ما نزل في رمي الرسول المشركين بالحصباء
ثم قال تعالى في رمي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إيَّاهُم بالحصباء من يده، حين رماهم:
(وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى):
أي لم يكن ذلك برميتك، لولا الذي جعل الله فيها من نصرك، وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم الله:
(وليُبليَ المؤمنينَ منهُ بلاءً حسنًا):
أي ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم على عدوهم، وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه، ويشكروا بذلك نعمته.
ما نزل في الاستفتاح
ثم قال:
(إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح):
أي لقول أبي جهل: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف، فأحنه الغداة.
والاستفتاح: الإنصاف في الدعاء.
يقول الله جل ثناؤه:
(وإن تنتهوا):
أي لقريش:
(فهو خيرٌ لكم وإن تعُودُوا نَعُدْ):
أي بمثل الوقعة التي أصبناكم بها يوم بدر:
(ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثُرت وأنَّ اللهَ مع المُؤمنين):
أي عددكم وكثرتكم في أنفسكم لن تُغني عنكم شيئاً، وإني مع المؤمنين، أنصرهم على من خالفهم.
القرآن يحُضُّ المسلمين على طاعة الرسول
ثم قال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللهَ ورسُولهُ، ولا تولَّوا عنه وأنتم تسمعون):
أي لا تخالفوا أمره وأنتم تسمعون لقوله، وتزعمون أنكم منه:
(ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون):
أي كالمنافقين الذين يظهرون له الطاعة، ويسرون له المعصية:
(إنَّ شَرَّ الدَّوآبِّ عند الله الصٌّمُّ البُكمُ الذين لا يعقلون):
أي المنافقين الذين نهيتكم أن تكونوا مثلهم، بكم عن الخير، صم عن الحق، لا يعقلون: لا يعرفون ما عليهم في ذلك من النقمة والتباعة:
(ولو علم اللهُ فيهم خيرًا لأسمعهم):
أي لأنفذ لهم قولهم الذي قالوا بألسنتهم، ولكن القلوب خالفت ذلك منهم، ولو خرجوا معكم:
(لتولوا وهم معرضون):
ما وفوا لكم بشيء مما خرجوا عليه.
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم):
أي للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل، وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم:
(واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس، فآواكم وأيدكم بنصره، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون . يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون):
أي لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم، ثم تخالفوه في السر إلى غيره، فإن ذلك هلاك لأماناتكم، وخيانة لأنفسكم.
(يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا، ويكفر عنكم سيئاتكم، ويغفر لكم، والله ذو الفضل العظيم):
أي فصلاً بين الحق والباطل، ليظهر الله به حقكم، ويطفىء به باطل من خالفكم.
تذكير الرسول بنعمةِ اللهِ عليهِ
ثم ذكَّر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بنعمته عليه، حين مكر به القوم ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه:
(ويمكرون ويمكُرُ اللُه، واللهُ خيرُ الماكرين):
أي فمكرت بهم بكيدي المتين حتى خلصتك منهم.
ما نزل في غرة قريش واستفتاحهم على أنفسهم
ثم ذكر غرة قريش واستفتاحهم على أنفسهم، إذ قالوا:
(اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك):
أي ما جاء به مُحَمَّد:
(فأمطرْ علينا حجارة من السماء):
كما أمطرتها على قوم لوط:
(أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ):
أي بعض ما عذَّبت به الأمم قبلنا، وكانوا يقولون: إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره، ولم يعذب أمَّةً ونبيُها معها حتى يُخرجَهُ عنها.
وذلك من قولهم ورسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بين أظهرهم، فقال تعالى لنبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم، حين نعى سوء أعمالهم:
(وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون):
أي لقولهم: إنا نستغفر ومُحَمَّد بين أظهرنا، ثم قال:
(وما لهم ألا يعذبهم الله):
وإن كنت بين أظهرهم، وإن كانوا يستغفرون كما يقولون:
(وهم يصدون عن المسجد الحرام):
أي من آمن بالله وعبده: أي أنت ومن اتبعك:
(وما كانوا أولياءَه، إنْ أولياؤه إلا المتقون):
الذين يحرمون حرمته ويقيمون الصلاة عنده: أي أنت ومن آمن بك:
(ولكن أكثرهم لا يعلمون . وما كان صلاتهم عند البيت):
التي يزعمون أنه يدفع بها عنهم:
(إلا مُكاءً وتصدية).
تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام: المكاء: الصفير.
والتصدية: التصفيق.
قال عنترة ابن عمرو بن شداد العبسي:
ولرب قرن قد تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الأعلـم
يعني: خروج الدم من الطعنة، كأنه الصفير.
وهذا البيت في قصيدة له.
وقال الطرماح بن حكيم الطائي:
لها كلما ريعت صداة وركدة بمصدان أعلى ابني شمام البوائن
وهذا البيت في قصيدة له.
يعني الأروية، يقول: إذا فزعت قرعت بيدها الصفاة ثم ركدت تسمع صدى قرعها بيدها الصفاة مثل التصفيق.
والمصدان: الحرز.
وابنا شمام: جبلان.
قال ابن إسحاق: وذلك ما لا يرضي الله عز وجل ولا يحبه، ولا ما افترض عليهم، ولا ما أمرهم به:
(فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون):
أي لما أوقع بهم يوم بدر من القتل.
المدة بين (يا أيُّهَا المُزَمِّلُ) وبدر
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عائشة قالت: ما كان بين نزول: (يا أيها المزمل)،
وقول الله تعالى فيها:
(وذرني والمكذبين أولي النَّعْمَةِ ومَهّلهم قليلًا . إن لدينا أنكالًا وجحيمًا . وطعامًا ذا غُصَّةٍ وعذابًا أليمًا):
إلا يسير، حتى أصاب اللهُ قريشاً بالوقعة يوم بدر.
تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام: الأنكال: القيود؛ واحدها: نِكْل.
قال رؤبة بن العجاج:
يكفيك نِكْلِي بغي كل نكل
وهذا البيت في أرجوزة له.