإن كان اجتهادا صائبا فلصاحبه أجران، ومن هـنا نجد المرونة التي تتلاءم مع كل عصر وكل مكان، وهكذا لم يصل المستشرقون إلى ما يريدون من زعزعة اعتقادات المسلمين وخلخلة تمسكهم بإيمانهم وسنة نبيهم.


وقد ردد بعض من المسلمين بعض الأفكار الاستشراقية [11]، ولكنها لم تجد أيضا آذانا صاغية من المسلمين.

-------------------------------------------------------------------

تفسير الأية:

يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنـزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنـزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين [ص: 2286] في الآيات السابقة ذكر سبحانه تعالى مواقف اليهود من رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- وامتناع أهل الكتاب عن الإيمان بما جاء به تعصبا من عندهم، وإن اختلفوا في معاملتهم، فمنهم من نافق وكذب وغدر، وألب عليه الجموع، وحرض المشركين وحالفهم، ومنهم من اقتصد في المخالفة، وبعض هؤلاء أحسن المعاملة مع الاختلاف ولم يمالئ عليه الأعداء، والمشركون من وراء هؤلاء وأولئك يحاربون، ويحاولون أن ينتهزوا الفرص للانقضاض على المسلمين، فكان البلاء شديدا، حروب وفتن يريدون إثارتها، وخبال يقصدون إليه، ولذلك أمر الله نبيه بأن يمضي في تبليغ الرسالة غير ملتفت لما يدبرون إلا بمقدار إحباطه، مطرحا عداوتهم وبغضاءهم، فالله تعالى عاصمه منهم، ولذا قال تعالت كلماته: يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس النداء للنبي -صلى الله عليه وسلم- بوصف الرسالة لتشريفه بهذا الوصف الكريم، ولأنه مصطفى لها: الله أعلم حيث يجعل رسالته وللتمهيد لما يأمره به من التبليغ، وأن يصدع بأمر الله لا يراقب أحدا، ولا يخاف من عدو; لأنه يبلغ ما أنزل الله تعالى إليه، وقد زكى سبحانه وتعالى الأمر بالتبليغ ووثقه بقوله: ما أنـزل إليك من ربك.


بما أنه منزل إليك من الله تعالى، فأنت الأولى بالتبليغ دون غيرك، والمسؤول عن إعلام الناس بما أنزل الله تعالى، وإنك إذ تبلغ الرسالة في حماية الله تعالى وكلاءته، ولذلك قال تعالت كلماته: من ربك.


أي: الذي خلقك ونماك وقام على رعايتك وهو الذي يحميك، ويدفع عنك السوء والشر، ويبلغك مبلغ الحق من نشر الرسالة ليؤمن من يؤمن عن بينة، ويكفر من يكفر عن بينة: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ص: 2287] وقوله: ما أنـزل إليك من ربك.


(ما) فيه دالة على العموم، وهي بهذا العموم تدل على معنى (جميع)، أي: بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك، أي: لا تخف شيئا ولا تكتم شيئا.


ولقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تعالى بعثني برسالته فضقت بها ذرعا، وعرفت أن الناس يكذبونني، واليهود والنصارى وقريش يخوفونني، فلما أنزل الله هذه الآية: يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك زال الخوف".


فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بلغ الشريعة كلها غير منقوصة، وما كتم شيئا، ولقد قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- وعن أبيها: من قال: إن محمدا كتم شيئا من رسالة الله تعالى فقد أعظم الفرية، ولقد قال عليه السلام: "تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله تعالى، وسنتي".


ولو كان قد ترك شيئا لمن بعده، لكان قد ترك تبليغ الرسالة، ولكن ذلك محال لقوله تعالى: وإن لم تفعل فما بلغت رسالته.


أي: إن لم تبلغ كل ما أنزل عليك فما بلغت الرسالة; ذلك لأن ترك بعض الرسالة ترك لها، فمن كلف تبليغ كتاب لواحد، فأسقط منه أسطرا لا يعد قد بلغ الكتاب، ومن يؤمر بتبليغ كلام فيحذف بعضه لا يعد قد بلغ الرسالة; لأن الرسالة فيما هو عند الناس كل لا يقبل التجزئة، فكيف تقبل رسالة الله تعالى إلى خلقه، تجزئة فينقل بعضها، ويكتم بعضها، وقد عبر عن هذا المعنى الزمخشري في [ص: 2288] الكشاف، فقال "ذلك" أن بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض، وإذا لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعا، كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كأن لم يؤمن بكلها; لإدلاء كل منها بما يدليه غيرها، وكونها كذلك في حكم شيء واحد، والشيء الواحد لا يكون مبلغا، وغير مبلغ، مؤمنا به، وغير مؤمن به" أي أن تبليغ بعض الرسالة وترك بعضها معناه ترك وجوب الإيمان به فترة بعد وفاة الرسول، وذلك غير معقول في ذاته، وغير مقبول في هذا الشرع الشريف; لأن الله تعالى عندما تأذن بموت رسوله قال تعالت كلماته: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا


وإنه يجب التنبيه إلى أمور ثلاثة:

أولها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما انتقل إلى الرفيق الأعلى حتى أتم الرسالة بيانا، وقد يقول قائل: إن الشريعة منها ما هو ثابت بالنص، وهذا بلا ريب قد تم بيانه قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقسم قد ثبت بغير النصوص، فكيف يكون قد تم بيانه،؟!


والجواب عن ذلك:

أن تبليغ الشريعة كان ببيانها، وليس معنى البيان أن يبين حكم كل جزئي من الجزئيات، بل معنى البيان أن تبين الأحكام الكلية والجزئية التي يحتاج بيانها إلى نص، والجزئيات التي لا تبين يكون من الكليات ما يدل عليها بوجود العلة أو الغاية التي يثبت أن الشارع الحكيم أرادها، ولذلك يقول الإمام الشافعي في الرسالة الأصولية: البيان إما نص قائم، وإما حمل على نص قائم، ولا شك أن كل حكم لا نص عليه يثبت الحكم فيه بالحمل على نص قائم، سواء أكان الحمل بطريق القياس، أي: بإثبات الحكم غير المنصوص عليه في موضعه بالقياس على الحكم المنصوص عليه، في موضع يشبهه، ووجه الشبه العلة المؤثرة في الحكم، أم كان الحمل بطريق وجود المصالح ودفع المضار المتفق مع مقاصد الشرع، وغايات أحكامه، وذلك موضع اجتهاد الفقهاء.


الأمر الثاني:

أنه يجب التنبيه إلى أن الذين يأخذون ببعض أحكام الشريعة مؤمنين بها، ويطرحون الآخر وراءهم ظهريا يحسبون أن ما اطرحوه ليس من [ص: 2289] الشرع ينكرون تبليغ النبي -عليه الصلاة والسلام- للرسالة كاملة، وذلك انحراف يؤدي إلى الكفر والعياذ بالله.


الأمر الثالث:

في قوله تعالى: وإن لم تفعل فما بلغت رسالته فكيف يكون الشرط والجزاء في معنى واحد؛ لأن الشرط ظاهر معناه أنك إن لم تقم بالتبليغ كاملا صادعا بالحق، فما بلغت الرسالة؛ أي: أنك إن لم تبلغ فما بلغت، وجزاء الشرط يجب أن يكون معنى مترتبا على الشرط، وذلك يقتضي المغايرة بينهما، فلا يمكن أن يكونا شيئا، وظاهر النص أنهما شيء واحد.


وقد أجيب عن ذلك بجوابين:

الجواب الأول:

أن المعنى أنك إن لم تقم بأداء الرسالة كلها بأن تركت بعضها، فإنك تكون كمن ترك الرسالة كلها، وقد اعترض على ذلك الفخر الرازي بأن ترك بعض الرسالة لا يمكن أن يكون كترك كلها، والجرم في ترك بعضها ليس كالجرم في تركها كلها، وإني أرى أن اعتراض الإمام فخر الدين الرازي غير وارد؛ لأن ترك جزء من الرسالة من غير تبليغ يكون تركا للرسالة ذاتها، ولذا عبر في الجزاء بقوله تعالت كلماته: فما بلغت رسالته أي: إن لم تفعل بتبليغها كاملة فما أديت واجب التبليغ، وجرم الجزء كجرم الكل إذا كان يتعلق بالاعتقاد، فمن أنكر بعض ما يجب الإيمان به يكون كمن ينكر كله؛ إذ يكون ممن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.


الجواب الثاني:

أن يكون الكلام من قبيل بيان أن الشرط ذاته يكفي أن يكون فيه كمال التخلي عن التبليغ، والمعنى على هذا أنك لم تقم بالتبليغ فحسبك أنك تخليت عما يجب عليك أن تفعله، وهو عملك كرسول، وإن التبليغ يقتضي جهودا وبلاء، وتعرضا للأذى، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك، وبين أنه في حماية الله تعالى وكفالته؛ ولذا قال سبحانه: والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين العصم: الإمساك، ويتضمن الإمساك الحماية، ومنع الأذى، وجاء في مفردات الأصفهاني: عصمة [ص: 2290] الأنبياء حفظه إياهم أولا بما خصهم به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية ثم بالنصرة، وبتثبيت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق قال تعالى: والله يعصمك من الناس.


ومعنى العصمة من الناس على هذا ألا يمكنوا منه -عليه السلام- ومن دعوته، ومن نفسه، فأوهامهم لا تعلق بنفسه ونفاقهم لا يؤثر في دعوته، وخلافهم وعنادهم لا يمنعان الحق من أن يصل إلى قلوب أهل الهداية والإيمان، ولجاجتهم في الكفر لا تثنيه عما يدعو إليه، ويستمسك به، وما يثار عليه من حروب لا تهزمه ما دام هو ومن معه آخذين في الأسباب ناصرين لله وللحق.          


وليس عصمة الله تعالى أن يكون الوصول إلى الحق هينا لينا سهلا، بل إنه لا بد من الجهاد، ولا بد من نزول البلاء بل بتوالي الابتلاء، كما قال تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب.


فالعصمة هي عصمة النفس والجسم من القتل، والدعوة من أن يعوق طريقها ويقضى عليها، وإن كان الأذى البدني يقع كشج رأسه وكسر ثنياته، وغير ذلك مما كان يفعله المشركون واليهود معه عليه السلام.


والناس لا يختصون بالمشركين واليهود، بل المراد السلامة مع الجهاد، من كل ما يكون من الناس عامة؛ إذ لا دليل على التخصيص، وكان ممن آذوا النبي عليه السلام كسرى فارس، وما كان من هؤلاء ولا هؤلاء وقد عصمه تعالى منه.


وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالت كلماته: إن الله لا يهدي القوم الكافرين والهداية التي ينفيها هذا النص الكريم هي الوصول إلى الحق؛ لأن الجحود قد ران على قلوبهم بما كسبوا من شر، وما اجترحوا من سيئات، وما لجت به نفوسهم من عناد، وهم لا يصلون إلى النيل من الحق وتعويق الدعوة، [ص: 2291] وعبر عن الكافرين بالقوم للإشارة إلى أنهم مهما تعددت أجناسهم وتباينت عناصرهم يلتقون عند غاية واحدة، وهي معاندتك والكفر بما جئت به، فهم بذلك التآلف في الإنكار صاروا كأنهم قوم متحدون.

زهرة التفاسير.



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:45 pm


الشريعة الإسلامية، والقانون الروماني

الأمثلة التي ذكرناها من آراء ومواقف المستشرقين من القرآن الكريم والسنة النبوية تكفي شاهدا ودليلا على محاولاتهم المستميتة في سبيل هـدم هـذين الأصلين الكبيرين اللذين يقوم عليهما الإسلام، فالاعتقاد بهما إذا تطرق إليه التخلخل فإن ذلك سيؤدي بدوره إلى تخلخل الاعتقاد في الإسلام من أساسه، ولكن المستشرقين لم يقفوا عند هـذا الحد، فدائرة عملهم أوسع من التشكيك في القرآن والسنة، فهم حريصون على تجريد المسلمين والعقلية الإسلامية والفكر الإسلامي بصفة عامة من كل القيم الإنسانية والحضارية [ص: 106] والابتكارات العلمية.          


ولن نستطيع بطبيعة الحال أن نعرض في هـذا الكتاب الموجز لكل المزاعم الاستشراقية في هـذا الصدد، ولكننا سنكتفي بأن نشير باختصار شديد إلى أنموذجين يوضحان محاولات المستشرقين في التشكيك في أصالة كل من الشريعة الإسلامية والفلسفة الإسلامية.


أما ما يتعلق بالشريعة الإسلامية: فإن معظم المستشرقين يميلون إلى القول بتأثر الشريعة الإسلامية بالقانون الروماني، على اختلاف فيما بينهم في درجات هـذا التأثر.          


فمنهم فريق من أمثال (جولد تسيهر) و (فون كريحر) و (شيلدون آموس)، يذهبون إلى القول بأن الشريعة الإسلامية مستمدة من القانون الروماني، فهذا القانون هـو المصدر الذي أقام فقهاء المسلمين على أساس من قواعده الكيان القانوني للشريعة الإسلامية.          


وفي ذلك يقول (شيلدون آموس) بصريح العبارة: (إن الشرع المحمدي ليس إلا القانون الروماني للإمبراطورية الشرقية معدلا وفق الأحوال السياسية في الممتلكات العربية).          


ويقول أيضا: (إن القانون المحمدي ليس سوى قانون جستنيان في لباس عربي).


ويستدل هـؤلاء على دعواهم بأدلة مختلفة أهمها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على معرفة واسعة بالقانون الروماني، كما أن فقهاء المسلمين قد تعرفوا على آراء فقهاء مدارس القانون الروماني وأحكام المحاكم الرومانية في البلاد التي كانت لا تزال فيها هـذه المدارس والمحاكم قائمة بعد الفتح الإسلامي.          


وهناك بالإضافة إلى ذلك تشابه في النظم القانونية والأحكام والقواعد الموجودة في الشريعة والقانون الروماني، الأمر الذي يعني أن الشريعة الإسلامية اقتبست [ص: 107] هذه النظم والأحكام من القانون الروماني باعتباره سابقا عليها [1].


وهذه الأدلة باطلة ويسهل كشف زيفها وبطلانها، ولا تستطيع أن تثبت أمام النقد العلمي الجاد.          


فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يكن لخروجه إلى الشام في المرتين اللتين سافر فيهما أي أثر في إمكان اطلاعه على القانون الروماني.          


فقد كانت رحلته الأولى مع عمه أبي طالب وهو ابن تسع سنين أو اثنتي عشرة سنة، وأما رحلته الثانية فقد كانت سنه حينذاك خمسا وعشرين سنة، ولم يرافقه فيها إلا عرب خلص، ولم يختلط بأحد من علماء القانون الروماني، فضلا عن أنه لم يكن هـناك أي سبب يدعو الحكام الرومان أو أحد علمائهم لتعليم محمد قواعد القانون الروماني.


أما تعرف علماء المسلمين على القانون الروماني من المدارس والمحاكم الرومانية فإنه زعم باطل؛ لأن هـذه المدارس كانت قد ألغيت بقرار إمبراطوري في 16 ديسمبر (كانون الأول) 533م، وما بقي من هـذه المدارس في روما والقسطنطينية لم يكن له تأثير على المسلمين.          


أما مدرسة بيروت فقد اندثرت قبل الفتح الإسلامي بثلاثة أرباع القرن.          


وما أثير حول تأثر الإمام الأوزاعي بالقانون الرماني لا أساس له، لأن الأوزاعي كان من فقهاء مدرسة الحديث، التي كانت أبعد المدارس عن التأثر بمؤثرات أجنبية، وقد قضى الفتح الإسلامي على أي سلطة أجنبية للقضاء في الدولة الإسلامية.


أما القول بالتشابه المزعوم بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني فإن التشابه لا يعني بالضرورة التأثر، فقد يكون ناشئا من تشابه الظروف الاجتماعية، كما أن العقول تتشابه في كثير من أنواع التفكير، ومع ذلك فإنه [ص: 108] على الرغم من هـذا التشابه الظاهري في بعض النظم والقواعد فإن هـناك اختلافات كثيرة وأساسية بينهما، مما يدل على استقلال كل منهما عن الآخر، فضلا عن اختلافهما في مصادر الأحكام، فالخلاف جوهري بينهما؛ إذ تقوم الشريعة الإسلامية على أساس الوحي الإلهي بينما يعتمد القانون الروماني على العقل البشري، ولذلك فإن الصلة بينهما منقطعة كما يقول العالم الفرنسي (زيس Zeys)، فكيف يتصور التوفيق بين نظامين قانونيين وصلا إلى هـذه الدرجة من الاختلاف؟ [2].


وفي هـذا الصدد يقول الدكتور السنهوري رحمه الله: (إن هـذا القانون بدأ عادات... ونما وازدهر عن طريق الدعوى والإجراءات الشكلية، أمَّا الشريعة الإسلامية فقد بدأت كتابا منزلا من عند الله، ونمت وازدهرت عن طريق القياس المنطقي والأحكام الموضوعية، إلا أن فقهاء المسلمين امتازوا عن فقهاء الرومان، بل امتازوا عن فقهاء العالم باستخلاصهم أصولا ومبادئ عامة من نوع آخر هـي أصول استنباط الأحكام من مصادرها، وهذا ما سموه بعلم: أصول الفقه) [3].



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:46 pm

الفلسفة الإسلامية

يميل نفر من المستشرقين إلى تجريد العقلية الإسلامية من كل لون من ألوان الإبداع الفكري، وينكرون على فلاسفة الإسلام الجدة والأصالة في تفكيرهم، ويعتبرونهم مجرد نقلة للتراث اليوناني الفلسفي، وتقوم هـذه [ص: 109] الدعوى على أساس عنصري، يقسـم الشعوب إلى: ساميين، وآريين.          


فالعرب -وهم من الجنس السامي- لا قدرة لهم على التفكير الفلسفي وتناول الأمور المجردة.          


أما الشعوب الآرية -ومنهم اليونانيون القدماء- فهم وحدهم أصحاب المقدرة على ذلك [1].


ويصرح (رينان) في كتابه: (تاريخ اللغات السامية) بأنه أول من قرر هـذا الرأي الذي يذهب إلى جعل الجنس السامي دون الجنس الآري، وبناء عليه فإن ما لدى العرب من فلسفة ليس إلا اقتباسا صرفا جديبا وتقليدا للفلسفة اليونانية، وبمعنى آخر: إن الفلسفة العربية هـي الفلسفة اليونانية مكتوبة بحروف عربية [2].


وذهب (كارل هـينريش بيكر) إلى أنه بينما تخضع الروح الإسلامية للطبيعة الخارجية فتفنى الذوات الفردية في كل لا تمييز فيه، فلا تتصور الأفكار إلا على الإجماع، نجد أن الروح اليونانية تمتاز بالفردية واحترام الذاتية، وهما محل النظر الفلسفي، ولهذا فقد كان اليونان أقدر على التفلسف من المسلمين [3].


وقد تابع (جوتييه) وغيره (رنان) في دعواه العنصرية، وقال (جوتييه): (هذه هـي عقلية الدين الإسلامي وروحه في حقيقتها ودقائقها وما ظهر منها وما بطن، هـو دين سام بحت؛ مفرق وموحد بأضيق المعاني، وغير عقلي، [ص: 110] ولا يتفق والتفكير الحر، وقليل الميل إلى التصوف ولو في عهده الأول على الأقل، ومن ثم في روحه الحقة) [4].


وزعم رينان أن الإسلام دين لا يشجع على العلم والفلسفة والبحث الحر، بل هـو عائق لها.


ويذهب (تنمان) أيضا إلى أن كتاب المسلمين المقدس يعوق النظر العقلي الحر [5].


ولا يعنينا هـنا أن نناقش النظرية العنصرية التي تقسم الشعوب إلى: ساميين، وآريين، فقد كادت تتلاشى لعدم استنادها على أساس علمي سليم [6]، وإن كانت قد تركت آثارها في العقلية الأوروبية، ولكن الذي يهمنا هـنا هـو ما رأيناه من إقحام الإسلام في تلك المزاعم، ووصفه بأنه دين يعوق النظر العقلي ولا يتفق والتفكير الحر، وأنه يقف عقبة في سبيل العلم والفلسفة والبحث الحر، فالأمر ليس تجريد العقلية العربية من الأصالة والابتكار فحسب، وإنما هـو تفريغ الإسلام من كل قيمة إيجابية، وجعله أداة جامدة تقف في سبيل التقدم الإنساني، وتعويق سيره في هـذه الحياة.


ولست أدري كيف يستبيح المستشرقون لأنفسهم إطلاق هـذه المزاعم، والعالم كله لم يعرف دينا من الأديان يعلي من شأن العقل مثل الإسلام، والقرآن الكريم شاهد على ذلك؟


فقد كرم الله الإنسان وفضله على كثير من خلقه، ولم يبلغ الإنسان كل هـذا التكريم الذي سما به فوق كل الكائنات إلا بالعقل الذي اختصه الله به، وميزه به على سائر خلقه.          


وقد نوه الإسلام بالعقل والتعويل عليه في أمور العقيدة والمسئولية والتكليف، ولا تأتي الإشارة إلى العقل في القرآن الكريم إلا في [ص: 111] مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه [7].          


وإذا كانت وظيفة العقل على هـذا النحو، فإن محاولة تعطيله عن أداء هـذه الوظيفة يعد تعطيلا للحكمة التي أرادها الله من خلق العقل، مثلما يعطل الإنسان حاسة من الحواس التي أنعم الله بها على الإنسان عن أداء وظيفتها التي خلقت من أجلها، وهؤلاء يصفهم القرآن بأنهم أحط درجة من الحيوان، حيث يقول: (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هـم أضل) (الأعراف: 179).


ومن هـذا المنطلق يعتبر الإسلام عدم استخدام العقل خطيئة من الخطايا وذنبا من الذنوب.


يقول القرآن حكاية عن الكفار يوم القيامة:

(وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم) (الملك: 10،11).


ولهذا كانت دعوة القرآن الكريم للإنسان لاستخدام ملكاته الفكرية دعوة صريحة لا تقبل التأويل، وسيحاسب الإنسان على مدى حسن أو إساءة استخدامه لها، مثلما يسأل عن استخدامه لباقي وسائل الإدراك الحسية، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) (الإسراء:66).


وقد حطم الإسلام العوائق التي تقف في سبيل تأدية العقل لوظيفته؛ فرفض الإسلام التبعية الفكرية والتقليد الأعمى، وعاب على المشركين تقليدهم الأعمى لأعرافهم وتقاليدهم متجاهلين في ذلك حكم العقل، كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هـذا التقليد الأعمى، الذي لا يليق بكرامة الإنسان فقال: (لا تكونوا إمعة) [رواه الترمذي]. [ص: 112]


كما قضى الإسلام على الدجل والشعوذة، والاعتقاد في الخرافات والأوهام، وأبطل الكهانة، وركز على المسئولية الفردية، وجعل الأمن على العقل من بين المقاصد الضرورية الأساسية التي قصدت إليها الشريعة الإسلامية لقيام مصالح الدين والدنيا، وهذه المقاصد هـي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.          


وحرر الإسلام الفرد المؤمن بعقيدة التوحيد من الخوف المهين من السلطة الدنيوية، ورفعه إلى مقام العزة.


وهكذا كفل الإسلام للعقل المناخ الحقيقي الذي يستطيع فيه أن يفكر ويتأمل ويعي ويفهم، وبهذا تم للإنسان استقلال الإرادة واستقلال الرأي والفكر.          


وقد كان لهذا الموقف الأساسي للإسلام من العقل أثره العظيم في صياغة الحضارة الإسلامية والعقلية والإسلامية.


فقد وعى الإنسان المسلم أن الله قد خلق له هـذا الكون بما فيه ليمارس فيه نشاطاته المادية والروحية على السواء، ويشير القرآن الكريم إلى ذلك في آيات عديدة.


منها قوله تعالى:

(وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (الجاثية: 13).          


فهل هـناك دعوة إلى البحث والنظر والتفكير والتأمل أصرح من ذلك؟


إن التفكير الذي تنص عليه هـذه الآية أمر جوهري مقصود، فإذا كان الله قد سخر للإنسان هـذا الكون بما فيه فلا يجوز له أن يقف منه موقف اللامبالاة، بل ينبغي عليه أن يتخذ لنفسه منه موقفا إيجابيا، وإيجابيته تتمثل في درسه والنظر فيه للاستفادة منه بما يعود على البشرية بالخير.          


والاستفادة من كل هـذه المسخرات في هـذا الكون لا تكون إلا بالعلم والدراسة والفهم، والنظر في ملكوت السماوات والأرض على هـذا النحو [ص: 113] سيؤدي إلى الرقي المادي، وفي الوقت نفسه إلى الرقي الروحي.


يقول القرآن الكريم:

(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (فصلت: 53).


وبعد هـذا التوضيح نقول لمن يمارون في ذلك كله ويشككون فيه ما قاله القرآن الكريم:

(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (محمد: 24).

--------------------------------------------------------------------------------

تفسير الأية:

ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون.


أكد الله تعالى أنه خلق الخلق من ذريات آبائهم، وعلم أنهم لا يهتدون، بل يدخلون في الضلالة، ومن ورائها الكفر، ومن وراء الكفر جهنم، وليس معنى ذلك أنه أجبرهم على الكفر الذي يلجئهم إلى جهنم إجبارا، بل معناه أنه كتبه عليهم في علمه الذي أحاط بكل شيء، ولا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، فالله - سبحانه وتعالى - علم ما يكون منهم فهو - سبحانه - يعلم ما كان وما سيكون، عالم الغيب والشهادة، وهو السميع العليم.


[ص: 3012] قال تعالى: ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس أكد الله تعالى ذلك بـ"قد" وهي للتحقيق دائما، وباللام، وذرأنا معناها خلقناها من ذرية، كما قال تعالى: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ذرأ ليست بمعنى خلق كأي خلق، بل معناها أنه خلق من ذرية.


وقوله تعالى: (لجهنم) أي أن مآلهم إلى جهنم؛ لأنهم يختارون الضلالة فيكفرون، فتكون جهنم مآلهم وبئس المصير، ووصفهم سبحانه بأنهم كثيرون من الجن والإنس، فليس الضلال بقليل في الأرض وإنه لكثير، كما قال تعالى: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله وقد ذكر - سبحانه وتعالى - حال الذين كتب عليهم أن يكونوا لجهنم فقال: لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أي: لهم قلوب لا ينفذون بها إلى الحق فيذعنوا له، وهذا معنى فقهها، ولهم أعين لا يبصرون آيات الله في الكون من شمس لها ضياء، وقمر له نور، وسماء ذات أبراج، ورياح تحمل السحاب الممطر، يساق إلى بلد ميت فيحييه، ولهم آذان لا يسمعون بها نداء الحق فيجيبوه، وآيات الله تتلى فلا يدركوها، ويسمعون صوت المنادي "الله أكبر" وكأنهم لا يسمعون.


وقد يقال: إن هذا مثل للضالين وتصوير لهم، فهم كمن لا عقل له ولا بصر ولا سمع، وقد قال تعالى في ذلك: أولئك كالأنعام بل هم أضل.


إن فرق ما بين الحيوان والإنسان هو العقل والتدبير، وترتيب النتائج على المقدمات، والنظر إلى المستقبل على ضوء الماضي والحاضر، فإذا فقد ذلك فقد صار كالأنعام في أنفسها، ولذلك قال سبحانه: أولئك كالأنعام والإشارة إلى الذين لهم قلوب لم يدركوا بها إدراكا نافذا إلى ما وراء، وأوتوا أبصارا لم يعرفوا عظمة الكون وخالقه منها، وأوتوا سمعا لم يستمعوا به إلى المواعظ النيرة، والزواجر الزاجرة.


[ص: 3013] هؤلاء ما دام لم ينتفعوا بهذه المواهب يصيرون كالأنعام; لأن ما أعطاهم سبحانه من مواهب جعلوه هملا، فكأنهم لم يعطوه كالأنعام، ويقول سبحانه: بل هم أضل لأن من أعطي شيئا ولم ينتفع به أضل ممن لم يعط شيئا.


هذا هو الحكم الأول عليهم، والحكم الثاني هو أنهم غافلون عن الأمور التي يجب عليهم إدراكها، فقال تعالى: أولئك هم الغافلون عما يجب التنبه إليه ليقوموا بواجبهم وليستعملوا ما وهبهم تعالى من هبات مميزة مدركة، وأكد الله - سبحانه وتعالى - الحكم بغفلتهم بالجملة الاسمية، وبضمير الفصل، وبقصر الغفلة عليهم بتعريف الطرفين، أي أنه لا غافل غيرهم؛ لأنهم غفلوا عن أهم ما يجب أن ينتبهوا له.


ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى في عدة آيات معاني هذه الآية فيما يناسبها فقال تعالى: وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله.


وقد شبههم سبحانه بالأنعام فقال عز من قائل: ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء وهكذا كل من يعطل المواهب التي وهبها الله تعالى له.

زهرة التفاسير.

-------------------------------------------



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:47 pm


ملاحظات على آراء المستشرقين

من خلال هـذا العرض السابق لبعض الأمثلة من آراء المستشرقين (العلمية) عن الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم وتعاليمه، ومن واقع ما لهم من آراء أخرى تسير في الاتجاه نفسه نستطيع أن نستخلص الأمور التالية:

1 - الاستشراق -من بين شتى العلوم الأخرى- لم يطور كثيرا في أساليبه ومناهجه، وفي دراسته للإسلام لم يستطع أن أن يحرر نفسه تماما من الخلفية الدينية للجدل اللاهوتي العقيم، الذي انبثق منه الاستشراق أساسا.


ولم يتغير شيء من هـذا الوضع حتى اليوم باستثناء بعض الشواذ.         


(ومن الواضح في هـذا الصدد أن صورة العصور الوسطى للإسلام قد ظلت في جوهرها دون تغيير، وإنما نضت عنها الثياب القديمة؛ لأجل أن تضع ثيابا أقرب إلى العصر، وتتعدد علائم الإصرار على الأفكار العتيقة؛ سواء فيما يتعلق بالقرآن أو ما يتعلق منطقيا بالعقيدة والشريعة والتاريخ في الإسلام) [1]. [ص: 114]


وتخدم اليوم وسائل الإعلام المتعددة في الغرب في تأكيد وتقوية هـذا الوضع التقليدي، الذي لا يزال ينظر إلى الإسلام إلى حد كبير بمنظار القرون الوسطى، ولعل هـذا ما دعا السكرتير العام للمجلس الإسلامي الأوروبي في شهر يناير (كانون الأول) 1979م إلى التنديد بوسائل الإعلام الغربية لموقفها من الإسلام، ووصفه لهذا الموقف بالإجحاف والافتراء على حقائق الدين وتشويهها.


وهذا كله يحدث على الرغم من أن مجلس الفاتيكان قد أشاد في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 1965م بالحقائق التي جاء بها الإسلام، والتي تتعلق بالله وقدرته، ويسوع ومريم والأنبياء والمرسلين، وعلى الرغم أيضا من قول المستشرق الألماني (بارت) من أن الدراسات الاستشراقية منذ منتصف القرن التاسع عشر تنحو نحو البحث عن الحقيقة الخالصة، ولا تسعى إلى نوايا جانبية غير صافية [2].


والغريب أن الهيئات العالمية مثل اليونسكو -وهي هـيئة دولية تشترك فيها الدول الإسلامية- تستكتب المستشرقين، بوصفهم متخصصين في الإسلاميات للكتابة عن الإسلام والمسلمين في الموسوعة الشاملة التي تصدرها اليونسكو عن (تاريخ الجنس البشري وتطوره الثقافي والعلمي).


(وقد أثارت كتاباتهم حفيظة المسلمين على مؤسسة اليونسكو، والمهم ما فيها من مجافاة للحقائق التاريخية وتهجم على نبي الإسلام، وكتب الكثيرون احتجاجات على هـذه الإساءات التي ليست إلا وحيا لتقاليد موروثة، وامتدادا للروح الصليبي، وهو عمل كان ينبغي أن تتنزه عنه هـذه المؤسسة الكبيرة) [3]. [ص: 115]


2 - يخلط الاستشراق كثيرا بين الإسلام كدين وتعاليم ثابتة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة وبين الوضع المتردي للعالم الإسلامي في عالم اليوم، فإسلام الكتاب والسنة يعد في نظر مستشرق معاصر مثل (كيسلنج) إسلاما ميتا.         


أما الإسلام الذي يجب الاهتمام به ودراسته فهو ذلك الإسلام المنتشر بين فرق الدراويش في مختلف الأقطار الإسلامية [4].          


هـو تلك الممارسات السائدة في حياة المسلمين اليوم بصرف النظر عن اقترابها أو ابتعادها من الإسلام الأول.


3 - يؤكد الاستشراق بوضوح ظاهر على أهمية الفرق المنشقة عن الإسلام؛ كالبابية والبهائية والقاديانية والبكداشية وغيرها من فرق قديمة وحديثة، ويعمل على تعميق الخلاف بين السنة والشيعة.


المستشرقون يعدون المنشقين عن الإسلام على الدوام أصحاب فكر ثوري تحريري عقلي، ودائما يهتمون بكل غريب وشاذ، ودائما يقيسون ما يرونه في العالم الإسلامي على ما لديهم من قوالب مصبوبة جامدة، وقد أشار المستشرق (رودنسون) إلى شيء من ذلك حين قال: (ولم ير المستشرقون في الشرق إلا ما كانوا يريدون رؤيته، فاهتموا كثيرا بالأشياء الصغيرة والغريبة، ولم يكونوا يريدون أن يتطور الشرق ليبلغ المرحلة التي بلغتها أوروبا، ومن ثم كانوا يكرهون النهضة فيه) [5]. [ص: 116]


4 - يفتقد المرء الموضوعية في كتابات معظم المستشرقين عن الدين الإسلامي، في حين أنهم عندما يكتبون عن ديانات وضعية؛ مثل البوذية والهندوكية وغيرهما، يكونون موضوعيين في عرضهم لهذه الأديان.          فالإسلام فقط من بين كل الديانات التي ظهرت في الشرق والغرب هـو الذي يهاجم، والمسلمون فقط من بين الشرقيين جميعا هـم الذين يوصمون بشتى الأوصاف الدنيئة، ويتساءل المرء: لماذا؟


ولعل تفسير ذلك يعود إلى أن الإسلام كان يمثل بالنسبة لأوروبا صدمة مستمرة، فقد كان الخوف من الإسلام هـو القاعدة، وحتى نهاية القرن السابع عشر كان (الخطر العثماني) رابضا عند حدود أوروبا ويمثل -في اعتقادهم- تهديدا مستمرا بالنسبة للمدنية النصرانية كلها،


ومن هـنا يمكن فهم ما يزعمه (موير Muir) من: (إن سيف محمد والقرآن هـما أكثر الأعداء الذين عرفهم العالم حتى الآن عنادا ضد الحضارة والحرية والحقيقة).


وما يدعيه (فون جر ونيباوم) من أن: الإسلام ظاهرة فريدة لا مثيل لها في أي دين آخر أو حضارة أخرى؛ فهو دين غير إنساني، وغير قادر على التطور والمعرفة الموضوعية، وهو دين غير خلاق وغير علمي واستبدادي [6].


وهكذا يتضح الحقد الدفين على الإسلام باستمرار بمثل هـذه الافتراءات التي ليس لها في سوق العلم نصيب.


5 - يعطي الاستشراق لنفسه في دراسته للإسلام دور ممثل الاتهام والقاضي في الوقت نفسه، فبينما نجد مثلا أن علم التاريخ يحاول أن يفهم فقط [ص: 117] ولا يضع موضع الشك أسس المجتمع الذي يدرسه، نجد الاستشراق يعطي لنفسه حق الحكم، بل وحتى الاتهام والرفض للأسس الإسلامية التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي [7].          


وذلك ناتج عن نوايا مسبقة لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون نوايا علمية صافية كما يدعي المستشرق (رودي بارت).


6 - يعد الاستشراق أسلوبا خاصا في التفكير، ينبني على تفرقة أساسية بين الشرق والغرب؛ (فالشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا)، كما قال الشاعر الاستعماري المشهور (كبلنج Kipllng)، فالغربيون عقليون ومحبون للسلام، ومتحررون ومنطقيون وقادرون على اكتساب قيم حقيقية، أما الشرقيون فليس لهم من ذلك كله شيء [8].


ولكن هـناك حقيقة هـامة يتجاهلها المستشرقون ببساطة؛ وهي أن الحضارة الغربية -التي يصفونها باعتزاز بأنها حضارة نصرانية- مبنية في الأصل على تعاليم رجل شرقي وهو المسيح عليه السلام، وعلى ما نقلوه عن العرب من علوم عربية ومن تراث قديم تطور على أيدي العرب.          


وهذه الحقيقة تجعل هـذه التفرقة المبدئية إلى: شرق وغرب، والتي يعتمد عليها الاستشراق أمرا مخالفا للمنطق.


النصرانية دين شرقي، والزعم بأن الغرب متقدم لأنه يدين بالنصرانية، والشرق متخلف لأنه يدين بالإسلام، لا أساس له من العلم ولا من الواقع، فالتقدم الذي يشهده الغرب اليوم في مجال العلم والتكنولوجيا لا علاقة له بالنصرانية كدين، والتخلف الذي يعاني منه الشرق لا يتحمل الإسلام وزره، فهذا التخلف يعد -كما يقول (مالك بن نبي) رحمه الله: [ص: 118]


(عقوبة مستحقة من الإسلام على المسلمين؛ لتخليهم عنه، لا لتمسكهم به كما يزعم الزاعمون) [9].


7 - يعمد المستشرقون إلى تطبيق المقاييس النصرانية على الدين الإسلامي وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ فالمسيح في نظر النصارى هـو أساس العقيدة، ولهذا تنسب النصرانية إليه.          


وقد طبق المستشرقون ذلك على الإسلام واعتبروا أن محمدا صلى الله عليه وسلم يعني بالنسبة للمسلمين ما يعنيه المسيح بالنسبة للنصرانية، ولهذا أطلقوا على الإسلام اسم: (المذهب المحمدي Mohammedanism)، وأطلقوا على المسلمين وصف (المحمديين).


ولكن هـناك سببا آخر لاستخدام هـذا الوصف لدى الكثيرين منهم؛ وهو إعطاء الانطباع بأن الإسلام دين بشري من صنع محمد، وليس من عند الله.          


أما نسبة النصرانية إلى المسيح فلا تعطي هـذا الانطباع لديهم؛ لاعتقادهم بأن المسيح ابن الله.


وتتم مقارنة أخرى بين محمد والمسيح، يكون المسيح فيها هـو المقياس؛ فمحمد مزواج وشهواني في مقابل المسيح العفيف الذي لم يتزوج، ومحمد محارب وسياسي أما يسوع مسالم مغلوب على أمره ومعذب يدعو إلى محبة الأعداء وهكذا [10].


8 - إن الإسلام الذي يعرضه هـؤلاء المستشرقون -المتحاملون على الإسلام- في كتبهم هـو إسلام من اختراعهم، وهو بالطبع ليس الإسلام الذي ندين به، كما أن محمد الذي يصورونه في مؤلفاتهم ليس هـو محمد الذي نؤمن برسالته، وإنما هـو شخص آخر من نسج خيالهم [11]. [ص: 119]


وهكذا يمكن القول بأن الاستشراق -في دراسته للإسلام- ليس علما بأي مقياس علمي، وإنما هـو عبارة عن أيديولوجية يراد من خلالها ترويج تصورات معينة عن الإسلام، بصرف النظر عما إذا كانت هـذه التصورات قائمة على حقائق أو مرتكزة على أوهام وافتراءات، وهذا يذكرنا بما كان يفعله السوفسطائيون قديما.


فإذا وصفنا المستشرقين المتحاملين على الإسلام بأنهم السوفسطائيون الجدد، فنحن بذلك لم نتجن عليهم على الإطلاق، ولم نتجاوز التعبير عن الواقع الذي يعيشونه مع الإسلام المفترى عليه.



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام   الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام Emptyالجمعة 10 مارس 2023, 6:47 pm


وأخيراً:

فإن قضية التفاهم بين الأمة الإسلامية والشعوب الغربية وإقامة علاقات ودية بينهما لخدمة مصالح كل من الجانبين أصبحت من القضايا الملحة في عصرنا الراهن، الذي تشابكت فيه المصالح وتعددت أوجه اعتماد كل جانب على الآخر، هـذه القضية -التي هـي قضية السلام والاستقرار- لا تخدم عن طريق التهجم على مقدسات الشعوب الإسلامية أو الطعن في دينها وعقائدها، أو الانتقاص من قيمها.          


وقد آن الأوان لوضع حد لهذه الحملات العدائية ضد الإسلام والمسلمين؛ سواء من جانب المستشرقين أو في وسائل الإعلام الغربية.


ومن ناحية أخرى فإن الديانات السماوية بصفة خاصة قد أصبحت اليوم مهددة من جانب التيارات المادية الإلحادية التي تجتاح العالم اليوم، والتهديد ليس موجها ضد الإسلام فقط وإنما هـو موجه بالقدر نفسه ضد النصرانية واليهودية، وهذا أمر يتطلب توحيد جهود الأديان السماوية كلها للوقوف صفا واحدا ضد الإلحاد، الذي يكاد يعصف بكل القوي الروحية في العالم [ص: 120] ولن يتحقق مثل هـذا التعاون طالما ظلت فئة من المستشرقين سادرة في غيها، ومستمرة في عدوانها على الإسلام ومقدساته، وعلى المسلمين وقيمهم الدينية.


وإذا كانت المسألة سوء فهم ترسخ على مدى قرون طويلة فعلى المستشرقين أنفسهم أن ينهضوا اليوم للقضاء عليه؛ لأن الفهم ليس من جانبنا نحن المسلمين، وإنما أساسا من جانب الغربيين أنفسهم.          


فنحن نحترم المسيح عليه السلام، ونؤمن بنبوته وسمو رسالته وطهارة مريم، كما نؤمن بموسى عليه السلام ونبوته.          


ونؤمن بأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان آخر حلقة في سلسلة النبوات الربانية.


ويعترف بعض الكتاب الغربيين المعتدلين بتحمل الغربيين للجانب الأكبر من سوء الفهم، وفي ذلك يقول (إميل دير مانجيم): (حين اشتعلت الحرب بين الإسلام والنصرانية ودامت عدة قرون اشتد النفور بين الفريقين، وأساء كل منهما فهم الآخر، ولكن يجب الاعتراف بأن إساءة الفهم كانت من جانب الغربيين أكثر مما كانت من جانب الشرقيين.          


ففي الواقع أنه على أثر تلك المعارك العقلية العنيفة التي أرهق فيها الجدليون البيزنطيون الإسلام بمساوئ واحتقارات دون أن يتعبوا أنفسهم في دراستهم، هـب الكتاب والشعراء المرتزقة من الغربيين أخذوا يهاجمون العرب، فلم تكن مهاجمتهم إياهم إلا تهما باطلة بل متناقضة) [12]. [ص: 121]



الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل الثاني: الطهارة للداخلين في الإسلام
» الفصل الثاني: رحلة المسلم من الجاهلية إلى الإسلام
» الباب الثاني: الفصل الثاني دور مؤسسات المجتمع
» الباب الثاني: من الجاهلية إلى الإسلام
» المبحث الثاني: منزلة بيت المقدس والمسجد الأقصى في الإسلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الاستـشـــــراق والاستـغــــــراب :: نشأة الاستشراق وتطوره-
انتقل الى: