431
" استوصوا بالمعزى خيرا فإنها مال رفيق , و هو فى الجنة , و أحب المال إلى الله
الضأن , و عليكم بالبياض , فإن الله خلق الجنة بيضاء , فليلبسه أحياؤكم ,
و كفنوا فيه موتاكم , و إن دم الشاة البيضاء أعظم عند الله من دم السوداوين " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الموضوعة ( 1 / 620 ) :
$ موضوع .
أخرجه الطبراني ( 3 / 113 / 1 ـ 2 ) و ابن عدي ( 2 / 378 ) من طريق أبي شهاب عن
حمزة النصيبي , عن عمرو بن دينار , عن # ابن عباس # مرفوعا .
قلت : و هذا إسناد موضوع , و علته حمزة النصيبي , قال ابن حبان ( 1 / 270 )
يضع الحديث .
و الحديث قال في " المجمع " ( 4 / 66 ) :
رواه الطبراني في " الكبير " و فيه حمزة النصيبي , و هو متروك .
و من طريقه أخرج منه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 330 ) الطرف الأول .
432
" نهى عن المواقعة قبل المداعبة " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 621 ) :
$ موضوع .
رواه الخطيب ( 13 / 220 ـ 221 ) و عنه ابن عساكر ( 16 / 299 / 2 ) و أبو عثمان
النجيرمي في " الفوائد المخرجة من أصول مسموعاته " ( 24 / 1 ) من طريق خلف بن
محمد الخيام بسنده عن أبي الزبير عن #جابر #مرفوعا , قال الذهبي في ترجمة
الخيام هذا من " الميزان " .
قال الحاكم : سقط حديثه بروايته حديث : " نهى عن الوقاع قبل الملاعبة " ,
و قال الخليلى : خلط , و هو ضعيف جدا , روى فنونا لا تعرف .
قلت : و أبو الزبير مدلس , و قد عنعنه .
و الحديث أورده الشيخ أحمد الغماري في " المغير " ( ص 100 ) .
433
" يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا من الله عز وجل عليهم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 621 ) :
$ موضوع .
رواه ابن عدي ( 17 / 2 ) عن إسحاق بن إبراهيم الطبري , حدثنا مروان الفزاري ,
عن حميد الطويل , عن # أنس # مرفوعا و قال :
هذا منكر المتن بهذا الإسناد , و إسحاق بن إبراهيم منكر الحديث .
و قال ابن حبان :
يروي عن ابن عيينة و الفضل بن عياض , منكر الحديث جدا , يأتي عن الثقات
بالموضوعات , لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب , و قال الحاكم :
روى عن الفضيل و ابن عيينة أحاديث موضوعة , و أورده ابن الجوزي في " الموضوعات
" (3 / 248 ) من طريق ابن عدي و قال : لا يصح , إسحاق منكر الحديث .
و تعقبه السيوطي في " اللآليء " ( 2 / 449 ) بأن له طريقا أخرى عند الطبراني ,
يعني الحديث الذي بعده , و هو مع أنه مغاير لهذا في موضع الشاهد منه , فإن هذا
نصه " بأمهاتهم " و هو نصه " بأسمائهم " و شتان بين اللفظين , و قد رده ابن
عراق فقال ( 2 / 381 ) :
قلت : هو من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر , فلا يصح شاهدا .
قلت : لأن الشرط في الشاهد أن لا يشتد ضعفهو هذا ليس كذلك , لأن إسحاق بن
بشر هذا في عداد من يضع الحديث , كما تقدم في الحديث ( 223 ) .
و قد ثبت ما يخالفه , ففي " سنن أبي داود " بإسناد جيد كما قاله النووي في "
الأذكار " من حديث أبي الدرداء مرفوعا : " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم و
أسماء آبائكم " و في الصحيح من حديث عمر مرفوعا : " إذا جمع الله الأولين و
الآخرين يوم القيامة , يرفع لكل غادر لواء , فيقال : هذه غدرة فلان بن فلان ,
والله أعلم .
قلت : حديث أبي الدرداء ضعيف ليس بجيد , لانقطاعه , و قد أعله بذلك أبو داود
نفسه , فقد قال عقبه ( رقم 4948 ) : ابن أبي زكريا لم يدرك أبا الدرداء .
و سوف يأتي تخريجه في هذه " السلسلة " ( 5460 ) .
قلت : و بذلك أعله جماعة آخرون , كالبيهقى , و المنذري , و العسقلاني .
فلا يغتر بعد هذا بقول النووي و من تبعه , و انظر " فيض القدير " .
434
" إن الله تعالى يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترا منه على عباده , و أما
عند الصراط فإن الله عز وجل يعطي كل مؤمن نورا , و كل مؤمنة نورا , و كل منافق
نورا , فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين و المنافقات , فقال
المنافقون : *( انظرونا نقتبس من نوركم )* ( الحديد : 13 ) , و قال المؤمنون :
*( ربنا أتمم لنا نورنا ) ( التحريم : 8 ) فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 623 ) :
$ موضوع .
أخرجه الطبراني ( 3 / 115 / 1 ) من طريق إسماعيل بن عيسى العطار , أخبرنا إسحاق
بن بشر أبو حذيفة , أخبرنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة , عن # ابن عباس #
مرفوعا .
قلت : و إسحاق هذا كذاب , و قد تقدم طرفه الأول آنفا بسند آخر له كما تقدمت
له أحاديث , و قال الهيثمي في " المجمع " ( 10 / 359 ) بعد أن ساق الحديث من
رواية الطبراني : و هو متروك .
435
" طاعة المرأة ندامة " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 623 ) :
$ موضوع .
رواه ابن عدي ( ق 308 / 1 ) عن عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي , عن عنبسة بن
عبد الرحمن , عن محمد بن زاذان , عن # أم سعد بنت زيد بن ثابت عن أبيها #
مرفوعا , أورده في ترجمة عنبسة هذا و قال : و له غير ما ذكرت , و هو منكر
الحديث .
قلت : و قال أبو حاتم كان يضع الحديث , و أما عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي .
فقال ابن عدي ( 290 / 2 ) :
لا بأس به , إلا أنه يحدث عن قوم مجهولين بعجائب , و تلك العجائب من جهة
المجهولين .
قلت : و على هذا جرى من بعده من المحققين , و قد ضعفه بعضهم .
و الحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 2 / 272 ) من رواية ابن عدي هذه
و قال : لا يصح , عنبسة ليس بشيء , و عثمان لا يحتج به .
و روى الحديث عن عائشة بلفظ : " طاعة النساء ندامة " .
أخرجه العقيلي ( ص 381 ) و ابن عدي ( ق 156 / 1 ) و القضاعي ( ق 12 / 2 )
و الباطرقاني في " حديثه " ( 168 / 1 ) و ابن عساكر ( 15 / 200 / 2 ) عن محمد
ابن سليمان بن أبي كريمة , عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة مرفوعا ,
و قال العقيلي :
محمد بن سليمان حدث عن هشام ببواطل لا أصل لها , منها هذا الحديث , و قال ابن
عدي : ما حدث بهذا الحديث عن هشام إلا ضعيف , و حدث به عن هشام خالد ابن الوليد
المخزومي , و هو أضعف من ابن أبي كريمة .
و قد تعقب السيوطي ابن الجوزي كعادته , فذكر في " اللآليء " ( 2 / 174 ) أن له
طريقين آخرين عن هشام , و شاهدا من حديث أبي بكرة , لكن في أحد الطريقين خلف بن
محمد بن إسماعيل , و هو ساقط الحديث , كما تقدم عن الحاكم في الحديث ( 422 ) ,
و قد أخرجه من هذه الطريق أبو بكر المقري الأصبهاني في " الفوائد " ( 12 / 192
/ 2 ) و أبو أحمد البخاري في جزء من حديثه ( 2 / 1 ) .
و في الطريق الأخرى أبو البختري و اسمه وهب بن وهب وضاع مشهور .
و أما الشاهد , فهو مع ضعف سنده مخالف لهذا اللفظ , و هو الآتى بعده .
و فاته شاهد آخر , أخرجه ابن عساكر ( 5 / 327 / 2 ) من حديث جابر مرفوعا باللفظ
الأول , و فيه جماعة لا يعرفون , و علي بن أحمد بن زهير التميمي .
قال الذهبي : ليس يوثق به , و أما الشاهد عن أبي بكرة فهو :
436
" هلكت الرجال حين أطاعت النساء " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 625 ) :
$ ضعيف .
أخرجه ابن عدي ( 38 / 1 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 34 ) و ابن
ماسي في آخر " جزء الأنصاري " ( 11 / 1 ) و الحاكم ( 4 / 291 ) و أحمد ( 5 / 45
) من طريق أبي بكرة , بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه , عن أبي بكرة ,
أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بشير يبشره بظفر خيل له , و رأسه في حجر
عائشة , فقام فحمد الله تعالى ساجدا , فلما انصرف أنشأ يسأل الرسول , فحدثه ,
فكان فيما حدثه من أمر العدو , و كانت تليهم امرأة , و في رواية أحمد : أنه ولي
أمرهم امرأة , فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره .
و قال الحاكم : صحيح الإسناد , و وافقه الذهبي .
قلت : و هذا ذهول منه عما ذكره في ترجمة بكار هذا من " الميزان " :
قال ابن معين : ليس بشيء , و قال ابن عدي : هو من جملة الضعفاء الذين يكتب
حديثهم , و قال في " الضعفاء " : ضعيف مشاه ابن عدي .
قلت : و أنا أظن أن هذا الحديث عن أبي بكرة له أصل بلفظ آخر , و هو ما أخرجه
البخاري في " صحيحه " ( 13 / 46 - 47 ) عنه : لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم
أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " .
و أخرجه الحاكم أيضا , و أحمد ( 5 / 38 , 43 , 47 , 50 , 51 ) من طرق عن أبي
بكرة , هذا هو أصل الحديث , فرواه حفيده عنه باللفظ الأول فأخطأ , و الله أعلم
.
و بالجملة , فالحديث بهذا اللفظ ضعيف لضعف راويه , و خطئه فيه , ثم إنه ليس
معناه صحيحا على إطلاقه , فقد ثبت في قصة صلح الحديبية من " صحيح البخاري "
( 5 / 365 ) أن أم سلمة رضي الله عنها أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم حين
امتنع أصحابه من أن ينحروا هديهم أن يخرج صلى الله عليه وسلم و لا يكلم أحدا
منهم كلمة حتى ينحر بدنه و يحلق , ففعل صلى الله عليه وسلم , فلما رأى أصحابه
ذلك قاموا فنحروا , ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أطاع أم سلمة فيما أشارت
به عليه , فدل على أن الحديث ليس على إطلاقه , و مثله الحديث الذي لا أصل له :
" شاوروهن و خالفوهن " و قد تقدم برقم ( 430 ) .
437
" من ولد له ثلاثة فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 627 ) :
$ موضوع .
قال الطبراني في " الكبير " ( 108 - 109 ) : حدثنا أحمد بن النضر العسكري ,
أخبرنا أبو خيثمة مصعب بن سعيد , أخبرنا موسى بن أيمن , عن ليث , عن مجاهد , عن
# ابن عباس # مرفوعا , و من طريق مصعب هذا رواه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده
" ( 199 ـ 200 من زوائده ) و ابن عدي ( 280 / 2 ) .
قلت : و هذا إسناد ضعيف جدا , مصعب هذا قال ابن عدي :
يحدث عن الثقات بالمناكير , ثم ساق له منها ثلاثة , عقب الذهبي عليها بقوله :
ما هذه إلا مناكير و بلايا , ثم قال ابن عدي :
و الضعف على رواياته بين , و قال صالح جزرة :
شيخ ضرير لا يدرى ما يقول , و تابعه الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحراني ,
و لكن لم أجد من ترجمه , ثم وجدناه في الجرح ( 4 / 4 / 10 ) و ثقات ابن حبان
( 9 / 227 ) و لكن الراوي عنه أبو بدر أحمد بن خالد بن مسرح الحراني .
قال الدارقطني : ليس بشيء , فلا قيمة لهذه المتابعة , و هي عند الحافظ ابن بكير
الصيرفي في فضل من اسمه أحمد و محمد ( 58 / 1 ) .
و ليث ابن أبي سليم ضعيف باتفاقهم , و قد روى ابن أبي حاتم ( 3 / 2 / 178 )
بإسناد صحيح عن عيسى بن يونس و قد قيل له : لم لم تسمع منه ? فقال :
قد رأيته , و كان قد اختلط , و كان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن .
و به أعل ابن الجوزي هذا الحديث في " الموضوعات " (1 / 154 ) و قد أورده من
رواية ابن عدي بإسناده عن مصعب به ثم قال :
تفرد به موسى عن ليث , و ليث تركه أحمد و غيره , قال ابن حبان : اختلط في آخر
عمره , فكان يقلب الأسانيد و يرفع المراسيل .
و تعقبه السيوطي في " اللآليء " ( 1 / 101 ـ 102 ) بقوله :
ليث لم يبلغ أمره أن يحكم على حديثه بالوضع , فقد روى له مسلم و الأربعة
و وثقه ابن معين و غيره .
قلت : إنما قال فيه ابن معين : لا بأس به , كما في " الميزان " و " التهذيب "
و هذا في رواية عنه , و إلا فقد روى الثقات عنه تضعيفه , و هذا الذي ينبغي
اعتماده , لأن سبب تضعيفه واضح و هو الاختلاط , و يمكن الجمع بين القولين بأنه
أراد بالأول أنه صدوق في نفسه , يعني أنه لا يكذب عمدا , و هذا لا ينافي ضعفه
الناتج من شيء لا يملكه , و هو الاختلاط , و هذا ما أشار إليه البخاري حين قال
فيه : صدوق , يهم , و مثله قول يعقوب بن شيبة : هو صدوق , ضعيف الحديث و نحوه .
قال عثمان ابن أبي شيبة و الساجي : و هؤلاء هم الذين عناهم السيوطي بقوله :
... و غيره , فتبين أن الأئمة مجمعون على تضعيفه , و كونه ثقة في نفسه لا يدفع
عنه الضعف الذي وصف به , و هذا بين لا يخفى على من له أدنى إلمام بالجرح
و التعديل , فظهر أن ما استروح إليه السيوطي من التوثيق لا فائدة فيه .
نعم قوله : إن ليثا لا يبلغ أمره أن يحكم على حديثه بالوضع , صحيح , و لكن قد
يحيط بالحديث الضعيف ما يجعله في حكم الموضوع , مثل أن لا يجرى العمل عليه من
السلف الصالح , و هذا الحديث من هذا القبيل , فإننا نعلم كثيرا من الصحابة كان
له ثلاثة أولاد و أكثر , و لم يسم أحدا منهم محمدا , مثل عمر بن الخطاب و غيره
, و أيضا , فقد ثبت أن أفضل الأسماء عبد الله , و عبد الرحمن , و هكذا
عبد الرحيم , و عبد اللطيف , و كل اسم تعبد لله عز وجل , فلو أن مسلما سمى
أولاده كلهم عبيدا لله تعالى , و لم يسم أحدهم محمدا , لأصاب , فكيف يقال فيه :
فقد جهل ? و لا سيما أن في السلف من ذهب إلى كراهة التسمي بأسماء الأنبياء ,
و إن كنا لا نرضى ذلك لنا مذهبا .
و إن من توفيق الله عز وجل إياي أن ألهمني أن أعبد له أولادي كلهم و هم : عبد
الرحمن و عبد اللطيف و عبد الرزاق من زوجتي الأولى ـ رحمهما الله تعالى ـ و عبد
المصور و عبد الأعلى من زوجتي الأخرى و الاسم الرابع ما أظن أحدا سبقني إليه
على كثرة ما وقفت عليه من الأسماء في كتب الرجال و الرواة ثم اتبعني على هذه
التسمية بعض المحبين و منهم واحد من فضلاء المشايخ جزاهم الله خيرا أسأل الله
تعالى أن يزيدني توفيقا و أن يبارك لي في آلي *( ربنا هب لنا من أزواجنا
و ذرياتنا قرة أعين و اجعلنا للمتقين إماما )* ثم رزقت سنة 1383 هـ و أنا في
المدينة المنورة غلاما فسميته محمدا ذكرى مدينته صلى الله عليه وسلم و عملا
بقوله صلى الله عليه وسلم " تسموا باسمي , و لا تكنوا بكنيتي " متفق عليه
و في سنة 1386 هـ رزقت بأخ له فسميته عبد المهيمن , و الحمد لله على توفيقه .
و جملة القول أنه لا يلزم من كون الحديث ضعيف السند , أن لا يكون في نفسه
موضوعا , كما لا يلزم منه أن لا يكون صحيحا , أما الأول , فلما ذكرنا , و أما
الآخر , فلاحتمال أن يكون له طرق و شواهد ترقيه إلى درجة الحسن أو الصحيح ,
و هذا أمر لا يتساهل السيوطي في مراعاته أقل تساهل , كما هو بين في تعقبه على
ابن الجوزي في " اللآليء المصنوعة " بينما لا نراه يعطى الأمر الأول ما يستحقه
من العناية و التقدير , فنجده في كثير من الأحاديث التي حكم ابن الجوزي بوضعها
, يحاول تخليصها من الوضع , ناظرا إلى السند فقط , بينما ابن الجوزي نظر إلى
المتن أيضا , و هو من دقيق نظره الذي يحمد عليه , و منها الحديث الذي نحن في
صدد الكلام عليه , و لا يتقوى الحديث بأنه روى من حديث واثلة بن الأسقع , و من
حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده , و من حديث عبد الملك بن هارون بن عنترة عن
أبيه عن جده , أخرجها ابن بكير في الجزء المذكور " فضل من اسمه أحمد و محمد "
لأن طرقها كلها لا تخلو من متهم , كما بينه ابن عراق في " تنزيه الشريعة "
( 82 / 1 ) .
أما حديث واثلة , ففيه عمر بن موسى الوجيهي , و هو وضاع , و أما حديث جعفر بن
محمد عن أبيه عن جده , ففيه عبد الله بن داهر الرازي , اتهمه ابن الجوزي , ثم
الذهبي , بالوضع , و الحديث الثالث آفته عبد الملك بن هارون , و هو كذاب وضاع .
438
" مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 631 ) :
$ موضوع .
رواه القضاعي ( 109 / 2 ) عن جعفر بن عبد الواحد قال : قال لنا وهب بن جرير بن
حازم عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن # أبي هريرة # مرفوعا .
قلت : و كتب بعض المحدثين على الهامش و أظنه ابن المحب أو الذهبي :
هذا حديث ليس بصحيح .
قلت : يعني أنه موضوع و آفته جعفر هذا , قال الدارقطني :
يضع الحديث , و قال أبو زرعة : روى أحاديث لا أصل لها , و ساق الذهبي أحاديث
اتهمه بها , منها هذا , و قال : إنه من بلاياه , و قد تقدم الحديث بنحوه مع
الكلام على طرقه و أكثر ألفاظه برقم ( 58 ـ 62 ) فراجعه إن شئت فإن تحته فوائد
جمة .
439
" يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فى أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 632 ) :
$ موضوع .
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 112 / 1 ) و الدارقطني في " سننه "
( ص 148 ) و من طريقه البيهقي ( 3 / 137 ـ 138 ) من طريق إسماعيل بن عياش عن
عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه , و عطاء بن أبي رباح عن # ابن عباس # مرفوعا .
قلت : و هذا موضوع , سببه عبد الوهاب بن مجاهد , كذبه سفيان الثوري , و قال
الحاكم : " روى أحاديث موضوعة " .
و قال ابن الجوزي : " أجمعوا على ترك حديثه " .
و إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين , و هذه منها , فإن ابن
مجاهد حجازي .
و قد قل البيهقي عقب الحديث :
" و هذا حديث ضعيف إسماعيل بن عياش لا يحتج به , و عبد الوهاب بن مجاهد ضعيف
بمرة , و الصحيح أن ذلك من قول ابن عباس " .
قلت : أخرجه البيهقي من طريق عمرو بن دينار عن عطاء به موقوفا , و سنده صحيح .
و ابن مجاهد , لم يسم في رواية الطبراني , و لذلك لم يعرفه الهيثمي ( 2 / 157 )
.
و مما يدل على وضع هذا الحديث , و خطأ نسبته إليه صلى الله عليه وسلم , ما قاله
شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في أحكام السفر ( 2 / 6 - 7 من مجموعة الرسائل
و المسائل ) :
هذا الحديث إنما هو من قول ابن عباس , و رواية ابن خزيمة و غيره له مرفوعا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم باطلة بلا شك عند أئمة الحديث , و كيف يخاطب النبي
صلى الله عليه وسلم أهل مكة بالتحديد , و إنما قام بعد الهجرة زمنا يسيرا و هو
بالمدينة , لا يحد لأهلها حدا كما حده لأهل مكة , و ما بال التحديد يكون لأهل
مكة دون غيرهم من المسلمين ?!
و أيضا , فالتحديد بالأميال و الفراسخ يحتاج إلى معرفة مقدار مساحة الأرض , و
هذا أمر لا يعلمه إلا خاصة الناس , و من ذكره , فإنما يخبر به عن غيره تقليدا
, و ليس هو مما يقطع به , و النبي صلى الله عليه وسلم لم يقدر الأرض بمساحة
أصلا , فكيف يقدر الشارع لأمته حدا لم يجر به له ذكر في كلامه , و هو مبعوث إلى
جميع الناس ?!
فلابد أن يكون مقدار السفر معلوما علما عاما .
و من ذلك أيضا أنه ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء الحديث أن النبي
صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة , و مزدلفة , و في
أيام منى , و كذلك أبو بكر و عمر بعده , و كان يصلي خلفهم أهل مكة, و لم
يأمروهم بإتمام الصلاة , فدل هذا على أن ذلك سفر , و بين مكة و عرفة بريد ,
و هو نصف يوم بسير الإبل و الأقدام .
و الحق أن السفر ليس له حد في اللغة و لا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف , فما
كان سفرا في عرف الناس , فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم ,
و تحقيق هذا البحث الهام تجده في رسالة ابن تيمية المشار إليها آنفا , فراجعها
فإن فيها فوائد هامة لا تجدها عند غيره .
440
" حسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد , و إن الخلق السوء يفسد العمل
كما يفسد الخل العسل " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 634 ) :
$ ضعيف جدا .
رواه ابن عدي ( 304 / 2 ) عن عيسى بن ميمون : سمعت محمد بن كعب , عن
# ابن عباس # مرفوعا به , ساقه في ترجمة عيسى بن ميمون في جملة أحاديث ثم قال :
و عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد , ثم روى عن ابن معين أنه قال فيه : ليس
بشيء , و قال البخاري : صاحب مناكير , و النسائي : متروك الحديث .
قلت : و قال ابن حبان : يروي أحاديث كلها موضوعات , و لهذا لم يحسن السيوطي
بإيراده لهذا الحديث في " الجامع الصغير " من رواية ابن عدي هذه مقتصرا على
الشطر الأول منه ! و قد علق عليه المناوي بما لا يتبين منه حال الحديث بدقة
فقال : و رواه البيهقي في " الشعب " و ضعفه , و الخرائطى في " المكارم " , قال
العراقي : و السند ضعيف , لكن شاهده خبر الطبراني بسند ضعيف أيضا , و يشير بخبر
الطبراني إلى الحديث الآتي , و خفي عليه أنه من هذه الطريق أيضا ! و أما حديث
الخرائطي فهو عنده من حديث أنس , و سيأتي بعد حديث .
441
" الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد , و الخلق السوء يفسد العمل
كما يفسد الخل العسل " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 636 ) :
$ ضعيف جدا .
و له طريقان :
الأول عن ابن عباس , رواه الطبراني في " الكبير " ( 3 / 98 / 1 ) و أبو محمد
القاري في " حديثه " ( 2 / 203 / 1 ) عن عيسى بن ميمون قال : سمعت محمد بن كعب
القرظي يحدث عن #ابن عباس #مرفوعا .
قلت : و هذا إسناد ضعيف جدا , عيسى هذا , هو المدني , و يعرف بالواسطي , و هو
الذي في سند الحديث المتقدم , روى ابن أبي حاتم ( 3 / 1 / 287 ) عن أبيه أنه
قال : هو متروك الحديث .
و الحديث في " المجمع " ( 8 / 24 ) و قال :
رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " و فيه عيسى بن ميمون المدني , و هو
ضعيف .
الآخر : عن أنس , أخرجه تمام في " الفوائد " ( 53 / 1 ) عن مخيمر بن سعيد
المنبجي , حدثنا روح بن عبد الواحد , حدثنا خليد بن دعلج , عن الحسن , عن أنس
مرفوعا .
قلت : و هذا سند ضعيف جدا أيضا , خليد بن دعلج , قال النسائي : ليس بثقة ,
و عده الدارقطني في جماعة من المتروكين , و روح بن عبد الواحد , قال أبو حاتم :
ليس بالمتين , روى أحاديث متناقضة , و قال ابن عدي في ترجمة خليد ( 120 / 2 )
عقب حديث أورده من رواية روح عن خليد : لعل البلاء فيه من الراوي عنه .
442
" إن حسن الخلق ليذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 636 ) :
$ ضعيف جدا .
رواه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " ( ص 7 ) من طريق بقية بن الوليد , حدثني
أبو سعيد , حدثني عبد الرحمن بن سليمان , عن # أنس بن مالك # مرفوعا .
قلت : و هذا سند ضعيف جدا , أبو سعيد هذا من شيوخ بقية المجهولين الذين يدلسهم
, قال ابن معين :
إذا لم يسم بقية شيخه و كناه فاعلم أنه لا يساوي شيئا .
و الحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الخرائطي هذه , و بيض له
المناوي فلم يتكلم عليه بشىء ! و أما في التيسير فقال : ....بإسناد فيه مقال .
443
" ألا إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب تمور فى جوها , فالله الله فى
إخوانكم من أهل القبور , فإن أعمالكم تعرض عليهم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 636 ) :
$ ضعيف .
أخرجه الحاكم ( 4 / 307 ) من طريق أبي إسماعيل السكوني , قال : سمعت مالك بن
أدى يقول : سمعت # النعمان بن بشير # يقول مرفوعا , و قال :
صحيح الإسناد , و رده الذهبي بقوله :
قلت : فيه مجهولان .
قلت : و هما السكوني و ابن أدى كما صرح في " الميزان " أنهما مجهولان تبعا
لأصله " الجرح و التعديل " ( 4 / 1 / 303 و 4 / 2 / 336 ) و لكنه قال : وثق
يشير بذلك إلى عدم الاعتداد بتوثيق ابن حبان إياهما ( 5 / 388 و 7 / 656 ) لما
عرف من تساهله في توثيق المجهولين .
444
" كان إبليس أول من ناح و أول من تغنى " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 637 ) :
$ لا أصل له .
و قد أورده الغزالي ( 2 / 251 ) من حديث # جابر # مرفوعا , فقال الحافظ العراقي
في تخريجه :
لم أجد له أصلا من حديث جابر , و ذكره صاحب " الفردوس " من حديث علي بن
أبي طالب , و لم يخرجه ولده في " مسنده " .
445
" من طلب ما عند الله كانت السماء ظلاله , و الأرض فراشه , لم يهتم بشيء من أمر
الدنيا , فهو لا يزرع و يأكل الخبز , و هو لا يغرس الشجر و يأكل الثمار , توكلا
على الله تعالى , و طلبا لمرضاته , فضمن الله السموات السبع و الأرضين السبع
رزقه , فهم يتعبون فيه , و يأتون به حلالا , و يستوفي هو رزقه بغير حساب عند
الله تعالى حتى أتاه اليقين " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 637 ) :
$ موضوع .
أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " ( 1 / 112 ) أطول منه و الحاكم ( 4 / 310 ) و
السياق له من طريق إبراهيم بن عمرو السكسكي حدثنا أبي , حدثنا عبد العزيز بن
أبي رواد , عن نافع , عن # ابن عمر # مرفوعا , و قال :
صحيح الإسناد , و رده الذهبي بقوله :
قلت : بل منكر و موضوع , إذ عمرو بن بكر متهم عند ابن حبان , و إبراهيم ابنه ,
قال الدارقطني : متروك .
قلت : و في ترجمة إبراهيم من " الميزان " :
قال ابن حبان : يروي عن أبيه الأشياء الموضوعة , و أبوه أيضا لا شيء , ثم ساق
له هذا الحديث .
قلت : و تمام كلام بن حبان تفرد به إبراهيم بن عمرو و هو مما عملت يداه لأن هذا
ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا ابن عمر و لا نافع و إنما هو
شيء من كلام الحسن .
446
" ألا أخبركم بأفضل الملائكة جبريل عليه السلام , و أفضل النبيين آدم , و أفضل
الأيام يوم الجمعة , و أفضل الشهور شهر رمضان , و أفضل الليالي ليلة القدر ,
و أفضل النساء مريم بنت عمران " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 638 ) :
$ موضوع .
رواه الطبراني ( 11361 ) من طريق نافع أبي هرمز , عن عطاء بن أبي رباح , عن
# ابن عباس # مرفوعا .
قلت : و هذا موضوع , نافع أبو هرمز , كذبه ابن معين , و قال النسائي :
ليس بثقة , و أفضل النبيين إنما هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدليل الحديث
الصحيح :
" أنا سيد الناس يوم القيامة ... " .
أخرجه مسلم ( 1 / 127 ) , فهذا يدل على وضع هذا الحديث و مع ذلك أورده في
" الجامع " و الحديثي أورده الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 198 ) و ضعفه بنافع
و قال : متروك ثم ذكره في ( 3 / 140 ) و ( 2 / 165 ) و قال عنه في الموضعين :
ضعيف .
447
" يكون فى آخر الزمان عباد جهال , و قراء فسقة " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 639 ) :
$ موضوع .
أخرجه ابن حبان في " المجروحين " ( 3 / 135 ) و الحاكم ( 4 / 315 ) و أبو نعيم
( 2 / 331 ـ 332 ) و عنه الديلمي ( 4 / 319 ) و أبو بكر الآجري في
" أخلاق العلماء " ( ص 62 ) من طريق يوسف بن عطية , عن ثابت , عن # أنس #
مرفوعا , و قال أبو نعيم :
غريب لم نكتبه إلا من حديث يوسف بن عطية , و في حديثه نكارة .
قلت : اتهمه ابن حبان بالوضع , و قد سكت عنه الحاكم , و تعقبه الذهبي بقوله :
قلت : يوسف هالك , و قال البخاري مشيرا إلى شدة ضعفه و اتهامه :
منكر الحديث و مع ذلك ذكره السيوطي في " الجامع " .
448
" لا تزال هذه الأمة , أو قال : أمتي بخير ما لم يتخذوا فى مساجدهم مذابح
كمذابح النصارى " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 639 ) :
$ ضعيف .
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 107 / 1 ) : حدثنا وكيع قال حدثنا أبو
إسرائيل عن # موسى الجهني # , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
فذكره .
قلت : و هذا سند ضعيف , و له علتان :
الأولى : الإعضال , فإن موسى الجهني و هو ابن عبد الله إنما يروي عن الصحابة
بواسطة التابعين , أمثال عبد الرحمن بن أبي ليلى , و الشعبي , و مجاهد , و نافع
, و غيرهم , فهو من أتباع التابعين , و فيهم أورده ابن حبان في " ثقاته " ( 7 /
449 ) , و عليه فقول السيوطي في " إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب " ( ص 30
) إنه مرسل , ليس دقيقا , لأن المرسل في عرف المحدثين إنما هو قول التابعي :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , و هذا ليس كذلك .
الآخرى : ضعف أبي إسرائيل هذا , و اسمه إسماعيل بن خليفة العبسي , قال الحافظ
في " التقريب " : صدوق سيء الحفظ .
و هذا على ما وقع في نسختنا المخطوطة من " المصنف " , و وقع فيما نقله السيوطي
عنه في " الأعلام " : إسرائيل يعني إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي , و
هو ثقة , و هو من طبقة أبي إسرائيل , و كلاهما من شيوخ وكيع , و لم أستطع البت
بالأصح من النسختين , و إن كان يغلب علي الظن الأول , فإن نسختنا جيدة مقابلة
بالأصل نسخت سنة ( 735 ) , و بناء على ما وقع للسيوطي قال :
هذا مرسل صحيح الإسناد , و قد عرفت أن الصواب أنه معضل , و هذا إن سلم من أبي
إسرائيل , و ما أظنه بسالم , فقد ترجح عندي أن الحديث من روايته , بعد أن رجعت
إلى نسخة أخرى من " المصنف " ( 1 / 188 / 1 ) فوجدتها مطابقة للنسخة الأولى ,
و عليه فالسند ضعيف مع إعضاله ثم رأيته كذلك في المطبوعة ( 2 / 59 )
فائدة : المذابح : هي المحاريب كما في " لسان العرب " و غيره , و كما جاء مفسرا
في حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ : اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب .
رواه البيهقي ( 2 / 439 ) و غيره بسند حسن , و قال السيوطي في " رسالته " ( ص
21 ) حديث ثابت و استدل به على النهي عن اتخاذ المحاريب في المساجد , و فيه نظر
بينته في " الثمر المستطاب في فقه السنة و الكتاب " , خلاصته أن المراد به صدور
المجالس , كما جزم به المناوي في " الفيض " , نعم جزم السيوطي في الرسالة
السابقة , أن المحراب في المسجد بدعة . و تبعه الشيخ علي القاري في " مرقاة
المفاتيح " ( 1 / 473 ) و غيره , فهذا أعني كونه بدعة يغني عن هذا الحديث
المعضل , و إن كان صريحا في النهي عنه , فإننا لا نجيز لأنفسنا الاحتجاج بما لم
يثبت عنه صلى الله عليه و آله وسلم , و قد روى البزار ( 1 / 210 / 416 ـ كشف
الأستار ) عن ابن مسعود أنه كره الصلاة في المحراب و قال : إنما كانت للكنائس ,
فلا تشبهوا بأهل الكتاب يعني أنه كره الصلاة في الطاق .
قال الهيثمي ( 2 / 51 ) : و رجاله موثقون .
قلت : و فيما قاله نظر فقد أشار البزار إلى أنه تفرد به أبو حمزة عن إبراهيم و
اسم أبي حمزة ميمون القصاب و هو ضعيف اتفاقا و لم يوثقه أحد فإعلاله به أولى من
إعلاله بشيخ البزار محمد بن مرداس بدعوى أنه مجهول , فقد روى عنه جمع من الحفاظ
منهم البخاري في " جزء القراءة " و قال ابن حبان في ثقاته ( 9 / 107 ) : مستقيم
الحديث لكن يقويه ما رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم قال : قال عبد
الله :
اتقوا هذه المحاريب . و كان إبراهيم لا يقوم فيها .
قلت : فهذا صحيح عن ابن مسعود , فإن إبراهيم و هو ابن يزيد النخعي و إن كان لم
يسمع من ابن مسعود , فهو عنه مرسل في الظاهر , إلا أنه قد صحح جماعة من الأئمة
مراسيله , و خص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود .
قلت : و هذا التخصيص هو الصواب لما روى الأعمش
قال : قلت : لإبراهيم : أسند لي عن ابن مسعود , فقال إبراهيم :
إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله , فهو الذي سمعت , و إذا قلت : قال عبد الله ,
فهو عن غير واحد عن عبد الله .
علقه الحافظ هكذا في " التهذيب " , و وصله الطحاوي ( 1 / 133 ) , و ابن سعد في
" الطبقات " ( 6 / 272 ) , و أبو زرعة في " تاريخ دمشق " ( 121 / 2 ) بسند صحيح
عنه .
قلت : و هذا الأثر قد قال فيه إبراهيم : " قال عبد الله " , فقد تلقاه عنه من
طريق جماعة , و هم من أصحاب ابن مسعود , فالنفس تطمئن لحديثهم لأنهم جماعة ,
و إن كانوا غير معروفين لغلبة الصدق على التابعين , و خاصة أصحاب ابن مسعود رضي
الله عنه , ثم روى ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال :
" لا تتخذوا المذابح في المساجد " .
و إسناده صحيح , ثم روى بسند صحيح عن موسى بن عبيدة قال : رأيت مسجد أبي ذر ,
فلم أر فيه طاقا , و روى آثارا كثيرة عن السلف في كراهة المحراب في المسجد ,
و في ما نقلناه عنه كفاية .
و أما جزم الشيخ الكوثري في كلمته التي صدر بها رسالة السيوطي السالفة ( ص 17 )
: أن المحراب كان موجودا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم , فهو مع مخالفته
لهذه الآثار التي يقطع من وقف عليها ببدعية المحراب , فلا جرم جزم بذلك جماعة
من النقاد , كما سبق , فإنما عمدته في ذلك حديث لا يصح , و لا بد من الكلام
عليه دفعا لتلبيسات الكوثري , و هو من حديث وائل بن حجر , و هو قوله :
449
" حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهض إلى المسجد , فدخل المحراب يعني
موضع المحراب , ثم رفع يديه بالتكبير , ثم وضع يمينه على يسراه على صدره " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 643 ) :
$ ضعيف .
أخرجه البيهقي ( 2 / 30 ) عن محمد بن حجر الحضرمي حدثنا سعيد بن عبد الجبار ابن
وائل عن أبيه عن أمه عن وائل .
و من هذا الوجه رواه البزار و الزيادة له و الطبراني في " الكبير " كما في "
المجمع " ( 1 / 232 , 2 / 134 - 135 ) و قال :
و فيه سعيد بن عبد الجبار , قال النسائي : ليس بالقوي , و ذكره ابن حبان في
" الثقات " , و محمد بن حجر ضعيف و قال في الموضع الآخر :
و فيه محمد بن حجر , قال البخاري : فيه بعض النظر , و قال الذهبي : له مناكير
.قلت : و به أعله ابن التركماني في " الجوهر النقي " و زاد :
و أم عبد الجبار , هي : أم يحيى , لم أعرف حالها , و لا اسمها , فتبين من كلام
هؤلاء العلماء أن هذا الإسناد فيه ثلاث علل :
1 - محمد بن حجر .
2 - سعيد بن عبد الجبار .
3 - أم عبد الجبار .
فمن تلبيسات الكوثري : أنه سكت عن العلتين الأوليين , موهما للقاريء أنه ليس
فيه ما يخدش إلا العلة الثالثة , و مع ذلك فإنه أخذ يحاول دفعها بقوله :
و ليس عدم ذكر أم عبد الجبار بضائره , لأنها لا تشذ عن جمهرة الراويات اللاتي
قال عنهن الذهبي : و ما علمت في النساء من اتهمت و لا من تركوها .
قلت : و ليس معنى كلام الذهبي هذا , إلا أن حديث هؤلاء النسوة ضعيف , و لكنه
ضعف غير شديد , فمحاولة الكوثري فاشلة , لا سيما بعد أن كشفنا عن العلتين
الأوليين .
و لذلك المقدم الآخر لرسالة السيوطي , و المعلق عليها و هو الشيخ عبد الله محمد
الصديق الغماري كان منصفا في نقده لهذا الحديث و إن كان متفقا مع الكوثري في
استحسان المحاريب , فقد أفصح عن ضعف الحديث فقال ( ص 20 ) و كأنه يرد على
الكوثري , و قد اطلع قطعا على كلامه :
و الحق أن الحديث ضعيف بسبب جهالة أم عبد الجبار , و لأن محمد بن حجر بن
عبد الجبار له مناكير كما قال الذهبي , و على فرض ثبوته يجب تأويله بحمل
المحراب فيه على المصلي بفتح اللام للقطع بأنه لم يكن للمسجد النبوي محراب إذ
ذاك كما جزم به المؤلف يعني السيوطي و الحافظ و السيد السمهودي .
قلت : و ما ذهب إليه من التأويل هو المراد من الحديث قطعا لو ثبت بدليل زيادة
البزار يعني موضع المحراب , فإنه نص على أن المحراب لم يكن في عهده صلى الله
عليه وسلم و لذلك تأوله الراوي بموضع المحراب , و من ذلك يتبين للقاريء المنصف
سقوط تشبث الكوثري بالحديث سندا و معنى , فلا يفيده الشاهد الذي ذكره من رواية
عبد المهيمن بن عباس عند الطبراني من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه و فيه ....
" فلما بنى له محراب تقدم إليه ... " .
ذلك لأن هذا اللفظ " بنى له محراب " منكر تفرد به عبد المهيمن هذا , و قد ضعفه
غير واحد , كما زعم الكوثري , و حاله في الحقيقة شر من ذلك , فقد قال فيه
البخاري : منكر الحديث , و قال النسائي : ليس بثقة .
فهو شديد الضعف , لا يستشهد به كما تقرر في مصطلح الحديث , هذا لو كان لفظ
حديثه موافقا للفظ حديث وائل , فكيف و هما مختلفان كما بينا ? !
و أما استحسان الكوثرى و غيره المحاريب , بحجة أن فيها مصلحة محققة , و هي
الدلالة على القبلة , فهي حجة واهية من وجوه :
أولا : أن أكثر المساجد فيها المنابر , فهي تقوم بهذه المصلحه قطعا , فلا حاجة
حينئذ للمحاريب , و ينبغي أن يكون ذلك متفقا بين المختلفين في هذه المسألة لو
أنصفوا , و لم يحاولوا ابتكار الأعذار إبقاء لما عليه الجماهير و إرضاء لهم .
ثانيا : أن ما شرع للحاجة و المصلحة , ينبغي أن يوقف عندما تقتضيه المصلحة ,
و لا يزاد على ذلك , فإذا كان الغرض من المحراب في المسجد , هو الدلالة على
القبلة , فذلك يحصل بمحراب صغير يحفر فيه , بينما نرى المحاريب في أكثر المساجد
ضخمة واسعة يغرق الإمام فيها , زد على ذلك أنها صارت موضعا للزينة و النقوش
التي تلهى المصلين و تصرفهم عن الخشوع في الصلاة و جمع الفكر فيها , و ذلك منهي
عنه قطعا .
ثالثا : أنه إذا ثبت أن المحاريب من عادة النصارى في كنائسهم , فينبغي حينئذ
صرف النظر عن المحراب بالكلية , و استبداله بشيء آخر يتفق عليه , مثل وضع عمود
عند موقف الإمام , فإن له أصلا في السنة , فقد أخرج الطبراني في " الكبير "
( 1 / 89 / 2 ) و " الأوسط " ( 2 / 284 / 9296 ) من طريقين عن عبد الله بن موسى
التيمي , عن أسامة بن زيد , عن معاذ بن عبد الله بن خبيب , عن جابر بن أسامة
الجهني قال :
" لقيت النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه في السوق , فسألت أصحاب رسول الله
أين يريد ? قالوا : يخط لقومك مسجدا , فرجعت فإذا قوم قيام , فقلت : ما لكم ?
قالوا : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا , و غرز في القبلة خشبة
أقامها فيها .
قلت : و هذا إسناد حسن أو قريب من الحسن رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال "
التهذيب " , لكن التيمي مختلف فيه و قد تحرف اسم أحدهم على الهيثمي فقال في "
المجمع " ( 2 / 15 ) : رواه الطبراني في الأوسط و الكبير , و فيه معاوية بن عبد
الله بن حبيب , و لم أجد من ترجمه .
و إنما هو : معاذ لا معاوية و ابن خبيب بضم المعجمة , لا حبيب بفتح المهملة ,
و على الصواب أورده الحافظ في " الإصابة " ( 1 / 220 ) من رواية البخاري في "
تاريخه " , و ابن أبي عاصم , و الطبراني , و قد خفيت هذه الحقيقة على المعلق
على رسالة السيوطي , و هو الشيخ عبد الله الغماري , فنقل كلام الهيثمي في إعلال
الحديث بمعاوية بن عبد الله و أقره ,و جملة القول : أن المحراب في المسجد بدعة
, و لا مبرر لجعله من المصالح المرسلة , ما دام أن غيره مما شرعه رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقوم مقامه مع البساطة , و قلة الكلفة , و البعد عن الزخرفة .
450
" لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 647 ) :
موضوع .
كما قال ابن تيمية , و غيره : قال الشيخ على القاري في " موضوعاته " ( ص 66 ) :
و قال ابن القيم : هو من كلام عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالأحجار .
و قال ابن حجر العسقلاني : لا أصل له , و نحوه : من بلغه شيء عن الله فيه فضيلة
..." .
قلت : يعني الحديث الآتى بعد :