أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الباب الثاني: من الجاهلية إلى الإسلام الخميس 09 فبراير 2012, 4:11 am | |
| الباب الثاني: من الجاهلية إلى الإسلام الفصل الأول: منهج الأنبياء في الإصلاح والتغيير العالم الذي واجهه محمد صلى الله عليه وسلم: بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والعالم بناء أصيب بزلزال شديد هزه هزاً عنيفاً، فإذ كل شيء فيه في غير محله، فمن أساسه ومتاعه ما تكسر، ومنه ما التوى وانعطف، ومنه ما فارق محله اللائق به وشغل مكاناً آخر ، ومنه ما تكدس وتكوم. نظر إلى العالم بعين الأنبياء فرأى إنساناً قد هانت عليه إنسانيته، رآه يسجد للحجر والشجر والنهر، وكل مالا يملك لنفسه النفع والضر. رأى إنساناً معكوساً قد فسدت عقليته، فلم تعد تسيغ البديهيات، وتعقل الجليات، وفسد نظام فكره، فإذا النظري عنده بديهي وبالعكس، يستريب في موضع الجزم، ويؤمن في موضع الشك. وفسد ذوقه فصار يستحلي المر ويستطيب الخبيث، ويستمرئ الوخيم، وبطل حسه فأصبح لا يبغض العدو الظالم، ولا يحب الصديق الناصح. رأى مجتمعاً هو الصورة المصغرة للعالم، كل شيء فيه في غير شكله أو في غير محله، قد أصبح فيه الذئب راعياً والخصم الجائر قاضياً، وأصبح المجرم فيه سعيداً حظيا، والصالح محروماً شقياً لا أنكر في هذا المجتمع من المعروف، ولا أعرف من المنكر، ورأى عادات فاسدة تستعجل فناء البشرية، وتسوقها إلى هوة الهلاك. رأى معاقرة الخمر إلى حد الإدمان، والخلاعة والفجور إلى حد الاستهتار، وتعاطي الربا إلى حد الاغتصاب واستلاب الأموال ورأى الطمع وشهوة المال إلى حد الجشع والنهامة ورأى القسوة والظلم إلى حد الوأد وقتل الأولاد. رأى ملوكاً اتخذوا بلاد الله دولاً، وعباد الله خولاً، ورأى أحباراً ورهباناً أصبحوا أرباباً من دون الله, يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله. رأى المواهب البشرية ضائعة أو زائغة لم ينتفع بها ولم توجه التوجيه الصحيح، فعادت وبالا على أصحابها وعلى الإنسانية، فقد تحولت الشجاعة فتكاً وهمجية، والجواد تبذيراً وإسرافاً، والأنفة حمية جاهلية، والذكاء شطارة وخديعة، والعقل وسيلة لابتكار الجنايات، والإبداع في إرضاء الشهوات. رأى أفراد البشر والهيئات البشرية كخامات لم تحظ بصانع حاذق، ينتفع بها في هيكل الحضارة ، وكألواح الخشب لم تسعد بنجار يركب منها سفينة تشق بحر الحياة. رأى الأمم قطعاناً من الغنم ليس لها راع ، والسياسة كجمل هائج حبله على غاربه، والسلطان كسيف في يد سكران يجرح به نفسه ، ويجرح به أولاده وإخوانه. نواحي الحياة الفاسدة: إن كل ناحية من نواحي هذه الحياة الفاسدة تسترعي اهتمام المصلح وتشغل باله ، فلو كان رجل من عامة رجال الإصلاح لتوفر على إصلاح ناحية من نواحيها ، وظل طول عمره يعالج عيباً من عيوب المجتمع ويعانيه ، ولكن نفسية الإنسان معقدة التركيب دقيقة النسج كثيرة المنافذ والأبواب ، خفية التخلص والتنصل ، وإنها إذا زاغت أو اعوجت لا يؤثر فيها إصلاح عيب من عيوبها وتغيير عادة من عاداتها ، حتى يغير اتجاهها من الشر إلى الخير ومن الفساد إلى الصلاح ، وتقتلع جرثومة الفساد من النفس البشرية التي قد تنبت بفساد المجتمع واختلال التربية كما تنبت الحشائش الشيطانية في أرض كريمة ، وتحسم مادة الشر ويغرس فيها حب الخير والفضيلة ومخافة الله عز وجل. وكل داء من أدواء المجتمع الإنساني وكل عيب من عيوب الجيل الحاضر يتطلب إصلاحه حياة كاملة، ويستغرق عمر إنسان بطوله ، وقد يستغرق أعمار طائفة من المصلحين ولا يزول، فإذا ذهب أحد يطارد الخمر في بلاد قد نشأت على حياة الترف والبذخ ودانت باللهو واللذة أعياه أمرها وحبطت جهوده، لأن شرب الخمر ليس إلا نتيجة نفسية تعشق اللذة حتى في السم، وتبتغي النشوة حتى في الإثم، فلا تهجره بمجرد الدعاية والنشر والكتب الخطب وبيان مضاره الطبية ومفاسده الخلقية، وبسن القوانين الشديدة والعقوبات الصارمة (134) لا تهجره إلا بتغيير نفس عميق، وإذا أرغمت على تركه بغير هذا التغيير تسللت إلى غيره من أنواع الجريمة واستباحته بتغيير الأسماء والصور. لم يكن الرسول رجلاً إقليمياً أو زعيماً وطنياً: وكان مجال العمل في بلاد العرب فسيحاً إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً إقليمياً وسار في قومه سيرة القادة السياسيين والزعماء الوطنيين، كان له أن يعقد للأمة العربية لواء تنضم إليه قريش والقبائل العربية، ويكوِّن إمارة عربية قوية موحدة يكون رئيسها، ولاشك أن أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وغيرهما كانوا في مقدمة من ينضم إلى هذا اللواء القومي، ويقاتلون تحته ويقلدونه الزعامة. أما كانوا يشهدون بصدقه وأمانته ؟ أما حكموه في أكبر حادث من حوادث حياتهم المكية ومنحوه أكبر شرف ، إذ حكموه في وضع الحجر الأسود في مكانه من البيت ؟ أما قالوا له على لسان عتبة ، وهم ما عرفوا الإغراء السياسي : (( إن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت (135) ))، وإذا صار له ذلك كان يمكنه أن يرمي الدولة الفارسية بفرسان العرب وشجعانهم ، وينتصر للعروبة المهضومة ، وينتصر من العجم الظالمين ، ويغرز علم الفتح العربي والمجد القومي على هضاب الروم وفارس، وإذا لم يكن من حكمة السياسة أن يناجز إحدى الإمبراطوريتين في ذلك الحين، فكان يمكنه أن يغير على اليمن أو الحبشة أو جارة أخرى ويصمها إلى الإمارة العربية الوليدة. وكانت في الحياة العربية نواح اجتماعية واقتصادية كثيرة تحتاج إلى حنكة سياسي وكفاية إداري وعزيمة عصامي وابتكار عبقري ، فلو قيض لها رجل من هؤلاء الرجال لكان للعرب شأن كبير وتاريخ جديد. لم يبعث لينسخ باطلاً بباطل: ولكنّ محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبعث لينسخ باطلاً بباطل ويبدل عدواناً بعدوان، ويحرم شيئاً في مكان ويحله في مكان آخر، ويبدل أثرة أمة بأثرة أمة أخرى، لم يبعث زعيماً وطنياً أو قائداً سياسياً، يجر النار إلى قرصه ويصغي الإناء إلى شقه، ويخرج الناس من حكم الفرس والرومان إلى حكم عدنان وقحطان. وإنما أرسل إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، إنما أرسل ليخرج عباد الله جميعاً من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ويخرج الناس جميعاً من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم. فلم يكن خطابه لأمة دون أمة ووطن دون وطن ، ولكن كان خطابه للنفس البشرية وللضمير الإنساني ، وكانت أمته العربية لانحطاطها وبؤسها أحق من يبدأ به مهمته الإصلاحية وجهاده العظيم ، وكانت أم القرى والجزيرة العربية لموقعها الجغرافي واستقلالها السياسي خير مركز لرسالته ، وكانت الأمة العربية بخصائصها النفسية ومزاياها الأدبية خير محل لدعوته وخير داعية لرسالته. قفل الطبيعة البشرية ومفتاحها: ولم يكن صلى الله عليه وسلم من عامة المصلحين الذين يأتون البيوت من ظهورها، أو يتسللون إليها من نوافذها، ويكافحون بعض الأدواء الاجتماعية والعيوب الخلقية فحسب، فمنهم من يوفق لإزالة بعضها مؤقتاً في بعض نواحي البلاد، ومنهم من يموت ولم ينجح في مهمته (136). أتى النبي صلى الله عليه وسلم بيت الدعوة والإصلاح من بابه، ووضع على قفل الطبيعة البشرية مفتاحه، ذلك القفل المعقد الذي أعيا فتحه جميع المصلحين في عهد الفترة، وكل من حاول فتحه من بعده بغير مفتاحه. ودعا الناس إلى الإيمان بالله وحده، ورفض الأوثان والعبادات والكفر بالطاغوت بكل معاني الكلمة وقام في القوم ينادي: (( يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا!)) ودعاهم إلى الإيمان برسالته، والإيمان بالآخرة.
|
|