أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: قِصَّة شَمْوَيْل عَلَيْه الْسَّلَام الأحد 10 أكتوبر 2010, 12:09 am | |
| قِصَّة شَمْوَيْل عَلَيْه الْسَّلَام
فَلَمَّا تَرَعْرَع بَعَثْتَه إِلَي الْمَسْجِد وَأَسْلَمْتُه عِنْد رَجُل صَالِح فِيْه يَكُوْن عِنْدَه لِيَتَعَلَّم مِن خَيْرِه وَعِبَادَتِه، وَكَان عِنْدَه فَلَمَّا بَلَغ أَشُدَّه بَيْنَمَا هُو ذَات لَيْلَة نَائِم إِذَا صَوْت يَأْتِيَه مِن نَاحِيَة الْمَسْجِد، فَانْتَبَه مَذْعُوْرَا، فَظَنَّه الْشَّيْخ يَدْعُوَه فَسَأَلَه: أَدَعَوْتَنِي؟ فَكَرِه أَن يُفْزِعُه فَقَال: نَعَم نَم، فَنَام. ثُم نَادَاه الْثَّانِيَة فَكَذَلِك ثُم الثَّالِثَة فَإِذَا جِبْرِيْل يَدْعُوَه، فَجَاءَه فَقَال: إِن رَبَّك قَد بَعَثَك إِلَي قَوْمُك. فَكَان مِن أَمْرِه مَعَهُم مَا قَص الْلَّه فِي كِتَابِه.
{ أَلَم تَر إِلَي الْمَلَأ مِن بَنِي إِسْرَائِيْل مِن بَعْد مُوْسَى إِذ قَالُوْا لِنَبِي لَّهُم ابْعَث لَنَا مَلِكَا تُقَاتِل فِي سَبِيِل الْلَّه، قَال هَل عَسَيْتُم إِن كُتِب عَلَيْكُم الْقِتَال أَلَا تُقَاتِلُوْا، قَالُوَا وَمَا لَنَا أَلَا نُقَاتِل فِي سَبِيِل الْلَّه وَقَد أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَلَمَّا كُتِب عَلَيْهِم الْقِتَال تَوَلَّوْا إِلَا قَلِيْلا مِّنْهُم، وَالْلَّه عَلِيِّم بِالْظَّالِمِيْن * وَقَال لَهُم نَبِيُّهُم إِن الْلَّه قَد بَعَث لَكُم طَالُوْت مَلِكَا، قَالُوْا أُتِي يَكُوْن لَه الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْن أَحَق بِالْمُلْك مِنْه، وَلَم يُؤْت سَعَة مِّن الْمَال، قَال إِن الْلَّه اصْطَفَاه عَلَيْكُم وَزَادَه بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم، وَالْلَّه يُؤْتِي مُلْكَه مَن يَشَاء وَالْلَّه وَاسِع عَلِيِّم * وَقَال لَهُم نَبِيُّهُم إِن آَيَة مُلْكِه أَن يَأْتِيَكُم الْتَّابُوْت فِيْه سَكِيْنَة مِّن رَّبِّكُم وَبَقِيَّة مِّمَّا تَرَك آَل مُوْسَى وَآَل هَارُوْن تَحْمِلُه الْمَلَائِكَة إِن فِي ذَلِك لَآَيَة لَّكُم إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِيْن * فَلَمَّا فَصَل طَالُوْت بِالْجُنُوْد قَال إِن الْلَّه مُبْتَلِيَكُم بِنَهَر فَمَن شَرِب مِنْه فَلَيْس مِنِّي وَمَن لَّم يَطْعَمْه فَإِنَّه مِنِّي إِلَا مَن اغْتَرَف غُرْفَة بِيَدِه، فَشَرِبُوا مِنْه إِلَا قَلِيْلا مِّنْهُم، فَلَمَّا جَاوَزَه هُو وَالَّذِين آَمَنُوُا مَعَه قَالُوْا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوْت وَجُنُوْدِه، قَال الَّذِيْن يَظُنُّوْن أَنَّهُم مُّلاقُو الْلَّه كَم مِّن فِئَة قَلِيْلَة غَلَبَت فِئَة كَثِيْرَة بِإِذْن الْلَّه وَالْلَّه مَع الصَّابِرِيْن * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوْت وَجُنُوْدِه قَالُوْا رَبَّنَا افْرِغ عَلَيْنَا صَبْرَا وَثَبِّت أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِيْن * فَهَزَمُوْهُم بِإِذْن الْلَّه وَقَتَل دَاوُد جَالُوْت وَآَتَاه الْلَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَه مِمَّا يَشَاء وَلَوْلَا دَفْع الْلَّه الْنَّاس بَعْضَهُم بِبَعْض لَفَسَدَت الْأَرْض وَلَكِن الْلَّه ذُو فَضْل عَلَى الْعَالَمِيْن } (سُوْرَة الْبَقَرَة:246ـ251)
قَال أَكْثَر الْمُفَسِّرِيْن: كَان نَبِي هَؤُلَاء الْقَوْم الْمَذْكُوْرِيْن فِي هَذِه الْقِصَّة هُو شَمْوَيْل وَقِيْل: شِمْعُون، وَقِيْل: هُمَا وَاحِد. وَقِيْل: يُوْشَع، وَهَذَا بَعِيْد لِمَا ذَكَرَه الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِيْر فِي تَارِيْخِه أَن بَيْن مَوْت يُوْشَع وَبَعَثَه شَمْوَيْل أَرْبَعِمِائَة سَنَة وَسِتِّيْن سَنَة، فَاللَّه أَعْلَم.
وَالْمَقْصُوْد أَن هَؤُلَاء الْقَوْم لَمَّا أَنْهَكَتْهُم الْحُرُوْب، وَقَهَرَهُم الْأَعْدَاء، سَأَلُوْا نَبِي الْلَّه فِي ذَلِك الْزَّمَان، وَطَلَبُوا مِنْه أَن يَنْصِب لَهُم مِلْكَا يَكُوْنُوْن تَحْت طَاعَتِه لِيُقَاتِلُوَا مِن وَرَائِه وَمَعَه وَمَن بَيَّن يَدَيْه الْأَعْدَاء،
فَقَال لَهُم:
(هَل عَسَيْتُم إِن كُتِب عَلَيْكُم الْقِتَال أَلَا تُقَاتِلُوْا قَالُوْا وَمَا لَنَا أَلَا نُقَاتِل فِي سَبِيِل الْلَّه) أَي: وَأَي شَيْء يَمْنَعُنَا مِن الْقِتَال (وَقَد أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) يَقُوْلُوْن: نَحْن مَحُرُوبُون مَوَتُوْرُوْن فَحَقِّيق لَنَا أَن نُقَاتِل عَن أَبْنَائِنَا الْمَنْهُورِين الْمُسْتَضْعَفِيْن فِيْهِم الْمَأْسُورِين فِي قَبْضَتِهِم.
قَال الْلَّه تَعَالَى:
{ فَلَمَّا كُتِب عَلَيْهِم الْقِتَال تَوَلَّوْا إِلَا قَلِيْلا مِّنْهُم، وَالْلَّه عَلِيِّم } (سُوْرَة الْبَقَرَة:246) كَمَا ذُكِر فِي آَخِر الْقِصَّة أَنَّه لَم يُجَاوِز الْنَّهْر مَع الْمَلِك إِلَا الْقَلِيْل، وَالْبَاقُوْن رَجَعُوَا وَنَكَّلُوا عَن الْقِتَال.
وَقَال لَهُم نَبِيُّهُم:
{ إِن الْلَّه قَد بَعَث لَكُم طَالُوْت مَلِكَا } (سُوْرَة الْبَقَرَة:246ـ251)
قَال الْثَّعْلَبِي: وَهُو طَالُوْت بْن قَيْش بْن أَنْيَال بْن صُرّار بْن لَحُوْب بْن أَفِيْح بْن أُرَيْش ابْن بِنْيَامِين بْن يَعْقُوْب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيْم الْخَلِيْل. قَال عِكْرِمَة وَالْسُّدِّي: كَان سَقَّاء، وَقَال وَهْب بْن مُنَبِّه: كَان دَبَّاغا، وَقِيْل غَيْر ذَلِك، فَاللَّه أَعْلَم. وَلِهَذَا (قَالُوْا أُتِي يَكُوْن لَه الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْن أَحَق بِالْمُلْك مِنْه، وَلَم يُؤْت سَعَة مِّن الْمَال)
وَلَقَد ذَكَرُوْا أَن الْنُّبُوَّة كَانَت فِي سِبْط لَاوِي، وَأَن الْمُلْك كَان فِي سِبْط يَهُوَذَا، فَلَمَّا كَان هَذَا مِن سِبْط بِنْيَامِين نَفَرُوْا مِنْه، وَطَعَنُوْا فِي إِمَارَتِه عَلَيْهِم، وَقَالُوْا: نَحْن أَحَق بِالْمُلْك مِنْه، وَقَد ذَكَرُوْا أَنَّه فَقِيْر لَا سَعَة مِن الْمَال مَعَه، فَكَيْف يَكُوْن مِثْل هَذَا مُلْكَا؟. (قَال إِن الْلَّه اصْطَفَاه عَلَيْكُم وَزَادَه بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم)
قِيَل: كَان الْلَّه قَد أُوْحِي إِلَي شَمْوَيْل أَن أُي بَنِي إِسْرَائِيْل كَان طُوِّلُه عَلَى طُول هَذِه الْعَصَا، وَإِذَا حَضَر عِنْدَك يَفُوْر هَذَا الْقَرْن الَّذِي فِيْه مِن دُهْن الْقُدُس فَهُو مَلِكُهُم، فَجَعَلُوْا يَدْخُلُوْن وَيَقِيْسُوْن أَنْفُسِهِم بِتِلْك الْعَصَا، فَلَم يَكُن أَحَد مِنْهُم عَلَى طُوِّلُهَا سِوَى طَالُوْت، وَلَمَّا حَضَر عِنْد شَمْوَيْل فَار ذَلِك الْقَرْن فَدَهَنَه مِنْه وَعَيْنُه لِلْمَلِك عَلَيْهِم، وَقَال لَهُم (إِن الْلَّه اصْطَفَاه عَلَيْكُم وَزَادَه بَسْطَة فِي الْعِلْم) قِيَل: الْطَّوْل، وَقِيْل: الْجَمَال، وَالْظَّاهِر فِي السِّيَاق أَنَّه كَان أَجْمَلُهُم وَأَعْلَمُهُم بَعْد نَبِيُّهُم عَلَيْه الْسَّلَام (وَالْلَّه يُؤْتِي مُلْكَه مَن يَشَاء) فَلَه الْحَم وَلَه الْخَلْق وَالْأَمْر (وَالْلَّه وَاسِع عَلِيِّم).
(وَقَال لَهُم نَبِيُّهُم إِن آَيَة مُلْكِه أَن يَأْتِيَكُم الْتَّابُوْت فِيْه سَكِيْنَة مِّن رَّبِّكُم وَبَقِيَّة مِّمَّا تَرَك آَل مُوْسَى وَآَل هَارُوْن تَحْمِلُه الْمَلَائِكَة إِن فِي ذَلِك لَآَيَة لَّكُم إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِيْن)
وَهَذَا أَيْضا مِن بَرَكَة وَلَايَة هَذَا الْرَّجُل الْصَّالِح عَلَيْهِم وَيُمَنِّه عَلَيْهِم أَن يُرِد الْلَّه عَلَيْهِم الْتَّابُوْت الَّذِي كَان سَلَب مِنْهُم وَقَهَرَهُم الْأَعْدَاء عَلَيْه، وَقَد كَانُوْا يُنْصَرُوْن عَلَى أَعْدَائِهِم بِسَبَبِه (فِيْه سَكِيْنَة مِّن رَّبِّكُم) قِيَل: طَسْت مِن ذَهَب كَان يَغْسِل فِيْه صُدُوْر الْأَنْبِيَاء. وَقِيْل: الْسَّكِينَة مِثْل الْرِّيْخ الخَجوح. وَقِيْل: صَوْتَهَا مِثْل الْهِرَّة إِذَا صَرَخْت فِي حَال الْحَرْب أَيْقَن بَنُو إِسْرَائِيْل بِالْنَصْر (وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آَل مُوْسَى وَآَل هَارُوْن) قِيَل: كَان فِيْه رُضَاض الْأَلْوَح وَشَيْء مِّن الْمَن الَّذِي كَان نَزَل عَلَيْهِم بِالْتّيْه (تَحْمِلُه الْمَلَائِكَة) أَي: بَاهِرَة عَلَى صِدْق مَا أَقُوْلُه لَكُم، وَعَلَى صِحَّة وَلَايَة هَذَا الْمَلَك الْصَّالِح عَلَيْكُم، وَلِهَذَا قَال: (إِن فِي ذَلِك لَآَيَة لَّكُم إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِيْن).
وَقِيْل: إِنَّه لَمَّا غَلَب الْعَمَالِقَة عَلَى هَذَا الْتَّابُوْت وَكَان فِيْه مَا ذُكِر مِن الْسَّكِينَة وَالْبَقِيَّة الْمُبَارَكَة، وَقِيْل: كَان فِيْه الْتَّوْرَاة أَيْضا، فَلَمَّا اسْتَقَر فِي أَيْدِيَهِم وَضَعُوْه تَحْت صَنَم لَهُم بِأَرْضِهِم، فَلَمَّا أَصْبَحُوْا إِذَا الْتَّابُوْت عَلَى رَأْس الْصَّنَم فَوَضَعُوه تَحْتَه"، فَلَمَّا كَان الْيَوْم الْثَّانِي إِذَا الْتَّابُوْت فَوْق الْصَّنَم، فَلَمَّا تُكَرِّر هَذَا عَلِمُوْا أَن هَذَا الْأَمْر مِن الْلَّه تَعَالَى، فَأَخْرَجُوْه مِن بَلَدِهِم وَجَعَلُوْه فِي قَرْيَة مِّن قُرَاهُم، فَأَخَذَهُم دَاء فِي رِقَابِهِم، فَلَمَّا طَال عَلَيْهِم هَذَا جَعَلُوْه فِي عَجَلَة وَرَبَطُوهَا فِي بَقَرَتَيْن وَأَرْسِلُوهُما، فَيُقَال: إِن الْمَلَائِكَة سَاقَتِهَا حَتَّى جَاءُوَا بِهَا مُلْأ بَنِي إِسْرَائِيْل وَهُم يَنْظُرُوْن كَمَا أَخْبَرَهُم نَبِيُّهُم بِذَلِك، فَاللَّه أَعْلَم عَلَى أَي صِفَة جَاءَت بِه الْمَلَائِكَة، وَالْظَّاهِر أَن الْمَلَائِكَة كَانَت تَحْمِلُه بِأَنْفُسِهِم كَمَا هُو الْمَفْهُوْم مِن الْآَيَة، وَالْلَّه أَعْلَم. وَإِن كَان الْأَوَّل قَد ذَكَرَه كَثِيْر مِن الْمُفَسِّرِيْن أَو أَكْثَرِهِم.
(فَلَمَّا فَصَل طَالُوْت بِالْجُنُوْد قَال إِن الْلَّه مُبْتَلِيَكُم بِنَهَر فَمَن شَرِب مِنْه فَلَيْس مِنِّي وَمَن لَّم يَطْعَمْه فَإِنَّه مِنِّي إِلَا مَن اغْتَرَف غُرْفَة بِيَدِه)
قَال ابْن عَبَّاس وَكَثِيْر مِّن الْمُفَسِّرِيْن: هَذَا الْنَّهَر هُو نَهَر الْأُرْدُن، وَهُو الْمُسَمَّى بِالْشَّرِيِعَة فَكَان مِن أَمْر طَالُوْت بِجُنُوْدِه عِنْد هَذَا الْنَّهَر عَن أَمْر نَبِي الْلَّه لَه عَن أَمْر الْلَّه لَه اخْتِبَارَا وَامْتِحَانَا: أَن مَن شَرِب مِن هَذَا الْنَّهْر الْيَوْم فَلَا يَصْحَبُنِي فِي هَذِه الْغَزْوَة، وَلَا يَصْحَبُنِي إِلَّا مَن لَم يَطْعَمْه إِلَا غُرْفَة فِي يَدِه. قَال الْلَّه تَعَالَى: (فَشَرِبُوا مِنْه إِلَا قَلِيْلا مِّنْهُم).
قَال الْسُّدِّي: كَان الْجَيْش ثَمَانِيَن أَلْفَا، فَشَرِب مِنْه سِتَّة وَسَبْعُوْن أَلْفَا، فَبَقِى مَعَه أَرْبَعَة آَلَاف كَذَا قَال. وَقَد رُوِي الْبُخَارِي فِي صَحِيْحِه مِن حَدِيْث إِسْرَائِيْل وَزُهَيْر وَالْثَّوْرِي، عَن أَبِي إِسْحَاق، عَن الْبَرَاء بْن عَازِب، قَال: كُنَّا أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم نَتَحَدَّث أَن عِدَّة أَصْحَاب بَدْر عَلَى عِدَّة أَصْحَاب طَالُوْت الَّذِيْن جَاوَزُوْا مَعَه الْنَّهَر، وَلَم يُجَاوِز مَعَه الْنَّهَر، وَلَم يُجَاوِز مَعَه إِلَّا بِضْعَة عَشَر وَثَلَثُمِائَة مُؤْمِن.
وَقَوْل الْسُّدِّي: إِن عِدَّة الْجَيْش كَانُوْا ثَمَانِيَن أَلْفَا فِيْه نَظَر؛ لِأَن أَرْض بَيْت الْمَقْدِس لَا تَحْتَمِل أَنَّه يَجْتَمِع فِيْهَا جَيْش مُقَاتَلَة يُبَلِّغُوْن ثَمَانِيَن أَلْفَا، وَاللَّه أَعْلَم قَال الْلَّه تَعَالَى: (فَلَمَّا جَاوَزَه هُو وَالَّذِين آَمَنُوُا مَعَه قَالُوْا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوْت وَجُنُوْدِه) أَي: اسْتَقَلُّوْا أَنْفُسِهِم واسْتُضَعَفُوْهَا عَن مُقَاوَمَة أَعْدَائَهُم بِالْنَّسْبَة إِلَي قِلَّتِهِم وَكَثْرَة عَدَد عَدُوّهُم.
(قَال الَّذِيْن يَظُنُّوْن أَنَّهُم مُّلاقُو الْلَّه كَم مِّن فِئَة قَلِيْلَة غَلَبَت فِئَة كَثِيْرَة بِإِذْن الْلَّه وَالْلَّه مَع الصَّابِرِيْن) يَعْنِي: ثَبِّتْهُم الْشُّجْعَان مِنْهُم، وَالْفُرْسَان أَهْل الْإِيْمَان وَالْإِيقَان، الصَّابِرُوْن عَلَى الْجِلَاد وَالْجِدَال وَالْطِّعَان. (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوْت وَجُنُوْدِه قَالُوْا رَبَّنَا افْرِغ عَلَيْنَا صَبْرَا وَثَبِّت أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِيْن) وَطَلَبُوا مِن الْلَّه أَن يَفْرُغ عَلَيْهِم الْصَّبْر، أَي: يَغْمُرُهُم بِه مِن فَوْقِهِم فَتَسْتَقِر قُلُوْبُهُم وَلَا تُقْلِق، وَأَن يُثَبِّت أَقْدَامَهُم فِي مَجَال الْحَرْب، وَمُعْتَرَك الْأَبْطَال، وَحَوْمَة الْوَغَي، وَالْدُّعَاء إِلَي الْنِّزَال، فَسَأَلُوْا الْتَّثْبِيْت الْظَّاهِر وَالْبَاطِن وَأَن يَنْزِل عَلَيْهِم الْنَّصْر عَلَى أَعْدَائِهِم وَأَعْدَائِه مِن الْكَافِرِيْن الْجَاحِدِين بِآَيَاتِه وَآَلَائِه، فَأَجَابَهُم الْعَظِيْم الْقَدِيْر الْسَّمِيْع الْبَصِيْر الْحَكِيْم الْخَبِيْر إِلَي مَا سَأَلُوْا، وَأنَالَهُم مَا إِلَيْه فِيْه رَغِبُوْا. وَلِهَذَا قَال: (فَهَزَمُوْهُم بِإِذْن الْلَّه).
أَي: يَحُوْل الْلَّه وَقُوَّتِه لَا بِحَوَلِهِم، وَبِقُوَّة الْلَّه وَنَصْرَه لَا بِقُوَّتِهِم وَعَدَدُهُم، مَع كَثْرَة أَعْدَاءَهُم وَكَمَال عَدَدُهُم،
كَمَا قَال تَعَالَى:
{ وَلَقَد نَصَرَكُم الْلَّه بِبَدْر وَأَنْتُم أَذِلَّة فَاتَّقُوا الْلَّه لَعَلَّكُم تَشْكُرُوْن } (سُوْرَة آَل عِمْرَان:123)
وَقَوْلُه تَعَالَى:
{ وَقَتَل دَاوُد جَالُوْت وَآَتَاه الْلَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَه مِمَّا يَشَاء } فِيْه دَلَالَة عَلَى شُجَاعَة دَاوُد عَلَيْه الْسَّلام، وَأَنَّه قَتَلَه قَتْلَا أَذَل بِه جُنْدَه وَكَسْر جَيْشِه، وَلَا أَعْظَم مِن غَزْوَة يُقْتَل فِيْهَا مَلِك عَدُوِّه فَيَغْنَم بِسَبَب ذَلِك الْأَمْوَال الْجَزِيلَة، وَيَأْسِر الْأَبْطَال الْشُّجْعَان وَالْأَقْرَان، وَتَعْلُو كَلِمَة الإِيْمَان عَلَى الْأَوْثَان، وَيُدَال لِأَوْلِيَاء الْلَّه عَلَى أَعْدَائِه، وَيَظْهَر الْدِّيْن الْحَق عَلَى الْبَاطِل وَأَوْلِيَائِه.
وَقَد ذَكَر الْسُّدِّي فِيْمَا يَرْوِيْه أَن دَاوُد عَلَيْه الْسَّلام كَان أَصْغَر أَوْلَاد أَبِيْه، وَكَانُوْا ثَلَاثَة عَشَر ذَكَرَا، كَان سَمِع طَالُوْت مَلِك بَنِي إِسْرَائِيْل وَهُو يُحَرِّض بَنِي إِسْرَائِيْل عَلَى قَتْل جَالُوْت وَجُنُوْدُه وَهُو يَقُوْل: مَن قَتَل جَالُوْت زَوَّجْتُه بِابْنَتِي وَأَشَرَكَتِه فِي مُلْكِي، وَكَان دَاوُد عَلَيْه الْسَّلام يَرْمِي بِالقَذَافَة وَهُو الْمِقْلاع رَمْيَا عَظِيْمَا، فَبَيْنَمَا وَهُو سَائِر مَع بَنِي إِسْرَائِيْل إِذ نَادَاه حُجْر أَن خُذْنِي فَإِن بِي تَقْتُل جَالُوْت؛ فَأَخَذَه، ثُم حَجَر آَخِر كَذَلِك ثُم آَخِر كَذَلِك، فَأَخَذ الثَّلَاثَة فِي مِّخْلَاتِه، فَلَمَّا تُوَاجِه الصَّفَّان بَرَز جَالُوْت وَدَعَا إِلَي نَفْسِه، فَتَقَدَّم إِلَيْه دَاوُد فَقَال لَه: ارْجِع فَإِنِّي اكْرِه قَتَلَك، فَقَال: لَكِنِّي احِب قَتَلَك.
وَأَخَذ تِلْك الْأَحْجَار الْثَّلاثَة فَوَضَعَهَا فِي الْقَذَّافَة، ثُم أَدَارَهَا فَصَارَت الْثَّلاثَة حَجَرَا وَاحِدَا، ثُم رَمَى بِهَا جَالُوْت فَلَق رَأْسَه وَفِّر جَيْشِه مُنْهَزِمَا، فَوَفَى لَه طَالُوْت بِمَا وَعَدَه فَزَوَّجَه ابْنَتَه، وَأَجْرَى حُكْمُه فِي مُلْكِه، وَعَظُم دَاود عَلَيْه الْسَّلَام عِنْد بَنِي إِسْرَائِيْل وَأَحَبُّوه، وَمَالُوْا إِلَيْه أَكْثَر مَن طَالُوْت. فَذَكَرُوا أَن طَالُوْت حَسَدَه وَأَرَاد قَتَلَه، وَاحْتَال عَلَى ذَلِك فَلَم يُصَل إِلَيْه، وَجَعَل الْعُلَمَاء يَنْهَوْن طَالُوْت عَن قَتْل دَاوُد، فَتَسَلَّط عَلَيْهِم فَقَتَلَهُم حَتَّى لَم يَبْق مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيْل، ثُم حَصَل لَه تَوْبَة وَنَدِم وَأَقْلَع عَمَّا سَلَف مِنْه، وَجَعَل يُكْثِر مِن الْبُكَاء، وَيُخْرِج إِلَي الْجَبَّانَة فَيَبْكِي حَتَّى يَبُل الْثَّرَى بِدُمُوْعِه، فَنُوْدِي ذَات يَوْم مِن الْجَبَانَة: أَن يَا طَالُوْت قَتَلَتَنَا وَنَحْن أَحْيَاء وآذَّيْتِنا وَنَحْن أَمُوْت؛ فَازْدَاد لِذَلِك بُكَاؤُه وَخَوْفِه وَاشْتَد وَجِلَّه، ثُم جَعَل يَسْأَل عَن عَالَم يَسْأَلُه عَن أَمْرِه وَهَل لَه مِن تَوْبَة، فَقِيْل لَه: وَهَل أَبْقَيْت عَالِمْا؟! حَتَّى ذَلِك عَلَى امْرَأَة مِن الْعَابِدَات فَأَخَذْتُه فَذَهَبْت بِه إِلَي قَبْر يُوْشَع عَلَيْه الْسَّلَام، قَالُوْا: فَدَعَت الْلَّه، فَقَام يُوْشَع مِن قَبْرِه فَقَال: أَقَامَت الْقِيَامَة؟ فَقَالَت: لَا، وَلَكِن هَذَا طَالُوْت يَسْأَلُك: هَل لَه مِن تَوْبَة؟ فَقَال: نَعَم: يَنْخَلِع مِن الْمُلْك وَيُذْهِب فَيُقَاتِل فِي سَبِيِل الْلَّه حَتَّى يُقْتَل. ثُم عَاد مَيْتَا.
فَتَرَك الْمَلِك لِدَاوُد عَلَيْه الْسَّلام، وَذَهَب وَمَعَه ثَلَاثَة عَشَر مِن أَوْلَادِه فَقَاتِلُوْا فِي سَبِيِل الْلَّه حَتَّى قَتَلُوَا، قَالُوْا: فَذَلِك قَوْلُه: (وَآَتَاه الْلَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَه مِمَّا يَشَاء). هَكَذَا رَوَاه ابْن جَرِيْر فِي تَارِيْخِه مِن طَرِيْق الْسُّدِّي بِإِسْنَادِه، وَفِي بَعْض هَذَا نَظَر، وَنَكَارَة وَالْلَّه أَعْلَم. وَقَال مُحَمَّد بْن إِسْحَاق: النَّبِي الَّذِي بَعَث فَأَخْبَر طَالُوْت بِتَوْبَتِه هُو الْيَسَع بْن أَخُطُوب حَكَاه ابْن جَرِيْر أَيْضا.
وَذَكَر الْثَّعْلَبِي أَنَّهَا أَتَت بِه إِلَي قَبْر شُوَّيْل فَعَاتَبَه عَلَى مَا صَنَع بَعْدِه مِن الْأُمُوْر، وَهَذَا أَنْسَب، وَلَعَلَّه إِنَّمَا رَآَه فِي الْنَّوْم لَا أَنَّه قَام مِن الْقَبْر حَيّا، فَإِن هَذَا إِنَّمَا يَكُوْن مُعْجِزَة لِنَبِي، وَتِلْك امْرَأَة لَم تَكُن نَبِيَّة، وَالِه أَعْلَم. قَال ابْن جَرِيْر: وَزَعَم أَهْل الْتَّوْرَاة أَن مُدَّة مُلْك طَالُوْت إِلَي أَن قَتَل مَع أَوْلَادُه أَرْبَعُوْن سَنَة، فَاللَّه أَعْلَم.
|
|