أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: دَاوُوُد عَلَيْه الْسَّلَام السبت 09 أكتوبر 2010, 11:41 pm | |
| دَاوُوُد عَلَيْه الْسَّلَام
سِيْرَتِه:
حَال بَنُو إِسْرَائِيْل قَبْل دَاوُد:
قَبْل الْبَدْء بِقِصَّة دَاوُد عَلَيْه الْسَّلام، لِنَرَى الْأَوْضَاع الَّتِي عَاشَهَا بَنُو إِسْرَائِل فِي تِلْك الْفَتْرَة. لَقَد انْفَصَل الْحُكْم عَن الْدِّيْن.. فَآَخِر نَبِي مَلِك كَان يُوْشَع بْن نُوُن.. أَمَّا مِن بَعْدِه فَكَانَت الْمُلُوْك تَسَوُّس بَنِي إِسْرَائِيْل وَكَانَت الْأَنْبِيَاء تَهْدِيْهِم.
وَزَاد طُغْيَان بَنِي إِسْرَائِيْل، فَكَانُوْا يَقْتُلُوْن الْأَنْبِيَاء، نَبِيّا تِلْو نَبِي، فَسَلَّط الْلَّه عَلَيْهِم مُّلُوْكا مِنْهُم ظُلْمَة جَبَّارِيْن، أَلُوْهُم وَطَغَوْا عَلَيْهِم.
وَتَتَالَت الْهَزَائِم عَلَى بَنِي إِسْرَائِيْل، حَتَّى انَّهُم أَضَاعُوا الْتَّابُوْت.
وَكَان فِي الْتَّابُوْت بَقِيَّة مِمَّا تَرَك آَل مُوْسَى وَهَارُوْن، فَقِيْل أَن فِيْهَا بَقِيَّة مِن الْأَلْوَاح الَّتِي أَنْزَلَهَا الْلَّه عَلَى مُوْسَى، وَعَصَاه، وَأُمُوْرا آُخْرَى.
كَان بَنُو إِسْرَائِيْل يَأْخُذُوْن الْتَّابُوْت مَعَهُم فِي مَعَارِكِهِم لِتَحِل عَلَيْهِم الْسَّكِينَة وَيُحَقِّقُوْا الْنَّصْر. فَتَشَرَّدُوا وَسَاءْت حَالِهِم.
فِي هَذِه الْظُّرُوْف الْصَّعْبَة، كَانَت هُنَالِك امْرَأَة حَامِل تَدْعُو الْلَّه كَثِيْرَا أَن يَرْزُقَهَا وَلَدَا ذَكَرَا. فَوَلَدَت غُلَاما فَسَمِّتْه أَشَمُوئِيل.. وَمَعْنَاه بِالْعِبْرَانِيَّة إِسْمَاعِيْل..
أُي سَمِع الْلَّه دُعَائِي.. فَلَمَّا تَرَعْرَع بَعَثْتُه إِلَى الْمَسْجِد وَأَسْلَمْتُه لِرَجُل صَالِح لِيَتَعَلَّم مِنْه الْخَيْر وَالْعِبَادَة.
فَكَان عِنْدَه، فَلَمَّا بَلَغ أَشُدَّه، بَيْنَمَا هُو ذَات لَيْلَة نَائِم: إِذَا صَوْت يَأْتِيَه مِن نَاحِيَة الْمَسْجِد فَانْتَبَه مَذْعُوْرَا ظَانّا أَن الْشَّيْخ يَدْعُوَه.
فَهُرِع أَشَمُوئِيل إِلَيْه يَسْأَلُه: أَدَعَوْتَنِي..؟ فِكْرَه الْشَّيْخ أَن يُفْزِعُه فَقَال: نَعَم.. نَم.. فَنَام..
ثُم نَادَاه الْصَّوْت مَرَّة ثَانِيَة.. وَثَالِثَة. وَانْتَبِه إِلَى جِبْرِيْل عَلَيْه الْسَّلام يَدْعُوَه: إِن رَبَّك بَعَثَك إِلَى قَوْمِك.
اخْتِيَار طَالُوْت مَلِكا:
ذَهَب بَنُو إِسْرَائِيْل لِنَبِّيِهِم يَوْمَا.. سَأَلُوْه: أَلَسْنَا مَظْلُوْمِيْن؟ قَال: بَلَى.. قَالُوْا: أَلَسْنَا مْشَرّدِين؟ قَال: بَلَى.. قَالُوْا: ابْعَث لَنَا مَلِكا يَجْمَعُنَا تَحْت رَايَتَه كَي نُقَاتِل فِي سَبِيِل الْلَّه وَنَسْتَعَيِّد أَرْضِنَا وَمَجَّدْنَا. قَال نَبِيُّهُم وَكَان أَعْلَم بِهِم: هَل أَنْتُم وَاثِقُوْن مَن الْقِتَال لَو كُتِب عَلَيْكُم الْقِتَال؟
قَالُوْا: وَلِمَاذَا لَا نُقَاتِل فِي سَبِيِل الْلَّه، وَقَد طُرِدْنَا مِن دِيَارِنَا، وَتُشَرِّد أَبْنَاؤُنَا، وَسَاء حَالُنَا؟
قَال نَبِيُّهُم: إِن الْلَّه اخْتَار لَكُم طَالُوْت مَلِكا عَلَيْكُم. قَالُوْا: كَيْف يَكُوْن مِلْكا عَلَيْنَا وَهُو لَيْس مِن أَبْنَاء الْأَسِرَّة الَّتِي يَخْرُج مِنْهَا الْمُلُوْك -أَبْنَاء يَهُوَذَا- كَمَا أَنَّه لَيْس غَنِيّا وَفِيْنَا مِن هُو أَغْنَى مِنْه؟
قَال نَبِيُّهُم: إِن الْلَّه اخْتَارَه، وَفَضْلِه عَلَيْكُم بِعِلْمِه وَقُوَّة جِسْمِه. قَالُوْا: مَا هِي آَيَة مُلْكِه؟ قَال لَهُم نَبِيُّهُم: يَسْتَرْجِع لَكُم الْتَّابُوْت تَحْمِلُه الْمَلَائِكَة.
وَوَقَعَت هَذِه الْمُعْجِزَة.. وَعَادَت إِلَيْهِم الْتَّوْرَاة يَوْمَا.. ثُم تُجَهِّز جَيْش طَالُوْت، وَسَار الْجَيْش طَوْيِلا حَتَّى أَحَس الْجُنُوْد بِالْعَطَش..
قَال الْمَلَك طَالُوْت لِجُنُوْدِه: سَنُصَادِف نَهَرا فِي الْطَّرِيْق، فَمَن شَرِب مِنْه فَلْيَخْرُج مِن الْجَيْش، وَمَن لَم يَذُقْه وَإِنَّمَا بَل رِيْقَه فَقَط فَلْيَبْق مَعِي فِي الْجَيْش..
وَجَاء الْنَّهْر فَشَرِب مُعْظَم الْجُنُوْد، وَخَرَجُوْا مِن الْجَيْش، وَكَان طَالُوْت قَد أُعِد هَذَا الِامْتِحَان لِيُعَرِّف مِن يُطِيْعُه مِن الْجُنُوْد وَمَن يعَصَاه، وَلْيَعْرِف أَيُّهُم قَوِي الْإِرَادَة وَيَتَحَمَّل الْعَطَش، وَأَيْهَم ضَعِيْف الْإِرَادَة وَيَسْتَسْلِم بِسُرْعَة.
لَم يَبْق إِلَّا ثَلَاثِمِئَة وَثَلَاثَة عَشَر رَجُلا، لَكِن جَمِيْعَهُم مِن الْشُّجْعَان. كَان عَدَد أَفْرَاد جَيْش طَالُوْت قَلِيْلا، وَكَان جَيْش الْعَدُو كَبِيْرا وَقُويّا.. فَشَعَر بَعْض -هَؤُلَاء الْصَّفْوَة- أَنَّهُم أَضْعَف مِن جَالُوْت وَجَيْشِه وَقَالُوْا: كَيْف نُهْزَم هَذَا الْجَيْش الْجَبَّار..؟!
قَال الْمُؤْمِنُوْن مِن جَيْش طَالُوْت: الْنَّصْر لَيْس بِالْعُدَّة وَالْعُتَاد، إِنَّمَا الْنَّصْر مِن عِنْد الْلَّه.. (كَم مِّن فِئَة قَلِيْلَة غَلَبَت فِئَة كَثِيْرَة بِإِذْن الْلَّه).. فَثْبَّتُوَهُم.
وَبَرَز جَالُوْت فِي دَرَوْعِه الْحَدِيْدِيَّة وَسِلَاحُه، وَهُو يَطْلُب أَحَدا يُبَارِزُه.. وَخَاف مِنْه جُنُوْد طَالُوْت جَمِيْعا.. وَهْنَا بَرَز مِن جَيْش طَالُوْت رَاعِي غَنَم صَغِيْر هُو دَاوُد..
كَان دَاوُد مُؤْمِنا بِالْلَّه، وَكَان يُعَلِّم أَن الإِيْمَان بِالْلَّه هُو الْقُوَّة الْحَقِيقِيَّة فِي هَذَا الْكَوْن، وَأَن الْعِبْرَة لَيْسَت بِكَثْرَة السِّلَاح، وَلَا ضَخَامَة الْجِسْم وَمُظْهِر الْبَاطِل.
وَكَان الْمَلِك، قَد قَال: مَن يَقْتُل جَالُوْت يَصِيْر قَائِدَا عَلَى الْجَيْش وَيَتَزَوَّج ابْنَتَي.. وَلَم يَكُن دَاوُد يَهْتَم كَثِيْرَا لِهَذَا الْإِغْرَاء.. كَان يُرِيْد أَن يَقْتُل جَالُوْت لِأَن جَالُوْت رَجُل جَبَّار وَظَالِم وَلَا يُؤْمِن بِاللَّه.. وَسُمِح الْمَلِك لِدَاوُد أَن يُبَارِز جَالُوْت..
وَتُقَدِّم دَاوُد بِعَصَاه وَخَمْسَة أَحْجَار وَمِقْلاعَه (وَهُو نَبْلَة يَسْتَخْدِمُهَا الْرُّعَاة).. تَقَدَّم جَالُوْت الْمُدَجَّج بِالْسِّلاح وَالْدُّرُوع..
وَسَخَّر جَالُوْت مِن دَاوُد وَأَهَانَه وَضَحِك مِنْه، وَوَضَع دَاوُد حَجَرا قَوِيّا فِي مِقْلَاعِه وَطَوَّح بِه فِي الْهَوَاء وَأَطْلَق الْحَجَر. فَأَصَاب جَالُوْت فَقَتَلَه. وَبَدَأَت الْمَعْرَكَة وَانْتَصِر جَيْش طَالُوْت عَلَى جَيْش جَالُوْت.
جَمَع الْلَّه الْمَلِك وَالْنُّبُوَّة لِدَاوُد:
بَعْد فَتْرَة أَصْبَح دَاوُد -عَلَيْه السَّلَم- مُلْكَا لِبَنِي إِسْرَائِيْل، فَجَمَع الْلَّه عَلَى يَدَيْه الْنُّبُوَّة وَالْمُلْك مُرَّة أُخْرَى.
وَتَأْتِي بَعْض الرِّوَايَات لِتُخْبِرَنَا بِأَن طَالُوْت بَعْد أَن اشْتُهِر نَجْم دَاوُوْد أُكِلَت الْغَيْرَة قَلْبِه، وَحَاوَل قَتَلَه، وَتَسْتَمِر الرِّوَايَات فِي نَسْج مِثْل هَذِه الْأُمُور. لَكِنَّنَا لَا نَوَد الْخَوْض فِيْهَا فَلَيْس لَدَيْنَا دَلِيْل قَوِي عَلَيْهَا. مَا يَهُمُّنَا هُو انْتِقَال الْمِلْك بَعْد فَتْرَة مِن الْزَّمْن إِلَى دَاوُد.
لَقَد أَكْرَم الْلَّه نَبِيَّه الْكَرِيْم بِعِدَّة مُعْجِزَات:
لَقَد أُنْزِل عَلَيْه الْزَّبُوُر (وَآَتَيْنَا دَاوُوْد زَبُوْرا)، وَآَتَاه جَمَال الْصَّوْت، فَكَان عِنْدَمَا يُسَبِّح، تُسَبِّح الْجِبَال وَالْطُّيُوْر مَعَه، وَالْنَّاس يَنْظُرُوْن.
وَأَلَان الْلَّه فِي يَدَيْه الْحَدِيْد، حَتَّى قِيَل أَنَّه كَان يَتَعَامَل مَع الْحَدِيْد كَمَا كَان الْنَّاس يَتَعَامَلُوْن مَع الْطِّيْن وَالْشَّمَع، وَقَد تَكُوْن هَذِه الإِلَانَة بِمَعْنَى أَنَّه أَوَّل مَن عَرَّف أَن الْحَدِيْد يَنْصَهِر بِالْحَرَارَة. فَكَان يَصْنَع مِنْه الْدُّرُوع.
كَانَت الْدُّرُوع الْحَدِيدِيَّة الَّتِي يَصْنَعُهَا صُنّاع الْدُّرُوع ثَقِيْلَة وَلَا تَجْعَل الْمُحَارِب حُرّا يَسْتَطِيْع أَن يَتَحَرَّك كَمَا يَشَاء أَو يُقَاتِل كَمَا يُرِيْد.
فَقَام دَاوُوْد بِصِنَاعَة نَوْعِيَّة جَدِيْدَة مِن الْدُّرُوع. دِرْع يَتَكَوَّن مِن حَلَقَات حَدِيْدِيَّة تَسْمَح لِلْمُحَارِب بِحُرِّيَّة الْحَرَكَة، وَتَحْمِي جَسَدِه مِن الْسُّيُوْف وَالفُئُوس وَالْخَنَاجِر.. أَفْضَل مِن الْدُّرُوع الْمَوْجُوْدَة أَيَّامُهَا..
وَشَد الْلَّه مَلْك دَاوُد، جَعَلَه الْلَّه مَنْصُوْرا عَلَى أَعْدَائِه دَائِمَا.. وَجَعَل مُلْكِه قَوِيّا عَظِيْما يُخِيْف الْأَعْدَاء حَتَّى بِغِيْر حَرْب، وَزَاد الْلَّه مِن نِعَمِه عَلَى دَاوُد فَأَعْطَاه الْحِكْمَة وَفَصْل الْخِطَاب، أَعْطَاه الْلَّه مَع الْنُّبُوَّة وَالْمَلَك حِكْمَة وَقُدْرَة عَلَى تَمْيِيْز الْحَق مِن الْبَاطِل وَمَعْرِفَة الْحَق ومُسَانَدَتِه.. فَأَصْبَح نَبِيّا مَلِكَا قَاضِيَا.
الْقَضَايَا الَّتِي عَرَضْت عَلَى دَاوُد:
يَرْوِي لَنَا الْقُرْآَن الْكَرِيْم بَعْضَا مِن الْقَضَايَا الَّتِي وَرَدَت عَلَى دَاوُد -عَلَيْه الْسَّلَام:
فَلَقَد جَلَس دَاوُد كَعَادَتِه يَوْمَا يَحْكُم بَيْن الْنَّاس فِي مُشْكِلَاتِهِم.. وَجَاءَه رَجُل صَاحِب حَقْل وَمَعَه رَجُل آَخَر.. وَقَال لَه صَاحِب الْحَقْل: سَيِّدِي الْنَّبِي.. إِن غَنَم هَذَا الْرَّجُل نَزَلَت حَقْلِي أَثْنَاء الْلَّيْل، وَأَكَلْت كُل عَنَاقِيْد الْعِنَب الَّتِي كَانَت فِيْه.. وَقَد جِئْت إِلَيْك لِتُحْكِم لِي بِالْتَّعْوِيْض..
قَال دَاوُد لِصَاحِب الْغَنَم: هَل صَحِيْح أَن غَنَمِك أَكَلْت حَقْل هَذَا الْرَّجُل؟ قَال صَاحِب الْغَنَم: نَعَم يَا سَيِّدِي.. قَال دَاوُد: لَقَد حَكَمْت بِأَن تُعْطِيَه غَنَمِك بَدَلَا مِن الْحَقْل الَّذِي أَكَلَتْه.
قَال سُلَيْمَان.. وَكَان الْلَّه قَد عَلِمَه حِكْمَة تُضَاف إِلَى مَا وَرِث مِن وَالِدِه: عِنْدِي حُكْم آَخِر يَا أَبِي.. قَال دَاوُد: قُلْه يَا سُلَيْمَان.. قَال سُلَيْمَان: أَحْكَم بِأَن يَأْخُذ صَاحِب الْغَنَم حَقْل هَذَا الْرَّجُل الَّذِي أَكَلَتْه الْغَنَم..
وَيُصْلِحُه لَه وَيَزْرْعَه حَتَّى تَنْمُو أَشْجَار الْعِنَب، وَأَحْكَم لِصَاحِب الْحَقْل أَن يَأْخُذ الْغَنَم لِيَسْتَفِيْد مِن صُوْفِهَا وَلَبَنُهَا وَيَأْكُل مِنْه، فَإِذَا كَبَّرْت عَنَاقِيْد الْغَنَم وَعَاد الْحَقْل سَلِيْمَا كَمَا كَان أَخَذ صَاحِب الْحَقْل حَقْلِه وَأَعْطَى صَاحِب الْغَنَم غَنَمِه..
قَال دَاوُد: هَذَا حُكْم عَظِيْم يَا سُلَيْمَان.. الْحَمْد لِلَّه الَّذِي وَهَبَك الْحِكْمَة..
وَقَد وَرَد فِي الْصَّحِيْح قِصَّة أُخْرَى:
حَدَّثَنِى زُهَيْر بْن حَرْب حَدَّثَنِى شَبَابَة حَدَّثَنِى وَرْقَاء عَن أَبِى الْزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أَبِى هُرَيْرَة عَن الْنَّبِى صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم قَال: « بَيْنَمَا امْرَأَتَان مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاء الْذِّئْب فَذَهَب بِابْن إِحْدَاهُمَا فَقَالَت هَذِه لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا ذَهَب بِابْنِك أَنْت. وَقَالَت الْأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَب بِابْنِك. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُد فَقَضَى بِه لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَان بْن دَاوُد عَلَيْهِمَا الْسَّلام فَأَخْبَرَتَاه فَقَال ائْتُوْنِى بِالْسِّكِّيْن أَشُقُّه بَيْنَكُمَا. فَقَالَت الْصُّغْرَى لَا.. يَرْحَمُك الْلَّه هُو ابْنُهَا. فَقَضَى بِه لِلْصُّغْرَى ».
قَال قَال أَبُو هُرَيْرَة وَالْلَّه إِن سَمِعْت بِالْسِّكِّيْن قَط إِلَا يَوْمَئِذ مَا كُنَّا نَقُوُل إِلَا الْمُدْيَة.
فِتْنَة دَاوُد:
وَكَان دَاوُد رَغْم قُرْبِه مِن الْلَّه وَحُب الْلَّه لَه، يَتَعَلَّم دَائِمَا مِن الْلَّه، وَقَد عَلَّمَه الْلَّه يَوْما أَلَا يَحْكُم أَبَدا إِلَا إِذَا اسْتَمَع لِأَقْوَال الْطَّرَفَيْن الْمُتَخَاصِمَيْن.. فَيَذْكُر لَنَا الْمَوْلَى فِي كِتَابِه الْكَرِيْم قَضِيَّة أُخْرَى عُرِّضَت عَلَى دَاوُد عَلَيْه الْسَّلام.
جَلَس دَاوُد يَوْمَا فِي مِحْرَابِه الَّذِي يُصَلِّي لِلَّه وَيَتَعَبَّد فِيْه، وَكَان إِذَا دَخَل حُجْرَتَه أَمَر حُرَّاسُه أَلَا يَسْمَحُوا لِأَحَد بِالْدُّخُوْل عَلَيْه أَو إِزْعَاجُه وَهُو يُصَلِّي..
ثُم فُوْجِئ يَوْما فِي مِحْرَابِه بِأَنَّه أَمَام اثْنَيْن مِن الْرِّجَال.. وَخَاف مِنْهُمَا دَاوُد لِأَنَّهُمَا دَخَلْا رَغِم أَنَّه أَمَر أَلَا يَدْخُل عَلَيْه أَحَد. سَأَلَهُمَا دَاوُد: مَن أَنْتُمَا؟ قَال أَحَد الْرَّجُلَيْن: لَا تَخَف يَا سَيِّدِي.. بَيْنِي وَبَيْن هَذَا الْرَّجُل خُصُوْمَة وَقَد جِئْنَاك لِتَحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَق.
سَأَل دَاوُد: مَا هِي الْقَضَيَّة؟ قَال الْرَّجُل الْأَوَّل: (إِن هَذَا أَخِي لَه تِسْع وَتِسْعُوْن نَعْجَة وَلِي نَعْجَة وَاحِدَة). وَقَد أَخَذَهَا مِنِّي. قَال أَعْطِهَا لِي وَأَخَذَهَا مِنِّي..
وَقَال دَاوُد بِغَيْر أَن يَسْمَع رَأْي الْطَّرْف الْآَخَر وَحُجَّتِه: (لَقَد ظَلَمَك بِسُؤَال نَعْجَتِك إِلَى نِعَاجِه).. وَإِن كَثِيْرا مِّن الْشُّرَكَاء يَظْلِم بَعْضُهُم بَعْضا الَّا الَّذِيْن آَمَنُوْا..
وَفُوْجِئ دَاوُد بِاخْتِفَاء الْرَّجُلَيْن مِن أَمَامِه.. اخْتَفَى الْرَّجُلَان كَمَا لَو كَانَا سَحَابَة تَبَخَّرَت فِي الْجَو وَأَدْرَك دَاوُد أَن الْرَّجُلَيْن مَلَكَان أَرْسَلَهُمَا الْلَّه إِلَيْه لِيُعَلَّمَّاه دَرْسَا..
فَلَا يَحْكُم بَيْن الْمُتَخَاصِمِين مَن الْنَّاس إِلَا إِذَا سَمِع أَقْوَالِهِم جَمِيْعا، فَرُبَّمَا كَان صَاحِب الْتِّسْع وَالْتِّسْعِيْن نَعْجَة مَعَه الْحَق.. وَخَر دَاوُد رَاكِعا، وَسَجَد لِلَّه، وَاسْتَغْفِر رَبِّه..
نُسِجَت أَسَاطِيْر الْيَهُوْد قَصَصا مَرِيْبَة حَوْل فِتْنَة دَاوُد عَلَيْه الْسَّلام، وَقِيْل أَنَّه اشْتَهَى امْرَأَة أَحَد قُوَّاد جَيْشِه فَأَرْسِلْه فِي مَعْرَكَة يَعْرِف مَن الْبِدَايَة نِهَايَتِهَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى امْرَأَتِه.. وَلَيْس أَبْعَد عَن تَصَرُّفَات دَاوُد مِن هَذِه الْقِصَّة الْمُخْتَلَقَة.. إِن إِنْسَانا يَتَّصِل قَلْبُه بِاللَّه، وَيَتَّصِل تَسْبِيْحَه بِّتَسْبِيْح الْكَائِنَات وَالْجَمَادَات، يَسْتَحِيْل عَلَيْه أَن يُرَى أَو يُلَاحِظ جَمَالَا بَشِّرِيّا مَحْصُوْرا فِي وَجْه امْرَأَة أَو جَسَدِهَا..
وَفَاتِه عَلَيْه الْسَّلَام:
عَاد دَاوُد يَعْبُد الْلَّه وَيُسَبِّحُه حَتَّى مَات وَكَان دَاوُد يَصُوْم يَوْما وَيُفْطِر يَوْما.. قَال رَسُوْل الْلَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم عَن دَاوُد: "أَفْضَل الصِّيَام صِيَام دَاوُد. كَان يَصُوْم يَوْما وَيُفْطِر يَوْما. وَكَان يَقْرَأ الْزَّبُوُر بِسَبْعِيْن صَوْتَا، وَكَانَت لَه رَكْعَة مِن الْلَّيْل يَبْكِي فِيْهَا نَفْسَه وَيَبْكِي بِبُكَائِه كُل شَيْء وَيَشْفِي بِصَوْتِه الْمَهْمُوْم وَالْمَحْمُوْم"..
جَاء فِي الْحَدِيْث الْصَّحِيْح أَن دَاوُد عَلَيْه الْسَّلام كَان شَدِيْد الْغَيْرَة عَلَى نِسَاءِه، فَكَانَت نِسَاءَه فِي قَصْر، وَحَوْل الْقَصْر أَسْوَار، حَتَّى لَا يَقْتَرِب أَحَد مِن نِسَاءَه. وَفِي أَحَد الْأَيَّام رَأَى الْنِّسْوَة رَجُلا فِي صَحْن الْقُصَّر، فَقَالُوَا: مِّن هَذَا وَالْلَّه لَئِن رَآَه دَاوُد لَّيَبِطِّشن بِه.
فَبَلَغ الْخَبَر دَاوُد -عَلَيْه الْسَّلَام- فَقَال لِلْرَّجُل: مَن أَنْت؟ وَكَيْف دَخَلْت؟ قَال: أَنَا مِن لَا يَقِف أَمَامَه حَاجِز. قَال: أَنْت مَلِك الْمَوْت. فَأَذِن لَه فَأَخَذ مُلْك الْمَوْت رُوْحَه.
مَّات دَاوُد عَلَيْه الْسَّلام وَعُمْرُه مِئَة سَنَة. وَشُيِّع جَنَازَتَه عَشَرَات الْآَلَاف، فَكَان مَحْبُوْبا جَدَّا بَيْن الْنَّاس، حَتَّى قِيَل لَم يَمُت فِي بَنِي إِسْرَائِيْل بَعْد مُوْسَى وَهَارُوْن أَحَد كَان بَنَوْا إِسْرَائِيْل أَشَد جَزَعَا عَلَيْه.. مِنْهُم عَلَى دَاوُد.. وَآَذَّت الْشَّمْس الْنَّاس فَدَعَا سُلَيْمَان الْطَّيْر قَال: أَظَلِّي عَلَى دَاوُد.
فَأَظَلْتِه حَتَّى أَظْلَمَت عَلَيْه الْأَرْض. وَسَكَنَت الرِّيَح. وَقَال سُلَيْمَان لِلْطَّيْر: أَظَلِّي الْنَّاس مَن نَاحِيَة الْشَّمْس وَتُنَحِّي مِن نَاحِيَة الرِّيَح. وَأَطَاعَت الْطَّيْر. فَكَان ذَلِك أَوَّل مَا رَآَه الْنَّاس مِن مَلَك سُلَيْمَان.آَتَاه الْلَّه الْعِلْم وَالْحِكْمَة وَسَخَّر لَه الْجِبَال وَالْطَّيْر يُسَبِّحْن مَعَه وَأَلَان لَه الْحَدِيد، كَان عَبْدا خَالِصا لِلَّه شَكُوْرا يَصُوْم يَوْما وَيُفْطِر يَوْما يَقُوْم نِصْف الْلَّيْل وَيَنَام ثُلُثَه وَيَقُوْم سُدُسَه وَأَنْزَل الْلَّه عَلَيْه الْزَّبُوُر وَقَد أُوْتِي مُلْكا عَظِيْما وَأَمَرَه الْلَّه أَن يَحْكُم بِالْعَدْل.
|
|