أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المسلمات العاقلات (06) الأحد 20 مارس 2011, 8:47 pm | |
| 22- العاقلة وتحرِّي الصدق عن أسماء بنت عميس قالت : كنت صاحبة عائشة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة ، قالت : فوالله ما وجدنا عنده قِرَى - شيئًا يضيِّفنا به - إلا قدحًا من لبن ، فشرب منه ثم ناوله عائشة ، فاستحيت الجارية - عائشة -، فقلنا لها : لا تردي يد رسول الله ، فأخذتْ منه على حياء فشربتْ ، ثم قال : (( ناولي صواحبك )) . فقلنا : لا نشتهيه ، فقال صلى الله عليه وسلم: (( لا تجمعن جوعًا وكذبًا )) . فقلت : يا رسول الله ، إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه : لا أشتهيه ، أَيُعَدُّ ذلك كذبًا ؟ قال : (( إن الكذب يُكتب ، حتى تُكتب الكذيبة كذيبة ))( ) .
يعني : كل ما هو كذب ومخالف للحقيقة يُكتب حتى الكذيبة - الكذبة الصغيرة -، وحتى ما يسمونه - الكذبة البيضاء - أو الكذب الأبيض ، وإنه لأسود فاقع السواد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا ))( ).
قال اللَّه تعالى: { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ... } [ الزمر: 60 ] .
23- العاقلة وخاطبها عن أنس ? قالت : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على جُليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها ، فقال : حتى استأمر أمها - يعني يأخذ رأيها - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( فَنَعَم إذَنْ )) . قال : فانطلق الرجل إلى امرأته ، فذكر ذلك لها ، قالت : لاهاالله ، إذن ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جليبيبًا وقد منعناها من فلان وفلان؟ قال : والجارية في سترها تسمع ، قال : فانطلق الرجل يريد أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك - برفض زوجته - فقالت الجارية - البنت العروس -: أتريدون أن تردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ؟ إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه ، قال : فكأنها جَلّت - كشفت الغشاوة - عن أبويها ، وقالا : صدقْتِ ، فذهب أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن كنتَ رضيتَه فقد رضيناه ، قال صلى الله عليه وسلم: (( فإني قد رضيتُه )) . قال : فزوَّجها .
ثم فزع أهل المدينة - للحرب - فركب جليبيب ، فوجدوه قد قُتل وحوله ناس من المشركين قد قتلهم( ) .
وقصة ذلك كما أخرجها مسلم في صحيحه( ) عن أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزى له ، فَأَفاء اللَّه عليه ، فقال لأصحابه : (( هل تفقدون من أحد ؟ )) قالوا : نعم ، فلانًا وفلانًا وفلانًا ، ثم قال : (( هل تفقدون من أحد ؟ )) قالوا : نعم ، فلانًا وفلانًا وفلانًا ، ثم قال : (( هل تفقدون من أحد؟ )) قالوا : لا ، قال : (( لكني أفقد جليبيبًا فاطلبوه )) ، فَطُلِب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه فقال : (( قتل سبعة ثم قتلوه ، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه )) . قال : فوضعه على ساعديه ليس له إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: فحفر له ووضع في قبره ولم يذكر غسلاً .
سبحان الله ! جاء الخاطب جليبيب وهو عبد ، لكنه زكّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم واختاره ، واختار له المخطوبة ، وفي لحظة غفلة كاد الأب والأم أن يرفضا ، لكن البنت التي تعلمت من الإسلام أعظم المبادئ تذِّكر أبويها حين همَّا بالرفض فتقول : أتريدون أن تردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ؟
هذه هي العروس التي نتمناها لكل مسلم ، كم من عروسين ينتسبان إلى الإسلام ، ولا يَمُتُّ عرسهما إلى الإسلام بصلة ، كم من أوامر لله ورسوله تُرَدُّ ، وكم من سنن تترك ومعاصي ترتكب وبدع تمارس من يوم أن يخطب الخاطب مخطوبته إلى ما شاء الله؟! فاعتبروا يا أولي الأبصار بجليبيب وبعروس جليبيب .
وعن ابن داجة عن أبيه قال : لما مات عبد اللَّه بن عبد الملك ، رجعت هند بميراثها منه ، فقال عبد اللَّه بن حسن لأمه فاطمة : اخطبي عليَّ هندًا ، فقالت : إذا تُرِدْك ، أتطمع في هند وقد ورثت ما ورثَتْهُ ؛ وأنت تَرِبٌ لا مال لك ؟ فتركها ومضى إلى أبي عبيدة فخطبها إليه ، فقال : في الرحب والسعة ، أما مني فقد زوجتك ، مكانك لا تبرح ، ودخل على هند ، فقال : يا بنية ، هذا عبد اللَّه بن حسن ، أتاك خاطبًا ، قالت : فما قلت له ؟ قال : زَوَّجتُهُ . قالت : أحسنت ، قد أجزتُ ما صنعْتَ، وأرسلت إلى عبد اللَّه ، لا تبرح حتى تدخل على أهلك ! قال : فتزينت له ، فبات بها معرسًا من ليلته ، ولا تشعر أمه ، فأقام سبعًا ثم أصبح يوم سابعه غاديًا على أمه ، وعليه ردع الطيب ، وفي غير ثيابه التي تعرف ، فقالت له : يا بني ، مِنْ أين لك هذا ؟ قال : من عند التي زعْمتِ أنها لا تريدني( ).
بهذه السهولة واليسر عفت هذه المرأة نفسها ، وكانت سببًا في عفة رجل ، وهذا من أهم أسباب البركة ، ولم يثنها أنها غنية وهو فقير كما تخوفت أمه ، وقد ساعد في هذا أيضًا الأب العاقل الذي ييسر على الناس ؛ لعل اللَّه ييسر عليه .
24- العاقلة ومصارحتها خاطِبهَا بأحوالها أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب أم سلمة - رضي اللَّه عنها - بعد وفاة زوجها أبي سلمة ، فلما انقضت عدتها بعث إليها عمر بن الخطاب يخطبها عليه ، فقالت : أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني غَيْرَى - شديدة الغيرة من الضرائر -، وأني مُصْبِيَة - ذات صِبْية صغار ولا تريد أن تضيق بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وليس أحد من أوليائي شاهدًا( )- فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال : (( ارجع إليها فقل لها : أما قولك : إني امرأة غَيْرَى فأسأل اللَّه أن يذهب غيرتك ، وأما قولك : إني امرأة مُصْبِيَة فتُكفين صبيانك ، وأما قولك : إنه ليس أحد من أوليائك شاهد ، فليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك )) فقالت لابنها : يا عمر ، قم فزوِّج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فزوجه ، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأتيها ليدخل بها ، فإذا رأته أخذت ابنتها زينب فجعلتها في حجرها ، فينقلب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فعلم بذلك عمار بن ياسر وكان أخاها من الرضاعة ، فجاء إليها فقال : أين هذه المقبوحة التي آذيت بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ فأخذها فذهب بها ، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فجعل يضرب ببصره في جوانب البيت ، وقال : (( ما فعلت زينب ؟ )). قالت : جاء عمار فأخذها فذهب بها ، فبنى بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال : (( إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة ؛ رحائين وجرتين ومرفقة حشوها ليف )) . وقال : (( إن سبَّعْتُ لك سبعت لنسائي ))( ).
هذه أم سلمة تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكل صراحة بكافة أحوالها ، ومَنْ من النساء تتحصل على الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ لكن أم سلمة رضي اللَّه عنها لم يمنعها ذلك من أن تُعْلِمَه بالحقيقة ولو كانت النتيجة الرفض منه ، إلا أننا نرى نساءً إذا جاءهن الخاطب قالت هي وأهلها : فرصة لا نضيعها ، افرشوا له الأرض بالحرير، وحَلُّوا له الكلام بالعسل، وابتسموا في وجهه ، وإن لم يكن هذا طبعكم ، واكتموا عنه كل شيء يسيئه ، ثم بعد ذلك يا سادة ، نعلمه أين يخبئ القرد أولاده !!
حتى إذا ما عقدوا العقد كشرت الحيَّة عن أنيابها ، وشبَّت الحرب الأهلية ، حتى يقول الزوج : يا ليتي متُّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا .
هذا يحدث في العادة ، فأين يا قوم السعادة !! لكن أم سلمة الشريفة العاقلة ، العفيفة الفاضلة تعطينا الدرس .
ودرس آخر : تقول أم سلمة رضي اللَّه عنها : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمني وبيننا حجاب فخطبني ... الحديث( ) .
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم التقي النقي ، وهذه أم سلمة المبشرة بالجنة ، قبل أن يحدث بينهما رؤية شرعية يكلمها أولاً أنه يريد الزواج منها ، فكان الكلام من وراء حجاب ، وتلك هي الأخلاق والآداب ، فما بال الذين جاءونا بدين جديد ؟!
يتعرفون أولاً ثم صداقة ، واختلاط وعلاقة ، وتجربة وحب ، وإذا سألتهم : قالوا حب شريف! ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف الحب الشريف حتى عرفتموه للأمة ؟!
(( من سَنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ))( ) . نسأل اللَّه السلامة .
|
|