أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: زَكَرْيَا عَلَيْه الْسَّلَام السبت 09 أكتوبر 2010, 11:51 pm | |
| زَكَرْيَا عَلَيْه الْسَّلَام
نُبْذَة:
عَبْد صَالِح تَقِي أَخَذ يَدْعُو لِلْدِّيِن الْحَنِيْف، كَفَل مَرْيَم الْعَذَرَاء، دَعَا الْلَّه أَن يَرْزُقَه ذُرِّيَّة صَالِحَة فَوَهَب لَه يَحْيَى الَّذِي خَلَفَه فِي الْدَّعْوَة لِعِبَادَة الْلَّه الْوَاحِد الْقَهَّار.
سِيْرَتِه:
امْرَأَة عِمْرَان:
فِي ذَلِك الْعَصْر الْقَدِيْم.. كَان هُنَاك نَبِي.. وَعَالِم عَظِيْم يُصَلِّي بِالْنَّاس.. كَان اسْم الْنَّبِي زَكَرِيَّا عَلَيْه الْسَّلَام.. أَمَّا الْعَالَم الْعَظِيْم الَّذِي اخْتَارَه الْلَّه لِلِصَّلَاة بِالْنَّاس، فَكَان اسْمُه عِمْرَان عَلَيْه الْسَّلَام.
وَكَان لِعِمْرَان زَوْجَتُه لَا تَلِد.. وَذَات يَوْم رَأَت طَائِرا يُطْعِم ابْنَه الْطِّفْل فِي فَمِه وَيَسْقِيْه.. وَيَأْخُذُه تَحْت جَنَاحِه خَوْفَا عَلَيْه مِن الْبَرْد.. وَذَكَرَهَا هَذَا الْمَشْهَد بِنَفْسِهَا فَتَمَنَّت عَلَى الْلَّه أَن تَلِد.. وَرَفَعْت يَدَيْهَا وَرَاحَت تَدْعُو خَالِقِهَا أَن يَرْزُقَهَا بِطِفْل..
وَاسْتَجَاب لَهَا الْلَّه فَأَحَسَّت ذَات يَوْم أَنَّهَا حَامِل.. وَمِلْأَهَا الْفَرَح وَالْشُّكْر لِلَّه فَنَذَرْت مَا فِي بَطْنِهَا مُحَرَّرَا لِلَّه.. كَان مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا نَذَرَت لِلَّه أَن يَكُوْن ابْنَهَا خَادِمَا لِلْمَسْجِد طَوَال حَيَاتِه.. يَتَفَرَّغ لِعِبَادَة الْلَّه وَخِدْمَة بَيْتِه.
وِلَادَة مَرْيَم:
وَجَاء يَوْم الْوَضْع وَوُضِعَت زَوْجَة عِمْرَان بِنْتَا، وَفُوْجِئْت الْأُم! كَانَت تُرِيْد وَلَدا لِيَكُوْن فِي خِدْمَة الْمَسْجِد وَالْعِبَادَة، فَلَمَّا جَاء الْمَوْلُوْد أُنْثَى قَرَّرْت الْأُم أَن تَفِي بِنَذْرِهَا لِلَّه بِرَغْم أَن الْذَّكَر لَيْس كَالْأُنْثَى.
سَمِع الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى دُعَاء زَوْجَة عِمْرَان، وَالْلَّه يَسْمَع مَا نَقُوْلُه، وَمَا نَهْمُس بِه لِأَنْفُسِنَا، وَمَا نَتَمَنَّى أَن نَقُوْلَه وَلَا نَفْعَلَه..
يَسْمَع الْلَّه هَذَا كُلِّه وَيُعَرِّفُه.. سَمِع الْلَّه زَوْجَة عِمْرَان وَهِي تُخِبِرُه أَنَّهَا قَد وُضِعَت بِنْتَا، وَاللَّه أَعْلَم بِمَا وَضَعَت، الْلَّه.. هُو وَحْدَه الَّذِي يُخْتَار نَوْع الْمَوْلُوْد فَيَخْلُقُه ذُكِرَا أَو يَخْلُقُه أُنْثَى..
سَمِع الْلَّه زَوْجَة عِمْرَان تَسْأَلُه أَن يَحْفَظ هَذِه الْفَتَاة الَّتِي سِمَتُهَا مَرْيَم، وَأَن يَحْفَظ ذُرِّيَّتَهَا مِن الْشَّيْطَان الْرَّجِيْم.
وَيَرْوِي الْإِمَام مُسْلِم فِي صَحِيْحِه: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِى شَيْبَة حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى عَن مَعْمَر عَن الْزُّهْرِى عَن سَعِيْد عَن أَبِى هُرَيْرَة أَن رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم قَال: « مَا مِن مَوْلُوْد يُوْلَد إِلَا نَخَسَه الْشَّيْطَان فَيَسْتَهِل صَارِخَا مِن نَخْسَة الْشَّيْطَان إِلَا ابْن مَرْيَم وَأُمَّه ».
ثُم قَال أَبُو هُرَيْرَة اقْرَءُوْا إِن شِئْتُم: (وَإِنِّى أُعِيْذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا مِن الْشَّيْطَان الْرَّجِيْم).
كَفَالَة زَكَرِيَّا لِمَرْيَم:
أَثَار مِيْلَاد مَرْيَم بِنْت عِمْرَان مُشْكِلَة صَغِيْرَة فِي بِدَايَة الْأَمْر.. كَان عِمْرَان قَد مَات قَبْل وَلَادَة مَرْيَم.. وَأَرَاد عُلَمَاء ذَلِك الْزَّمَان وَشُيُوخَه أَن يَرْبُوَا مَرْيَم.. كُل وَاحِد يَتَسَابَق لِنَيْل هَذَا الْشَّرَف.. أَن يُرَبِّي ابْنَة شَيْخُهُم الْجَلِيْل الْعَالَم وَصَاحِب صَلَاتِهِم وَإِمَامَهُم فِيْهَا.
قَال زَكَرِيَّا: أَكْفُلَهَا أَنَا.. هِي قَرِيْبَتِي.. زَوْجَتَي هِي خَالَتِهَا.. وَأَنَا نَبِي هَذِه الْأُمَّة وَأَوْلَاكُم بِهَا. وَقَال الْعُلَمَاء وَالْشُّيُوخ: وَلِمَاذَا لَا يَكْفُلُهَا أَحَدُنَا..؟ لَا نَسْتَطِيْع أَن نَتْرُكُك تُحَصِّل عَلَى هَذَا الْفَضْل بِغَيْر اشْتَرَاكِنا فِيْه.
ثُم اتَّفَقُوْا عَلَى إِجْرَاء قُرْعَة. أَي وَاحِد يِكْسَب الْقُرْعَة هُو الَّذِي يَكْفُل مَرْيَم، وَيُرَبِّيَهَا، وَيَكُوْن لَه شَرَف خِدْمَتِهَا، حَتَّى تَكْبُر هِي وَهِي تَخْدِم الْمَسْجِد وَتَتَفَرَّغ لِعِبَادَة الْلَّه، وَأَجْرَيْت الْقُرْعَة..
وَضَعَت مَرْيَم وَهِي مَوْلُوْدَة عَلَى الْأَرْض، وَوُضِعَت إِلَى جُوَارِهَا أَقْلَام الَّذِيْن يَرْغَبُوْن فِي كِفَالَتَهَا، وَأَحْضِرُوا طِفْلَا صَغِيْرَا، فَأَخْرَج قَلَم زَكَرِيَّا.. قَال زَكَرِيَّا: حِكَم الْلَّه لِي بِأَن أَكْفُلَهَا. قَال الْعُلَمَاء وَالْشُّيُوخ: لَا.. الْقُرْعَة ثَلَاث مَرَّات.
وَرَاحُوْا يُفَكِّرُوْن فِي الْقَرَعَة الْثَّانِيَة.. حَفَر كُل وَاحِد اسْمُه عَلَى قَلَم خَشَبِي، وَقَالُوْا: نُلْقِي بِأَقْلَامِنَا فِي الْنَّهْر.. مَن سَار قَلِمَه ضِد الْتَيّار وَحْدَه فَهُو الْغَالِب.
وَأَلْقَوْا أَقْلَامَهُم فِي الْنَّهْر، فَسَارَت أَقْلَامَهُم جَمِيْعَا مَع الْتَيِار مَا عَدَا قَلَم زَكَرِيَّا.. سَار وَحْدَه ضِد الْتَيّار.. وَظَن زَكَرِيَّا أَنَّهُم سيَقْتَنَعُون، لَكِنَّهُم أَصَرُّوا عَلَى أَن تَكُوْن الْقُرْعَة ثَلَاث مَرَّات.
قَالُوْا: نُلْقِي أَقْلَامُنَا فِي الْنَّهْر.. الْقْلُم الَّذِي يَسِيْر مَع الْتَيِار وَحْدَه يَأْخُذ مَرْيَم. وَأَلْقَوْا أَقْلَامَهُم فَسَارَت جَمِيْعا ضِد الْتَيّار مَا عَدَا قَلَم زَكَرِيَّا. وَسَلِّمُوْا لِزَكَرِيَّا، وَأَعْطُوْه مَرْيَم لِيَكَفَلَهَا.. وَبَدَأ زَكَرِيَّا يَخْدِم مَرْيَم، وَيُرَبِّيَهَا وَيُكْرِمَهَا حَتَّى كَبُرَت..
كَان لَهَا مَكَان خَاص تَعِيْش فِيْه فِي الْمَسْجِد.. كَان لَهَا مِحْرَاب تَتَعَبَّد فِيْه.. وَكَانَت لَا تُغَادِر مَكَانَهَا إِلَا قَلِيْلا.. يَذْهَب وَقْتِهَا كُلِّه فِي الصَّلَاة وَالْعِبَادَة.. وَالْذِّكْر وَالْشُّكْر وَالْحُب لِلَّه..
وَكَان زَكَرِيَّا يَزُوْرُهَا أَحْيَانَا فِي الْمِحْرَاب.. وَكَان يُفَاجَأَه كُلَّمَا دَخَل عَلَيْهَا أَنَّه أَمَام شَيْء مُدْهِش.. يَكُوْن الْوَقْت صَيْفَا فَيَجِد عِنْدَهَا فَاكِهَة الْشِّتَاء.. وَيَكُوْن الْوَقْت شِتَاء فَيَجِد عِنْدَهَا فَاكِهَة الْصَّيْف. وَيَسْأَلُهُا زَكَرِيَّا مِن أَيْن جَاءَهَا هَذَا الْرِّزْق..؟ فَتُجِيْب مَرْيَم: إِنَّه مِن عِنْد الْلَّه.. وَتُكَرَّر هَذَا الْمَشْهَد أَكْثَر مِن مَرَّة.
دُعَاء زَكَرِيَّا رَبَّه:
كَان زَكَرِيَّا شَيْخا عَجُوْزا ضَعُف عَظَّمَه، وَاشْتَعَل رَأْسِه بِالْشِّعْر الْأَبْيَض، وَأُحِس أَنَّه لَن يَعِيْش طَوِيْلَا.. وَكَانَت زَوْجَتُه وَهِي خَالَة مَرْيَم عَجُوْزا مِّثْلِه وَلَم تَلِد مِن قَبْل فِي حَيَاتِهَا لِأَنَّهَا عَاقِر..
وَكَان زَكَرِيَّا يَتَمَنَّى أَن يَكُوْن لَه وَلَد يَرِث عِلْمِه وَيَصِيْر نَبِيّا وَيَسْتَطِيْع أَن يَهْدِي قَوْمِه وَيَدْعُوَهُم إِلَى كِتَاب الْلَّه وَمَغْفِرَتِه.. وَكَان زَكَرِيَّا لَا يَقُوْل أَفْكَارَه هَذِه لِأَحَد.. حَتَّى لِزَوْجَتِه.. وَلَكِن الْلَّه تَعَالَى كَان يَعْرِفُهَا قَبْل أَن تُقَال..
وَدَخَل زَكَرِيَّا ذَلِك الْصَّبَاح عَلَى مَرْيَم فِي الْمِحْرَاب.. فَوَجَد عِنْدَهَا فَاكِهَة لَيْس هَذَا أَوَانِهَا. سَأَلَهَا زَكَرِيَّا: (قَال يَا مَرْيَم أَنَّى لَك هـذَا)؟! مَرْيَم: (قَالَت هُو مِن عِنْد الْلَّه إِن الْلَّه يَرْزُق مَن يَشَاء بِغَيْر حِسَاب).
قَال زَكَرِيَّا فِي نَفْسِه: سُبْحَان الْلَّه.. قَادِر عَلَى كُل شَيْء.. وَغَرَس الْحَنِيْن أَعْلَامَه فِي قَلْبِه وَتَمَنَّى الذُّرِّيَّة.. فَدَعَا رَبَّه.
سَأَل زَكَرِيَّا خَالِقِه بِغَيْر أَن يُرْفَع صَوْتَه أَن يَرْزُقْه طِفْلَا يَرِث الْنُّبُوَّة وَالْحِكْمَة وَالْفَضْل وَالْعِلْم.. وَكَان زَكَرِيَّا خَائِفَا أَن يَضِل الْقَوْم مِن بَعْدِه وَلَم يَبْعَث فِيْهِم نَبِي.. فَرَحِم الْلَّه تَعَالَى زَكَرِيَّا وَاسْتَجَاب لَه.
فَلَم يَكَد زَكَرِيَّا يَهْمِس فِي قَلْبِه بِدُعَائِه لِلَّه حَتَّى نَادَتْه الْمَلَائِكَة وَهُو قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُك بِغُلَام اسْمُه يَحْيَى لَم نَجْعَل لَّه مِن قَبْل سَمِيا).
فُوْجِئ زَكَرِيَّا بِهَذِه الْبُشْرَى.. أَن يَكُوْن لَه وَلَد لَا شَبِيْه لَه أَو مَثِيْل مِن قَبْل.. أَحَس زَكَرِيَّا مِن فَرْط الْفَرَح بِاضْطِرَاب.. تُسَائِل مِن مَوْضِع الدَّهْشَة: (قَال رَب أَنَّى يَكُوْن لِي غُلَام وَكَانَت امْرَأَتِي عَاقِرا وَقَد بَلَغْت مِن الْكِبَر عِتِيا) أَدْهَشَه أَن يُنْجِب وَهُو عَجُوَز وَامْرَأَتُه لَا تَلِد..
(قَال كَذَلِك قَال رَبُّك هُو عَلَي هَيِّن وَقَد خَلَقْتُك مِن قَبْل وَلَم تَك شَيْئا) أَفْهَمْتُه الْمَلَائِكَة أَن هَذِه مَشِيْئَة الْلَّه وَلَيْس أَمَام مَشِيْئَة الْلَّه إِلَا الْنَّفَاذ.. وَلَيْس هُنَاك شَيْء يَصْعُب عَلَى الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى.. كُل شَيْء يُرِيْدُه يَأْمُرُه بِالْوُجُوْد فَيُوْجَد.. وَقَد خَلَق الْلَّه زَكَرِيَّا نَفْسِه مِن قَبْل وَلَم يَكُن لَه وُجُوْد.. وَكُل شَيْء يَخْلُقُه الْلَّه تَعَالَى بِمُجَرَّد الْمَشِيْئَة (إِنَّمَا أَمْرُه إِذَا أَرَاد شَيْئا أَن يَقُوْل لَه كُن فَيَكُوْن).
امْتَلَأ قَلْب زَكَرِيَّا بِالْشُّكْر لِلَّه وَحَمْدُه وَتَمْجِيْدِه.. وَسَأَل رَبِّه أَن يَجْعَل لَه آَيَة أَو عَلَامَة. فَأَخْبَرَه الْلَّه أَنَّه سَتَجِيء عَلَيْه ثَلَاثَة أَيَّام لَا يَسْتَطِيْع فِيْهَا الْنُّطْق.. سَيَجِد نَفْسِه غَيْر قَادِر عَلَى الْكَلَام.. سَيَكُوْن صَحِيْح الْمِزَاج غَيْر مُعْتَل.. إِذَا حَدَّث لَه هَذَا أَيْقَن أَن امْرَأَتَه حَامِل، وَأَن مُعْجِزَة الْلَّه قَد تَحَقَّقَت.. وَعَلَيْه سَاعَتَهَا أَن يَتَحْدُث إِلَى الْنَّاس عَن طَرِيْق الْإِشَارَة.. وَأَن يُسَبِّح الْلَّه كَثِيْرَا فِي الْصَّبَاح وَالْمَسَاء..
وَخَرَج زَكَرِيَّا يَوْما عَلَى الْنَّاس وَقَلْبِه مَلِيْء بِالْشُّكْر.. وَأَرَاد أَن يُكَلِّمَهُم فَاكْتَشَف أَن لِسَانَه لَا يَنْطِق.. وَعَرَف أَن مُعْجِزَة الْلَّه قَد تَحَقَّقَت.. فَأَوْمَأ إِلَى قَوْمِه أَن يُسَبِّحُوْا الْلَّه فِي الْفَجْر وَالْعِشَاء.. وَرَاح هُو يَسْبَح الْلَّه فِي قَلْبِه.. صَلَّى لِلَّه شُكْرَا عَلَى اسْتِجَابَتَه لِدَعْوَتِه وَمَنَحَه يُحْيِي..
ظَل زَكَرِيَّا عَلَيْه الْسَّلَام يَدَعُوْا إِلَى رَبِّه حَتَّى جَاءَت وَفَاتِه. وَلَم تُرِد رِوَايَات صَحِيْحَة عَن وَفَاتِه عَلَيْه الْسَّلَام. لَكِن رِوَايَات كَثِيْرَة -ضَعِيْفَة- أَوْرَدْت قَتْلِه عَلَى يَد جُنُوْد الْمُلْك الَّذِي قُتِل يَحْيَى مِن قَبْل.
|
|