أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: غزوة خيبر دروس وعبر الأحد 30 يونيو 2019, 4:28 am | |
| غزوة خيبر دروس وعبر الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى ونستغفره ونستعينه ونستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً" [النساء: 1]. وبعد... ما أجمل أن نداوي الجراح المكلومة الغائرة بالسيرة العطرة المعطرة لرسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فسيرته بلسم للجراح وملاذ للخائف وحصٌن للراجي، والعوذ عندما تدلهم المصائب والأزمات.
أن على الأمة اليوم أن تستنير بأنوار السيرة النبوية التي تضيء القلوب والنفوس والعقول، كما تضيء العالم والمنهج والسير والمقصد.
ومن هذا الباب لا زلنا وإياكم في هذه الموسوعة المباركة بإذن الله: (غزوات النبي المصطفى دروس وعبر). ومع: (غزوة خيبر دروس وعبر) وأسال الله الكريم الوهاب العزيز التواب أن ينفع بهذا العمل وأن يجعله لوجهه خالصاً ولعباده نافعاً وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم ألقاه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
غزوة خيبر * غزوة خيبر: ومدينة خيبر هي مدينة مليئة بالحصون و بها ماء من تحت الأرض و طعام يكفيها سنوات و بها عشرة آلاف مقاتل من اليهود منهم آلاف يجيدون الرمي، و كانت خيبر ممتلئة بالمال و كان اليهود يعملون بالربا مع جميع البلدان.
* غزوة خيبر: ذكر ابن إسحاق أنها كانت في المحرم من السنة السابعة للهجرة، وذكر الواقدي أنها كانت في صفر أو ربيع الأول من السنة السابعة للهجرة, بعد العودة من غزوة الحديبية، وذهب ابن سعد إلى أنها في جمادى الأولى سنة سبعٍ، وقال الإمامان الزهري ومالك: إنها في محرم من السنة السادسة، وقد رجح ابن حجر قول ابن إسحاق على قول الواقدي.
* غزوة خيبر: كانت الغزوة بعد عشرون يوماً من صلح الحديبية، و كان عدد المقاتلين المسلمين وقتها ألف و ثمان مائة مقاتل فقط لأن الرسول قرر أن يقاتل معه في هذه المعركة كل من كان في صلح الحديبية فقط وهم الذين سوف يُقسم عليهم الغنائم أما من زاد عليهم فله ثواب الجهاد فقط و ليس له غنائم.
* غزوة خيبر: التي فيها قال -صلى الله عليه وسلم-: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحبُ الله ورسوله ويُحبُّه الله ورسوله يفتح الله عليه وليس بفرار”،فلما كان من الغد دعا علياً وهو أرمد شديد الرمد فقال: " سر "، فقال: يا رسول الله ما أبصر موضع قدمي، فتفل عليه الصلاة والسلام في عينيه وعقد له اللواء ودفع إليه الراية وقال: “خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك”، فقال: على ما أقاتلهم يا رسول الله قال: “على أن يشهدوا أن لا اله إلا الله واني رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد حقنوا دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم عند الله تعالى».
* غزوة خيبر: التي تحوي كثيراً من العبر والحكم والدروس التي يمكن أن يستفيد منها المسلمون على مر التاريخ والعصور، ومن ذلك أن اليهود كانوا على مر التاريخ ومنذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا، بل قبل ذلك مصدر خطر داهم على العرب والمسلمين، فهم قوم غدر وخيانة يحقدون على الإسلام والمسلمين، وينقضون العهود والمواثيق، وهم دائما يخونون ولا يؤمنون، وهم الذين بسبب كفرهم وحقدهم قتلوا عددا من الأنبياء وما زالوا إلى أيامنا هذه مصدر خطر كبير وشر مستطير.
* غزوة خيبر: إن هذه الغزوة توضح معلمًا عامًا لخطة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لتوحيد جزيرة العرب تحت راية الإسلام، وتحويلها إلى قاعدة لنشر الإسلام في العالمين، فقد خطط عليه السلام ألا يسير إلى مكة إلا بعد أن يكون قد مهد شمال الحجاز إلى حدود الشام، وأن تكون الخطوة الأخيرة هي الاستيلاء على خيبر وغيرها من المراكز اليهودية شمال الحجاز وخاصة خيبر وفدك ووادي القرى؛ ليحرم القبائل المحيطة به من أي مركز يمكن أن يعتمدوا عليه في مهاجمة الدولة الإسلامية الناشئة.
* غزوة خيبر: كانت خيبر هي وكر الدس والتآمر، ومركز الاستفزازات العسكرية، ومعدن التحرشات وإثارة الحروب، فلا ننسى أن أهل خيبر هم الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، ثم أخذوا في الاتصال بالمنافقين -الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي- وبغطفان وأعراب البادية، وكانوا هم أنفسهم يستعدون للقتال، وقد عاش المسلمون بسببهم محنا متواصلة، اضطرت المسلمين إلى الفتك ببعض رؤوسهم أمثال سلام بن أبي الحقيق وأسير بن زارم، ولكن كان لابد من عمل أكبر من ذلك إزاء هؤلاء اليهود، وما كان يمنع النبي -صلى الله عليه وسلم- من مجابهتهم إلا وجود عدو أكبر وأقوى وألد ألا وهو قريش.
* غزوة خيبر: لقد كانت الغزوات السابقة كلها قائمة على أسباب دفاعية اقتضت المسلمين أن يدافعوا بها عن وجودهم وأن يردوا بها هجمات أعدائهم كما قد رأيت لدى بيان سبب كل غزوة منها.
أما هذه الغزوة وهى أول غزوة تأتى بعد وقعة بني قريظة وصلح الحديبية، فإن لها وضع آخر وإنها لتختلف اختلافاً جوهرياً عن تلك التي كانت من قبلها وهى تدل بذلك على أن الدعوة الإسلامية قد دخلت مرحلة جديدة من بعد صلح الحديبية.
* غزوة خيبر: التي خاضها النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه والتي كان فيها عز ونصر للمؤمنين وذل وهوان لليهود الذين عاندوا واستكبروا عن قبول دعوة الحق والدخول في دين الإسلام وغدروا وخانوا، هؤلاء اليهود الذين لم يدخلوا في دين الإسلام بعدما بلغهم أصل الدعوة الإسلامية التي دعا إليها النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت قلوبهم وصدورهم مليئة بأحقادهم ضد الإسلام والمسلمين منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلى أيامنا هذه.
* غزوة خيبر: التي سببها: لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوي أجنحة الأحزاب الثلاثة، وهو قريش، وأمن منه تماماً بعد صلح الحديبية أراد أن يحاسب الجناحين الباقيين -اليهود وقبائل نجد- حتى يتم الأمن والسلام، ويسود الهدوء في المنطقة، ويفرغ المسلمون من الصراع الدامي المتواصل إلى تبليغ رسالة الله والدعوة إليه.
ولما كانت خيبر هي وكرة الدس والتآمر ومركز الاستفزازات العسكرية، ومعدن التحرشات وإثارة الحروب، كانت هي الجديرة بالتفات المسلمين أولاً.
* غزوة خيبر: والجديد فيها وما يختلف عن الغزوات السابقة، هي حصونهم وقلاعهم التي أقاموا بها، فمحاولة الهجوم عليهم تتطلب جهداً ضخماً وتعبئة مناسبة ومؤونة كافية للجيش لفترة طويلة، والمسلمون لا يملكون هذه الطاقات في مقابل اليهود الذي قيل عنهم: (وهم أهل الحصون التي لا ترام، وسلاح وطعام كثير، ولو حصروا لسنين لكفاهم، وماء متوفر يشربونه في حصونهم، وما أرى لأحد بهم من طاقة).
والمسلمون لم يسبق لهم من قبل خبرة في قتال أهل الحصون إلا ما كان من بني قريظة يوم حربهم. """""
دروس وعبر من غزوة خيبر 1- النصر من عند الله: إن من أهم ما ينبغي أن نعتبر به في غزوة خيبر أن النصر من عند الله عزّ وجلّ، ينصر من يشاء كما قال في الكتاب العزيز: "وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ"[آل عمران: 126]، فالله تبارك وتعالى ينصر عباده المؤمنين الذين يجاهدون في سبيله وينصرون دينه ويطبقون شرعه بأداء الواجبات واجتناب المحرمات.
قال الله تبارك وتعالى:" وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" [الحج: 41]
2- الإخلاص في الجهاد: جاء رجل من الأعراب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فآمن به، واتبعه، فقال: أهاجر معك؟ فأوصى به بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر، غنم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا فقسمه، وقسم للأعرابي فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذه فجاء به للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «قسم قسمته لك» قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمي هاهنا، وأشار إلى حلقه، بسهم، فأموت فأدخل الجنة، فقال: إن تصدق الله يصدقك، ثم نهض إلى قتال العدو، فأُتي به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو مقتول، فقال: «أهو هو؟» قالوا: نعم، قال: «صدق الله فصدقه»، فكفنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في جبته، ثم قدمه، فصلى عليه، وكان من دعائه له: «اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك، قُتل شهيدًا، وأنا عليه شهيد».
3- دخل الجنة وما سجد لله سجدة: جاء عبدٌ أسود حبشي من أهل خيبر، كان في غنم لسيده، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح، سألهم: ما تريدون؟ قالوا: نقاتل هذا الذي يزعم أنه نبي، فوقع في نفسه ذكر النبي، فأقبل بغنمه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ماذا تقول؟ وما تدعو إليه؟ قال: «أدعو إلى الإسلام، وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وألا تعبد إلا الله» قال العبد: فما لي إن شهدت وآمنت بالله عز وجل، قال: «لك الجنة إن مت على ذلك».
فأسلم ثم قال: يا نبي الله, إن هذه الغنم عندي أمانة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أخرجها من عندك وارمها بـ (الحصباء) فإن الله سيؤدي عنك أمانتك» ففعل فرجعت الغنم إلى سيدها، فعلم اليهودي أن غلامه قد أسلم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس، فوعظهم وحضهم على الجهاد, فلما التقى المسلمون واليهود قتل فيمن قتل العبد الأسود واحتمله المسلمون إلى معسكرهم فأدخل في الفسطاط فزعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اطلع في الفسطاط، ثم أقبل على أصحابه، وقال: «لقد أكرم الله هذا العبد، وساقه إلى خيبر، ولقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين، ولم يصل لله سجدة قط».
4- بطل لكنه إلى النار: كان في جيش المسلمين بخيبر رجل لا يدع للمشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما إنه من أهل النار» فقالوا: أينا من أهل الجنة إن كان من أهل النار؟ فقال رجل: والله لا يموت على هذه الحال أبدًا، فاتبعه حتى جرح، فاشتدت جراحته واستعجل الموت، فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فجاء رجل إلى رسول الله فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: «وما ذاك» فأخبره، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وإنه من أهل النار، وإنه ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وإنه لمن أهل الجنة».
5- صفية بنت حيي وزواجها من النبي -صلى الله عليه وسلم-: زواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صفية بنت حيي بن أخطب: لما فتح المسلمون القموص -حصن بني أبي الحقيق- كانت صفية في السبي فأعطاها دحية الكلبي، فجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: فقال يا رسول الله, أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قومها، وهي ما تصلح إلا لك، فاستحسن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أشار به الرجل، وقال لدحية، «خذ جارية من السبي غيرها», ثم أخذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعتقها وجعل عتقها صداقها، ثم تزوجها بعد أن طهرت من حيضتها, وبعد أن أسلمت.
ولم يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من خيبر حتى طهرت صفية من حيضها، فحملها وراءه فلما صار إلى منزل على ستة أميال من خيبر مال يريد أن يعرس بها, فأبت عليه, فوجد في نفسه، فلما كان بالصهباء نزل بها هناك فمشطتها أم سليم، وعطرتها، وزفتها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبنى بها، فسألها: «ما حملك على الامتناع من النزول أولا» فقالت: خشيت عليك من قرب اليهود، فعظمت في نفسه، ومكث رسول الله بالصهباء ثلاثة أيام، وأولم عليها ودعا المسلمين، وما كان فيها من لحم وإنما التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأ له خلفه ومد عليها الحجاب، فأيقنوا أنها إحدى أمهات المؤمنين.
وقد كانت أم المؤمنين صفية بنت حيي قد رأت رؤية، فقد روى البيهقي -رحمه الله- بإسنادٍ صحيح عن ابن عمر م في حديث طويل قال: ورأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعين صفية خضرة، فقال: «يا صفية ما هذه الخضرة؟» فقالت: كان رأسي في حجر ابن حقيق، وأنا نائمة، فرأيت كأن قمرًا وقع في حجري، فأخبرته بذلك فلطمني، وقال: تمنين ملك يثرب.
وهكذا صدق الله رؤيا صفية رضي الله عنها، وأكرمها بالزواج من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأعتقها من النار، وجعلها أمًّا للمؤمنين، وزوجًا في الجنة لخاتم الأنبياء والمرسلين، وقد أكرمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غاية الإكرام, وكان يجلس عند بعيره فيضع ركبته لتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب، وقد بلغ من أدبها أنها كانت تأبى أن تضع رجلها على ركبته، فكانت تضع ركبتها على ركبته وتركب.
وهذه صفية ل تحدثنا عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتقول: ما رأيت أحدًا قط أحسن خلقًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لقد رأيته ركب بي في خيبر، وأنا على عجر ناقته ليلاً، فجعلت أنعس، فتضرب رأسي مؤخرة الرحل، فيمسني بيده، ويقول: «يا هذه مهلاً».
وعن صفية رضي الله عنها أنها بلغها عن عائشة وحفصة أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صفية، نحن أزواجه وبنات عمِّه، فدخل عليها -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: «ألا قلتِ: وكيف تكونان خير مني وزوجي محمد وأبي هارون، وعمِّي موسى».
لقد تأثرت صفية بأخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وأصبح -صلى الله عليه وسلم- أحب إليها من أبيها وزوجها والناس أجمعين، بل أصبح أحب إليها من نفسها، تفديه بكل ما تملك حتى نفسها، وإذا ألم به مرض تمنت أن يكون فيها، وأن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سليمًا معافى، فقد أخرج ابن سعد -رحمه الله- بإسناد حسن عن زيد بن أسلم -رضي الله عنه- قال: اجتمع نساؤه -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفي فيه، فقالت صفية رضي الله عنها: إني والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمز بها أزواجه، فأبصرهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «مضمضن», فقلن: من أي شيء فقال: «من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة».
وكان زواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصفية فيه حكمة عظيمة, فهو لم يرد بزواجه منها قضاء شهوة، أو إشباعًا لغريزة, كما يزعم الأفاكون، وإنما أراد إعزازها وتكريمها، وصيانتها من أن تفترش لرجل لا يعرف لها شرفها ونسبها في قومها، وهذا إلى ما فيه من العزاء لها، قد قتل أبوها من قبل, وزوجها وكثير من قومها، ولم يكن هناك أجمل مما صنعه الرسول معها، كما أن فيه رباط المصاهرة بين النبي واليهود عسى أن يكون هذا ما يخفف من عدائهم للإسلام والانضواء تحت لوائه والحد من مكرهم وسعيهم بالفساد، وكانت أم المؤمنين صفية عاقلة وحليمة، وصادقة, يروى أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث إليها فسألها عن ذلك، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحمًا فأنا أصلها، فقبل منها، ثم قالت للجارية: ما حملك على هذا؟ قالت: الشيطان، فقالت لها: اذهبي فأنت حرة.
وكانت وفاتها في رمضان سنة خمسين للهجرة في زمن معاوية، وقيل سنة اثنتين وخمسين رضي الله عنها وأرضاها.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: غزوة خيبر دروس وعبر الأحد 30 يونيو 2019, 4:36 am | |
| 6- تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية: عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية.
وصح عنه تعليل التحريم بأنها رجس وهذا مقدم على قول من قال من الصحابة إنما حرمها لأنها كانت ظهر القوم وحمولتهم فلما قيل له فني الظهر وأكلت الحمر حرمها وعلى قول من قال إنما حرمها لأنها لم تخمس وعلى قول من قال إنما حرمها لأنها كانت حول القرية وكانت تأكل العذرة وكل هذا في " الصحيح " لكن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إنها رجس» مقدم على هذا كله لأنه من ظن الراوي وقوله بخلاف التعليل بكونها رجساً.
"قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ" [ الأنعام: 145 ]، فإنه لم يكن قد حُرم حين نزول هذه الآية من المطاعم إلا هذه الأربعة والتحريم كان يتجدد شيئا فشيئا فتحريم الحمر بعد ذلك تحريم مبتدأ لما سكت عنه النص لا أنه رافع لما أباحه القرآن ولا مخصص لعمومه فضلا عن أن يكون ناسخا. والله أعلم.
7- حرمة وطء السبايا الحوامل: ومن أقواله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة خيبر: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره».
8- حُرمة وطء السبايا غير الحوامل قبل استبراء الرحم: ومن دروس هذه الغزوة قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها».
والاستبراء إنما يكون بأن تطهر من حيضة واحدة فقط، ولا تجب عليها العدة وإن كانت متزوجة من كافر سواء مات أو بقي حيًّا؛ لأن العدة وفاء الزوج الميت وحداد عليه، ولا يحد على الكافر كما علمت.
9- حُرمة ربا الفضل: عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلاً على خيبر، فجاءه بتمر جنيب فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل تمر خيبر هكذا؟» فقال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والثلاثة، فقال: «لا تفعل بِِعِ الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا».
فالتفاضل مع اتحاد الجنس هو ربا الفضل، إذ اشترى صاعًا بأكثر من صاع، فالزيادة هنا هي الربا، وهذا محرم, كما رأيت إذ نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك وأرشد إلى الحل السليم بأن يبيع ما لديه من تمر ثم يشتري بما لديه من نقود ما يشتهي من تمر؛ لأن الحاجة قد تدفع صاحبها إلى قبول الربا.
10- حُرمة بيع الذهب بالذهب العين، وتبر الفضة بالورق العين: روى عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنه قال: نهانا رسول الله يوم خيبر أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين، وتبر الفضة بالورق العين، وقال «ابتاعوا تبر الذهب بالورق والعين، وتبر الفضة بالذهب والعين».
والمراد من الحديث: أن يباع الذهب بالذهب مثلاً بمثل والفضة بالفضة مثلاً بمثل، بلا زيادة ولا نقص، وعندما يقابل الذهب بالفضة لا تشترط المماثلة، كما هو معلوم وثابت في الصحاح.
11- مشروعية المساقاة والمزارعة: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- خيبر لليهود أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها.
وهى أن يعامل مالك الأرض غيره على ما فيها من شجر ليتعهده بالسقاية و التربية على أن الثمار تكون بينهما وقد ذهب مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم إلى صحة هذا العقد مستدلين على ذلك بمعاملته -صلى الله عليه وسلم- أهالي خيبر وانفرد أبو حنيفة -رضي الله عنه- فلم يجوّز ذلك قال: ولا دليل في الحديث لأن خيبر فتحت عنوة فكان أهلها عبيداً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما أخذه فهو له وما تركه فهو له وخالفه الصاحبان فاتفقا مع الجمهور على صحته، ثم اختلف العلماء: هل ينبغي أن يقال بصحة هذا العقد على كل أنواع الشجر أم هو خاص بالنخيل و العنب وقوفاً عند مورد الدليل إذا كانت عامة أشجار خيبر نخيلاً وعنباً والذي ذهب إليه كثير من الفقهاء هو التعميم في كل أنواع الشجر، أما المزارعة فقد منعها قسم كبير ممن صحح عقد المساقاة، منهم الشافعية، وهى أن يعامل مالك الأرض شخصاً آخر على أن يعمل فيها بالزراعة و الاستنبات بجزء مما ستخرجه الأرض، قال جمهور الشافعية هو غير صحيح’ لما ثبت فى صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة’ قالوا: إلا أن يكون عقد المزارعة تبعاً للمساقاة أي بأن يكون بين الشجر بياض اتفق الطرفان على زراعته ضمن اتفاقهما على عقد المساقاة.
والراجح لدى التأمل في مجموع الأدلة صحة كل من عقد المساقاة والمزارعة فقد قالوا في بيانه أن النهى كان في أول الأمر لحاجة الناس وكون المهاجرين ليست لهم أرض، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنصار بالتكرم بالمواساة، ويدل له ما أخرجه مسلم من حديث جابر قال: كان لرجال من الأنصار فضول أرض وكانوا يكرونها بالثلث والربع فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه’ فإن أبى فليمسكها»، ثم بعد توسع حال المسلمين زال الاحتياج فأبيحت لهم المزارعة وأن يتصرف المالك في ملكه كما يشاء’ ويدل على ذلك ما وقع من المزارعة والمؤاجرة في عهده -صلى الله عليه وسلم- وعهد الخلفاء من بعده.
وقد تساءل بعض الباحثين: لِمَ جاءت أحكام هذه البيوع في خيبر وما الحكمة من ذلك؟
وأجاب الشيخ محمد أبو زهرة على هذا فقال: إن فتح خيبر كان فتحًا جديدًا بالنسبة للعلاقات المالية التي يجري في ظلها التبادل المالي، فكانت فيها شرعية المزارعة والمساقاة ولم تكن تجري كثيرًا في يثرب.
12- حل أكل لحوم الخيل: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر، ورخص في الخيل.
13- تحريم المتعة: عن علي -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الأنسية.
وقد رجح ابن القيم أنه لم تحرم المتعة يوم خيبر وإنما كان تحريمها عام الفتح بقوله في زاد المعاد "هذا هو الصواب وقد ظن طائفة من أهل العلم أنه حرمها يوم خيبر واحتجوا بما في " الصحيحين " من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- " أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.
وفي " الصحيحين " أيضاً: أن علياً -رضي الله عنه- سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية وفي لفظ للبخاري عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.
-صلى الله عليه وسلم- أباحها عام الفتح ثم حرمها قالوا: حرمت ثم أبيحت ثم حرمت.
قال الشافعي: لا أعلم شيئاً حُرّم ثم أُبيح ثم حُرّم إلا المتعة قالوا: نسخت مرتين وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا: لم تحرم إلا عام الفتح وقبل ذلك كانت مباحة.
قالوا: وإنما جمع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بين الإخبار بتحريمها وتحريم الحمر الأهلية لأن ابن عباس كان يبيحهما فروى له علي تحريمهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ردا عليه وكان تحريم الحمر يوم خيبر بلا شك وقد ذكر يوم خيبر ظرفا لتحريم الحمر وأطلق تحريم المتعة ولم يقيده بزمن كما جاء ذلك في " مسند الإمام أحمد " بإسناد صحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر وحرم متعة النساء وفي لفظ حرم متعة النساء وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر هكذا رواه سفيان بن عيينة مفصلاً مميزاً فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين فقيدهما به ثم جاء بعضهم فاقتصر على أحد المحرمين وهو تحريم الحمر وقيده بالظرف فمن ها هنا نشأ الوهم.
وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ولا استأذنوا في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة لا فعلا ولا تحريما بخلاف غزاة الفتح فإن قصة المتعة كانت فيها فعلا وتحريما مشهورة وهذه الطريقة أصح الطريقتين.
وفيها طريقة ثالثة وهي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحرمها تحريما عاما البتة بل حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها عند الحاجة إليها وهذه كانت طريقة ابن عباس حتى كان يفتي بها ويقول هي كالميتة والدم ولحم الخنزير تباح عند الضرورة وخشية العنت فلم يفهم عنه أكثر الناس ذلك وظنوا أنه أباحها إباحة مطلقة وشببوا في ذلك بالأشعار فلما رأى ابن عباس ذلك رجع إلى القول بالتحريم.
14- مشاركة المرأة في غزوة خيبر: روت أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار قالت: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نسوة من بني غفار فقلن: يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا -وهو السير إلى خيبر- فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا, فقال: على بركة الله، قالت: فخرجنا معه، قالت: فوالله لنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصبح ونزلت عن حقيبة رحله، قالت: وإذا بها دم مني وكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بي ورأى الدم قال: «ما لك؟ لعلك نفست؟» قالت: قلت: نعم؟ قال: «فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك» قالت: فلما فتح الله خيبر رضخ لنا من الفيء، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها وعلقها بيده في عنقي، فوالله لا تفارقني أبدًا, وكانت في عنقها حتى ماتت، ثم أوصت أن تدفن معها، قالت: وكانت لا تطهر من حيضها، إلا جعلت في طهرها ملحًا، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت، وهي صورة حية أمام كل فتاة مسلمة، تحرص على أن تشارك في أجر الجهاد مع المسلمين.
15- جواز القتال في الأشهر الحرم: من دروس وحكم هذه الغزوة جواز محاربة الكفار ومقاتلتهم في الأشهر الحرم فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجع من الحديبية في ذي الحجة فمكث بها أياما ثم سار إلى خيبر في المحرم كذلك قال الزهري عن عروة عن مروان والمسور بن مخرمة وكذلك قال الواقدي: خرج في أول سنة سبع من الهجرة ولكن في الاستدلال بذلك نظر فإن خروجه كان في أواخر المحرم لا في أوله وفتحها إنما كان في صفر.
وأقوى من هذا الاستدلال بيعة النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عند الشجرة بيعة الرضوان على القتال وألا يفروا وكانت في ذي القعدة ولكن لا دليل في ذلك لأنه إنما بايعهم على ذلك لما بلغه أنهم قد قتلوا عثمان وهم يريدون قتاله فحينئذ بايع الصحابة ولا خلاف في جواز القتال في الشهر الحرام إذا بدأ العدو إنما الخلاف أن يقاتل فيه ابتداء فالجمهور جوزوه وقالوا: تحريم القتال فيه منسوخ وهو مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله.
وذهب عطاء وغيره إلى أنه ثابت غير منسوخ وكان عطاء يحلف بالله ما يحل القتال في الشهر الحرام ولا نسخ تحريمه شيء.
وأقوى من هذين الاستدلالين الاستدلال بحصار النبي -صلى الله عليه وسلم- للطائف فإنه خرج إليها في أواخر شوال فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة فبعضها كان في ذي فتح مكة لعشر بقين من رمضان وأقام بها بعد الفتح تسع عشرة يقصر الصلاة فخرج إلى هوازن وقد بقي من شوال عشرون يوما ففتح الله عليه هوازن وقسم غنائمها ثم ذهب منها إلى الطائف فحاصرها بضعا وعشرين ليلة وهذا يقتضي أن بعضها في ذي القعدة بلا شك.
16- عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض: ومن الدروس أنه دفع -صلى الله عليه وسلم- إلي اليهود الأرض على أن يعملوها من أموالهم ولم يدفع إليهم البذر ولا كان يحمل إليهم البذر من المدينة قطعا فدل على أن هديه عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض وأنه يجوز أن يكون من العامل وهذا كان هدي خلفائه الراشدين من بعده وكما أنه هو المنقول فهو الموافق للقياس فإن الأرض بمنزلة رأس المال في القراض والبذر يجري مجرى سقي الماء ولهذا يموت في الأرض ولا يرجع إلى صاحبه ولو كان بمنزلة رأس مال المضاربة لاشترط عوده إلى صاحبه وهذا يفسد المزارعة فعلم أن القياس الصحيح هو الموافق لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين في ذلك، والله أعلم.
17- إذا خالف أهل الذمة شيئا مما شرط عليهم لم يبق لهم ذمة: ومنها: أن أهل الذمة إذا خالفوا شيئا مما شرط عليهم لم يبق لهم ذمة وحلت دماؤهم وأموالهم لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقد لهؤلاء الهدنة وشرط عليهم أن لا يغيبوا ولا يكتموا فإن فعلوا حلت دماؤهم وأموالهم فلما لم يفوا بالشرط استباح دماءهم وأموالهم وبهذا اقتدى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الشروط التي اشترطها على أهل الذمة فشرط عليهم أنهم متى خالفوا شيئا منها فقد حل له منهم ما يحل من أهل الشقاق والعداوة. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: غزوة خيبر دروس وعبر الأحد 30 يونيو 2019, 4:45 am | |
| 18- حُبُّ الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ومما له صلة بزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصفية بنت حيي، حراسة أبي أيوب الأنصاري لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أن دخل بصفية، فعن ابن إسحاق أنه قال: ولما أعرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصفية بخيبر، أو ببعض الطريق.. فبات بها رسول الله في قبة له، وبات أبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار متوشحًا سيفه، يحرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويطيف بالقبة، حتى أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فلما رأى مكانه قال: «ما لك يا أبا أيوب؟» قال: يا رسول الله، خفت عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك، فسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعمله الذي ينبئ على غاية الحب، والإيمان، وقال: «اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحرسني».
19- الغلول قبل القسم لا يملك وإن كان دون الحق: ومنها: أن مَنْ أخذ من الغنيمة شيئاً قبل قسمتها لم يملكه وإن كان دون حقه وأنه إنما يملكه بالقسمة ولهذا قال في صاحب الشملة التي غلها: إنها تشتعل عليه ناراً وقال لصاحب الشراك الذي غله شراك من نار أرض العنوة بين قسمتها وتركها وقسم بعضها وترك بعضها.
20- استحباب التفاؤل: ومنها: جواز التفاؤل بل استحبابه بما يراه أو يسمعه مما هو من أسباب ظهور الإسلام وإعلامه كما تفاءل النبي -صلى الله عليه وسلم- برؤية المساحي والفؤوس والمكاتل مع أهل خيبر فإن ذلك فأل في خرابها.
21- جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استغني عنهم: ومن الدروس جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استغني عنهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- نقركم ما أقركم الله وقال لكبيرهم كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوماً ثم يوماً وأجلاهم عمر بعد موته -صلى الله عليه وسلم- وهذا مذهب محمد بن جرير الطبري وهو قول قوي يسوغ العمل به إذا رأى الإمام فيه المصلحة.
ولا يُقال أهل خيبر لم تكن لهم ذمة بل كانوا أهل هدنة فهذا كلام لا حاصل تحته فإنهم كانوا أهل ذمة قد أمنوا بها على دمائهم وأموالهم أماناً مستمراً نعم لم تكن الجزية قد شُرعت ونزل فرضها وكانوا أهل ذمة بغير جزية فلما نزل فرض الجزية استؤنف ضربها على من يعقد له الذمة من أهل الكتاب والمجوس فلم يكن عدم أخذ الجزية منهم لكونهم ليسوا أهل ذمة بل لأنها لم تكن نزل فرضها بعد.
22- جواز جعل عتق الرجل أمته صداقا لها بغير إذنها وبلا شهود ولا ولي غيره: ومنها: جواز عتق الرجل أمته وجعل عتقها صداقا لها ويجعلها زوجته بغير إذنها ولا شهود ولا ولي غيره ولا لفظ إنكاح ولا تزويج كما فعل -صلى الله عليه وسلم- بصفية ولم يقل قط هذا خاص بي ولا أشار إلى ذلك مع علمه باقتداء أمته به ولم يقل أحد من الصحابة إن هذا لا يصلح لغيره بل رووا القصة ونقلوها إلى الأمة ولم يمنعوهم ولا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الاقتداء به في ذلك والله سبحانه لما خصه في النكاح بالموهوبة قال: "خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" [الأحزاب: 50]؛ فلو كانت هذه خالصة له من دون أمته لكان هذا التخصيص أولى بالذكر لكثرة ذلك من السادات مع إمائهم بخلاف المرأة التي تهب نفسها للرجل لندرته وقلته أو مثله في الحاجة إلى البيان ولاسيما والأصل مشاركة الأمة له واقتداؤها به فكيف يسكت عن منع الاقتداء به في ذلك الموضع الذي لا يجوز مع قيام مقتضى الجواز هذا شبه المحال ولم تجتمع الأمة على عدم الاقتداء به في ذلك فيجب المصير إلى إجماعهم وبالله التوفيق.
23- تربية المجاهدين: وحين يكون القتال منطلقاً من شهوة القتال، بعيداً عن الهدف، فسيكون وبالاً على صاحبه، وما أحوج أبناء الدعوة والحركة أن يفقهوا هذه المعاني، وأن يفقهوا أن حمل السلاح وإلقاءه، ليس اندفاعاً ذاتياً، ليس حمله تهوراً وشجاعة فائقة، وليس إلقاؤه جبناً أو ضعفاً أو تخاذلاً.
إن حمل السلاح وإلقاءه مهمة شرعية تنفذ بقرار الأمير بالقناعة الشخصية: (وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين انتهى إلى حصن ناعم وصف أصحابه نهى عن القتال حتى يأذن لهم، فعمد رجل من أشجع فحمل على يهودي، وحمل عليه مرحب فقتله، فقال الناس: يا رسول الله استشهد فلان! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أبعد ما نهيت عن القتال؟» فقالوا: نعم، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منادياً ينادي: «لا تحل الجنة لعاص»، ثم أذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في القتال وحث عليه).
فهذا قاتل في ظاهر الأمر وقتله اليهودي، ولكنه قاتل بعد النهي عن القتال فحرمت الجنة عليه وهو مسلم عريق في الإسلام.
إن التزام أمر القائد المسلم دين يلقى الله -تعالى- الجندي المسلم عليه: «مَنْ أطاعني فقد أطاع الله، ومَنْ أطاع الأمير فقد أطاعني، ومَنْ عصاني فقد عصى الله، ومَنْ عصى الأمير فقد عصاني».
24- التزام الأمر في كل شيء وليس في القتال فقط أو الكف عنه: روى الحارث بن أبي أسامة عن أبي أُمامة والبيهقي عن ثوبان -رضي الله عنهم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في غزوة خيبر: «من كان مضعفاً [أي: كان جمله ضعيفاً] أو مصعباً [أي: من كان جمله صغيراً لم يدرب بعد] فليرجع) وأمر بلالاً فنادى بذلك، فرجع الناس وفي القوم رجل على صعب فمر الناس وفي القوم رجل على صعب فمر من الليل على سواد فنفر به فصرعه، فلما جاؤوا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما شأن صاحبكم؟»، فأخبروه فقال: «يا بلال ما كنت أذنت في الناس من كان مضعفاً أو مصعباً فليرجع»، قال: نعم، فأبى أن يصلى عليه.
زاد البيهقي: وأمر بلالاً فنادى في الناس: «الجنة لا تحل لعاص» ثلاثاً.
فالأمر يطاع في الكف عن القتال أو في استعمال آلته.
أو في الإذن فيه، أو في مواجهة العدو، وأي مخالفة شخصية هي معصية قد تحول بين الجنة وبين المجاهد.
واستجاب المسلمون لنداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رغم ما بهم من الجوع والفاقة، فهم لا يجدون ما يأكلونه، وعليهم أن يمضوا لحرب ضروس، لا يعلم إلا الله مداها، وهم ماضون إلى موعود الله في أن يعطيهم غنائم خيبر، لكن متى؟ وكيف؟ فعلمها عند الله.
* وها هم يحاصرون، ويشتد جوعهم، ويشتد تعبهم وإرهاقهم حتى ليضطروا إلى إعلام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان الإعلام من أسلم، وأسلم على الجيش الإسلامي، وما يملك لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا الدعاء: «والله ما بيدي ما أقويهم به، قد علمت حالهم وأنهم ليست لهم قوة» ثم قال: «اللهم افتح عليهم أعظم حصن فيها، أكثرها طعاماً، وأكثرها ودكاً».
25- جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ما لم يتضمن ضرر ذلك الغير: ومنها: جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت المسلمين من ذلك الكذب وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب ولا سيما تكميل الفرح والسرور وزيادة الإيمان الذي حصل بالخبر الصادق بعد هذا الكذب فكان الكذب سبباً في حصول هذه المصلحة الراجحة ونظير هذا الإمام والحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعلام الحق كما أوهم سليمان بن داود إحدى المرأتين بشق الولد نصفين حتى توصل بذلك إلى معرفة عين الأم.
26- جواز إشراك غير المقاتلين في الغنيمة ممن حضر مكان القتال: وذلك بعد استئذان أصحاب الحق فيها، فقد أشرك النبي -صلى الله عليه وسلم- جعفر ابن أبى طالب ومن معه في الغنائم، بإذن من الصحابة حينما عادوا من الحبشة واليمن.
27- مشروعية تقبيل القادم والتزامه: وهو مما لا نعلم فيه خلافاً معتداً به إذا كان قادما من سفر أو طال العهد به، واستدل العلماء في ذلك بتقبيل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعفر ابن أبى طالب -رضي الله عنه- بين عينيه والتزامه إياه عند قدومه من الحبشة، والحديث رواه أبو داود بسند صحيح، وروى الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قدم زيد ابن حارثة المدينة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- يجر ثوبه،فاعتنقه وقبله.
ويشكل عليه في الظاهر ما رواه الترمذي أيضاً عن أنس ابن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رجل يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم.
وجواب الإشكال أن سؤال الرجل في هذا الحديث عن اللقاءات العادية المتكررة بين الرجل و صاحبه، والتقبيل و الالتزام أمر غير مرغوب فيه في مثل هذه الحال’ أما ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك بالنسبة إلى جعفر وزيد فإنما كان ذلك -كما قد علمت- أثر قدوم من سفر فالحالتان مختلفتان.
28- معجزات للنبي -صلى الله عليه وسلم- في خيبر: إن في هذه الغزوة حادثتين، كل منهما ثابت بالحديث الصحيح تعدان من الخوارق العظيمة التي أيّد الله بها محمد -صلى الله عليه وسلم-: أولاهما: أنه -صلى الله عليه وسلم- تفل في عين علىّ ابن أبى طالب -رضي الله عنه- وقد كان يشتكى منها فبرأت في الوقت نفسه حتى كأن لم يكن به وجع.
الثانية: - ما أوحى الله إليه من أمر الشاة المسمومة عندما أراد الأكل منها، ولأمر ما سبق قضاء الله تعالى فابتلع بشر ابن البراء لقمته قبل أن ينطق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنها مسمومة فكان قضاؤه في ذلك، ولعل فى ذلك مزيداً من بيان ما اختص الله تعالى به نبيه -صلى الله عليه وسلم- من الحفظ و العصمة من أيدي الناس و كيدهم تنفيذاً لوعده جل جلاله: "وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ" [المائدة: 67].
ولقد ذكرنا أن الرواة اختلفوا: هل أسلمت المرأة اليهودية أم لا؟ ‘ والذي يغلب -على ما جزم به الزهري- أنها أسلمت،ولذلك لم يقتلها النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما ذكره مسلم.
لا يُقال إن القصاص كان يقتضى قتلها، لأن القاعدة المتفق عليها: أن الإسلام يجُبُّ ما قبله’ فالقتل الذي يستوجب القصاص هو ما كان واقعاً بعد إسلام القاتل أما ما قبله فالأمر في ذلك راجع إلى الحرابة ومعلوم أن الحرابة تنتهي بالدخول في الإسلام. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: غزوة خيبر دروس وعبر الأحد 30 يونيو 2019, 4:51 am | |
| 29- فضل الدعوة الى الله تعالى: وهذا نأخذه من وصيته -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه- بأن يدعو اليهود إلى الإسلام قبل أن يداهمهم، وقال له: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن تكون لك حمر النعم» وعندما سأله علي: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك منعوا منكم دماءهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله».
30- حادي القوم: وكان سيره -صلى الله عليه وسلم- بالجنود ليلا، فقد قال سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر فسرنا ليلاً.
وكان عامر بن الأكوع يحدو بالقوم ويقول: ولا تصدقنا ولا صلينا اللهم لولا الله ما اهتدينا وثبت الأقدام إن لاقينا فاغفر فداء لك ما اتقينا إنا إذا صيح بنا أتينا وألقين سكينة علينا وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من هذا السائق؟» قالوا: عامر بن الأكوع.
قال: «يرحمه الله».
قال رجل -وهو عمر بن الخطاب- من القوم: وجبت يا نبي الله، لولا متعتنا به.
31- الشورى في غزوة خيبر: تقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى اختار لمعسكره منزلاً، فأتاه حُبَاب بن المنذر، فقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أنزلكه الله، أم هو الرأي في الحرب؟ قال: “بل هو الرأي” فقال: يا رسول الله، إن هذا المنزل قريب جدًا من حصن نَطَاة، وجميع مقاتلي خيبر فيها، وهم يدرون أحوالنا، ونحن لا ندري أحوالهم، وسهامهم تصل إلينا، وسهامنا لا تصل إليهم، ولا نأمن من بياتهم، وأيضًا هذا بين النخلات، ومكان غائر، وأرض وخيمة، لو أمرت بمكان خال عن هذه المفاسد نتخذه معسكرًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: “الرأي ما أشرت”، ثم تحول إلى مكان آخر.
32- ومن الأحكام في هذه الغزوة: • خرص الثمار على رؤوس النخيل وقسمتها كذلك، وأن القسمة ليست بيعاً، والاكتفاء بخارص واحد وقاسم واحد. *جواز عقد المهادنة عقداً جائزاً للإمام فسخه متى شاء. * جواز تعليق عقد الصلح والأمان بالشرط، كما عقد لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشرط ألا يغيبوا ولا يكتموا، كما في قصة مسك حيي. * جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين والمشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك بالكذب. * إن من قتل غيره بسم يقتل مثله قصاصاً، كما قتلت اليهودية ببشر بن البراء. * جواز الأكل من ذبائح أهل الكتاب وحل طعامهم وقبول هديتهم، كما في حادثة الشاة المسمومة. * الإمام مخير في الأرض التي تفتح عنوة إن شاء قسمها وإن شاء وقفها وإن شاء قسم البعض ووقف البعض الآخر، وقد فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنواع الثلاثة، فقسم قريظة والنضير، ولم يقسم مكة، وقسم شطراً من خيبر وترك شطرها الآخر.
33- اللجوء إلى الله وتعظيم شعائر الإسلام: وهذا نجده واضحا عندما وصل جيش المسلمين إلى مشارف خيبر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: قفوا.
ثم قال: «اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها، وشر ما فيها»، اقدموا باسم الله، وكان يقولها لكل قرية دخلها.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أتي قومًا بليل لم يقربهم حتى يصبح، فإن سمع اذاناً امسك وان لم يسمع أغار وفي هذا تعظيم للصلاة،فبات رسول الله ولم يسمع أذاناً، فلما أصبح صلي الفجر بغَلَس، وركب المسلمون، فخرج أهل خيبر بمساحيهم ومكاتلهم، ولا يشعرون، بل خرجوا لأرضهم، فلما رأوا الجيش قالوا: محمد، والله محمد والخَمِيس، ثم رجعوا هاربين إلى مدينتهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الله أكبر، خربت خيبر، الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين".
فالرسول-صلى الله عليه وسلم- مع ربه بيقينه وتوكله عليه، فيسأله عونه ونصره وتأييده جل جلاله.
34- موقف حزم وخبرة من عباد بن بشر: وكان -صلى الله عليه وسلم- قد بعث عباد بن بشر -رضي الله عنه- في سرية استطلاعية يتلقط أخبار العدو, ويستطلع إن كان هناك كمائن، فلقي في الطريق عينًا لليهود من أشجع فقال: من أنت؟ قال: باغٍ ابتغى أبعرة ضلت لي، أنا على إثرها، قال عباد: ألك علم بخيبر؟ قال: عهدي بها حديث، فيم تسألني عنه؟ قال: عن اليهود؟ قال: نعم، كان كنانة بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس ساروا في حلفائهم من غطفان، فاستنفروهم وجعلوا لهم ثمر خيبر سنة، فجاءوا معدين مؤيدين بالكراع والسلاح يقودهم عتبة بن بدر، ودخلوا معهم في حصونهم، وفيهم عشرة آلاف مقاتل، وهم أهل الحصون التي لا ترام، وسلاح وطعام كثير لو حُصروا لسنين لكفاهم، وماء وأنى يشربون في حصونهم، ما أرى لأحد بهم طاقة، فرفع عباد بن بشر السوط فضربه ضربات، وقال: ما أنت إلا عين لهم، اصدقني وإلا ضربت عنقك.
فقال الأعرابي: القوم مرعوبون منكم خائفون، وجلون لما صنعتم بمَنْ كان بيثرب من اليهود، وقال لي كنانة: اذهب معترضًا للطريق فإنهم لا يستنكرون مكانك واحزرهم لنا، وادن منهم كالسائل لهم ما تقوى به، ثم ألق إليهم كثرة عددنا ومادتنا, فإنهم لن يدعوا سؤلك، وعجل الرجعة إلينا بخبرهم.
وهكذا استطاع عباد بحكمته وحزمه استخراج المعلومات الصحيحة من ذلك الجاسوس.
35- شجاعة علي بن أبي طالب: -رضي الله عنه- رأى اليهود الجيش فروا إلى مدينتهم وتحصنوا في حصونهم، وكان من الطبيعي أن يستعدوا للقتال.
وأول حصن هاجمه المسلمون من حصونهم الثمانية هو حصن ناعم.
وكان خط الدفاع الأول لليهود لمكانه الاستراتيجي، وكان هذا الحصن هو حصن مرحب البطل اليهودي الذي كان يعد بالألف.
خرج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالمسلمين إلى هذا الحصن، ودعا اليهود إلى الإسلام، فرفضوا هذه الدعوة، وبرزوا إلى المسلمين ومعهم ملكهم مرحب، فلما خرج إلى ميدان القتال دعا إلى المبارزة، قال سلمة بن الأكوع: فلما أتينا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول: قد عَلِمتْ خيبر أني مَرْحَب
شَاكِي السلاح بطل مُجَرَّب إذا الحروب أقبلتْ تَلَهَّب
فبرز له عامر فقال: قد علمت خيبر أني عامر ** شاكي السلاح بطل مُغَامِر
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عمي عامر، وذهب عامر يسفل له، وكان سيفه قصيرًا، فتناول به ساق اليهودي ليضربه، فيرجع ذُبَاب سيفه فأصاب عين ركبته فمات منه، وقال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن له لأجرين -وجمع بين إصبعيه- إنه لجَاهِدٌ مُجَاهِد، قَلَّ عربي مَشَي بها مِثْلَه".
ويبدو أن مرحبًا دعا بعد ذلك إلى البراز مرة أخري وجعل يرتجز بقوله: قد علمت خيبر أني مرحب... إلخ.
فبرز له على بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
قال سلمة ابن الأكوع: فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حَيْدَرَهْ
كلَيْثِ غابات كَرِيه المَنْظَرَهْ أُوفِيهم بالصَّاع كَيْل السَّنْدَرَهْ
فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
ولما دنا علي -رضي الله عنه- من حصونهم اطلع يهودي من رأس الحصن، وقال: مَنْ أنت؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي: علوتم وما أنزل على موسى.
ثم خرج ياسر أخو مرحب، وهو يقول: مَنْ يُبارز؟ فبرز إليه الزبير، فقالت صفية أمَّهُ: يا رسول الله، يُقتل ابني، قال: (بل ابنك يقتله)، فقتله الزبير.
ودار القتال المرير حول حصن ناعم، قتل فيه عدة سراة من اليهود، انهارت لأجله مقاومة اليهود، وعجزوا عن صد هجوم المسلمين، ويؤخذ من المصادر أن هذا القتال دام أيامًا لاقي المسلمون فيها مقاومة شديدة، إلا أن اليهود يئسوا من مقاومة المسلمين، فتسللوا من هذا الحصن إلى حصن الصَّعْب، واقتحم المسلمون حصن ناعم.
36- نتائج خيبر: وهكذا كانت حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تعليمًا وتربية للأمة في السلم والحرب على معاني العقيدة وحقيقة العبادة، وهذا غيض من فيض وجزء من كل.
هذا وقد أحدث فتح خيبر وفدك ووادي القرى وتيماء دويًّا هائلاً في الجزيرة العربية بين مختلف القبائل، وقد أصيبت قريش بالغيظ والكآبة إذ لم تكن تتوقع ذلك، وهي تعلم مدى حصانة قلاع يهود خيبر، وكثرة مقاتليهم ووفرة سلاحهم ومؤنتهم ومتاعهم، أما القبائل العربية الأخرى المناصرة لقريش فقد أدهشها خبر هزيمة يهود خيبر وخذلها انتصار المسلمين الساحق؛ ولذلك فإنها جنحت إلى مسالمة المسلمين وموادعتهم بعد أن أدركت عدم جدوى استمرارها في عدائهم، مما فتح الباب واسعًا لنشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، بعد أن تعززت مكانة المسلمين في أعين أعدائهم إلى جانب ما تحقق له من خير وتعزيز لوضعهم الاقتصادي.
واستمرت حركة السرايا بعد خيبر، وكانت كثيرة، وأمر عليها -صلى الله عليه وسلم- كبار الصحابة، وكان في بعضها قتال، ولم يكن في بعضها قتال.
إلى هنا واكتفي بما جمعت من دروس وعبر هذه الغزوة المباركة، وأتوجه إلى الله عز و جل بأن يقبل هذا العمل، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم. هذا وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
|