منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ Empty
مُساهمةموضوع: نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ   نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ Emptyالثلاثاء 12 أكتوبر 2010, 7:11 am


قُصَّةً نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ

هُوَ نُوْحٍ بْنِ لَامَكَ بْنِ مَتُوَشَلَخِ بْنِ خَنُوعَ ـ وَهُوَ إِدْرِيْسُ ـ بْنِ يَرِدُ بْنِ مَهْلَابِيْلِ بْنِ قَيْنَنَ بْنِ أَنّوَشّيّ بْنِ شِيْثِ بْنِ آَدَمَ أَبِيْ الْبَشَرِ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ.

[مَوْلِدُهُ]

وَكَانَ مَوْلِدُهُ بَعْدَ وَفَاةِ آَدَمَ بِمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتَّ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً؛ فِيْمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيْرٍ وَغَيْرِهِ. وَعَلَىَ تَارِيْخِ أَهْلَ الْكِتَابِ الْمُتَقَدِّمِ يَكُوْنُ بَيْنَ مُوَلِّدُ نُوْحٍ وَمَوْتُ آَدَمَ مِائَةَ وَسِتَّ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ قُرُوْنٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُوْ حَاتِمٍ بِنُ حِبَّانَ فِيْ صَحِيْحِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِوٍ بْنِ يُوَسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُوْ تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ أَخِيْهِ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ سَمِعْتِ أَبَا سَلَامٍ، سُمِعَتْ أَبَا أُمَامَةَ يَقُوْلُ: أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ أَنَبْيٌّ كَانَ آَدَمُ؟ قَالَ: "نَعَمْ، مُكَلَّمِ". قُلْتُ فَكَمْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوْحٍ؟ قَالَ: "عَشَرَةُ قُرُوْنٍ".

وَهَذَا عَلَىَ شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ. وَفِيْ صَحِيْحِ الْبُخَارِيِّ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ آَدَمَ وَنُوْحٍ عَشَرَةُ قُرُوْنٍ كُلُّهُمْ عَلَىَ الْإِسْلَامِ.

فَإِنِ كَانَ الْمُرَادُ بِالْقَرْنِ مِائَةِ سَنَةٍ ـ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ الْنَّاسِ ـ فِّيْنْهُما أَلْفَ سَنَةٍ لَا مَحَالَةَ، لَكِنْ لَا يَنْفِيَ أَنْ يَكُوْنَ أَكْثَرَ بِاعْتِبَارِ مَا قُيِّدَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْإِسْلَامِ، إِذْ قَدْ يَكُوْنُ بَيْنَهُمَا قُرُوْنٍ آَخَرَ مُتَأَخِّرَةً لَمْ يَكُوْنُوْا عَلَىَ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ حَدِيْثٌ أُبَيّ أُمَامَةَ يَدُلُّ عَلَىَ الْحَصْرِ فِيْ عَشَرَةٍ قُرُوْنٍ، وَزَادَنَا ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوْا عَلَىَ الْإِسْلَامِ.

وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ التَّوَارِيْخِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: أَنَّ قَابِيْلِ وَبَنِيْهِ عَّبَدُوْا الْنَّارِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْقَرْنِ الْجِيلِ مِنَ الْنَّاسِ كَمَا فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَىْ: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُوْنِ مِنْ بَعْدِ نُوْحٍ } (سُوْرَةُ الْإِسْرَاءِ:17) وَقَوْلُهُ: { ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنا آُخَرِيْنَ } (سُوْرَةُ الْمُؤْمِنُوْنَ:31)

وَقَالَ تَعَالَىْ: { وَقُرُوْنا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيْرا } (سُوْرَةُ الْفُرْقَانِ: 38) وَقَالَ: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ قَرْنٍ } (سُوْرَةُ مَرْيَمَ:74) وَكَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ: "خَيْرٍ الْقُرُوْنِ قَرْنِيّ" ... الْحَدِيْثِ، فَقَدْ كَانَ الْجِيلُ قَبْلَ نُوْحٍ يُعَمِّرُونَ الْدُّهُورِ الْطَّوِيْلَةِ، فَعَلَىَّ هَذَا يَكُوْنُ بَيْنَ نُوْحٍ وَآَدَمُ أُلُوْفٍ مِنْ الْسِّنِيْنَ، وَالْلَّهُ أَعْلَمُ.

[سَبَبُ بَعَثَ سَيِّدَنَا نُوْحٍ]


وَبِالْجُمْلَةِ فَنُوَحِّ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ إِنَّمَا بَعَثَهُ الْلَّهُ تَعَالَىْ لَمَّا عَبَّدْتَّ الْأَصْنَامَ وَالْطَّوَاغِيْتُ، وَشَرَعَ الْنَاسْ فِيْ الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ، فَبَعَثَهُ الْلَّهُ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ؛ فَكَانَ أَوَّلَ رَسُوْلُ بَعَثَ إِلَيَّ أَهْلِ الْأَرْضِ، كَمَا يَقُوْلُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

[عُمْرَهُ يَوْمَ الْبَعْثِ]

وَاخْتَلَفُوَا فِيْ مِقْدَارِ سِنِّهِ يَوْمَ بُعِثَ، فَقِيْلَ كَانَ ابْنُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَقِيْلَ ابْنُ ثَلَاثِمِائَةِ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَقِيْلَ ابْنُ أَرْبَعُمِائَةِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. حَكَاهَا ابْنُ جَرِيْرٍ، وَعِزّا الثَّالِثَةَ مِنْهَا إِلَيَّ ابْنُ عَبَّاسٍ.

[قِصَّة سَيِّدِنَا نُوْحٍ]

مَضْمُونٌ مَا جَرَىْ لِسَيِّدِنَا نُوْحٍ مَعَ قَوْمِهِ مَأْخُوْذا مِنْ الْكِتَابِ وَالْسُّنَّةِ وَالْآثَارِ، فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ آَدَمَ وَنُوْحٍ عَشَرَةُ قُرُوْنٍ كُلُّهُمْ عَلَىَ الْإِسْلَامِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَذَكِّرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْنِ الْجِيْلِ أَوْ الْمُدَّةَ عَلَىَ مَا سَلَفَ.

ثُمَّ بَعْدَ تِلْكَ الْقُرُوْنُ الْصَّالِحَةُ حُدِّثْتَ أُمُوْرِ اقْتَضَتْ أَنْ آَلَ الْحَالُ بِأَهْلِ ذَلِكَ الْزَّمَانِ إِلَيَّ عُبَادَةَ الْأَصْنَامَ. وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ تَفْسِيْرِ

قَوْلُهُ تَعَالَىْ:
{ وَقَالُوْا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّا وَلَا سُوَاعا وَلَا يَغُوْثَ وَيَعُوْقَ وَنَسْرَا } (سُوْرَةُ نُوْحٍ:23)
قَالَ: هَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِيِنَ مِنْ قَوْمِ نُوْحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوْا أَوْحَىَ الْشَّيْطَانُ إِلَيَّ قَوْمَهُمْ أَنَّ انْصِبُوْا إِلَيَّ مَجَالِسِهِمْ الَّتِيْ كَانُوْا يَجْلِسُوْنَ فِيْهَا أَنْصَابِا وَسَمُّوْهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّىَ إِذَا هَلَكَ أُوْلَئِكَ وَانْتَسَخَ الْعِلْمِ عَبَّدْتَّ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَصَارَتْ هَذِهِ الْأَوْثَانُ الَّتِيْ كَانَتْ فِيْ قَوْمِ نُوْحٍ فِيْ الْعَرَبِ بَعْدُ وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةَ وَالْضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ وَمُحَمَّدُ بْنِ إِسْحَاقُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ فِيْ تَفْسِيْرِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْرَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوْسَىْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كَانُوْا قَوْما صَالِحِيِنَ بَيْنَ آَدَمَ وَنُوْحٍ، وَكَانَ لَهُمْ أَتْبَاعِ يَقْتَدُوْنَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَاتُوْا قَالَ أَصْحَابُهُمْ الَّذِيْنَ كَانُوْا يَقْتَدُوْنَ بِهِمْ: لَوْ صَوّرْنَاهُمْ كَانَ أَشْوَقَ لَنَا إِلَيَّ الْعِبَادَةَ إِذَا ذَكَرْنَاهُمْ، فَصَوَّرُوهُمْ، فَلَمَّا مَاتُوْا وَجَاءَ آَخَرُونَ دَبَّ إِلَيْهِمْ إِبْلِيْسُ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانُوْا يَعْبُدُوْهُمْ وَبِهِمْ يَسْقُطُوْنَ الْمَطَرْ، فَعَبَدُوهُمْ.

وَرَوَّىْ ابْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: وَدَّ وَيَغُوثَ وَيَعُوْقَ وَسُوَاعٌ وَنَسْرٌ أَوْلَادِ آَدَمَ، وَكَانَ "وَدَّ" أَكْبَرُهُمْ وَأَبَرِّهِمْ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا احْمَدُ بْنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوْسَىْ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبٌ عَنْ أَبِيْ الْمُطَهَّرُ، قَالَ: فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: ذُكِّرْتُمْ يَزِيْدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، أَمَا إِنَّهُ قَتَلَ فِيْ أَوَّلِ أَرْضٍ عُبِدَ فِيْهَا غَيْرِ الْلَّهِ تَعَالَىْ. قَالَ: ذِكْرِ وَدّا رَجُلا صَالِحَا، وَكَانَ مُحَبَّبَا فِيْ قَوْمِهِ، فَلَمَّا مَاتَ عَكَفُوا حَوْلَ قَبْرِهِ فِيْ أَرْضِ بَابِلَ وَجَزَعُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَىَ إِبْلِيْسُ جَزَعَهُمْ عَلَيْهِ تُشْبِهُ فِيْ صُوْرَةِ إِنْسَانِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّيَ أَرَىَ جَزَعَكُمْ عَلَىَ هَذَا الْرَّجُلِ، فَهَلْ لَكُمْ أَنْ أُصَوِّرُ لَكُمْ مِثْلَهُ فَيَكُوْنُ فِيْ نَادِيْكُمُ فَتَذَكِرُونَهُ بِهِ؟

قَالُوْا: نَعَمْ فَصُوَرُ لَهُمْ مِثْلَهُ، قَالَ: وَوَضَعُوهُ فَيُنَادِيْهِمْ وَجَعَلُو?ا يَذْكُرُوْنَهُ، فَلَمَّا رَأَىَ مَا بِهِمْ مِّنَ ذَكَرَهُ قَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَجْعَلَ فِيْ مَنْزِلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ تِمْثَالَا مِثْلِهِ لِيَكُوْنَ لَهُ فِيْ بَيْتِهِ فَتَذَكِرُونَهُ؟ قَالُوْا: نَعَمْ. قَالَ: فَمِثْلُ لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ تِمْثَالَا مِثْلِهِ، فَأَقْبَلُوَا فَجَعَلُوْا يَذْكُرُوْنَهُ بِهِ، قَالَ: وَأَدْرَكَ أَبْنَاؤُهُمْ فَجَعَلُوْا يَرَوْنَ مَا يَصْنَعُوْنَ بِهِ. قَالَ: وَتَنَاسَوْا وَدَرَسَ أَمَرَ ذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ حَتَّىَ اتَّخَذُوْهُ إِلَهَا يَعْبُدُوْنَهُ مِنْ دُوْنِ الْلَّهِ، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا عَبَدَ غَيْرَ الْلَّهِ "وَدَّ" الَّذِيْ سَمَّوْهُ وَدّا.

وَمُقْتَضَى هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ كُلّ صَنَمٌ مِنْ هَذِهِ عَبْدِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْنَّاسِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا تَطَاوَلَتْ الْعُهُودِ وَالْأَزْمَانِ، جَعَلُو?ا تِلْكَ الْصُّوَرَ تَمَاثِيْلَ مَجَسَّدَةً لِيَكُوْنَ أَثْبَتَ لَهَا، ثُمَّ عَبَّدْتَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ دُوْنِ الْلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَهُمْ فِيْ عِبَادَتِهَا مَسَالِكَ كَثِيْرَةُ جَدَّا قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيْ مَوَاضِعِهَا مِنْ كِتَابِنَا الْتَّفْسِيْرِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَالْمَقْصُوْدُ أَنَّ الْفَسَادَ لِمَا انْتَشَرَ فِيْ الْأَرْضِ وَعَمَّ الْبَلَاءِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فِيْهَا، بَعَثَ الْلَّهُ عَبْدَهُ وَرَسُوْلَهُ نَوْحَا عَلَيْهِ الْسَّلَامُ نَوْحَا عَلَيْهِ الْسَّلَامُ، يَدْعُوَ إِلَيَّ عُبَادَةَ الْلَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَيُنْهِيَ عَنْ عُبَادَةَ مَا سِوَاهُ.

فَكَانَ أَوَّلَ رَسُوْلُ بَعَثَهُ الْلَّهُ إِلَيَّ أَهْلِ الْأَرْضِ،
كَمَا ثَبَتَ فِيْ الْصَّحِيْحَيْنِ مِنْ حَدِيْثِ أَبِيْ حَيَّانَ عَنْ أَبِيْ زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِوٍ بْنِ جَرِيْرٍ، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ، عَنْ الْنَّبِيِّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْ حَدِيْثِ الْشَّفَاعَةِ، قَالَ: "فَيَّأْتُوْنَ آَدَمَ فَيَقُوْلُوْنَ: يَا آَدَمُ أَنْتَ أَبُوْ الْبَشَرِ، خَلَقَكَ الْلَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيْكَ مِنْ رُوْحِهِ، وَأْمُرْ الْمَلَائِكَةُ فَسَجَدُوا لَكَ وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَيَّ رَبِّكَ؟ أَلَا تَرَىَ مَا نَحْنُ فِيْهِ وَمَا بَلَغَنَا؟

فَيَقُوْلُ: رَبِّيَ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبَا شَدِيدا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَنَهَانِيْ عَنْ الْشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ، نَفْسِيْ نَفْسِيْ أَذْهَبُوْا إِلَيَّ غَيْرِيّ، أَذْهَبُوْا إِلَيَّ نُوْحٍ.

فَيَّأْتُوْنَ نُوْحا فَيَقُوْلُوْنَ: يَا نُوَحُ أَنْتَ أَوَّلُ الْرُّسُلِ إِلَيَّ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَسَمَّاكَ الْلَّهُ عَبْدِا شَكُوْرا، أَلَا تَرَىَ مَا نَحْنُ فِيْهِ؟ أَلَا تَرَىَ إِلَيَّ وَمَا بَلَغَنَا؟ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَيَّ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَيَقُوْلُ: رَبِّيَ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبَا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِيْ نَفْسِيْ"
وَذَكَرَ تَمَامِ الْحَدِيْثِ بِطُوْلِهِ، كَمَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِيْ قِصَّةِ نُوْحٍ.

فَلَمَّا بُعِثَ الْلَّهِ نَوْحَا عَلَيْهِ الْسَّلَامُ، دَعَاهُمْ إِلَيَّ إِفْرَادِ الْعِبَادَةِ لِّلّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَلَا يَعْبُدُوَا مَعَهُ صَنَمَا وَلَا تِمْثَالَا، وَلَا طَاغُوْتَا، وَأَنْ يَعْتَرِفُوْا بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَرَبُّ سِوَاهُ، كَمَا أَمَرَ الْلَّهُ تَعَالَىْ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ الْرُّسُلِ هُمْ كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ.

كَمَا قَالَ تَعَالَىْ:
{ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِيْنَ } (سُوْرَةُ الْصَّافَّاتِ: 77) وَقَالَ فِيْهِ وَفِيْ إِبْرَاهِيْمَ: { وَجَعَلْنَا في ذُرِّيَّتِهِمَا الْنُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } (سُوْرَةُ الْحَدِيْدِ:26) أَيُّ كُلِّ نَبِيٍّ مِنْ بَعْدِ نُوْحٍ فَمَنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيْمَ.

قَالَ الْلَّهُ تَعَالَىْ:
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِيْ كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُوْلا أَنِ اعْبُدُوْا الْلَّهَ وَاجْتَنِبُوْا الْطَّاغُوتَ } (سُوْرَةُ الْنَّحْلِ:36) وَقَالَ الْلَّهُ تَعَالَىْ: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُوْنِ الْرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ } (سُوْرَةُ الزُّخْرُفِ:45)

وَقَالَ تَعَالَىْ:
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُوْلٍ إِلَّا نُوُحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُوْنِ } (سُوْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ:25)
وَلِهَذَا قَالَ نُوْحٌ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ: { اعْبُدُوْا الْلَّهَ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيْمٍ } (سُوْرَةُ الْأَعْرَافِ:59)

وَقَالَ:
{ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّيَ لَكُمْ نَذِيْرٌ مُّبِيْنٌ * أَنَّ اعْبُدُوْا الْلَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيْعُوْنِ* يَغْفِرْ لَكُمْ مِّنَ ذُنُوْبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَيَّ أَجَلٍ مُسَمّىً، إِنَّ أَجَلَ الْلَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ، لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ * قَالَ رَبِّ إِنِّيَ دَعَوْتُ قَوْمِيَّ لَيْلَا وَنَهَارَا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارَا * وَإِنِّيَ كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُو?ا أَصِعَابَهُمْ فِيْ آَذَانِهِمْ واسَغْشَوا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوَا اسْتِكْبَارَا * ثُمَّ إِنِّيَ دَعَوْتُهُمْ جِهَارَا * ثُمَّ إِنِّيَ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارَا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوْا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا * يُرْسِلِ الْسَّمَاءَ عَلَيْهِ مِدْرَارَا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِيْنَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارِا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُوَنَّ لِلَّهِ وَقَارا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارَا } (سُوْرَةُ نُوْحٍ:2ـ14)

فَذَكَرَ أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَيَّ الْلَّهِ بِأَنْوَاعِ الْدَّعْوَةِ فِيْ الْلَّيْلِ وَالْنَّهَارِ وَالسِّرُّ وَالْإِجْهَارُ، بِالْتَّرْغِيْبِ تَارَةً وَبِالتَّرَهَيبُ أُخْرَىَ، وَكُلْ هَذَا لَمْ يَنْجَحِ فِيْهِمْ، بَلْ اسْتَمَرَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَىَ الْضَّلالَةِ وَالطُّغْيَانِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ، وَنَصَبُوَا لَهُ الْعَدَاوَةَ فِيْ كُلِّ وَقْتٍ وَأَوَانٍ، وَتَنَقَّصُوهُ وَتَنقُصَوا مِنَ آَمَنَ بِهِ وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْرَّجْمِ وَالْإِخْرَاجِ، وَنَالُوْا مِنْهُمْ، وَبَالَغُوْا فِيْ أَمْرِهِمْ.

(قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) أَيُّ: الْسَّادَةِ الْكُبَرَاءُ مِنْهُمْ:
{ إِنَّا لَنَرَاكَ فِيْ ضَلَالٍ مُّبِيْنٍ } (سُوْرَةُ الْأَعْرَافِ:60) { قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِيَ ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّيْ رَسُوْلٌ مِّنَ رَّبِّ الْعَالَمِيْنَ } (سُوْرَةُ الْأَعْرَافِ:61)
أَيُّ: لَسْتُ كَمَا تَزْعُمُوْنَ مِنْ أَنِّيْ ضَالٌّ، بَلْ عَلَىَ الْهُدَىَ الْمُسْتَقِيْمِ رَسُوْلَ مِنْ رَّبٍّ الْعَالَمِيْنَ، أَيُّ: الَّذِيْ يَقُوْلُ لِلْشَّيْءِ كُنْ فَيَكُوْنُ:
{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّيَ وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ الْلَّهِ مَا لَا تَعْلَمُوْنَ } (سُوْرَةُ الْأَعْرَافِ:63)
وَهَذَا شَأْنٍ الْرَّسُوْلُ أَنْ يَكُوْنَ بَلِيْغَا، أَيُّ: فَصِيْحا نَاصِحَا، أَعْلَمُ الْنَّاسِ بِالْلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالُوْا لَهُ فِيْمَا قَالُوْا: { مَا نَرَاكَ إِلَا بَشَرَا مِّثْلَنَا، وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَا الَّذِيْنَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الْرَّأْيِ، وَمَا نَرَىْ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:27)

وَتَعَجَّبُوْا أَنْ يَكُوْنَ بُشْرَا رَسُوْلِا، وَتَنقُصَوا مِنْ اتَّبَعَهُ وَرَأَوْهُمْ أَرَاذِلُهُمْ. وَقَدْ قِيَلَ: إِنَّهُمْ مِنْ أَفْنَادٌ الْنَّاسِ وَهُمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، كَمَا قَالَ هِرَقْلُ: وَهُمْ اتِّبَاعَ الْرُّسُلِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُمْ مِنْ اتْبَاعِ الْحَقِّ. وَقَوْلِهِمْ: (بَادِيَ الْرَّأْيِ) أَيُّ: بِمُجَرَّدِ مَا دَعَوْتُهُمْ اسْتَجَابُوْا لَكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا رَوِيَّةَ. وَهَذَا الَّذِيْ رَمَوْهُمْ بِهِ هُوَ عَيْنُ مَا يَمْدَحُونَ بِسَبَبِهِ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمْ، فَإِنَّ الْحَقَّ الْظَّاهِرُ لَا يَحْتَاجُ إِلَيَّ رَوِيَّةٍ وَلَا فَكَرْ وَلَا نَظَرَ، بَلْ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَالانْقِيَادُ لَهُ مَتَىَ ظَهَرَ.

وَلِهَذَا قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادِحَا لِلْصِّدِّيْقِ: "مَا دَعَوْتُ أَحَدا إِلَيَّ الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ لَهُ كَبْوَةٌ غَيْرَ أَبِيْ بَكْرٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَمْ"، وَلِهَذَا كَانَتْ بَيْعَتُهُ يَوْمَ الْسَّقِيْفَةِ أَيْضا سَرِيْعَةُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا رَوِيَّةَ، لِأَنَّ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَىَ مَنْ عَدَاهُ ظَاهِرَةً جَلَّيَّةٌ عِنْدَ الْصَّحَابَةِ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ الَّذِيْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَ فِيْهِ عَلَىَ خِلَافَتِهِ فَتَرَكَهُ، قَالَ: "يَأْبَىْ الْلَّهُ وَالْمُؤْمِنُوْنَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ" رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ

وَقَوْلُ كَفَرَةَ قُوَّةً نُوْحٍ لَهُ وَلِمَنْ آَمَنَ بِهِ:
{ وَمَا نَرَىْ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:27)
أَيُّ: لَمْ يَظْهَرْ لَكُمْ أَمْرٌ بَعْدَ اتَصَافِكُمْ بِالْإِيْمَانِ وَلَا مَزِيَّةَ عَلَيْنَا:
{ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنَّ كُنْتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّنَ رَّبِّيَ وَآَتَانِيَ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوْهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُوْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:27ـ28)
وَهَذَا تَلَطَّفْ فِيْ الْخِطَابِ مَعَهُمْ، وَتَرْفُقُ بِهِمْ فِيْ الْدَّعْوَةِ إِلَيَّ الْحَقِّ.

كَمَا قَالَ تَعَالَىْ: { فَقُوَلا لَهُ قَوْلَا لَيِّنَا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىُ } (سُوْرَةُ طَهَ:44) وَقَالَ تَعَالَىْ: { ادْعُ إِلَيَّ سَبِيِلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (سُوْرَةُ الْنَّحْلِ:125)

يَقُوْلُ لَهُمْ: { أَرَأَيْتُمْ إِنَّ كُنْتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّنَ رَّبِّيَ وَأَتَانِيَ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِهِ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:2)
أَيُّ: الْنُّبُوَّةِ وَالْرِّسَالَةِ: (فَعَمَّتْ عَلَيْكُمْ) أَيُّ: فَلَمْ تَفْهُمُوْهَا وَلَمْ تَهْتَدُوْا إِلَيْهَا، (أَنُلْزِمُكُمُوْهَا) أَيُّ أُنَغْصِبِكُمْ بِهَا وَنُجْبِرَكُمْ عَلَيْهَا؟ (وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُوْنَ) أَيُّ: لَيْسَ لِيَ فِيْكُمُ حِيْلَةً وَالْحَالَةُ هَذِهِ.

{ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالْا إِنْ أَجْرِيَ إِلَا عَلَىَ الْلَّهِ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:29)
أَيُّ: لَسْتُ أُرِيْدُ مِنْكُمْ أُجْرَةِ عَلَىَ إِبَلَاغِيّ إِيَّاكُمْ مَا يَنْفَعُكُمْ فِيْ دُنْيَاكُمْ وَأُخْرَاكُمْ، إِنَّ أَطْلُبُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ الْلَّهُ ثَوَابَهُ خَيْرٌ لِيَ، وَأَبْقَىَ مِمَّا تُعْطُوْنَنِيْ أَنْتُمْ.

وَقَوْلُهُ: { وَمَا أَنْا بِطَارِدِ الَّذِيْنَ أَمَنُوْا، إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيْ أَرَاكُمْ قَوْمِا يَجْهَلُوْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:29) كَأَنَّهُمْ طَلَبُوْا مِنْهُ أَنْ يُبْعِدُ هَؤُلَاءِ عَنْهُ، وَوَعَدُوهُ أَنْ يَجْتَمِعُوَا بِهِ إِذَا هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ، فَأَبَىَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَقَالَ: (إِنَّهُمْ مُّلاقُوْ رَبِّهِمْ) أَيُّ: فَأَخَافُ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَنْ يَشْكُوْنِيْ إِلَيَّ الْلَّهِ عَزّ وَجَلّ، وَلِهَذَا قَالَ: { وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنُصُرُنِيْ مِنَ الْلَّهِ إِنَّ طَرَدْتُّهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُوْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:30)

وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ كُفَّارٌ قُرَيْشٌ رَسُوْلَ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُدَ عَنْهُ ضُعَفَاءُ الْمُؤْمِنِيْنَ، كَعَمَّارِ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ وَخَبَّابٍ وَأَشْبَاهِهِمْ، نَهَاهُ الْلَّهُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيْ سَوْرَتِي الْأَنْعَامِ وَالْكَهْفُ.

{ وَلَا أَقُوْلُ لَكُمْ عِنْدِيْ خَزَائِنُ الْلَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُوْلُ إِنِّيَ مَلَكٌ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:31)
أَيُّ:بَلْ أَنَا عَبْدُ رَسُوْلِ، وَلَا أَعْلَمُ مِنْ عِلْمٍ الْلَّهُ إِلَّا مَا أَعْلَمَنِي بِهِ، وَلَا أَقْدِرُ إِلَا عَلَىَ مَا أَقْدِرْنِي عَلَيْهِ، وَلَا أَمْلِكُ لِنَفْسِيْ نَفْعا وَلَا ضَرّا إِلَا مَا شَاءَ الْلَّهُ، (وَلَا أَقُوْلُ لِلَّذِيْنَ تَزْدَرِيَ أَعْيُنُكُمْ) يَعْنِيْ: مِنْ أَتْبَاعِهِ
{ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ الْلَّهُ خَيْرَا، الْلَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيْ أَنْفُسِهِمْ إِنِّيَ إِذَا لَّمِنَ الْظَّالِمِيْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:31)
أَيُّ: لَا أُشْهِدُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا خَيْرَ لَهُمْ عِنْدَ الْلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْلَّهُ أَعْلَمُ بِهِمْ وَسَيُجَازِيْهِمْ عَلَىَ مَا فِيْ نُفُوْسِهِمْ إِنَّ خَيَّرَا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرَّا فَشَرٌّ، كَمَا قَالُوْا فِيْ الْمَوْضِعِ الْآَخَرِ:
{ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُوْنَ * قَالَ وَمَا عِلْمِيّ بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ* إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَا عَلَىَ رَبِّيَ لَوْ تَشْعُرُوْنَ * وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِيْنَ * إِنَّ أَنَا إِلَّا نَذِيْرٌ مُّبِيْنٌ } (سُوْرَةُ الْشُّعَرَاءِ:111ـ115)
وَقَدْ تَطَاوَلَ الْزَّمَانُ وَالْمُجَادَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ

كَمَا قَالَ تَعَالَىْ:
{ فَلَبِثَ فِيْهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِيْنَ عَاما فَأَخَذَهُمُ الْطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُوْنَ } (سُوْرَةُ الْعَنْكَبُوْتِ:14)
أَيُّ: وَمَعَ هَذِهِ الْمُدَّةُ الْطَّوِيْلَةُ فَمَا آَمَنَ بِهِ إِلَا الْقَلِيلُ مِنْهُمْ.

وَكَانَ كُلَّمَا انْقَرَضَ جَبَلٍ وُصُّوا مِنْ بَعْدِهِمْ بِعَدَمِ الْإِيْمَانِ بِهِ وَمُحَارَبَتُهُ وَمُخَالَفَتِهِ. وَكَانَ الْوَالِدِ إِذَا بَلَغَ وَلَدُهُ وَعَقَلَ عَنْهُ كَلَامَهُ، وَصَّاهُ فِيْمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، إِلَا يُؤْمِنُ بِنُوْحٍ أَبِدَا مَا عَاشَ وَدَائِمَا مَا بَقِىَ. وَكَانَتْ سَجَايَاهُمْ تَأْبَىْ الْإِيْمَانِ وَاتِّبَاعُ الْحَقِّ، وَلِهَذَا قَالَ: { وَلَا يَلِدُوَا إِلَّا فَاجِرَا كَفَّارَا } (سُوْرَةُ نُوْحٍ:27)

وَلِهَذَا: { قَالُوَا يَا نُوَحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِنَّ كُنْتَ مِنَ الْصَّادِقِيْنَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيَكُمُ بِهِ الْلَّهُ إِنَّ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِيْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:32ـ33)

أَيُّ: إِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَيَ ذَلِكَ الْلَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ الَّذِيْ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٍ وَلَا يَكْتَرِثُهُ أَمَرَ، بَلْ هُوَ الَّذِيْ يَقُوْلُ لِلْشَّيْءِ كُنْ فَيَكُوْنُ، { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِيَ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنَّ كَانَ الْلَّهُ يُرِيْدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ، هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:34)

أَيُّ: مِنَ يُرِيْدُ الْلَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ يَمْلِكَ أَحَدٌ هِدَايَتِهِ، هُوَ الَّذِيْ يَهْدِيَ مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيْدُ، وَهُوَ الْعَزِيْزُ الْحَكِيْمُ، الْعَلِيْمُ بِمَنْ يَسْتَحِقّ الْهِدَايَةِ مِمَّنْ يَسْتَحِقّ الْغِوَايَةِ وَلَهُ الْحِكْمَةَ الْبَالِغَةٌ وَالْحُجَّةِ الْدَّامِغَةِ.

{ وَأَوْحَىَ إِلَيَّ نُوْحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ قَوْمِكَ إِلَا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوْا يَفْعَلُوْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:36) وَهَذِهِ تَعْزِيَةٍ لِنُوْحٍ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ فِيْ قَوْمِهِ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْهُمْ إِلَا مَنْ قَدْ آَمَنَ، وَتَسْلِيَةٍ لَهُ عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ: (فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوْا يَفْعَلُوْنَ) أَيُّ: لَا يَسُوْءُ لَكَ مَا جَرَىْ فَإِنَّ الْنَّصْرَ قَرِيْبٌ وَالْنَّبِأِ عَجِيْبٌ عَجِيْبٌ.

{ وَأْصَنَعُ الْفُلْكِ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِيْ فِيْ الَّذِيْنَ ظَلَمُوَا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُوْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:37)
وَذَلِكَ أَنَّ نَوْحَا عَلَيْهِ الْسَّلَامُ لَمَّا يَئِسَ مِنْ صَلَاحِهِمْ وَفَلَاحُهُمْ، وَرَأَى أَنَّهُمْ لَا خَيَرَ فِيْهِمْ، وَتَوَصَّلُوا إِلَيَّ أَذِيَّتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ وَتَكْذِيْبِهِ بِكُلِّ طَرِيْقٍ، مِنْ فَعَالٍ وَمَقَالْ، دَعَا عَلَيْهِمْ دَعْوَةَ غَضِبَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ، فَلَبَّى الْلَّهُ دَعْوَتَهُ، وَأَجَابَ طَلَبْتُهُ.

قَالَ تَعَالَىْ: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوْحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيْبُوْنَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيْمِ } (سُوْرَةُ الْصَّافَّاتِ:75ـ76) وَقَالَ تَعَالَىْ: { وَنَوْحِا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيْمِ } (سُوْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ:76) وَقَالَ تَعَالَىْ: { قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِيَّ كَذَّبُوْنِ * فَافْتَحْ بَيْنِيْ وَبَيْنَهُمْ فَتْحا وَنَجِّنِيْ وَمَنْ مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ } (سُوْرَةُ الْشُّعَرَاءِ:117ـ118)

وَقَالَ تَعَالَىْ: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّيْ مَغْلُوْبٌ فَانْتَصِرْ } (سُوْرَةُ الْقَمَرِ:10) وَقَالَ تَعَالَىْ: { قُلْ رَّبِّ انْصُرْنِيْ بِمَا كَذَّبُوْنِ } (سُوْرَةُ الْمُؤْمِنُوْنَ:26) وَقَالَ تَعَالَىْ: { مِمَّا خَطِيْئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارا فَلَمْ يَجِدُوْا لَهُمْ مِنْ دُوْنِ الْلَّهِ أَنْصَارا * وَقَالَ نُوْحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَىَ الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِيْنَ دَيَّارُا * إِنَّكَ إِنِ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوْا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوَا إِلَّا فَاجِرَا كَفَّارَا } (سُوْرَةُ نُوْحٍ:25ـ27) فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ خَطَايَاهُمْ مِنْ كُفْرِهِمْ وَفُجُوْرِهِمْ وَدَعْوَةُ نَبِيُّهُمْ عَلَيْهِمْ.

فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمْرُهُ الَلّهَ تَعَالَىْ أَنْ يَصْنَعَ الْفُلْكَ، وَهِيَ السَّفِيْنَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِيْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَظِيْرٌ قَبْلَهَا وَلَا يَكُوْنُ بَعْدَهَا مِثْلُهَا. وَقُدِّمَ الَلّهَ تَعَالَىْ إِلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ أَمْرُهُ وَحْلِ بِهِمْ بَأْسَهُ الَّذِيْ لَا يَرُدّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِيْنَ، أَنَّهُ لَا يُعَاوِدُهُ فِيْهِمْ وَلَا يُرَاجِعْهُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ قَدْ تَدَرَكَهُ رِقَّةٌ عَلَىَ قَوْمِهِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ الْنَّازِلِ بِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَالْمُعَايَنَةِ.

وَلِهَذَا قَالَ: { وَلَا تُخَاطِبِّيٌّ فِيْ الَّذِيْنَ ظَلَمُوَا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُوْنَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّنَ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:37ـ38)
أَيُّ: يَسْتَهْزِئُوْنَ بِهِ اسْتِبِعَادّا لِوُقُوْعِ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ، { قَالَ إِنَّ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُوْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:38)
أَيُّ: نَحْنُ الَّذِينَ نَسْخَرُ مِنْكُمْ، وَنَتَعَجَّبُ مِنْكُمْ فِيْ اسْتِمْرَارِكُمْ عَلَىَ كُفْرِكُمْ وَعِنَادَكُمْ؛ الَّذِيْ يَقْتَضِيَ وُقُوْعَ الْعَذَابِ بِكُمْ وَحُلُوْلِهِ عَلَيْكُمْ،

{ فَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَ مَنْ يَأْتِيَهِ عَذَابٌ يُخْزِيِهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيْمٌ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:39)
وَقَدْ كَانَتْ سَجَايَاهُمْ الْكُفْرِ الْغَلِيظُ وَالْعِنَادِ الْبَالِغِ فِيْ الْدُّنْيَا، وَهَكَذَا فِيْ الْآَخِرَةِ فَإِنَّهُمْ يَجْحَدُوْنَ أَيْضا أَنَّ يَكُوْنُ جَاءَهُمْ مِّنَ رَسُوْلُ.

كَمَا قَالَ الْبُخَارِيّ: حَدَّثَنَا مُوْسَىْ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِيْ صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْ سَعِيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَجِئْ نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُوْلُ الْلَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ بَلَّغْتُ؟ فَيَقُوْلُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ. فَيَقُوْلُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُوْلُوْنَ: لَا، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ. فَيَقُوْلُ لِنُوْحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُوْلُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ"

وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَىْ: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَا لِتَكُوْنُوْا شُهَدَاءَ عَلَىَ الْنَّاسِ وَيَكُوْنَ الْرَّسُوْلُ عَلَيْكُمْ شَهِيْدا } (سُوْرَةُ الْبَقَرَةِ:143)
وَالْوَسَطِ: الْعَدْلِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ. فَهَذِهِ الْأُمَّةُ تُشْهِدَ عَلَىَ شَهَادَةِ نَبِيِّهَا الْصَّادِقُ الْمَصْدُوْقُ، بِأَنَّ الْلَّهَ قَدْ بَعَثَ نُوْحا بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَأَمْرُهُ بِهِ، وَأَنَّهُ بَلَغَهُ إِلَيَّ أُمَّتَهُ عَلَىَ أَكْمَلِ الْوُجُوْهِ وَأَتَمِّهَا، وَلَمْ يَدَعْ شَيْئا مِمَّا يَنْفَعُهُمْ فِيْ دَيْنِهِمْ إِلَا وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِهِ، وَلَا شَيْئا مِمَّا يَضُرُّهُمْ إِلَا وَقَدْ نَهَاهُمُ عَنْهُ وَحَذَّرَهُمْ مِنْهُ.

وَهَكَذَا شَأْنُ جَمِيْعِ الْرُّسُلِ، حَتَّىَ إِنَّهُ حَذَرَ قَوْمِهِ الْمَسِيْحِ الْدَّجَّالِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَقَّعُ خُرُوْجِهِ فِيْ زَمَانِهِ، حَذِرَا عَلَيْهِمْ وَشَفَقَةً وَرَحْمَةً بِهِمْ مِنْهُ.

كَمَا قَالَ الْبُخَارِيّ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْلَّهِ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنْ الْزُّهْرِيِّ، قَالَ سَالِمٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَامَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْ الْنَّاسِ فَأَثْنَى عَلَىَ الْلَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: "إِنِّيَ لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوْحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّيْ أَقُوْلُ لَكُمْ فِيْهِ قَوْلَا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ الْلَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ"

وَهَذَا الْحَدِيْثُ فِيْ الْصَّحِيْحَيْنِ أَيْضا مِنْ حَدِيْثِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الْرَّحْمَنِ، عَنْ يَحْيَىَ ابْنِ أَبِيْ كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ، عَنْ الْنَّبِيِّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ الْدَّجَّالِ حَدَيْثَا مَا حَدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ قَوْمَهُ؟ إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِئُ مَعَهُ بِمِثَالِ الْجَنَّةِ وَالْنَّارِ، فَالَّتِي يَقُوْلُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ الْنَّارُ، وَإِنِّيَ أُنْذِرُكُمْ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوْحٌ قَوْمَهُ"

لَفْظِ الْبُخَارِيّ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لِمَا اسْتَجَابَ الْلَّهُ لَهُ؛ أَمْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرَا لَيَعْمَلُ مِنْهُ السَّفِيْنَةِ فَغَرَسَهُ وَانْتَظِرْهُ مِائَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ نَجُرَّهُ فِيْ مَائِهِ أُخْرَىَ، وَقِيْلَ فِيْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْثَّوْرِيِّ: وَكَانَتْ مِنْ خَشَبِ الْسَّاجِ، وَقِيْلَ مَنْ الْصَّنَوْبَرِ؛ وَهُوَ نَصٌّ الْتَّوْرَاةِ. قَالَ الْثَّوْرِيُّ: وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ طُوِّلُهَا ثَمَانِيَنَّ ذِرَاعا وَعَرْضُهَا خَمْسِيْنَ ذِرَاعا، وَأَنْ يَطْلِيَ ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا بِالْقَارِ، وَأَنَّ يَجْعَلْ لَهَا جُؤْجُؤُا أَزُوْرُ يَشُقُّ الْمَاءِ.

وَقَالَ قَتَادَةَ: كَانَ طُوِّلُهَا ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ فِيْ عِرْضِ خَمْسِيْنَ ذِرَاعا. وَهَذَا الَّذِيْ فِيْ الْتَّوْرَاةِ عَلَىَ مَا رَأَيْتُهُ. قَالَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ: سِتّمِائَةِ فِيْ عِرْضِ ثَلَاثِمِائَةِ. وَعَنْ ابْنٍ عَبَّاسٍ: أَلْفَ ذِرَاعٍ فِيْ عِرْضِ سِتَّمِائَةِ ذِرَاعٍ.

قَالُوْا كُلُّهُمْ: وَكَانَ ارْتِفَاعُهَا ثَلَاثِيْنَ ذِرَاعا، وَكَانَتْ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ؛ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَشَرَةٌ أَذْرُعٍ، فَالسُّفْليّ لِلْدَّوَابِّ وَالْوُحُوْشِ، وَالْوُسْطَىَ لِلْنَّاسِ، وَالْعُلْيَا لِلْطُّيُوْرِ، وَكَانَ بَابُهَا فِيْ عِرْضِهَا وَلَهَا غِطَاءً مِنْ فَوْقِهَا مُطْبِقٌ عَلَيْهَا.

قَالَ الْلَّهُ تَعَالَىْ: { قَالَ رَبِّ انْصُرْنِيْ بِمَا كَذَّبُوْنِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ أَصَنَعُ الْفُلْكِ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } (سُوْرَةُ الْمُؤْمِنُوْنَ:26ـ27)
أَيُّ: بِأَمْرِنَا لَكِ، وَبِمَرْأَى مِنَّا لِصَنْعَتِكَ لَهَا، وَمُشَاهَدتَّنا لِذَلِكَ، لنُرُشُدِكِ إِلَيَّ الْصَّوَابُ فِيْ صَنْعَتِهَا.

{ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ الْتَّنُّوْرُ فَاسْلُكْ فِيْهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، وَلَا تُخَاطِبْنِيْ فِيْ الَّذِيْنَ ظَلَمُوَا، إِنَّهُمْ مُغْرَقُوْنَ } (سُوْرَةُ الْمُؤْمِنُوْنَ:27)
فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِأَمْرِهِ الْعَظِيْمُ الْعَالِيَ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ أَمْرُهُ وَحَلَّ بَأْسُهُ، أَنْ يَحْمِلَ فِيْ هَذِهِ السَّفِيْنَةَ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ الْحَيَوَانَاتُ، وَسَائِرِ مَا فِيْهِ رُوْحٌ مِنْ الْمَأْكُوْلَاتِ وَغَيْرِهَا لِبَقَاءِ نَسْلِهَا، وَأَنَّ يَحْمِلُ مَعَهُ أَهْلُهُ، أَيُّ: أَهْلِ بَيْتِهِ، إِلَا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُ، أَيُّ: إِلَا مَنْ كَانَ كَافِرَا فَإِنَّهُ قَدْ نَفَذَتْ فِيْهِ الْدَّعْوَةُ الَّتِيْ لَا تُرَدُّ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ حُلُوْلَ الْبَأْسِ الَّذِيْ لَا يُرَدُّ، وَأَمْرُهُ أَنَّهُ لَا يُرَاجِعْهُ فِيْهِمْ إِذَا حَلَّ بِهِمْ مَّا يُعَانِيْهِ مِنَ الْعَذَابِ الْعَظِيْمُ؛ الَّذِيْ قَدْ حَتَمَهُ عَلَيْهِمْ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيْدُ؛ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ قَبْلَ.

وَالْمُرَادُ بِالتَّنُّورِ عِنْدَ الْجُمْهُوْرِ وَجْهِ الْأَرْضِ، أَيُّ نَبَعَتْ الْأَرْضِ مِنْ سَائِرِ أَرْجَائِهَا حَتَّىَ نَبَعَتْ الْتَّنَانِيْرِ الَّتِيْ هِيَ مَحَالٌّ الْنَّارِ، وَعَنْ ابْنٍ عَبَّاسٍ: الْتَّنُّوْرُ عُيِّنَ فِيْ الْهِنْدِ، وَعَنْ الْشَّعْبِيِّ: بِالْكُوْفَةِ، وَعَنْ قَتَادَةَ: بَالْجِيزَةً.

وَقَالَ عَلِيّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ: الْمُرَادُ بِالتَّنُّورِ فَلَقِ الْصُّبْحِ. وَتُنَوِّرَ الْفَجْرِ؛ أَيُّ إِشْرَاقَهَ وَضِيَاؤُهُ. أَيُّ: عِنْدَ ذَلِكَ فَاحْمِلْ فِيْهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ غَرِيْبٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَىْ: { حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ الْتَّنُّوْرُ قُلْنَا احْمِلْ فِيْهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ، وَمَا آَمَنَ إِلَا قَلِيْلٌ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:40) هَذَا أَمْرٌ بِأَنَّهُ عِنْدَ حُلُوْلِ النِّقْمَةِ بِهِمْ أَنْ يَحْمِلَ فِيْهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ.

وَفِيْ كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ: أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ سَبْعَةَ أَزْوَاجِ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ زَوْجَيْنِ: ذِكْرِ وَأُنْثَىَ. وَهَذَا مُغَايِرَ لِمَفْهُوْمِ قَوْلُهُ تَعَالَىْ فِيْ كِتَابِنَا الْحَقِّ: (اثْنَيْنِ) إِنَّ جَعَلْنَا ذَلِكَ مَّفْعُوْلا بِهِ، وَأَمَّا إِنَّ جَعَلْنَاهُ تَوْكِيدا لِزَوْجَيْنِ وَالْمَفْعُوْلَ بِهِ مَحْذُوْفٍ فَلَا يُنَافِيْ. وَالْلَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِيْ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْلَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِيْ الْلَّيْثُ، حَدَّثَنِيْ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، أَنَّ رَسُوْلَ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا حُمِلَ نُوْحٍ فِيْ السَّفِيْنَةِ مِنَ كُلَّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، قَالَ أَصْحَابُهُ: وَكَيْفَ نُطَمْئِنُ؟ أَوْ كَيْفَ تَطْمَئِنُّ الْمَوَاشِيَ وَمَعَنَا الْأَسَدُ؟ فَسَلَّطَ الْلَّهُ عَلَيْهِ الْحُمَّىْ، فَكَانَتْ أَوَّلُ حُمَّىْ نَزَلَتْ فِيْ الْأَرْضِ. ثُمَّ شَكَوْا الْفَأْرَةُ، فَقَالُوَا: الْفُوَيْسِقَةَ تُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامُنَا وَمَتَاعُنَا؛ فَأَوْحَىَ الْلَّهُ إِلَيَّ الْأَسَدُ فَعَطَسَ، فَخَرَجَتْ الْهِرَّةِ مِنْهُ فَتَخَبَّأَتْ الْفَأْرَةُ مِنْهَا"

وَقَوْلُهُ:
{ وَأَهْلَكَ إِلَا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:40)
أَيُّ: مِنْ اسْتُجِيْبَ فِيْهِمْ الْدَّعْوَةِ الْنَّافِذَةِ مِمَّنْ كَفَرَ، فَكَانَ مِنْهُمْ ابْنِهِ "يَامُ" الَّذِيْ غَرِقَ كَمَا سَيَأْتِيَ بَيَانُهُ. { وَمَنْ آَمَنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:40)
أَيُّ: وَاحْمِلْ فِيْهَا مَنْ آَمَنَ بِكَ مَنْ أُمَّتِكَ، قَالَ الْلَّهُ تَعَالَىْ: { وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَا قَلِيْلٌ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:40) هَذَا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَالْمُقَامَ بَيْنَ أَظْهَرَهُمْ، وَدَعَوْتُهُمْ الْأَكِيْدَةِ لَيْلَا وَنَهَارَا بِضُرُوبِ الْمَقَالِ، وَفُنُوْنِ التَلَطَفَاتِ، وَالْتَّهْدِيْدِ وَالْوَعِيدِ تَارَةً، وَالْتَّرْغِيْبِ وَالْوَعِيْدِ أُخْرَىَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيْ عِدَّةِ مِنَ كَانَ مَعَهُ فِيْ السَّفِيْنَةِ.

فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوْا ثَمَانِيَنَّ نَفْسَا مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ. وَعَنْ كَعْبٍ الْأَحْبَارُ: كَانُوْا اثْنَيْنِ وَسَبْعِيْنَ نَفْسَا. وَقِيْلَ: كَانُوْا عَشْرَةَ. وَقِيْلَ: إِنَّمَا كَانُوْا نُوْحا وَبَيْنَهُ الْثَّلاثَةِ وَكَنَائِنِهِ الْأَرْبَعَ بِامْرَأَةٍ "يَامُ" الَّذِيْ انْخَزَلَ وَانْعَزَلَ وَسَلَكَ عَ طَرِيْقِ الْنَّجَاةِ فَمَا عَدَلْ إِذْ عَدَلَ. وَهَذَا الْقُوْلِ فِيْهِ مُخَالَفَةُ لِظَاهِرِ الْآَيَةِ. بَلْ هِيَ نَصٌّ فِيْ أَنَّهُ قَدْ رَكِبَ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ طَائِفَةٌ مِمَّنْ آَمَنَ بِهِ، كَمَا قَالَ:

{ وَنَجِّنِيْ وَمَنْ مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ } (سُوْرَةُ الْشُّعَرَاءِ:118)
وَقِيْلَ: كَانُوْا سَبْعَةَ. وَأَمَّا امْرَأَةً نُوْحٍ وَهِيَ أُمُّ أَوْلَادُهُ كُلُّهُمْ: وَهِيَ حَامٍ، وِسَامُ، وَيَافَثُ، وَيّامٍ وَيُسَمِّيَهُ أَهْلَ الْكِتَابِ كَنْعَانَ وَهُوَ الَّذِيْ قَدْ غَرِقَ، وَ"عَابِرُ" فَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ الطُّوْفَانِ، وَقِيْلَ إِنَّهَا غَرِقَتْ مَعَ مَنْ غَرِقَ، وَكَانَتْ مِمَّنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ لِكَفِرَهَا.

وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهَا كَانَتْ فِيْ السَّفِيْنَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَفَّرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّهَا أَنَظَرْتَ إِلَيَّ يَوْمٍ الْقِيَامَةِ، وَالْظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِقَوْلِهِ: { لَا تَذَرْ عَلَىَ الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِيْنَ دَيَّارُا } (سُوْرَةُ نُوْحٍ:26) قَالَ الْلَّهُ تَعَالَىْ: { فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَّعَكَ عَلَىَ الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِيْ نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الْظَّالِمِيْنَ* وَقُلْ رَّبِّ أَنْزِلْنِيْ مُنْزَلا مُّبَارَكا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِيْنَ } (سُوْرَةُ الْمُؤْمِنُوْنَ:28ـ29)

أَمْرِهِ أَنْ يَحْمَدُ رَبَّهُ عَلَىَ مَا سَخَّرَ لَهُ مِنْ هَذِهِ السَّفِيْنَةَ، فَنَجَّاهُ بِهَا وَفَتْحٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ، وَأَقَرَّ عَيْنَهُ، مِمَّنْ خَالَفَهُ وَكَذَّبَهُ:

كَمَا قَالَ تَعَالَىْ: { وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُوْنَ* لِتَسْتَوُوا عَلَىَ ظُهُوْرِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوْا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُوْلُوْا سُبْحَانَ الَّذِيْ سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِيْنَ * وَإِنَّا رَبَّنَا لَمُنْقَلِبُوْنَ } (سُوْرَةُ الزُّخْرُفِ: 12ـ14)

وَهَكَذَا يُؤْمَرُ بِالْدُّعَاءِ فِيْ ابْتِدَاءً الْأُمُورِ؛ أَنْ يَكُوْنَ عَلَىَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَأَنْ يَكُوْنَ عَاقِبَتَهَا مَحْمُوْدَةً.
كَمَا قَالَ تَعَالَىْ لِرَسُوْلِهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ هَاجَرَ: { وَقُلْ رَّبِّ أَدْخِلْنِيْ مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِيْ مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِّيَ مِنْ لَّدُنْكَ سُلْطَانْا نَّصِيْرا } (سُوْرَةُ الْإِسْرَاءِ:80)

وَقَدْ امْتَثَلَ نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَقَالَ:
{ ارُكْبوا فِيْهَا بِسْمِ الْلَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّيَ لَغَفُوْرٌ رَّحِيْمٌ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:41)
أَيُّ: عَلَىَ اسْمِ الْلَّهِ ابْتَدَاءً سَيْرِهَا وَانْتِهَاؤُهَا (إِنَّ رَبِّيَ لَغَفُوْرٌ رَّحِيْمٌ) أَيُّ: وَذُوْ عِقَابٍ أَلِيْمٍ، مَعَ كَوْنِهِ غَفُورا رَّحِيْما، وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِيْنَ، كَمَا أَحَلَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الَّذِيْنَ كَفَرُوَا بِهِ وَعَبَدُوا غَيْرِهِ.

وَقَالَ الْلَّهُ تَعَالَىْ: { وَهِيَ تَجْرِيَ بِهِمْ فِيْ مَوْجٍ كَالْجِبَالِ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:42)
وَذَلِكَ أَنَّ الْلَّهَ تَعَالَىْ أَرْسَلَ مَنْ الْسَّمَاءِ مَطَرَا لَمْ تَعْهَدْهُ الْأَرْضِ قَبْلَهَا وَلَا تُمْطِرُهُ بَعْدَهَا، كَانَ كَأَفْوَاهِ الْقِرَبِ وَأْمُرْ الْأَرْضِ فَنَبَعَتْ مِنْ جَمِيْعِ فِجَاجِهَا وَسَائِرِ أَرْجَائِهَا.

كَمَا قَالَ تَعَالَىْ: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّيْ مَغْلُوْبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ الْسَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونا فَالْتَقَىْ الْمَاءْ عَلَىَ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَىَ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } (سُوْرَةُ الْقَمَرِ:10ـ13)
وَالْدَّسْرُ: الْمَسَامِيْرِ

{ تَجْرِيَ بِأَعْيُنِنَا } (سُوْرَةُ الْقَمَرِ:14)
أَيُّ: بِحَفَظنّا وَكِلَاءَتِنَا وحِرَاسْتِنا وَمُشَاهَدتَّنا لَهَا
{ جَزَاءُ لَمِنَ كَانَ كُفِرَ } (سُوْرَةُ الْقَمَرِ:14) وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيْرٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْطُّوفَانَ كَانَ فِيْ ثَالِثِ عَشَرَ شَهْرِ آَبِ فِيْ حَمْارَّةُ الْقَيْظِ.

وَقَالَ تَعَالَىْ: { إِنَّا لَمَّا طَغَىَ الْمَاءْ حَمَلْنَاكُمْ فِيْ الْجَارِيَةِ } (سُوْرَةٌ الْحَاقَّةُ:11) أَيُّ: السَّفِيْنَةِ
{ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } (سُوْرَةٌ الْحَاقَّةُ:12)

قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الْزَّمَانِ قَدْ مَلَأُوا الْسَّهْلِ وَالْجَبَل


نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ Empty
مُساهمةموضوع: رد: نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ   نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ Emptyالثلاثاء 12 أكتوبر 2010, 7:20 am


قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الْزَّمَانِ قَدْ مَلَأُوا الْسَّهْلِ وَالْجَبَلِ، وَقَالَ عَبْدِ الْرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: لَمْ تَكُنْ بُقَعَة فِيْ الْأَرْضِ إِلَا وَلَهَا مَالِكٍ وَحَائِزٌ. رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ.
{ وَنَادَىْ نُوْحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِيْ مَعْزِلٍ يَا بَيْنُ ارْكَبْ مَّعَنَا وَلَا تَكُنْ مَّعَ الْكَافِرِيْنَ* قَالَ سَآَوِىَ إِلَيَّ جَبَلٍ يَعْصِمُنِيْ مِنَ الْمَاءْ، قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ الْلَّهِ إِلَا مَنْ رَّحِمَ، وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِيْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:42ـ43)

وَهَذَا الْابْنُ هُوَ "يَامُ" أَخُوْ سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ؛ وَقِيْلَ اسْمُهُ كَنْعَانَ؛ وَكَانَ كَافِرْا، عَمْلَا غَيْرُ صَالِحٍ، فَخَالَفَ أَبَاهُ فِيْ دِيْنِهِ؛ فَهَلَكَ مَعَ مَنْ هَلَكَ. هَذَا وَقَدْ نَجَا مَعَ أَبِيْهِ الْأَجَانِبَ فِيْ الْنَّسَبِ؛ لَمَّا كَانُوْا مُوَافِقِيْنَ فِيْ الْدِّيْنِ وَالْمَذْهَبُ.

{ وَقِيْلَ يَا أَرْضُ أبْلِعيِ مَاءَكِ وَيَا سَمَاءْ أَقْلِعِيْ وَغِيْضَ الْمَاءُ وَقُضِىَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَىَ الْجُودِىِّ، وَقِيْلَ بُعْدَا لِّلْقَوْمِ الْظَّالِمِيْنَ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:44)
أَيُّ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ؛ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ عَبَدَ غَيْرَ الْلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ أَمْرٍ الْلَّهُ الْأَرْضَ أَنْ تَبْتَلِعَ مَاءَهَا، وَأْمُرْ الْسَّمَاءِ أَنْ تُقْلَعَ أَيُّ: تَمَسَّكَ عَنْ الْمَطَرْ، (وَغِيْضَ الْمَاءْ) أَيُّ: نَقُصُّ عَمَّا كَانَ (وَقَضَىَ الْأَمْرِ) أَيُّ: وَقَعَ بِهِمْ الَّذِيْ كَانَ قَدْ سَبَقَ فِيْ عَمَلِهِ وَقَدْرُهُ؛ مِنْ إِحْلَالِهِ بِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ. (وَقِيْلَ بُعْدَا لِّلْقَوْمِ الْظَّالِمِيْنَ) أَيُّ: نُوْدِيَ عَلَيْهِمْ بِلِسَانِ الْقُدْرَةِ: بُعْدَا لَهُمْ مِنَ الْرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ.

كَمَا قَالَ تَعَالَىْ:
{ فَكَذَّبُوْهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِيْ الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِيْنَ كَذَّبُوُا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوْا قَوْمَا عَمِيْنَ } (سُوْرَةُ الْأَعْرَافِ: 64) وَقَالَ تَعَالَىْ: { فَكَذَّبُوْهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَّعَهُ فِيْ الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِيْنَ كَذَّبُوُا بِآَيَاتِنَا، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِيْنَ } (سُوْرَةُ يُوْنُسَ:73)

وَقَالَ تَعَالَىْ: { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِيْنَ كَذَّبُوُا بِآَيَاتِنَا، إِنَّهُمْ كَانُوْا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِيْنَ } (سُوْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ:77) وَقَالَ تَعَالَىْ: { فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَّعَهُ فِيْ الْفُلْكِ الْمَشْحُوْنِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِيْنَ * إِنَّ فِيْ ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِيْنَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيْزُ الْرَّحِيْمُ } (سُوْرَةُ الْشُّعَرَاءِ:119ـ122)

وَقَالَ تَعَالَىْ: { فَلَبِثَ فِيْهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِيْنَ عَاما فَأَخَذَهُمُ الْطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُوْنَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِيْنَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِّلْعَالَمِيْنَ } (سُوْرَةُ الْعَنْكَبُوْتِ:14ـ15) وَقَالَ تَعَالَىْ: { ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِيْنَ } (سُوْرَةُ الْشُّعَرَاءِ:66)

وَقَالَ تَعَالَىْ: { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِيّ وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلْذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ } (سُوْرَةُ الْقَمَرِ:15ـ17)
وَقَالَ تَعَالَىْ: { مِمَّا خَطِيْئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارا فَلَمْ يَجِدُوْا لَهُمْ مِنْ دُوْنِ الْلَّهِ أَنْصَارا * وَقَالَ نُوْحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَىَ الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِيْنَ دَيَّارُا * إِنَّكَ إِنِ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوْا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوَا إِلَّا فَاجِرَا كَفَّارَا } (سُوْرَةُ نُوْحٍ:25ـ27)

وَقَدْ اسْتَجَابَ الْلَّهُ تَعَالَىْ ـ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ـ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ. وَقَدْ رَأَىَ الْإِمَامَانِ أَبُوْ جَعْفَرٍ بْنِ جَرِيْرٍ، وَأَبُوْ مُحَمَّدِ بْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ فِيْ تَفْسِيْرِهِمَا؛ مِنْ طَرِيْقِ يَعْقُوْبَ بْنِ مُحَمَّدِ الْزُّهْرِيِّ؛ عَنْ فَائِدٍ مَوْلَيً عُبَيْدِ الْلَّهِ بْنِ أَبِيْ رَافِعٍ؛ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ ابْنُ عَبْدِ الْرَّحْمَنِ بْنِ أَبِيْ رَبِيْعَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِيْنَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُوْلَ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فَلَوْ رَحِمَ الْلَّهُ مَنْ قَوَّمَ نُوْحٍ أَحَدٌ لَرَّحْمَ أَمْ الْصَّبِيِّ"

قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُكْثٍ نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ فِيْ قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ ـ يَعْنِيْ إِلَّا خَمْسِيْنَ عَاما ـ وَغَرَسَ مِائَةِ سَنَةٍ الْشَّجَرِ، فَعَظُمَتْ وَذَهَبَتْ كُلِّ مُذْهِبٍ، ثُمَّ قَطَعَهَا ثُمَّ جَعَلَهَا سَفِيْنَةٍ؛ وَيُمِرُّوْنَ عَلَيْهِ وَيَسْخَرُوْنَ مِنْهُ؛ وَيَقُوْلُوْنَ: تَعْمَلُ سَفِيْنَةٌ فِيْ الْبَرِّ كَيْفَ تَجْرِيَ؟ قَالَ: سَوْفَ تَعْلَمُوْنَ.

فَلَمَّا فَرَغَ وَنَبَعَ الْمَاءُ وَصَارَ فِيْ السِّكَكِ خَشِيَتُ أَمْ الْصَّبِيِّ عَلَيْهِ وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حَبَّا شَدِيْدا فَخَرَجْتُ بِهِ إِلَيَّ الْجَبَلُ حَتَّىَ بَلَغَتْ ثُلُثَهُ؛ فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءِ خَرَجَتْ بِهِ حَتَّىَ اسْتَوَتْ عَلَىَ الْجَبَلِ فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ رَقَبَتِهَا رُفِعَتْ يَدَيْهَا فَغَرِقَتْ؛ فَلَوْ رَحِمَ الْلَّهُ مِنْهُمْ أَحَدا لَرَّحْمَ أَمْ الْصَّبِيِّ"

وَهَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْبٍ الْأَحْبَارُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرِ وَاحِدِ شَبِيْهٌ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَحْرَى بِهَذَا الْحَدِيْثِ أَنَّ يَكُوْنُ مَوْثُوقَا مُتَلَقِّيَ عَنْ مِثْلِ كَعْبٍ الْأَحْبَارُ، وَالْلَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَقْصُوْدُ أَنَّ الْلَّهَ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْكَافِرِيْنَ دَيَّارُا.

فَكَيْفَ يَزْعُمُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِيْنَ أَنَّ عِوَجٍ بْنِ عُنُقِ ـ وَيُقَالُ ابْنُ عَنَاقُ ـ كَانَ مَوْجُوْدَا مِنْ قَبْلِ نُوْحٍ إِلَيَّ زَمَانِ مُوْسَىْ؟! وَيَقُوْلُوْنَ: كَانَ كَافِرْا مُتَمَرِّدَا جَبَّارِا عَنِيْدَا. وَيَقُوْلُوْنَ: كَانَ لِغَيْرِ رُشْدِهِ، بَلْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ بِنْتُ آَدَمَ مِنْ زِنَا، وَأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ طَوْلِهِ الْسَّمَكِ مِنْ قَرَارٍ الْبِحَارُ ويَشُوَبِهُ فِيْ عَيْنٍ الْشَّمْسِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ لِنُوْحٍ وَهُوَ فِيْ السَّفِيْنَةِ: مَا هَذِهِ الْقَصْعِيّةً الَّتِيْ لَكَ؟ وَيَسْتَهْزِئُ بِهِ.

وَيَذَّكَّرُوْنَ أَنَّهُ كَانَ طُوِّلُهُ ثَلَاثَةُ آَلَافِ ذِرَاعٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلاثِيْنَ ذِرَاعا وَثُلُثَا، إِلَيَّ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْهَذِيَانَاتِ الَّتِيْ لَوْلَا أَنَّهَا مِسْطَرَةٌ فِيْ كَثِيْرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَالْتَّفَاسِيْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْتَوَارِيْخُ وَأَيَّامُ الْنَّاسِ لِمَا تُعَرِّضَنا لحِكَايَّتِهَا؛ لسَقَاطَتِهَا وَرَكَاكْتِهَا، ثُمَّ إِنَّهَا مُخَالَفَةُ لِلْمَعْقُوْلِ وَالْمَنْقُوْلُ.

أَمَّا الْمَعْقُوْلِ: فَكَيْفَ يَسُوْغُ فِيْهِ أَنَّ يَهْلِكَ الْلَّهِ وُلِدَ نُوْحٍ لِكُفْرِهِ، وَأَبُوْهُ نَبِيٍّ الْأُمَّةِ وْزَعِيمْ أَهْلِ الْإِيْمَانِ، وَلَا يُهْلِكُ عِوَجٍ بْنِ عُنُقِ، وَيُقَالُ عَنَاقُ، وَهُوَ أَظْلَمُ وَأَطْغَىَ عَلَىَ مَا ذَكَرُوْا؟ وَكَيْفَ لَا يَرْحَمِ الْلَّهِ مِنْهُمْ أَحَدَا وَلَا أُمٍّ الْصَّبِيِّ، وَتَرْكِ هَذَا الْدُّعَيَّ الْجَبَّارُ الْعَنْيدْ الْفَاجِرِ الْشَّدِيْدِ الْكَافِرُ، الْشَّيْطَانُ الْمُرِيدُ عَلَىَ مَا ذَكَرُوْا؟.

وَأَمَّا الْمَنْقُوْلُ.. فَقَدْ قَالَ الْلَّهُ تَعَالَىْ: { ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِيْنَ } (سُوْرَةُ الْشُّعَرَاءِ:66) وَقَالَ: { رَبَّ لَا تَذَرْ عَلَىَ الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِيْنَ دَيَّارُا } (سُوْرَةُ نُوْحٍ:26) ثُمَّ هَذَا الْطَّوْلِ الَّذِيْ ذَكَرُوْهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِيْ الْصَّحِيْحَيْنِ: عَنْ الْنَّبِيِّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الْلَّهَ خَلَقَ آَدَمَ وَطُوْلُهُ سِتُّوْنَ ذِرَاعا، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّىَ الْآَنَ" فَهَذَا نَصٌّ الْصَّادِقُ الْمَصْدُوْقُ الْمَعْصُوْمٌ الَّذِيْ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىَ { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوَحَيَ } (سُوْرَةُ الْنَّجْمِ:4)

إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّىَ الْآَنَ، أَيُّ لَمْ يَزَلْ الْنَّاسُ فِيْ نُقْصَانِ فِيْ طَوِلْهُمْ مِنْ آَدَمَ إِلَيَّ يَوْمِ إِخْبَارِهِ بِذَلِكَ وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِيَ أَنَّهُ لَمْ يُوْجَدْ مَنْ ذُرِّيَّةً آَدَمَ مِنَ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ.

فَكَيْفَ يَتْرُكُ هَذَا وَيُذْهِلُ عَنْهُ وَيُصَارَ إِلَيَّ أَقْوَالِ الْكَذَبَةِ الْكَفَرَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، الَّذِيْنَ بَدَّلُوا كَتَبَ الْلَّهُ الْمَنْزِلَةِ وَحَرَّفُوهَا وَأَوْلَوْها وَّوَضَعُوْهَا عَلَىَ غَيْرِ مَوَاضِعِهَا؟ فَمَا ظَنُّكَ بِمَا هُمْ يَسْتَقِلُّونَ بِنَقْلِهِ أَوْ يُؤْتَمَنُوْنَ عَلَيْهِ، وَهُمْ الْخَوَنَةَ وَالْكَذِبَةُ ـ عَلَيْهِمْ لَعَائِنَ الْلَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَمَا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ عُوْجٍ بْنِ عَنَاقُ إِلَا اخْتِلَافِا مِنْ بَعْضٍ زَنَادِقَتِهِمْ وَفُجَّارُهُمْ الَّذِيْنَ كَانُوْا أَعْدَاءً الْأَنْبِيَاءِ. وَالْلَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْلَّهُ تَعَالَىْ مُنَاشَدَةً نُوْحٌ رَّبَّهُ فِيْ وَلَدِهِ، وَسُؤَالُهُ عَنْ غَرَّقَهُ عَلَىَ وَجْهِ الاسْتِعَلامُ وَالِاسْتِكْشَافِ. { وَأَهْلَكَ إِلَا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ } (سُوْرَةُ الْمُؤْمِنُوْنَ:27)
فَكَانَ هَذَا مِمَّنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ سَيَغْرَقُ بِكُفْرِهِ، وَلِهَذَا سَاقَتْهُ الْأَقْدَارُ إِلَيَّ أَنْ انْحَازَ عَنْ حَوْزَةِ أَهْلِ الْإِيْمَانِ، فَغَرِقَ مَعَ حِزْبَهُ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَىْ: { قِيَلَ يَا نُوَحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىَ أُمَمٍ مِّمَّنْ مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمُ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيْمٌ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:48) هَذَا أَمْرٌ لِنُوْحٍ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ لَمَّا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَأَمْكَنَ الْسَّعْيَ فِيْهَا وَالاسْتِقْرِارِ عَلَيْهَا، أَنَّ يَهْبِطُ مِنْ الْسَفِينَةِ الَّتِيْ كَانَتْ قَدْ اسْتَقَرَّتْ بَعْدَ سَيْرِهَا الْعَظِيمُ عَلَىَ ظَهْرِ جَبَلٍ الْجُوْدِيِّ، وَهُوَ جَبَلٌ بِأَرْضِ الْجَزِيْرَةِ مَشْهُوْرٌ، (بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ)

أَيُّ: اهْبِطْ سَالِمْا مُبَارَكَا عَلَيْكَ، وَعَلَىَ أُمَمٍ مِّمَّنْ سَيُوْلَدُ بَعْدَ، أَيُّ: مِنْ أَوْلَادِكَ، فَإِنَّ الْلَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِيْنَ نَسْلَا وَلَا عُقْبَا سِوَىْ نُوْحٍ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ. قَالَ تَعَالَىْ: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِيْنَ) الْصَّافَّاتِ:77، فَكُلُّ مَنِ عَلَىَ وَجْهِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسٌ بَنِيَّ آَدَمَ، يُنْسَبُونَ إِلَيَّ أَوْلَادِ نُوْحٍ الْثَّلاثَةَ وَهُمْ سَامٍ، وَحَامٌ، وَيَافَثُ.

قَالَ الْإِمَامُ احْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ بْنُ سَعِيْدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ الْنَّبِيَّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَامٍ أَبُوْ الْعَرَبِ، وَحَامِ أَبُوْ الْحَبَشِ، وَيَافَثُ أَبُوْ الْرُّوْمِ"
وَرَوَاهُ الْتِّرْمِذِيُّ عَنْ بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَقَدِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بِنْ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيْدِ بْنِ أَبِيْ عَرُوْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوْعا نَحْوَهُ.

وَقَالَ الْشَّيْخُ أَبُوْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ الْنَّبِيِّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْرَّوْمِ هُنَا الْرُّوْمُ الْأُوَلُ، وَهُمْ الْيُوْنَانِ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَيَّ رُوْمِيٌّ بْنِ لبَطيّ ابْنِ يُوْنَانَ بْنِ يَافِثُ بْنِ نُوْحٍ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ

ثُمَّ رُوِيَ مِنْ حَدِيْثِ إِسْمَاعِيْلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ قَالَ: وُلِدَ نُوْحٌ ثَلَاثَةَ: سَامٌ وَيَافَثُ وَحَامٌ، وَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةَ: فَوَلَدُ سَامٍ: الْعَرَبِ وَفَارِسَ وَالْرُّوْمِ. وَوَلَدَ يَافَثَ: الْتَّرْكِ وَالْصَّقَالِبَةُ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوْجُ. وَوَلَدَ حَامٍ: الْقِبْطُ وَالْسُّوْدَانُ وَالْبَرْبَرُ.

قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ الْحَافِظَ أَبُوْ بَكْرٍ الْبَزَّارِ فِيْ مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بْنُ هَانِئٍ وَاحْمَدِ ابْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبَّادِ أَبُوْ الْعَبَّاسِ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيْدَ بْنِ سِنَانٍ الْرُّهَاوِيِّ حَدَّثَنِيْ أَبِيْ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وُلِدَ لِنُوْحٍ سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ، فَوُلِدَ لِسَامِ الْعَرَبِ وَفَارِسَ وَالْرُّوْمِ وَالْخَيْرِ فِيْهِمْ، وَوَلَدَ لِيَافَثَ: يَأْجُوْجَ وَمَأْجُوْجَ وَالْتَّرْكِ وَالْصَّقَالِبَةِ وَلَا خَيْرَ فِيْهِمْ، وَوَلَدَ لِحَامُ: الْقِبْطِ وَالْبَرْبَرِ وَالْسُّوْدَانِ"

ثُمَّ قَالَ: لَا تُعَلِّمْهُ يَرْوِيَ مَرْفُوعَا إِلَا مَنِ هَذَا الْوَجْهِ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيْدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِيْهِ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاحْتَمَلُوْا حَدِيْثَهُ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيْدٍ مُرْسَلَا وَلَمْ يُسْنِدْهُ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيْدٍ.

قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِيْ ذَكَرَهُ أَبُوْ عُمَرَ، هُوَ الْمَحْفُوْظُ عَنْ سَعِيْدِ قَوْلُهُ: (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ وَهْبٍ بْنِ مُنَبِّهٍ مِثْلِهِ، وَالْلَّهُ أَعْلَمُ)، وَيَزِيْدُ بْنِ سِنَانٍ أَبُوْ قَرْوَة الْرَّهَاوِيُّ ضَعِيْفٌ بِمَرَّةٍ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قِيَلَ: إِنْ نَوْحَا عَلَيْهِ الْسَّلَامُ لَمْ يُوْلَدْ لَهُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَوْلَادِ إِلَا بَعْدَ الطُّوْفَانِ، وَإِنَّمَا وُلِدَ لَهُ قَبْلَ السَّفِيْنَةِ كَنْعَانَ الَّذِيْ غَرِقَ، وَعَابِرُ مَاتَتْ قَبْلَ الطُّوْفَانِ.

وَالْصَّحِيْحُ أَنَّ أَوْلَادَهُ الثَّلَاثَةِ كَانُوْا مَعَهُ فِيْ السَّفِيْنَةِ هُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأُمُّهُمْ، وَهُوَ نَصٌّ الْتَّوْرَاةِ.
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ "حَامّا" وَاقِعٌ امْرَأَتُهُ فِيْ السَّفِيْنَةِ، فَدَعَا عَلَيْهِ نُوْحٌ أَنَّ تُشَوِّهُ خَلْقِهِ نُطْفَتِهِ، فَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَسْوَدَ، وَهُوَ كَنْعَانَ بْنِ حَامٍ جَدَّ الْسُّوْدَانِ، وَقِيْلَ: بَلْ رَأَىَ أَبَاهُ نَائِمَا، وَقَدْ بَدَتْ عَوْرَتُهُ فَلَمْ يَسْتُرُهَا وَسَتْرُهَا أَخُوْهُ، فَلِهَذَا دَعَا عَلَيْهِ أَنْ تُغَيِّرَ نُطْفَتِهِ وَأَنْ يَكُوْنَ أَوْلَادِهِ عَبِيْدَا لِأُخُوَّتِهِ.

وَذَكَرَ الْإِمْامُ أَبُوْ جَعْفَرٍ بْنِ جَرِيْرٍ مِنْ طَرِيْقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوَسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ الْحَوَارِيُّوْنَ لِعِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ: لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلا شَهِدَ السَّفِيْنَةِ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّىَ أَتَىَ إِلَيَّ كَثِيْبٍ مِنْ تُرَابٍ، فَأَخَذَ كَفا مِنْ ذَلِكَ الْتَّرَابَ بِكَفِّهِ، وَقَالَ: أَتَدْرُوْنَ مَا هَذَا؟ قَالُوْا: الْلَّهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: هَذَا قَبْرُ حَامٍ بْنِ نُوْحٍ. قَالَ وَضَرَبَ الْكَثِيْبِ بِعَصَاهُ، وَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ الْلَّهِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يَنْفُضُ الْتُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ قَدْ شَابَ، فَقَالَ لَهُ عِيْسَىْ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ: هَكَذَا هَلَكْت؟ قَالَ: وَلَكِنَّ مَّتَ وَأَنَا شَابٌّ، وَلَكِنِّيْ ظَنَنْتُ أَنَّهَا الْسَّاعَةُ، فَمِنْ ثَمَّ شَبَّتْ.

قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْ سَفِيْنَةَ نُوْحٍ، قَالَ: كَانَ طُوِّلُهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا سِتَّمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَكَانَتْ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ: فَطَبَقَةٌ فِيْهَا الْدَّوَابَّ وَالْوَحْشُ، وَطَبَقَةً فِيْهَا الْإِنْسَ، وَطَبَقَةً فِيْهَا الْطَّيْرُ، فَلَمَّا كَثُرَ أَرْوَاثُ الْدَّوَابِّ أَوْحَىَ الْلَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيَّ نُوْحٍ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ أَنْ اغْمِزْ ذِئْبٍ الْفِيِلِ، فَغَمَزَهُ، فَوَقَعَ مِنْهُ خِنْزِيْرٍ وَخِنْزِيْرَةٌ، فَأَقْبَلَا عَلَىَ الْرَّوْثِ، وَلَمَّا وَقَعَ الْفَأْرُ يَخرِرِ السَّفِيْنَةِ بِقَرْضِهِ أَوْحَىَ الْلَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيَّ نُوْحٍ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ عَيْنَيْ الْأَسْدِ؛ فَخَرَجَ مِنْ مِنْخَرِهِ سِنَّوْرِ وَسِنَّوْرَةٌ، فَأَقْبَلَا عَلَىَ الْفَأْرِ، فَقَالَ لَهُ عِيْسَىْ: كَيْفَ عَلِمَ نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ أَنْ الْبِلَادِ قَدْ غَرِقَتْ، قَالَ: بَعَثَ الْغُرَابِ يَأْتِيَهِ بِالْخَبَرِ فَوَجَدَ جِيْفَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ، فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَفُ الْبُيُوْتَ.

قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ الْحَمَامَةَ فَجَاءَتْ بِوَرِقٍ زَيْتُوْنٍ بِمِنْقَارِهَا وَطِيْنٍ بِرِجْلَيْهَا، فَعَلِمَ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ. قَالَ: فَطَوَّقَهَا الْخُضْرَةِ الَّتِيْ فِيْ عُنُقِهَا، وَدَعَا لَهَا أَنْ تَكُوْنَ فِيْ أُنْسٍ وَأَمَانٌ، فَمِنْ ثَمَّ تَأْلَفُ الْبُيُوْتِ، قَالَ: فَقَالُوَا: يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ، أَلَا تَنْطَلِقُ بِهِ إِلَيَّ أَهْلِيْنَا فَيَجْلِسُ مَعَنَا وَيُحَدِّثُنَا؟ قَالَ: كَيْفَ يَتَّبِعْكُمْ مِنَ لَا رِزْقَ لَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: عَدَّ بِإِذْنِ الْلَّهِ، فَعَادَ تُرَابَا. وَهَذَا أَثَرِ غَرِيْبٌ جِدَّا.

وَرُوِيَ عِلْبَاءٍ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنٍ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مَعَ نُوْحٍ فِيْ السَّفِيْنَةِ ثَمَانُوْنَ رَجُلا مَعَهُمْ أَهْلُوْهُمْ، وَإِنَّهُمْ كَانُوْا فِيْ السَّفِيْنَةِ مِائَةَ وَخَمْسِيْنَ يَوْمَا، وَإِنْ الْلَّهُ وَجْهَ السَّفِيْنَةِ إِلَيَّ مَكَّةَ فَدَارَتْ بِالْبَيْتِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمَا، ثُمَّ وَجّهَهَا إِلَيَّ الْجُوْدِيِّ فَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ الْغَرْبِ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْضِ، فَذَهَبَ فَوَقَعَ عَلَىَ الْجِيَفِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ الْحَمَامَةَ فَأَتَتْهُ بِوَرِقٍ الْزَّيْتُونِ وَلَطَخْتُ رِجْلَيْهَا بِالْطِّيْنِ، فَعُرِفَ نُوْحٌ أَنَّ الْمَاءْ قَدْ نَضَبَ، فَهَبَطَ إِلَيَّ أَسْفَلَ الْجُوْدِيِّ فَابْتَنَى قَرْيَةٍ وَسَمَّاهَا ثَمَانِيَنَّ، فَأَصْبَحُوْا ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تّلْبِلتُ أَلْسِنَتُهُمْ عَلَىَ ثَمَانِيَنَّ لُغَةً، إِحْدَاهَا الْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَفْقَهُ كَلَامَ بَعْضٍ، فَكَانَ نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ يُعَبِّرُ عَنْهُمْ.

وَقَالَ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ: رَكِبُوْا فِيْ السَّفِيْنَةِ فِيْ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، فَسَارُوْا مِائَةَ وَخَمْسِيْنَ يَوْمَا، وَاسْتَقَرَّتْ بِهِمْ عَلَىَ الْجُوْدِيِّ شَهْرَا، وَكَانَ خُرُوْجُهُمْ مِنَ السَّفِيْنَةِ فِيْ يَوْمٍ عَاشُوْرَاءَ مِنْ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ رُوِيَ ابْنَ حَرِيْرٌ خُبْرَا مَرْفُوْعا يُوَافِقُ هَذَا، وَأَنَّهُمْ صَامُوَا يَوْمِهِمُ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْإِمَامِ احْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُوْ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْصَّمَدِ بْنُ حَبِيْبٍ الْأَزْدِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ حَبِيْبِ بْنِ عَبْدِ الْلَّهِ، عَنْ شِبْلٍ، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ قَالَ: مَرَّ الْنَّبِيُّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُنَاسٍ مِنْ الْيَهُوْدِ، وَقَدْ صَامُوَا يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فَقَالَ: "مَا هَذَا مِنْ الْصَّوْمِ!" فَقَالُوَا: هَذَا الْيَوْمِ الَّذِيْ نَجَّى الْلَّهُ فِيْهِ مُوْسَىْ وَبَنِيَّ إِسْرَائِيْلَ مِنْ الْغَرَقِ، وَغَرَّقَ فِيْهِ فِرْعَوْنَ، وَهَذَا الْيَوْمُ اسْتَوَتْ فِيْهِ السَّفِيْنَةُ عَلَىَ الْجُوْدِيِّ .

فَصَامَهُ نُوْحٍ وَمُوَسَى عَلَيْهِمَا الْسَّلامُ شُكْرَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ الْنَّبِيُّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَحَقُّ بِمُوْسَى، وَأَحَقُّ بِصَوْمٍ هَذَا الْيَوْمِ" فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْصَّوْمِ.
وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أُصْبِحَ صَائِما فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنْ غَدَاءٍ أَهْلِهِ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ.. وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَاهِدٌ فِيْ الْصَّحِيْحِ مِنْ وَجْهٍ آَخَرَ، وَالْمُسْتَغْرَبُ ذِكْرِ نُوْحٍ أَيْضا، وَالْلَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ كَثِيْرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ أَنَّهُمْ أَكَلُوْا مِنْ فُضُوْلِ أَزْوَادِهِمْ، وَمَنْ حُبُوْبُ كَانَتْ مَعَهُمْ قَدْ اسْتَصَحَبُوْهَا، وَطَحَنُوا الْحُبُوبِ يَوْمَئِذٍ، وَاكْتَحِلُوا بِالْإِثْمِدِ لِتَقْوِيَةِ أَبْصَارُهُمْ لَمَّا انْهَارَتْ مِنْ الْضِيَاءِ بَعْدَمَا كَانُوْا فِيْ ظُلْمَةِ السَّفِيْنَةِ، فَكُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ فِيْهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِيْهِ آَثَارٌ مُنْقَطِعَةِ عَنْ بَنِيَّ إِسْرَائِيْلَ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَلَا يَقْتَدِيَ بِهَا، وَالْلَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَا أَرَادَ الْلَّهُ أَنْ يَكُفَّ ذَلِكَ الْطُّوفَانُ؛ أَرْسَلَ رِيْحَا عَلَىَ وَجْهِ الْأَرْضِ، فَسَكَنَ الْمَاءِ وَانْسَدَّتْ يَنَابِيْعُ الْأَرْضِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْقُصُ وَيُغيِّضُ وَيُدَبِّرُ، وَكَانَ اسْتِوَاءِ الْفُلْكِ عَلَىَ الْجَوِّيَّ فِيْمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْتَّوْرَاةِ، فِيْ الْشَّهْرِ الْسَّابِعِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْهُ، وَفِيْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْشَّهْرِ الْعَاشِرِ رُئِيَتْ رُءُوْسِ الْجِبَالِ.

فَلَمَّا مَضَىْ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعُوْنَ يَوْمَا فَتَحَ نُوَحُ كُوَّةٍ الْفُلْكِ الَّتِيْ صَنَعَ فِيْهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ الْغُرَابِ لِيَنْظُرَ لَهُ مَا فَعَلَ الْمَاءْ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ لِرِجْلَيْهَا مَوْضِعَا فَبَسَطَ يَدَهُ لِلْحَمَامَةِ فَأَخَذَهَا فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ مَضَتْ سَبَعَةٌ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا لِتَنْظُرَ لَهُ مَا فَعَلَ الْمَاءْ فَلَمْ تَرْجِعْ فَرَجَعْتُ حِيْنَ أَمْسَتْ وَفِيْ وَرَقِ زَيْتُونِةٍ، فَعَلِمَ نُوْحٌ أَنَّ الْمَاءْ قَدْ قَلَ عَلَىَ وَجْهِ الْأَرْضِ.

ثُمَّ مَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَرْسَلَهَا فَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ، فَعَلِمَ نُوْحٌ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ بَرَزَتِ، فَلَمْ كَمُلَتْ الْسِيَرْ فِيْمَا بَيْنَ أَنْ أَرْسِلْ الْلَّهِ الْطُّوفَانَ إِلَيَّ أَنْ أَرْسِلْ نُوْحٍ الْحَمَامَةَ وَدَخَلَ يَوْمَ وَاحِدَ مِنَ الْشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنَ سُنَّةَ اثْنَتَيْنِ؛ بَرَزَ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَظَهَرَ الْبَرِّ؛ وَكَشَّفَ نُوْحٌ غِطَاءَ الْفُلْكِ.

وَهَذَا الَّذِيْ ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ هُوَ بِعَيْنِهِ مَضْمُوْنٌ سِيَاقِ الْتَّوْرَاةِ الَّتِيْ بِأَيْدِيَ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقُ: وَفِيْ الْشَّهْرِ الْثَّانِيَ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ فِيْ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً مِنْهُ:
{ قِيَلَ يَا نُوَحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىَ أُمَمٍ مِّمَّنْ مَّعَكَ، وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمُ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيْمٌ } (سُوْرَةُ هُوْدٍ:48)

وَفِيْمَا ذُكِرَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ الْلَّهَ كَلَّمَ نَوْحَا قَائِلا لَهُ: اخْرُجْ مِنَ الْفُلْكِ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَبَنُوْكَ وَنِسَاءُ بَنِيْكَ مَعَكَ، وَجَمِيْعُ الْدَّوَابَّ الَّتِيْ مَعَكَ وَلْيَنْمُوا وَلْيُكْثِرُوا فِيْ الْأَرْضِ.

فَخَرَجُوْا، وَابْتَنَى نُوْحٍ مَذْبَحَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَخَذَ مِنْ جَمِيْعِ الْدَّوَابِّ الْحَلَالَ، وَالْطَّيْرَ الْحَلَالَ فَذَبَحَهَا قُرْبَانَا إِلَيَّ الْلَّهِ عَزّ وَجَلّ، وَعَهْدَ الْلَّهُ إِلَيْهِ أَلَا يُعَيِّدُ الطُّوْفَانِ عَلَىَ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَجَعَلَ تَذْكَارَا لِمِيْثَاقِهِ إِلَيْهِ الْقَوْسُ الَّذِيْ فِيْ الْغَمَامِ، وَهُوَ قَوْسٌ قُزَحْ الَّذِيْ رَوَىَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَمَانٌ مِنَ الْغَرَقِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيْهِ إِشَارَةِ إِلَيَّ أَنَّهُ قَوْسِ بِلَا وَتَرٍ، أَيُّ: أَنِ هَذَا الْغَمَامِ لَا يُوْجَدُ مِنْهُ طُوَفَانُ كَأَوّلِ مَرَّةٍ.

وَقَدْ أَنْكَرْتَ طَائِفَةٌ مِنْ جَهَلَةِ الْفَرَسَ وَأَهْلُ الْهِنْدِ وُقُوْعِ الْطُّوفَانَ، وَاعْتَرَفَ بِهِ آَخَرُونَ مِنْهُمْ، وَقَالُوْا: إِنَّمَا كَانَ بِأَرْضِ بَابِلَ وَلَمْ يُصَلِّ إِلَيْنَا. قَالُوْا: وَلَمْ نَزَلْ نَتَوَارِثُ الْمَلِكُ كَابِرا عَنْ كَابِرٍ مِنْ لَدُنْ "كْنُوَفَرّتِ" يَعْنُوْنَ ـ آَدَمَ ـ إِلَيَّ زَمَانُنْا هَذَا.

وَهَذَا قَالَهُ مَنْ قَالَهُ مِنْ زَنَادِقَةِ الْمَجُوْسِ عِبَادَ الْنِّيْرَانِ وَأَتْبَاعُ الْشَّيْطَانِ. وَهَذَا سَفْسَطَةٌ، وَكَفِّرْ فَظِيْعٌ، وَجَهِلَ بَلِيْغٌ، وَمُكَابَرَةٌ لِلْمَحْسُوسَاتِ، وَتَكْذِيْبٌ لَرَّبُّ الْأَرْضِ وَالْسَّمَوَاتُ.
وَقَدْ اجْمَعْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ الْنَّاقِلُونَ عَنْ رُسُلٌ الْرَّحْمَنِ، مَعَ مَا تَوَاتَرَ عِنْدَ الْنَّاسِ فِيْ سَائِرِ الْأَزْمَانِ، عَلَىَ وُقُوْعِ الْطُّوفَانَ، وَأَنَّهُ عَمَّ جَمِيْعِ الْبِلادِ، وَلَمْ يَبْقَ الْلَّهِ أَحَدا مِنْ كَفَرَةِ الْعِبَادِ؛ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ الْمُؤَيِّدِ الْمَعْصُوْمِ، وَتَنْفِيْذَا لِمَا سَبَقَ فِيْ الْقَدَرِ الْمَحْتُوْمِ.



نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
نُوَحُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قِصَّةِ صَالِحٍ نَبِيٍّ ثَمُوْدُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ
» وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأظلمت المدينة
» هجرة الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-
» من دلائل نبوته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-
» مُحَمَّدٌ بنْ عَبْدِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: رســول الله صلى الله عليه وسلم :: قـصــص الأنـبـيـــــاء-
انتقل الى: