منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 فتح مَكَّة دروس وعبر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

فتح مَكَّة دروس وعبر Empty
مُساهمةموضوع: فتح مَكَّة دروس وعبر   فتح مَكَّة دروس وعبر Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 5:20 am

فتح مَكَّة دروس وعبر Hqdefa16
فتح مَكَّة دروس وعبر
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تُضاعف الحسنات، وبعفوه تمُحى السيئات، له الحمد جل وعلا يسمع من حمده، ويعطي من سأله، ويزيد من شكره، ويطمئن من ذكره، نحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، حمداً يوافي فضله وإنعامه، وينيلنا رحمته ورضوانه، ويقينا سخطه وعذابه، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

وبعد
فإن الأمة اليوم بحاجة إلى  العودة إلى السيرة النبوية تستجلي منها معالم الفتح والنصر ؛ لأن هدي وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته هي المعلم الدائم الذي نستنير به في ظلمات حياتنا، والذي نرى فيه معالم الطريق إلى مرضاة ربنا، والذي نأخذ منه المنهج الصحيح لمواجهة الأخطار ومقارعة الأعداء في واقع حياتنا، فإن الله جل وعلا قد منَّ علينا بأن جعل القرآن والإسلام ممثلاً تمثيلاً كاملاً عظيماً في سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وأرشدنا إلى ذلك ووجهنا إليه كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].

ونحن اليوم في هذا الواقع الذي تعيشه أمتنا محاطة بأعدائها مخذولة إلى حد كبير من قبل أبنائها، وفيها من التقصير والتفريط إضافة إلى الضعف والهوان ما فيها نحتاج دائماً وأبداً إلى أن نرجع إلى معين السيرة العذب لننهل منه فنروي ظمأ قلوبنا وفهومنا، ونوجه مسيرة حياتنا بإذن الله عز وجل.

ونحن وإياكم في هذه الموسوعة  المباركة بإذن الله (غزوات النبي المصطفى دروس وعبر) نقف مع الفتح الأعظم للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
أسأل الله أن يجعلها ذخراً لنا يوم نلقاه وأن ينفع بها كل موحد إنه ولي ذلك والقادر عليه.

غزوة فتح مَكَّة
* غزوة فتح مَكَّة:
هي الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين.

* غزوة فتح مَكَّة:
هي الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عِزِّه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجاً، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجاً.

* غزوة فتح مَكَّة:
غزوة تتميز بطابع خاص في سجل التاريخ العسكري الإسلامي، فهي مثال كامل لأرقى مراتب الفكر العسكري والسياسي معًا، وأنبل الطرق للتوفيق بين الغاية والوسيلة، وظهرت فيها سماحة الإسلام بأجلى معانيها.

* غزوة فتح مَكَّة:
كانت في شهر الانتصارات شهر رمضان المبارك الشهر المليء بالمناسبات الطيبة التي يفتخر بها المسلمون على مر الأيام بالليل والنهار، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، وهو شهر ليلة القدر.

* غزوة فتح مَكَّة:
كانت بداية فتح عظيم للمسلمين، وقد كان الناس تبعاً لقريش في جاهليتهم، كما أنهم تبع لقريشٍ في إسلامهم، وكانت مَكَّة عاصمة الشِّرك والوثنية، وكانت القبائل تنتظر ما يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قومه وعشيرته، فإن نصره الله عليهم، دخلوا في دينه، وإن انتصرت قريش، يكونوا بذلك قد كفوهم أمره، فقد روى البخاري عن عمرو بن سلمة، قال: كنَّا بماء ممر الناس وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟، فيقولون: يزعم أنَّ الله أرسله، أوحى إليه أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك فكأنَّما يقر في صدري وكانت العرب تَلَوَّم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه فإنَّه إن ظهر عليهم فهو نبِي صادق، فلمَّا كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قومٍ بإسلامهم".

* غزوة فتح مَكَّة:
فيها نستطيع أن ندرك تماماً قيمة الجهاد والاستشهاد والمحن التي وقعت من قبله، إن شيئاً من هذا الجهاد والتعب والمحن لم يذهب بدداً، ولم ترق نقطة دم لمسلم هدراً، ولم يتحمَّل المسلمون كلَّ ما لاقوه مما قد علمنا في هجرتهم وغزواتهم وأسفارهم، لأنَّ رياح المصادفة فاجأتهم بها، ولكن كل ذلك كان وفق قانونٍ سماوي، وبحسب سنة الله في خلقه فكل التضحيات المتقدمة كانت تؤدي أقساطاً من ثمن الفتح والنَّصر وتلك هي سنة الله في عباده... لا نصر بدون إسلامٍ صحيحٍ ولا إسلام بدون عبودية لله، ولا عبودية بدون بذل وتضحية وضراعة على بابه وجهاد في سبيله.

* غزوة فتح مَكَّة:
كان سببها يوم ارتكبت فيها قريش خطأ فادحًا عندما أعانت حلفاءها بني بكر على خزاعة حليفة المسلمين بالخيل والسلاح والرجال، وهاجم بنو بكر وحلفاؤهم قبيلة خزاعة عند ماء يقال له الوتير، وقتلوا أكثر من عشرين من رجالها, ولما لجأت خزاعة إلى الحرم الآمن -ولم تكن متجهزة للقتال- لتمنع بني بكر منه، قالت لقائدهم: يا نوفل، إنا قد دخلنا حرم إلهك! فقال نوفل: لا إله اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم, عندئذ خرج عمرو بن سالم الخزاعي، في أربعين من خزاعة، حتى قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، وأخبروه بما كان من بني بكر، وبمن أصيب منهم، وبمناصرة قريش بني بكر عليهم, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نُصرت يا عمرو بن سالم!  لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب» ولما عرض السحاب من السماء قال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب.

* غزوة فتح مَكَّة:
أظهرت عاقبة نكث العهود وأنه وخيم للغاية، إذ نكثت قريش عهدها فحلت بها الهزيمة، وخسرت كيانها الذي كانت تدافع عنه وتحميه.

* غزوة فتح مَكَّة:
فيها  تجلِّي النبوة المحمدية والوحي الرباني في الإخبار بالمرأة حاملة خطاب حاطب بن أبي بلتعة؛ إذ أخبر عنها وعن المكان الذي انتهت إليه في سيرها وهو (رَوْضة خاخ).

* غزوة فتح مَكَّة:
ظهر فيها  فضيلة إقالة عثرة الكرام، وفضل أهل بدر، وقد تجلَّى ذلك واضحاً في العفو عن حاطب بعد عتابه، واعتذاره عن ذلك، بالتوبة منه.

* غزوة فتح مَكَّة:
فيها بيان الكمال المحمدي في قيادة الجيوش, وتحقيق الانتصارات الباهرة.

* غزوة فتح مَكَّة:
فيها بيان الكمال المحمدي في عدله ووفائه، تجلَّى ذلك في رد مفتاح الكعبة لعثمان بن أبي طلحة، ولم يُعطه مَن طلبه منه وهو "علي بن أبي طالب" -رضي الله عنه- وهو صهره الكريم وابن عمه.

وبعد هذا الإجمال إليك أخي القارئ الدروس والعبر من هذا الفتح الأعظم مفصلة,والله بيده العون والتوفيق والسداد.

دروس وعبر من غزوة فتح مَكَّة
1- على المسلمين أن يمتلكوا المبادأة:
إن المبادأة أو المبادرة تعني باختصار "حرية العمل"، والذي يملك المبادأة يحرم خصمه من حرية العمل، ويجعل أعماله محصورة في نطاق"رد الفعل"، وإحراز المبادأة من أهم عوامل النجاح والنصر في السياسة والحرب على حدٍ سواء.

ولقد نقضت قريش العهد الذي أقرت بنوده في الحديبية في السنة السادسة من الهجرة وذلك عمل ينطوي –ولا شك– على "نوايا عدوانية" تتجاوز إطار عملية ثأر محدودة بين بني بكر حلفاء قريش وبني خزاعة حلفاء المسلمين، ولابد أن يفطن القارئ المحنك إلى ما في ذلك من خطر على الإسلام والمسلمين، فلا يقف مكتوف الأيدي أمام نوايا العدوان الذي تأمل به قريش تحقيق هدفها الإستراتيجي الكبير وهو القضاء على الدين الجديد بالهجوم على قاعدته بالمدينة.

من أجل ذلك قرر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ بزمام المبادرة فيسير إلى قريش في عقر دارها.

2- تحقيق المفاجأة وخداع العدو:
إن المفهوم العلمي للمفاجأة أو المباغتة هو "إحداث موقف لا يكون العدو مستعدًا له"، وهناك مستويان للمفاجأة، فهي تكون "مفاجأة تكتيكية" إذا وقعت في نطاق محدود أو محلي وتم فيها إخفاء قوة الهجوم ومكانه ووقته واتجاهه عن المدافعين، فإذا تمكن المهاجم من إخفاء "نية الهجوم" نفسه تصبح المفاجأة "مفاجأة إستراتيجية"، وهذا المستوى من المفاجأة ليس أمراً يسيراً خاصة في العصر الحاضر الذي تقدمت فيه وسائل الحصول على المعلومات والتجسس تقدماً مذهلاً، لذلك فهو يتطلب تخطيطاً غاية في المهارة والحذق والسرية والخداع وليس من شك في أن تحقيق المفاجأة له آثاره النفسية التي تفعل فعلها في نفوس وعقول من يتعرضون لها وفي كفاءتهم وإرادتهم القتالية بالتالي.

وأهم هذه الآثار أن العدو "يفقد" مزية المبادأة وحرية العمل، فتنحصر أعماله وحركاته في نطاق رد الفعل في مواجهة الطرف الآخر الذي يحاربه من (موقع قوة) بتملكه للمبادأة وحرية العمل.

وقد اتخذ الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لفتح مَكَّة من تدابير التخطيط والتنفيذ ما يمكن معه أن نقول: إنه أحرز "المفاجأة الإستراتيجية" على أعدائه، وقد كان من آثار ذلك زعزعة إرادة قريش في المقاومة والقتال، وقد قال كعب بن مالك -رضي الله عنه- يصف عناية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإجراء العمليات الخداعية: "ولم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يريد غزوة إلا وارى بغيرها"، ولا غرابة في ذلك فهو عليه الصلاة والسلام القائل «الحرب خُدعة».

3- الكتمان:
ما أحوج المسلمين اليوم أن يتعلموا الكتمان من هذه الغزوة، فأمورهم كلها مكشوفة، بل مكشفة، وأعداؤهم يعرفون عنهم كل شيء، لا تكاد تخفى عليهم، فلا سر لدى المسلمين يبقى مكتوماً.

لقد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد الحرص على ألا يكشف نيَّاته لفتح مَكَّة لأي إنسان، عندما اعتزم الحركة إلى مَكَّة.



فتح مَكَّة دروس وعبر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

فتح مَكَّة دروس وعبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح مَكَّة دروس وعبر   فتح مَكَّة دروس وعبر Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 5:25 am

وكان سبيله إلى ذلك الكتمان الشديد من خلال ما يأتي:
1- أنه كتم أمره حتى عن أقرب الناس إليه:
فقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بمبدأ السرِّية المطلقة والكتمان الشديد حتى عن أقرب الناس إليه وهو أبو بكر -رضي الله عنه- أقرب أصحابه إلى نفسه، وزوجته عائشة -رضي الله عنها- أحب نسائه إليه، فلم يعرف أحد شيئًا عن أهدافه الحقيقية, ولا باتجاه حركته, ولا بالعدو الذي ينوي قتاله؛ بدليل أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- عندما سأل ابنته عائشة -رضي الله عنها- عن مقصد الرسول -صلى الله عليه وسلم- قالت له: ما سمَّى لنا شيئًا، وكانت أحيانًا تصمُت، وكلا الأمرين يدلُّ على أنها لم تعلم شيئًا عن مقصده -صلى الله عليه وسلم-.

ويستنبط من هذا المنهج النبوي الحكيم أنه ينبغي للقادة العسكريين أن يُخفوا خططهم عن زوجاتهم؛ لأنهن ربما يُذعن شيئًا من هذه الأسرار -عن حُسن نيَّة- فتتنقلها الألسُن حتى تصير سببًا في حدوث كارثة عظيمة.

2- أنه بعث سرية بقيادة أبي قتادة إلى بطن إضم:
بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل مسيرة مَكَّة سرية مكونة من ثمانية رجال؛ وذلك لإسدال الستار على نياته الحقيقية، وفي ذلك يقول ابن سعد: (لَمَّا همَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بغزو أهل مَكَّة بعث أبا قتادة بن ربعي في ثمانية نفر سرية إلى بطن إضم ليظن ظان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توجه إلى تلك الناحية؛ ولأن تذهب بذلك الأخبار، فمضوا ولم يلقوا جمعًا، فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خُشُب فبلغهم أن رسول الله قد توجَّه إلى مَكَّة، فأخذوا على (بيبين) حتى لقوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسُّقيا).

وهذا منهج نبوي حكيم في توجيه القادة من بعده إلى وجوب أخذ الحذر وسلوك ما يمكن من أساليب التضليل على الأعداء والإيهام التي من شأنها صرف أنظار الناس عن معرفة مقاصد الجيوش الإسلامية التي تخرج من أجل الجهاد في سبيل الله حتى تحقق أهدافها وتسلم من كيد أعدائها.

3- أنه بعث العيون لمنع وصول المعلومات إلى الأعداء:
بث -صلى الله عليه وسلم- رجال استخبارات الدولة الإسلامية داخل المدينة وخارجها حتى لا تنتقل أخباره إلى قريش, وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأنقاب، فكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يطوف على الأنقاب قيمًا بهم فيقول: لا تدعوا أحدا يمر بكم تنكرونه إلا رددتموه.. إلا من سلك إلى مَكَّة فإنه يتحفظ به ويسأل عنه أو ناحية مَكَّة.

إن جمع المعلومات سلاح ذو حدين، وقد استفاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من حدِّه النافع لصالح المسلمين, وأبطل مفعول الحد الآخر باتباعه السرِّية واتخاذها أساسًا لتحركاته واستعداداته؛ ليحرم عدوه من الحصول على المعلومات التي تفيده في الاستعداد لمجابهة هذا الجيش بالقوة المناسبة.

والواجب على المسلم إذا أراد أمراً في مصلحة لنفسه في الدنيا والآخرة لا إضرار على المسلمين أن يكتب هذا الأمر.

وهناك أثر يرفعه بعض أهل العلم، يقول: {استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان} وقال عمر -رضي الله عنه-: [مَنْ كتم أمره كان الخيار في يده].

فأنت إذا كتمتَ أمرك فالخيار في يدك أن تمضي هذا الأمر أو تسحبه.

فواجب المسلم أن يكتم أموره إلاَّ عن صديق مُحِبٍ يستشيره في ذات الله عز وجل.

4- دعاؤه -صلى الله عليه وسلم- بأخذ العيون والأخبار عن قريش:
وبعد أن أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأسباب البشرية التي في استطاعته توجه إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع قائلا: «اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلا بغتة ولا يسمعوا بنا إلا فجأة».

وهذا شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أموره؛ يأخذ بجميع الأسباب البشرية، ولا ينسى التضرع والدعاء لرب البرية ليستمد منه التوفيق، فالله عز وجل خالق الخلق أجمعين، وبيده مقاليد الأمور ومفاتيح الفرج، ولا يقع شيء إلا بعلمه وحكمته وإرادته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وإن ما يحل بالمسلم خاصة وبالمسلمين عامة هو بإرادة الله عز وجل، إما بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، وإما تمحيصاً لهم وابتلاء، فمن نزل به هم أو غم أو ابتلاء فليلجأ إلى الله عز وجل، وليرجع إلى ربه ومولاه، وليعلم أنه لا يرفع الضر والبلاء إلا الله سبحانه وتعالى وحده.

5- إحباط محاولة تجسس حاطب لصالح قريش:
عندما أكمل النبي -صلى الله عليه وسلم- استعداده للسير إلى فتح مَكَّة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى أهل مَكَّة يخبرهم فيه نبأ تحرك النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم، وأرسله مع امرأة مسافرة إلى مَكَّة، ولكن الله -سبحانه وتعالى- أطلع نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن طريق الوحي على هذه الرسالة، فقضى -صلى الله عليه وسلم- على هذه المحاولة وهي في مهدها، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- عليًّا والزبير والمقداد فأمسكوا بالمرأة في روضة خاخ على بعد اثني عشر ميلا من المدينة، وهددوها أن يفتشوها إن لم تخرج الكتاب فسلمته لهم, ثم استدعي حاطب -رضي الله عنه- للتحقيق, فقال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقًا في قريش -يقول: كنت حليفًا- ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما إنه قد صدقكم».

إن تدابير النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكتمان أمّنت له مباغتة كاملة لقريش، وأجبرتها على الرضوخ للأمر الواقع: الاستسلام.

وهذا الكتمان لا مثيل له في سائر الحروب، ما أحرانا أن نتعلمه ونقتدي به ونسير على منواله.

6- بُعد النظر:
القائد المتميز هو الذي يتسم ببعد النظر، بالإضافة إلى مزاياه الأخرى، ويتخذ لكل أمر محتمل الوقوع التدابير الضرورية لمعالجته، دون أن يترك مصائر قواته للاحتمالات بدون إعداد كامل.

إن النصر من عند الله، يؤتيه من يشاء، ولكن الله سبحانه وتعالى ينصر من أعدّ عدّته واحتاط لكل احتمال كبير أو صغير قد يصادفه، لذلك يشدد العسكريون على إدخال أسوأ الاحتمالات في حسابهم في أية عملية عسكرية.

لقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحبس أبو سفيان في مدخل الجبل إلى مَكَّة، حتى تمر عليه جنود المسلمين، فيحدث قومه عن بينة ويقين، ولكي لا يتكون إسراعه في العودة إلى قريش قبل أن تنهار معنوياته تماماً، سبباً لاحتمال وقوع أية مقاومة من قريش، مهما تكن نوعها ودرجة خطورتها.          

وفعلاً اقتنع أبو سفيان بعد أن رأى قوات المسلمين كلها، أن قريشاً لا قِبَلَ لها بالمقاومة.

وقد أدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- في حساباته أسوأ الاحتمالات أيضاً، عند تنظيمه خطة الفتح، فكانت تلك الخطة تؤمن تطويق البلد من جهاته الأربع بقوات مكتفية بذاتها، بإمكانها العمل مستقلة عن القوات الأخرى عند الحاجة، وبذلك تستطيع القضاء على أية مقاومة في أية جهة من جهات مَكَّة، كما تؤمن توزيع قوات قريش إلى أقسام لمقاومة المسلمين، فتكون قوات قريش ضعيفة في كل مكان.

واتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه التدابير الفاعلة بالرغم من اعتقاده بأن احتمال مقاومة قريش للمسلمين ضعيف جداً، وذلك ليحول دون مباغتة قواته وإيقاع الخسائر لها، مهما تكن الظروف والأحوال.

فما أحرى أن يتعلم المسلمون هذا الدرس ويطبقوه في إعداد خططهم المصيرية!

7- العقيدة قوةٌ عظمى:
كان جيش الفتح  مؤلفاً من المهاجرين والأنصار ومسلمي أكثر القبائل العربية المعروفة في حينه، لا يوحد بينه غير العقيدة الواحدة، التي يضحي الجميع من أجلها، وتشيع بينهم الانسجام الفكري الذي يجعل التعاون الوثيق بيهم سائداً.

لقد كانت انتصارات المسلمين الأولين انتصارات عقيدة بلا مراء، وكان النصر من أول ثمرات هذه العقيدة على النطاق الجماعي.

أما على النطاق الفردي، فقد رأيت كيف طوت أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فراش النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أبيها أبي سفيان، وقد جاء من سفر قاصد بعد غياب طويل ذلك لأنها رغبت به عن مشرك نجس، ولو كان هذا المشرك أباها الحبيب.

وعندما جاء أبو سفيان مع العباس ليواجه النبي -صلى الله عليه وسلم-، رآه عمر بن الخطاب، فغادر خيمته واشتد نحو خيمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما وصل إليها قال: يا رسول الله! دعني اضرب عنقه، قال العباس: يا رسول الله! إني قد أجرته، فلما أكثر عمر قال العباس: مهلاً يا عمر، ما تصنع هذا إلا لأنه من بني عبد مناف، ولو كان من بني عدي ما قلت هذه المقالة، فقال عمر: مهلاً يا عباس، فوالله إسلامُك يوم أسلمتَ كان أحَبَّ لي من إسلام الخطاب لو أسلم، لقد كان يمثل عقيدة المسلمين الأولين، بينما كان العباس حديث عهد بالإسلام.

وكيف نعلل إقدام المهاجرين على المشاركة في غزوة الفتح، التي لم يكن من المستبعد أن تصطرع فيها قوات المسلمين وقوات قريش؟

إن عقيدة المسلمين لا تخضع للمصالح الشخصية، بل هي رهن المصالح العامة وحدها، وقد انتصر المسلمون بالعقيدة الراسخة، وهي اليوم غائبة عنهم فذلوا وهزموا، فما أحراهم أن يعودوا إلى عقيدتهم ليستعيدوا مكانتهم بين الأمم، ولينتصروا على أعدائهم، فقد غاب عنهم النصر منذ غاب عنهم الإسلام.

8- أهمية المعنويات في الجهاد:
لم تكن معنويات المسلمين في وقت من الأوقات أعلى وأقوى مما كانت عليه أيام فتح مَكَّة، البلد المقدس عند المسلمين الذين يتوجهون إليه في صلاتهم كل يوم، ويحجون بيته كل سنة، وكانت أهمية مَكَّة للمهاجرين أكثر من أنها بلد مقدس، فهي بلدهم الذي هاجروا منه فراراً بدينهم وخلفوا فيها أموالهم وذويهم وكل عزيز عليهم.

لذلك لم يتخلف أحد من المسلمين عن هذه الغزوة إلا القليل من ذوي الأعذار القاهرة الصعبة.

أما معنويات قريش، فقد كانت متردية للغاية، فقد أثرت فيهم عمرة  القضاء، كما أثر فيهم انتشار الإسلام في كل بيت من بيوت مَكَّة تقريباً، وبذلك فقدت مَكَّة روح المقاومة وروح القتال، ومما زاد في انهيار معنويات قريش، ما اتخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- من إيقاد عشرة آلاف نار في ليلة الفتح، ومرور الجيش كله بأبي سفيان قائد قريش أو أكبر قادتها، ودخول جيوش المسلمين في كل جوانب مَكَّة.

لقد كانت غزوة الفتح معركة معنويات بالدرجة الأولى، ما أحرانا أن نتعلمها لحاضرنا ومستقبلنا.

9- رسول السلم -صلى الله عليه وسلم-:
حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- من خروجه لفتح مَكَّة على نياته السلمية، ليؤلف بذلك قلوب المشركين، ويجعلها تقبل على الإسلام، وقد عهد عليه الصلاة والسلام إلى قادته حين أمرهم أن يدخلوا مَكَّة ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وبقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مصراً على نياته السلمية بعد الفتح أيضاً، فقد أصدر العفو العام عن قريش قائلاً: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

وكما حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- الجماعي، حرص كذلك على السلم الفردي، فمنع القتل حتى لفرد واحد من المشركين، مهما تكن الأسباب والأعذار.

فقد قتلت خزاعة حلفاء المسلمين رجلاً من هذيل غداة يوم الفتح لثأر سابق لها عنده، فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد الغضب، وقام في الناس خطيباً، ومما قاله: «يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر إن نفع، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين، إن شاؤوا قدم قاتله، وإن شاؤوا فعقله»، أي ديته، ثم ودي بعد ذلك الرجل الذي قتلت خزاعة.

بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقتل رجلاً من المشركين أراد اغتياله شخصياً وهو يطوف في البيت، بل تلطف معه، فقد اقترب فضالة بن عمير يريد أن يجد له فرصة ليقتله، فنظر إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- نظرة عرف بها طويته، فاستدعاه وسأله: «ماذا كنت تحدث به نفسك؟» قال: لا شيء، كنتُ أذكر الله! فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- وتلطف معه ووضع يده على صدره، فانصرف الرجل وهو يقول: ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه.

ورأى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مفتاح الكعبة بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية، فقال عليه الصلاة والسلام: «أين عثمان بن طلحة؟ فلما جاء عثمان قال له: «يا ابن طلحة، هاكَ مفتاحك، اليوم يوم بر ووفاء».

وقد رأى المسلمون النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح يتواضع لله، حتى رأوه يوم ذلك ورأسه قد انحنى على رحله، وبدا عليه التواضع الجم، حتى كادت لحيته تمس واسطة راحلته خشوعاً، وترقرقت في عينيه الدموع تواضعاً لله وشكراً.

تلك هي سمات الخلُق الإسلامي الرفيع في السلم والوفاء والتواضع، ولكنه سلم الأقوياء لا سلم الضعفاء، ووفاء القادرين لا وفاء العاجزين، وتواضع العزة لا تواضع الذلة.

إن سلم الأقوياء القادرين هو السلام الذي يأمر به الإسلام، أما سلم الضعفاء العاجزين فهو الاستسلام الذي ينهى عنه الإسلام، ذلك ما ينبغي أن نتعلمه من فتح مَكَّة، لحاضر المسلمين ومستقبلهم، لحاضر أفضل ومستقبل أحس، وهي عبر لمن يعتبر.



فتح مَكَّة دروس وعبر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

فتح مَكَّة دروس وعبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح مَكَّة دروس وعبر   فتح مَكَّة دروس وعبر Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 5:30 am

10- حكم التحالف مع غير المسلمين فيما لا يتعارض مع الإسلام:
ونجد من دروس هذا الفتح، وهي جواز التحالف مع غير المسلمين فيما لا يتعارض مع الإسلام وفيما يحقق مصلحة الإسلام، وفيما لا يقع به مضرة على المسلمين ولا تنازل عن أحكام الإسلام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية -وهو الذي كان سبباً لفتح مَكَّة- كانت قد دخلت خزاعة في عهدها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت حليفة له، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعل خزاعة عيبة نصحه، أي: يثق بهم لما علم من صدقهم في جوانب تعاملهم معه، فعاهدهم وحالفهم، وكانوا معه عليه الصلاة والسلام.

إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون عن ضعف أو ذل أو هوان للمسلمين، ولا ينبغي أن يكون فيه إعطاء دنية في الدين، ولا ينبغي أن يكون ذلك على حساب مصالحهم وتحقيق أمور دينهم، فضلاً عن أن يكون ذلك تغييراً في أساسيات وثوابت من شرع الله عز وجل، سواء ثبتت في كتاب الله أو في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

ونحن نرى اليوم من يحتجون بالآيات القرآنية، لكنهم لا ينزلونها تنزيلها الحقيقي الصحيح، ولا يطبقونها التطبيق العملي الذي كان أنموذجه الأمثل في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: 61] لكن الله جل وعلا يقول: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139] والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين في سيرته مثل ذلك، فهذه مواقف بين يدي الفتح، أي: قبل بلوغه.

11- أسباب مساعدة لفتح مَكَّة وتأديب كفارها:
وأمام نقض قريش للعهود والمواثيق مع المسلمين فقد عزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فتح مَكَّة وتأديب كفارها.

وقد ساعده على ذلك العزم  بعد توفيق الله، عدة أسباب منها:
أ- قوة جبهة المسلمين الداخلية في المدينة وتماسكها: فقد تخلصت الدولة الإسلامية من غدر اليهود، وتم القضاء على يهود بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة, ويهود خيبر.
ب- ضعف جبهة الأعداء في الداخل: وفي مقدمة هؤلاء المنافقون الذين فقدوا الركن الركين لهم -وهو يهود المدينة- فهم أساتذتهم الذين يوجهونهم ويشيرون عليهم.
ج- اهتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتطوير القوة العسكرية، وإرسال السرايا في فترة الصلح؛ وبذلك أصبحت متفوقة على قوة مشركي قريش حيث العدد والعدة والروح المعنوية.
د- كانت الغزوة بعد أن ضعفت قريش اقتصاديًّا وبعد أن قويت الدولة الإسلامية اقتصاديًّا, فقد فتح المسلمون خيبر وغنموا منها أموالاً كثيرة.
هـ- انتشار الإسلام في القبائل المجاورة للمدينة، وهذا يطمئن القيادة حين تتخذ قرارها العسكري بنقل قواتها ومهاجمة أعدائها.
و- قيام السبب الجوهري والقانوني لغزو مَكَّة, وهو نقض قريش للعهد والعقد.

ونلحظ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يضيع قانون الفرصة وتعامل معه بحكمة بالغة، فكان فتح خيبر, وذلك بعد صلح الحديبية، والآن تتاح فرصة أخرى بعد أن نقضت قريش عهدها، وتغيرت موازين القوى في المنطقة، فكان لابد من الاستفادة من المعطيات الجديدة، فأعد -صلى الله عليه وسلم- جيشًا لم تشهد له الحجاز مثيلاً من قبل، فقد وصلت عدته إلى عشرة آلاف رجل.

12- عزل العدو دوليًّا
ومن أهم وسائل إدارة الصراعات أن نفرض العزلة الدولية على عدونا حتى يتلفت حوله فلا يجد حليفًا أو نصيرًا، وهذا هو الوضع الذي فرضه المسلمون على قريش فقد جردها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من الحلفاء والمناصرين نتيجة للسياسة الحكيمة التي اتبعها بعد الهجرة، والتي قامت على عقد الاتفاقيات والمعاهدات مع مختلف القبائل العربية لكفالة حرية الدعوة وحُسن الجوار والمعاملة، فكانت النتيجة المباشرة لتلك المعاهدات حرمان قريش من قوى كان يمكنها أن تتحالف معها أو تشد أزرها.

أضف إلى ذلك أن انتشار الإسلام بين قسم كبير من القبائل ومن ضمنها قريش، ينطوي على "تحييد" للقسم الآخر الذي بقي على الشرك، وخاصة بالنسبة للمعتدلين الذين يرون أنه لا جدوى من القتال، ويعتبرون الحرب كارثة تحيق بهم.

13- الثقة واليقين بنصر الله عز وجل:
ومن الدروس التي نحتاج إلى أن نتدبر فيه ينقسم إلى قسمين، وكلاهما متعلق بعقيدة المؤمن ويقينه: الأول منهما: الثقة بنصر الله عز وجل، واليقين بتحقيق وعده، قال الله عز وجل: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ [محمد: 7]، وقال جل وعلا: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83] كل هذه الوعود صادقة لا تتخلف، إنما الذي يتخلف فعل المسلمين، فلا تأتيهم حينئذ تلك الوعود؛ لأنهم لم يأتوا بالشروط.

ولقد ظل النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو في مَكَّة عشرة أعوام، وظل بعد ذلك يجاهد ويكابد المشاق أعواماً أخرى، وخرج من مَكَّة مهاجراً ومطارداً، وخرج لا يملك شيئاً من الدنيا، وكل المؤشرات المادية كانت في غير صالح المسلمين.

ولو قسنا ذلك بالزمن لرأينا أنه عليه الصلاة والسلام خرج من مَكَّة مهاجراً طريداً وعاد إليها فاتحاً عزيزاً بعد ثمانية أعوام، فما هي في عمر الزمان؟ إنها مدة قصيرة، وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يملك مالاً ولا يملك سلاحاً، والمسلمون في ذلك الوقت قلة لا يؤبه لها، والأجواء المحيطة بهم والقبائل التي من حولهم كلها على الكفر والشرك.

ثم لم يكن النصر في هذا العنصر المادي بقوة المسلمين أو كثرة جيوشهم، بل ما فتحوا مَكَّة إلا بعد أن فتحوا قلوباً كثيرة وعقولاً كثيرة، ودخل في الإسلام من القبائل ومن الناس أعدادٌ هائلة عظيمة، وبعد العام الثامن في العام العاشر عندما حج النبي عليه والسلام حجة الوداع كان معه ما يزيد على مائة ألف نفس من أصحابه الذين حجوا معه.

لقد فتح الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- القلوب والعقول قبل أن يفتح البلاد والدور والحصون، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 1-3].

فنحن -إذاً- لابد من أن نعظم اليقين بنصر الله عز وجل، خاصة في هذه الظروف، فبعض الناس اليوم يقول: كيف سينتصر المسلمون؟! أمريكا الدولة العظمى في العالم والأمم المتحدة ضدهم، والأسلحة عابرة القارات! كأن بعض الناس نسوا أن هناك قرآناً يُتلى، ونسوا أن هناك سُنناً، ونسوا أن هناك قوة عظمى وهي قوة الله عز وجل القائل: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].

وفي يوم الأحزاب اجتمع على المسلمين شدة الجوع وشدة الخوف وشدة البرد، وجيش المشركين يحيط بهم من كل جانب، وقريظة نقضت العهد، وأصبح المسلمون محاطين من كل جانب، وليست عندهم حيلة ولا قوة، فما الذي جرى؟ يقين بنصر الله، فكبر النبي عليه الصلاة والسلام وبشر أصحابه بالنصر، ثم جاءت الريح فأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وقلعت الخيام، وطردت أولئك الكفرة والمعتدين ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ [الأحزاب: 25]، وبعدها قال النبي عليه الصلاة والسلام: “اليوم نغزوهم ولا يغزونا”، فلم يكن النبي عليه الصلاة والسلام عندما خرج من مَكَّة وهو مهاجر طريد عنده أدنى شك في أنه سينصر بإذن الله، وأن كلمته ستعلو، وأن دينه سينتشر، وأن رايته ستخفق، وأن دولته ستعم بقاع الأرض كلها، كما قال عليه الصلاة والسلام: “إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وإن ديني سيبلغ ما زوي لي منها”.

فنحن اليوم في حاجة إلى أن نزيل هذا الوهن الذي سرى إلى النفوس، واليأس الذي تسلل إلى القلوب، واستعظام قوة الخلق ونسيان قوة الخالق، ونقول للذين أصبحوا اليوم يفتون في العضد ويقولون لنا: كونوا واقعيين، فماذا تريدون أن تفعلوا؟ وماذا يفعل هؤلاء الفلسطينيون في فلسطين؟ إنهم يزهقون أرواحهم، ويسفكون دماءهم، ويخربون بيوتهم بأيديهم، ثم لم ينجزوا شيئاً.

نقول: سبحان الله! ننسى قوة الله عز وجل، وننسى قوله تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 249]، وننسى كيف نصر الله رسوله في يوم بدر، وكيف نصر المسلمين في عهد النبي عليه الصلاة والسلام! بل إلى قريب من عهدنا هذا في حرب رمضان التي انتصر فيها المسلمون على اليهود في أول هذه المعارك.

فلماذا نغفل عن ذلك كله؟! درس الفتح يعلمنا أن الدائرة تدور وأن الأيام تتوالى، وأن الأعوام تكر، وأن العاقبة للمتقين، وأن النصر للمؤمنين ولو بعد حين.

وفيما فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع أهل مَكَّة حكمة أخرى، فقد علم الله أن العرب سيكونون حملة رسالته إلى العالم، فأبقى على حياة أهل مَكَّة وهم زعماء العرب ليدخلوا في دين الله، ولينطلقوا بعد ذلك إلى حمل رسالة الهدى والنور إلى الشعوب، يبذلون من أرواحهم وراحتهم ونفوسهم ما أنقذ تلك الشعوب من عمايتها، وأخرجها من الظلمات إلى النور.

14- تجريد العدو من إرادة القتال:
إن الحرب في حقيقتها "صراع بين إرادتين": إرادتنا وإرادة عدونا، والطرف الذي يفقد الإرادة القتالية سوف يكون هو الخاسر المهزوم.

ولقد كان من الأمور البارزة في غزوة فتح مَكَّة حرص الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- على تجريد قريش من إرادة المقاومة والقتال.



فتح مَكَّة دروس وعبر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

فتح مَكَّة دروس وعبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح مَكَّة دروس وعبر   فتح مَكَّة دروس وعبر Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 5:35 am

وتم ذلك بعدة وسائل منها:
1- غزو قلب وعقل ونفس زعيم قريش:
ومن الأساليب التي اتخذها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لذلك إقناع أبي سفيان عن طريق "إظهار القوة وتجسيدها" بأنه لا جدوى من المقاومة وقتال المسلمين، فقد أوصى عليه الصلاة والسلام عمه العباس حين جاء بأبي سفيان إلى معسكر المسلمين خارج مَكَّة باحتجازه في مدخل الجبل إلى مَكَّة حتى يمر به جيش المسلمين فيحدث قومه عما رآه عن بينة ويقين، فيقضي على أي أمل لديهم في المقاومة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “يا عباس، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها،” قال العباس: فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي، حيث أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أحبسه، ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: يا عباس، من هذه فأقول سليم فيقول: مالي ولسليم، ثم تمر القبيلة فيقول: مالي ولمزينة، حتى نفدت القبائل ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها فإذا أخبرته بهم قال: مالي ولبني فلان، حتى مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتيبته الخضراء (لكثرة الحديد) وظهر فيها المهاجرون والأنصار -رضي الله عنهم- لا يُرى منهم إلا الحدق (العيون) من الحديد.

فقال: سبحان الله يا عباس مَنْ هؤلاء؟ قلت: هذا رسول -صلى الله عليه وسلم- في المهاجرين والأنصار قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح مُلك ابن أخيك الغداة عظيمًا، قلت يا أبا سفيان: إنها النبوة، قال: فنعم إذن؟ قلت: النجاء (السرعة) إلى قومك.

ومما يدل على حرص الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- على إيقاع أكبر قدر من التخويف والضغط النفسي على أبي سفيان اختياره لمضيق الوادي بالذات لوقوف أبي سفيان، فمرور الجيش في مضيق يختلف عن مروره في الأرض المكشوفة، فالمضيق يجعل أبا سفيان يرى قوة الجيش بصورة مجسمة، أما الأرض المكشوفة فسوف ينتشر فيها الجيش ويتفرق فلا يقع التأثير المطلوب، وقد أسرع أبو سفيان إلى قومه فقال: "يا معشر قريش، هذا محمد جاءكم فيما لا قِبَلَ لكم به" وذلك أوضح دليل على تجريده من إرادة المقاومة والقتال.

2- تجريد قريش نفسها من إرادة القتال:
وفضلاً عما يحدثه قول أبي سفيان لقومه السابق ذكره من دفع قريش إلى الاستسلام، فقد كان تنظيم الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لجيش المسلمين على نحو يضعف الدافع لدى المشركين إلى القتال ويجعلهم يترددون في المقاومة، فقد كان الجيش لا يتألف من المهاجرين والأنصار فحسب بل من مسلمي أكثر القبائل العربية المعروفة يومئذ: ألف رجل من بني سليمان، وألف رجل وثلاثة رجال من مزينة، وأربعمائة من بني جهينة؛ وأربعمائة من أسلم، وعدد من تميم وأسد وقيس وغيرها من القبائل العربية الأخرى.

هذا التنظيم أصاب المشركين بالتردد في الإقدام على القتال؛ لأن كل قبيلة لها في جيش المسلمين عدد كبير، بل إن كثيرًا من القبائل تعتبر نجاح هذا الجيش نجاحًا لها على الرغم من اختلاف العقيدتين، والأكثر من ذلك فإن انتصار هذا الجيش لا يعتبر فخرًا لقبيلة دون أخرى كما أن فشل أية قبيلة في التغلب عليه، لا يعتبر عارًا عليها؛ لأن هذا الجيش لم يكن لقبيلة دون أخرى بل لم يكن للعرب دون غيرهم بل كان للإسلام ولمعتنقي هذا الدين من العرب وغير العرب.

ثم جاءت الضربة النفسية القاضية على إرادة القتال حين أعطى الرسول -صلى الله عليه وسلم- "الأمان" لقريش مقابل الاستسلام، فقد نصح العباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بأن يلجأ إلى الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- حتى ينظر في أمره قبل أن يدخل الجيش مَكَّة صباح غد فيحيق به وبقومه العقاب، فقال العباس للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئًا (وكان أبو سفيان قد أسلم ليحقن دمه قبل لقائه بالرسول -صلى الله عليه وسلم- )، فقال عليه الصلاة والسلام "نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن"، فكان ذلك من أقوى أسباب استسلام قريش، فإنه لما قال أبو سفيان لقومه "يا معشر قريش، هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" قالت قريش: قاتلك الله، وما تغني عنا دارك؟ قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن" فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.

13- النصر ليس مدعاة للكبر:
إن النصر لا يؤدي إلى الكبر، وإن النصر لا يقود إلى الخيلاء، وإن النصر لا يؤدي إلى فتنة النفوس بالإعجاب، ولا إلى الطغيان الذي يكون مع المنتصرين من غير أهل الإيمان والإسلام.

لما دخل النصارى بيت المقدس عام اثنين وتسعين وأربعمائة من الهجرة قتلوا في داخل المسجد وفي أنحائه نحواً من سبعين ألف نفس، حتى خاضت ركب الخيل في الدماء.

وفي يوم دخول التتار إلى بغداد قتلوا نحو ثمانمائة ألف نفس، وقيل: ألف ألف وثمانمائة ألف نفس.

كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية، واستحر القتل بأهل بغداد أربعين يوماً حتى سالت ميازيب البيوت من دماء المسلمين، وحتى بلغ نتن الجيف من أرض بغداد إلى بلاد الشام، وذلك هو طغيان النصر.

لكن انظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم دانت له مَكَّة التي استعصى عليه أهلها، مَكَّة التي كان أهلها أشد الناس إيذاءً له، مَكَّة التي كانت مؤلبة ومحرضة عليه للقبائل، ولكل الأعداء الذين سعت قريش إلى أن تجعلهم في صفها ضد رسول الله عليه الصلاة والسلام، دخل عليه الصلاة والسلام مطأطئاً رأسه تواضعاً لله عز وجل، وفي بعض الروايات: (حتى مست لحيته ظهر دابته) عليه الصلاة والسلام، دخل وهو المنتصر لا في نشوة المنتصر، بل في ذلة العابد الحامد لربه سبحانه وتعالى، ولذلك لم تطغ نفسه، فلم يأت بالناس ليقص رقابهم ويسيل دماءهم، بل عفا عنهم.

هلاّ… تواضعنا لله، وهلاّ تواضعنا لخلق الله ونزعنا رداء العجب والفخر، إذ المطلوب منك -أيها المؤمن- أن تعطف وترحم المساكين، وأن تصل رحمك والوالدين، وأن تغض الطرف عن إساءة المُسيئين، وتُسامح المُذنبين، وتتأسَّي بسيد العالمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وجاءه -صلى الله عليه وسلم- من هرب كـ حكيم بن حزام وغيره، وجلسوا بين يديه يلتمسون عفوه فوجدوا نفسه سمحة بذلك، إلا من كان عدواً لله ولرسوله، من اجترأ على دينه أو سب وآذى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فأولئك بضعة نفر في أعلى روايات السيرة أنهم تسعة أهدر النبي -صلى الله عليه وسلم- دماءهم وأمر بقتلهم ولو كانوا معلقين بأستار الكعبة.

لكن جمهور أهل مَكَّة ما أصاب أحداً منهم من رسول الله عليه الصلاة والسلام ضر، ومَكَّة نفسها ما هُدِم فيها بيت، ولا قلعت فيها شجرة، ولا أضرمت فيها نار، تلك هي انتصارات الإسلام، ولعلنا نستحضر يوم السابع والعشرين من شهر رجب في العام السابع والثمانين بعد الخمسمائة من الهجرة يوم دخل صلاح الدين منتصراً إلى بيت المقدس في يوم جمعة، ولعلنا نتذكر الخطبة التي خطبها القاضي الفاضل، وكلها تذكير بفضل الله، وإقرار بنعمة الله، واعتراف بضرورة شكر الله، ولعلنا نعرف صنع صلاح الدين الذي قضى دهراً طويلاً من عمره مرابطاً في جهاده في سبيل الله.

14- الإسلام دين سلام ودين قوة:
كان قرار الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن يتم فتح مَكَّة بلا "قتال" فعهد إلى أمرائه ألا يقاتلوا إلا مَنْ قاتلهم، وكان عليه الصلاة والسلام حريصًا على ذلك كل الحرص وهو ما ينطق به أسلوبه في إدارة المعركة والسيطرة المحكمة على كل مرحلة من مراحلها، ولقد بلغ من حرصه -صلى الله عليه وسلم- على تجنب القتال أنه بلغه أن سعد بن عبادة الذي كان يقود رتلاً من الأرتال الأربعة التي يتألف منها جيش المسلمين قال: "اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة" فأخذ الراية منه ودفعها إلى ابنه قيس بن سعد حتى يحول دون اندفاع سعد لإثارة الحرب.

ومن هذا الحرص على حقن الدماء أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكتفِ بالتخطيط والقرار بأن يكون الفتح بغير قتال؛ لأنه يكون بذلك "عملاً من جانب واحد" لابد أن يقابله عمل من الجانب الآخر ينسجم معه ويحقق هدفه هو "عدم المقاومة"، أي أنه لابد من اتخاذ التدابير التي "تمنع" العدو من المقاومة والقتال، وهذا هو بالضبط ما فعله الرسول الكريم القائد-صلى الله عليه وسلم- بحرصه على المفاجأة والخداع وتجريد قريش من إرادة القتال على نحو ما قدمنا.

وهكذا كان جمعه عليه الصلاة والسلام بين الأمرين (تجنب القتال من جانبه ومنع قريش من المقاومة والقتال) آية من آيات حسن القيادة، وإدارة الصراع على أعلى مستوى، وتأكيدًا لمقاصد الإسلام النبيلة.

على أن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لم يكتف بهذه التدابير، بل أعد عدته للقتال" على أتم ما يكون الإعداد:
.              فقد حشد لفتح مَكَّة عشرة آلاف مقاتل وهو أكبر حشد منذ بدأ الصراع.

.              ووضع خطته لدخول مَكَّة بحيث يؤمن تطويقها من جهاتها الأربع:
•     من الشمال: الزبير بن العوام.
•    من الجنوب: خالد بن الوليد.
•    من الغرب: رتل سعد بن أبي عبادة (قوات الأنصار).
•    ومن الشمال الغربي من اتجاه جبل هند رتل أبي عبيدة بن الجراح قوات المهاجرين.

وهذه الخطة المحكمة أدت إلى تحقيق هدفين في غاية الأهمية من وجهة نظر الفن الحربي:
1.              ضمان القضاء على أية مقاومة في أية جهة من مَكَّة "في الحال" نظرًا لوجود المسلمين في كل جهة من جهاتها.
2.              تشتيت قوات قريش إذا قررت المقاومة إلى أقسام لمواجهة جيش المسلمين على ؛ مما يحرمها من تركيز قواتها وحشدها في جبهة واحدة ويجعلها ضعيفة في كل مكان.


15- مواقف دعوية وقدرة رفيعة في التعامل مع النفوس:
1- إسلام سهيل بن عمرو:
قال سهيل بن عمرو: لما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَكَّة وظهر، انقحمت بيتي وأغلقت عليَّ بابي، وأرسلت إلى ابني عبد الله بن سهيل أن اطلب لي جوارًا من محمد، وإني لا آمن من أن أقتل، وجعلت أتذكر أثري عند محمد وأصحابه فليس أحد أسوأ أثرًا مني، وإني لقيت رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية بما لم يلحقه أحد، وكنت الذي كاتبته، مع حضوري بدرًا وأحدًا، وكلما تحركت قريش كنت فيها، فذهب عبد الله بن سهيل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله, تؤمنه؟ فقال: «نعم»، هو آمن بأمان الله، فليظهر، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لِمَنْ حوله: «مَنْ لقي سهيل بن عمرو فلا يشد النظر إليه، فليخرج, فلعمري إن سهيلاً له عقل وشرف, وما مثل سهيل يجهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن له بنافع» فخرج عبد الله إلى أبيه، فقال سهيل: كان والله برًّا، صغيرًا وكبيرًا، فكان سُهيل يُقبل ويُدبر، وخرج إلى حنين مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على شركه حتى أسلم بالجعرانة.

لقد كان لهذه الكلمات التربوية الأثر الكبير على سهيل بن عمرو, حيث أثنى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالبر طوال عمره، ثم دخل في الإسلام بعد ذلك، وقد حَسُنَ إسلامُه وكان مُكثرًا من الأعمال الصالحة يقول الزبير بن بكار: كان سهيل بعدُ كثير الصلاة والصوم والصدقة، خرج بجماعته إلى الشام مجاهدًا، ويقال: إنه صام وتهجد حتى شحب لونه وتغيَّر، وكان كثير البُكاء إذا سمع القرآن، وكان أميرًا على كردوس يوم اليرموك.

2- إسلام صفوان بن أمية:
قال عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-:... وأما صفوان بن أمية فهرب حتى أتى الشعيبة وجعل يقول لغلامه يسار وليس معه غيره: ويحك, انظر من ترى, قال: هذا عمير بن وهب، قال صفوان: ما أصنع بعمير؟ والله ما جاء إلا يريد قتلي، قد ظاهر محمدا عليَّ، فلحقه فقال: يا عمير، ما كفاك ما صنعت بي؟ حملتني دينك وعيالك، ثم جئت تريد قتلي، قال: أبا وهب جعلت فداك، جئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس.          

وقد كان عمير قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، سيد قومي خرج هاربًا ليقذف نفسه في البحر، وخاف ألا تؤمنه فداك أبي وأمي، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قد أمنته»، فخرج في أثره فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمنك، فقال صفوان: لا والله، لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها، فرجع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، جئت صفوان هاربًا يريد أن يقتل نفسه فأخبرته بما أمنته فقال: لا أرجع حتى تأتي بعلامة أعرفها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خذ عمامتي».

قال: فرجع عمير إليه بها، وهو البرد الذي دخل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ معتجرًا به، بُرد حَبَرة فخرج عمير في طلبه الثانية، حتى جاء بالبُرد فقال: أبا وهب جئتك من عند خير الناس، وأوصل الناس، وأبر الناس، وأحلم الناس، مجده مجدك، وعزه عزك، وملكه ملكك, ابن أمك وأبيك، اذكر الله في نفسك، قال له: أخاف أن أقتل، قال: قد دعاك إلى أن تدخل في الإسلام، فإن رضيت وإلا سيرك شهرين، فهو أوفى الناس وأبرهم، وقد بعث إليك ببرده الذي دخل فيه معتجرًا، تعرفه؟ قال: نعم، فأخرجه، فقال: نعم، هو هو، فرجع صفوان حتى انتهى إلى رسول الله، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالمسلمين العصر بالمسجد، فوقفا، فقال صفوان: كم تصلون في اليوم والليلة؟ قال: خمس صلوات، قال: يصلي بهم محمد؟ قال: نعم، فلما سلم صاح صفوان: يا محمد، إن عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمرًا وإلا سيرتني شهرين، قال: «انزل أبا وهب» قال: لا والله حتى تبين لي, قال: «بل تُسيَّر أربعة أشهر» فنزل صفوان.

وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل هوازن وخرج معه صفوان وهو كافر، وأرسل إليه يستعيره سلاحه، فأعاره سلاحه مائة درع بأداتها، فقال: طوعًا أو كرهًا؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عارية مؤدَّاة» فأعاره، فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحملها إلى حُنين، فشهد حُنينًا، والطائف ثم رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الجُعرانة، فبينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسير في الغنائم ينظر إليها ومعه صفوان بن أميَّة جعل صفوان ينظر إلى شِعْبٍ مليءٍ نِعَمًا وشاءً ورِعَاءً فأدام إليه النظر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَرمُقُه, فقال: «أبا وهب، يعجبك هذا الشِعْب؟» قال: نعم، قال: «هو لك وما فيه», فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحَدٍ بمثل هذا إلا نفسُ نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأسلم مكانه.

ونلاحظ في هذا الخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حاول أن يتألّف صفوان بن أمية إلى الإسلام حتى أسلم، وذلك بإعطائه الأمان ثم بتخييره في الأمر أربعة أشهر، ثم بإعطائه من مال العطايا الكبيرة التي لا تصدر من إنسان عادي، فأعطاه أولاً مائةً من الإبل مع عدد من زعماء مَكَّة, ثم أعطاه ما في أحد الشِّعَاِب من الإبل والغنم فقال: ما طابت نفس أحَدٍ بهذا إلا نفسُ نبي، ثم أسلم مكانه، وقد وصف لنا صفوان بن أمية عطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (والله لقد أعطاني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برحَ يُعطيني حتى إنه لأحَبُّ النَّاس إليَّ).



فتح مَكَّة دروس وعبر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

فتح مَكَّة دروس وعبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح مَكَّة دروس وعبر   فتح مَكَّة دروس وعبر Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 5:54 am

3- إسلام عكرمة بن أبي جهل:
قال عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-: قالت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل: يا رسول الله، قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمِّنه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هو آمن», فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت على حيٍّ من عكٍّ فاستغاثتهم عليه فأوثقوه رباطًا، وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة فركب البحر، فجعل نُوتيَّ السفينة يقول له: أخلص، فقال: أي شيء أقول؟ قال: قل لا إله إلا الله، قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا، فجاءت أم حكيم على هذا الكلام، فجعلت تلح عليه وتقول: يا ابن عم، جئتك من عند أوصل الناس, وأبرّ الناس, وخير الناس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته فقالت: إني قد استأمنت لك محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: أنت فعلت؟ قالت: نعم، أنا كلمته فأمنك، فرجع معها وقال: ما لقيتِ من غلامك الرومي؟ فخبرته خبره فقتله عكرمة، وهو يومئذ لم يسلم، فلما دنا من مَكَّة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت».

قال: وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها، فتأبى عليه، وتقول: إنك كافر وأنا مسلمة، فيقول: إن أمرًا منعك مني لأمر كبير، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- عكرمة وثب إليه -وما على النبي -صلى الله عليه وسلم- رداء- فرحا بعكرمة، ثم جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوقف بين يديه، وزوجته متنقبة، فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صدقت، فأنت آمن» فقال عكرمة: فإلامَ تدعو يا محمد؟ قال: «أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل» حتى عد خصال الإسلام، فقال عكرمة: والله ما دعوت إلا إلى الحق وأمر حسن جميل، قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأبرنا برا، ثم قال عكرمة: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فسُرَّ بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: يا رسول الله علمني خير شيء أقوله، قال: «تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله» قال عكرمة: ثم ماذا؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تقول: أشهد الله وأُشهد من حضر أني مسلم مهاجر ومجاهد» فقال عكرمة ذلك.

فقال رسول الله: «لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدًا إلا أعطيتكه» فقال عكرمة: فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها، أو مسير وضعت فيه، أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك أو وأنت غائب عنه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، فاغفر له ما نال مني من عرض، في وجهي أو وأنا غائب عنه» فقال عكرمة: رضيت يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدّ عن سبيل الإسلام إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالاً كنت أقاتل في صدّ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله, ثم اجتهد في القتال حتى قُتل شهيدًا، وبعد أن أسلم ردَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأته له بذلك النكاح الأول.

كان سلوك النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع عكرمة لطيفًا حانيًا يكفي وحده لاجتذابه إلى الإسلام، فقد أعجل نفسه عن لبس ردائه، وابتسم له ورحب به, وفي رواية قال له: «مرحبا بالراكب المهاجر» فتأثر عكرمة من ذلك الموقف فاهتزت مشاعره وتحركت أحاسيسه، فأسلم، كما كان لموقف أم حكيم بنت الحارث بن هشام أثر في إسلام زوجها، فقد أخذت له الأمان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وغامرت بنفسها تبحث عنه لعل الله يهديه إلى الإسلام كما هداها إليه، وعندما أرادها زوجها امتنعت عنه وعللت ذلك بأنه كافر وهي مسلمة، فعظم الإسلام في عينه وأدرك أنه أمام دين عظيم، وهكذا خطت أم حكيم في فكر عكرمة بداية التفكير في الإسلام ثم توج بإسلامه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان صادقًا في إسلامه, فلم يطلب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دنيا, وإنما سأله أن يغفر الله تعالى له كل ما وقع فيه من ذنوب ماضية، ثم أقسم أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يحمل نفسه على الإنفاق في سبيل الله تعالى بضعف ما كان ينفق في الجاهلية، وأن يبلي في الجهاد في سبيل الله بضعف ما كان يبذله في الجاهلية، ولقد بر بوعده فكان من أشجع المجاهدين والقادة في سبيل الله تعالى في حروب الردة ثم في فتوح الشام حتى وقع شهيدًا في معركة اليرموك بعد أن بذل نفسه وماله في سبيل الله.

4- مثل من تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم-: إسلام والد أبي بكر:
قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-ما: لما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَكَّة ودخل المسجد، أتى أبو بكر بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟» قال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، قالت: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له: «أسلم» فأسلم، قالت: فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «غيروا هذا من شعره» ويروى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هنأ أبا بكر بإسلام أبيه.

وفي هذا الخبر منهج نبوي كريم سنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في توقير كبار السن واحترامهم, ويؤكد ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا» وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم» كما أنه -صلى الله عليه وسلم- سن إكرام أقارب ذوي البلاء والبذل والعطاء والسبق في الإسلام؛ تقديرًا لهم على ما بذلوه من الخدمة للإسلام والمسلمين ونصر دعوة الله تعالى.

5- مثل من عفو النبي -صلى الله عليه وسلم- وحلمه: إسلام فضالة بن عمير:
أراد فضالة بن عمير بن الملوح الليثي قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أفضالة؟» قال: نعم، فضالة يا رسول الله، قال: «ماذا كنت تحدث به نفسك؟» قال: لا شيء، كنت أذكر الله، قال: فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: «استغفر الله», ثم وضع يده على صدره، فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إليَّ منه، قال فضالة: فرجعت إلى أهلي، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلم إلى الحديث، فقلت: لا...

وانبعث فضالة يقول:
يأبى عليك اللهُ والإسلامُ
قالت هلمَّ إلى الحديث فقلت لا
بالفتح يوم تكسر الأصنام
لو ما رأيت محمدًا وقبيله
والشرك يغشى وجهَه الإظلام
لرأيت دين الله أضحى بينا


16- العاقبة للمتقين:
ما نذكره من دروسها ودروس معاركه الحربية -صلى الله عليه وسلم-، هي العبرة البالغة بما انتهت إليه دعوة الله من نصر في أمد لا يتصوره العقل، وهذا من أكبر الأدلة على أن محمداً رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى أن الإسلام دعوة الله التي تكفل بنصرها ونصر دعاتها والمؤمنين بها والحاملين للوائها، وما كان الله أن يتخلى عن دعوته وهي حق ورحمة ونور، والله هو الحق وهو الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، والله نور السماوات والأرض، فمن يستطيع أن يطفئ نور الله!،  وكيف يرضى للباطل أن ينتصر النصر الأخير على الحق، وللهمجية والقسوة والفساد أن تكون لها الغلبة النهائية على الرحمة والصلاح.

17- في الإسلام "لا ويل للمغلوب"
وإذا كان من شأن المنتصر أن يستبد ويملي شروطه بدافع الغيظ والتشفي والانتقام والغرور بالقوة، فإن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- رغم ما فعلت قريش ضد الإسلام والمسلمين- لم يفعل شيئاً من ذلك، بل كان كل همه وكل قصده أن يؤلف قلوب المشركين، ويجعلها تقبل على الإسلام الذي هو دين السلام.

لقد استسلمت قريش التي يعرف عليه الصلاة والسلام فيها من تآمروا عليه ليقتلوه، ومن عذبوه وأصحابه من قبل، ومن قاتلوه في بدر وفي أحد، ومن حاصروه في الخندق، ومن ألّبوا عليه العرب جميعًا، ومن لو استطاعوا قتله وتمزيقه إربًا إربًا لما توانوا في ذلك لحظة.. لقد أصبحت قريش في قبضته عليه الصلاة والسلام وتحت قدميه، أمره نافذ في رقابهم، وحياتهم جميعًا معلقة بين شفتيه، وفي سلطانه، هذه الألوف المدججة بالسلاح تستطيع أن تبيد مَكَّة وأهلها في لمح البصر.

لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بالرجل ولا بالقائد الذي يعرف العداوة أو يريدها أن تقوم بين الناس، وليس هو بالجبار ولا بالمتكبر أو بالذي يرفع شعار "ويلٌ للمغلوب" لقد مكنه الله من عدوه، فماذا فعل؟ لقد نهض عليه الصلاة والسلام والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله، حتى دخل المسجد الحرام، فطاف بالبيت العتيق وطهّره من الأصنام والصور، ثم وقف على باب الكعبة وقريش تنتظر ماذا يصنع وقال «يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟».. قالوا خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. قال: «فإني أقول كما قال يوسف لإخوته، لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

وكانت أعظم الآثار الاستراتيجية لسماحة الإسلام التي تجلت بأجلى معانيها أن قريشًا لم تقبل على الإسلام فحسب، بل حملت رايات الجهاد في سبيل الله، وتحولت اتجاهاتها من أشد الناس عداوة للإسلام، إلى أحرص الناس على رفع راية الجهاد في سبيله وتلك صورة رفيعة انفرد بها الإسلام.

18- لا شفاعة في حدود الله؟
قال عروة بن الزبير: إن امرأة سرقت في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه، قال عروة: فلما كلّمه أسامة فيها تلوَّن وجهُ رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله خطيبًا فأثنى على الله بما هو أهله, ثم قال: «أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتلك المرأة فقُطِعَتْ يدها، فحسُنَت توبتها بعد ذلك وتزوجت، قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهكذا يستمر البناء التربوي للأمة، ونرى العدل في إقامة شرع الله على القريب والبعيد على حد سواء، ووجدت قريش نفسها أمام تشريع رباني لا يفرق بين الناس، فهم كلهم أمام رب العالمين سواء، وأصبحت معايير الشرف هي الالتزام بأوامر الله تعالى، وفي هذا الموقف الذي أثار غضب رسول الله الشديد واهتمامه الكبير, عبرة للمسلمين حتى لا يتهاونوا في تنفيذ أحكام الله تعالى، أو يشفعوا لدى الحاكم، من أجل تعطيل الحدود الإسلامية.

19- الوفاء المحمدي: المحيا محياكم والممات مماتكم:
قال أبو هريرة:... أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصفا، فعلاه حيث ينظر إلى البيت، فرفع يديه، فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره، ويدعوه, قال: والأنصار تحته، قال: يقول بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يقضي, قال: فلما قضى الوحي رفع رأسه ثم قال: يا معشر الأنصار قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته؟ قالوا: قلنا ذلك يا رسول الله، قال: فما اسمي إذن؟ كلا, إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم، قال: فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الظن بالله ورسوله، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فإن الله ورسوله ليصدقانكم ويعذرانكم».

20- السلام لا يعني الاسترخاء في الإعداد وبناء القوة:
كان جيش الإسلام في غزوة فتح مَكَّة عشرة آلاف مقاتل، ولكن بعد الفتح واستسلام العدو الرئيسي للإسلام (قريش) ارتفعت قوة الجيش حتى بلغت ثلاثين ألف مقاتل في غزوة تبوك عام 9 هـ، ومعنى ذلك أنها خلال عام واحد وصلت إلى ثلاثة أمثالها يوم الفتح.

هذه الحقيقة التاريخية تستحق أن نتدبرها ونستخلص الدرس منها، وهو درس ينطوي على المبادئ التالية:
1.              إن إعداد القوة التي ترهب العدو واجب مستمر في السلم والحرب على حد سواء.
2.              إن فترات الهدنة أو السلام لا تعني الاسترخاء في الإعداد وبناء القوة.
3.              إن الإسلام دين سلام ورحمة، لكنه في الوقت نفسه – دين قوة، فهو دين عملي، يأخذ الحياة من واقعها، وينظر إلى الناس من خلال فطرتهم التي فطروا عليها، فقد راعى طبائع الخلائق، وميلها إلى المشاحنات فأمر أهله بإعداد القوة لا ليعتدوا بها على الآخرين بل ليدافعوا بها عن أنفسهم ويرغموا أعداءهم أن يلزموا حدودهم.
4.              وأخيرًا، فإن السلام الذي يدعو إليه الإسلام هو:
السلام الذي تحميه القوة؛ لأن القوة هي أكبر ضمان لتحقيق ذلك السلام والمحافظة عليه.


21- كشف خبر حاطب:
فإن الله أطلعه على بعض علم الغيب، والله هو الذي يطلع على علم الغيب - سُبحَانَهُ وَتَعَالَى - من يريد، ولا يطلع على علم الغيب أحداً غير الأنبياء والأولياء الصالحين.

وأما غيرهم من المشعوذين والكهنة، فقد يأتيهم من الجن، ومن خدامهم، والذين يتولونهم من الشياطين؛ فإن الكاهن يأتي إليه الشيطان، ويأتي إليه وليه، فيخبره، فيكذب معها مائة كذبة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-.

وفي حديث في ( سنن أبي داوُد ): قال: “ويقرها في أذنه كما تقر الدجاجة، فيأخذها فيزيد عليها مائة كذبة”.

أما الرسول عليه الصلاة والسلام فيأتيه الخبر صافياً نقياً، لا شائبة فيه، من السماء.

22- قبول عذر المسلم:
فقد كاد حاطب --رضي الله عنه- وأرضاه- أن يُودي بالإسلام والمسلمين في داهية، ولكن مع ذلك قَبِل -صلى الله عليه وسلم- معذرته.

ومن حُسن إسلام المرء أن يقبل اعتذار مَنْ يعتذر إليه؛ فإنه ما اعتذر إليك إلا لجلالتك في قلبه، ولمحبتك إليه، والله عز وجل سِتِّيْرٌ يحب الستر، وعذر العاذرين في الدنيا، ويُسامح المُسامحين، ويُيسر على المُيسرين، والجزاء من جنس العمل.

فإذا اعتذر إليك مسلم قد أخطأ، فاقبل عذره، واحمله على أتم المحامل فإن هذا من شيم الصالحين، بل إنه من شيم العرب من قبل ذلك.

فـالنابغة الذبياني لَمَّا أساء مع النعمان بن المُنذر، قبل النعمان معذرته...

فيقول:
لئن كنتَ قد بلغت عني وشايةً لمبلغك الواشي أغش وأكذبُ

فقَبِل النعمان عذره، فيقول:
حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً وليس وراء الله للمرء مذهبُ

والرسول عليه الصلاة والسلام قبل أعذار الناس، حتى الذين كادوا له، والذين دبَّروا اغتياله، وأخرجوه من دياره.

وفي حديث في سنده نظر:
أن كعب بن زهير قدم على الرسول عليه الصلاة والسلام وقد أساء، وأهدر دمه، فلما وصل إلى المدينة قال للصحابة: ماذا أفعل؟ والرسول عليه الصلاة والسلام قد أهدر دمي، والله ما تهنَّيْتُ بطعام ولا شراب، ولا اكتحلتُ بنوم؛ لأنه كان يمضي في الليل وينام في النهار، قالوا: أنت شاعر مُجيد، اصنع لك أبياتاً وقدِّمها للرسول عليه الصلاة والسلام، فأتى في صلاة الفجر، فلما صلى -صلى الله عليه وسلم-...

ألقى عليه تلك المقطوعة الرائعة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ مُتَيَّمٌ إِثْرَها لَمْ يُفْدَ مكبولُ

إلى أن يقول:
نبئتُ أن رسول الله أوعدني والوعد عند رسول الله مأمولُ
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الــقرآن فيها مواعيظٌ وتفصيلُ
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثُرَت فيَّ الأقاويلُ


فعفا عنه -صلى الله عليه وسلم- وسامحه، ومع ذلك حَطَّ له جُبَّتَه من عليه، فبِيْعَت بأربعين ألفاً في عهد معاوية، وبقيت يتداولها خلفاء الدولة العثمانية في الأتراك، وقيل في بعض الروايات: إنها لا تزال في المتحف في اسطنبول، والله أعلم.



فتح مَكَّة دروس وعبر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

فتح مَكَّة دروس وعبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح مَكَّة دروس وعبر   فتح مَكَّة دروس وعبر Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 6:00 am

23- غضب الصحابة لله:
الغضب للنفس ردى، والغضب للناس علياء، والغضب لله عز وجل علياء وأجر، ولذلك يقول بعض أهل العلم: طابع أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أنهم يغضبون لله، ويرضون لله؛ فلا يغضبون لأنفسهم.

فـ عُمَر كان يُسَبُّ أمام الصحابة من بعض الناس، ويُسَبُّ أمام الناس، فما يغضب، فإذا سمع أن دين الله أو رسالة الله، أو شيئاً من مبادئ الدين الخالد يناله شيء، غضب وأصبح كالأسد.

فهذا هو الغضب لله، والرضا له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

ثم هناك حول الغضب لله مسائل:
ورد من الغضب لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأرضاه طارد مجرماً كافراً مشركاً، فلما طارده وقع المجرم على ظهره، فأتى علي -رضي الله عنه- يطعنه بالسيف، فبَصَق هذا المشرك في وجه أبي الحسن، فكَفَّ -رضي الله عنه- وأرضاه عن قتل المشرك.

قال الصحابة: ما لك؟ قال: أولاً كنتُ أريد قتله لوجه الله، والآن أردت أن أقتله لنفسي، فترك ما لنفسه لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

فيا لتلك القلوب! كيف بلَغَت من التربية ومن الصدق؟!

وهم كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: [أخلص الأمة إيماناً، وأعمقها علماً، وأبرها قلوباً، وأقلها تكلفاً].

ولذلك يقول الله فيهم يوم الفتح: ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحَاً قَرِيباً﴾ [الفتح: 18].

قال ابن القيم: "علم ما في قلوبهم من اليقين والإيمان، ومن التقوى والبر، فهم أتقى الناس، وأبر الناس، وأصدق الناس، وأخشى الناس".
فسبحان الذي اختارهم لصحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

24- الفطر في السفر وأنه أفضل لمن شق عليه الصوم:
وذلك بدلالة هذا الحديث، الذي أفطر فيه -صلى الله عليه وسلم- وهو مسافر إلى مَكَّة لَمَّا شق على الناس، ولما خالفه بعض الناس، قال: “أولئك العصاة، أولئك العصاة”.

فمن شق عليه الصيام في السفر، فالأفضل في حقه أن يفطر؛ لهذا الحديث ولغيره.

25- إرهاب العدو بالقوة:
وفيها معلم من معالم الإسلام وهو أن الواجب على المسلمين أن يظهروا التكاتف والتعاون، وأن يظهروا المراسيم الإسلامية بقوة، حتى يرهبوا أعداء الله، خاصة في الأعياد، وفي الجمع، ومناسبات الخير.

فمن إرهاب العدو:
حمل ذلك بعض الصحابة رضوان الله عليهم على لبس الحرير في المعركة؛ ليرهبوا أعداء الله: فإذا رأى المسلم أن من اللباس ما يغيظ به الكافر والمنافق فله أن يلبسه.

وبعضهم مشى مشية الخيلاء: كـ أبي دجانة، الفارس المشهور؛ فإنه أخذ يتبختر يوم أحد، فقال عليه الصلاة والسلام: “إن هذه مشية يبغضها الله؛ إلا في مثل هذا الموطن” حيث أراد أن يغيظ بها الكفار.

وإذا كان من القوة والاجتماع ومن الشيء أن يغيظ به أعداء الله فإن الدين -كما يقول ابن القيم - يكون على المراغمة: أي: أن تراغم أعداء الله، فما أحسن المراغمة! وأعظم ما يُراغَم الشيطان، فإنك كلما عصيتَه أرغمت أنفه في التراب.

ولذلك كان عليه الصلاة والسلام متعمِّداً لهذا العدو، فإنه دخل بعشر كتائب، وزعها على أربعة جيوش، وأشعل كل جندي ناراً، حتى أخذت جبال مَكَّة تلتهب، فأدخل الله الرعب في قلوب الكفار.

26- قراءة القرآن على الدابة:
فهذا جائز، ولا بأس به، فالرسول عليه الصلاة والسلام في قصة الفتح، قرأ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ [الفتح: 1] وأخذت تُهَوْجِلُ به الدابة، فأخذ صوتُه يتردد -صلى الله عليه وسلم-، قال أحد الصحابة: {والله لولا أن يجتمع عليَّ الناس لرَجَّعْتُ بكم بصوتي كما رَجَّعَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصوته}.

فإذا ركبتَ السيارة، أو الطائرة، أو أي دابة فلك أن تقرأ كتاب الله عز وجل، فإنه نعم الأنيس؛ لأن بعض الناس يتحرج؛ لأنه راكب أو ليس مستقراً في مكان.

وورد عنه عليه الصلاة والسلام: “أن داوُد عليه السلام سهل الله عليه الزبور” وفي لفظ آخر: (القرآن) لكن حَمَلَه بعض المحدثين على أنه الزبور: {فكان يقرأه قبل أن تُسْرَج له الدابة}.

فهذا دليل على أنهم كانوا يقرءون في أسفارهم، فلا بأس من القراءة على الدابة، ولا بأس أن تقرأ وأنت تمشي، إذا كان هذا أصلح لقلبك وأفيد وأحفظ لوقتك.

كان بعض الصالحين إذا رأى الشباب يتوجهون إلى المساجد قال: تفرقوا من طريقكم إلى المسجد وفي رجوعكم.

قالوا: لماذا؟ قال: لأنكم إذا سرتم سوياً تحدثتم, وإذا تفرقتم قرأتم القرآن وذكرتم الله.

27- طمس الصور:
فالرسول عليه الصلاة والسلام لما دخل البيت، طمس صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وهذا واجب المسلم ألاَّ يبقي في بيته صورة، خاصة تلك التي تعلق، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة” وفي لفظ: (ولا جُنُب) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.

فعلى المسلم أن يكون بيته نظيفاً من هذه الصور، خاصة الخليعة منها، أو التي تُعَلَّق للذكرى وللتعظيم، فهذه محرمة.

أما الضرورية التي في الحفائظ والمستندات فلا بأس بها للضرورة.

28- عدم موالاة المشرك ولو كان قريباً:
فإن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان لما دخل عليها أبوها، سَحَبَتْ عنه فراش رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-.

فعلى المسلم أن ينتبه لهذه، وألاَّ يوالي مشركاً ولو كان ابناً أو أباً أو أخاً إذا كان يحاد الله عز وجل ويعارض كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بل يعاديه، فإن هذا هو الإيمان.

29- رعي النبي -صلى الله عليه وسلم- للغنم:
فقد كان سيد المتواضعين، وكان يعلن حالات الفقر والذكريات الأولى التي مرت به في أول حياته؛ فإن بعض الناس إذا رفعه الله في الدنيا وتولى منصباً أو تصدر في الناس أو توجه، لا يذكر ذاك الماضي، كأنه نشأ في هذا النعيم منذ نعومة أظفاره، وكأنه ما عرف البؤس ولا الجوع...

لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول:
“رعيت الغنم على قراريط لأهل مَكَّة لـ ابن أبي مُعَيط”.

و عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خطب في الناس، فلما خطب فيهم قال: [من أنا؟ قالوا: أنت أمير المؤمنين، قال: أنا عمر بن الخطاب، كنتُ أُدْعَى في الجاهلية عُمَيْراً، كنتُ أرعى على قراريط لآل أبي مُعَيط الغنم، فلما انصرف قال ابنه عبد الله: ما حملك على ما فعلتَ؟ قال: لما رأيتُ الجموع أمامي أعجبتني نفسي، فأردتُ أن أكسرها].

وفي فتح مَكَّة أتت بنت قيلة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فرأت الرسول عليه الصلاة والسلام فأُرْعِدت فرائصُها، وخافت من هيبته، فقال: “هَوِّنِي عليكِ” وعند أحمد: أنه رجل، قال له: “هَوِّنْ عليكَ، فإني ابن امرأة كانت تأكل القَدِيْدَ بـ مَكَّة” عليه الصلاة والسلام.

نعم، كانت تأكل القديد بـ مَكَّة ؛ لكن أصلح الله على يديك البشرية، ورفع على يديك معالم الإنسانية، وزعزع بفضله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ثم بإرسالك معالم الوثنية.

ذكروا عن الإمام أحمد:
أنه خرج إلى السوق، فأراد الناس أن يحملوا الحطب عنه، وكان على ظهره، فقال: نحن قوم مساكين، لولا ستر الله لافتضحنا.

30- قبول الهدية ولو كانت يسيرة:
فإن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو قائد الجيش ومعلم البشرية أُرسِلت له فخذ أرنب طُبِخَت، فَقَبِلَها -صلى الله عليه وسلم- ودعا لـ أبي طلحة.

فالمسلم يقبل الهدية، ويقبل ما عرض له سواء كان كثيراً أو قليلاً؛ لأنه لا قيمة للمسلم عند نفسه؛ لأن الذي يرفع ويكرم ويسدد ويوفق هو الحي القيوم، أما الناس فليس لأحد عندهم قدر إلا ما قدروه لأسباب دنيوية.

قال ابن تيمية في المجلد الأول وهو يتحدث عن العقيدة: إن الناس إذا أكرموا الإنسان فإنما يكرمونه لأسباب أكثرها دنيوية.

حتى أنه قيل: من استغنيتَ عنه فأنتَ نظيره، ومن احتجتَ إليه فأنتَ أسيره، ومن احتاج إليك فأنت أميره فأنت بين أمير أو أسير أو نظير.

31- الأمان للمشرك:
فإن الرسول عليه الصلاة والسلام ما باهَتَ المشركين وما عاجَلَهُم حتى أسْمَعَهم داعي الله وكلامه، كما فعل بـ أبي سفيان يوم أتاه في الخيمة.

32- صلاة الضحى:
وهي من أعظم النوافل التي يتقرب بها المتقربون إلى الله، وهي صلاة الأوابين، صلاها -صلى الله عليه وسلم- ثماني ركعات يوم الفتح، وقيل: صلاها ستاً، في بعض الأوقات، وقيل: صلاها أربعاً، وأكثر ما أوصى -صلى الله عليه وسلم- أن تصلى ركعتين اثنتين، فإنه أوصى أبا هريرة كما في (الصحيح) قال: “أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث، لا أدعهن حتى أموت: بركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر” وعند أحمد في (المسند) في رواية أخرى: “وبغسل يوم الجمعة”.

فعلى المسلم أن يفرغ من وقته دقائق في النهار، ليصلي ركعتي الضحى؛ فإنها تعادل أجر ثلاثمائة وستين صدقة، فالتسبيحة بصدقة، والتحميدة، والتكبيرة، والتهليلة، وإصلاح بين الناس، وأمر بمعروف ونهي عن منكر صدقة، على كل مفصل وكل سُلامَى، وفي الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاًَ، فيغني عن ذلك كله ركعتان من الضحى.

ووقت صلاة الضحى: بعد طلوع الشمس، من ارتفاعها إلى قريب الظهر، سبحاً طويلاً، فمن أراد أن يتقرب فليتقرب.

وقل لـ بلال العزم مِن قلب صادقٍ أرِحْنا بها إن كنت حقاً مُصَليا
توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً   به ترق أبواب الجِنان الثمانيا


33- الصلاة داخل الكعبة:
وذلك خلافاً لما ذهب إليه بعض أهل العلم، حيث قالوا: لا يُصلَّى داخل الكعبة، والصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى داخل الكعبة، وأنه لا بأس به.

وأما الأمر الممنوع: فهو الصلاة على ظهر الكعبة، فوق السطح؛ لحديث الترمذي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: {سبع مواطن نهى -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة فيها: ظهر الكعبة، ومعاطِن الإبل، والمقبرة، والمجزرة، وقارعة الطريق} إلى آخر تلك السبعة؛ لكن هذا الحديث في سنده زيد بن جبيرة الأنصاري، وهو ضعيف عند أهل العلم.

34- قبول إجارة المرأة:
فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل إجارة أم هانئ لـ ابن هبيرة لَمَّا أجارت ابن هبيرة من علي بن أبي طالب.

35- الكلام في المُغتسل للحاجة:
فيجوز لك للحاجة وأنت تغتسل أن تتكلم، إلاَّ إذا كان في مكان تُقضَى فيه الحاجة فكره أهل العلم ذلك، لكن المكان الذي يُغْتَسَل فيه، فلك أن تتكلم ولا بأس؛ لأنه لم يَرِدْ مانع من ذلك.

فالرسول عليه الصلاة والسلام وفاطمة تستره، قال: {مَنْ هذه؟ قالت: أمُّ هانئ، قال: مرحباً بـ أم هانئ} فتكلّم معها عليه الصلاة والسلام وهو في المُغتسل.

36- عودة حرمة مَكَّة:
فإنه لما خطب -صلى الله عليه وسلم- الجموع يوم مَكَّة، خاف أن يُتَوَهَّم أنه يجوز استحلال مَكَّة دائماً، والدخول بالجيوش والمقاتلة، فقال: “يا أيها الناس! إنما أُحِلَّت لي مَكَّة ساعة من نهار، ثم عادت حُرمتُها كما كانت يوم خلق الله السموات والأرض، لا يُعْضَدُ شوكُها، ولا يُخْتَلَى خلاها، ولا ينفر صيدُها، فمن فعل ذلك -في بعض الروايات- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”.

ولذلك في صحيح البخاري:
عن أبي شريح قال: لما حزَّب عمرو بن سعيد الأشدق -وهو أموي، وهو أول مَن رَعَفَ على منبر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث يقول -صلى الله عليه وسلم- في أثر فيه ضعف: “كأني ببني أمية يتَنازَون عن منبري كما تتَنازَى القردة، يَرْعُفُون” أي: يَرْعُفُون بالدم، فأتى عمرو بن سعيد، وكان جباراً بائساً ظلوماً غشوماً، دخل المدينة وخطب على المنبر، ثم سَعَل، ثم رَعَفَ، نزل الدم من أنفه، فعرف الصحابة أن هذا منهم.

فأتى عمرو بن سعيد هذا فحزَّب الجيوش، يريد بها مهاجمة ابن الزبير في مَكَّة، فأتى أحد الصحابة وهو أبو شريح، فقال: يا أيها الأمير! اسمع مني كلاماً، قال: ما هو؟ قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غداة الفتح، سمعته أذناي، ورأته عيناي، ووعاه قلبي، يقول: “إن مَكَّة أُحِلَّت لي ساعة من نهار، وقد عادت حُرمتُها كما كانت يوم خلق الله السماوات والأرض، لا يُخْتَلَى خلاها، ولا يُعْضَدُ شوكُها، ولا يُنَفَّر صيدُها، فَبَسَرَ الأميرُ في وجهه، وكَلَحَ، وقال: نعم أعلم بهذا منك، يا أبا شريح! والله ليس بأعلم ولا أدرى، لكن هكذا ثم قال: الحرم لا يُعِيْدُ فارَّاً بِخَرِبَة” هذه رواية، بمعنى أنه لا يعيد هذا.
فليُعْلَم هذا.

37- لا يرث المسلم الكافر:
وهذا هو الصحيح؛ إلا ما خالف معاذ -رضي الله عنه- وأرضاه جمهور أهل العلم في المسألة، وقال: المسلم يرث من الكافر؛ لكن الكافر لا يرث من المسلم، واستدل معاذ أبو عبد الرحمن، وهو سيد العلماء بقوله -صلى الله عليه وسلم-: “الإسلام يعلو ولا يُعلَى عليه” فيقول: المسلم يرث من الكافر، والكافر لا يرث من المسلم.

لكن جماهير أهل العلم، وهذا هو الصحيح، يقولون: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.

فالرسول عليه الصلاة والسلام ترك أملاكَه وتَرِكَتَه لما دخل؛ لأن الكفار أخذوها، ولأن الذي ورث طالب بن أبي طالب، وميراث الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان عند عمه أبي طالب، فأخذها طالب، فأصبحت ميراث مشرك.

38- تغيير الشيب بغير السواد:
وقد مرت قصة، لكني صدفت عنها، وهي: أن أبا قحافة والد أبي بكر -رضي الله عنه- وأرضاه أبو أبكر اسمه: عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة، فـ أبو قحافة هو أبوه- كان يوم الفتح موجوداً، أتدرون أين كان؟ كان يرعى الغنم في جبل من جبال مَكَّة، ولم يسلم حتى ذلك اليوم، وقيل: أسلم، فقال لابنته، أخت أبي بكر: ماذا ترين؟ قالت: يا أبتاه! إني أرى سواداً يَنْقاد، قال: المَحِي، هل هو ثابت أولا؟ قالت: لا. ثابتٌ بالأرض، قال: هذا الخيل. أترين شيئاً؟ قالت: أرى رجلاً يصعد وينزل أمام الخيل، قال: هذا الخيَّال يَرُدُّ الخيلَ ويصُفُّها أي: خيل الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما قدم الرسول عليه الصلاة والسلام من تواضعه -صلى الله عليه وسلم- ومن معرفته لمكان أبي بكر ولمقامه في الإسلام، قام -صلى الله عليه وسلم- وذهب ليزور أبا قحافة هذا، فقال أبو بكر -رضي الله عنه- وأرضاه: نحن نأتي به يا رسول الله، أي: لمكانة الرسول عليه الصلاة والسلام فأتوا به وهو شيخ كبير، ولحيته كالثغامة البيضاء، أي: أنها بيضاء كلها ليست مُغَيَّرة، لا بأسود ولا بأحمر ولا أصفر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “غيِّرُوا هذا وجنِّبُوه السَّواد” وجنِّبُوه السَّواد: ليست ضعيفة، بل هي صحيحة، وليست مُدْرَجة بل هي متصلة في المتن.

فالصحيح أن السواد لا يصبغ به، وأنه منهي عنه؛ ولكن يغير الشيب إما بأحمر أو بحناء، أو بكَتَم، أو بشيء من الأصفر.

وعند أبي داود في سننه حديث فيه كلام:
يقول -صلى الله عليه وسلم-: “ليكونن أقوام من أمتي في آخر الزمان لحاهم كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة يوم القيامة” أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-، قيل: هؤلاء الذين يغيرون بالسواد؛ لأن فيه خديعة.

واستثنى بعضُ العلماء -كما يقول ابن حجر- استثنوا ذا السلطان؛ فإن ذا السلطان يغير بالسواد؛ لكن هذا الاستثناء ينبغي أن يتوقف إلى الدليل، وقالوا: إن الحسن و الحسين غيرا بالسواد.

لكن الأولى للمسلم أن يجتنب هذه الأمور التي فيها مخالفة؛ لأنها ظهرت النصوص فيها.



فتح مَكَّة دروس وعبر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

فتح مَكَّة دروس وعبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح مَكَّة دروس وعبر   فتح مَكَّة دروس وعبر Emptyالأحد 30 يونيو 2019, 6:07 am

39- أداء الأمانة إلى أهلها:
فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ مفاتيح الكعبة، فأتى علي بن أبي طالب فقال: {سَلِّمْ لنا المفاتيح يا رسول الله! فقال: لا، اليوم وفاء وبر، ثم دعا عثمان بن طلحة، وقال: «خذها تالِدَة ووالِدَة في يديك، لا ينزعها منكم إلا ظالم” أي: مفاتيح الكعبة، فأخذها، وهي ما زالت في أيديهم إلى اليوم.

40- لبس السواد للحاجة:
فإن بعض أهل العلم كره السواد؛ لكن لا بأس به، فالرسول عليه الصلاة والسلام لبس ثوباً مُرَحَّلاَ من شعر أسود، ولبس عمامة يوم الفتح سوداء.

ولذلك لما أتى أبو مسلم الخراساني، الطاغية الظالم، الذي قاد حملة دولة بني العباس ودخل إلى بغداد، وهو الذي أسقط دولة بني أمية، وقتل مليوناً من المسلمين، أي: ألف ألف -كما يقول الذهبي- وهو مسلم في الظاهر، وأظنه مسلماً، لما أتى ووقف على المنبر يوم الجمعة وعليه عمامة سوداء، وقف أحد المسلمين وقال: ما لي أراك تلبس السَّواد؟ قال أبو مسلم الخراساني: حدثني فلان عن فلان عن أبي الزبير عن جابر: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء} يا غلام! تناوله فاضرب عنقه، فضرب عنقه وسط الصف. هذا أبو مسلم.

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لبس السواد صراحةً،؛ ولكن أحسن اللباس هو البياض: “البسوا البياض وكفنوا فيه موتاكم”.

41- لبس أدوات السلاح داخل الحرم:
فلا كراهة في ذلك، وإنما كره أهل العلم ذلك لغير الحاجة، أما للحاجة فيجوز لبس السلاح داخل الحرم؛ وهي مسألة عالجها البخاري في (صحيحه) وتطرق إليها.

تأملات في قصة حاطب بن أبي بلتعة:
ومن القصص التي ينبغي لقادة الصحوة أن يتأملوها قصة حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- حينما بعث كتاباً لقريش يخبرهم فيه بعزم النبي -صلى الله عليه وسلم- مع هذا الموقف والقصة موجودة في (صحيح البخاري).

42- الموازنة بين المصالح والمفاسد: (لتخرجن الكتاب أو لنجردك).
هذا الموقف يدل على أنه ينبغي مراعاة الموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على أمر ما ؛ فهنا نجد أن مفسدة تجريد المرأة أخف من أن ينتشر خبر عزم النبي -صلى الله عليه وسلم- على فتح مَكَّة.

ومثل هذا المفهوم جدير أن يربى عليه أبناء الحركة الإسلامية حتى لا يقف الجمود حجر عثرة أمام كثير من الأعمال بحجة حرفية النص وعدم القدرة على استيعاب مفهوم الموازنة ؛ ولابد من إدراك أن هناك فرقاً بين الحكم وبين إنزاله على أرض الواقع؛ وهناك الكثير من الأحداث من سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسلف الأمة الدالة على مراعاة هذا المفهوم.

43- عدم التسرع في إصدار الأحكام:
قال عمر -رضي الله عنه- للرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن حاطباً خان الله ورسوله والمؤمنين) ؛ لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يسمع منه رغم مكانة عمر -رضي الله عنه- وسأل حاطباً ليتثبت منه ويعرف عذره.

44- المُصارحة والوضوح: (ما حملك على ما صنعت؟)
أخطأ حاطب -رضي الله عنه- بإرساله كتاباً إلى قريش، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لما علم بهذا صارحه وأراد أن يعرف ما هي دوافعه لذلك، ويُستفاد منه أيضاً حسن الظن بالمسلم، والمصارحة بين القائد وأتباعه في جو من الصدق والوضوح.

45- الاستماع إلى الرأي المُخالف:
لم يقتنع عمر -رضي الله عنه- وراجع الرسول -صلى الله عليه وسلم- مراراً: (إنه خان الله ورسوله والمؤمنين) والرسول كان يُكَرِّر: «صدق؛ لا تقولوا له إلا خيراً» ولم يُعَنِّف عمر؛ لأنه خالفه مع أنه رسول مؤيَّدٌ بالوحي.

ومن المؤسف أنه في بعض التجمعات إذا أراد مصلح أن يزيل القذى لتُرى الحقيقة اتهم بأنه عضو فاسد مريض يجب اقتلاعه، وأصبحنا نتوارث الأخطاء  وننشئ أجيالاً تربت على الخنوع، تفكر بعقل غيرها.

46- تحريم نكاح المتعة:
حُرّم نكاح المتعة إلى الأبد بعد إباحته لمدة ثلاث أيام، ويرى الإمام النووي أنه وقع تحريمه وإباحته مرتين؛ إذ كان حلالاً قبل غزوة خيبر، فحرم يومها، ثم أبيح يوم الفتح، ثم حُرِّمَ للمرة الثانية إلى الأبد، ويرى ابن القيم أن المتعة لم تُحَرَّم يوم خيبر، وإنما كان تحريمها فقط يوم الفتح، وله في هذا مناقشة طويلة عند كلامه عن الأحكام الفقهية المستنبطة من أحداث غزوة خيبر وغزوة الفتح, والمتفق عليه أنها حرمت إلى الأبد بعد الفتح.

47- الولد للفراش والعاهر الحجر:
قرر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الولد للفراش وللعاهر الحجر كما جاء ذلك في حديث ابن وليدة بن زمعة، فقد تنازع فيه سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن زمعة، فقضى فيه رسول الله لعبد الله بن زمعة لأنه ولد على فراش أبيه.

48- إنزال الناس منازلهم:
وقد تجلَّى هذا في إعطاء الرسول-صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان كلماتٍ يقولهن، فيكون ذلك فخراً له واعتزازاً، وهي: "مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومَنْ دخل المسجد فهو آمن، ومَنْ دخل داره وأغلق بابه فهو آمن" يُنادِي بها بأعلى صوته.

49- وجوب كسر الأصنام:
في هذه الغزوة نجد وجوب كسر الأصنام والصور، والتماثيل، وإبعادها من المساجد بيوت الله -تعالى-.

50- جواز صلح أهل الحرب:
من دروس الفتح جواز صلح أهل الحرب على وضع القتال عشر سنين وهل يجوز فوق ذلك؟ الصواب أنه يجوز للحاجة والمصلحة الراجحة كما إذا كان بالمسلمين ضعف وعدوهم أقوى منهم وفي العقد لما زاد عن العشر مصلحة للإسلام.

51- رسول الكفار لا يقتل:
وفيها أي الغزوة  أن رسول الكفار لا يقتل فإن أبا سفيان كان ممن جرى عليه حكم انتقاض العهد ولم يقتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ كان رسول قومه إليه.

52- جواز قتل الجاسوس وإن كان مسلماً:
جواز قتل الجاسوس وإن كان مسلماً لأن عمر -رضي الله عنه- سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتل حاطب بن أبي بلتعة لما بعث يخبر أهل مَكَّة بالخبر ولم يقل -صلى الله عليه وسلم- لا يحل قتله إنه مسلم بل قال وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم فأجاب بأن فيه مانعاً من قتله وهو شهوده بدراً، وفي الجواب بهذا كالتنبيه على جواز قتل جاسوس ليس له مثل هذا المانع وهذا مذهب مالك، وأحد الوجهين في مذهب أحمد، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يقتل وهو ظاهر مذهب أحمد والفريقان يحتجون بقصة حاطب والصحيح أن قتله راجع إلى رأي الإمام فإن رأى في قتله مصلحة للمسلمين قتله وإن كان استبقاؤه أصلح استبقاه، والله أعلم.

53- جواز تجريد المرأة للمصلحة العامة:
وفي الغزوة  جواز تجريد المرأة كلها وتكشيفها للحاجة والمصلحة العامة فإن عليا والمقداد قالا للظعينة لتخرجن الكتاب أو لنكشفنك، وإذا جاز تجريدها لحاجتها إلى ذلك حيث تدعو إليها، فتجريدها لمصلحة الإسلام والمسلمين أولى.

54- الكبيرة العظيمة مما دون الشرك قد تكفر بالحسنة الكبيرة الماحية:
وفي الغزوة يقول بن القيم في زاد المعاد: أن الكبيرة العظيمة مما دون الشرك قد تكفر بالحسنة الكبيرة الماحية كما وقع الجس من حاطب مكفرا بشهوده بدرا، فإن ما اشتملت عليه هذه الحسنة العظيمة من المصلحة وتضمنته من محبة الله لها ورضاه بها، وفرحه بها، ومباهاته للملائكة بفاعلها، أعظم مما اشتملت عليه سيئة الجس من المفسدة وتضمنته من بغض الله لها، فغلب الأقوى على الأضعف فأزاله وأبطل مقتضاه وهذه حكمة الله في الصحة والمرض الناشئين من الحسنات والسيئات الموجبين لصحة القلب ومرضه وهي نظير حكمته تعالى في الصحة والمرض اللاحقين للبدن فإن الأقوى منهما يقهر المغلوب ويصير الحكم له حتى يذهب أثر الأضعف فهذه حكمته في خلقه وقضائه وتلك حكمته في شرعه وأمره.          

وهذا كما أنه ثابت في محو السيئات بالحسنات لقوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات﴾ [هود: 14]، وقوله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء 31]، وقوله -صلى الله عليه وسلم- وأتبع السيئة الحسنة تمحها فهو ثابت في عكسه لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى﴾ [البقرة 264]، وقوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات 2].          

وقول عائشة، عن زيد بن أرقم أنه لما باع بالعينة إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يتوب وكقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري في " صحيحه “من ترك صلاة العصر حبط عمله» إلى غير ذلك من النصوص والآثار الدالة على تدافع الحسنات والسيئات وإبطال بعضها بعضاً، وذهاب أثر القوي منها بما دونه وعلى هذا مبنى الموازنة والإحباط.          

وبالجملة فقوة الإحسان ومرض العصيان متصاولان ومتحاربان ولهذا المرض مع هذه القوة حالة تزايد وترام إلى الهلاك وحالة انحطاط وتناقص وهي خير حالات المريض وحالة وقوف وتقابل إلى أن يقهر أحدهما الآخر وإذا دخل وقت البحران وهو ساعة المناجزة فحظ القلب أحد الخطتين إما السلامة وإما العطب وهذا البحران يكون وقت فعل الواجبات التي توجب رضى الرب تعالى ومغفرته أو توجب سخطه وعقوبته وفي الدعاء النبوي أسألك موجبات رحمتك وقال عن طلحة يومئذ أوجب طلحة ورفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل وقالوا: يا رسول الله إنه قد أوجب فقال أعتقوا عنه وفي الحديث الصحيح أتدرون ما الموجبتان؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: “من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار المنجي قطعا”.          

وكما أن البدن قد تعرض له أسباب رديئة لازمة توهن قوته وتضعفها، فلا ينتفع معها بالأسباب الصالحة والأغذية النافعة بل تحيلها تلك المواد الفاسدة إلى طبعها وقوتها، فلا يزداد بها إلا مرضا، وقد تقوم به مواد صالحة وأسباب موافقة توجب قوته وتمكنه من الصحة وأسبابها، فلا تكاد تضره الأسباب الفاسدة بل تحيلها تلك المواد الفاضلة إلى طبعها، فهكذا مواد صحة القلب وفساده.

55- قوة إيمان حاطب في شهود بدر محت ما صنع:
فتأمل قوة إيمان حاطب التي حملته على شهود بدر، وبذله نفسه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإيثاره الله ورسوله على قومه وعشيرته وقرابته وهم بين ظهراني العدو وفي بلدهم ولم يثن ذلك عنان عزمه ولا فل من حد إيمانه ومواجهته للقتال لمن أهله وعشيرته وأقاربه عندهم فلما جاء مرض الجس برزت إليه هذه القوة وكان البحران صالحا فاندفع المرض وقام المريض كأن لم يكن به قلبة ولما رأى الطبيب قوة إيمانه قد استعلت على مرض جسه وقهرته قال لمن أراد فصده لا يحتاج هذا العارض إلى فصاد وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم وعكس هذا ذو الخويصرة التميمي وأضرابه من الخوارج الذين بلغ اجتهادهم في الصلاة والصيام والقراءة إلى حد يحقر أحد الصحابة عمله معه كيف قال فيهم " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وقال اقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم.          

وقال شر قتلى تحت أديم السماء فلم ينتفعوا بتلك الأعمال العظيمة مع تلك المواد الفاسدة المُهلكة واستحالت فاسدة، حال إبليس لما كانت المادة المُهلكة كامنة في نفسه لم ينتفع معها بما سلف من طاعاته ورجع إلى شاكلته وما هو أولى به وكذلك الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين وأضرابه وأشكاله فالمعول على السرائر والمقاصد والنيات والهمم فهي الإكسير الذي يقلب نحاس الأعمال ذهبا، أو يردها خبثا، وبالله التوفيق.          

ومن له لب وعقل يعلم قدر هذه المسألة وشدة حاجته إليها، وانتفاعه بها، ويطلع منها على باب عظيم من أبواب معرفة الله سبحانه وحكمته في خلقه وأمره وثوابه وعقابه وأحكام الموازنة وإيصال اللذة والألم إلى الروح والبدن في المعاش والمعاد وتفاوت المراتب في ذلك بأسباب مقتضية بالغة ممن هو قائم على كل نفس بما كسبت.

56- دروس من  خطبته العظيمة -صلى الله عليه وسلم- ثاني يوم الفتح:
1- تحريم سفك الدم في المَكَّة:
في قوله -صلى الله عليه وسلم-: “فلا يحل لأحد أن يسفك بها دما”هذا التحريم لسفك الدم المختص بها، وهو الذي يباح في غيرها، ويحرم فيها لكونها حرما، كما أن تحريم عضد الشجر بها، واختلاء خلائها، والتقاط لقطتها، هو أمر مختص بها، وهو مباح في غيرها، إذ الجميع في كلام واحد ونظام واحد وإلا بطلت فائدة التخصيص وهذا أنواع.

2- لا يقلع حشيش مَكَّة ما دام رطبا:
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ولا يختلى خلاها» لا خلاف أن المراد من ذلك ما ينبت بنفسه دون ما أنبته الآدميون ولا يدخل اليابس في الحديث بل هو للرطب خاصة فإن الخلا بالقصر الحشيش الرطب ما دام رطبا، فإذا يبس فهو حشيش وأخلت الأرض كثر خلاها، واختلاء الخلى: قطعه ومنه الحديث كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يختلي لفرسه أي يقطع لها الخلى، ومنه سميت المخلاة وهي وعاء الخلى، والإذخر مستثنى بالنص وفي تخصيصه بالاستثناء دليل على إرادة.

3-  لا ينفر صيدها:
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ولا ينفر صيدها» صريح في تحريم التسبب إلى قتل الصيد واصطياده بكل سبب حتى إنه لا ينفره عن مكانه لأنه حيوان محترم في هذا المكان قد سبق إلى مكان فهو أحق به ففي هذا أن الحيوان المحترم إذا سبق إلى مكان لم يزعج عنه.

4- لا تملك لقطة الحرم:
وقوله -صلى الله عليه وسلم- ولا يلتقط ساقطتها إلا من عرفها وفي لفظ ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد فيه دليل على أن لقطة الحرم لا تملك بحال وأنها لا تلتقط إلا للتعريف لا للتمليك وإلا لم يكن لتخصيص مَكَّة بذلك فائدة أصلاً، وهذا من خصائص مَكَّة، والفرق بينها وبين سائر الآفاق في ذلك أن الناس يتفرقون عنها إلى الأقطار المختلفة فلا يتمكن صاحب الضالة من طلبها والسؤال عنها، بخلاف غيرها من البلاد.

5- لا يتعيَّن في قتل العمد القصاص:
قال -صلى الله عليه وسلم- في الخطبة ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يقتل وإما أن يأخذ الديَّة فيه دليل على أن الواجب بقتل العمد لا يتعيَّن في القصاص بل هو أحد شيئين إما القصاص وإما الديَّة.

57- جواز إجارة المرأة وأمانها للرجلين:
وفي قصة الفتح من الفقه جواز إجارة المرأة وأمانها للرجل والرجلين كما أجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- أمان أم هانئ لحمويها.

58- جواز قتل المُرتد الذي تغلّظت رِدَّتُهُ من غير استتابة:
وفي هذه الغزوة من الفقه جواز قتل المُرتد الذي تغلّظت رِدَّتُهُ من غير استتابة فإن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد أسلم وهاجر، وكان يكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ارتدَّ ولَحِقَ بمَكَّة، فلما كان يوم الفتح أتى به عثمان بن عفان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليبايعه فأمسك عنه طويلاً، ثم بايعه وقال إنما أمسكت عنه ليقوم إليه بعضكم، فيضرب عُنقه فقال له رجل هلا أومأت إليَّ يا رسول الله؟ فقال ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين فهذا كان قد تغلّظ كفرُهُ بِرَدَّتِهِ بعد إيمانه وهجرته وكتابة الوحي ثم ارتدَّ ولَحِقَ بالمُشركين يطعن على الإسلام ويعيبه وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد قتله فلما جاء به عثمان بن عفان وكان أخاه من الرضاعة لم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتله حياءً من عثمان ولم يُبايعه ليقوم إليه بعض أصحابه فيقتله فهابوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُقدِمُوا على قتله بغير إذنه واستحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عثمان وساعد القدر السابق لما يريد الله سبحانه بعبد الله مما ظهر منه بعد ذلك من الفتوح فبايعه وكان مِمَّنْ استثنى الله بقوله: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران 86 - 89]، وقوله -صلى الله عليه وسلم- «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين” أي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يُخالفُ ظاهرهُ باطنه ولا سِرَّهُ علانيته وإذا نفذ حكم الله وأمره لم يومر به بل صرَّح به وأعلنه وأظهره.

59- مثل لعزة الإسلام والمسلمين (أذان بلال في الكعبة):
قال ابن هشام وحدثني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال فأمره أن يؤذن وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب بن أسيد لقد أكرم الله أسيداً ألا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه، فقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه لحق لاتبعته، فقال أبو سفيان لا أقول شيئاً، لو تكلّمت لأخبرت عنِّي هذه الحصى، فخرج عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال قد علمت الذي قلتم، ثم ذكر ذلك لهم؟ فقال الحارث وعتاب نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا، فنقول أخبرك.

في هذا الخبر دليل على اهتمام النبي بإظهار عِزَّة الإسلام وإغاظة المُشركين وإكرام المُسلمين, وهي أيضاً رسالة إلى سادات قريش الذين لا زالوا يعتزون بسيادتهم وعصبيتهم الجاهلية.

وفي الأخير أسال الله جل وعلا بمَنِّهِ وكرمه أن ينفع بهذا العمل ويجعله لوجهه خالصاً.
اللهم إنا نسألك الشهادة في سبيلك بعد طول عُمرٍ وحُسن عمل يا أرحم الراحمين.



فتح مَكَّة دروس وعبر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
فتح مَكَّة دروس وعبر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» غزوة بدر دروس وعبر
» غزوة بني المصطلق دروس وعبر
» غزوة اُحد دروس وعبر
» غزوة الأحزاب دروس وعبر
» غزوة تبوك دروس وعبر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: رســول الله صلى الله عليه وسلم :: موسوعـة الغــزوات-
انتقل الى: