أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المسلمات العاقلات (18) الأحد 20 مارس 2011, 5:59 pm | |
| 88- العاقلة ووصية ابنتها ليلة زفافها من الواجب على الأم أن تلقن ابنتها عند ذهابها إلى عشها الجدير مبادئ الحياة الزوجية ، وهذا امرأة عاقلة فعلاً تحمل عقلاً راجحًا وقلبًا صالحًا ، إنها أمامة بنت الحارث توصي ابنتها ليلة زفافها فتقول : (( ... أي بنية ، إنك فارقت الجو الذي منه خرجت ، وخلفت العش الذي فيه درجت ، إلى وكر لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، فأصبح بملكه عليك ( بعقده عليك ) رقيبًا ومليكًا ، فكوني له أمةً يكن لك عبدًا وشيكًا ( أي سريع الإجابة يا بنية : احملي عني عشر خصال تكن لك ذخرًا وذكرا :
1- الصحبة بالقناعة ، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة .
2- والتعهد لموقع عينه ، والتفقد لموضع أنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح .
3- والكحل أحسن الحُسن ، والماء أطيب الطيب المفقود.
4- والتعهد لوقت طعامه ، والهدُوُّ عنه عند منامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة ، وتنغيص النوم مَغْضَبَة .
5- والاحتفاظ ببيته وماله ، والإرعاء ( الرعاية ) علي نفسه وحشمه ( خدمه ) وعياله ، فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير ، والإرعاء على العيال والحشم جميل حسن التدبير .
6- ولا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا ، فإنك إن أفشيت سره ، لم تأمني غدره ، وإن عصيت أمره أَوْغَرتِ صدره .
7- ثم اتق منه ذلك الفرح إن كان تَرِحًا ( أي لا تفرحي إن كان غضبانًا ) والاكتئاب عنده إن كان فرحًا ( أي لا تحزني إن كان فرحًا ) فإن الخصلة الأولى من التقصير ، والثانية من التكدير .
8- وكوني أشد ما تكونين له إعظاما ، يكن أشد ما يكون لك إكراما .
9- وأشد ما تكونين له موافقة يكن أطول ما يكون لكِ له مرافقةً .
10- واعلمي أنك لا تَصِلِين إلى ما تحبين ، حتى تؤثري رضاه على رضاك ، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت ، والله يخير لك ))( ) .
أختنا المسلمة : هل رأيت مثل هذا المرأة الأم وهي توصي ابنتها ، أجمل ما تكون ذوقا ، وأصوب نظرا وأبلغ حكمة ، وأروع تجربة ، وأعذب لغة ، وأحلى منطقا ؟! إن كثيرًا من بناتنا وأمهاتهن ليفتقدن مثل هذه النصيحة الثمينة والوصية الغالية .
89- العاقلة قدوة في تعويد أولادها على الصدق عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم في دارنا ، وكنت ألعب ، فقالت أمي : يا عبد الله ، تعال أعطك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما أردتِ أن تعطيه ؟ )) قالت : أردت أن أعطيه تمرًا ، قال : (( أما أنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة ))( ) . فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأكد ويؤكد هذا المعنى العظيم لأم عبد الله بن عامر ، بحيث تكون صادقة إذا وعدته بإعطائه .
وبحمد الله كانت أم عبد الله صادقة فيما قالته لعبد الله ابنها: (( تعال أعطك )) ، (( أعطيه تمرًا )) .
وهذا درس لمن يعدون الأبناء بالعطايا ثم يهونون من شأن تلك الوعود ، فإن ذلك مدعاة لتعلم الولد رذيلة الكذب .
90- العاقلة وحب زوجها للبنين وهي تلد الإناث هجر أبو حمزة الضبي خيمة امرأته ، وكان يقيل ويبيت عند جيران له حين ولدت امرأته بنتًا ، فمر يومًا بخبائها ، وإذا هي ترقصها وتقول :
ما لأبي حمزةَ لا يأتينا يظلُّ في البيت الذي يلينا غضبانَ ألا نَلِدَ البنينا تالله ما ذلك في أيدينا وإنما نأخذُ ماأعطينا ونحن كالأرض لزارعينا ننبت ما قد زرعــوه فينا
فلما سمع الشيخ الأبيات غدا حتى ولج عليها الخباء ، فقبل رأس امرأته وابنتها ، وقال : ظلمتكما ورب الكعبة( ) .
إن البنات هبة من اللَّه تعالى ، ولا يدري الإنسان دائمًا أين الخير ، أفي البنين أم في البنات أم فيهما معًا ، أم في عدمهما، فالقاعدة المحكمة قول الله تعالى : { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 216 ] .
وكانت ذرية الأنبياء بنات ، وأشهرهم في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان جميع أبنائه الذين عاشوا وكبروا بنات .
فـ { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ الشورى : 49، 50 ] . فهل علمت العاقلة أن الخير فيما يختاره الله فتقنع بقسمته ، وترضى بخيرته ؟!
91- العاقلة والصبر على فقد الولد إن الأولاد فلذة الأكباد ، وفقد الولد كثيرا ما تتأثر به الأم أكثر من الأب ، ولكننا رأينا نموذجًا فذًا ومثالاً قلَّ أن يتكرر ، رأينا أم سليم زوجة أبي طلحة ، يموت ابنها المريض ، والأب خارج البيت ، فتطلب من أهل البيت ألا يبلغه أحد بالخبر حتى تبلغه هي ، فلما جاء سألها عن ابنه فقالت : سكن واستراح ( تقصد أنه مات ) لكن الأب لم يفهم ذلك ، بل فهم أن الولد في عافية ، والسبب أن الأم لم يظهر عليها شيء من التأثر ، بل كانت متزينة بأحسن الزينة وأعدت له عشاءً ، فلم يشك في الأمر ، فلما تعشى وأعجبته زينتها جامعها ، ثم بعد أن شبع بطنه وفرجه أبلغته ، وبحكمة نادرة بالغة ؛ قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيت ، فطلبوا عاريتهم ، ألهم أن يمنعوهم ؟ ( يعني لو استعار أحد شيئًا من أَحَد ، ثم جاء صاحب الشيء يطلبه ، أيُحْزِن ذلك المستعير ؟ ) قال لا ، قالت : فاحتسب ابنك ، فدهش أبو طلحة مما صنعت زوجته ، فأبلغ النبي S بالذي حدث فدعا النبي S لهما بالبركة في جماعهما تلك الليلة ، وقال : (( اللهم بارك لهما )) ، فولدت غلاما سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ، وكبر عبد الله وتزوج وأنجب تسعة من الأولاد كلهم قرأوا ( حفظوا ) القرآن ، وتلك دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ) .
فهل رأيت أيتها العاقلة مثل هذه المرأة ( أم سليم ) في صبرها وجَلَدها وعقلها وحكمتها ؟ وها هي أم سعد بن معاذ وقد فقدت ابنها عمرو في غزوة أُحُد مع قتلى آخرين ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (( يا أم سعد أبشري وبَشِّري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعًا وقد شفعوا في أهلهم جميعا )) ، قالت : رضينا يا رسول الله ، ومن يبكي عليهم بعد هذا( )؟! ثم هي هي تفقد سعدًا بعد ذلك شابًّا يافعًا عمره 37 سنة.
فعن المسور بن رفاعة القرظي قال : جاءت أم سعد بن معاذ تنظر إلى سعد في اللحد ، فردها الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( دعوها )) . فأقبلت حتى نظرت إليه وهو في اللحد قبل أن يبنى عليه اللبن والتراب ، فقالت : احتسبتك عند الله . وعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره( ) .
نعم ، هل يبكي أحد على من بُشِّر بالجنة ؟! قطعًا لا ، والسبب أنهم كانوا يدركون معنى البشرى ، وقدر الجنة .
ولكن لما رقَّ الدين ونقص الإيمان صارت الجنة تذكر أمام كثير من الناس ولا شيء ، وتذكر النار والأمر هَيِّن ! ويذكر عذاب القبر ونعيمه ولا بأس ، نعوذ بالله من قسوة القلوب وغفلتها .
وقد مر بنا قصة أم حارثة ، وكذلك الخنساء التي قدمت أولادها الأربعة ، تحرضهم على الموت تحريضًا في حرب القادسية ، فقتلوا جميعًا ، فاستقبلت الخبر بالبشرى وقالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم .
وهذه أعرابية تبكي ابنها ، وقد حجت وهو معها ، فأصيبت به ، فلما دفن قامت على قبره وهي وجعة ، فقالت : واللَّه يا بني ، لقد غذوتك رضيعًا ، وفقدتك سريعًا ، وكأنه لم يكن بين الحالين مدة ألتذ بعيشك فيها ، فأصبحت بعد النضارة والغضارة ورونق الحياة ، والتنسم في طيب روائحها ؛ تحت أطباق الثرى جسدًا هامدًا ، ورفاتًا سحيقًا وصعيدًا جرزًا ، أي بني ، لقد سحبت الدنيا عليك أذيال الفنا ، وأسكنتك دار البلى ، ورمتني بعدك نكبة الردى ، أي بني ؛ لقد أسفر لي عن وجه الدنيا صباح داج ظلامه . ثم قالت : أي رب ؛ ومنك العدل ومن خلقك الجور ، وهبته لي قرة عين ، فلم تمتعْني به كثيرًا ، بل سلبتنيه وشيكًا ، ثم أمرتني بالصبر ، ووعدتني عليه الأجر ، فصدَّقتُ وعدك ، ورضيتُ قضاءك ، فرحم الله من ترحم على من استودعته الردم ، ووسدته الثرى ، اللهم ارحم غربته ، وآنس وحشته ، واستر عورته يوم تنكشف الهنَّات والسوءات( ) . سبحان اللَّه ! ما أحسن حديثها .
|
|