أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المسلمات العاقلات (01) الأحد 20 مارس 2011, 9:09 pm | |
| للعاقلات فقط ..
جمال عبد الرحمن إسماعيل
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد للَّه ، والصلاة والسلام على رسول اللَّه ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ... وبعد :
فإن العقل أصل الفضائل ، وينبوع الآداب ، وخير المواهب ، وأفضل رزق الوهاب ، وصدق القائل :
وأفضلُ قَسْمِ اللَّهِ للمرءِ عقلُهُ فليس من الأشياء شيء يُقاربهْ إذا أكمل الرحمنُ للمرءِ عَقْلَهُ فقد كملت أخلاقُهُ ومآرِبُهْ
وبالعقل تُعرف حقائق الأمور ، ويُفْصَلُ بين الخيرات والشرور ، إذا تم في الإنسان سُمِّيَ عاقلاً ، وكان نصيبة من الرشد كاملاً . والعاقل من عقل عن اللَّه أمره ونهيه ، واتَّبع النبي صلى الله عليه وسلم واقتفى أثره ، واجتنب محارم اللَّه ، وأدّى فرائضه جل وعلا ، ثم تنَفَّل بالصالحات وتزود من فعل الخيرات .
وشر البلية والمصائب ؛ إهمال العقل ، وإلغاء الفهم ، فهو السبيل إلى جهنم ، وقد قال اللَّه تعالى عن أهل النار : { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [ الملك : 10 ] . وفي كتابنا هذا نتعرض لنماذج من سير أعلام العقلاء ، ليس من الرجال ، ولكن من النساء ؛ لترى كل مسلمة فيها القدوة الحسنة والسيرة العطرة ، ومن هنا تحدد موقفها بصراحة ووضوح ، هل استعملت عقلها أم ألغت فهمها ؟ هل تزداد من اللَّه قُربًا ، أم تزداد عنه بعدًا ؟
واللَّه من وراء القصد ، وهو الهادي إلى سواء السبيل . المؤلف 1- العاقلة ومراقبة ربِّها ذكر ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره لقوله تعالى : {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ... } الآية [ البقرة : 226] قصةً في المراقبة للَّه والخوف منه( )، حدثت مع عمر بن الخطاب ? ، وقد كان يعس بالمدينة كعادته ، فسمع امرأة كان زوجها قد خرج غازيًا في جيش عمر ؛ تقول :
طال هذا الليل وازورَّ جانبه وليس إلى جنبي خليل ألاعبُهُ فواللَّهِ لولا اللَّهُ أني أُراقبُه لَحُرِّك من هذا السريرِ جوانبُهْ مخافةُ ربي والحياءُ يَصُدُّني وأُكْرِمُ بَعْلِي أن تُنَالَ مَراكِبُهْ
فمراقبة تلك المرأة ربها وخشيتها إياه كانت حائلاً بينها وبين دخول أجنبي عليها .
2- العاقلة والثقة فيما عند اللَّه روى البخاري( ) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال : جاء إبراهيم عليه السلام بأم إسماعيل (( هاجر )) وابنها إسماعيل ، وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة (( شجرة )) فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعهما هناك ، ووضع عندهما جرابًا ( كيسًا ) فيه تمر ، وسقاءً فيه ماء ، ثم قفَّى إبراهيم عليه السلام منطلقًا ، فتبعته أم إسماعيل ، فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء ؟! قالت له ذلك مرارًا وهو لا يلتفت إليها !! فقالت : آللَّه أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذًا لا يضيعنا .
فهل ضيعها اللَّه ؟ كلا ؛ لقد أكرمها إكرامًا تتحدث به الدهور والأيام والخلق والأنام؟! فاللَّه لا يضيع أجر المحسنين ولا إيمان المؤمنين.
وهذه أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها سألها مسكين وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف ، فقالت لمولاة لها : أعطيه إياه ، فقالت : ليس لك ما تفطرين عليه ، فقالت : أعطيه إياه، ففعلت ، قالت : فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدى لنا ، شاة وكفنها ، فدعتني عائشة فقالت : كلي من هذا فهذا خير من قرصك .
قال العلماء : هذا من المال الرابح والفعل الزاكي عند الله تعالى ، يعجل منه ما يشاء ولا ينقص ذلك مما يدخر عنده ، ومن ترك شيئًا لله لم يجده فقده ، وعائشة رضي اللَّه عنها في فعلها هذا من الذين أثنى اللَّه عليهم بأنهم يؤثرون على أنفسهم مع ما هم فيه من الخصاصة ، وأن من فعل ذلك فقد وقي شح نفسه ، وأفلح فلاحًا لا خسارة بعده ، ومعنى شاة وكفنها ؛ فإن العرب أو بعض العرب أو بعض وجوههم كان هذا من طعامهم، يأتون إلى الشاة أو الخروف إذا سلخوه غطوه كله بعجين البر ، وكفنوه به ثم علقوه في التنور فلا يخرج من وَدَكِه شيء إلا في ذلك الكفن ، وذلك من طيب الطعام عندهم( ).
3- العاقلة وثمرة حفظها لربها عن أنس قال : قال صلى الله عليه وسلم: (( صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والآفات والهلكات ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ))( ).
انظري يا أختاه لما صنعته أم شريك من المعروف .
عن ابن عباس قال : وقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكة وهي إحدى نساء قريش ثم إحدى بني عامر بن لؤي ، فأسلمت ، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًّا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام ، حتى ظهر أمرها لأهل مكة ، فأخذوها وقالوا لها : لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا ، ولكنا سنردك إليهم ، قالت : فحملوني على بعير ليس تحتي شيء موطأ ولا غيره ، ثم تركوني ثلاثًا لا يطعمونني ولا يسقونني ، قالت : فما أتت عليّ ثلاث حتى ما في الأرض شيء أسمعه ، فنزلوا منزلاً وكانوا إذا نزلوا أوثقوني في الشمس واستظلوا وحبسوا عني الطعام والشراب حتى يرتحلوا ، فبينما أنا كذلك إذ أنا بأثر شيء عليّ برد منه ، ثم رفع ، ثم عاد فتناولته ، فإذا هو دلو ماء ، فشربت منه قليلاً ، ثم نزع مني ، ثم عاد فتناولته فشربت منه قليلاً ، ثم رفع ، ثم عاد أيضًا ، ثم رفع ، فصنع ذلك مرارًا ، حتى رويت، ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي ، فلما استيقظوا ، فإذا هم بأثر الماء ، ورأوني حسنة الهيئة ، فقالوا لي : انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه؟ فقالت : لا اللَّه ما فعلت ذلك ، كان من الأمر كذا وكذا ، فقالوا : لئن كنت صادقة فدينك خير من ديننا ، فنظروا إلى الأسقية فوجدوها كما تركوها ، وأسلموا بعد ذلك( ).
4- العاقلة والحرص على طلب العلم والسؤال عن الدين جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول اللَّه ، ذهب الرجال بحديثك - أي سمعوه وتعلموه - فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتي فيه تعلمنا مما علمك اللَّه ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( اجتمعن يوم كذا وكذا )) فاجتمعن ، فجاء صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه اللَّه( ).
وهذه بعض أسئلة نسائية : - عن أسماء بنت أبي بكر قالت : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي أصابتها الحصبة فَتَمَرَّقَ شعرُها - تقصف وسقط - وإني زَوَّجتها ، أفَأَصِلُ فيه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (( لعن اللَّه الواصلة والموصولة ))( ) يعني صاحبه الشعر والتي تصل لها .
- امرأة أخرى تسأل عن كيفية غسل الشعر عند الاغتسال ، فتقول : يا رسول اللَّه ، إني امرأة أشد ضفر رأسي - أجعله ضفائر - أفأنقضه للجنابة ؟ يعني أأفُكُّهُ ؟ قال : (( إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي على سائر جسدك ، فإذا أنت قد طهرت ))( ).
وسألتني إحدى النساء ؛ ماذا تفعل لكي تمسح برأسها أثناء الوضوء لأنها لو مسحت برأسها مدبرة مقبلة بيدها يتفرق شعرها ويسبب لها مشقة ؟
وأجبتها بما ذكره الشوكاني في (( نيل الأوطار )) : عن الربيع بنت معوذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها ومسح برأسه ، فمسح الرأس كله من فوق الشعر ، كل ناحية لمنصب الشعر ، لا يحرك الشعر عن هيئته( ). وفي هذا بلا شك تيسير عظيم .
- وها هي أم سُلَيم رضي الله عنها تسأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللَّه ، إن اللَّه لا يستحي من الحق ، فهل على المرأة غسل إذا هي احتلمت ؟ قال : (( نعم ، إذا رأت الماء )) . متفق عليه .
ومن عظيم الأسئلة التي وُجهت للنبي صلى الله عليه وسلم وتحمل الدلالة على الفقه والحس الديني ، هذا السؤال : وفيه أن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين ، كلهن يقلن بقولي ، وعلى مثل رأيي ، إن اللَّه بعثك إلى الرجال والنساء ، فآمنا بك واتبعناك ، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات ( في الخدر وهو الستر ) قواعد بيوت ، وإن الرجال فُضّلوا بالجُمُعات ، وشهود الجنائز والجهاد ، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم ، وربَّينا أولادهم ، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال: (( هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه ؟ )) فقالوا : بلى يا رسول اللَّه ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (( انصرفي يا أسماء ، وأعلمي من وراءك من النساء أن حُسن تَبَعُّل - أي معاشرة - إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته ، واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت )) . فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارًا بما قال لها عليه الصلاة والسلام( ).
لماذا فرحت أسماء رضي الله عنها ؟ لأنها رأت فضل الله عز وجل وهو القائل : {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [ يونس: 58]. فالأجر الذي تناله المرأة في ترتيب مسكنها وتربية أولادها، ورعاية بيت زوجها وماله يعدل أجر المجاهد في جهاده ويعدل شهود الرجل الجُمَع والجماعات ، كما تبين من الحديث .
|
|