أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المسلمات العاقلات (08) الأحد 20 مارس 2011, 8:41 pm | |
| 29- العاقلة وحفاظها على غَيْرة زوجها الغَيرة فطرة فطر الله البشر عليها ، تزيد وتنقص بين الناس ، فتزيد عند البعض حتى أنه لربما شدد على زوجته فحرم عليها ما أحل الله ، وتقل عند البعض حتى أنه ليحل لزوجته ما حرم الله ، فيتركها تخالط الرجال ويخالطونها ، يجلسون معها ويصافحونها ، ومثلُ هذا لا شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بأنه (( دَيُّوث )) لا يغار على أهل بيته ومحارمه .
ودرسُنا هنا مع أسماء بنت أبي بكر - رضي اللَّه عنها - التي تلقن المسلمات درسًا في الغيرة ، فكانت تمشي يومًا تحمل على رأسها علفًا لفرس زوجها الزبير ? تقول : فلقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر - بضعة أفراد - فدعاني ، فقال : إخْ ، إخْ - للجمل - ليحملني خلفه ، فاستحييت وذكرتُ الزبير وغيرتَه ، قالت : فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم...( ).
قال النووي : قال القاضي عياض : هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم ، بخلاف غيره ، فقد أمرنا بالمباعدة من أنفاس الرجال والنساء ، وكانت عادته صلى الله عليه وسلم مباعدتهن ليقتدي به أمته ، قال : وإنما كانت هذه خصوصية له ؛ لكونها بنت أبي بكر ، وأخت عائشة، وامرأة للزبير ، فكانت كإحدى أهله ونسائه ، مع ما خُص به صلى الله عليه وسلم أنه أملك لإربه ، وأما إرادف المحارم فجائز بلا خلاف بكل حال( ). أقول : فهل يفهم أهل التخليط والهوى ؟!!
30- العاقلة وواجباتها الزوجية قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الزوجة الصالحة : (( خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك ))( ) .
ومن حفظ المرأة لنفسها في غياب زوجها ألا تُدخل عليها أحدًا يكرهه ، ومعنا قصة المرأة التي كان زوجها غائبًا في الحرب في جيش عمر بن الخطاب ، فجلست وحيدة لا أنيس لها ، فقالت شعرًا في ذلك تبين فيه أنها رغم وحدتها وخلوتها فإنها ستحفظ زوجها في غيابه بحفظ نفسها ، فلن تُدخل أحدًا عليها فيدنس فِراشه وينتهك حرمته ، وكان مما قالته :
طال هذا الليل تسرى كواكبُهْ وأرقني ألا خليل ألاعبُهُ فواللَّهِ لولا اللَّهُ أني أُراقبُه لَحُرِّك من هذا السريرِ جوانبُهْ مخافةُ ربي والحياءُ يَصُدُّني وإكرامُ بَعْلِي أن تُنَالَ مَراكِبُهْ( )
ومن اهتمام العاقلة بحقوق زوجها ما فعلته زوجة رياح القيسي ؛ إذ قال رياح : ذُكرت لي امرأة فتزوجتها ، فكانت إذا صلت العشاء الآخرة تطيبت وتدخنت - أي من البخور - ولبست ثيابها - أي ملابس الفراش - ثم تأتيني فتقول : ألك حاجة ؟ فإن قلت : نعم كانت معي ، وإن قلت لا ، قامت فنزعت ثيابها ثم صفت بين قدميها حتى تصبح ( ) .
31- العاقلة وحُسن تدللها مع زوجها لا شك أن الرجل الحصيف يعطي زوجته الفرصة لتمزح وتتدلل معه ، بل ويدللها هو ، فإن ذلك من حسن العشرة التي أمر اللَّه تعالى بها في قوله : {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ...} [ النساء : 19 ] ، وإذا كان الأمر كذلك فلا غرابة أن نرى عائشة - رضي اللَّه عنها - تقول : يا رسول الله ، أرأيت لو نزلتَ واديًا وفيه شجرة قد أُكل منها ، وشجرة لم يؤكل منها ، في أيِّها كنتَ تُرْتعُ بعيرك ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (( في التي لم يُرتع منها )) . قالت - رضي الله عنها - : فأنا هي( ).
ومثل هذا الحديث يُدخل السرور في نفس الزوج ، وهي تقصد - رضي اللَّه عنها - أنه تزوجها بكرًا ، ولم يسبقه إليها أحد قبله صلى الله عليه وسلم ، مثل الشجرة التي لم يؤكل منها ، وهذا من حسن العشرة ، وتَأَتِّي الأمور والتدلل مع الزوج . وتقول أيضًا: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته ، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم - أي سمنت - سابقني فسبقني ، فقال : (( هذه بتلك ))( ).
32- العاقلة وعون زوجها على طاعة ربه أم كلثوم بنت الصديق - رضي اللَّه عنهما - ترى زوجها أبا طلحة بن عبيد اللَّه مهمومًا لم ينم ليلته ، وكان غنيًّا فتسأله عما أهمَّه وأَقَضَّ مضجعه ، فقال لها : أتاني من حضرموت سبعمائة ألف درهم ، فتفكرتُ منذ الليلة ، فقلت : ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته ؟ قالت : فأين أنت عن بعض أخلائك وأصحابك ؟ فإذا أتى الصباح فادع بجفان وقصاع - أواني - وقسِّمه بينهم ، فقال لها : رحمك اللَّه ، إنك موفقة بنت موفق ، فلما أصبح دعا بجفان ووضع فيها المال ، فقسمه بين المهاجرين والأنصار ، ولم يكد يترك لبيته شيئًا ، فقالت له : أبا محمد ، أما كان لنا في هذا المال من نصيب ؟ فقال : أين أنت منذ اليوم ؟ فشأنك بما بقي ، قالت : فما بقي إلا صرة فيها نحو ألف درهم( ) .
نعم ، فإن أم كلثوم زوجة أبي طلحة لم تجعل الدنيا أكبر همها ، فهي تربية أبي بكر الصديق ، وأخت عائشة ، وزوجها أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ومثلها تعد من أمهات نساء الإسلام ، عون للزوج على طاعة ربِّه ، لكننا نرى حفيداتها اليوم ولسان حالهن يقول : نفسي نفسي ، فساتيني ، موضتي ، بيتي ، حفلاتي ، صديقاتي ، لكن العاقلة تعلم قول الله تعالى: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [ يوسف : 109 ] .
33- العاقلة وعون زوجها في عمله تقول أسماء بنت الصديق - رضي اللَّه عنها -: تزوجني الزبير وما له شيء غير فرسه ، فكنت أسُوسُه - أي أقوم عليه بما يصلحه - وأعلفه ، وأدق لناضحه النوى ، وأستقي وأعجن ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير - التي أَقْطَعَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم - على رأسي ، وهي على ثُلثي فرسخ - ثلاثة كيلو مترات تقريبًا - قالت : حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعدُ بخادم فكفتني سياسة الفرس ، فكأنما أعتقني( ).
وقولها : فكأنما أعتقني ، يدل على شدة المعاناة والتعب الذي كانت تلقاه من ذلك العمل ، لكن المرأة كلما استطاعت معونة زوجها في حدود طاقتها فلتفعل ، وهي في ذلك في عداد الصالحات.
34- العاقلة عند غضب زوجها لنسائنا وبناتنا في أمهات المؤمنين أسوة ، وخاصة معاملة الزوج ، فالزوج بشر يعتريه الغضب ، وعلى العاقلة أن تمتص غضب زوجها ؛ إما ببشاشتها في وجهه حتى لا يزداد في غضبه ، وإما بالانصراف من أمامه حال غضبه إن كان البقاء ربما يصعِّد الموقف ويزيد من الغضب ، وإما بسؤاله بسرعة عما أغضبه لمحاولة إزالة سبب الغضب ، وإبداء الاستعداد للاعتذار وإرضاء الزوج ، وهذا ما فعلته أم المؤمنين عائشة - رضي اللَّه عنها - تقول أنها اشترت نُمْرُقَة( ) فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل ، قالت : فعرفت في وجهه الكراهية ، فقلت : أتوب إلى الله وإلى رسوله ، ماذا أذنبتُ ؟ قال : (( ما بال هذه النُمْرُقَةُ ؟ )) فقالت : اشتريتها لتقعد عليها وتَوسدها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن أصحاب هذه الصور يُعذبون يوم القيامة ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم )) . وقال : (( إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة ))( ).
فعائشة - رضي اللَّه عنها - اشترت وسادة أو سجادة ليجلس عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، والظاهر أنها لم تعرف أن التصاوير التي عليها ممنوعة ، فلذلك لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من خارج بيتها ورأى الصور وقف غاضبًا ولم يدخل ، وهي لم تعلم سبب غضبه ، فبادرت بالاعتذار والتوبة مما أغضبه صلى الله عليه وسلم ، فبيّن لها أن الصور يُعذب صانعوها يوم القيامة وإذا عُذب صانعوها عُذب من يستعملها مثلهم ، فمزقت النمرقة وشقتها حتى شوهت الصورة ، وجعلتها وسادتين . ذكر ذلك ابن حجر( ) - رحمه الله - في شرح الحديث وأوردته باختصار .
35- العاقلة عندما يطلقها زوجها في أول ظهار( ) وقع في الإسلام ، قال أوس بن الصامت لزوجته : أنتِ عليَّ كظهر أمي ، وكان الظهار عند أهل الجاهلية يُعَد طلاقًا ، فشق ذلك على زوجته ، فقد كانت وحيدة ، فقيرة ، ذات صبية صغار ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في أمرها ، فقال لها : (( ما أراكِ إلا وقد حرمت عليه )).
فحزنت واشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وراجعت النبي صلى الله عليه وسلم وحاورته وجادلته مرة بعد مرة ، وهي تنظر إلى السماء وتشتكي وتقول : أشكو إلى اللَّه مما لقيت من زوجي حال فاقتي - فقري - ووحدتي ، وقد طالت معه صحبتي ونفضت له بطني - يعني وَلَدَتْ له كل ما في بطنها - وتقول : اللهم أنزل على لسان نبيك( ) ، يعني وحيًا يحل المشكلة .
وسبحان من وسع سمعه الأصوات : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [ المجادلة : 1 ] .
وجاء الوحي بالفرج ، جاء بالكفارة مُنزل الوحي ، وقد قامت عائشة تغسل شق رأسه صلى الله عليه وسلم.
ما أعظم الشكوى إلى الله واللجوء إليه حين تلجأ العاقلة إلى ربها وخالقها وقت الشدة ، تدعوه وتشتكي إليه : { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ...} [ النمل : 62 ]، بدلاً من أن تشتكي إلى أمها وأبيها والجيران وكل من يعنيه الأمر ومن لا يعنيه ، وتلجأ إلى المحاكم وشهود الزور وتطول القضية، وتسوء العاقبة .
|
|