نَسَبُ أمُّ مَعْبَدٍ
قال ابن هشام: أم معبد بنت كعب، امرأة من بني كعب، من خزاعة.
وقوله (حلا خيمتي) و(هما نزلا بالبر ثم تروحا) عن غير ابن إسحاق.
قال ابن إسحاق: قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: فلما سمعنا قوله، عرفنا حيث وَجْه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وأن وجهه إلى المدينة وكانوا أربعة: رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وعبدالله بن أرقط دليلهما.
قال ابن هشام: ويُقال: عبدالله بن أُرَيْقط.
موقف آل أبي بكر بعد الهجرة
قال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير أن أباه عبادا حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر، قالت: لمَّا خرج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله، ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف، فانطلق بها معه.
قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه.
قالت: قلت: كلا يا أبت! إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً.
قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبت، ضع يدك على هذا المال.
قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم.
ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
سراقة بن مالك وركوبه في أثر الرسول صلى الله وسلم
قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري أن عبدالرحمن بن مالك بن جعشم حدثه، عن أبيه، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: لما خرج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- من مكة مهاجرا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم.
قال: فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا، فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا، إني لأراهم مُحَمَّداً وأصحابه، قال: فأومأت إليه بعيني: أن اسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة لهم؛ قال: لعله، ثم سكت.
قال: ثم مكثت قليلاً، ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقيد لي إلى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي، فأُخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها، ثم انطلقت، فلبست لأمتي، ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها؛ فخرج السهم الذي أكره (لا يضره).
قال: وكنت أرجو أن أرده على قريش، فآخذ المائة الناقة.
قال: فركبت على أثره، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه.
قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره (لا يضره) قال: فأبيت إلا أن أتبعه.
قال: فركبت في أثره، فبينا فرسي يشتد بي، عثر بي، فسقطت عنه.
قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره (لا يضره) قال: فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره.
فلمَّا بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دخان كالإعصار.
قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنع مني، وأنه ظاهر.
قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سراقة بن جعشم: انظروني أكلمكم، فو الله لا أريبكم، ولا يأتيكم مني شيءٌ تكرهونه.
قال: فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- لأبي بكر: قل له: وما تبتغي منا؟ قال: فقال ذلك أبو بكر، قال: قلت: تكتب لي كتاباً يكون آية بيني وبينك.
قال: اكتب له يا أبا بكر.
إسلام سراقة بن جعشم
قال: فكتب لي كتاباً في عظم، أو في رقعة، أو في خزفة، ثم ألقاهُ إليَّ، فأخذته، فجعلته في كنانتي، ثم رجعت، فسكت فلم أذكر شيئاً مما كان، حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وفرغ من حُنين والطائف، خرجتُ ومعي الكتاب لألقاه، فلقيتُهُ بالجعرانة.
قال: فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار.
قال: فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون: إليك إليك، ماذا تريد؟ قال: فدنوتُ من رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وهو على ناقته، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة.
قال: فرفعت يدي بالكتاب، ثم قلت: يا رسول الله، هذا كتابُك لِي، أنا سُراقة بن جعشم؛ قال: فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: يوم وفاءٍ وبرٍ، ادنُهْ.
قال: فدنوت منه، فأسلمتُ.
ثم تذكرتُ شيئاً أسأل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عنه فما أذكره، إلا أني قلت: يا رسول الله، الضالة من الإبل تغشى حياضي، وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر في أن أسقيها؟ قال: نعم، في كل ذات كَبِدٍ حرّى أجر.
قال: ثم رجعتُ إلى قومي، فسقت إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- صدقتي.
تصويب نسب عبدالرحمن الجعشمي
قال ابن هشام: عبدالرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم.
طريق الهجرة
قال ابن إسحاق: فلمَّا خرج بهما دليلهما عبدالله بن أرقط، سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل، حتى عارض الطريق أسفل من عسفان، ثم سلك بهما على أسفل أمج، ثم استجاز بهما، حتى عارض بهما الطريق، بعد أن أجاز قديدا، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك، فسلك بهما الخرار، ثم سلك بهما ثنية المرة، ثم سلك بهما لقفا.
قال ابن هشام: ويُقال: لفتا.
قال معقل بن خويلد الهذلي:
نزيعا محلبا من أهل لفت لحي بين أثلة والـنـحـام
قال ابن إسحاق:
ثم أجاز بهم مدلجة لِقْف ثم استبطن بهما مدلجة محاج -ويُقال: مجاج، فيما قال ابن هشام- ثم سلك بهما مرجح محاج، ثم تبطن بهما مرجح من ذي العضوين -قال ابن هشام: ويُقال: العَضَوين- ثم بطن ذي كشر، ثم أخذ بهما على الجداجد، ثم على الأجرد، ثم سلك بهما ذا سلم، من بطن أعداء مدلجة تعهن، ثم على العبابيد.
قال ابن هشام: ويُقال: العبابيب؛ ويُقال: العثيانة.
يريد: العبابيب.
قال ابن إسحاق: ثم أجاز الفاجَّة؛ ويُقال: القاحة، فيما قال ابن هشام.
قال ابن هشام:
ثم هبط بهما العرج، وقد أبطأ عليهما بعض ظهرهم، فحمل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- رجل من أسلم، يُقال له: أوس بن حجر، على جمل له - يُقال له: ابن الرداء - إلى المدينة، وبعث معه غلاما له، يُقال له: مسعود بن هنيدة، ثم خرج بهما دليلهما من العرج، فسلك بهما ثنية العائر، عن يمين ركوبة - ويُقال: ثنية الغائر، فيما قال ابن هشام - حتى هبط بهما بطن رئم، ثم قدم بهما قباء، على بني عمرو بن عوف، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين، حين اشتد الضَّحاء، وكادت الشمس تعتدل.
قدومه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قباء
قال ابن إسحاق: فحدثني مُحَمَّد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عبدالرحمن بن عويمر بن ساعدة، قال: حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- من مكة، وتوكفنا قدومه، كنا نخرج إذا صلينا الصبح، إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فو الله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في أيام حارة.
حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، جلسنا كما كنا نجلس، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا، وقدم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- حين دخلنا البيوت، فكان أول من رآه رجل من اليهود، وقد رأى ما كنا نصنع، وأنَّا ننتظر قدوم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- علينا، فصرخ بأعلى صوته: يا بني قيلة، هذا جدكم قد جاء.
قال: فخرجنا إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه، وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قبل ذلك، وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر، حتى زال الظل عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فقام أبو بكر فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك.
منزله عليه الصلاة والسلام بقباء
قال ابن إسحاق: فنزل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، -فيما يذكرون- على كلثوم بن هدم، أخي بني عمرو بن عوف، ثم أحد بني عبيد: ويُقال: بل نزل على سعد بن خيثمة.
ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم: إنما كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس الناس في بيت سعد بن خيثمة.
وذلك أنه كان عزباً لا أهل له، وكان منزل الأعزاب من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- من المهاجرين، فمن هنالك يُقال: نزل على سعد بن خيثمة، وكان يُقال لبيت سعد بن خيثمة: بيت الأعزاب.
فالله أعلم أي ذلك كان، كلا قد سمعنا.
منزل أبي بكر بقباء
ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف، أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح.
ويقول قائل: كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير، أخي بني الحارث بن الخزرج.
منزل علي بن أبي طالب بقباء
وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها، لحق برسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فنزل معه على كلثوم بن هدم.
من فضائل سهل بن حنيف
فكان علي بن أبي طالب، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول: كانت بقباء امرأة لا زوج لها، مسلمة.
قال: فرأيت إنساناً يأتيها من جوف الليل، فيضربُ عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئاً معه فتأخذه.
قال: فاستربتُ بشأنه، فقلت لها: يا أمَة اللهِ، مَنْ هذا الرجل الذي يضرب عليكِ بابكِ كُلَّ ليلةٍ، فتخرجين إليه فيُعطيكِ شيئاً لا أدري ما هو، وأنتِ امرأةٌ مسلمةٌ لا زوجَ لكِ؟ قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب، قد عرف أني امرأةٌ لا أحَدَ لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها، فقال: احتطبي بهذا، فكان علي -رضي الله عنه- يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف، حتى هلك عنده بالعراق.
قال ابن إسحاق: وحدثني هذا، من حديث -علي رضي الله عنه-، هند بن سعد بن سهل بن حنيف، رضي الله عنه.
بناء مسجد قباء
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بقباء، في بني عمرو بن عوف، يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس، وأسس مسجده.
خروج الرسول صلى الله وسلم من قباء وذهابه إلى المدينة
ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة.
وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك، فالله أعلم أي ذلك كان.
فأدركت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وادي رانُوناء، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة.
اعتراض القبائل له صلى الله عليه وسلم تبغي نزوله عندها
فأتاه عتبان بن مالك، وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم ابن عوف، فقالوا: يا رسول الله.
أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة؛ قالوا: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، لناقته: فخلوا سبيلها، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بياضة، تلقاه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، في رجال من بني بياضة، فقالوا: يا رسول الله: هلم إلينا، إلى العدد والعدة والمنعة؛ قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها.
فانطلقت، حتى إذا مرت بدار بني ساعدة، اعترضه سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، في رجال من بني ساعدة، فقالوا: يا رسول الله، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة؛ قال: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها، فانطلقت، حتى إذا وازنت دار بني الحارث بن الخزرج، اعترضه سعد بن الربيع، وخارجة بن زيد، وعبدالله بن رواحة، في رجال من بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا رسول الله، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها.
فانطلقت، حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار، وهم أخواله دنيا - أم عبدالمطلب، سلمى بنت عمرو، إحدى نسائهم - اعترضه سليط بن قيس، وأبو سليط، أُسيرة بن أبي خارجة، في رجال من بني عدي بن النجار، فقالوا: يا رسول الله، هلم إلى أخوالك، إلى العدد والعدة والمنعة؛ قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها، فانطلقت.