منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52575

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 فبراير 2017, 9:09 am

الأزهر من بعيد.. ومن قريب
================
كتب محمد زكي عبد القادر في يومياته في الأخبار عام 1961م يقول:
الأزهر عزيز عليّ جداً، لا لأنه منارة الإسلام والمسلمين عبر قرون طويلة فحسب، ولكن لأنه اقترن بصباي، فقد كان عمي طالباً في الأزهر وكنت تلميذاً بالمدارس الثانوية أقيم معه ويرعى شئوني وأنا وهو مغتربان في القاهرة لطلب العلم..

وكنت لهذا ألتمسه في فناء الأزهر، وأراه يشهد الدروس، فأجلس معه أستمع فلا أفهم ولكنني أعجب لطول الدرس وطول الأناة ويشوقني أن أرى الشيخ يلقي ما يلقي ويسأل من وقت إلى آخر:
ظاهر.. ظاهر.. فيسمع همهمة تقول: ظاهر ياسي الشيخ..

وكنت أغشى الأزهر في بعض الامسيات حين أكره وحدتي في مسكني، فيقول عمي: لا عليك.. هات كتبك واجلس معنا ذاكر دروسك.. وكنت في سن صغيرة أخشى فيها الوحدة، فأوثر أن أحمل كتبي، وآخذ مقعدي كما كان يفعل طلاب الأزهر حينئذ، جالسين على الحصر الممدودة، ومن فوقهم قناديل بيضاء جميلة، ترسل نوراً كليلاً، يجتمع مع الأصوات الأخرى.

فإذا الأزهر كله خلية نحل لا تكف عن الهمهمة، بل ما يشبه الضجيج.. وكان كلاهما يحول بيني وبين أن يأخذني النوم الذي كان يطاردني إذا آثرت أن أبقى في البيت.

وفرغت من دراستي الثانوية، والتحقت بكلية الحقوق، وعمي يرعاني، وصلتي بالأزهر لا تنقطع، أغشاه لكي أقرأ وأدرس، وأغشاه لكي أجلس إلى زملاء عمي من طلاب الأزهر، وأنصت أحيانا إلى ما يقرأون فلا أفهم شيئاً أيضاً على الرغم من أنني حينئذ كنت قد بلغت من الفهم والدرس ما أفضي بي إلى الدراسة الجامعية..

ومرت الأيام وتخرَّجت، وافترقت الحظوظ بيني وبين من عرفت من طلاب الأزهر، ولكن صورة الأزهر ظلت خيالا يلازمني طوال حياتي، وقرأت ما قرأت ووعيت ما وعيت وأدركت من تاريخ الأزهر الكثير، واقترنت القراءة عنه بالصورة التي كابدتها وعرفتها وثبتت في خيالي، وكنت أزوره بين الوقت والآخر.

صحيح أن الفترات بين زياراتي كانت متباعدة، ولكنني كنت أزوره لكي تظل صورة هذا المسجد العتيق العريق الأمين حية في خاطري وقد اقترنت في حياتي بمطلع صباي، وقرأت تاريخه منعما متأملا، وقارنت بين مراحل تاريخه والمرحلة التي كان يعيش فيها، فوجدت الفرق الكبير بين الصورتين..

كان الأزهر فيما مضى ومنذ إنشائه إلى تاريخه الوسيط منارة العلوم الدينية والدنيوية، كان ينبوع المعرفة في الطب والفلك والهندسة والكيمياء والجغرافيا إلى جانب المعرفة في علوم الدين. كان يقدم للوطن والإسلام خلاصة الرجال الذين رفعوا ذكره ورفعوا عنه العدوان..

كان المنارة التي تشع المعرفة بكل أنواعها في العالم الإسلامي والعالم العربي، ثم شاءت ظروف الحكم والسياسة وقهر الشعب أن ترد الأزهر على دراسة الدين وفصلته أو كادت عن شئون الدنيا المتطورة من حوله.

وليس هذا في شيء من الدين ولا هو في شيء من الإسلام، فالدين لا يفرق بين شئون الدين والدنيا، والإسلام منذ وجد منهج للحياة، ومشاركة خالصة في سعادة الإنسان في الدنيا بحسبانه عضوا في جماعة متطورة لا بد أن يأخذ حظه من العلم والحضارة والتقدم المادي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52575

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 فبراير 2017, 9:28 am

الأزهر الخالد
=======
تمهيد:
الأزهر هو أعرق الجامعات العلمية في العالم، فهو أطولها عمراً وأجلها أثراً في تاريخ الفكر العربي والإسلامي، بل في تاريخ العلم كله.

والأزهر طوال عصور التاريخ حارس التراث العربي وحامل مشعل الثقافة الدينية، والملاذ الذي تهوي إليه أفئدة المسلمين من كل مكان، والضوء الذي ينير لهم الطريق ويبصرهم سواء السبيل.

وللأزهر مكانة كبرى في مصر والعالم الإسلامي جميعه، وآراؤه فتاوي علمائه تقابل من كل مسلم في العالم الاسلامي بمزيد من التقدير والإجلال والطاعة.

ولم تقم في مصر جامعة علمية بالمعنى الصحيح قبل الأزهر، الذي له تاريخ طويل وذكريات مجيدة وآثار علمية ودينية عديدة.

من تاريخ الأزهر:
=========
أنشأ الجامع الأزهر جوهر الصقلى قائد الخليفة الفاطمي المعز لدين اللّه بعد فتحه مصر بنحو عام، وقد شرع في بنائه يوم السبت لست جمادي الأولى سنة 359ه‍ - 970م، ويذكر بعض المؤرخين أنه شرع في بنائه في يوم السبت الرابع من شهر رمضان في العام نفسه.

وقد كمل بناؤه لسبع خلون من شهر رمضان سنة 361ه‍ - 22 يونيو سنة 972م، وكان الغرض من إنشائه أن يكون رمزا للسيادة الروحية للدولة الفاطمية -ومنبرا للدعوة التي حملتها هذه الدولة الجديدة إلى مصر.

وقد أطلق على هذا المسجد اسم الأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء التي ينتسب إليها الفاطميون، أو لأنه كان يحيط به قصور فخمة تسمى بالقصور الزهراء، أو لأنه كان يظن أن هذا الجامع أكثر الجوامع فخامة ورواء، أو للتفاؤل بأنه سيكون أعظم المساجد ضياء ونورا..

وقد احتفل بافتتاحه في أول جمعة من رمضان عام 361ه‍.

وأصبح هذا الجامع مسجد الدولة الرسمي، وقد حرص وزير المعز يعقوب بن كلس على أن يقيم حفلة علمية في الأزهر، حيث كان يقرأ على الناس في مجلس خاص يوم الجمعة مصنفاته في الفقه الفاطمي، كما كان يجتمع يوم الثلاثاء بالفقهاء وجماعة لمتكلمين وأهل الجدل، وحرص الخليفة كذلك على تكليف كبار العلماء بإقامة حلقات علمية في أروقة الأزهر لتدريس الفقه الفاطمي، وكان يمنحهم مرتبات شهرية.

ولهذا صار الأزهر جامعة علمية، وظهر ذلك جليا حينما بدأت حلقاته تتحول إلى دراسة جامعية علمية مستقرة.

وذلك عام 378ه ‍- 988م حينما استأذن ابن كلس الخليفة العزيز باللّه في أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للقراءة والدرس في كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر، وكان عددهم 37 فقيهاً.

وفي عام 380 ه‍ رتب المتصدون لقراءة العلم بالأزهر... وبذلك صار الأزهر معهدا جامعيا للعلم والتعليم والدراسة.

ومن هذا التاريخ يبدأ الأزهر حياته العلمية الجامعية الصحيحة.

الفاطميين الذين وقفوا عليه الوقوف وأحاطوه بالرعاية، وكان في مقدمة الأساتذة المدرسين في الأزهر بنو النعمان قضاة مصر.

ولما قامت الدولة الأيوبية في مصر عام 567ه‍ـ على يدي مؤسسها السلطان صلاح الدين الأيوبي، محا من مصر المذهب الفاطمي وأحل محله المذهب السني، وغالى الأيوبيون في القضاء على كل أثر للشيعة وأفتوا بإبطال إقامة الجمعة في الأزهر..، فلبثت معطلة فيه نحو مائة عام، فقضى الأزهر هذه المدة في ركود طويل، وقد ظلت حلقات الدراسة فيه على الرغم من ذلك مستمرة دون أن تحظى هذه الحلقات في ذلك العصر بكثير من رعاية الدولة.

وفي عام 665ه‍ أعيد افتتاح الأزهر لصلاة الجمعة في عهد بيبرس الذي شجع العلم فيه هو ولأمراء والقواد، ووقفوا عليه الأوقاف الطائلة...

واستمر الأزهر يؤدي واجبه الديني والعلمي في عهد المماليك وعهد الدولة العثمانية وعهد النهضة المصرية الحديثة.

وأول شيخ تولى مشيخة الأزهر كما يحدثنا التاريخ هو الشيخ الخراشي المالكي المتوفى عام 1101ه‍ وتولى بعده الكثير من مشايخ الأزهر حتى بلغوا حتى اليوم 41 شيخا آخرهم شيخ الأزهر الحالي الشيخ عبد الرحمن تاج.

وفي عهد محمد علي وأسرته انتقصت أوقاف الأزهر وحقوقه، ولكنه ظل يؤدي واجبه العلمي والديني بنشاط كبير.

ومن الأزهر كان طلبة البعوث الذين بعث بهم محمد علي إلى أوروبا وعادوا إلى مصر ينشرون العلم والمعرفة والنهضة في كل مكان، وكانت جل المدارس التي أنشأها محمد علي تأخذ طلبتها من طلبة الأزهر الشريف، ولما أنشئت دار العلوم عام 1871م ومدرسة القضاء الشرعي عام 1907م استمدتا طلبتهما من الأزهر.

وكان مدرسو الدين واللغة ومعاهدها من خريجي الأزهر الشريف، وكذلك كان طلبة مدرسة المعلمين الأولية وأساتذتها.

وقد قام لأزهر بنشاط كبير، وأسهم بنصيب ضخم من الجهاد الوطني في جميع المواقف القومية الوطنية فهو الذي قاوم الاحتلال الفرنسي لمصر وهو الذي أذكى لهيب الثورة العرابية، وهو الذي غذي ثورة عام 1919م، وله في كل موقف وطني جهاد مذكور مشكور.

ومنذ آخر القرن التاسع عشر إلى عصرنا وضعت قوانين منظمة لشئون الأزهر. ومن أشهر هذه القوانين قانون عام 1930م بإصلاح الأزهر الشريف، وآخر هذه القوانين قانون عام 1936م الذي يسير الأزهر عليه اليوم في نظامه الجامعي والعلمي، وفي تقسيمه إلى معاهد وكليات 1.

فضل الأزهر على العلوم والآداب:
===-==============
الأزهر بيت العلم العتيق ومثابة الثقافة الإسلامية، حمل لواء المعرفة في مصر وفي الشرق الإسلامي قرونا متصلة وحفظ التراث الإسلامي في الدين واللغة والعلوم ونشره على الآفاق طيلة ألف سنة أو يزيد.

وقد تخرج فيه أفواج من العلماء خلال عصور التاريخ ممن انتشروا في بقاع الأرض وحملوا معهم مشاعل المعرفة والثقافة التي تزودوا بها في الأزهر فأضاءوا الأرض علما ونورا ورشادا.

ولا يزال الأزهر حتى اليوم كعبة العلوم والآداب ومعقد آمال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

والأزهر هو الذي حفظ العلوم الإسلامية واللغة العربية من الضياع والاندثار وهو الذي حفظ للأدب العربي، في شتى بلاد العروبة، رونقه وبهاءه. وقد تخرج فيه العديد من العلماء والأدباء والكتاب والخطباء والشعراء في كل عصر وكل جيل.
__________
1) راجع الأزهر في ألف عام- 3 أجزاء-تأليف محمد خفاجي.
__________
أثر الأزهر في التوجيه الديني:
================
والأزهر منذ أنشىء حتى اليوم هو الذي يتولى قيادة الحركة الدينية في العالم الإسلامي، وآراء شيوخه في الحجة القوية التي يقابلها المسلمون في شتى بقاع الأرض بالطاعة والامتثال والقبول.

وقد خرَّج الأزهر الكثير من رجال الدين منذ أنشىء إلى اليوم، وخريجوه هم الذين تولوا قيادة الحركة الدينية في كل مكان من بلاد العالم الإسلامي.

وفي الأزهر هيئة كبار العلماء التي أنشئت بمقتضى قانون عام 1911م، وفيه كذلك لجنة للفتوى عام 1937م، وهاتان الهيئتان لهما أثر كبير في التوجيه الديني في العالم الاسلامي.

ومن أعلام الأزهر وأئمته في التوجيه الديني الإمام محمد عبده (1266ه ‍- 1905م) وله فضل كبير في الإصلاح الديني وفي إصلاح الأزهر.

ومن أعلامه كذلك محمد مصطفى المراغي، ومصطفى عبد الرازق وسواهما، ممن قادوا الحركة الدينية ووجهوها توجيها قويا في العالم الاسلامي كافة.

والأزهر بحق قائد الحركة الدينية في العالم الإسلامي قاطبة.

مكانة الأزهر في العالم الإسلامي:
==================
ولقد ورث الأزهر الحديث ميراثا روحيا وثقافيا ضخما جليلا عن الأزهر القديم، ورث عنه الرسالة الدينية التي قام منذ أن أنشىء لحمل أمانتها، والتي أخذها بكلتا يديه ليؤديها إلى العالم شعلة مضيئة هادية، ومثلا رفيعا، ومذهبا فكريا قادرا على قيادة الحياة والبشرية جميعا إلى السلام والإخاء والأمن والرفاهية.

وورث عنه الرسالة الثقافية التي جاهد من أجلها أجيالا طوالا، والتي قامت عليها أروقته ومحاريبه وقبابه ومآذنه الشم، ودأبت على الكفاح في سبيلها حلقاته الطاهرة، التي تجمع فيها شباب المسلمين -من شتى الأقطار والشعوب- على كلمة الحق والتقوى والمعرفة، استجابة لأمر اللّه، وتحقيقا لفكرة الإسلام، وسعيا وراء الحقيقة التي هي أكبر محرر للأمم، والجماعات والأفراد. من أغلال الجهل والجمود والتأخر.

وعاشت حلقات الأزهر الجليلة طويلا خلال هذه الأجيال، وهي نحمل عن العالم الإسلامي رسالة الإسلام الروحية والدينية والثقافية، وتؤديها ناصعة بيضاء كخيوط الفجر، مشرقة هادية كضوء الشمس، ومن هذه الحلقات تخرج زعماء العالم الاسلامي في القديم، وكانت عن جدارة بمثابة مصنع يصنع الرجال والأبطال، ممن قادوا الشعوب الإسلامية إلى النهضة، والحضارة والعزة، مما جعل للأزهر مكانة كبرى في العالم الإسلامي.

مواقف خالدة للأزهر:
===========
ولا ننس أن الأزهر قد قاد في القديم ثورتين كبيرتين تعدان من أسبق الثورات الدستورية العالمية، قاد إحداهما عام 1200ه‍-يناير 1786م الشيخ الدردير، وقاد الأخرى عام 1209ه‍- 1795م شيخ الأزهر في ذلك الوقت الشيخ عبد اللّه الشرقاوي، وكسب الشعب المصري من الثورة الأولى مبدأ دستوريا جليلا هو وجوب احترام الحاكم لإرادة المحكومين، وكسب من الثانية مبدأ آخر هو أن الأمة مصدر السلطان، وكانت بمثابة إعلان لحقوق الإنسان، ووثيقة فريدة من الشعوب، كما اعترف بذلك المؤرخون من العرب والغرب.

وقد حمل علماء الأزهر عبء الجهاد لتحرير مصر من الاحتلال الفرنسي منذ دخل جيش نابليون أرض الوطن فاتحا.

ولا ننس كذلك أن الأزهر قام بثورة ثالثة في صفر عام 1220ه‍ - 1805م لانهاء النفوذ التركي من مصر، ولكن دجالا سياسيا بارعا يتدفق في أعصابه الدم التركي استطاع بدهائه أن يحول المعركة إلى مغانم شخصية له ولأسرته التي حكمت مصر نحو قرن ونصف من الزمان.

وكان قائد الثورة المصرية الرابعة كذلك أزهريا صميما، هو الزعيم الوطني القائد «أحمد عرابي» الذي قاد الثورة العرابية للقضاء على نفوذ المستعمرين من الأتراك والمستغلين من الإنجليز.

كما كان زعيم الثورة الشعبية الخامسة أزهريا صميما هو المرحوم سعد زغلول، الذي كان يعمل للقضاء على الاستعمار الإنجليزي وتحرير شعب مصر من أغلاله.

ولا ننس كذلك أن قادة ثورة مصر الأحرار تتلمذوا على شيخ أزهري ورع زاهد متصوف كان رائدا روحيا لهم هو الشيخ محمد الأودن من علماء الأزهر المعاصرين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52575

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 فبراير 2017, 9:30 am

الأزهر والتجديد:
=========
ولقد تطورت البيئة الثقافية في الأزهر في العصر الحديث: بتأثير الحضارة الفكرية الغربية، وبفضل لفيف من علمائه الأعلام الخالدين.

ومن الحق أن الأزهر منذ بدأ القرن التاسع عشر كان يتطلع إلى ثقافة الغرب وحضارته في شيء من الفتور والكراهية، إيمانا بقومية المسلمين السياسية والفكرية والثقافية، ولكنه لم يجحد فكرة السعي إلى النهضة، أو الإيمان بالتطور: فسافر بعض أبنائه في بعثات حكومية إلى باريس ولندن وسواهما من عواصم الغرب، وكان من أشهرهم رفاعة الطهطاوي.

وتطلع بعض علماءه في أواخر القرن التاسع عشر إلى معرفة بعض اللغات الغربية لدراسة أصول حضارة الغرب الحديثة الفكرية والثقافية، وللرد على ما يثيره بعض الغربيين حول الإسلام من شبهات، وكان في مقدمة هؤلاء الإمام محمد عبده، الذي كان أكبر رائد أزهري للفكر المصري في العصر الحديث.

ولقد نهض شيوخ الأزهر منذ أواخر القرن التاسع عشر بعبء إصلاح البيئة الثقافية داخل الأزهر، وبعث روح التجديد والحياة في حلقات الأزهر العلمية، لتكون على صلة بينابيع الفكر الحديثة المتدفقة.

وفي الحق أن الأزهر المحافظ المتمسك بتقاليده وشعائره ونظمه وحياته الثقافية كان أرجح كفة من عوامل التجديد، وتيارات الجديد.

ومنذ أكثر من ربع قرن من الزمان، أو بالتحديد في مايو سنة 1928 تولى مشيخة الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي وهو تلميذ من تلامذة الإمام محمد عبده، ولكنه ما لبث أن استقال منها في أكتوبر سنة 1929، وخلفه الشيخ محمد الأحمدي الظواهري، ثم عاد الشيخ المراغي إلى المشيخة في 26 أبريل سنة 1935، وظل فيها إلى أن توفي في 22 أغسطس 1945.

وعلى يد الشيخ الظواهري تحول الأزهر إلى جامعة علمية لها كليات ثلاث: هي الشريعة واللغة وأصول الدين، وفيها أقسام للدراسات العليا ذات نظام علمي جامعي، ولكن أثر ذلك لم يظهر إلا في عهد الشيخ المراغي وعلى يديه وبتشجيعه ورعايته، فكان يشرف هو ومعاونوه من شيوخ الكليات الأزهرية على نظم هذه الدراسات، ويشترك في امتحاناتها ومناقشات رسائلها، ويرعى خريجي هذه الأقسام ويضعهم في منازلهم العلمية في كليات الأزهر، وبذلك صار الأزهر يخضع في حياته الثقافية الجديدة للنظم الجامعية الصحيحة.

هذا عدا ما صنع الشيخ من تقدير للكفايات العلمية، ورعاية للبحث الثقافي الحر في داخل الأزهر، فصنع بذلك نهضة ثقافية جديرة بالتأمل والتقدير.

الأزهر الخالد
=======
الأزهر جامعة الإسلام العريقة، ومنارته الهادية، وسيظل النور متألقا منه إلى قيام الساعة.

ومن عجب أن تقوم في مصر دعوة إلحادية ترمي إلى إلغاء التعليم الديني بحجة توحيد التعليم، أوقل إلى إلغاء المعاهد الإبتدائية والثانوية الأزهرية، والتي تمثل ثلثي بناء الأزهر العالمي، ونحو 80 في المائة من طلبة الأزهر الشريف.

ونحن نسائل هؤلاء الداعين إلى توحيد التعليم:
هل ألغت فرنسا أو انجلترا أو أمريكا التعليم الديني في بلادها؟
كلا... وهل ألغت هذه الشعوب التعليم الديني في المستعمرات التي تحكمها؟

كلا... وهل ألغت فرنسا المعاهد الابتدائية والثانوية لجامعة الزيتونة الدينية في تونس بحجة توحيد التعليم؟

كلا... إن هذا الموقف الذي يقفه طه حسين من الأزهر يدلنا على سخف شديد وتفاهة واضحة.

فطه حسين هو سفير فرنسا الثقافي في الشرق الأوسط، وهو الذي تعامل عام 1947 مع وكالة يهودية وأصدر لها مجلة الكاتب المصري، وحشد لها الأقلام ليكونوا جميعا عمالا وأجراء لدى الوكالة اليهودية في مصر.

وفي الحق أن نقول:
إن الأزهر ليس ملكا لمصر وحدها، بل كذلك ملك للعالم الإسلامي كله، وقد شارك العالم الاسلامي الأزهر في الدفاع عن الأزهر ومقوماته، وأيدت الجماعات الإسلامية في كل مكان الأزهر لا يتعلم كما يتعلم الناس، يفوته أو ينسى أنه في عام 1951 كان وهو وزير للمعارف يصرح في وفود الأزهر بأن الأزهر هو المكان الأول الذي تحيا فيه علوم الدين والعربية، وينسى كذلك ما كتبه في مناسبات عديدة في تمجيد الأزهر وثقافته.

والدكتور لطفي السيد لا يمكن أن يكون متعصبا للأزهر، وله كلمة في التنويه بالأزهر وثقافة بمناسبة ترؤسه لجنة مناقشة رسائل العالمية من درجة أستاذ عام 1944، وقد قال في كلمته هذه: أحمد اللّه أن أصبح الأزهر اليوم في مستوى علمي رفيع، وصرنا نتحدث فيه في الفلسفة القديمة، ويتحدث أصحاب الرسائل العلمية من خريجيه عن (الإله عند أرسطو) وإنها لنهضة تبشر بالخير كل الخير بإذن اللّه، وكلمته مسجلة في الجزء الثاني من كتاب (المنتخبات) لعميد الجيل الدكتور لطفي السيد.

وشهادة الدكتور منصور فهمي وأمين الخولى وسواهم للأزهر، لا يمكن أن تحمل على أي لون من العصبية، وقد كان هؤلاء وسواهم ممن أسهموا في أعمال مناقشة رسائل خريجي أقسام العالمية من درجة أستاذ في الأزهر الشريف.

على أن مناهج الأزهر اليوم متخمة بالعلوم الحديثة في شتى مراحل التعليم فيه، وهذه العلوم من الكثرة إلى حد أن صرنا نشكو من أنها أصبحت تستأثر بوقت الطالب الأزهري، وتضعف مستواه في العلوم الدينية والعربية.

وإنا لنرجو أن تزداد الثقة بالأزهر يوما بعد يوم، وما ذلك على اللّه بعزيز، وإنه لم يجن على الأزهر إلا تدخل السياسة قديما في شئونه، ونرجو للأزهر اليوم كل عزة وكرامة، ونهضة وتقدم، في شتى جوانب نشاطه الروحي والفكري والثقافي.

الدكتور طه حسين والازهر
==============
يرى د. طه أن إغلاق ثلثي الأزهر إصلاح له.. وأن إبعاد 90 في المائة من طلاب الأزهر عن معهدهم الذي ينهلون منه الثقافة الإسلامية الصحيحة يجب أن يكون هو الخطوة الثانية التي تخطوها مصر في عهد ثوارها.

والدكتور طه لم يدع في يوم من الأيام إلى إلغاء جامعة من جامعاتنا اكتفاء بأخواتها، وهو الذي حارب إدماج أقسام اللغة العربية في آداب الجامعات الثلاث في قسم واحد.

وفي عهده في وزارة المعارف كان يشجع إنشاء المدارس الأجنبية والخاصة والحرة، ولم يزعم أن من مبادىء الإصلاح إدماج هذه المدارس أو الجامعات بعضها في بعض، فكيف به يقف من الأزهر هذا الموقف العابث الذي لا يتصور طه نفسه خطره على نفسه وعلى مصر وعلى العالم العربي والإسلامي.

ولو كان الدكتور طه يحرص على سمعة الفكر المصري المعاصر حقا لما لجأ إلى هذا المنطق السوفسطائي العجيب الذي يجعل به الحق باطلا والباطل حقا، ويظن أن الناس قد صدقوا هذا المنطق المقلوب.

وأنا أزعم أن الدكتور طه سوفسطائيا وإنما هو يحاول أن يلجأ إلى منطق السوفسطائيين ليقنع الناس برأيه لغرض في نفسه. 


وأشهد أن فرنسا الاستعمارية لم تحاول في يوم من الأيام أن تغلق الأقسام الابتدائية والثانوية من جامعة الزيتونة الدينية في تونس، بدعوى توحيد التعليم، أو باسم إصلاح الزيتونة، والتعليم الابتدائي والثانوي في الأزهر -و هو الذي تجمع مناهجه بين ثقافات وزارة المعارف وعلوم الدين واللغة على أوسع نطاق- ليس هو الذي تعمل الدولة على تصفيته لأن الشعب نفسه، والدولة نفسها، لا ترى فيه إلا الخير كل الخير لمصر وللعالم الإسلامي كافة.

ولو قدر الغي التعليم الابتدائي والثانوي من الأزهر لما استطاع مثل الدكتور طه أن يتعلم وأن يسمع به الناس.

والشعوب الإسلامية كافة ترسل أبناءها إلى الأقسام الابتدائية والثانوية في الأزهر، فماذا يريد الدكتور طه لأبناء هذه الشعوب الإسلامية بعد إغلاق المعاهد الأزهرية الابتدائية والثانوية، أظنه سيحاول أن يشرع لهذه الشعوب، كما يحاول اليوم أن يشرع لمصر ولشعب مصر ولثورة مصر.

وفي البلاد الإسلامية معاهد ابتدائية وثانوية على غرار الأزهر، وبعضها تتبع الأزهر، فماذا تصنع يا دكتور طه بهذه المعاهد بعد إغلاق مثيلاتها من الأزهر في مصر؟.

وأنت تعلم أن مثل هذه المعاهد هي الوسيلة الوحيدة لتعليم الثقافة الإسلامية والعربية في بعض الشعوب المسلمة التي يحكمها الاستعمار.

ويعمل جاهدا على أن يحطم فيها كل مقوماتها لتظل فريسة في أنيابه إلى الآن.

وما رأيك يا دكتور طه وأنت تدعو إلى تعليم الشعب في أن هذه الأقسام الابتدائية والثانوية هي التي كان يلجأ إليها أبناء الشعب ليتعلموا ويتثقفوا، ثم هي الوسيلة الوحيدة للتعليم لدى أغلبية الريف الذين لا يؤمنون إلا بالأزهر وثقافته.

والدكتور طه لا يجهل أن هذا التعليم الديني قد قام تحقيقا لمشيئة أهل مصر الإسلامية، ووقف عليه المسلمون في مصر وغيرها أوقافا طائلة، ولا يزالون يمدونه بالعون والرعاية في مصر الإسلامية وفي غيرها من الشعوب المسلمة، وأنه هو الذي تحققت فيه مجانية التعليم وديمقراطيته وظروف تكافؤ الفرص أمام الشباب الإسلامي لا اليوم فحسب، ولا الأمس فقط، بل طيلة ألف عام أو يزيد.

والدكتور طه يدعو إلى توحيد التعليم تحت راية وزارة المعارف وجعل كليات الأزهر معاهد للتخصص في الثقافة الإسلامية، وكيف يتخصص أصول الفقه وعلوم أصول الدين وفلسفة العربية في كتاب سيبوية وغيره، وفلسفة اللغة في الخصائص والمخصص وغيرهما.

والدكتور طه يقول: إنه يحب أن يشارك الأزهريون في كل ميدان، فيكون منهم مهندسون وأطباء وسوى ذلك، وأنا أحب أن يشرح الدكتور للناس ذلك، فلقد أحب ألا يكون هناك تعليم ابتدائي أو ثانوي خاضع للأزهر، ثم فرض أن حامل التوجيهية سوف يدخل كليات الأزهر ليتخصص في الدين واللغة، فمتى يكون مهندسا أو طبيبا؟

أيكون ذلك وهو يحمل التوجيهية فقط، أم سوف يكون كذلك بعد تخرجه من الأزهر؟ أليس هذا هو عين سوفسطائية الدكتور طه، التي ينعتها بلقب التجديد واسم المنطق.

والدكتور طه، يعلم أن حامل التوجيهية لن يدخل الأزهر لأنه لا يستطيع أن يدرس بعد التوجيهية علوم الأزهر وثقافته.

أرح نفسك يا دكتور من هذا الالتواء والتعقيد والتكلف البغيض، ادع في الناس إلى إغلاق الأزهر لا لذنب جناه الأزهر ولكن لأنه لم يستطع أن يؤمن بمنطقك بأفكارك.

ثم لأن له تاريخا مضيئا، ومنزلة كريمة في العالم الإسلامي منذ عشرة قرون.

إي واللّه عشرة قرون كاملة، حقق الأزهر فيها لمصر العزة والكرامة ومعاني القومية الصحيحة ورباها على الحرية، وتعشق الثورة والإيمان بمصر، مصر الخالدة العزيزة وظل فيها معقل القومية، وملاذ الفكر الحر المتوثب المنطق إلى أهدافه النبيلة في الحياة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52575

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 فبراير 2017, 8:51 pm

الأزهر في القرن العشرين 1
================
من روح مصر، ومن ضميرها الوطني، وكفاحها القومي، انبثق فجر الحرية والثورة والكرامة والعزة والاستقلال لمصر الخالدة، مصر التي تقهر الأحداث، والتي تسلم أبناؤها الثائرون أمانة الوطن المفدي، بعد أجيال طويلة ملؤها النضال في سبيل الشعب: حريته وعزته وكرامته.
__________
1) محاضرة القيتها في هيئة التحرير عام 1955.
__________
وفي هذا المجال نذكر الأزهر، الأزهر العريق في التاريخ، في المجد، في الجهاد، والذي عرفت له مصر أروع الأعمال، وسجلت الأيام له أمجد الصفحات في تاريخنا القومي والوطني.


وعند ما نريد الحديث عن «رسالة الأزهر في القرن العشرين» لا بد أن نشير إلى تاريخ الأزهر في الكفاح الوطني، لأنه جزء لا يتجزأ من تاريخه الثقافي والديني، ومن رسالته التي حملها خلال العصور والأجيال، بل من تاريخ بلادنا التي حملت رسالة الثقافة والحضارة، وألهمت الإنسانية أرفع معاني النهضة والتقدم والحياة.


وفي هذه السبيل نذكر الشيخ الإمام الدردير رضوان اللّه عليه، وتذكر كفاحه من أجل مصر وشعبها الحر الأبي، ففي عام 1200ه‍: 1786م أعلن علماء الأزهر الشريف الثورة ضد الأمراء من المماليك، لإسرافهم في فرض الضرائب، ونهب أموال الشعب، وكانت الثورة بقيادة الشيخ الدردير، الذي بادر فأعلن تصريحه الخالد المأثور: سنثور مع الشعب، وننهب بيوت المماليك كما ينهبون بيوتنا، ونموت شهداء أو ينصرنا اللّه عليهم».


وجاء الأمراء يعتذرون للإمام الزعيم، ولم يقبل الشيخ اعتذارهم حتى ألزمهم بميثاق وطني مكتوب، أعلن فيه لأول مرة حقوق الإنسان قبل ميلاد الثورة الفرنسية بسنوات ثلاث، ونص فيه على حرية الشعب، وعدم جواز فرض ضرائب إلا بإرادته، وعلى أن الأمة مصدر السلطان.


ونذكر كذلك الشيخ الإمام عبد اللّه الشرقاوي، وجهاده من أجل مصر. على المماليك، وأجمعوا على مقاومة أمرائهم بالقوة إلى أن يستجيبوا لمطالب الشعب، وكان قائد هذه الثورة هو الإمام الشيخ عبد اللّه الشرقاوي شيخ الأزهر أيام ذاك، وكان مجلس الثورة يعقد في الأزهر، وأعضاؤه هم:


الشيخ الشرقاوي والشيخ البكري، والشيخ الأمير، والسيد عمر مكرم، ولم تنته الثورة إلا بعد اعتذار أمراء المماليك، وبعد أن أصدر أعضاء مجلس قيادة الثورة وثيقة وقعوا عليها وألزموا الأمراء بالتوقيع كذلك عليها، وكانت إعلاناً وطنياً جليلاً لحقوق الشعب، حيث تضمنت ما يلي:


1 - ألا تفرض ضريبة إلا إذا أقرها مندوبو الأمة.
2 - أن ينزل الحكام على مقتضى أحكام المحاكم.
3 - ألا تمتد يد ذي سلطان إلى فرد من أفراد الأمة إلا بالحق والشرع.


وعند ما دخلت الحملة الفرنسية مصر نبعت ثورة القاهرة الأولى من الأزهر الشريف عام 1213ه‍ - 1798م، وكان مجلس الثورة مكونا من كبار علماء الأزهر آنذاك؛ ورئيسه هو الشيخ السادات؛ وكان يعقد اجتماعاته في الأزهر. 


وقد بطش نابليون بالثوار الأحرار، وأغلق الأزهر، وأعدم ثلاثة عشر عالما من أبر علمائه بوطنهم ودينهم.


وكذلك قامت ثورة القاهرة الثانية عام 1214ه ‍-1800م من قلب الأزهر، وكانت بزعامة الشيخ الأزهري والسيد الوطني عمر مكرم نقيب الأشراف في مصر، وقد أخمدت هذه الثورة بقوة وعنف، وقبض على زعمائها، ونكل بهم تنكيلاً شديداً.


وفي عام 1220ه‍ - 1805م أعلن علماء الأزهر الثورة على الوالي التركي خورشيد باشا»، وأجمعوا على عزله، وكتبوا للخليفة العثماني يومذاك، عند ما ذكره أحد قواد الأتراك بالآية الكريمة: «أَطِيعُوا اَللّهَ وَأَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَأُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ»؛ فرد عليه عمر مكرم في عزة وإباء: أولو الأمر هم العلماء وحماة الشريعة والسلطان العادل.


ولما ولي محمد على حكم مصر استبد بالحكم، وتنكر للشعب، وبطش بالحريات، وأسرف في فرض الضرائب، وخان العهد الذي عاهد عليه العلماء بأن يحكم بالعدل والشريعة، فاجتمع في الأزهر الشريف مجلس وطني من العلماء، في أواسط جمادى الأولى 1224ه‍ -أول يوليو 1809م لمقاومة محمد علي حتى يخضع لمشيئة الشعب في عدم فرض ضرائب جديدة، وإلغاء الضرائب المستحدثة، ورفض السيد عمر مكرم زعيم العلماء التوقيع على ميزانية محمد علي السنوية، وقال كلمة خالدة مأثورة: «إن هذا الحاكم -يريد محمد علي- محتال، وإذا تمكن فسيصعب إزالته، فلنحاربه من الآن.


وأسرع محمد علي فخلع السيد عمر مكرم من نقابة الأشراف، ونفاه إلى دمياط، وقد ألقى السيد عمر مكرم تصريحا عقب إبلاغه بصنيع محمد علي معه، جاء فيه: «إني راغب عن منصب النقابة، زاهد فيه، فليس فيه إلا التعب. 


وأما النفي فهو غاية مطلوبي، حتى لا أكون مسئولا أمام اللّه عن ظلم يقع على الشعب، وإني لا أريد إلا أن أعيش في بلدة لا تدين لحكم محمد علي». 


وظل السيد عمر مكرم منفيا في دمياط وطنطا حتى توفاه اللّه عام 1237ه‍ - 1822م.


ولسنا ننسى الثورة العرابية وزعيمها الأزهري المصري القائد: أحمد عرابي، وكيف وقف علماء الأزهر وراءه صفا موحدا، يدعون الشعب إلى الجهاد تحت رايته، وأصدروا فتوى شرعية بمروق الخديوي توفيق عن الدين لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده. وأعلنوا في المؤتمر الوطني عزل توفيق، ووقف أوامره وتكليف عرابي بالدفاع عن البلاد، وأن يبلغ المجلس الوطني هذه القرارات إلى السلطان.


وقد نكل الإنجليز وتوفيق بعد ذلك بعلماء الأزهر تنكيلا شديدا.


واستمر شيوخه لا يبالون بالحكام من أسرة محمد علي، ولهم في ذلك مواقف مشهورة، حتى قامت الثورة المصرية عام 1919. 


فنبعت من قلب الأزهر، واشتعلت شرارتها في صحته، وانبثق من منبره ومحرابه فجر الحرية لشعبنا المجيد الذي نال ما تمناه بفضل كفاحه الطويل العتيد.


ولا ننس موقف الشيوخ الثلاثة: عبد المجيد سليم ومأمون الشناوي وإبراهيم حمروش، من سياسة القصر وعبثه بقوانين الأزهر واستقلاله وحريته، وكيف أصدروا بيانا مطبوعا موجها إلى العالم الإسلامي، ينددون فيه بفاروق ورئيس ديوانه ورئيس وزرائه، ويسجلون عليهم في صراحة تدخلهم في شئون الأزهر وعبثهم بقوانينه. 


وللشيخ عبد المجيد سليم عند ما هدده رئيس الديوان بالخطر كلمة مأثورة خالدة: ما دمت أتردد بين بيتي والمسجد فلا خطر بإذن اللّه، وله كلمة أخرى ندد فيها بفاروق وعبثه ومجونه عند ما أقام في كابري لاهيا عابثا، قالها الشيخ وأعلنها وسارت مسير الأمثال، وهي: «تقتير هنا وإسراف هناك».


هذه قطرة من كفاح الأزهر وأدائه لرسالته، وللأمانة الملقاة على كواهل علمائه نحو الشعب. 


وهي تصور لنا في وضوح روح الأزهر وجوهره وسر خلوده وبقائه شاهق الذرى على مر الأجيال، راسخا يرسل الضوء والنور والهدى إلى كل مكان رسوخ الجبال الراسيات. 


وهل هناك أروع من أن يصدر شيخ معمم فتوي ببيع أمراء المماليك الأتراك ليصرف ثمنهم في مصالح المسلمين، لأن حكم الرق سار عليهم، وهم أرقاء لسادتهم من أبناء مصر، لأن السلطان اشتراهم من مال الدولة، ولا يزال حكم الرق مستصحبا عليهم. 


وكان من جملة هؤلاء الأمراء نائب السلطنة، وكلهم أصحاب حكم، وسلطان ونفوذ وجاه، وكان ذلك في منتصف القرن السابع الهجري، وبعد منتصف القرن الثاني عشر الإمام هو الشيخ عز الدين بن عبد السلام رضوان اللّه عليه.


وبعد فإن رسالة الأزهر في القرن العشرين تشمل الرسالة الدينية الكبرى، والرسالة الثقافية والأدبية، ورسالته الوطنية والاجتماعية.


فمن صميم رسالته الدينية:
1 - إنشاء المراكز الإسلامية في دول أوروبا وأمريكا والشرق الأقصى وأفريقيا لنشر رسالة الإسلام وتعاليمه الصحيحة.


2 - وتلخيص رسالة الإسلام في مؤلفات حديثة، ونشرها بجميع اللغات العالمية.


3 - ومحاربة المادية والمذاهب الهدامة الوافدة علينا من أوروبا وأمريكا والدعوة إلى الروحية السامية المهذبة، وإذاعتها بين جميع الطبقات.


4 - والعمل على إنماء الأخوة الدينية والروحية بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ونشر رسالة التقدم الروحي والديني في البلاد الإسلامية.


5 - وإذاعة مبادىء الإسلام وأصوله الرفيعة الصالحة لقيادة الإنسانية بين مختلف الجماعات والطبقات، وإحياء الشعور الديني وتنمية روح التدين بين الأفراد والشعوب.


ومن صميم رسالة الأزهر الثقافية والأدبية:
1 - نشر التراث القديم في شتى العلوم الإسلامية نشراً علمياً حديثاً.


2 - ووضع مؤلفات حديثة في جميع فروع الثقافة، وتناول مشكلاتنا العامة والخاصة بالدراسة والبحث على ضوء الدين.


3 - وإقامة معاهد دينية في جميع مدن مصر والعواصم العربية والإسلامية لتعميم الثقافة الدينية الصحيحة.


4 - وترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة دقيقة إلى شتى اللغات.


5 - والنظر إلى مناهج الأزهر وعلومه وكتبه الدراسية نظرة جدية جديدة تتفق وحياتنا الفكرية ومطالبنا الروحية.


6 - ودعم التقاليد الجامعية الصحيحة في الأزهر مما يتفق وتقاليده القديمة الموروثة، وتعزيز النظام العلمي الجامعي فيه، وإقرار نظام الدراسات العليا فيه على أسس جامعية رفيعة.


7 - وإنشاء أقسام جديدة في كليات الأزهر لدراسة اللغات والآداب الأوروبية الحديثة، وأهم المذاهب الروحية والفكرية المعاصرة.


8 - وتنمية التعاون الثقافي بين الأزهر ومختلف المعاهد والجامعات في الشرق والغرب.


9 - وكذلك نشر الثقافة العربية والأدبية، وإخراج أمهات كتب اللغة ومصادر الأدب إخراجاً علمياً منظماً.


10 - وتنظيم المواسم الثقافية والأدبية لزيادة ثقافة الشباب، والارتفاع بمستواهم الفكري.


ومن صميم رسالة الأزهر الوطنية والاجتماعية.
1 - العمل على بعث الروح الثوري في الشعب.


2 - ومشاركة الدولة في التوجيه الاجتماعي والوطني في صفوف الأمة.


3 - والمعاونة في محو الأمية، وفي نشر الأمن، وإذاعة الوئام بين الناس، وفي خلق روح التضحية والقومية والإيثار والعدل وحب تحمل المسئولية في نفوس الشباب.


إلى غير ذلك من صميم رسالة الأزهر التي هي جزء لا يتجزأ من رسالة الإسلام ديننا الكريم.


ومن المؤسف حقا أن تكون القوانين في الأزهر رجعية عتيقة بالية إلى الحد الذي يحول بين الكثير من الشباب والتعليم الديني، وأن تهمل أمور الشباب فيه إهمالا خطيرا فلا يلقون رعاية ولا توجيها خارج حجرات الدراسة. 


ولا يتمتعون برحلات علمية منظمة، ولا بنواد رياضية صغيرة أو كبيرة، ولا باتحاد منظم يرعى شئونهم إلى غير ذلك من شتى ألوان التقصير الذي نشكو منه ونطالب بتلافيه.


ويحضرني هنا رأي قديم للمرحوم مصطفى صادق الرافعي، إذ قال:
إنه لا ضير على الأزهر أن تعاونه الشعوب والحكومات الإسلامية بالمال والنفقة الواسعة؛ ليسير قدما نحو أداء رسالته كاملة غير منقوصة في خدمة الشعوب العربية والإسلامية، وإنه لا ضير عليه كذلك من منح ألقاب علمية للمفكرين المسلمين في كل مكان، فإن في ذلك زيادة لنفوذه الديني والروحي في شتى أنحاء العالم الإسلامي.


وبعد فلقد اجتمعت كلمة مصر والأزهريين على النهوض بهذا المعهد العتيق، ورفعه إلى الأمام بيد قوية وعقل فتي، وروح وثاب، ونحن لا ننسى موقف الثورة منا؛ ورعايتها للأزهر وسط المحن والشدائد والدعوات الإلحادية السافرة، فلقادة الثورة وأبطالها الشكر والتقدير على تصريحاتهم القوية النبيلة التي أعزوا بها من شأن الأزهر، ودافعوا فيها عن حضارة الإسلام ومعهده العتيق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52575

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 فبراير 2017, 10:31 pm

الأزهر في القرن العشرين 1
=================
من روح مصر، ومن ضميرها الوطني، وكفاحها القومي، انبثق فجر الحرية والثورة والكرامة والعزة والاستقلال لمصر الخالدة، مصر التي تقهر الأحداث، والتي تسلَّم أبناؤها الثائرون أمانة الوطن المُفدَّي، بعد أجيال طويلة ملؤها النضال في سبيل الشعب: حريته وعزته وكرامته.
__________
1) محاضرة القيتها في هيئة التحرير عام 1955.
---------------
وفي هذا المجال نذكر الأزهر، الأزهر العريق في التاريخ، في المجد، في الجهاد، والذي عرفت له مصر أروع الأعمال، وسجلت الأيام له أمجد الصفحات في تاريخنا القومي والوطني.


وعند ما نريد الحديث عن «رسالة الأزهر في القرن العشرين» لابد أن نشير إلى تاريخ الأزهر في الكفاح الوطني، لأنه جزء لا يتجزأ من تاريخه الثقافي والديني، ومن رسالته التي حملها خلال العصور والأجيال، بل من تاريخ بلادنا التي حملت رسالة الثقافة والحضارة، وألهمت الإنسانية أرفع معاني النهضة والتقدم والحياة.


وفي هذه السبيل نذكر الشيخ الإمام الدردير رضوان اللّه عليه، وتذكر كفاحه من أجل مصر وشعبها الحر الأبي، ففي عام 1200 ه‍: 1786 م أعلن علماء الأزهر الشريف الثورة ضد الأمراء من المماليك، لإسرافهم في فرض الضرائب، ونهب أموال الشعب، وكانت الثورة بقيادة الشيخ الدردير، الذي بادر فأعلن تصريحه الخالد المأثور: سنثور مع الشعب، وننهب بيوت المماليك كما ينهبون بيوتنا، ونموت شهداء أو ينصرنا اللّه عليهم».


وجاء الأمراء يعتذرون للإمام الزعيم، ولم يقبل الشيخ اعتذارهم حتى ألزمهم بميثاق وطني مكتوب، أعلن فيه لأول مرة حقوق الإنسان قبل ميلاد الثورة الفرنسية بسنوات ثلاث، ونص فيه على حرية الشعب، وعدم جواز فرض ضرائب إلا بإرادته، وعلى أن الأمة مصدر السلطان.


ونذكر كذلك الشيخ الإمام عبد اللّه الشرقاوي، وجهاده من أجل مصر على المماليك، وأجمعوا على مقاومة أمرائهم بالقوة إلى أن يستجيبوا لمطالب الشعب، وكان قائد هذه الثورة هو الإمام الشيخ عبد اللّه الشرقاوي شيخ الأزهر أيام ذاك، وكان مجلس الثورة يعقد في الأزهر، وأعضاؤه هم: الشيخ الشرقاوي: والشيخ البكري، والشيخ الأمير، والسيد عمر مكرم.


ولم تنته الثورة إلا بعد اعتذار أمراء المماليك، وبعد أن أصدر أعضاء مجلس قيادة الثورة وثيقة وقعوا عليها وألزموا الأمراء بالتوقيع كذلك عليها، وكانت إعلاناً وطنياً جليلاً لحقوق الشعب، حيث تضمنت ما يلي:
1 - ألا تفرض ضريبة إلا إذا أقرها مندوبو الأمة.
2 - أن ينزل الحكام على مقتضى أحكام المحاكم.
3 - ألا تمتد يد ذي سلطان إلى فرد من أفراد الأمة إلا بالحق والشرع.


وعند ما دخلت الحملة الفرنسية مصر نبعت ثورة القاهرة الأولى من الأزهر الشريف عام 1213ه‍ - 1798م، وكان مجلس الثورة مكونا من كبار علماء الأزهر آنذاك؛ ورئيسه هو الشيخ السادات؛ وكان يعقد اجتماعاته في الأزهر. 


وقد بطش نابليون بالثوار الأحرار، وأغلق الأزهر، وأعدم ثلاثة عشر عالما من أبر علمائه بوطنهم ودينهم.


وكذلك قامت ثورة القاهرة الثانية عام 1214ه‍ - 1800م من قلب الأزهر، وكانت بزعامة الشيخ الأزهري والسيد الوطني عمر مكرم نقيب الأشراف في مصر، وقد أخمدت هذه الثورة بقوة وعنف، وقبض على زعمائها، ونكَّل بهم تنكيلاً شديداً.


وفي عام 1220ه‍ - 1805م أعلن علماء الأزهر الثورة على الوالي التركي خورشيد باشا»، وأجمعوا على عزله، وكتبوا للخليفة العثماني يومذاك، عند ما ذكره أحد قواد الأتراك بالآية الكريمة: «أَطِيعُوا اَللّهَ وَأَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَأُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ»؛ فرد عليه عمر مكرم في عزة وإباء: أولو الأمر هم العلماء وحماة الشريعة والسلطان العادل.


ولما ولي محمد على حكم مصر استبد بالحكم، وتنكر للشعب، وبطش بالحريات، وأسرف في فرض الضرائب، وخان العهد الذي عاهد عليه العلماء بأن يحكم بالعدل والشريعة، فاجتمع في الأزهر الشريف مجلس وطني من العلماء، في أواسط جمادى الأولى 1224ه‍ - أول يوليو 1809م لمقاومة محمد علي حتى يخضع لمشيئة الشعب في عدم فرض ضرائب جديدة، وإلغاء الضرائب المستحدثة.


ورفض السيد عمر مكرم زعيم العلماء التوقيع على ميزانية محمد علي السنوية، وقال كلمة خالدة مأثورة: «إن هذا الحاكم -يريد محمد علي- محتال، وإذا تمكن فسيصعب إزالته، فلنحاربه من الآن، وأسرع محمد علي فخلع السيد عمر مكرم من نقابة الأشراف، ونفاه إلى دمياط، وقد ألقى السيد عمر مكرم تصريحا عقب إبلاغه بصنيع محمد علي معه، جاء فيه: «إني راغب عن منصب النقابة، زاهد فيه، فليس فيه إلا التعب. 


وأما النفي فهو غاية مطلوبي، حتى لا أكون مسئولا أمام اللّه عن ظلم يقع على الشعب، وإني لا أريد إلا أن أعيش في بلدة لا تدين لحكم محمد علي». 


وظل السيد عمر مكرم منفياً في دمياط وطنطا حتى توفَّاه اللّه عام 1237ه‍ - 1822م.


ولسنا ننسى الثورة العرابية وزعيمها الأزهري المصري القائد: أحمد عرابي، وكيف وقف علماء الأزهر وراءه صفاً موحداً، يدعون الشعب إلى الجهاد تحت رايته، وأصدروا فتوى شرعية بمروق الخديوي توفيق عن الدين لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده. 


وأعلنوا في المؤتمر الوطني عزل توفيق، ووقف أوامره وتكليف عرابي بالدفاع عن البلاد، وأن يبلغ المجلس الوطني هذه القرارات إلى السلطان.


وقد نكَّل الإنجليز وتوفيق بعد ذلك بعلماء الأزهر تنكيلاً شديداً.


واستمر شيوخه لا يبالون بالحكام من أسرة محمد علي، ولهم في ذلك مواقف مشهورة، حتى قامت الثورة المصرية عام 1919. 
فنبعت من قلب الأزهر، واشتعلت شرارتها في صحته، وانبثق من منبره ومحرابه فجر الحرية لشعبنا المجيد الذي نال ما تمناه بفضل كفاحه الطويل العتيد.


ولا ننس موقف الشيوخ الثلاثة: عبد المجيد سليم ومأمون الشناوي وإبراهيم حمروش، من سياسة القصر وعبثه بقوانين الأزهر واستقلاله وحريته، وكيف أصدروا بيانا مطبوعا موجها إلى العالم الإسلامي، ينددون فيه بفاروق ورئيس ديوانه ورئيس وزرائه، ويسجلون عليهم في صراحة تدخلهم في شئون الأزهر وعبثهم بقوانينه. 


وللشيخ عبد المجيد سليم عند ما هدده رئيس الديوان بالخطر كلمة مأثورة خالدة: ما دمت أتردد بين بيتي والمسجد فلا خطر بإذن اللّه، وله كلمة أخرى ندد فيها بفاروق وعبثه ومجونه عند ما أقام في كابري لاهيا عابثا، قالها الشيخ وأعلنها وسارت مسير الأمثال، وهي: «تقتير هنا وإسراف هناك».


هذه قطرة من كفاح الأزهر وأدائه لرسالته، وللأمانة الملقاة على كواهل علمائه نحو الشعب. 


وهي تصور لنا في وضوح روح الأزهر وجوهره وسر خلوده وبقائه شاهق الذرى على مر الأجيال، راسخا يرسل الضوء والنور والهدى إلى كل مكان رسوخ الجبال الراسيات. 


وهل هناك أروع من أن يصدر شيخ معمم فتوي ببيع أمراء المماليك الأتراك ليصرف ثمنهم في مصالح المسلمين، لأن حكم الرق سار عليهم، وهم أرقاء لسادتهم من أبناء مصر، لأن السلطان اشتراهم من مال الدولة، ولا يزال حكم الرق مستصحباً عليهم. 


وكان من جملة هؤلاء الأمراء نائب السلطنة، وكلهم أصحاب حكم، وسلطان ونفوذ وجاه، وكان ذلك في منتصف القرن السابع الهجري، وبعد منتصف القرن الثاني عشر الإمام هو الشيخ عز الدين بن عبد السلام رضوان اللّه عليه.


وبعد فإن رسالة الأزهر في القرن العشرين تشمل الرسالة الدينية الكبرى، والرسالة الثقافية والأدبية، ورسالته الوطنية والاجتماعية.


فمن صميم رسالته الدينية:
1 - إنشاء المراكز الإسلامية في دول أوروبا وأمريكا والشرق الأقصى وأفريقيا لنشر رسالة الإسلام وتعاليمه الصحيحة.


2 - وتلخيص رسالة الإسلام في مؤلفات حديثة، ونشرها بجميع اللغات العالمية.


3 - ومحاربة المادية والمذاهب الهدامة الوافدة علينا من أوروبا وأمريكا والدعوة إلى الروحية السامية المهذبة، وإذاعتها بين جميع الطبقات.


4 - والعمل على إنماء الأخوة الدينية والروحية بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ونشر رسالة التقدم الروحي والديني في البلاد الإسلامية.


5 - وإذاعة مبادىء الإسلام وأصوله الرفيعة الصالحة لقيادة الإنسانية بين مختلف الجماعات والطبقات، وإحياء الشعور الديني وتنمية روح التدين بين الأفراد والشعوب.


ومن صميم رسالة الأزهر الثقافية والأدبية:
1 - نشر التراث القديم في شتى العلوم الإسلامية نشراً علمياً حديثاً.


2 - ووضع مؤلفات حديثة في جميع فروع الثقافة، وتناول مشكلاتنا العامة والخاصة بالدراسة والبحث على ضوء الدين.


3 - وإقامة معاهد دينية في جميع مدن مصر والعواصم العربية والإسلامية لتعميم الثقافة الدينية الصحيحة.


4 - وترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة دقيقة إلى شتى اللغات.


5 - والنظر إلى مناهج الأزهر وعلومه وكتبه الدراسية نظرة جدية جديدة تتفق وحياتنا الفكرية ومطالبنا الروحية.


6 - ودعم التقاليد الجامعية الصحيحة في الأزهر مما يتفق وتقاليده القديمة الموروثة، وتعزيز النظام العلمي الجامعي فيه، وإقرار نظام الدراسات العليا فيه على أسس جامعية رفيعة.


7 - وإنشاء أقسام جديدة في كليات الأزهر لدراسة اللغات والآداب الأوروبية الحديثة، وأهم المذاهب الروحية والفكرية المعاصرة.


8 - وتنمية التعاون الثقافي بين الأزهر ومختلف المعاهد والجامعات في الشرق والغرب.


9 - وكذلك نشر الثقافة العربية والأدبية، وإخراج أمهات كتب اللغة ومصادر الأدب إخراجاً علمياً منظماً.


10 - وتنظيم المواسم الثقافية والأدبية لزيادة ثقافة الشباب، والارتفاع بمستواهم الفكري.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52575

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالأربعاء 15 فبراير 2017, 12:13 am

ومن صميم رسالة الأزهر الوطنية والاجتماعية:
1 - العمل على بعث الروح الثوري في الشعب.
2 - ومشاركة الدولة في التوجيه الاجتماعي والوطني في صفوف الأمة.
3 - والمعاونة في محو الأمية، وفي نشر الأمن، وإذاعة الوئام بين الناس، وفي خلق روح التضحية والقومية والإيثار والعدل وحب تحمل المسئولية في نفوس الشباب.
إلى غير ذلك من صميم رسالة الأزهر التي هي جزء لا يتجزأ من رسالة الإسلام ديننا الكريم.


ومن المؤسف حقا أن تكون القوانين في الأزهر رجعية عتيقة بالية إلى الحد الذي يحول بين الكثير من الشباب والتعليم الديني، وأن تهمل أمور الشباب فيه إهمالا خطيرا فلا يلقون رعاية ولا توجيها خارج حجرات الدراسة. 


ولا يتمتعون برحلات علمية منظمة، ولا بنواد رياضية صغيرة أو كبيرة، ولا باتحاد منظم يرعى شئونهم إلى غير ذلك من شتى ألوان التقصير الذي نشكو منه ونطالب بتلافيه.


ويحضرني هنا رأي قديم للمرحوم مصطفى صادق الرافعي، إذ قال:
إنه لا ضير على الأزهر أن تعاونه الشعوب والحكومات الإسلامية بالمال والنفقة الواسعة؛ ليسير قدما نحو أداء رسالته كاملة غير منقوصة في خدمة الشعوب العربية والإسلامية، وإنه لا ضير عليه كذلك من منح ألقاب علمية للمفكرين المسلمين في كل مكان، فإن في ذلك زيادة لنفوذه الديني والروحي في شتى أنحاء العالم الإسلامي.


وبعد فلقد اجتمعت كلمة مصر والأزهريين على النهوض بهذا المعهد العتيق، ورفعه إلى الأمام بيد قوية وعقل فتي، وروح وثاب، ونحن لا ننسى موقف الثورة منا؛ ورعايتها للأزهر وسط المحن والشدائد والدعوات الإلحادية السافرة، فلقادة الثورة وأبطالها الشكر والتقدير على تصريحاتهم القوية النبيلة التي أعزوا بها من شأن الأزهر، ودافعوا فيها عن حضارة الإسلام ومعهده العتيق.


ومنذ اليوم سيساند الأزهر الثورة وتساند الثورة الأزهر لخلق مصر الناهضة الحرة الأبية، ولإعزاز الدين والإسلام والوطن.


الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي
=================
فقدت مصر والعالم الإسلامي في مارس 1969 عالماً من أجل علماء الأزهر.. هو فضيلة الأستاذ الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي عضو جماعة كبار العلماء ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر، انتقل للرفيق الأعلى عن 73 عاماً.. قضاها في سبيل نشر لواء العلم والدين.. 


كان آخر من تولى منصب شيخ مذهب الحنابلة بالأزهر.. وآخر بحوثه التي أعدها بحثا من المقدس وبحثا عن الجهاد في سبيل اللّه.. وآخر كتاب -ما زال تحت الطبع- هو كتاب الوحي ويقع في 300 صفحة وسيصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وكان قد أتمه قبل وفاته بساعات.


تخرَّج الشيخ السبكي في الأزهر الشريف عام 1925 وعين فور تخرجه مدرساً بمعهد الزقازيق الديني، ثم نقل أستاذاً بكلية الشريعة عام 1935.


وفي نفس العام عين عضوا بلجنة الفتوى حين كان الإمام الراحل الشيخ المراغي شيخا للأزهر وتولى رئاسة اللجنة منذ خمس سنوات.. واختير مفتشاً عاماً للعلوم الدينية والعربية بالأزهر سنة 1947، وفي عام 1951 عاد إلى منصبه أستاذا بكلية الشريعة وظل بها حتى أحيل للمعاش عام 1959، وقضى 44 عاما في خدمة العلم والدين، وجند نفسه لتفسير الدين كما أنزله اللّه.


اتسع نشاط لجنة الفتوى في عهده وأصبحت تتلقى الفتاوى وترد عليهم.. وكان للشيخ السبكي مكانة في مقدمة العلماء الدارسين في علوم الدين واللغة.. وعين شيخاً لمذهب الحنابلة بالأزهر وهو آخر من تولى هذا المنصب وفي عام 1954 عين مديراً لمجلة الأزهر وعضوا في جماعة نشر الثقافة بالأزهر.


وفي السنوات الأخيرة عين رئيسا للجنة إحياء التراث الإسلامي والعربي وعضوا بلجنتي الخبراء وموسوعة عبد الناصر للفقه الإسلامي بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.


وقبيل وفاته بأيام راجع فيلماً تليفزيونياً عن الإسلام سجله تليفزيون النمسا وأعد مادته العلمية فضيلة الشيخ عبد الحكيم سرور مدير الشئون العامة بالأزهر. 


وشاهد الشيخ السبكي -رحمه اللّه- الفيلم في عرض خاص وأشاد بجودته، وسيترجم الفيلم إلى مختلف اللغات، ويعرض في أنحاء العالم.


ترك سجلاً حافلاً من التراث الإسلامي.. في مقدمته كتب نغمات القرآن، ورياض القرآن، وفي ظلال الكعبة والهجرة النبوية، كما ترك عدداً كبيراً من المقالات في منبر الإسلام ولواء الإسلام والوعي الإسلامي ومجلة الأزهر والشبان المسلمين، والعديد من الأحاديث المسجلة بالتليفزيون والإذاعة.. في برامج نور على نور، ورحاب الإيمان، ورأي الدين.


وأبناؤه هم المهندس حباب المعيد بهندسة جامعة الأزهر والدكتور عادل بالقصر العيني وهاني ووفاء بطب قصر العيني جامعة القاهرة.


لقد عاش الشيخ السبكي عالماً ومعلماً وسيظل مثلاً أعلى يذكره بنوه وتلاميذه وعارفو فضله -بالتقدير والوفاء- في أرجاء العالم الإسلامي..


ماذا حدث؟ في 14 اغسطس عام 1859.. ما ذا حدث؟:
استنكر رجال الأزهر الأمر الصادر بالسماح بإقامة «الحانات» بالقاهرة وكتبوا عريضة ضمنوها استنكارهم ورفعوها إلى جناب الباب العالي.. وجاء بالعريضة أن عدد الحانات بالقاهرة بلغ 12 حانة مما ينذر بالخطر الوبيل على سمعة الدين.


نشاط أزهري
=======
عن نشاط الدعاة الأزهريين نشرت مجلة ليبيا الحديثة في عددها الصادر في 1/ 4 / 1969 حوارا بينها وبين رئيس المركز الإسلامي في بريطانيا الشيخ محمد إبراهيم الجيوشي -الدكتور فيما بعد- جاء فيه: بدأت معه الحديث عن موضوع رسالة الدكتوراه التي يعد لها في جامعة لندن.. 


موضوع شيق وجديد لم يطرقه أحد من قبل، هو البحث عن آثار مفكر إسلامي متصوف كان له أثر بعيد في الفكر الإسلامي وخاصة في التصوف.. وله بذلك منهج انصرف به عن كل شيوخ التصوف.. 


فمن المعروف أن شيوخ الصوفية يعتمدون في نقل أفكارهم وآرائهم على تلاميذهم ومريديهم ثم ينقلها هؤلاء إلى أتباعهم وهكذا.. إلا أن الشيخ الحكيم الترمذي -موضوع البحث- لم يسلك هذا المسلك بل وضع أفكاره وآراءه في كتب ورسائل بلغت أكثر من سنتين كتابا لا يزال معظمها مخطوطا ولم يطبع منها إلا حوالي أربعة كتب.. 


وشعرت بأن الشيخ محمد إبراهيم الجيوشي المدير المساعد للمركز الإسلامي بلندن سيغوص في أعماق هذه الكتب وتلك الدراسات الصوفية.. وأنا لا أزال أشعر بغمرة السعادة بعد أن أديت صلاة العيد في المركز الإسلامي بلندن الذي يتجمع فيه أكثر من المسلمين على اختلاف أجناسهم وجنسياتهم.. تراهم من الهند وباكستان وأفغانستان والملايو إلى آخر قطر عربي وكأنهم في حج صغير..


-قلت لفضيلة الشيخ الجيوشي ما هي قصة المركز الإسلامي بلندن..
فكرت انجلترا خلال الحرب العالمية الثانية أن تقوم بعمل تربط به أواصر الصلة بينها وبين العالم الإسلامي فقامت بتقديم هذا المركز إلى الحكومة المصرية في ذلك الوقت ليبني عليه مسجد للمسلمين.. 


وفي نظير ذلك قدمت الحكومة المصرية للجالية البريطانية في القاهرة قطعة أرض لتقام عليها كنيسة لهم.. بنيت الكنيسة عام 1945 ولم يبن المسجد حتى الآن.. 


اعترضت بلدية لندن على المئذنة في بادىء الأمر ثم على شكل البناء بحجة أنه لا يتناسب مع الأبنية المجاورة بعد أن حذفنا من نموذج البناء الأول المئذنة ولا تزال القضية معلقة حتى الآن!.


-ما هو عدد المسلمين في بريطانيا ومراكز تجمعهم ونشاطهم؟..
اعتقد أن عددهم يبلغ حوالي مليون أو أكثر منهم سبعون ألفا في مدينة لندن والباقي موزع في كل أنحاء الجزر البريطانية وأغلب المسلمين من الهند والباكستان حيث يشكلون 95 بالمائة من الجالية الإسلامية واليمنيون من أكثر المسلمين العرب واذكر أنه كان يتزعمهم في مدينة كارديف رجل متدين هو الشيخ عبد اللّه الحكيم وكان له نشاط ديني واسع حتى أنه أصدر صحيفة عربية ومطبعة عربية طبعت له العديد من المؤلفات ثم توقفت الجريدة عن الصدور بعد وفاة هذا الرجل الذي بنى مسجدا في مدينة كارديف يسمى مسجد نور الإسلام.


-ما هو نشاط المركز الإسلامي هنا؟..
ينقسم نشاطنا إلى ثلاثة أقسام رئيسية.
1 - قسم ديني
2 - قسم ثقافي
3 - قسم اجتماعي.


القسم الديني - يتمثل في إقامة الصلوات وخاصة صلاة الجمعة التي يحضرها حوالي خمسمائة رجل وتلقى الخطبة باللغتين العربية والانجليزية ويبدو هذا النشاط ملحوظا في شهر رمضان المبارك حيث تقام صلاة التراويح كل ليلة وإلى جانب ذلك الاحتفال بالمناسبات الرسمية كالعيد النبوي الشريف، والهجرة وغزوة بدر وفتح مكة المكرمة وليلة القدر وليلة الاسراء... الخ. 


وفي كل ذلك نحرص على ربط المسلمين ببعضهم وربط هذه الأحداث بتاريخنا المعاصر.. وفي الأعياد تجمع الزكاة وتوزع على المحتاجين إن وجدوا ولكن الذي اتبع في العيد الماضي أن الجانب الأكبر منها صرف للمنظمات الفدائية وفكرنا أن نصرف الجانب الآخر لهذه المنظمات أيضا لأنه في نظرنا أحق الوجوه إلا أن مجلس المركز الأعلى رأى أن يأخذ رأي مشيخة الأزهر في هذا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52575

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالأربعاء 15 فبراير 2017, 12:15 am

القسم الثقافي - يتلخص في تعليم اللغة العربية لِمَنْ يرغب من المسلمين.. وعندنا في المركز الإسلامي فصل لتدريس اللغة العربية مرتين كل أسبوع والدراسة فيه مجانية للجميع وهناك فصل آخر لتعليم تلاوة القرآن الكريم تلاوة صحيحة.. 


بجانب هذا توجد محاضرات شهرية ينظمها المركز يوم السبت الأخير من كل شهر عن موضوع إسلامي يلقيه أحد المحاضرين ثم يتبعه مناسبة عامة.. وهناك نقطة مهمة هي أن كثيرا من الكنائس والمدارس والكليات والنوادي والجمعيات المختلفة في بريطانيا تطلب منا محدثين يحدثونهم عن الإسلام فنبعث إليهم بمتحدثين يجيدون اللغة الإنجليزية ولهم اطلاع واسع بالثقافة الإسلامية ولم تكن هذه الظاهرة موجودة من قبل بهذه الصورة التي تزداد يوما بعد يوم فالناس في شوق لمعرفة حقيقة أشهر فيها أبحاث تتعلق بالفكر الإسلامي العربي..


القسم الاجتماعي - ونشاطه واسع يشمل عقود الزواج واعتناق الدين الإسلامي ومشاكل المسلمين ومعظمها نابع من البيئة التي يعيشون فيها والتي تخالف بيئتهم الأصلية كالطعام والشراب ومعاملة الناس وتربية أطفالهم تربية إسلامية في مجتمع اضطروا لأسباب مختلفة أن يعيشوا فيه.. 


وكثيرا ما تتصل بنا المستشفيات وتبلغنا بأن مريضا أو مريضة مسلمة ترفض أن تأكل أكلة معينة فنذهب إلى المستشفى ونوضح لهم ما ينبغي عدم أكله والواقع أنهم يستجيبون لمثل هذه التعاليم. 
كذلك فإننا نقوم بزيارة بعض السجناء المسلمين ونبين لإدارة السجن أوقات الصلاة وما هو محرم على المسلم أكله أو ما شابه ذلك ويشكروننا على ذلك.. وبصورة عامة فإن هذا القسم بالإضافة إلى كل ذلك ينظم الصلة بيننا وبين الجاليات الإسلامية في الجزر البريطانية.


المرأة في الأزهر
==========
التحقت فاطمة الحلفاوية من بلدة «الكمايشة» مركز تلا منوفية قد التحقت بالأزهر في سنة 1302ه‍.


وقطعت في معهد طنطا مراحل التعليم كلها -ولما حاولت الحصول على الشهادة «العالمية» أخفقت في الامتحان أمام لجنة كان رئيسها المرحوم الشيخ دسوقي العربي «طه حسين حين أراد الحصول على العالمية».


وفي سنة 1304ه‍ انتسبت بمعهد طنطا السيدة «فاطمة الغنامية» وهي من مدينة طنطا، وفي نفس العام التحقت سيدة أخرى اسمها فاطمة «العوضية» من بلدة طمبول الكبرى مركز السنبلاوين وجاء ذلك كله في سجلات الأزهر الشريف.


عميد الأدب العربي في الأزهر
==================
دخل الدكتور طه حسين الأزهر يوم الاثنين 12 أكتوبر بعد غياب طال 37 عاماً دخل يتكلم اللغة الفرنسية ويقدم لشيخ الأزهر مستر رودلف سالات مدير الشئون الثقافية بهيئة اليونسكو. 
ويسترجع مع الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر ذكريات الماضي القريب والبعيد.


وقبل أن يغادر طه حسين المعهد الذي تلقى فيه دروسه الأولى قال له شيخ الأزهر!.


-إن عليك حقاً للأزهر.. إن خدمته واجبة عليك لقد وضع الأزهر أساس حياتك العلمية وحان الأوان لترد الدين.


لقد دام اللقاء ساعة جرى خلالها حديث في الدين والعلم.. والذكريات.. ولم يحضر هذا الحديث سوى صحفي واحد هو حنفي عاشور سكرتير عام التحرير بالجمهورية.


قال الدكتور طه حسين للأستاذ الأكبر: «إنني أحب زيارة الأحرار والارتباط بهم وأقصد من الحرية، حرية الفكر وحرية المعرفة، الحرية الموصلة إلى السمو في الهدف والنبل في الغاية والتي تحقق آمال الناس جميعا فيما يهدفون إليه، أملا يبنى ولا يهدم، ويعلي ويرفع ولا يخفض.


جئت في صحبة المستر رادولف سالات ليقدم إليكم تحية هيئة اليونسكو جميعا مقدرين لكم جهودكم في إثارة الوعي الديني المنظم الذي يجمع ولا يفرق، وإنه ليقدر هو والهيئة أن الأزهر أقدم جامعات العالم وهو مصدر من مصادر الإشعاع العالمي فهو جدير بالتقدير ولذا رأى أنه من الواجب عليه أن يزور الأزهر جميعاً ممثلاً في شخصكم».


وقال الأستاذ الأكبر للدكتور طه حسين:
إننا نضع يدنا في يدك وفي يد كل محب لإعلاء شأن العقل الإنساني حتى نتمكن جميعا بيد واحدة، وتماسك واحد، أن نخوض غمار الحياة الحرة الرتيبة، وأنا أعتقد أن أول مَنْ يُقَدِّر الأزهر ويُقَدِّر جهاده إنما هو هيئة اليونسكو ونعتقد أيضاً أن توجيه العالم إلى الخير إنما هو إلى الأزهر.. إلى كل هيئة تنشد العلم وتسعى إلى المعرفة ومن بينها هيئة اليونسكو، وذلك مما يركز الأمن والاستقرار في ربوع العالم ويمنع من وقوع مثل هذه المذابح الدامية التي تقع دائماً صراعاً بين الحق والباطل وبين الحرية والاستعباد وأنا أرى أنه لا يصح أن تقف الهيئات العالمية على حد البحث العلمي الجامد، وإنما يجب عليها أن تعمل دائما لتوطيد أركان الأمن وتركيز السلام، فإنه لا يجوز أن نستخدم النعم التي أنعم اللّه بها علينا من عقول مفكرة وآراء سديدة وقوة في الإدراك، لا يجوز أن نستغل هذه أو نوجهها إلى الشر وإلى إثارة الخواطر وتحطيم القوى، وذلك كله إنما يكون عن طريق التعارف الذي يبعث على الحب والتآلف فإن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف...


ثم التفت الأستاذ الأكبر إلى الدكتور طه حسين وقال:
لعلكم تذكرون يا أخي الدكتور أن الأزهر خطا خطوة واسعة في سبيل التقريب بين المذاهب جميعا، خطا هذه الخطوة حتى في التقريب بين أهل السنة والشيعة، وكلية الشريعة الآن تدرس الفقه المقارن بين المذاهب الأربعة وبين غيرها من المذاهب الأخرى، وأنا حريص على الطلاب ويدرك العلماء الأصول ويقدروا المراجع، وأنا شخصيا أرى ذلك.. 


أي ليس في الدين ما يلزم بمذهب معين، فكل الأئمة صح عنهم «إذا صح الحديث فهو مذهبي» وأنا حريص على أن يكون مرجعنا الكتاب والسنة نستقى منهما ونأخذ عنهما وننهل من منهلهما العذب، على أن كل ما يخالف هذا الأصل ويخالف الكتاب والسنة نرده ولا نقبله، وأبو حنيفة يا دكتور يقول: إن من لم يعرف من أين أتينا برأينا لا يصح أن يقلدنا، ولقد سمعنا في أوقات كثيرة أن ابن تيمية ضال مضل ونفر المرجفون الناس من مذهبه ولكن تكشف لهم الأمر فعرفوا أنه هاد ومهد.


ثم تطرَّق الحديث إلى الذكريات.. فسأل الأستاذ الأكبر الدكتور طه حسين: أتذكر يا دكتور الموضوع الذي أسقطوك فيه في الشهادة العالمية؟


فأجاب الدكتور طه: نعم، أنه المطلق والمقيد.


ثم سأله الأستاذ الأكبر: كم سنة قضيتها في الأزهر؟


قال الدكتور طه: أنا دخلت الأزهر سنة 1902، وتركته سنة 1912، وبقيت فيه عشر سنوات، أنا أحب الأزهر وأؤمن بأنه المشعل القوي والقوي جدا الذي ينير للعالم الطريق المستقيم، وأحب فيه العلم والمعرفة وأكره التزمت، أنا أذكر يا فضيلة الشيخ يوم إن كنت طالبا وكان معي ثلاثة من الزملاء وكنت أحضر النحو على الشيخ أبو النجا وكنت حريصا على النقاش العلمي ولكن ذلك الشيخ لم يعجبه ذلك وكأنني قد أفرطت في النقاش فطردنا من الدرس وأقسم ألا يدرس ونحن في الفصل فامتثلنا وتركناه ورحنا نحضر على الشيخ عبد المعطي الشرشيمي في زاوية العميان، وكان ما كان..


ثم عاد الدكتور حسين بالذكريات إلى الماضي البعيد فقال موجها حديثه إلى الأستاذ الأكبر: أتذكر فضيلتكم يوم أن جلسنا سويا أنا وفضيلتكم والأستاذ علي عبد الرازق وأخذنا نبحث فيما يجب علينا للشريعة الإسلامية وللعقل البشري فاتفقنا يوم ذاك على أن يكتب الأستاذ علي عبد الرازق في العقيدة وتكتبون في الشريعة وأكتب أنا في تاريخ التشريع؟.


فرد الأستاذ الأكبر وقال: إنه لمن حسن الحظ أن تجيئوا اليوم وقد انتهت المطبعة من طبع كتابي في العقيدة والشريعة تحت عنوان «الإسلام عقيدة وشريعة».


فقال الدكتور طه حسين: وقد كتبت أنا أيضا في قسم التاريخ كتابا باسم «مرآة الإسلام» ولا زلنا في انتظار ما يكتبه الأستاذ علي عبد الرازق.


مضى من الوقت نصف ساعة والمسترسلات والدكتور تقي والأستاذ عبد الحكيم سرور وأنا نستمع في سعادة إلى الحديث الذي يدور بين الرجلين الفاضلين ثم قال المستر سالات -باللغة الفرنسية طبعا- وقام بالترجمة الدكتور طه حسين.. 


قال للأستاذ: إنني لأستحيى أن أذكر النسبة بين عمر اليونسكو وعمر الأزهر المديد وبين عملها وعمل الأزهر المجيد، واليونسكو وإن كانت مؤلفة من جميع دول العالم فإنني أعتقد أن قدرتها على نشر السلام في الأرض أقل بكثير من الأزهر ولكننا نطمع في الكثير من الأزهر وخاصة في عهدكم الذي يؤمن المصلحون برسالتكم فيه.


ثم قال الأستاذ الأكبر موجها كلامه للدكتور طه حسين: إن عليك حقا للأزهر وهذا الحق كذلك على كل من تتلمذ في الأزهر وأخذ من الأزهريين، وإذن فخدمة الأزهر -إن شاء اللّه- سيصل بمعونة اللّه ومعونة لإخواني المصلحين إلى جمع كلمة المسلمين ورجال الإنسانية على كلمة واحدة وهدف واحد.


قال الأستاذ الأكبر: إن الجمهورية العربية معنية كل العناية بأمر هذه ضمت خمسين جنسية من مختلف الجنسيات الإسلامية ليتفقهوا في دينهم ويتعرفوا إلى نواحي الاجتماع والتعاون والديمقراطية الصحيحة في إسلامهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، وليكونوا رسائل حية لجمهوريتنا يربطون بيننا وبين إخواننا في جميع الدول وهؤلاء يعد لهم الآن منهاج دراسي يتفق وطبيعتهم ويحقق الرباط بيننا وبين دولهم ويساعدنا ويساعدهم على تحقيق رسالة الإسلام، ولقد وفد إلى الأزهر في هذه الآونة أحد المسلمين الأمريكان ليدرس في الأزهر، وقد أمرت له بمنحة شهرية.


أدعو اللّه لهذا ولغيره أن يكون جهاده وتعلمه في سبيل العلم.. في سبيل الربط الحر المتين بين دول الأرض بما ينشر السلام ويحققه.


ثم استطرد الأستاذ الأكبر قائلا: إن مشيخة الأزهر تدعوك يا دكتور طه والمستر سالات والدكتور تقي، تدعوكم من الآن لزيارة هذه المدينة المعدة على أحدث النظم في العالم..


ثم سأل المستر سالات: لما ذا لا تترجمون كتب فضيلتكم إلى اللغات الأخرى؟


فأجاب الأستاذ الأكبر: إنني أعدكم بترجمتها..


فتدخل الدكتور طه حسين في الحديث وقال: إنني أتمنى لو ترجمت إلى الأسبانية واذكر بهذه المناسبة أنني عند ما كنت وزيرا للمعارف أرسلت بعثة إلى اسبانيا فاشترك الأزهر بواحد وكنت أود أن لو انتفع به الأزهر وهو الآن أستاذا في كلية دار العلوم.


وبعد ساعة.. انتهى حديث شيخ الأزهر وطه حسين والمستر سالات.. انتهى حديثهم عن حرية الفكر.. الحرية التي توصل إلى السمو في الهدف وتحقق آمال الناس جميعا فيما يهدفون إليه.. 
الحرية التي تأبى توجيه العلم إلى الشر وتحطيم القوى.. الحرية التي تهدف إلى التعارف الحر على أساس العلم لا على أساس السياسة..


وانصرف الضيوف الثلاثة.. وأحسست بأنهم خرجوا بشيء جديد عن الأزهر.. أقدم جامعات لعالم واحد المصادر الكبرى للإشعاع العالمي..


كانوا يسيرون إلى الباب الخارجي وكأنهم يحاولون الخطو إلى الوراء.. ليتحدثوا من جديد.. عن حرية الفكر.. وحرية المعرفة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52575

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالأربعاء 15 فبراير 2017, 12:17 am

محمد عبد المنعم خفاجي 1
-أديباً-
===============
- 1 - 
عَالِمٌ يخطو إلى السبعين، في صدره عزيمة الشباب، وعلى ظهره أعباء سنين طوال، قضاها مجاهداً مكافحاً في سبيل خدمة الثقافة والأدب، وعلى تجاعيد وجهه تلوح سمات المحتد وعراقة الأصل وطيبة النفس والتصميم على مواصلة الكفاح في رحلة شاقة إلى المجد، والإعتماد على النفس دون محاولة للاستعانة بجاه أحد أو بنفوذه.


ومن وراء ذلك كله مؤلفات ينوء بحملها جلد إنسان، وذكر ذائع في كل مكان من أرجاء العالم العربي والإسلامي، واعتزاز من كثير من المفكرين به وبأدبه.


وقد كتب عنه من المقالات ما لا يمكن حصره، ونشرت عنه دراسات عديدة من أهمها:
1 - كتاب صورة من الفكر المعاصر تأليف الأستاذ فكري أبو النصر.


2 - كتاب من رواد الأدب المعاصر تأليف الأستاذ حليم متري.
__________
1) ص 34 ج‍ 4 صور من الأدب الحديث - مكتبة الأنجلو بالقاهرة.
---------------
3 - الكتاب العربي.
وعنه كتبت تراجم في كتب عديدة من أمثال: الأزهر في ألف عام، وبنو خفاجة وتاريخهم السياسي والأدبي، ونشر كثير من شعره في كتاب «مع الشعراء المعاصرين» وفي ديوانه «أحلام الشباب».


- 2 - 
ويمكننا أن نتعرف إلى المذهب الأدبي عند أديبنا في كتبه، مما يمكن تلخيصه فيما يلي:
1 - يؤمن أديبنا بضررة الملكة الأدبية والموهبة الذاتية كأساس لبناء الأديب من الجانب الفني والثقافي، ومن ثم نجده يحيل كل الخصائص الذاتية التي تميز أديبا عن أديب إلى أثر هذه المواهب.


2 - ويرى أن الثقافة الأدبية الحديثة للأديب يجب -فوق تناولها لجميع الثقافات الممكنة- أن تتناول التعرف إلى جميع الثقافات الأدبية القديمة والحديثة والمعاصرة عند جميع الشعوب، ومن ثم يحرص على الاتصال بروائع الآداب الأوروبية المترجمة، ويرى وجوب التعاون والإخاء الأدبي بين الأدب العربي وهذه الآداب. 
كما يرى وجوب دراسة الآداب الشرقية عامة والعربية خاصة عند جميع الشعوب التي يتصل تاريخنا بتاريخها وحياتنا بحياتها ومن أجل ذلك أسهم في نشر كثير من الآثار الأدبية القديمة والمعاصرة لأدباء من أبناء مصر والبلاد العربية. 


وبحثه عن الشعر السوداني المعاصر الذي نشره في كتابه «قصص من التاريخ» يعد بحثاً جامعاً أصيلاً جديداً.


3 - وأديبنا يرى أن الأدب لا بد أن يخدم هدفا اجتماعيا أو قوميا أو الأدب المعاصر يشيد بروائع الآثار الواقعية في الأدب والشعر (راجع مقدمة كتابه قصص من التاريخ).


4 - وهو مع ذلك يرى أن الأدب المعاصر تنقصه الملكة والذوق البلاغي، كما أن الأدب القديم كان ينقصه الاتجاه والمذهب والرسالة، ومن أجل ذلك فهو يبشر بأدب جديد تتجلى فيه خصائص الأدبين أكثر وضوحا عما هي عليه الآن.


ومن صور آرائه في الأدب الحديث ما كتبه في مقدمة كتابه «قصص من التاريخ» بعنوان (الأدب والحياة) قال:
«الأدب لم يعد اليوم ترفاً وفناً خالصاً، وتصاوير مزخرفة منمقة وبلاغة أدبية محضة، ولم يعد يقصد للترفيه والتسلية وقطع الوقت، وليس الأدب مقصورا على إثارة الشهوات الجنسية كسبا لجمهور القراء الفارغين التافهين، وليس بخورا يحرق في مواكب الطغاة تمجيداً وتسبيحاً بحمدهم، ولا دعاية تنشر لتضليل الرأي العام وإلهائه وكسبه بجانب الديمقراطية أو غيرها، فلم يعد لأمثال هذه الآداب بيننا قيمة، ولم يعد القارىء المثقف يؤمن بمثل هذا الأدب الأجوف، ولم تعد أحكام النقد وقفا على طائفة من الكتاب والنقاد المضللين، الذين ساروا في كل ركب، ومشوا تحت لواء كل موكب، ووقفوا حياتهم على الدعاية لسياسة الغرب باسم الصداقة والأحلاف والديمقراطية في الشرق العربي.


ونحن نبدأ عهداً أدبياً جديداً نحطم فيه هذه الأصنام الزائقة، وهذه الأقلام الجوفاء، وهذه الأغراض التي تاجرت بحريتنا الفكرية والأدبية، وأخضعت الأدب لأهواء السياسة ومشيئتها، وأثرت على حساب الأدباء المساكين.


الفكر وضاقت ذراعا بمواهب الشباب من الأدباء فقبرتها، وسخرت الأقلام للتسبيح بحمدها بين الناس.


أصبح الأدب يدعو إلى الحرية والكرامة والحياة الطيبة للأفراد والجماعات والشعوب، الحرية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والكرامة التي تدع الإنسان مؤمنا بأنه لم يخلق عبدا لإنسان، وإنما خلق إنسانا يشعر بكرامته الإنسانية وقيمته في المجتمع، والحياة الطيبة التي تتكافأ فيها الفرص، وتتساوى فيها المواهب، ويجد فيها كل إنسان له عملاً لائقاً، وعيشاً شريفاً، ومستوىً مادياً مناسباً وعناية واحدة من الحاكمين، والتي تنعدم فيها الفروق بين الناس، وتقل فيها المشكلات أمام الفرد، فلا يضطر إلى الانتحار لأنه لا يجد الخبز لنفسه وأولاده، ولا يعيش متسولا عالة على الناس ولا يقعد به المرض أو الجهل عن أن يعيش وأن تحفظ عليه كرامته في وطنه.. 


يجب أن يكون الأدب اليوم صدى الحياة المدوي، وصوتها المجلجل في كل سمع، ولسانها المعبر عن آمال الإنسانية وآلامها وأفراحها وأحزانها وسعادتها وشقائها، وأن يعبر في وضوح عن حياتنا التي نحياها: حياة الفلاح في حقله، وحياة العامل في مصنعه، وحياة الموظف في وظيفته، وحياة الفتاة التي نادينا بحريتها، وحطمنا الأغلال دونها، ثم لم نعمل شيئا في سبيلها، لتستطيع الاحتفاظ بحريتها الطبيعية التي تحميها لها الحياة، فلم نساعدها على العمل الشريف ولا على الزواج المناسب، وعلى حياة الأسرة الهادئة، وتركناها وحدها في الميدان، تقضي حياتها محرومة من الزوج السعيد الصالح، والأولاد الذين تتشوق في لهفة إليهم.


والوضوح والبساطة والجمال والصدق هي الخصائص الأدبية الأولى، والعناصر الفنية الأساسية لكل أدب جميل بليغ. 


ولكن خلود هذا الأدب وذيوعه يتوقف فوق ذلك على مضمونه وعلى أن يكون الأدب إنساني النزعة، رفيع الهدف والغاية، يعمل مساعدا لنواميس الحياة على التقدم والنهضة والازدهار».


-3 - 
والعوامل الثقافية التي أثرت في عقلية أديبنا، يمكن تلخيصها فيما يلي:
1 - العامل الأول: ثقافة الأسرة، وهي أسرة تنتمي إلى أصول عربية قديمة بسط صاحبنا تاريخها في كتاب خرج منه حتى الآن تسعة أجزاء - ومن هذه الأسرة أعلام قديمة وحديثة ومعاصرة من الأدباء والعلماء والشعراء والكتاب، وهو كتاب «بنو خفاجة».


2 - العامل الثاني: ثقافة في الأزهر الذي عاش فيه تلميذا من سنة 1927 إلى 1946 حيث تخرج من كلية اللغة العربية يحمل شهادة «العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب، وتعادل الدكتوراه حرف (أ) من الجامعات المصرية- وتخول لحاملها التدريس في كليات الأزهر وكليات الجامعات المصرية، وكانت الرسالة التي قدمها هي «ابن المعتز وتراثه في الأدب والنقد والبيان» وهي مطبوعة.


3 - العامل الثالث: مطالعاته الشخصية في الأدب قديمه وحديثه ويقول لنا: إنه حتى تخرجه طالع ما لا يقل عن خمسة آلاف كتاب في الأدب عدا الكتب الثقافية الأخرى.


4 - اتصاله الوثيق بالبيئات والمدارس والمذاهب الأدبية المعاصرة، ودراساته في كلية اللغة لتلاميذه.


5 - الاستعداد الشخصي والملكات الذاتية، التي تكون لصاحبها أفكارا ثقافية وأدبية خاصة متميزة.


6 - اتصاله المباشر بالبيئات الثقافية الأجنبية وكان لعمله في الليسيه الفرنسية مدرسا بها أثر ما في حياته، وكذلك اتصاله بالعديد من العناصر والبيئات الثقافية.


-4 - 
ومؤلفات الخفاجي تنقسم إلى عدة مجموعات:
1 - فالأولى طائفة من المؤلفات في الدين، ومن بينها: الإسلام دين الإنسانية الخالد، الإسلام وحقوق الإنسان، الإسلام رسالة الإصلاح والحرية، مبادىء الإسلام الخالدة (بالاشتراك)، من ماضي الإسلام وحاضره (بالاشتراك)، الذكر الحكيم، مأثورات نبوية.


2 - والثانية كتب في التاريخ ومن بينها: بنو خفاجة وتاريخهم السياسي والأدبي وهو في تسعة أجزاء، الأزهر في ألف عام وهو في ثلاثة أجزاء، قصة التصوف في مصر، الصوفي المجدد.


3 - كتب في النقد ومن بينها: مذاهب الأدب، فصول في النقد، موقف النقاد من الشعر الجاهلي، وحدة القصيدة في الشعر العربي، حكومة القاضي الجرجاني في النقد الأدبي.


4 - كتب في التاريخ الأدبي القديم والحديث والمعاصر، ومن بينها:
الحياة الأدبية في العصر الجاهلي، الحياة الأدبية بعد ظهور الإسلام، الحياة الأدبية في العصر العباسي، والحياة الأدبية في الأندلس والعصر العباسي الثاني، والحياة الأدبية بعد سقوط بغداد في عصر بني أمية، والحياة الأدبية الأدب العربي بين الجاهلية والإسلام، الأدب العربي في ظلال الأمويين والعباسيين، وهما (بالاشتراك)، والأدب العربي وتاريخه وهو في أربعة أجزاء (بالاشتراك).


وقصة الأدب في مصر، في خمسة أجزاء، قصة الأدب في الأندلس في خمسة أجزاء، قصة الأدب المعاصر في أربعة أجزاء، قصة الأدب في الحجاز بالاشتراك مع الأديب الحجازي عبد اللّه عبد الجبار وسيقع في عدة أجزاء، صور من الأدب الحديث في أربعة أجزاء.


5 - كتب في تاريخ أعلام الأدب العربي، ومن بينها: ابن المعتز وأثره في الأدب والنقد والبيان، رائد الشعر الحديث في جزءين، أعلام الأدب في عصر بني أمية في جزءين، أشعار الشعراء الستة الجاهليين، أعلام الأدب العربي (بالاشتراك)، الشعراء الجاهليون، مع الشعراء المعاصرين. أبو عثمان الجاحظ.


6 - كتب في الأدب ومن بينها: فصول في الأدب، من بلاغة العرب وهما بالاشتراك، نداء الحياة، التشبيه في شعر ابن المعتز وابن الرومي، وغيرها.


7 - كتب في البلاغة العربية ومن بينها: الإيضاح في البلاغة في ستة أجزاء وعبد القاهر وأثره في البلاغة العربية، والبلاغة العربية.


8 - كتب في اللغة العربية وهي عديدة.


9 - كتب قديمة نشرها الخفاجي وحققها وهي عديدة كذلك، ومن بينها: البديع لابن المعتز، فحولة الشعراء للأصمعي، قواعد الشعر لثعلب.


ورسائل ابن المعتز، إعجاز القرآن للباقلاني، فصيح ثعلب، مقامات الحريري بشرح الشريشي، وغيرها.


وللخفاجي مقدمات لكتب كثير من الأدباء المعاصرين، وممن كتبوا عنه: الدكتور أحمد زكي أبو شادي، والناقد مصطفى السحرتي. روكس العزيزي. عبد اللّه زكريا الأنصاري. عبد اللّه عبد الجبار. محمد سعيد العامودي. وديع فلسطين. حسن جاد. حليم متري. أحمد الزين صاحب مجلة العرقان بلبنان. الشيخ محمود النواوي. كامل أمين. محمد فوزي العنتيل. رضوان إبراهيم. إبراهيم الواعظ من أدباء العراق. عبد المسيح حداد. أحمد الشرباصي. كامل السوافيري. فكري أبو النصر. جميلة العلايلي. أبو الوفا التفتازاني. أبو السعود الجهني، وغيرهم.


-5 - 
ومن شعر الخفاجي قصيدته «الشهداء»:
بطولتهم لكل فتى نشيد وذكر فدائهم أبدا جديد
ومجد جهادهم في الدهر باق يضن به على الدهر الخلود
شباب للعلا ثاروا غضابا تناديهم وقد ثاروا الجدود
مشيئة مصر أن تحيوا كراما فذودوا عن حقوق الشرق ذودوا
حياة العز أو موت زؤام ولا يجدي التردد والقعود
دعاهم للعلا داع فهبوا جنود في نضالهم أسود
فما يلهيهم في الروع وعد ولا يثني عزائمهم وعيد
أباة والأبي يعيش حرا كأن مضاءه القدر العيد
يثور على الحديد فلا حديد ويزأر في القيود فلا قيود
وينهض للعظائم في جلال ويفعل ما يريد كما يريد
لمصر حياتهم كانت فداء وشعب تلك غايته يسود
هم الشهداء قد ضحوا كراما فكل بين واديه شهيد
ويوم فدائهم للمجد ذكرى ويوم جهادهم للشرق عيد
هم الكرماء قد بروا وجادوا ويحيى ذكرهم بر وجود
قبورهم تفوح شذا وعطرا وتجفوها الأزاهر والورود
وفي البيداء تخشع في جلال ويخشع من جلالتها الوجود
كسى الشهداء تلك البيد مجدا تشيد بذكره أرض وبيد
وليس لما بنى الشهداء مثل وليس لتضحياتهم نديد
ويهتف باسمهم شعب أبى تكاد الأرض إذ غضبوا تميد
عزيز أمسه الماضي كريم طريف مجده الباقي تليد


- 6 - 
ويقول الشاعر المصري كامل أمين، من قصيدة له وجهها إلى الخفاجي:
يا أخا الخير «يا خفاجة» والخير شباب الندى وروح الحياة
كل أرض نما بها البر روح ألبسته الحياة ثوب النبات
قد عهدناك يا أخي تعبر الناس فتسعى بهم كسعي الفرات
تبعث اليأس القنوط من الآمال كبعث الحياة بعد الممات
يا أخي أين يوم كنت ألاقيك وكلي مجرح من كفاحي
لم أجد في الحياة لما تمزقت سواك أمرا يداوي جراحي
كنت أجتاز زحمة الناس كالبيد خوت لم تفض بغير الصياح
ضحلة البر والتعاون تجتر الشحاح الندى بها من شحاح
كم أرتني الخطوب من صور الناس زيوفا قد فتحت عينيا
رب خدن طننته ملء كفي نفض الخطب من يديه يديا
كان كالشوك لا نبات ولا ظل وإن كان كالنبات نديا
فإذا فزت من تجارب دنياك بحر كسبت بالحر دنيا
يا أخي كيف مد سحرك في الليل فمد الصباح بين بيانك
ريشة الساحر الصناع بكفيك وسحر البيان تحت لسانك
وخيال الحديث يجذب كاللحن فماذا عزفته في كمانك
الكمان الذي استحال يراعا هز داود فيه من ألحانك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52575

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالأربعاء 15 فبراير 2017, 12:19 am

- 7 - 
وفي قرية صغيرة قديمة من أعمال مركز المنصورة، تسمى «تلبانة»، الريف، وبين الفلاحين المكدودين المرهقين الذين يعيشون فيه عيشة تجمع إلى البساطة سذاجة التفكير، وإجهاد العيش، وشظف الحياة.


وفي إبان الحرب العالمية الكبرى، وما تلاها من أحداث الثورة الوطنية المصرية عام 1915 ولد ونشأ الخفاجي.. تنطبع في ذهنه صور من كفاح الحياة والإنسانية ومن جهاد مصر في سبيل حريتها وآمالها، هذا الجهاد الذي ظل أمدا طويلا شغل المصريين كافة، وموضع تفكيرهم، وألهم المقعد الناصب لهم في حياتهم المعاصرة.


ولم يترك الخفاجي القرية إلا في أثناء دراسته، وظل وفيا لها ولأهلها الأبرياء البسطاء طول حياته.


وهذا الميلاد وما صاحبه وتلاه من أحداث في حياة الخفاجي يصوره في قصيدة ساحرة له عنوانها «يوم الميلاد» جاء فيها:
يوم ميلادي حمده صيغ لي اسما وارتدت في سناه روحي جسما
ورأيت الوجود طفلا صغيرا يستطيب الدنيا رضاعاه ونوما
ويحب الحياة مهدا وثيرا وأبا صاغه الحنان وأما
ونشيدا وأغنيات عذابا تملأ الغرفة لصغيرة نغما
ومناغاة إخوتي لي في المهد وقبلات تشبع المهد لثما
والسماء الزرقاء تسحر عيني فأحصى النجوم نجما فنجما
وأرى كل ما أشاهد حلما وأرى صادق الحقيقة وهما


ومنها:
ما أنا؟ صورة لجد وجد وكتاب عنهم ينبىء علما
أنا مرآة صورت كل ما طاف بوهم الحياة وهما وحلما
أنا أغنية تلحنها البيئة رمزا على الحياة ووسما
أنا قيثارة العصور ولحن ربما بالحياة زادك فهما
ونشيد فم الخلود يغنيه أمانا على الزمان وسلما
بين نجد وفي العراق ومصر عاش قومي يأبون ذلا وضيما
ملكوا الملك شيدوا العرش ساسوا الناس بالعدل والشجاعة حزما
أنصت التاريخ القديم إليهم ولهم طالما أشار وأومى
فزعت بغداد وأتراك بغداد لقوم لم يقبلوا قط ظلما
ثم أضحى المجد التليد حطاما والجلال القديم أصبح وهما
وعيون التاريخ تهزأ بالدهر الوفي الذي تحول خصما
بين أرض الريف الجميلة نشئت وشمت الحياة صحوا وغيما
وحملت الأعباء طفلا صغيرا وحسمت الأمور بالحزم حسما
وبنيت المستقبل الضخم صرحا ودعمت البناء وحدي دعما


ومنها:
يا لذكرى الميلاد عودي وعودي فالرجاء البعيد بالوصل هما
املأي العيش بهجة وسرورا طالما ذقته شجونا وهما
أنطقي الدهر، أسمعي الدهري لحني والليالي فطالما كن صما
أنا أحيا على الرجاء وأسعى لأنال المنى كفاحا ورغما
أنا ما أبتغي يجل عن الوصف وجل ما أرتجي أن يسمى
أنا أحيي التاريخ مجدا وجاها وأعيد الأيام يوما فيوما


- 8 - 
إن الخفاجي لم يكن وحدة في الحياة، إن تاريخ قومه يمتد إلى أكثر من ألف وخمسمائة عام.


فهو من سلالة عربية عريقة، أرَّخ لها في كتابه «بنو خفاجة وتاريخهم السياسي والأدبي»، والخفاجيون قبيلة عربية حجازية كبيرة نشأت في العصر الجاهلي وزاد نفوذها، وهم من العقليين العامريين القيسيين، فروع القبيلة بعد الإسلام وهاجرت سلالات منها إلى الشام ومصر والعراق والمغرب والأندلس، ومنهم أعلام خالدون في كل مكان.


ولا ننسى الشاعر الأموي توبة الخفاجي العربي الحجازي، والأمير ابن سنان الخفاجي الحلبي المتوفى عام 466 ه‍، والشهاب الخفاجي المصري المتوفى عام 1069 ه‍، وابن خفاجة الأندلسي الشاعر المشهور، وغيرهم.


ومن الخفاجيين أسر حاكمة في حلب في القرن الخامس الهجري، وفي العراق في القرن الرابع إلى السابع الهجري، وكانت ولاياتهم في الناصرية بقرب الكوفة وكان يتولاها منهم بعد أمير، وكانوا في شبه استقلال داخلي عن الخلافة العباسية.


إن هذا الماضي العريق يحمله الخفاجي في قلبه ودمه وأعصابه ويقف مزودا منه بإيمان راسخ، وعبقرية حادة، وقوة ضخمة تعاونه على كفاحه في الحياة.


وحفظ الخفاجي القرآن الكريم وتعلم مبادىء وأطرافاً من الثقافة الأولى في مكتب القرية أو المدرسة الأولى التي كان يتعلم فيها الشباب في ريف مصر إلى عهد قريب.


وفي عام 1927 رحل إلى مدينة الزقازيق يتلقى ثقافته الإبتدائية والثانوية في معهدها الكبير، الذي تخرَّج منه عام 1936، وبين هذين التاريخين قصة كفاح طويل ليس هنا في هذا الكتاب مجال تسجيلها، إنما موضعه في كتاب مفصل آخر.


ومن أهم ما ظهر على الخفاجي في هذه الفترة الاتجاه الوطني الذي دفعه إلى الكفاح في سبيل وطنه في الأزمات السياسية التي مرت بمصر منذ عام 1934، وكان رئيس اتحاد طلبة أبناء الشرقية في مدينة الزقازيق، وكان هذا الاتحاد قوة كبيرة سياسية في هذه الفترة، والخفاجي وأصدقاء له هم الذين كونوه، وكانت مؤتمراته الوطنية تنشر الجهاد المصرية، وفي شتى الصحف في هذه الفترة.


ومن أهم ما يلاحظه الخفاجي على الثقافة المصرية في هذه الفترة انعدام التوجيه وضعف تربية الملكات، وإهمال شئون الطالب النفسية والعقلية إهمالا كبيرا. 


وقد جاهد الخفاجي في أزمة الأزهر عام 1935 مع زملائه جهادا طويلا.


والتحق الخفاجي بعد مرحلة الثانوي بكلية اللغة العربية بالقاهرة وهي إحدى كليات الأزهر الشريف وبدأ دراسته فيها في أول أكتوبر عام 1936، وفي اليوم الثاني من أكتوبر من هذا العام توفي والده، وبعد ذلك بعشرين عاما أي في يوم الخميس 27 جمادى الثانية 1375 ه‍ - 9 فبراير 1956 توفيت والدته.


وفي خلال هذه الفترة اشترك الخفاجي في الحركة الوطنية؛ وتابع دراسته وعمل أحيانا في الصحافة في جريدة السياسة والدستور، وفي صحف أخرى، وكتب المقالات والبحوث والدراسات في شتى الصحف والمجلات.


وكان قيام الحرب العالمية الثانية في هذه الفترة عام 1939 أهم حدث عالمي تأثر به الشباب العربي أيما تأثر، بل تأثر به شباب العالم قاطبة.


وفي هذه الفترة تأثر بآراء عالمين، ومفكرين كبيرين من رجال الفكر والثقافة والإصلاح، هما الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش شيخ الأزهر فيما بعد، والأستاذ الكبير الشيخ محمد عرفة عضو جماعة العلماء بالأزهر.


وكان الأستاذ الأكبر الشيخ حمروش عميد كلية اللغة آنذاك وكان بعقله الواسع وأفق تفكيره البعيد وثقافته العلمية العريقة أرفع مثال لطلاب كليته، يستمدون منه القدوة ويحتذون حذوه في الفهم والتفكير والبلاغة، ومن ثم تأثر بآرائه التجديدية العلمية تأثراً خاصاً.


وتخرَّج الخفاجي في يوليو عام 1940 من كلية اللغة يحمل شهادته العالية.


والتحق بأقسام الدراسات العليا في كلية اللغة العربية في أكتوبر عام 1940 في قسم البلاغة والأدب، فعكف في خلال الأحداث العالمية التي صاحبت الحرب العظمى، وفي أحداث مصر القومية التي امتدت من هذا التاريخ، وفي خلال أزمات الأزهر التي كانت نتيجة للصراع بين الحكومة والقصر والتي كان الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي مظهرا لكثير من صور الحرب الخفية في هذه المعركة.


في هذه الظروف عكف الخفاجي على دراساته العليا إلى أن تخرج عام 1945 يحمل شهادة النجاح في الامتحان التمهيدي لشهادة العالمية من درجة أستاذ.


ثم قدَّم رسالته الجامعية «ابن المعتز وتراثه في الأدب والنقد البيان» ونوقش فيها في أكتوبر عام 1946، ونال بها بتفوق شهادة العالمية من درجة أستاذ في الأدب والبلاغة من كلية اللغة العربية وهي أرقى شهادات الأزهر الجامعية وتعادل الدكتوراه الممتازة حرف (أ).


ومن الجدير بالذكر أن الخفاجي قدم للكلية مع رسالته المخطوطة ثلاثة كتب له مطبوعة عن ابن المعتز في جوانب تخدم موضوع رسالته وهذه أول مرة يقدم فيها باحث رسالة علمية مخطوطة ومعها ثلاثة كتب تخدم رسالته وفي موضوعها.


وكان هذا الجهد الأدبي موضع تنويه الأدباء والعلماء والصحف في حينه.


ولا ننسى أن نقول: إن الخفاجي أمضى مع عمله الضخم هذا سنوات طوالا يشغل وظيفة أستاذا في الليسيه فرانسيه فرع شبرا.


وقد ترك بعد حصوله على شهادة العالمية من درجة أستاذ وظيفته في الليسيه ليتولى أستاذية البلاغة في معهد أسيوط الكبير الذي عمل فيه من نوفمبر عام 1946 حتى أكتوبر عام 1947، ثم في معهد الزقازيق الذي كان طالبا فيه من قبل، والذي عمل فيه من عام 1947 إلى عام 1948.


وانتقل الخفاجي في 17 أغسطس عام 1948 إلى كلية اللغة العربية مدرسا للأدب والنقد والبلاغة فيها، وهو اليوم أستاذ فيها.


ومن الطريف أن نذكر أن الخفاجي متزوج من عام 1948 وله ولد هو ماجد خفاجي، وتوفيت له بنت كان اسمها «وفاء خفاجي».


وهو عضو في شتى الهيئات العلمية والأدبية في مصر والعالم.


وله العديد من المؤلفات، وهو من أكبر دعاة التجديد والإصلاح والوحدة العربية، ومن أكبر الثائرين على النظم السياسية الجائرة السائدة في كثير من شعوب العالم العربي المتخلفة عن ركب الحياة والحضارة وعن مبادىء الإسلام الكريمة.


- 9 - 
ومن صور مقالات الخفاجي كلمة كتبها بعنوان «أيام المجد»:
أيام عشتها وكأني عشت بها الدهر كله، فقد جمعت المجد من أطرافه، واهتزت خلالها النفس هزة الفرح والإعجاب.


أيام ويا لها من أيام، لقد حسدت عليها نفسي، وحسدت الجيل الذي أعيش به، وحسدت وطني مصر لأن تاريخه احتواها، ولأن العالم كله قد اهتز إعجابا به وبها.


أيام ويا لها من أيام، فلو قدمت اليوم لما كان قد بقي لي من أمنية في الحياة أتمناها لي ولوطني المجيد.


فأولاها: أيام الثورة الوطنية عام 1919 في مصر، وقد شاهدتها في قريتي الخضراء طفلاً صغيراً. 


وشاهدت المظاهرات الوطنية التي كان يقوم بها أهالي القرية وأنا بينهم في شوارع قريتي الصغيرة وحاراتها يهتفون للوطن بالحرية والاستقلال، وللانجليز بالدمار والهلاك، ويطالبون بحرية الوطن العزيز: مصر وطن الأحرار والمجد والتاريخ، وكم كان يسعدني وأنا طفل صغير أن أخرج مع جموع الفلاحين نحمل الهراوات والعصى ونستقبل بها السيارات الوافدة على طريق القرية، فإذا كان فيها أجانب استوقفناهم وطالبنا منهم أن ينزلوا معنا نحن الثائرين، ويهتفوا معنا بحرية مصر واستقلالها وسقوط انجلترا والاستعمار.


وثانيتها: أيام ثورة مصر الكبرى في معركة القنال، حيث قامت المعركة في أرض القتال بين قوات البوليس المصري وجيوش الاحتلال، وضرب المصريون فيها أروع الأمثال وأمجد صفحات البطولة التي دونها التاريخ، وعرفها الزمن وقد انتقم الانجليز لهذه الثورة الوطنية الجليلة الخالدة بأيدي الخوتة المصريين في ذلك الحين، وعلى رأسهم صاحب العرش فاروق بن فؤاد، فأحرقوا القاهرة وكتبوا الحريات، وأعلنوا الأحكام العرفية، وأقالوا الوزارة الدستورية القائمة آنذاك وصبوا على البلاد سوط عذاب، ومع ذلك فقد صمدت مصر في وجه الأحداث صمود الجبال والأبطال.


وثالثها: أيام الثورة المصرية القومية الكبرى، ثورة التحرر والتحرير في 23 يوليو 1952، حيث استيقظت في صباح هذا اليوم الجميل، فشاهدت جيش الوطن قد احتل مرافق القاهرة: وأقام حكما جديدا في البلاد، قضى على الخونة والفساد والإقطاع وسماسرة الحكم، وأخذ يصنع البلاد، ويكون فيها جيشا قويا، يحمي حرية الوطن واستقلاله.


نوفمبر من هذا العام، حيث تآمرت انجلترا وفرنسا ومعهما عدوتنا إسرائيل التي يحركها الإستعمار كما يشاء، وغزوا بقواتهم منطقة سينا، ثم انهالت الطائرات والقنابل تدمر مدن مصر ومنشآتها وفق ما يشاء الأعداء، وصمدت مصر والمصريون صمود الأبطال.


وقامت المعركة في بور سعيد، هذه المعركة الخالدة التي كتب فيها المصريون أروع الصفحات طول عصور تاريخهم المجيد، والتي سار فيها القتال من شارع إلى شارع، ومن منزل إلى منزل، ووقف جيش مصر وشعبها في بور سعيد يصدون العدوان، ويقامون جنود الامبراطورتين العجوزتين ومعهم جنود إسرائيل من مجرمي الحرب، ومن الهابطين من الجو، والصاعدين من البحر. 


وتتبع الوطن المصري أنباء القتال أولا بأول؛ وساعة بساعة، ووقفوا حول المذياع يسمعون وصف المعركة.


وينصتون لأنبائها، يزدهيهم الفخر والكبرياء والمجد والعظمة لبطولة جيشهم النادرة، وعظمة الشعب المصري الكامنة المتوارثة خلال الأحقاب والأجيال، وكأن مجرمي الحرب إيدن وموليه أرادا أن ينتقمان من مصر لتأميمها قناة السويس في 26 يوليو 1956 فرصدوا لها الأساطيل الجيوش والطائرات.
ولكن مجرم الحرب إيدن، ومجرم الحرب موليه، ومعهما تابعهما بن غوريون هزموا وانتصرت مصر في معركة بور سعيد وقاوم المصريون في أرض المعركة وثبتوا ثبات الجبال، واحتمى إيدن وموليه بقرار هيئة الأمم المتحدة الذي نص على وجوب وقف القتال في الساعة الثانية صباح الأربعاء 7 نوفمبر عام 1956.


وهل أنسى الأسبوع الأول للحرب، وكانت غارات طائرات الأعداء مستمرة على القاهرة كل دقيقة، حيث لا يجد أحد متنفسا يأخذ فيه لحظة هادئة متمتعا بنعمة الأمن والتفكير والتحرر من الخوف، وكنا في نطفىء الأنوار منذ دخول الليل، وتتقطع الطرق، وتتوالى صفارات الانذار كل دقيقة، ونسمع أزيز المدافع وأصوات القنابل في كل مكان، وكانت طائرات العدو تتهاوى كأنها الورق أمام مدافع مصر وبسالة أبنائها. 


لم نكن نجد دقيقة واحدة نخلو فيها إلى أنفسنا للتفكير أو التأمل أو القراءة أو الاستمتاع بالطعام، وكانت المعسكرات تنتظم شباب مصر وشيوخها من المتطوعين للدفاع عن وطنهم الأكبر، وكنا نتساءل بأي حق يبيح مجرما الحرب إيدن وموليه لأنفسهما حق غزو الشعوب التي خلقها اللّه حرة طليقة من كل قيد، وفشل إيدن وفشل موليه ومعهما بن غوريون، نعم فشلوا في تحطيم الروح المعنوية في شعب مصر أو في تحطيم المقاومة الشعبية في وطني مصر وانسحب المعتدون من بور سعيد مكرهين في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1956.


أيام كلها مجد وذكريات خالدة، كتبت فيها مصر صفحات رائعة من المجد، والمجد لمصر ولشعبها الحر الأبي، وللعرب الأحرار الميامين.


- 10 - 
ومن صور نثر الخفاجي هذه القطعة وهي بعنوان «يا وطني».
يا وطني الخالد: لك المجد ولك أمجد صفحات التاريخ.


يا وطني، يا مصر يا أم الحضارة. ومهد المدنية، ومعلمة الشعوب، لك العزة والثناء، ولك الحرية والفداء، ولك العظمة والكبرياء.


يا وطني: لقد كتبت اليوم أروع أعمال البطولة في دفاعك المجيد عن بور سعيد، مما شهد به العالم، وسجلته الأحداث، لقد قاتل شعبك البرابرة الغزاة أن أرض مصر حرام على المستعمرين، وأنها أمنع من العقاب، ما دام شباب مصر وشيوخها حريصين على أن يفتدوها بالمهج والأرواح.


يا وطني: لقد وقفت خلال عصور التاريخ ضد الغزاة الفاتحين مقاتلا باسلا، ومحاربا صلبا، فطردت الهكسوس والفرس واليونان والرومان من أرضك، وطردت الصليبيين والتتار من ثراك الطاهر، وأقمت بسواعد أبنائك حضارات مشرقة، وامبراطوريات مصرية ضخمة انحنى لها التاريخ، وهتف بذكرها الزمان.


يا وطني: بيد أحمد ورمسيس، وبيد عمرو بن العاص وصلاح الدين، وبيبرس وبرقوق، وعرابي وجمال: رفعت أعرق لواء، وأمجد راية، وأرفع شعار للحرية والمجد والعظمة والجلال والقوة.


يا وطني: إن الامبراطورية المصرية في عهد عمرو بن العاص وخلفائه، ثم عهد المعز وذريته، ثم في عهد صلاح الدين الأيوبي وسلالته، ثم في عهد المماليك، ثم في القرن التاسع عشر: كانت من أعظم الأعمال في التاريخ، وكانت رمزا وعزة ومنارة للإسلام والمسلمين، وكهفا تأوي إليه الحضارة والثقافة الإسلامية.


يا وطني الخالد: لقد وقف الإنجليز في القرنين التاسع عشر والعشرين لنهضتك وحريتك ومجدك بالمرصاد، فقضوا على الأسطول المصري في نافارين، وقضوا على الجيش المصري وحرموه ثمرة انتصاراته الحربية العظيمة في عهد محمد علي، ونهبوا امبراطورية مصر بسياسة الخداع والتضليل، ثم صفوا بقاياها في عهد إسماعيل، ثم ورثوها في عهد توفيق بعد الاحتلال، ولكنهم وشرفك وكفاح أبنائك ونضال الأبي لن يتمكنوا من هزيمة مصر سياسيا ولا حربيا في عهد الأحرار.


بمجدك وتاريخك، وبأبطالك وأبنائك، وبثورة شعبك الأبي، وبثراك الطاهر، سنقاوم الغزاة، وسننتصر على الغزاة، والنصر لنا بفضل اللّه، وبسواعد شعبنا العريق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالأربعاء 15 فبراير 2017, 12:20 am

لو أن للدين رجالاً:
===========
الإسلام هو المنهج الذي وضعه اللّه لهداية البشر كي يصلوا بالسير عليه إلى شرف الدنيا وكرامة الآخرة.


وقد استهدف هذا المنهج أعلى الأهداف وأسمى الغايات.. فمن هذه الأهداف 1 - تحرير النفس 2 - تنمية الذات 3 - تكوين أمة 4 - تحقيق السلام.


تحرير النفس:
من الأهداف الأولى للإسلام تقوية الصلة باللّه عن طريق الإيمان والصلاة والذكر والشكر والدعاء والعبادة والطاعة. 


ومتى قويت الصلة باللّه تحررت النفس من معوقات التقدم نحو الخير والحق والكمال والجمال.. 1


ويتمثل هذا التحرر فيما يلي:
1 - التحرر من الخضوع للطغاة والمستبدين.
2 - والتحرر من الخوف والقلق والاضطراب.
3 - والتحرر من القيم الزائفة، قيمة الجاه والمال والنسب.
__________
1) كلمة للشيخ سيد سابق الداعية الإسلامي.
---------------
4 - والتحرر من الهوى والشهوة والمتاع الزائل.
5 - والتحرر من الجهالة والضلالة وفي هذا يقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: «احفظ اللّه يحفظك.. احفظ اللّه تجده أمامك.. إذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللّه لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللّه عليك».


تنمية الذات:
والإسلام يعطي الأهمية القصوى لتنمية الذات وتكوين الشخصية فهي حجر الزاوية في بناء المجتمع القوي الرشيد.


وتنمية الذات ثمرة التربية العقلية وتقوية الإرادة وتزكية النفس.


(أ) فالتربية العقلية قوامها الاستزادة من العلم والحكمة والتطلع إلى المعرفة والثقافة والتفكير في ملكوت السموات والأرض والسياحة في دنيا اللّه الفسيحة.


وغاية هذه التربية:
تعميق جذور الإيمان وترسيخها حتى يصل الإنسان إلى درجة اليقين عن طريق الحجة والبرهان.


الكشف عن سنن اللّه في الكون كي يستخدمها في ترقية حياته.
فتح الميادين أمام العقل كي يكشف ويخترع ويبدع ويصل إلى الكمال المنشود.


(ب) وتقوية الإرادة بتعويدها الصبر والثبات واحتمال المشاق واقتحام الصعاب رغبة في الوصول إلى معالي الأمور وتطلعا إلى تحقيق جلائل الأعمال.


وفي الحديث الصحيح يقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: «إن اللّه يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها».


إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم


(ج‍) وتزكية النفس تتم بتخليصها من الهوى وكبت الشهوات الدنيئة وتصفيتها من الرياء والنفاق والأثرة والأنانية والحقد والحسد وغرس العواطف الكريمة والمشاعر النبيلة.


ويحتاج الإنسان كي يصل إلى هذا المستوى الرفيع إلى ما يلي.
1 - الأمل والعمل.. يقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: «ليس الإيمان بالتمنّي ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل، وأن قوماً غرَّتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحن نُحْسِنُ الظَّنَّ باللّه وكَذَبُوا، لو احسنوا الظَّنَّ لأحسنوا العمل».


2 - اليقظة والحرص على الإصلاح والتقدم والترقي.. يقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك واستعن باللّه ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قُل قدَّر اللّهُ وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشَّيطان».


3 - مجاهدة النفس وتحدي المغريات والمثيرات والوقوف منها كالطود الشامخ أمام العواصف الهوج قال تعالى: "فَأَمّا مَنْ طَغى وَآثَرَ اَلْحَياةَ اَلدُّنْيا فَإِنَّ اَلْجَحِيمَ هِيَ اَلْمَأْوى وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى اَلنَّفْسَ عَنِ اَلْهَوى فَإِنَّ اَلْجَنَّةَ هِيَ اَلْمَأْوى". ومتى تزكَّت النفس كان الإنسان جديراً بوصف الإنسانية.


تكوين الأمة:
=======
والإسلام يحرص على إيجاد كيان قوي وأمة قادرة تستطيع إحقاق الحق وإبطال الباطل وتأديب الطغاة وتطهير الأرض من الشر والظلم والفساد، ومن أجل ذلك دعا إلى كل ما من شأنه أن يجمع القلب إلى القلب ويضم الصف إلى الصف حتى يكونوا كما وصفوا في الحديث «كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا» و «كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».


فدعا إلى التآخي والاتحاد وإلى التعاون والتضامن وإلى المودة والمحبة إلى العطف والرحمة وإلى التضحية والإيثار وإلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر وإلى الحرية والمساواة وإلى كفالة المحتاج ورعاية المعوز. «إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ».


تحقيق السلام:
والإسلام يعرف أن الناس وأن اتفقوا في بعض النواحي فإن هناك عوامل تفسدهم وتجعل الفرق بينهم بعيدا والبون شاسعا، فالتربية الفاسدة والتقليد الأعمى والتعصب الذميم والجهل الممقوت، كل ذلك يمنع كثيرا من الناس من الخضوع للحق والسير وفق منهج الصواب. 


قال تعالى: 
"وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ".


والإسلام وهو يقرر هذه السنة الاجتماعية يجعل السلام هو العلاقة بين المسلمين وغيرهم من المخالفين ما لم يقع ظلم أو اعتداء. 


«المسلم مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن مَنْ أمِنَهُ الناسُ على دمائهم وأموالهم».


والسلام إنما يتحقق بإقامة العدل وإعطاء كل ذي حق حقه والمحافظة عن دينه ولونه وجنسه ولغته ومركزه الاجتماعي.


فالإنسان أهل للتكريم من حيث كونه إنساناً. 


قال تعالى: 
"وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي اَلْبَرِّ وَاَلْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ اَلطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً".


مرَّت جنازة رجل من الكافرين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقام لها، فقالوا: يا رسول اللّه إنها كافر، فقال: «أو ليست نفساً؟».


وهكذا يعمل الإسلام على تحرير النفس وتربية الفرد وتكوين الأمة وتحقيق السلام ليأخذ البشر طريقه إلى التقدم الصحيح والكمال المنشود.


"قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين يهدي به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم".


وما أصدق ما قيل: 
يا له من دين لو أنَّ لهُ رجالاً.


الشيخ محمود شلتوت
============
توفي رحمه اللّه في 10 ديسمبر 1963 ففقدت مصر عظيما من عظمائها وعالما تفقه في مختلف نواحي الحياة الدينية والاجتماعية كان بصيرا بالأحكام الشرعية الملائمة لحاجات الناس ومقتضيات العصر ومفسرا الم بكتاب اللّه وسنن الكون وعالما اجتماعيا يعرف أمراض المجتمع ووسائل علاجها.


في عام 1928 بدأ الشيخ شلتوت ينشر مقالاته في الصحف محاربا الروتين وداعيا إلى إصلاح الأزهر وتطويره حتى عام 1931 حين تعارضت أراؤه الإصلاحية مع المشرفين على سياسة الأزهر في ذلك الوقت حتى انتهى الأمر إلى فصله وبعد الفصل. لم يهدأ أو ييأس بل تابع نقده ونشر أفكاره واشتغل بالمحاماة والبحوث العلمية خلال أربع سنوات حتى أعيد إلى الأزهر وكيلا لكلية الشريعة ثم مفتشا بالمعاهد الدينية.


ومنذ تولى الشيخ شلتوت أمر الأزهر أعاد النظر في تنظيم المناهج وأدخل الدراسات القانونية في كلية الشريعة لتتم المقارنة بين دراسة الفقه الإسلامي والقوانين المعاصرة وأدخل فقه الشيعة مما كان له أكبر الأثر في التقريب بين جماعات المسلمين في أنحاء العالم.


وتقديراً للشيخ شلتوت منحته جامعة شيلي الدكتوراه الفخرية عام 1958.. كما منحته جامعة جاكارتا الدكتوراه الفخرية عام 1960.


وكان المسلمون في يوغوسلافيا واليابان والجزائر وروسيا وألمانيا وإيطاليا قد وجَّهُوا إليه الدعوة لزيارة المسلمين فيها وتفقد أحوالهم.


ولقد أجمع العلماء وأهل الرأي أن التوفيق قد حالف الأزهر عند ما ولي أمره الشيخ شلتوت فوجد فيه مفكراً وعالماً من اليقظة الفكرية والدراية العلمية ما يمكنه من القيام بدوره.


قبل أن تصعد روحه إلى بارئها بدقائق.. جلس يتحدث إلى زواره عن الإسراء والمعراج ثم توقف قليلا وتبين للحاضرين أنه يعاني أزمة طارئة وحاول الأطباء انقاذه وسارعوا بأنابيب الأوكسجين ليساعدوه على التنفس ولكن روحه كانت قد صعدت إلى بارئها.


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالأربعاء 15 فبراير 2017, 12:48 am

أعلام معاصرون
==========
الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد
رائد مدرسة التحقيق العلمي
======================
يُمَثّل الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد جيلاً كاملاً من الكفاح العلمي الكبير، حتى ليعد رائداً عظيماً لمدرسة التحقيق العلمي، سار على ضوئه المحققون، وشراح كتب التراث الإسلامي العربي.

وقد تتلمذ الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد على جيل الرواد الإسلاميين الكبار، الذين ازدانت بهم الحياة المصرية في أوائل القرن العشرين، وكانوا دعامة النهضة العربية والأدبية في العالم العربي كافة.

وقد تخرَّج الشيخ محمد محيي الدين من الأزهر الشريف عام 1347ه‍ الموافق 1925م يحمل شهادة العالمية أعلى شهاداته العلمية آنذاك، وكان نجاحه بل تفوقه يومئذ مثار الدهشة، فقد جاء الأول على أقرانه من فحول العلماء.

وشغل في هذه الحقبة الطويلة الكثير من المناصب العلمية الرفيعة:
أستاذاً بالأزهر، فأستاذاً بكلية اللغة العربية، فمفتشاً عاماً بالمعاهد الدينية، فوكيلاً لكلية اللغة، فأستاذاً بكلية أصول الدين، فرئيساً لمفتشي العلوم الدينية والعربية بالأزهر، فعميداً لكلية اللغة العربية، فعضواً بالمجمع اللغوي، وعضواً بلجنة الفتوى بالأزهر، وعضواً في الإسلامية، وفي كثير من الهيئات العلمية، ولا ننسى أنه اختير عام 1940 للسفر للسودان؛ ليشارك في تأسيس مدرسة الحقوق العليا في الخرطوم، وقد قام حينذاك بمهمته خير قيام، وكان مضرب المثل في علو المنزلة وسمو المكانة بين السودانيين والمصريين على السواء.

ومثل الأزهر في كثير من المؤتمرات الثقافية واللغوية والأدبية، ووجه الثقافة فيه الوجهة الرفيعة العميقة، التي أثرت في بناء الجيل الحاضر تأثيراً كبيراً.

ويمثل الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد أفكارا لغوية، لها منهجها ودقتها وعمقها، فهو يرى ضرورة تربية الحس اللغوي، لينتهي بصاحبه إلى الذوق الأدبي، ويبدأ بالكلمة لينتهي إلى الأسلوب فالأدب نفسه، ودور الكلمة في الأدب دور كبير، وأثرها في بناء العمل الأدبي ضخم وجليل.

والشيخ محمد محيي الدين يقف دائما في مجال الريادة:
فهو أول من فكر في تأليف كتب دينية مزدانة بالمناسب للأطفال، فألف خمسة أجزاء: اثنين للبنين، واثنين للبنات، وكتابا مشتركا، وقد ذاعت هذه الكتب آنذاك، حتى كان المرحوم الدكتور عبد الوهاب عزام يذكر أنه شاهد لها ترجمات بالفارسية وبالتركية.

وهو من أول من عنى بكتب التراث وتحقيقها تحقيقاً علمياً دقيقاً، مما يتجلى لنا فيما حقق من أمهات كتب التراث في الأدب والنقد والبلاغة واللغة والنحو والصرف، ولذلك يعد بحق شيخ العلماء المحققين.

وهو أشهر شارح ومفسر لكتب القدماء في مختلف فنون العلم، وقد سهل بذلك على الجيل المعاصر قراءة هذه المصادر، والإفادة منها على: (شرح ابن عقيل) بالحروف البارزة ليقرأه المكفوفون، ونحن نشكر لها هذا العمل العلمي والإنساني معا.

وإذا عدنا إلى الأعمال العلمية لهذا العالم الجليل من أعلامنا المعاصرين نجدها تنقسم ثلاثة أقسام.

القسم الأول: دراسات أدبية ولغوية وإسلامية ألفها، وكانت مثلا لرصانة العلماء، وعمق البحث، ودقة التأليف، ومنها:
1 - دراسة كبيرة له عن المتنبي ونقد شعره، نشرها في مجلة الأزهر تباعاً، وتُعَدُّ من أهم المراجع عن أبي الطيب وشعره.

2 - دراسة عن الفكر الإسلامي عند الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر الأسبق، وقد نشرت في مجلة (الكتاب) التي كانت تصدر عن (دار المعارف) عدد: نوفمبر 1945م.

3 - تصريف الأفعال: وهو كتاب مشهور لم يؤلف مثله حقاً، ويعد مكملاً لمنهج القدماء في دراسة الأفعال، وطبع عدة طبعات، وكان مرجعاً علمياً للأساتذة والطلبة في كليات اللغة ودار العلوم والآداب.

4 - أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية - المعاملات الشرعية - الأحوال الشخصية - أصول الفقه. 

وهي كتب أربعة مشهورة، كانت تدرس في كليات الحقوق وأصول الدين، وفي مدرسة الحقوق العليا في الخرطوم، وطبعت عدة طبعات.


القسم الثاني: كتب من أمهات التراث في مختلف العلوم، حققها عالمنا الجليل تحقيقا علميا دقيقا، عنى فيها عناية فائقة بتقويم النص، وضبط مشكله، وشرح غريبه، ومنها:
سيرة ابن هشام - الموازنة للآمدي - يتيمة الدهر للثعالبي - العمدة لابن للحصري - فوات الوفيات لابن شاكر - معاهد التنصيص للعباسي - مروج الذهب للمسعودي - مقالات الإسلاميين للأشعري، وغير ذلك مما يضيق المجال عن حصره. 
ومما تلقاه قراء العربية في كل مكان بالتقدير والإعجاب، إذ رأوا فيه طاقة علمية فريدة، واتخذوا منه عمدة المصادر لجميع طلاب الجامعات في العالم الإسلامي العربي.

القسم الثالث: كتب من التراث شرحها شرحا وافيا، وذلل صعوباتها للباحثين، وأضاف إليها الكثير من الدراسات.. ومنها أهم كتب الثقافة العربية: كشرحه للأجرومية الذي خرج بعنوان: (التحفة السنية)، وظل إلى اليوم يدرس في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، وطبع أكثر من خمس وعشرين طبعة. 
وكشرحه للأزهرية وشرحه على: (شرح قطر الندى لابن هشام) الذي طبعه ثلاث عشرة طبعة. 

وكشرحه على: (شرح شذور الذهب) لابن هشام.

وشرحه على: (شرح ابن عقيل) في أربعة أجزاء كبار، وطبع خمس عشرة طبعة.

وشرحه على: (أوضح المسالك) لابن هشام، ويقع في أربعة أجزاء ضخام، وطبع نحو عشر طبعات.

وشرحه على: (المفصل) للزمخشري، وهو من أصول اللغة العربية. 

وشرحه على: (شرح الأشموني على ألفية ابن مالك) ويقع في أربعة أجزاء كبيرة، وهو يطبع الآن للمرة الثالثة.

وشرحه على كتاب: (الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين) في جزأين كبيرين، ويدرسه المستشرق الفرنسي بلاشير لطلابه بالسوربون، مؤثرا لهذه الطبعة على الطبعة الأوروبية.

وكشرحه على: (متن التلخيص في البلاغة) وطبع عدة طبعات.

وقد تتلمذت على عالمنا الجليل أجيال عديدة من الشباب، وفي مقدمتهم أساتذة وعمداء كثير من الكليات الدينية واللغوية والأدبية في مصر والسودان والعالم العربي، ومنهم جمهرة من كبار رجالات الدولة العربي.. وما أكثر تلاميذه في الشرق والغرب، وجميع المستشرقين في العالم يولون بحوثه وتحقيقاته عناية فائقة، واهتماماً كبيراً.

وقد توفي -رحمه اللّه- في شهر المحرم سنة 1393ه‍ الموافق مارس 1973 عن نيف وسبعين عاماً.. أجزل اللّه له الثواب كفاء ما قدم لدينه ولغة كتابه الحكيم ولتراث العربية وآدابها من جهود خالدة على مرور الأيام.

الشيخ عبد السميع شبانة
==============
أحد علماء الأزهر الذين شاركوا في تحقيق رسالته والنهوض بطلابه، تخرج على يديه الآف العلماء من أبناء العالم الإسلامي.

كان -رحمه اللّه- يعطي جهده كله لخدمة العلم والعلماء وكان بيته منتدى يجتمع فيه طلاب العلم من كل جنس لينهلوا من فيض علمه الغزير.. يستوضحونه ما أبهم عليهم وينتفعون بما يدور في مجلسه من مسائل علمية سواء ما يتصل منها بالعلوم الدينية أو العربية..

فلم يكن -رحمه اللّه- يقف عند حدود تخصصه في النحو أو الصرف بل جاوز ذلك إلى العلوم الشرعية فكان حجة فيها يأتي إليه الناس يستفتونه في أنور دينهم فيرشدهم إلى الحق والهدى.. كان فقيها في علم المواريث وقد صدرت له الآف الفتاوى التي كانت تستند عليها المجالس العرفية في حل المنازعات بين الأسر والأفراد.

ولد رحمه اللّه في 12 يناير سنة 1903 في بلدة فرسيس من محافظة الشرقية.. وبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم، ألحقه والده بالأزهر الشريف والمساجد المحيطة به حتى حصل على الشهادة العالمية ونال إجازة التخصص القديم التي تعادل درجة الدكتوراه سنة 1932.

بدأ دوره في الدعوة إلى اللّه وتبصير الناس بأمور دينهم بعد أن عين أستاذا في معهد الزقازيق فكان يتنقل بين قرى محافظة الشرقية ومدنها يخطب في الناس ويبين لهم الحق من الباطل فلم يكن يمضي أسبوع من غير أن يشترك في ندوة دينية أو يلقي عظاته التي كان يقبل الناس عليها.

وفي الوقت نفسه كان أحرص ما يكون على أهل بلدته فكان يعقد لهم مجالس العلم ويساعد أبناءهم في دراستهم حتى عرفت قريته (فرسيس) بأنها بلد العلم حيث كان أبناؤها يعرفون مسائل الدين وكل ما يتصل بالعبادات والمعاملات بسبب تعليم الشيخ لهم..
 
وكان يتخرَّج من الأزهر منها في كل عام أكثر من ثلاثين عالماً وهي القرية الصغيرة التي لا يتجاوز تعدادها في هذا الوقت ألفي نسمة..

واختارته مشيخة الأزهر للتدريس في كلية اللغة العربية سنة 1939 لمكانته العلمية.

ألَّف الكتب الكثيرة في النحو والصرف وقد أعيد طبعها مرات كثيرة وأسهم في تطوير كلية اللغة العربية وأحدث تغييراً شاملاً في دراسة النحو والصرف بها مما كان له أثره النافع على المتخرجين منها.

وبقي رحمه اللّه مشرفاً على قسم اللغويات بكلية اللغة العربية رافضاً كل المناصب التي يتهافت عليها الجميع، حتى توفى -رحمه اللّه- في 21 مايو سنة 1968.. ففقد العالم الإسلامي بموته عالماً ورعاً..


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالسبت 22 أبريل 2017, 9:22 pm

الشيخ محمد الطنطـاوي
=============
منذ خمسة عشر عاما أخرج الشيخ محمد الطنطاوي المدرس بكلية اللغة العربية كتابه المشهور «نشأة النحو»، الذي كان له أثره في نفسي وعقلي بل عند علماء العربية وثقاتها جميعا.

وأشهد أني فرحت بالكتاب فرحا كبيرا ظهر فيما كتبته عن الكتاب من نقد آنذاك، ولست أدري رأي النقاد فيما كتبته، ولكنه كان وجهة نظري يفي هذا السفر النفيس حقه.

ومما جاء في هذه الكلمة:
«لمنزلة النحو من الدين والعربية، ومن التراث الإسلامي العظيم، ومن لغة الشرق ولسانه، ولتجديد النشاط العلمي في مدارس النحو الحديثة، ولأداء واجب كبير لعلماء العربية الراحلين وشيوخها السالفين الأمجاد، وحرصا على خدمة اللغة وطلابها.. لهذا كله ألف الأستاذ الجليل محمد الطنطاوي رسالته: نشأة النحو فجأت سفرا جليلا وأثرا خطيرا في الناحية التاريخية لعلم قواعد العربية.

ومما يجعل لهذا السفر الحافل مكانة عظيمة بين كتب العربية ومؤلفاتها أنه الحلقة المفقودة لكتب طبقات النحاة التي ألف فيها العلماء من قرون، وأنه أثر فريد في بابه ونوعه، فلم يظهر في مدارس النحو الحديثة في مصر والشرق العربي كتاب قبله في النواحي التاريخية لمدارس العربية ورجالها ومؤلفاتها في القديم والحديث..

وقد كتب الأستاذ فصول كتابه بلغة جمعت بين بلاغة الآداء وجمال الأسلوب وجزالة التراكيب، والنقد التحليلي التاريخي لأطوار علم العربية ومذاهبه ومدارسه ورجالاته، وفي الكتاب فصول عظيمة الأهمية في أسباب تدوين القواعد العربية، وعن الرجل الذي ذهب بشرف وضعها وتدوينها، وعن نشأة النحو وأطواره في مراحله المختلفة، وعن حياة شيخ العربية الأول أبي الأسود الدؤلي، وعن مدرسة النحو الأولى بالبصرة، ورجالها، ومدرسة الكوفة التي نشأت بعد ذلك ورجالها، ويبين المؤلف نزعات مذهبي النحو بالبصرة والكوفة، والمناظرات التي قامت بين رجالهما، ويحلل أسباب الخلاف بين مدرسة البصرة والكوفة، والبواعث التي دعت إلى نسوء كل مدرسة واستقلالها، والعناصر التي بنيت عليها، والاتجاهات التي اتجهت إليها والمسائل العلمية التي اختلفت فيها، وآثار هذا الخلاف العلمي، ويعقد الموازنات بينهما..

 ثم يتكلم عن مدارس النحو التي قامت ببغداد وفارس ومصر والشام والأندلس، ومنهج كل مدرسة وعلمائها وآثارها.. كل هذا في أسلوب قوي دقيق وبحث علمي عميق.

والكتاب وهو يعرض علينا النحو من أول نشأته إلى العصر الحديث يمتاز عن كتب الطبقات القديمة بسعة البحث وكثرة التفصيل، ودراسة مدارس النحو القديمة دراسة مستفيضة، ويمتاز عن كتب المستشرقين بنفوذ مؤلفه إلى أعماق العربية وأسرارها ووقوفه على أطوارها».

ولم يكن كتاب «نشأة النحو» هو الصلة الفكرية بيننا وبين الشيخ، ولكنه كثيرا ما جلسنا في دروسه ومحاضراته في كلية اللغة معجبين نتلقف طرائفه، ويسحرنا بشمائله وتواضعه وعلمه، بل كان لي كذلك حظ التلمذة عليه منذ أكثر من ربع قرن، وكان يدرس لنا علوم البلاغة في الفرقة الثالثة من القسم الابتدائي، وكان له كتاب ألفه في هذا المجال، وسماه «نفحة الريحان في علم البيان»، وكان الكتاب يحوي مباحث كثيرة دقيقة، ولكنه لم ينح فيه هذا المنحى التجديدي الممتع الذي لمسناه فيما بعد في «نشأة النحو».

وللشيخ الطنطاوي عدا ذلك كتابه «تصريف الأسماء»، الذي أشهد أنه يجب دراسته في أقسام الدراسات العليا لا في الفصول الدراسية في الكلية نفسها. . وله كذلك مقالات كان ينشرها في مجلة «رسالة الإسلام» التي تصدرها دار التقريب، والتي لا يطلع عليها أحد، وما كان أجدره أن ينشر هذه المقالات في كتاب ليتسنى للناس أن يقفوا على علم الرجل وسعة إطلاعه. .

أما حياة الشيخ فبسيطة بساطة نفسه وأخلاقه، ولكنها حياة كبيرة بمغزاها وأثرها:
ولد الشيخ في 7 سبتمبر 1895 ببلدة أكوة الحضة مركز تلا منوفية من أسرة متدينة محافظة تعيش في الريف عيشة الهدوء والاستقامة، ومهد له والده السبيل إلى التعليم الديني، فأدخله مكتب القرية لحفظ القرآن الكريم، وحفظ كتاب اللّه، وأخذ يتلقى تجويده على يد فقيه من فقهاء القرية، ثم بعث به والده إلى الجامع الأحمدي في طنطا عام 1327 ه‍ 1909 في أول عهده بالنظام، فانتسب إلى الشعبة الأولى على مذهب الإمام مالك، واستمر في التعليم يحوطه التوفيق حتى نال الابتدائية عام 1331 ه‍ - 1913 م، ثم تزوج إتباعا لسنة الريف في الحرص على الزواج المبكر، واستمر يوالي كفاحه العلمي حتى كان في طليعة الناجحين في الشهادة الثانوية عام 1335 ه‍- 1917.

وفي القسم العالي بسنواته الأربع دأب في التحصيل، وجد في الإطلاع. وثابر على الدراسة حتى فاز في النهاية بنيل شهادة العالمية النظامية عام 1342، 1923 م. ثم أنشيء قسم التخصص وافتتح في يناير 1924، فتقدم إليه والتحق بشعبة «النحو والصرف والوضع» واجتاز مراحله الثلاث بتفوق، وفي السنة الأخيرة حازت رسالته في الإعلال تقدير أساتذته ولجنة الامتحان كذلك.

ولما عقد الشيخ المراغي عام 1928 لسابقة بين خريجي التخصص للتعيين في وظائف التدريس بالأزهر ومعاهده كان حظ الشيخ فيها حظا طيبا، فعين مدرسا في معهد الزقازيق الديني في اليوم السابع والعشرين من ربيع الثاني عام 1347 ه‍، 11 أكتوبر 1928، وبعد قليل توفى والده يوم الثلاثاء 19 رجب 1247 ه‍- 21 ديسمبر 1928، ولكنه مات وهو قرير العين بابنه الشيخ المدرس في الأزهر الشريف، ومكث أربع سنوات في معهد الزقازيق كان فيها محل تقدير شيوخ المعهد وأساتذته وطلابه ومفتشي الأزهر الشريف، ومن ثم انتقل منها إلى كلية اللغة العربية عام 1933 مدرسا، وظل فيها إلى أن توفاه اللّه إلى رحمته عام 1955.


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالسبت 22 أبريل 2017, 9:45 pm

الشيخ عبد الجليل عيسى
==============
من جديد، وبعد مرور خمسة وسبعين عاما، على وفاة الإمام محمد عبده، طيب اللّه ثراه؛ تنتفض هذه المدرسة العجيبة، مدرسة الإمام محمد عبده عن رائد من أعلامها، يتلقى من يدي الرئيس محمد أنور السادات، في عيد الثقافة، جائزة الدولة التقديرية، إكبارا وتقديرا من الدولة لعلمه، ولما أسداه فكره إلى جيلنا المعاصر من آثار جليلة.

إن تفسيره الشيخ عبد الجليل عيسى للقرآن الكريم يسير على منهج الأستاذ الإمام، من موضوعية ونفاذ بصيرة، وعقلية أصيلة تزن كل شيء، وتحكم في عمق على الآثار والمرويات والمأثورات.

وكتابه «اجتهاد الرسول» يحمل طابع الإمام العقلي في كتابه المشهور «رسالة التوحيد»، فهو قبس من جذوة الفكر العلمي، التي أنار بها الإمام محمد عبده الطريق لجيله، وللأجيال التي خلفته.

والشيخ عبد الجليل عيسى هذا الأزهري النابغة، عاش حياته نضالا ورأيا وعملا، من أجل أن يكون للعالم صوت في مجتمعه، وعمل دائب في خدمة وطنه، وجهاد متصل من أجل كلمة الحق تقال في كل وقت وكل مكان.

وانتماؤه العربي والإسلامي عزز في نفسه الشعور بأصالة تراثنا، وبعظمة الماضي وجلاله، ويمجد الأزهر العلمي العريق؛ وكانت هذه الانتماءات كلها هي مكونات شخصيته.

وفي ظل ما يقرب من قرن كامل عاشه ويعيشه عالمنا الجليل، كانت الأحداث الكبرى في تاريخ وطننا، التي شارك فيها الشيخ بقلمه وروحه ونضاله.

توفى رحمه اللّه عام 1981.

كان أحد علماء الأزهر الذين وقفوا على أسرار الشريعة الإسلامية، وملكوا ناصية اللغة العربية والبيان في العصر الحديث-عرفته شيخا لمعهد شبين الكوم الديني الذي أنشيء في عهد الإمام المراغي -رحمه اللّه- وقد اختاره أول شيخ له، لأنه كان موضع ثقته، وأحد تلاميذه المقربين إليه وكان للشيخ عبد الجليل في قلوبنا مكانة كبيرة من التقدير والاحترام والحب والاعزاز، لأنه وضع نصب عينيه النهوض بهذا المعهد الديني، ولأنه كان له مزيد من الهيبة والسطوة.

ولحرصه الشديد على مصلحتنا، وظهورنا بمظهر الطالب الأزهري المثالي الذي يحرص على عزته وكرامته، وفي سبيل ذلك كان لا يسمح لأحد بدخول المعهد إلا إذا كان يلبس الزي الأزهري كاملا، وإذا نمى إليه أن أحدنا لا يظهر في الخارج بصورة سلوكية مشرفة، قام بفصله من المعهد مدة ولا يسمح له بالحضور إلا بعد تعهد من ولى أمره بضمان سلوكه واستقامته، وذلك بعد أن يتحرى الأمر، وقد انعكس علينا هذا جدا واستقامة، وتفوقا في العلم واخلاق.

والشيخ عبد الجليل من الرعيل الأزهري الأول الذي اشترك في المظاهرات وقاد مع زعماء الأزهر ثورة 1919 ضد الانجليز وكان يحدثنا بذلك فخورا، لينقل إلينا شرارة الوطنية-و كان معروفا عنه أنه أشد تلاميذ المراغي إخلاصا، حيث ترسم خطاه في ميادين إصلاح الأزهر وتطويره تطويرا يساير سمة العصر العلمية، مع الاحتفاظ بعناصر التراث الأصيل للأزهر وكان للشيخ قلم موهوب في كتابة الموضوعات المتعددة.


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالسبت 22 أبريل 2017, 9:50 pm

الشيخ محمد سعاد جـلال 
==============
توفي رحمه اللّه في يونيو عام 1983، وكان علما من أعلام الشريعة الإسلامية وأستاذا جليلا في كلية الشريعة الإسلامية.

قال عنه زميله الدكتور الشيخ عبد الجليل شلبي:
عرفت «الشيخ محمد سعاد جلال» منذ أكثر من نصف قرن عرفته أول ما جئت إلى القاهرة طالبا في كلية اللغة العربية سنة 1937، وكان هو في السنة الثالثة في كلية الشريعة وكانت الكليتان في مبنى واحد، فتعارفنا بلحظة، وتآلفنا في لحظة، ثم مضت الأيام تزيد مودتنا قوة، وتكسو تآلفنا إخاء وإعزازا.

والتحق الشيخ محمد سعاد عقب تخرجه بتخصص المادة، ليدرس الفقه الإسلامي وأصوله، وكان هذا التخصص يستغرق نحو سبعة أعوام، وكان طلابه يختلفون في درجاتهم العقلية ويتباينون فيما يحصلون من علمه تباينا واسعا، فقد كان الأزهر حديث عهد بالدراسات العليا، وكانت دراسته تقوم على درس الكتاب لا على درس الموضوع، وقليلون من أبناء هذا القسم بنوا أنفسهم بأنفسهم وكما كان يقول المرحوم أحمد أمين: إن من ينبغ من أبناء الأزهر لم ينبغ بمنهجه وتوجيهه ولكن نبغ على الرغم من منهجه وتوجيهه، وكان الشيخ محمد سعاد من هؤلاء.

وعدا الناحية العلمية، أو لعله بسببها، كان نزوعا إلى الخير ونفع الناس بما لديه، وكانت موهبته الخطابية مما يساعده على بث علمه وإذاعة أفكاره وهي أيضا مما هيأ نمو مدرسته وكثرة تلاميذه، كان وهو لا يزال في هذا التخصص يخطب يوم الجمعة في مسجد الخازنداره بشبرا وذهب وزير الأوقاف يومئذ ليصلي في هذا المسجد، وربما جذبه إليه اسم الشيخ محمد سعاد، فأعجبه حديثه فقرر له علاوة استثنائية تقديرا لكفائته وعلمه، وبعد أن أنهى الشيخ دراسته كان يخطب ثانيا في مسجد المحكمة بمصر الجديدة ثم المسجد قاهر التتار فمسجد عمر مكرم بالقاهرة وكان يتطوع بإلقاء الدروس الدينية فيها، فكان له بها مدرسة ثانية، بعد مدرسته في كلية الشريعة.

وكان من لباقته في دروسه أنه يوازن بين قانون الشريعة والقوانين الوضعية، ويوازن بين مجتمعاتنا والمجتمع الإسلامي في حذق وحسن تصوير، وهو مع هذا يتحاشى الاحتكاك بتيارات السياسة، ولكن كانت تلميحاته أبلغ من تصريحات الآخرين، وكان تلاميذه في كلية الشريعة يحبون درسه ويقدرون تفكيره، وهم الآن في شتى المعاهد والمدارس داخل القطر وخارجه يشعرون بدينهم له.

ثم انضم إلى هاتين المدرستين حديثه «قرآن وسنة»، وبه أضاف إلى تلاميذه تلاميذ لا يعرفهم ولم يروه، ولكنهم أحبوه على البعد، وعرفوه من غير أن يلقوه.
ومات الشيخ محمد سعاد جلال، فشيعت جنازته في غير حشد، ففي ذمة اللّه وذمة التاريخ.


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالسبت 22 أبريل 2017, 10:20 pm

الدكتور أحمد الشرباصـي 
===============
من مواليد بلدة البجلات مركز دكرنس، مديرية الدقهلية، وتاريخ ميلاده 17 نوفمبر سنة 1918.

تخرج من كلية اللغة العربية سنة 1943، وكان ترتيبه «الأول» بين المتخرجين كما كان «الأول» بين زملائه في سنوات الدراسة بالكلية.

نال شهادة العالمية والتخصص في التدريس سنة 1945، وكان ترتيبه «الأول» بين الحاصلين على هذه الشهادة.

كانت هذه أول مرة يجمع فيها متخرج بين «الأولية» في الشهادة العالية و «الأولية» في التخصص.

اشتغل مدرسا في وزارة المعارف مدة، ثم نقل مدرسا في معهد الزقازيق، فمعهد القاهرة فمعهد سوهاج، فمعهد القاهرة، واختير أمينا للجنة الفتوى بالأزهر.

ألف ما يزيد على العشرين كتابا في مباحث الدين والتاريخ والأدب والاجتماع، ومن هذه الكتب: حركة الكشف، محاولة، بين صديقين، سيرة السيدة زينب، واجب الشاب العربي، المحفوظات الأزهرية، لمحات عن أبي بكر، محاضرات الثلاثاء، صلوات على الشاطىء، أمين الأمة أبو عبيدة، عائد من الباكستان، مذكرات واعظ أسير، النيل في ضوء القرآن من أجل فلسطين، في رحاب الصوفية، غربة الإسلام، أيام الكويت، القصاص في الإسلام، في عالم المكفوفين، الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز.

أذاع سلسلة أحاديث في الراديو عن الدين وصلته بالحياة، كان يقصد فيها دائما إلى تزكية المجتمع بالمبادىء الدينية الفعالة في إصلاح الحياة والأحياء.

 ومن هذه الأحاديث سلسلة «الإسلام والشباب» وسلسلة «آداب المجتمع في الإسلام» وسلسلة «الإسلام ومنهج الاستقامة» وسلسلة «آدب السنة في بناء الأسرة».

اشترك ببحوثه ومناقشاته وآرائه في مؤتمرات كثيرة، مثل: مؤتمر الشعوب الإسلامية بالباكستان، ومؤتمر العلماء بالباكستان، والمؤتمر الإسلامي بالقدس، ومؤتمر الخريجين العرب بالقدس، والمؤتمر الرياضي بالقاهرة.

ونظم عدة مؤتمرات إسلامية واجتماعية وقومية في دار المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين.

نال دبلوم الدراسات اللغوية والأدبية من معهد الدراسات العربية العليا سنة 1955، وكان ترتيبه الأول»، وكان مجموع درجاته أكبر من أي مجموع في جميع شعب المعهد المذكور.

يعرف اللغة الانجليزية، وتقدم أكثر من مرة قبل قيام الثورة في مصر لبعثة خارجية علمية، وحيل بينه وبين ذلك بسبب خطبه ومقالاته التي كان يقاوم فيها الفساد الماضي والطغيان البائد.

دعا منذ عشرين عاما إلى إدخال نظام الكشافة في الأزهر، وألف في ذلك كتابا، وخطب وكتب عن ذلك مرارا، كما دعا حينئذ وبعد ذلك إلى نشر التربية الرياضية في الأزهر والمعاهد.

ألقى سلسلة من المحاضرات في عدة مواسم دراسية على مبعوثي البلاد العربية إلى «المركز النموذجي لتوجيه المكفوفين بالزيتون»، وهؤلاء المبعوثون يأتون للتخصص في شئون المكفوفين وتوجيههم، وألف كتابه «في عالم المكفوفين» الذي نال جائزة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية سنة 1956.

رحل رحلات علمية واجتماعية وإسلامية إلى: فلسطين والأردن، ولبنان، وسوريا، والكويت، والباكستان، واليونان، وتركيا، وله بحوث ودراسات عن هذه البلاد، وتكررت رحلاته إلى أكثر هذه البلاد.

كان مبعوثا علميا للأزهر الشريف في الكويت عام 1952 - 1953.

وألف كتابا عن الكويت وشئونها المختلفة في قرابة خمسمائة صفحة.

اختير لألقاء محاضرات عن الشريعة الإسلامية على طلبة معهد الخدمة الاجتماعية في مستوى جامعي منذ أول سنة 1957 الدراسية.

قام بمهمة الرائد العام لجمعيات الشبان المسلمين منذ عهد بعيد، وكان ينظم محاضرات: «أحاديث الاثنين» ومحاضرات «مواسم التفسير»، كما يشارك بمحاضراته وكلماته في أعمال الشبان المسلمين المختلفة، وينشر بحوثا في مجلتها منذ سنوات، وله محاضرات في جمعيات كثيرة إسلامية واجتماعية وقومية ورياضية، وهو عضو في كثير من هذه الجمعيات.

أسندت إليه أمانة الفتوى في الأزهر الشريف بالإضافة إلى عمله في التدريس بالأزهر.

دعاه رئيس الجمهورية أكثر من مرة للخطابة في الأزهر الشريف في مناسبات تاريخية مشهورة، مثل يوم معركة القتال، ويوم الوحدة بين مصر وسوريا، ويوم الجمعة الأخيرة من رمضان ويوم عيد الفطر، وغيرها.

كلفته رياسة الجمهورية عن طريق الاتحاد القومي برحلة إلى سورية قبيل إعلان الاستفتاء على الوحدة بين مصر وسورية في مطلع سنة 1958، وألقى هناك عشرات الخطب والمحاضرات في مختلف المدن السورية حثا على الوحدة وتعريفا بالعروبة والإسلام.

دعاه الرئيس شكري القوتلي إلى إلقاء خطبة تاريخية في المسجد الأموي بدمشق يوم الاستفتاء على الوحدة، وقد أذيعت هذه الخطبة بالراديو، ثم نشرت ونوهت بها الصحف كثيرا.

اختارته وزارة الشئون الاجتماعية والعمل سنة 1955 عضوا في اللجنة التي وضعت مناهج الدراسة لقسم الدراسات الاجتماعية لطلبة الكليات الأزهرية.

منذ سنة 1940 وهو يقوم بالخطابة الدينية المصطبغة بالصبغة الاجتماعية، وقد تنقل بين مسجد المنيرة، ومسجد الشامية، والجامع الأزهر، ومسجد الرفاعي، وغيره من المساجد.

ألف جملة مسرحيات إسلامية وتاريخية، مثل أكثرها على مسارح:
جمعية الشبان المسلمين، ودار الأوبرا، وحديقة الأزبكية، والغرفة التجارية، وغيرها.

اشترك في موضوع فيلم «خالد بن الوليد» بوضع المعلومات التاريخية والحوار وشارك في السيناريو.

كتب وخطب كثيرا في الدعوة إلى التقريب بين الدين والفن وشعاره هو: إذا تدين رجل الفن وتفنن رجل الدين التقيا في منتصف الطريق لخدمة العقيدة الإسلامية السليمة والفن القويم».

اختارته إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة في اكتوبر سنة 1958 ليكون رائدا لبعثة الضباط الأندونيسية المكونة من قادة التربية الروحية التي قدمت لدراسة الشئون الإسلامية والروحية والأخلاقية للانتفاع بها في تعبئة الروح المعنوية بالجيش الأندونيسي.

وكانت له صلاته المستمرة بالقضايا العامة للبلاد العربية والإسلامية.

كتب كثيرا في إصلاح الأزهر لأداء رسالته الكبرى في مصر والعالم الإسلامي.

وكانت كتاباته ومحاضراته-فوق اتجاهها الاسلامي والعربي-و قد حصل على الدكتوراه في الأدب والنقد من كلية اللغة العربية عام 1967 تتّسم دائما بالنزعة الإنسانية.

توفي إلى رحمة اللّه عام 1980.

كتب إليّ عام 1958 من دمشق يقول:
أخي البحاثة الدءوب الأستاذ الجليل محمد عبد المنعم خفاجي:
سلام اللّه عليك ورحمته وبركاته.
أكتب لك هذه الرسالة من دمشق الفيحاء بعد أن قضيت أسبوعا في هذا الشطر الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة، وقد جلنا في أنحاء هذا الإقليم الكريم فزرنا طرطوس وقدموس واللاذقية وحلب وحماة ومعرة النعمان (بلد أبي العلاء) وحمص وغيرها، وألقيت في كل بلدة من هذه البلاد أكثر من خطب عن الوحدة والعروبة والإسلام ومقومات هذه الأمة المؤمنة، وقد سعدنا في اليوم التالي لوصولنا بمقابلة الرجل العظيم الرئيس شكري القوتلي، وخطبت أمامه، وأهديت إليه نسخة من كتابي «الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز» لأنه كان مصري المولد وتولى الخلافة في الشام وجمع في خلافته بين مصر وسوريا وغيرهما من بلاد العروبة والإسلام.

وقد تفضل الرجل المجاهد فتقبل الهدية وعلق عليها بأنها أحسن هدية يتلقاها لأنها تذكرة بالزهد والورع والعدالة.. ثم رد على خطبتي بخطبة جليلة قيدنا خلاصتها، وكان ذلك كله في القصر الجمهوري السوري.

وقد طلب مني أثناء خطبته أن ألقي خطبة الجمعة يوم الاستفتاء 21 فبراير 1958 في المسجد الأموي الجليل لكي تذاع بالمذياع وليسمعها ألوف المصلين بالمسجد، وقد استحببت لذلك، وجعلت خطبتي دائرة حول معاني الوحدة وثمرات الاتحاد، وقد ذكرت فيها أيضا عمر بن عبد العزيز وضربت بعض الأمثلة من حياته، وكان لها والحمد للّه أثر طيب حميد كما ذكر لي الناس هنا وهناك.

دمشق الآن يا أخي في بحر لجى من الفرح والسرور والبهجة. .

المظاهرات في كل مكان، الهتاف يملأ الآذان. . الرجال والنساء، الشيوخ والشباب، الطلاب والطالبات. . الجميع يصفقون ويهتفون. .

إنك لا تستطيع أن تفرق مبلغ هذا الشعور الجارف الفياض إلا إذا رأيته بعينيك. . .

إننا الآن بين أشقائنا وأحبائنا، وفي بلادنا. . . البلد واحد، والقائد واحد، والوجهة واحدة. . . نصر اللّه كلمة الأمة، وأعز بها شأن الحق والعدل، وثبتها في طريق اليقين والإيمان. . .
تحياتي لك ولأهلك ولكل أحبائك، وإلى لقاء قريب، وسلام اللّه عليك ورحمته.
دمشق في 22/ 2 / 1958
أحمد الشرباصي.

وكتب عنه صديقه محمد رجب البيومي يقول:
أصدر للأستاذ أحمد الشرباصي كتابه القيم: «في عالم المكفوفين».. والكتاب كما يراه كثير من الناقدين مجهودا علميا إنسانيا، فلا غرابة إذا أخذ نصيبه من ثناء المنصفين!!. . .

ويقول زميله د. رجب البيومي عنه:
رجعت بذاكرتي إلى الوراء، أيام كنت طالبا بالنسة الأولى بمعهد دمياط الديني، وقد سبقني في التخرج فيه زميلي أحمد الشرباصي، تاركا خلفه ثناء مستطابا، تفيض به ألسنة المدرسين في المعهد، وآراء الأدباء، خارج الدراسة، من أندية السمر، ونزهات الراحة، ودهشت كثيرا حين علمت أن الطالب المتخرج في المعهد الابتدائي قد أصدر كتابا أدبيا في موضوع توجيهي تحت عنوان: «حركة الكشف»، ولم يكن الكتاب مقالات متناثرة في موضوعات متفرقة، تزدحم بها الأساليب الإنشائية والخيالات البعيدة.

كما نلاحظ دائما في إنتاج الشداة من الناشئين، والطامحين من المراهقين؛ ولكنه كان كتابا هادفا يسعى إلى غرض، ويدور حول فكرة، فاجتمعت له الأصالة والجدة مع التوجيه الدافع، والحرص الغيور،. .

وقد انتقل الإعجاب بهذا الكتاب إلى الدوائر الأدبية في القاهرة، فأفردت له مجلة الرسالة (عدد 10 يناير سنة 1938) صفحة خاصة تحدث فيها الأستاذ محمد سعيد العريان عن الكتاب وصاحبه، فقال فيما قال:
«ها هو ذا أزهري فتي يضرب المثل لإخوانه الأزهريين في الفتوة الرحيمة، التي تعمل للإنسانية. . . يا له من فتى متمرد؛ لا. . . لا تسموه متمردا، إنه يعرف ما عليه من تبعات الرجولة في غد، فأعد للغد عدته، فلا عليه إن كان هو وحده الفتى الكشاف من الأزهر الكبير وروافده. . إني لفخور به»!!. . .

وأخذنا حينئذ نطالع مقالات أسبوعية يفاجئنا بها الشرباصي في مجلات مختلفة، وكان عجيبا أن تصدر «السياسة الاسبوعية» (في 9 يوليو سنة 1939) عددا خاصا عن ذكرى الإمام محمد عبده، يتحدث به منصور فهمي وجاد المولى وأمين الخولي ومحرم والجارم وغيرهم من أدباء الصف الأول، ثم يكون للفتى الناشىء بهذا العدد مقالان اثنان لا مقال واحد (ص 18، وص 30).

شيء رائع حقا، ونشاط حميد مشكور دفع بالأستاذ فليكس فارس -وهو يومئذ في طليعة كتاب الرسالة الشيوخ- أن يسجل تقديره في تقريظ مشجع يقول فيه (الرسالة، عدد 6 فبراير سنة 1939):
«إن المؤلف يذهب في محاولته ذهاب من رسخت عقيدته متعالية عن تردد المحاولين، وإن العبقرية العربية تنتبه في هذا الجيل الذي سيقدم ليحل محلنا على الذروة نحن النازلين منها إلى الأغوار. لقد ولدت اقلامنا أقلاما خيرا منها».

وثناء فواح كهذا الثناء تعبق به مجلة الرسالة الارستقراطية جدير بالتقدير والاعتبار. . .

مضت الأيام والشرباصي لا يني عن رسالته الأدبية، بل يزاحم الأدباء إنتاجا وتأليفا على طراءة العمر ولدونة اليفاع، وكان لابد لهذا النشاط المتوثب أن يخرج للناس كتابا ثالثا تحت عنوان: «بين صديقين»؛ وكان لابد لجمهرة المنصفين من الأدباء أن يسابقوا إلى تكريمه وتشجيعه، فهيأت جمعية الشبان المسلمين ساحتها مساء الأربعاء 28 نوفمبر سنة 1940م لحفلة تكريمية ساهرة خطب بها كبار الأساتذة ونوابغ الأدباء، وقد أظهر الوفاء دلائله الصادقة في نفوس كريمة تحتفل بالنشاط الدائب، وتبارك الجهد الموصول؛ وأنت تدرك كفاح الكاتب الناشىء حين تسمع زميله الأستاذ محمد فهمي عبد اللطيف يتحدث عنه، فيقول 1: «لقد كنت أتلقى بريد الرسالة فأجد الشرباصي في اليوم الواحد كاتبا في (المكشوف) اللبنانية و (الحديث) الحلبية و (التفيض) العراقية و (المجلة) الدمشقية»!!. .. وهذه الحقيقة المائلة تنطق بنشاط حافل، تمده الموهبة، وينمية الإطلاع!!. .

وقد آثرت أن أستشهد بالنصوص ليعلم هذا المبتسم عن ريبة واتهام أنني لا أبارك وحدي جهود أديب طامح، فإذا كان لا بد من الابتسام فليوجه إلى جميع من يستمعون القول فيحبون أحسنه، ويهتفون بقائله: مرحى مرحى فقد سلكت الطريق!!. . .

وإذا كان لنا أن نحكم على إنتاج الكاتب، فإننا نلاحظ أنه من مبدأ أمره قد احتفل بالأدب العربي دراسة وتحليلا، فقرأ وحفظ وناقش، وأعد نفسه ليكون أستاذا في الأدب العربي وحده، فهو غاية يهدف إليها، ولم يدر أن الأيام ستجعل هذه الغاية وسيلة إلى هدف أسمى ومطلب أحب، تلك هي الدعاية للإسلام ونصرة الحق الصريح!. .

لقد أكب الشرباصي على دراسة الأدب في مختلف عصوره، فأفاد إفادة غزيرة، ولا زالت أبحاثه الأدبية ترتفع إلى قمة عالية.

وقد قرأت له سلسلة عن «الخطابة في الأندلس» بمجلة الأزهر، فشاهدت من أصالة الرأي وبراعة الاستنتاج وطرافة النقاش ما أعجب وأمتع؛ بل أذكر أن أحد أساتذة العراق المرموقين قد كتب مؤلفا تحت عنوان: «بعث الشعر الجاهلي» فانبرى الشرباصي لنقضه في مجلة المقتطف، وأبدى من غزارة المادة وقوة العارضة ما جعل الدكتور المؤلف في حرج وضيق، ولو تفرغ أحمد للأدب وحده لرأينا مجهودا حافلا تنشرح به الصدور!!. . .

ولكن الأستاذ يتعرض في نقده الأدبي إلى مأزق ضيق يكابد منه تبريحا أي تبريح!. . . فهو يحرص على التشجيع والتنويه، وتدفعه المجاملة أحيانا إلى إهمال حقوق النقد الصريح، وكثيرا ما تقرأ له بحثا أدبيا عن كتاب معاصر أو شاعر صاحب، فلا ترضى عمّا يشيع فيه من تنويه وتقدير. . . فإذا اضطر الكاتب إلى النقد ساقه في ثوب حريري ناعم. . .

وقد تخلو إليه فيحدثك عن بعض المآخذ التي رآها ولكنه تحامل على نفسه فأغفلها؛ وتلك حال تذكرني بشاعر العربية الابتداعي خليل مطران، فقد كانت له في الشعر رسالة ناهضة مجددة، ولكن قيود المجتمع وقوانين المجاملة قد دفعته -في ضيق منه- إلى النظم السطحي في حفلات الأعراس ومواقف التأبين، والخلق السمح يجد حرجا شديدا في مغاضبة الناس، فتكون المأزمة الضائعة للإنتاج الأدبي وصاحبه المسكين.

لقد قرأت في كتاب «أيام الكويت» بحوثا أدبية عن شعراء مقلدين لم يتصلوا بالنهضة الفكرية الحديثة؛ والأستاذ المؤلف ينظر إليهم بعين الرضا الكليلة عن العيب؛ فكنت أقول في نفسي: أرضى الناقد عن فطمهم التقليدي فهتف بأصحابه مع الهاتفين، أم أنه احتقر الموازين الجديدة للشعر الحديث؟!. . .

ولم يطل التساؤل، فقد قرأت للأستاذ بحثا استعراضيا عن كتاب «الشعر بعد شوقي» للدكتور محمد مندور، فوجدت الكاتب يتفق معي في الاتجاه!!. . وينحى باللائمة على ذوي الهمود من الجامدين، وإذ ذاك تصورت الحرب النفسية التي قاساها الشرباصي ليوائم بين الرأي الصريح والخلق السمح الحليم!!. . .

على أن أحمد في مجاملته للزملاء لا يتهاون قيد شعرة مع كبار الأساتذة من الأدباء، وقد تعرض لغضب صاحب مجلة أدبية لامعة، حين نشر نقدا أدبيا لبعض آرائه بمجلة الثقافة سنة 1940 م، كما أغضب الأستاذ أحمد أمين حين انحاز مجاهرة إلى تأييد غريمه الدكتور زكي مبارك في هجومه على صاحب الجناية الأدبية!. . .

ومع مناصرته لزكي مبارك فقد وقف الشرباصي الطالب الشاب موقف الناصح المرشد من دكتور نابغة نقاد، إذ يقول له على صفحات الرسالة (عدد 16 اكتوبر سنة 1939 م):
«أي صديقي الدكتور، قد انتهى لغو الصيف، وجاء جد الشتاء، فلا تكسل ولا تنم، على أني أرجو أن تتحاشى ما يسبق إليه قلمك من عبارات تنال من شخصية الأستاذ أحمد أمين وتجرح شعوره» فأي توجيه ذاك؟!. . .

وقد كان التحاق الشرباصي بكلية اللغة العربية بالقاهرة نقطة تحول كبير في إنتاجه واتجاهه، وكان المظنون به أن يتوسع في الدراسة الأدبية وحدها، ولكنه وجد بالقاهرة مجالا للنشاط الإسلامي عن طريق المحاضرة والمناظرة والخطابة، فانفرجت دائرة كفاحه إلى حيث تتسع وتمتد، ورصد نفسه إلى خدمة الفكرة الإسلامية بالقلم واللسان!!.

وصاحب اللسان البليغ لا يرى في أسلوبه الخطابي ضرورة لقيود المقال المركز، ومن هنا سرت عدوى اللسان إلى القلم في كتابة الشرباصي، فقد تجد بها تفصيلا وإطنابا لا يرضيان صاحب المنطق المحدد؛ ولكن الشرباصي يتعمد الإثارة الانفعالية في نفوس القراء، إذ يهمه أن يجتذبهم إلى فكرته مستعملا شتى ضروب التأثير، من منطق عقلي، أو مهيج عاطفي، أو حافز وجداني؛ وإذا قرن القارىء شخصية الداعية بشخصية الكاتب في بعض مؤلفات الشرباصي فقد أراح واستراح!!. . .

اقرأ مثلا كتب الرجل:
1 - النيل في ضوء القرآن.

2 - واجب الشاب العربي.
3 - أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح.
4 - صلوات على الشاطىء. . .


فستجد المنطق العقلي سابحا في أمواج التأثير الوجداني، ولهذه الطريقة حسناتها في استنهاض الهمم وحفز البواعث، وإن كانت لا تسلم من نقد يؤكدة عقل منهجي محدود. .

لقد أصدر الكاتب مؤلفا صغيرا عن السيدة زينب، كما أصدرت السيدة بنت الشاطىء مؤلفا عنها، وصاحبة السيرة رضي اللّه عنها ذات مجال محدود لا يسمح بكتاب خاص، فماذا صنع الكاتبان؟!. .

لقد لجأت الدكتورة الجامعية إلى الأساطير والأخيلة تنسج فيها خيوط البحث التاريخي، ولم أعجب بهذا المنهج، فنقدته نقدا صريحا بالسنة العشرين من مجلة الرسالة سنة 1952 م.

أما الشرباصي فقد هدف إلى العاطفة الدينية يستثيرها استيثارا حبيبا، وقد عالج مشاكل دينية واجتماعية تتصل بالموالد والأذكار والصلوات، فجاء بحثه نميرا مستطابا ينعش الروح المؤمنة، ويرضي الوجدان الصافي، ولكنه لا يخرج عن مجال التأثير الخطابي إلى مجال التأمل والاستنباط؛ وفائدة القارىء في المجال الأول محتومة مفروضة، فقد زاد إيمانا، ورسخ عقيدة، وصفا نبعا وأخلاقا، وذلك ثراء أي ثراء.

هذا وقد فرغ الكاتب إلى البحث العلمي الديني في بعض مؤلفاته القوية مثل: «القصاص في الإسلام»، و «محاضرات الثلاثاء».

ولن يضيره في شيء أن يعرض بحوثه الدقيقة النافعة في ثوب رائق واضح، فالحقيقة العلمية لا ينتقص معدنها أسلوب مشرق واستطراد نافع، وإنما يضيرها أن يتشعب بها القول في متاهة لا تحد، وهذان الكتابان من النفاسة جوهرا، والوضوح أسلوبا، والتحديد منطقا، في مستوى رفيع، وإذا اكتمل للمؤلف كل ذلك فقد نجح وأفاد. . .

يقول فضيلة الأستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف في معرض الحديث عن «محاضرات الثلاثاء» في «منبر الشرق» عدد أول فبراير سنة 1952:
«من عادتي ألا أكتب عن كتاب إلا بعد أن أقرأ أكثر مباحثه على الأقل، فإن استمالني لمتابعة القراءة فيه بغزارة مادته، وطلاوة عبارته، وجودة معانيه مضيت فيه إلى نهايته. . .

 وقد أهداني فضيلة الأستاذ أحمد الشرباصي كتابه: «محاضرات الثلاثاء» وأنا أعلم أنه رجل موهوب، ازدان علمه بتقواه، وأسلوبه بالأدب الرفيع، وقلمه بالسلاسة والرواء، فعكفت على قراءته كعادتي فوجدت فيه طلبتي» الخ. . .

وإذن فقد أصبح الاتجاه الإسلامي للداعية الأديب محور الحديث في الخطابة، ومجال القلم في التأليف. . .
وقد سافر بحافز من هذا الاتجاه إلى ممالك الإسلامية كثيرة، وصادف محنا وعقابا جمة، ولكنه لم يترك تجاربه تهرب من الذاكرة هروبا لا رجعة منه، بل أفرد لها كتبا خاصة من إنتاجه مثل: «أيام الكويت» و «عائد من الباكستان» و «مذكرات واعظ أسير». . .

وقد سلك في كتابته مسلكا يلتزمه الكثيرون، فهو يدون الحوادث اليومية مجزأة متصلة، تتماوج في سلسلة متعاقبة، يوما وراء يوم، وأذكر أني كتبت إليه في رسالة خاصة نقدا لهذه الطريقة، إذ أرى أن الأوفق أن تمتزج هذه اليوميات، لتتداخل في أبوبا عامة، تتخذ لها عناوين دالة موحية. . .

وكنت أعتقد أن هذا المنهج لا يختلف فيه اثنان، ولكني وجدت من كبار الأدباء من يعدل إلى طريقة الأستاذ الشرباصي منددا بما أشرت إليه، فقد كتب الدكتور محمد عوض محمد بالرسالة (العدد السابع من السنة الأولى) ينقد كتاب: «جولة في ربوع أفريقية» للرحالة محمد ثابت، فيفضل أن يكتب المؤلف مذكرات يومية أثناء السياحة، يصف فيها حركاته وسكناته، وما مر به من الحوادث وكل شيء رآه، وبديهي أن ذلك لا يتضح بجلاء في الأبواب الكلية كما أريد، ولكل وجهة هو موليها. . .

وقد لاحظت أن أفكار الكاتب في نشأته الأولى لم تتبدل في شبابه المكتمل، بل أكسبها الزمن عراقة وأصالة دون أن يميل بها إلى استئصال وإبادة.

ولتوضيح ذلك:
قرأت للشرباصي على سبيل المثال - ثلاثة فصول مختلفة عن الأستاذ الإمام محمد عبده، وقد كتبت في فترات مختلفة، تبتدىء من سنة 1938 وتنتهي سنة 1956 م، فلاحظت أن الروح التي تغمر مقال «محاولة» هي نفسها التي تترقرق في مقال «محاضرات الثلاثاء»، وهي نفسها أيضا تتوهج ببزوغ في مقال أخير نشر بالعام الماضي في مجلة الأزهر سنة 1375 ه‍. .

ولا عجب إذا أكثر الشرباصي من الحديث عن الإمام المصلح، فهو مثل يحتذيه من ناحية، وعالم أزهري كبير له رحمة الماسة من ناحية ثانية!!. . .

لقد أصبح توفيق الشرباصي في محاضراته المتتالية حديث الكثيرين، فكيف إذا ضمت إليه مؤلفاته التي تتقاطر متتابعة دون انقطاع، وقد يجمع المؤلف الواحد منها ضروبا في القول تتباعد مصادر ومراجع، وتتحد هدفا وغاية.

وتلك حقيقة سجلها الأستاذ محمود تيمور حين قال عن كتاب «في عالم المكفوفين» بالرابطة الإسلامية، عدد 16 أبريل سنة 1956 م:
«و أكبر ظني أيها الصديق أنك ستشق بكتابك هذا على من يريدون إلحاقه بفن من فنون التأليف، فإنهم يحارون فيه. . . إن ألحقوه بالعلم فهو ذاك، لما حوى من دراسة وتحقيق، وإن وصلوه بالتاريخ فله منه نصيب موفور، وإن درجوه بالاجتماع فما ظلمون، وإن عدوه كتابا في الأخلاق فليس هو منها ببعيد».

هذه شهادة منصفة، وهي بعد تحقيق لنبوءة الأستاذ أحمد شفيع السيد -الأستاذ بكلية اللغة العربية- حين سجل إعجابه -من أمد بعيد- بتلميذه الطالب أحمد الشرباصي.

فقال عنه من قصيدة عامرة تنطق بسماحة الأستاذ وتقدير التلميذ:
قبس من الإصلاح لاح بصيصه سيزيده كر المدى إشعالا
وإذا رأيت الفجر يبسم ضوؤه فارقب لأنوار الضحى إقبالا
البحر ما ذا كان؟ كان جداولا والبدر ماذا كان؟ كان هلالا

__________
1) كتاب تكريم الشباب، ص 23.


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالسبت 22 أبريل 2017, 11:43 pm

الدكتور الخفاجي
محمد عبد المنعم خفاجي -عالماً-
=================
في قرية صغيرة قديمة من أعمال مركز المنصورة، تسمى «تلبانة»، ولد الخفاجي في 22 يوليو عام 1915 بين أحضان الطبيعة الجميلة في الريف، وبين الفلاحين المكدودين المرهقين الذين يعيشون فيه عيشة تجمع إلى البساطة سذاجة التفكير، واجهاد العيش، وشظف الحياة.

وفي أبان الحرب العالمية الكبرى، وما تلاها من أحداث الثورة الوطنية المصرية عام 1915 ولد ونشأ الخفاجي.

تنطبع في ذهنه صور من كفاح الحياة والإنسانية ومن جهاد مصر في سبيل حريتها وآمالها، هذا الجهاد الذي ظل أمدا طويلا شغل المصريين كافة، وموضع تفكيرهم، وألهم المقعد الناصب لهم في حياتهم المعاصرة.

ولم يترك الخفاجي القرية إلا في أثناء دراسته، وظل وفيا لها ولأهلها الأبرياء البسطاء طول حياته، وهذا الميلاد وما صاحبه وتلاه من أحداث في حياة الخفاجي يصوره في قصيدة ساحرة له عنوانها «يوم الميلاد».

والخفاجي لم يكن وحدة في الحياة، إن تاريخ قومه يمتد إلى أكثر من ألف وخمسمائة عام.

فهو من سلالة عربية عريقة، ارخ لها في كتابه «بنو خفاجة وتاريخهم السياسى والأدبي»، والخفاجيون قبيلة عربية حجازية كبيرة نشأت في العصر الجاهلي وزاد نفوذها وهم من العقيليين العامريين القيميين، وقد تعددت فروع القبيلة بعد الإسلام وهاجرت سلالات منها إلى الشام ومصر والعراق والمغرب والأندلس، ومنهم أعلام خالدون في كل مكان، ولا ننسى الشاعر الأموي توبة الخفاجي للعربي الحجازي، والأمير ابن سنان الخفاجي الحلبي المتوفى عام 466 ه‍، والشهاب الخفاجي المصري المتوفى عام 1069 ه‍، وابن خفاجة الأندلسي المشبور، وغيرهم.

ومن الخفاجيين أسر حاكمة في حلب في القرن الخامس الهجري، وفي العراق في القرن الرابع إلى السابع الهجري، وكانت ولاياتهم في الناصرية بقرب الكوفة وكان يتولاها منهم بعد أمير، وكانوا في شبه استقلال داخلي عن الخلافة العباسية.

إن هذا الماضي العريق يحمله الخفاجي في قلبه ودمه وأعصابه ويقف مزودا منه بإيمان راسخ، وعبقرية حادة وقوة ضخمة تعاوند على كفاحه في الحية.

وحفظ الخفاجي القرآن الكريم وتعلم مبادىء وأطرافا من الثقافة الأولى في مكتب القرية أو المدرسة الأولى التي كان يتعلم فيها الشباب في ريف مصر إلى عهد قريب.

وفي عام 1927 رحل إلى مدينة الزقازيق يتلقى ثقافته الابتدائية والثانوية في معهدها الكبير، الذي تخرج منه عام 1936، وبين هذين التاريخين قصة كفاح طويل.

ومن أهم ما ظهر على الخفاجي في هذه الفترة الاتجاه الوطني الذي دفعه إلى الكفاح في سبيل وطنه في الأزمات السياسية التي مرت بمصر منذ عام 1934، وكان رئيس اتحاد طلبة أبناء الشرقية في مدينة الزقازيق، وكان هذا الاتحاد قوة كبيرة سياسية في هذه الفترة، والخفاجي وأصدقاء له هم الذين كونوه، وكانت مؤتمراته الوطنية تنشر في الصفحة الأولى في جريدة الجهاد المصرية، وفي شتى الصحف في هذه الفترة.

ومن أهم ما يلاحظه الخفاجي على الثقافة المصرية في هذه الفترة انعدام التوجيه وضعف تربية الملكات، وإهمال شئون الطالب النفسية والعقلية إهمالا كبيرا. وقد جاهد الخفاجي في أزمة الأزهر عام 1935 مع زملائه جهادا طويلا.

التحق الخفاجي بعد مرحلة الثانوي بكلية اللغة العربية بالقاهرة وهي إحدى كليات الأزهر الشريف وبدأ دراسته فيها في أول اكتوبر عام 1936، وفي اليوم الثاني من أكتوبر من هذا العام توفي والده، وبعد ذلك بعشرين عاما أي في يوم الخميس 27 جمادى الثانية 1375ه‍ - 9 فبراير 1956م، توفيت والدته وتخرج الخفاجي من كلية اللغة عام 1940، حيث كان في طليعة المتفوقين في جميع مراحل الدراسة فيها.

وفي خلال هذه الفترة اشترك الخفاجي في الحركة الوطنية، وتابع دراسته، وعمل أحيانا في الصحافة في جريدة السياسة وفي صحف أخرى، وكتب المقالات والبحوث والدراسات في شتى الصحف والمجلات.

وكان قيام الحرب العالمية الثانية في هذه الفترة عام 1939 أهم حدث عالمي تأثر به الشباب العربي أيما تأثر، بل تأثر به شباب العالم قاطبة.

وكان الخفاجي المتنقل بين القرية والعاصمة صورة للشباب المصري المكافح في سبيل وطنه وفي سبيل قومية بلاده وفي سبيل الثقافة التي حمل لواءها بقوة.

وفي هذه الفترة تأثر بآراء عالمين مفكرين كبيرين في الفكر والثقافة والإصلاح، هما الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش شيخ الأزهر فيما بعد، والأستاذ الكبير الشيخ محمد عرفة عضو جماعة العلماء بالأزهر، كما كان للإمام محمد عبده صداه العميق في نفسه.

وكان الأستاذ الأكبر الشيخ حمروش عبيد كلية اللغة آنذاك وكان بعقله الواسع وأفق تفكيره البعيد وثقافته العلمية العريقة أرفع مثال لطلاب كليته، يستمدون منه القدوة، ويحتذون حذوه في الفهم والتفكير.

وكان الأستاذ الكبير محمد عرفة أستاذا للخفاجي في الفلسفة والبالغة، ومن ثم بآرائه التجديدية العلمية تأشرا خاصا.

وتخرج الخفاجي في يوليو عام 1940 من كلية اللغة يحمل شهادته العالية.

والتحق الخفاجي بأقسام الدراسات العليا في كلية اللغة العربية في أكتوبر عام 1940 في قسم البلاغة والأدب، فعكف في خلال الأحداث العالمية التي صاحبت الحرب العظمى، وفي خلال أحداث مصر القومية التي امتدت من هذا التاريخ، وفي خلال أزمات الأزهر التي كانت نتيجة للصراع بين الحكومة والقصر، والتي كان الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي مظهرا لكثير من صور الحرب الخفية في هذه المعركة، في هذه الظروف عكف الخفاجي على دراساته العليا، إلى أن تخرج عام 1944 يحمل شهادة النجاح في الامتحان التمهيدي لشهادة العالمية من درجة أستاذ.

ثم قدم رسالته الجامعية «ابن المعتز وتراثه في الأدب والنقد والبيان» ونوقش فيها في أكتوبر عام 1946، ونال بها بتفوق شهادة العالمية من درجة أستاذ في الأدب والبلاغة من كلية اللغة العربية وهي أرقى شهادات الأزهر الجامعية وتعادل الدكتوراه الممتازة حرف (أ).

ومن الجدير بالذكر أن الخفاجي قدم للكلية مع رسالته المخطوطة ثلاثة كتب له مطبوعة عن ابن المعتز في جوانب تخدم موضوع رسالته وهذه أول مرة يقدم فيها باحث رسالة علمية مخطوطة ومعها ثلاثة كتب تخدم رسالته وفي موضوعها.

وكان هذا الجهد الأدبي موضع تنويه الأدباء والعلماء والصحف في حينه، ولا ننسى أن نقول: أن الخفاجي أمضى مع عمله الضخم هذا سنوات طوالا يشغل وظيفة أستاذ في الليسيه فرانسيه فرع شبرا.

وقد ترك بعد حصوله على شهادة العالمية من درجة أستاذ وظيفته في الليسيه ليتولى أستاذية البلاغة في معهد أسيوط الكبير الذي عمل فيه من نوفمبر عام 1946 حتى أكتوبر عام 1947، ثم في معهد الزقازيق الذي كان طالبا فيه من قبل، والذي عمل فيه من عام 1947 إلى عام 1948.

وانتقل الخفاجي في 17 أغسطس عام 1948 إلى كلية اللغة العربية مدرسا للأدب والنقد والبلاغة فيها، ولا يزال حتى اليوم يتولى هذا المنصب فيها.

ومن الطريف أن نذكر أن الخفاجي متزوج من عام 1948 وله ولد هو ماجد خفاجي، وتوفيت له بنت كان اسمها «وفاء خفاجي».

وهو كذلك رئيس رابطة الأدب الحديث في القاهرة، وعضو في شتى الهيئات العلمية والأدبية في مصر والعالم. وقد اختير عضوا في اتحاد أبناء الدقهلية وهو من أكبر دعاة التجديد والإصلاح والتعاون والقومية العربية.

ولا أنسى أن أنوه بكفاح الخفاجي في سبيل إصلاح الأزهر، منذ التحاقه بقسم الدراسات العليا حتى اليوم، وفي هذا السبيل ناضل كل شيوخ الأزهر، وطالبهم بالإصلاح والتجديد والبناء.

وأنوه كذلك بكفاحه في سبيل الأدب الذي أنفق عليه كل ما يملك من مال، ثم بكفاحه من أجل وطنه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، وكفاحه من أجل الثقافة قد لا يصل إليه كفاح آخر.

عمل في كلية اللغة العربية بالقاهرة مدرسا فأستاذا مساعدا فأستاذ فرئيس قسم الأدب والنقد، ثم اختير عميدا لكلية اللغة بأسيوط، ثم عاد إلى القاهرة أستاذا متفرغا يدرس لطلابه في الدراسات العليا علوم الأدب والنقد.

والعوامل الثقافية التي أثرت في عقلية أديبنا يمكن تلخيصها فيما يلي:
1 - العامل الأول: ثقافة الأسرة وهي أسرة تنتمي إلى أصول عربية قديمة بسط صاحبها تاريخها في كتاب خرج منه حتى الآن تسعة أجزاء-و من هذه الأسرة أعلام قديمة وحديثة ومعاصرة من الأدباء والعلماء والشعراء والكتاب، وقد بسط صاحبنا تاريخهم في كتابه «بنو خفاجة».

2 - العامل الثاني: ثقافته في الأزهر الذي عاش فيه تلميذا من سنة 1927 إلى 1946 حيث تخرج من كلية اللغة العربية يحمل شهادة «العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب» وتعادل الدكتوراه حرف (أ) من الجامعات المصرية-و تخول لحاملها التدريس في كليات الأزهر وكليات الجامعات المصرية، وكانت الرسالة التي قدمها هي كما قدمنا «ابن المعتز وتراثه في الأدب والنقد والبيان» وهي مطبوعة.
3 - العامل الثالث: مطالعاته الشخصية في الأدب قديمة وحديثة، ويقول لنا: إنه حتى تخرجه طالع ما لا يقل عن خمسة آلاف كتاب في الأدب عدا الكتب الثقافية الأخرى.
4 - اتصاله الوثيق بالبيئات والمدارس والمذاهب الأدبية المعاصرة، ودراساته في كلية اللغة لتلاميذه.
5 - الاستعداد الشخصي والملكات الذاتية، التي تكون لصاحبها أفكارا ثقافية وأدبية خاصة متميزة.
6 - اتصاله المباشر بالبيئات الثقافية والأجنبية التي كان لعمله في الليسيه الفرنسية مدرسا أثر ما في حياته، وكذلك اتصاله بالعديد من العناصر والبيئات الثقافية.

يؤمن أديبنا الخفاجي بضرورة الملكة الأدبية والموهبة الذاتية كأساس لبناء الأديب من الجانب الفني والثقافي، ومن ثم نجده يحيل كل الخصائص الذاتية التي تميز أديبا عن أديب إلى أثر هذه المواهب.

ويرى أن الثقافة الأدبية الحديثة للأدب يجب -فوق تناولها لجميع الثقافات الممكنة- أن تتناول التعرف إلى جميع الثقافات الأدبية القديمة والحديثة والمعاصرة عند جميع الشعوب، ومن ثم يحرص على الاتصال بروائع الآداب الأوروبية المترجمة ويرى وجوب التعاون والإخاء الأدبي بين الأدب العربي وهذه الآداب، كما يرى وجوب دراسة الآداب الشرقية عامة والعربية خاصة عند جميع الشعوب التي يتصل تاريخنا بتاريخها وحياتنا بحياتها.

ويرى أن الأدب لا بد أن يخدم هدفا اجتماعيا أو قوميا أو انسانيا وإلا فقد جزءا كبيرا من مقوماته ومن أجل ذلك نراه في كتابته عن الأدب المعاصر يشيد بروائع الآثار الواقعية في الأدب والشعر (راجع مقدمة قصص من التاريخ).

وهو مع ذلك يرى أن الأدب المعاصر تنقصه الملكة والذوق البلاغي كما أن الأدب القديم كان ينقصه الاتجاه والمذهب والرسالة ومن أجل ذلك فهو يبشر بأدب جديد تتجلى فيه خصائص الأدبين أكثر وضوحا عما هي عليه الآن.

ويقول عنه الدكتور أحمد زكي أبو شادي رائد مدرسة أبوللو:
الخفاجي ظاهرة فذة شائقة في الوراثة والإطلاع والاستقراء والإنتاج فهو سبط الأديب الكبير الشيخ نافع الخفاجي وهو من أسرة بني خفاجة التي تنتمي إلى أصول عربية «قديمة»، ومنها الأمراء الخفاجيون في إقليم الكوفة والأمراء الخفاجيون بحلب، ومنهم الأمير ابن سنان الخفاجي الحلبي، ومن أشهر النابغين في مصر من الخفاجيين الشهاب الخفاجي المصري.

وهذا الرجل يحمل أعلى شهادات الأزهر العلمية وهي «شهادة الأستاذية في الأدب والبلاغة» التي تعادل (الدكتوراه) من الجامعات السامقة كالسوربون مثلاه والذي أخرج حتى الآن نحو ستين كتابا في فنون الأدب. ومن العسير أن يختار المرء كتابا من كتبه للعرض في مجال الحديث عن الأدب العربي، نظرا لكثرتها وتنوعها متناولة جميع فروع الأدب.

والأستاذ خفاجي ليس لغويا ولا أديبا فحسب، بل هو شاعر أيضا، شأنه في ذلك شأن الدكتور طه حسين، وذلك -إلى جانب ثقافته الواسعة التي تلتهم كل معرفة ميسورة- كان طابع كتابته شعريا جميلا مع الحرص على الدقة العلمية في الوقت ذاته.

ولذلك نالت تصانيفه احتراما عاما في جميع الأوساط الأدبية ببلاد الغرب وفي دوائر الاستشراق.
(من حديث اذيع في صوت أمريكا عام 1953).

ويقول عنه الأستاذ روكس العزيزي:
«الأستاذ الخفاجي واحد من هؤلاء الأفذاذ الذين وقفوا على ماضي الأدب العربي وقوف فهم وتعمق ودراسة ورافقوا جديده فكانوا من خيرة مجدديه، لأن فكرته في التجديد فكرة نيرة حاذقة.

لذا جاءت أحكامه محكمة تتميز بالالمعية فهو يجمع بين دقة العالم، صفاء ذهن الباحث، وقدرة الكاتب المجيد وروح الشاعر المرهفة الحساسة، ويضاف إلى هذا أنه أستاذ في معهد كان وما زال أمينا على تراث هذه الأمة الأدبي والفكري.

وقال الناقد مصطفى السحرتي في الخفاجي (ص: 75 من رواد الأدب المعاصر لحليم متري):
أصدق تعريف بالخفاجي أنه هاديء ثائر معا، حريص على الإصلاح والجهر برأيه حتى في أدق الظروف والمناسبات وله في ذلك مواقف عديدة في الأزهر وفي خارج الأزهر على السواء، وهو رائد في الأدب والشعر والنقد والتاريخ والتصوف كما هو رائد في علوم الدين.

وقال عنه الدكتور سعاد جلال الأستاذ بجامعة الأزهر:
الخفاجي عرفته المجامع العلمية والأدبية باحثا مدققا مبرزا، فيه الكثير من تواضع العلماء، وتبريز الباحثين والمفكرين، مما يصوره أدبه وإنتاجه وتآليفه، التي هي آثار أدبية يعتز بها أدبنا المعاصر، والتي ستبقى خالدة على الأيام.

وقال الدكتور عبد المنعم النمر فيه:
إنني أطالب مجلس الفنون والآداب بإعادة طبع موسوعات الدكتور الخفاجي كي يعم النفع بها وأطالب النفع بها وأطالب إدارة الأزهر بإخلائه من العمل ليضاعف الإنتاج وبهذا نكون قد كرمنا الرجل حقا ووضعناه في مكانه.

وقال عنه الأديب الحجازي الكبير الأستاذ عبد الله الجبار:
إن الأدب العربي ليفخر بنتاج الخفاجي الأدبي والعلمي المتصل المستمر على مرور الأيام.

وقال الأديب الحجازي الكبير أحمد عبد الغفور عطار (ص: 4 مقدمة كتاب الخفاجي «الإسلام دين الإنسانية الخالد»:
الخفاجي أحد أعلام العلماء الذين خرجهم الأزهر، ويفخر بهم، وهو أعجوبة من الأعاجيب، فهو قد ألف وصنف العديد من الكتب وكتب مئات الفصول والرسائل.

ولئن كنا ندهش عند ما تقرأ أن الكندي وابن سينا والسيوطي وغيرهم من أقطاب العلماء الذين ألفوا كتبا ورسائل تسد بالمئات فإن هذا الدهش سيزول عند ما نجد عالما معاصرا مشغولا بالتدريس والأندية والجمعيات الأدبية والعلمية ومشغولا بكثير من أعمال هذه الحضارة وهذا المجتمع المضطرب يستطيع -مع كل مشاغله- أن يخرج لنا العديد من المؤلفات.

بينها من الكتب ما يتجاوز عدد صفحاته الآلاف. . إنه أديب متمكن، وشاعر مبدع، وعالم كبير.

وقال فيه الشاعر الكبير محمود غنيم:
هتفوا بذكر أغر نابه عمرو بن يجر في نيابه
إن لم يكنه في حقي‍ قته فبينهما مشابه
لا في ملامح وجهه بل في توفره ودابه
حبيت فيه طالبا للعلم أمعن في طلابه
بل كاتبا في الأفق حلا ق غير وإن عن شهابه
أن ينسب سفر إلي‍ه تاه فخرا بامتسابه
فندفق الأسلوب نح‍ سبه غيرا في أنسابه
في لفه قلم لعا ب النحل قصر عن لعابه
أسفاره منهلة كالغيث تهطل من سحابه
أناره نست علي‍ ه وجردته من نقابه
كالطيب في الاخفاق ين‍ فخ ريحه رغم احتجابه
السيف سيف مصلبا أو مستكا في قرابه

وقال فيه الشاعر الكبير الدكتور حسن جاد:
حيو الأديب الذكيا والعالم الألمعيا
رب اليراع المجلسي رسائلا ودويا
ومن يهز. . خطيبا ويستثر النديا
فما يمل دءوبا ولا يكل مضيا
فقل لمن كرموه رمتم مراما عصيا
حوى الفنون جميعا فليس ينقص شيئا
وشق كل طريق من ذا يصد الأتيا؟
وطبق الشرق ذكرا وشهوة ودويا
حتى شاى كل ميت وبذ من كان حيا
ولم يدع للسيوطي في الكتب ذكرا بقيا
أخا الصبا وصديقي أفديك خلا وفيا
مؤلفاتك شتى وما برحت فتيا
الدين جليت فيه كتابه القدسيا
وكم خدمت احتسابا حديثه النبويا
وكم سهرت لتحيي تاريخنا العربيا
تكسو البيان جديدا من الثيات بهيا
وانهض إلى المجد واصعد إلى مدار الثريا
واللّه حسبك حصنا مكافئا ووليا


وقال فيه الشاعر كامل أمين:
يا أخا الخير، يا خفاجة، والخير شباب الندى وروح الحياة كل أرض نما بها البر روح ألبسته الحياة ثوب النبات، قد عهدناك يا أخي تعبر الناس فتسعى بهم كسعي الفرات تبعث البائس القنوط من الآمال كبعث الحياة بعد الممات.

يا أخي كيف مد سحرك في الليل فمد الصباح بين بيانك ريشة الساحر الصناع بكفيك وسحر البيان تحت لسانك وخيال الحديث يجذب كاللحن فإذا عزفته في كمانك الكمان الذي استحال يراعا عز داود فيه من ألحانك.

وقالت فيه الشاعرة جليلة رضا:
إنه كالفجر في سناه الوليد ذائم الخلق، دائم التجديد وهو الحق والفضيلة والصدق ونور الإيمان والتوحيد وهو العلم والبلاغة والفصحى ورمز الإجلال والتمجيد وهو كالطفل في سماحته الحلوة في قلبه الشفيف الودود وهو كالوحش إن غزا الكتب استأسد وانقض فوقها كالأسود وهو في مجلس التشاحن والبغض كوجه السماء بعد الرعود بسمة كالندى ووجه صبوح واتضاع في عزة وصمود فإذا هم بالحديث فأطراق العذارى وحكمة ابن الرشيد قلم عاشق وطرس عشيق وبيان يفي بكل الوعود هكذا بذرع الوجود خفاجي بين بحث وفكرة وجهود فهو فخر الكتاب في عصرنا الحاضر رمز البقاء والتخليد وأبو المجد والعلا للخفاجيين من قبل ومن قديم الجدود.

وقال الشاعر محمود الماحي فيه:
إني أكرم همة لم يؤتها بشر بعصر قد نسى كتابه
ولسان مقتدر عليم بسارع مستصغر رغم الشقاء عذابه
في هذه الدنيا التي من هولها سئم الأديب وعودها الخلابة
يجري وراء سرابها وسرابها يجري بلا أمل يريد سرابه
يا أيها القلم السخي بعلمه درر الحجا وقلائد منسابه
لا جف منك ومدادك الغالي ولا فارقت قلبا مبديا إعجابه

وقال عنه الشاعر أحمد أبو المجد عيسى:
هذا الذي هام بالأسفار يكتبها حبات عقد بديع جد مؤتلق
لك الأنامل كم صاغت لنا أدبا به شغلنا عن الأجيال والحدق
لك الطرائف من علم ومن أدب سارت مسير ضياء الشمس في الأفق
وأنت للجيل أستاذ تعلمه بما يحليك من علم ومن خلق
ونلت بالعلم جاها أنت كاسبه ولم تتله بتزييف ولا ملق
وكم رفعت أديبا كان في ظلم كأنما عاش تحت الأرض في نفق
ونحن حولك إن كنا ذوي أدب فالطير تهفو لفيض الجدول الغدق
والصادح العبقري اللحن يسعده أن يستجيب إلى بستانه العبق
يكفيك أنك في الأقطار جامعة تزود الفكر بالأضواء والالق


وقال عنه الشاعر إبراهيم شعراوي:
خفاجي، هاتف ينساب طهرا بأعماقي ويسكب في نشوه
فاهتف والنداء يهز نفسي خفاجي لفظة كالشهد حلوه
أبي يا فرس الآداب إني لأبصر فيك ميدانا وصهوه
إذا ما سأرجع الناس يوما إلى العليا بتصميم وقوه
لكنت كشعلة بين الدياجي تسير أمام هذا الجمع خطوه


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالأحد 23 أبريل 2017, 12:00 am

أبو الجامعات في الشرق والغرب
قلعة حضارية في تاريخ مصر الإسلامية
========================
هذا البناء الشامخ، والمسجد العريق القائم في نهاية شارع الأزهر بالقاهرة، والمجاور لميدان الحسين، والذي رفع قبابه جوهر الصقلى، قائد جيش فتح مصر في عهد المعز الفاطمي - هو جامعة الجامعات، ومعهد العلم في عاصمة مصر قاهرة المعز الخالدة، وهو حقا قلعة حضارية في تاريخ مصر الإسلامية طوال ألف عام أو يزيد.. إنه الأزهر أبو الجامعات في الشرق والعرب.

وشيخ معاهد العلم في مختلف أرجاء العالم. وإذا كان مسجد القرويين قد أنشىء في فاس عام 245ه‍ 859م، فإنه لم يتحول إلى جامعة إلا في زمن متأخر جدا، بينما صار الجامع الأزهر جامعة إسلامية بعد إنشائه بسنوات، وصار مقصد الطلاب والأساتذة من أنحاء الدنيا، وقام برسالة ثقافية كبيرة طيلة ألف عام، مما لم يحدث في تاريخ أية جامعة من الجامعات في الشرق ولا في الغرب.

وكان إنشاء الأزهر وقيام الحلقات العلمية الجامعية فيه بعد إنشائه مباشرة وحتى اليوم، معجزة المعجزات في تاريخ الثقافة الإسلامية.

والأزهر هو أبو الجامعات الدينية، في عالم الإسلام، وهو الذي يمدها بالتوجيه والخبرة، وبالخطط العلمية المدروسة، وبالمناهج والأساتذة، وعلى نمطه قامت مختلف الجامعات الاسلامية الحديثة في أنحاء العالم الاسلامي، وصار هو الصورة المشرقة لكل الجامعات وهو الذي يلخص تاريخ الحضارة الإسلامية كلها طوال ألف عام.

إنه روح هذه الحضارة، والمعبر عنها والمترجم لثقافاتها. وهو موئل العربية وملاذها الأمين. منذ قيامه إلى اليوم وقد سمي الأزهر لأنه كان محاطا بقصور زاهرة في رأي، أو لأنه كان أكبر الجوامع على الاطلاق رواء وجلالا وفخامة في رأي، أو لأنه ينتسب إلى الفاطمية وإلى فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في رأي آخر، أو للتفاؤل بما سيكون له من المكانة والجلال والازدهار العلمي في تاريخ الثقافة الاسلامية.

وقد شرع المعز الفاطمي منذ تولى الحكم في دولة الفاطميين في المغرب في بناء دولة واسعة، وامبراطورية ضخمة لآل البيت في وسط العالم الإسلامي، ومن ثم امتد بصره إلى مصر، وشرع في التمهيد لفتحها، ونشط الدعاة الفاطميون في الدعوة لآل البيت في أنحاء مصر كلها، ثم عين قائده جوهرا قائدا لجيش الفتح، فخرج من القيروان بجيش ضخم في 14 من ربيع الأول عام 357ه‍ فبراير 969م، فاستولى على الأسكندرية، ثم واصل زحفه إلى الجيزة، فدخلها في 11، من شعبان عام 358هـ ‍- يوليو 969م، وفي اليوم التالي دخل جوهر الفسطاط عاصمة مصر الإسلامية الأولى آنذاك.

ومكث جوهر في شمالي الفسطاط ثمانية أيام استراحت فيها جنوده بعد عبورهم النيل من الجيزة إلى الفسطاط وأخذ جوهر في وضع أساس عاصمة جديدة لمصر الفاطمية، فوضع أساسها في يوم الثلاثاء 17 من شعبان 358ه‍ 7 يوليو 969م كما ورد في خطط المقريزي (ج‍ 2 ص 204)، ووضع أساس القصر الفاطمي الكبير - الشرقي في اليوم التالي ليكون مقر الخليفة الفاطمي المعز لدين اللّه.

وفي يوم السبت 24 من جمادى الأولى عام 359 ه‍- 12 من أبريل 970 م شرع القائد جوهر في بناء الجامع الأزهر إلى جانب القصر الكبير- الخطط ج‍ 3 ص 373 - وظل البناء عامين (970 - 972 م)، وتم البناء وأقيمت الصلاة فيه لأول مرة في السابع من رمضان عام 361 ه‍- 22 من يونيو عام 972 م ولم يلبث ان صار هذا المسجد هو المسجد الرسمي لدولة الفاطميين، وبعد تسعة أشهر من افتتاحه أخذ الناس يتلقون فيه عقائد المذهب الفاطمي.

وكانوا يجتمعون كل يوم جمعة فيما بين صلاة الظهر وصلاة العصر، وعلى رأسهم الوزير أبو يعقوب قاضي الخندق (خطط المقريزي ج- 5 ص 49) ومنذ عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي بنيت الأروقة حول الأزهر، وصارت جزءا منه، وفرشت بما يلزم من الفرش، وصارت مساكن يقيم بها الطلاب، وفي مقدمتهم الطلاب الوافدون على الأزهر من أنحاء العالم الإسلامي ومن شتى مدن مصر الفاطمية.

وكان نظام الحلقات الذي كان متبعا في تلك الحقبة من الزمن هو النظام الوحيد للدراسة في الجامع الأزهر، وهو أساس الحياة العلمية والثقافية في مصر.

وكان لكل مذهب من المذاهب الأربعة عمود معين من عمد الجامع لا يجلس فيه إلا أهل هذا المذهب، وكان شيخ المذهب حريصا على أن تكون حلقته العلمية بجوار هذا العمود، وكان من عادته في أثناء إلقاء الدروس أن يجلس على الأرض بجوار العمود مستقبلا القبلة، ثم صار أخيرا يجلس على كرسي من الخشب أو الجريد، وصارت تلك الكراسي من أخص امتيازات كبار العلماء فيه، ومن ذلك أخذت الجامعات نظام الأساتذة ذوي الكراسي، وكان الطلبة يجلسون حول أستاذهم على هيئة حلقة ولكل طالب مكان في الحلقة لا يتعداه.

وكان في الحلقة طالب من أنبه طلابها يكلفه الأستاذ بإعادة درسه على زملائه وبقراءة الموضوع العلمي للدرس في مختلف مصادره، وسمي هذا الطالب معيدا، وعن الأزهر أخذت الجامعات نظام المعيدين أيضا.

وكانت طريقة التعليم إذ ذاك هي أن يبدأ الشيخ درسه بالبسملة والحمد للّه والصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم يلخص موضوع درسه، ثم يقرأ النصوص التي كتبت حوله في مختلف المصادر، ويقوم الطلاب بسؤال أستاذهم في كل ما غمض عليهم، ويستمر الحوار والمناقشة والأسئلة والإجابة عنها طول الدرس بين الأستاذ وطلبته!

ولا ننسى أنه بعد انتهاء الدولة الفاطمية، وتولى صلاح الدين الأيوبي حكم مصر عام 567 ه‍. أفتاه قاضيه صدر الدين بن عبد الملك بن درباس الشافعي بامتناع اقامة خطبتين في بلد واحد كما هو مذهب الإمام الشافعي، فأبطل صلاح الدين الخطبة والتدريس في الجامع الأزهر، وأقر الخطبة في الجامع الحاكمي بحجة أنه أوسع، ثم أعيدت إلى الأزهر الدراسة، وكان أول ما درس به من مذاهب أهل السنة مذهب الإمام الشافعي رضي اللّه عنه، ثم درست المذاهب الأخرى على التتابع، فلما تولى الملك الظاهر بيبرس حكم مصر عام 658 ه‍ لم يلبث أن أعاد الخطبة الى الجامع الأزهر عام 665هـ ‍- 1266 - 1267م.

وزاد بيبرس في بناء الجامع وشجع العلم والتعليم فيه، وأقام الأمير عز الدين أيدمر الحلى احتفالا رسميا عظيما في الجامع الأزهر، ابتهاجا بعودة الخطبة إليه، كما أقام احتفالا عظيما آخر في داره حضرهما رجال الدولة وقادتها، وكان هذا الأمير يجاور الأزهر بسكناه، وتبرع له الكثير من ماله الخاص، وجمع له الكثير من التبرعات من الدولة ومن الأمراء، وأخذ في ترميم مبانيه، وفي عمارته.

ولقى الأزهر من عناية الشعب الشيء الكثير فعاد الى حلقاته العلمية الازدهار والجلال، وبخاصة بعد أن دمر المغول في غزواتهم كل معاهد العلم في العالم الاسلامي، وبعد أن قضى الاسبانيون على المدارس الإسلامية في الأندلس، ولم يبق في العالم الإسلامي على رسالة العلم والثقافة وبناء الحضارة غير الأزهر الشريف.

ولما فتح سليم الأول العثماني مصر، أخذ يظهر التودد إلى العلماء، والرعاية للأزهر، ويكثر من زيارته والصلاة فيه، وأمر بتلاوة القرآن به، وتصدق على فقراء طلابه.

وفي عام 1004 ه‍- 1595 م جدد الأزهر وإلى مصر العثماني الشريف محمد باشا في عهد السلطان العثماني محمد الثالث، ورتب لطلبته الفقراء طعاما يجهز لهم كل يوم، فكان ذلك حافزا كبيرا على زيادة الاقبال عليه.

ولم يكن للأزهر قانون معين، حتى عام، 1288هـ ‍- 1872م، ففي هذا العام، وفي عهد شيخه الشيخ محمد العباسي وضع قانون للتدريس في الأزهر صدر به مرسوم خديوي بتاريخ 22 من ذي القعدة عام 1287ه‍ - 3 فبراير 1872م.

ونص فيه على ما يلي:
1 - أن يكون الحصول على شهادة العالمية بامتحان يجري على يد لجنة من العلماء يختارهم شيخ الجامع.

2 - أن يقسم العلماء إلى درجات ثلاث: أولى وثانية وثالثة.
3 - أن تكون العلوم التي يمتحن فيها الطلاب هي: الفقه-الأصول- التوحيد-الحديث-التفسير- النحو - الصرف - البلاغة - المنطق.


ولم يكن يسمح بدخول الامتحان إلا لستة من الطلاب، فإذا ازداد العدد يرجح منهم من امتاز بالشهرة أو بكبر السن.

وفي عام 1312 ه‍- 1895 م في عهد الخديو عباس الثاني وضع قانون جديد للأزهر، ألف بمقتضاه مجلس لإدارة الأزهر من أكابر شيوخه الممثلين للمذاهب الأربعة، ومن ممثل للحكومة.

ولا ننسى أن أقدم أساتذة الأزهر كان هو القاضي أبو الحسن علي بن النعمان (- 374 ه‍) فهو أول أستاذ ألقى درسا في الأزهر-ثم تلاه أخوه القاضي محمد بن النعمان (- 389هـ ‍- 999م) ثم ابنه الحسين بن النعمان قاضي الحاكم بأمر اللّه الفاطمي.

ومن أساتذته أبو عبد اللّه القضاعي الفقيه والمؤرخ (454ه‍ - 1062م) وكان هو سفير المستنصر باللّه الفاطمي إلى قيصرة القسطنطينية «تيودورا» لعقد صلح بين مصر والامبراطورية الرومانية الشرقية، ومن كتبه «المختار في ذكر الخطط والآثار».

ومن الأساتذة كذلك الأمير المختار عز الملك محمد المشهور بالمسبحي (420ه‍ - 1029م) وهو من أقطاب العلماء ومشهوريهم وله كتاب بعنوان «أخبار مصر وفضائلها».

ومنهم كذلك الشاطبي (538 - 590ه‍ -1194م) إمام القراءات في عصره.

وممن قام بالتدريس في الأزهر المؤرخ عبد اللطيف البغدادي (- 629 ه‍)، وقد قدم على مصر عام 589ه‍ - 1193م، وتولى التدريس بالأزهر أعواما عدة، في مواد الكلام والبيان والمنطق، كما ألقى بعض دروسه الطبية في حلقات خاصة.

وكذلك الشاعر الشيخ الصوفي الكبير شرف الدين عمر بن الفارض (- 632 ه‍- 1234 م)، وابن خلكان شمس الدين (- 680 ه‍- 1281 م) الذي وفد على القاهرة عام 637 ه‍- 1239 م.

وكذلك ابن هشام أمام العربية في مصر (-646 ه‍)، وشيخ المؤرخين ابن خلدون (- 808 ه‍- 1406 ه‍).، ولما قدم ابن بطوطة إلى مصر عام 726 ه‍- 1325 م زار الأزهر، وتعرف بعلمائه وذكر بعضهم، ومنهم: قوام الدين الكرماني-شرف الدين الزواوي المالكي-شمس الدين الأصبهاني (راجع الرحلة لابن بطوطة ص 25).

وكذلك ممن درسوا في الأزهر ابن حبان الغرناطي العالم اللغوي المشهور، حيث كان يلقي دروسه فيه.

وكذلك المؤرخ المشهور تقي الدين المقريزي.

ومنذ أواخر القرن الثامن قلما نجد شيخا مشهورا أو أستاذا كبيرا، لم يأخذ مجلسه في الأزهر، وبحسبنا أن ابن خلدون شيخ المؤرخين اتخذ حلقة علمية له فيه، وكان تدريسه في الأزهر وجلوسه في حلقاته العلمية، حدثا علميا كبيرا.

وممن درسوا فيه كذلك: تلميذ ابن خلدون المؤرخ المشهور العلامة المغربي محمد تقي الدين الفاسي (- 842 ه‍).

ومن شيوخه كذلك: الإمام شهاب الدين بن عبد الحق السنباطي (- 950 ه‍- 1543 م)، والشيخ الخرشي المالكي شيخ الجامع الأزهر (- 1101 ه‍- 1689 م)، والشيخ إبراهيم بن محمد البرماوي (- 1106 ه‍- 1695 م) وكان من شيوخ الأزهر الشريف، والشيخ حسن بن علي الجبرتي (- 1116 ه‍- 1704 م) وهو جد المؤرخ الشيخ عبد الرحمن الجبرتي.

ومنهم كذلك العلامة المغربي شهاب الدين المقري (-1041 ه‍- 1633 م) وقد وفد على مصر عام 1027 ه‍-1618 م ومنذ ذلك التاريخ لازم التدريس في الجامع الأزهر، وأقبل على حلقته العلمية الأساتذة والطلاب.

ومنهم كذلك الشيخ الإمام الصوفي عبد الغني النابلسي الذي زار مصر عام 1105 ه‍، والذي تصدر حلقة علمية من حلقاته، وكذلك مرتضى الزبيدي اليمني صاحب شرح القاموس، وكان من كبار العلماء في الحديث واللغة والأدب، وكتابه «تاج العروس من جواهر القاموس» مشهور، وقد ترجم له تلميذه الجبرتي في تاريخه (2 ص 208 - 220 عجائب الآثار للجبرتي).

ومن أعلام شيوخه ومدرسيه الإمام محمد عبده (- 1905 م) مفتي مصر، ومصلح الأزهر، ومنشىء مكتبته، وواضع أهم قوانينه.

وكان يلقي دروسه في التفسير فيه في الرواق العباسي.

وممن تخرجوا فيه أو درسوا فيه طائفة كبيرة من أعلام نهضة مصر، ومنهم الزعيم أحمد عرابي، وسعد زغلول، وعبد اللّه فكري باشا (1889م)، والمنفلوطي (1924م)، والشيخ محمد شاكر (1939م)، والشيخ عبد العزيز البشري (1943م)، والشيخ أحمد الزين، ود. زكي مبارك (1952م)، وطه حسين، وأحمد حسن الزيات، وغيرهم.

ومن أعلام المتخرجين فيه كذلك: الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري (1888م) والشيخ حسين المرصفي (1889م)، والشيخ حمزة فتح اللّه (1918م)، والشيخ سيد المرصفي (1931)، وغيرهم.

وقد تولى مشيخة الجامع الأزهر منذ العصر العثماني إلى اليوم ثمانية وأربعون شيخا، أولهم الشيخ محمد بن عبد اللّه الخرشي المالكي المتوفى في 17 من ذي الحجة عام 1101 ه‍.

ومنهم: الشيخ البرماوي (-1106 ه‍) والنشرتي (-1120 ه‍)، والشيخ عبد اللّه الشبراوي أمام الصوفية في عصره (1092 - 1171 ه‍) ومنهم الشيخ عبد اللّه الشرقاوي الشافعي (1150 - 1227 ه‍: 1737 - 1812 م) والشيخ حسن العطار (- 1250 ه‍)، والشيخ مصطفى العروسي، والشيخ محمد العباسي المهدي، والشيخ محمد الإنبابي، والشيخ حسونة النواوي، والشيخ عبد الرحمن النواوي، والشيخ سليم البشري المتوفى في 17 من أكتوبر عام 1917 م، والشيخ أبو الفضل الجيزاوي ثم الشيخ المراغي، والشيخ الأحمدي الظواهري، والشيخ المراغي للمرة الثانية حتى توفي عام 1945، ثم الشيخ مصطفى عبد الرازق (- 1948)، فالشيخ مأمون الشناوي، فالشيخ إبراهيم حمروش، فالشيخ عبد المجيد سليم، فالشيخ محمد الخضر حسين، فالشيخ عبد الرحمن تاج، فالشيخ محمود شلتوت، فالشيخ حسن مأمون، فالشيخ محمد الفحام، فالشيخ عبد الحليم محمود، فالشيخ محمد عبد الرحمن بيصار شيخه الذي تولى مشيخة الأزهر.

ولا ننسى ثورات الأزهر الوطنية، ثورة الشيخ الدردير التي وضعت أول ميثاق لحقوق الإنسان، وثورة الشيخ عبد اللّه الشرقاوي التي ألزمت الحكام المماليك بالعدالة في معاملة الشعب، ثم ثورة عرابي، وثورة عام 1919، وهما اللتان أيدهما الأزهر وشارك فيهما مشاركة فعالة..

ولا ننسى كذلك ثورة القاهرة الأولى والثانية التي قام بها الأزهر من أجل تحرير مصر من الاحتلال الفرنسي.

وبعد، فهذا هو الأزهر، وهذا هو تاريخه الحافل، في بناء الثقافة والفكر والحضارة في مصر الإسلامية، بل في العالم الإسلامي كافة. ولا يزال الأزهر يتصدر حتى اليوم الجامعات الإسلامية في العالم الإسلامي.

وسوف تحتفل مصر الخالدة بالعيد الألفي للأزهر بعد شهور قليلة، لتقدم باسمها وباسم العالم الإسلامي لهذه الجامعة العريقة كل عرفان بالفضل، وتقدير للصنيع، على ما قام به طوال ألف عام من بناء للفكر وللوطن وللإنسان.


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالأحد 23 أبريل 2017, 12:06 am

ترجمة القرآن الكريم
=============
اقترح شيخ الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات العالمية وتقدم بها مشيخة الأزهر بمساعدة وزارة المعارف وأن يقرر مجلس الوزراء المصري الاعتماد اللازم لذلك المشروع الجليل.

وذلك في خطاب بعث به الشيخ المراغي إلى رئيس مجلس الوزراء في مصر.

وقد ناقش المشروع كثير من الناس، وكتب الشيخ محمد سليمان القاضي الشرعي كتابا بعنوان «حدث الأحداث في الإسلام الإقدام على ترجمة القرآن»، وأخرج محمد مصطفى الشاطر كتابه «الرد على مشروع ترجمة القرآن الكريم».

فأصدرت جماعة كبار العلماء في الأزهر الشريف فتوى بإجازة ترجمة معاني القرآن الكريم، وقع عليها الأعضاء، وهم:
- محمود الديناري شيخ معهد طنطا.
- عبد المجيد اللبان شيخ كلية أصول الدين.
- إبراهيم حمروش شيخ كلية اللغة.
- محمد مأمون الشناوي شيخ كلية الشريعة.
- عبد المجيد سليم مفتي مصر.
- محمد عبد اللطيف الفحام وكيل الأزهر.
- دسوقي عبد اللّه العربي.
- يوسف الدجوي.
- محمد سبيع الذهبي شيخ الحنابلة.
- أحمد الدلبشاني.
- عبد المعطي الشرشيمي.
- عبد الرحمن قراعة.
- أحمد نصر.
- محمد الشافعي الظواهري.

وبعد ذلك أصدر مجلس الوزراء قرارا بالموافقة على ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسمية في جلسته المنعقدة في 16 أبريل 1936.


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالأحد 23 أبريل 2017, 12:16 am

شيخ جامعة الأزهر الحالي
الدكتور محمد السعدي عوض فرهود
=====================
عَلَمٌ من أعلام الأزهر المعاصرين، وشيخٌ جليلٌ من كبار شيوخه.

ولد بمدينة الزرقا بمحافظة دمياط في أول يناير سنة 1923.

وحصل على الابتدائية الأزهرية من معهد دمياط سنة 1939.

وعلى الثانوية من معهد الزقازيق الأزهري سنة 1944.

وتخرج في كلية اللغة العربية سنة 1948.

وحصل على دبلوم معهد التربية العالي للمعلمين سنة 1950.

ودبلوم الدراسات العليا للمعلمين سنة 1954.

ودورة الصحافة المدرسية سنة 1956.

ودبلوم معهد الدراسات العربية العالية في الدراسات الأدبية واللغوية سنة 1956 م.

والماجستير بتقدير ممتاز في الدراسات الأدبية سنة 1958.

والدكتوراه في الأدب العربي الحديث سنة 1967 بمرتبة الشرف الأولى.

بدأ وظيفته مدرسا بمدرسة سوهاج الثانوية سنة 1950.


ثم اختير للتدريس بالمدارس النموذجية سنة 1954.


وهو أول مدرس للغة العربية بالمدرسة الثانوية النموذجية للمتفوقين سنتي 1956، 1957.

شغل عدة وظائف أخرى منذ سنة 1957 منها:
عضو فني وباحث بإدارة البحوث الفنية والمشروعات بوزارة التربية والتعليم (1957).

عضو فني ووكيل إدارة قسم آسيا بالسكرتارية الفنية للجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية بوزارة التعليم العالي (1959).

مدير مساعد المركز الثقافي العربي بالرباط بالمملكة المغربية (1960).

مدير إدارة الخطة بوزارة العلاقات الثقافية الخارجية (1964).

مستشار بوزارة الإرشاد القومي (1966).

عضو مكتب وزير الدولة لشئون الأزهر (1966).

انضم إلى هيئة التدريس في قسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالقاهرة سنة 1968، ثم رقى أستاذا للأدب والنقد في التاسع من مارس سنة 1977 م.

اختير وكيلا لكلية اللغة العربية بأسيوط سنة 1973، ووكيلا فعميدا لكلية اللغة العربية بالمنصورة سنة 1976 حيث شارك في إنشائهما ووضع أسس العمل بالكليات الإقليمية الناهضة بجامعة الأزهر.

انتدب في سبتمبر سنة 1979 وكيلا لجامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث وفي أغسطس سنة 1980 عين نائبا لرئيس الجامعة لشئون الدراسة والتعليم والطلاب.

عين وكيلا للأزهر -بدرجة وزير- في 16/ 2 / 1981.

وهو أول وكيل للأزهر يعين بهذه الدرجة.

عين رئيسا لجامعة الأزهر في أول سبتمبر 1983.

نشاطه:
*عضو المجلس الأعلى للجامعات بمصر.

*عضو مجمع البحوث الإسلامية.

*عضو مجلس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.

*عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

*عضو نائب رئيس رابطة الجامعات الإسلامية.

*عضو المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي.

*عضو المجلس القومي للثقافة والآداب والفنون.

*عضو مجلس اتحاد الإذاعة والتلفزيون بمصر.

رئيس اللجنة الدينية باتحاد الإذاعة والتلفزيون.

*رئيس مجلس إدارة مركز صالح عبد اللّه كامل للدراسات والبحوث الاقتصادية بجامعة الأزهر.

*رئيس مجلس إدارة المركز الدولي الإسلامي للبحوث السكانية بجامعة الأزهر.

*أشرف على أكثر من 60 رسالة ماجستير ودكتوراه، وناقش أكثر من مائة وخمسين رسالة جامعية في الدراسات الأدبية والدينية والتربوية.

-أستاذ غير متفرغ بكلية اللغة العربية بالمنصورة للإشراف على الدراسات العليا بها منذ تعيينه وكيلا للأزهر.

*مقرر اللجنة العلمية الدائمة للترقية إلى وظائف الأساتذة بجامعة الأزهر.

-بدأ منذ أول يناير سنة 1983 تفسير القرآن الكريم في برنامج يومي بإذاعة القرآن الكريم من القاهرة تحت عنوان (على هامش التلاوة) والبرنامج مستمر.

مؤلفاته:
- له عدة مؤلفات في الدراسات الاسلامية والأدبية منها:
- في البيان القرآني:
1 - تفسير سورة الرعد.
2 - وتفسير سورة إبراهيم.

- في الحديث النبوي:
1 - التعريف بالحديث الشريف.
2 - وفي رحاب الهدي النبوي.
3 - والهدية السعدية شرح الأربعين النبوية.

- في الدراسات الأدبية:
1 - ابن زيدون وشعره.
2 - والوصف في شعر المتنبي.
3 - والاتجاهات الفنية في شعر عبد الرحمن شكري.
4 - والتيار الفكري في شعر شكري.
5 - والتيار الاجتماعي في شعر شكري.
6 - والنديم الأديب
7 - والنبع الصافي.
8 - والكوثر العذب.

- في الدراسات النقدية:
1 - اتجاهات النقد الأدبي العربي.
2 - وقضايا النقد الأدبي.
3 - والمذاهب النقدية بين النظرية والتطبيق.
4 - ونصوص نقدية لأعلام النقاد العرب.

- في الدراسات البلاغية:
1 - أسرار البلاغة في التشبيه والتمثيل.
2 - ومبحث التقديم في دلائل الإعجاز.
3 - والعبارة وتأليفها بين كتابي نقد النشر والبرهان.

- في الدراسات اللغوية:
1 - فن القريض.
2 - ومن أدب الكاتب.
وأتم تفسيرا كاملا للقرآن الكريم في عدة أجزاء كبيرة.


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالأحد 23 أبريل 2017, 12:42 am

الإمام نافع الخفاجي الكبير
1250 ه‍- 1834 م- 1330 ه‍- 1912 م
========================
إمام كبير، وعالم جليل، وأديب نابغة، وفقيه مجتهد، عنه مصادر واسعة تحدثنا عنه في إفاضة وسعة ودقة تحقيق وتحليل.
ترجم لنفسه في صدر معلقته الخفاجية ترجمة طويلة مستفيضة سننقل عنها في إيجاز واختصار، قال: «نافع الخفاجي بن الجوهري بن سليمان بن حسن بن مصطفى بن أحمد الخفاجي التلباني من بني خفاجة وأمي من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب، وجدتي أم والدي من بني شاكر ولهم اتصال في شرف الحسب.

«و كان مولدي في حدود سنة 1250 ه‍، «و كنت بعد سن التمييز في مغرس طيب النبت عزيز، في حجر والدي، ممتعا بذخائر طريفي وتالدي، مربى بغذاء النعم في الظاهر والباطن، في النعيم المقيم بأرفع المساكن، ومقام والدي الجوهري غني عن المدح، والورق بأوكارها لا تعلم الصدح».

«و حفظت القرآن ولي دون اثنتي عشرة سنة، ثم حفظت المتون كمتن أبي شجاع ومنهج الفقه وألفية ابن مالك والأجرومية والرجبية والجزرية والجوهرة والسنوسية ومتن السلم وتحفة الميهي ومتن السمرقندية ومتن الزبد لابن رسلان وغيرها»، فلما درجت من عشى تركت تلك النعم المتكاثرة ورحلت في طلب العلم إلى القاهرة».

«كان وصولي الأزهر أواخر سنة 1271 ه‍ ثم في أول سنة 1272 حضرت ابن قاسم والكفراوي، وفي سنة 1273 حضرت البرماوي والكفراوي أيضا، وفي هذه السنة زلزلت الأرض والبلاد زلزلة عظيمة هدمت منها بعض البيوت والمآذن بمصر، وفي سنة 1274 حضرت شرح الخطيب ثانيا وشرح الأزهرية وحاشيته وشرح القطر، وفي هذه السنة توفي أخي محمد الغندور، وفي سنة 1277 حضرت التحرير وشرح القطر ثانيا وشرح الشذور».

«حضرت على سيبويه زمانه وعلامة عصره وأوانه شيخ الإسلام وتاج العلماء الأعلام شيخنا إبراهيم الباجوري طيب اللّه ثراه وجعل الفردوس مأواه، فحضرت دروسه في المنهج والتحرير وكتب الحديث والتفسير، وهو الإمام الذي اقتدت به علماء الأمصار، وتنزهت من فضائله في حدائق ذات بهجة وأنوار».

وقرأت على من رقى في معارج الفنون مولانا الشيخ إبراهيم السقا شرح الجامع الصغير وشيئا من كتب التفسير، وقرأت الفقه وشيئا من الحديث على الشيخ محمد الأشموني، وقرأت على شيخنا الخضري شرح المنهج والتحرير والنحو والبيان، ونافست في الجد والطلب جميع الإخوان، وقرأت على الشيخ مصطفى البدري شيئا من الفقه والنحو وغيرهما، وقرأت على الشيخ الرهابيني شيئا من المنطق والنحو والبيان، وكتب لي بخطه أجازة (موجودة لدى صورتها الخطية)، وهي «تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام، المحي مآثر الأعيان، بنشر ثنائهم المخلد في صحائف الأيام، والصلاة والسلام على أفضل الرسل الكرام، وعلى آله وصحبه ما طرز البرق برود الغمام أما بعد فقد سألني الأخ في اللّه تعالى الشيخ العالم العلامة نافع بن الجوهري بن سليمان الخفاجي التلباني أن أجيزه بجميع مروياتي من فقه وحديث وتفسير ونحو ومنطق وبيان وبديع وعروض من معقول ومنقول وإفتاء وتدريس وكل ما أخذته عن مشايخي الأجلة، لكونه وسمني بسمة العلم ولست من أهله:

إذا كان الزمان زمان سوء فيوم صالح فيه غنيمة

فعلمت لياقته لذلك فقلت:
 أجزته بجميع مروياتي من مشايخي الأخيار، وما لهم من التآليف والآثار، وأوصيه بتقوى اللّه والوقوف على حدود شريعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأن يتحرى في القول والعمل، وأن لا ينساني من صالح دعواته، صانه اللّه وحماه، وقلد جيد مجده بفرائد حلاه».

وتاريخ هذه الإجازة جمادى الآخرة سنة 1283 ه‍.

ونظرت في كتب المذهبين: مذهب الشافعي والنعمان، مؤسسا على الأصلين من مشايخ العصر، متنزها في حدائق السحر، وشحا لآدابي بحلل النظم والنثر».

ومن أجل من أخذت عليه شيخنا الرافعي، قرأت عليه شرح الشفا وقطعة من البخارى فأجازني بذلك» «و ممن قرأت عليه الشيخ على الملبط، حضرت عليه طرفا من العلوم وشيئا من حديث الرسول فأمدني بدعاء لا شك أنه على أكف القبول محمول، ومنهم الشيخ النجريدي كان ينوه باسمي ويفتح جريدته برسمي. ومنهم شافعي زمانه وعلامة أوانه الشيخ نور الدين المنوفي، حضرت دروسه الفقهية»، «و حمدت في طلب العلم السري، ونبهت عيون حظي من سنة الكرى؛ وقلت: دار بدار، والعمر فرصة فالبدار.

وكل ما تهواه حسن:
وليس لما قرت به العين ثمن، ففارقت من فارقت غير مذمم. ويممت من يممت خير ميمم وأخذت الفقه والنحو والتوحيد والفرائض والبيان والمنطق والتفسير والحديث عن جماعة من الشيوخ، وقد فتح اللّه علي في علوم الفقه والفرائض والتوحيد والتفسير والحديث والنحو والمنطق والبيان واللغة والعروض والإنشاء والطب والحساب، والحروف والأوقاف والتاريخ.

ودون هذه:
أصول الفقه والتصريف والاشتقاق والجدل والوضع، ودونها:
القراءات ولم آخذها من شيخ: ولضيق يدي عن شراء ما أحتاج إليه من الكتب كنت أطالع كل ما أمكنني مطالعته».

ثم أذكر جملة أسماء الكتب التي قرأها على العلماء أو طالعها أو حفظها وكانت كثيرة جدا تفوق على الألف كما يقول هو في مقامته، ونلاحظ أن من الكتب التي قرأها في فن العربية والأدب وما يتصل به هذه الكتب:
الوسيلة الأدبية للمرصفي، حلبة الكميت؛ أساس البلاغة للزمخشري، أدب الكاتب لابن قتيبة، صحاح الجوهري، فقه اللغة، المزهر، المثل السائر، شفاء الغليل، الشفا في بديع الاكتفا للنواجي، تاريخ ابن خلدون؛ ابن خلكان، الخطط للمقريزي، حسن المحاضرة للسيوطي، نفح الطيب، الأغاني، الكامل لابن الأثير، الغناء في دمشق الفيحاء، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، آثار البلاد للقزويني، الخصائص للسيوطي، المسامرات لابن عربي، فاكهة الخلفاء، فوات الوفيات، الخزانة، مقاماتالحريري وشرح الشريشي عليها، طراز المجالس للشهاب الخفاجي، الكشكول، الموازنة للآمدي، قلائد العقيان، يحانة الألباب للشهاب الخفاجي، حديقة الأفراح، رسائل الخوارزمي والبديع، حياة الحيوان للدميري، ثمرات الأوراق، شرح رسالة ابن زيدون، ديوان الصبابة، المستطرف، الإنشاء للعطار، إنشاء مرعي، ربيع الأبرار، شرح ديوان ابن الفارضي، شرح لامية العجم، شرح ديوان امرىء القيس، سوى الدواوين الكثيرة التي قرأها، وذلك كله مما يوقفنا عليسر ثقافته الأدبية.

ثم قال: «ومصنفاتي في هذا الوقت تبلغ الخمسين ولم يكن لي شغل بالليل والنهار سوى المطالعة:
ولدي الآن صورة خطية للأجازة العلمية التي كتبها له الشيخ الباجوري.
بدأها بالحمد والصلاة على الرسول في إفاضة، ثم أفاض في فضل العلم.

إلى أن قال:
«و إن ممن قدم علينا بمدينة القاهرة، التي هي بالمحاسن ظاهرة، وبأكابر العلماء زاهرة، وبمدارس العلوم عامرة، وروضتها بأنفاس أكابر العلماء عاطرة، وأشعة شموس علومهم بها باهرة، لا سيما الجامع الأزهر والمسجد الأنور، الذي فيه العلوم تقرر، وبساط العرفان ينشر، فهو بذلك عن كل المساجد متفرد، وبتلك الخصيصة مشهور لمن إليه يرد، تجني من رياض دروسه ثمار العلوم، وتنبت -كما ينبت البقل- بأرضه الفهوم، فمحله في الفضل غير منكور.

ومهارة علمائه في الفنون أمره مشهور:
العالم الفاضل الماهر الكامل، الألمعي اللوذعي، صاحب الأفهام الدقيقة، والمعاني الدقيقة، نافع الخفاجي التلباني، وقد أخذ المذكور عن علمائه ومشاهير فضلائه؛ وتفيأ في ظلال معارفهم، واقتطف أزهار لطائفهم، وتعطر بعبير أنفاسهم، واستضاء بمشكاة نبراسهم، حتى حصل من علمهم الجم، وغاص على تلك اللآلىء في ذلك اليم، وجد واجتهد، وحرر وقيد، فربحت تجارته وحسنت شارته وعظمت فائدته، وجلت عائدته، وامتلأ وطابه، وشرف بالانتماء إلى العلم انتسابه، ولما حن حنين الفحل إلى وطنه، وأراد الرجوع إلى وطنه؛ زودته بالدعوات الصالحات، وكسوته حلل الكرامة بتسطير الإجازات، رجاء الانتظام مع هؤلاء العداء، فقلت: أجزت المذكور بكل ما تجوز لي به الرواية، وما تلقيت عن أشياخي -ضاعف اللّه أجورهم- رواية ودراية، وبما لي من تأليف وتصنيف».

وتحمل هذه الإجازة هذا الامضاء:
«الفقير إبراهيم الباجوري-خادم العلم.

ومع هذه الوثيقة صورة أخرى لرجاء أساتذته:
الشيخ الملط والشيخ البدري والشيخ علي محمد المرفوع إلى شيخ الجامع الأزهر لإعطاء «ولده الفقير خفاجي بن الجوهري خفاجي من أهالي ناحية تلبانة بولاية الدقهلية تذكرة أسوة بأمثاله بإكرامه وعدم المعارضة له بطريق ما وإجازته بكل ما أفتى وما فعل، والعهدة علينا في ذلك».

ويلي ذلك إجازة شيخ الأزهر له ومنها:
 «انتظم المذكور في سلك العلماء وأخذ عن الشيوخ الموجودين في هذا العصر بعضا من العلوم؛ ودأب في التحصيل فمنح دقائق الفهوم، فأجازه أشياخه بما أخذ عنهم تلقاه منهم، ولما أراد الرجوع إلى وطنه التمس إجازته بما تجوز له روايته وتنسب له عن أشياخه درايته، فسارعت لسؤاله، وبادرت لتحقيق آماله، فأجزته بما تجوز لي روايته من منقول ومعقول وما تنصرف إليه همم أرباب العقول، وعليه العمل بتقوى اللّه وأن لا ينساني من دعواته الخ».
وعاد الفتى الشاب العالم من القاهرة يحمل معه إجازته العلمية واستقر أخيرا في قريته.
لا نعلم في أي تاريخ عاد من مصر إلى تلبانة ولكنه على كل حال عاش في البلدة ضجرا ملولا كارها لجوها وللحياة فيها.

يقول في مقامته:
فرجعت إلى بلدي فلم أجد بها أحد يحسن قراءة الفاتحة، وصرت فيهم غريب الفضل منفردا كبيت حسان في ديوان سحنون، وما زلت معتكفا في حرم المطالعة من كتاب قديم إلى كتاب جديد، حتى جذبتني حاجة الحياة إلى مخالطة الجهال الأغمار.

وأخذ يطالع ويدرس ويؤلف وينظم الشعر، ويتصل برجال إقليم الدقهلية، وكان صوفيا وخليفة السيد أحمد البدوي كما في وثيقة مخطوطة عام 1282 ه‍، وفيها يذكر مشايخه في الطريقة أولهم عمر الصاوي المالكي الحفناوي.

وصار بعد قليل كبير العلماء في هذا الإقليم وإمام الإفتاء فيه، والعلم المشار إليه بالبنان، وقصده الناس من كل جهة وحدب، وعاش مبجلا بين الناس في وسط بلده وأسرته.

تزوج أربع زوجات وخلف ذرية كبيرة صالحة، وكان ينفق في حياته بسخاء على أسرته الكبيرة الضخمة.

وأخيرا وبعد جهاد طويل وعمر حافل بجلائل الأمور وعظائم الأعمال توفي عام 1912 الموافق سنة 1330 ه‍ عن ثمانين عاما.

مؤلفاته:
اطلعت على فهرس لمكتبة هذا العالم الكبير المغفور له الشيخ نافع خفاجي بخطه فوجدته قد وضع الكتب في مجموعات كل مجموعة بحسب الفن الذي ألفت فيه، فعلم الفقه وعلم الحديث وعلم التفسير، وعلم التاريخ الخ، وكتب في كل مجموعة ما له من مؤلفات في هذا الباب.

وقد جمعت ما ذكره من مؤلفاته ووضعت لها أرقاما مسلسلة وهي:
1 - الطب لنافع الخفاجي.

2 - رسالة الكيمياء لنافع.
3 - الألغاز لنافع وهو موضوع في «مجموعة الحكم ومجموعة العلم والأمثال والألغاز والمسائل».
4 - مناسك الحج لنافع.
5 - مسامرات نافع.
6 - شرح كنز الطالبين في التوحيد لنافع الخفاجي.
7 - العقد الفريد في علم التوحيد لنافع الخفاجي.
8 - ديوان نافع الجوهري في الخطب والمواعظ.
9 - مجموعة خطب نافع مرتبة على حروف المعجم «و هي خطب دينية».
10 - تحفة الأذكار لنافع الجوهري «في مجموعة الفضائل والأوراد».
11 - فضائل رمضان في آية القيام لنافع الخفاجي.
12 - فضل رمضان وفضل العيد لنافع الخفاجي.
13 - أوراد نافع.
14 - إعراب لا سيما.
15 - الزهر الفائح «في مجموعة التصوف والمواعظ».
16 - عنوان المجاوبة لنافع الخفاجي «كتاب إنشاء».
17 - إنشاء نافع خفاجي المجموع من الصحف.
18 - إنشاء نافع في المدائح وغيرها.
19 - الهجاء لجامعة نافع الخفاجي.
20 - المرائي لجامعة نافع الخفاجي. في مجموعة.
21 - الاعراضات لجامعة نافع الخفاجي، الأدب.
22 - الإفادات لجامعة نافع الخفاجي، والإنشاء.
23 - الأرجوزة المفحمة في المكاتبة والمخاصمة.
24 - تمرين القراء ودعاء الختم لنافع الخفاجي في مجموعة علوم القرآن.
25 - السيرة النبوية لنافع الخفاجي.
26 - الفلسفة لنافع الخفاجي.
27 - الجغرافيا لنافع.
28 - كتاب الأمثال والحكم المنظومة لنافع.
29 - الكواكب الدرية في المسائل الفقهية لنافع الخفاجي.

ومعظم هذه الكتب فقد مع مكتبته الكبيرة التي فقد الكثير منها بعد وفاته في حريق نكبت به البلدة، والباقي منها لا يزال غير معروف لي إلى هذا الوقت، وتوجد بقايا منها في مكتبة ابنه الأستاذ الكبير المرحوم الشيخ عبد اللطيف نافع خفاجي ولم أطلع عليها للآن.

أما الكتب الموجودة لدى من مؤلفاته فهي:
1 - رسالة تنوير الأذهان في علم البيان تأليف نافع الخفاجي بن الجوهري ابن سليمان التلباني الشافعي وهي دراسة واسعة للتشبيه والمجاز والاستعارة والكناية، وستتهيأ في المستقبل القريب أسباب طبعها إن شاء اللّه.

2 - مطالع الأفكار وتنوير الأبصار في علم المنطق لمؤلفه نافع الخفاجي التلباني.

3 - السر المكتوم والدر المنظوم في علوم المنطوق والمفهوم وهو كتاب في شرح جميع أنواع العلوم من فقه وأصول الدين وتوحيد وتفسير وتجويد وقراءات وعلم رواية الحديث وعلم دراية الحديث وأصول الفقه الخ.

والكتاب ليس كاملا كله ومن محتوياته أرجوزة في النكاح على مذهب أبي حنيفة وقد طبعها بعد في كتاب مستقل وسماها: «نصيحة الإخوان».

وهذا الكتاب فذ في نوعه فقد كتب في أسلوب مقامة أدبية، وكتابة العلوم بأسلوب أدبي يشرحها ويضيء جوانبها ويجعلها قريبة إلى العقل حبيبة إلى النفس مما لم يكن مألوفا قبل هذا الكتاب.

ويقول في مقدمته:
لما رأيت العلوم في يد الامتهان، وميدانها قد عطل من الرهان، وبواترها قد صدئت في أغمادها، وشعلها قد خمدت برمادها، عن لي أن أجمع هذه المقامة تحفة لكل أديب. وجعلتها ذكرى حبيب، وهي وإن كانت جزءا صغيرا وشيئا يسيرا، إلا أنه يرى على ما رواه تحت برديه، ويروي ظمأ كل وارد عليه، قطف من أزاهير الفنون كل مشموم بهي، وجمع من ثمار العلوم كل مطعوم شهي، وتحلى بفرائد العلوم الأدبية، وتجلى بنفائس الفنون الشرعية والعقلية، مع التحيل بأجمل حيلة على جمع فرائد الفوائد الجليلة في الأوراق القليلة، بشيء يحسن فيه جمع المتفرقات وإن كانت غير متناسبات، وتتألف به العلوم الشاردات وإن كانت متنافرات غير متوافقات.
وقد افتتحته بالعلوم الشرعية؛ وثنيته بالفنون العددية، وثلثته بالعلوم العربية ثم الفنون العقلية حتى فاقت على السبعين».
والجزء الموجود عندي يحتوي على ثلاثة عشر فنا من الفنون الشرعية، وسأوالي البحث عن باقي هذا الأثر الثمين، ولعلي أجده بفضل اللّه.
4 - كتاب «جواهر الكلم في منظوم الأمثال والحكم» من جمع وتأليف نافع الخفاجي التلباني»، وهو كتاب ضخم جدا.

ويقول فيه في مقدمته:
«قد جمعت في هذا الكتاب فصولا جامعة لحكم منظومة ونوادر مأثورة معلومة صدرت من كلام من تقدم من العلماء والخطباء وسلف من البلغاء والحكماء ممن أشرقت بأسمائهم صفحات الزمان وطلعت من أقمار سماء الإحسان، فأخذت بمجامع الأفكار وعمرت بها مشاهد التذكار، فصارت أنسا للسمار ونزعة للأسماع والأبصار وقد أثبت منها في هذا الكتاب مارق وراق وشحنت به الصحائف والأوراق من حكم مرفوعة وأمثال موضوعة»، ثم يتحدث في هذه المقدمة عن الشعر ومكانته وأثره، وحكمة رسول اللّه وبلاغتها ما روي منها، ثم يسرد بعد هذه المقدمة الطويلة ما روي من رائع الشعر في الحكمة والمثل عن كثير من الشعراء مرتبا لها على حروف المعجم في عدد ضخم من الصفحات، وألم فيه ببعض من شعره هو، والكتاب ذخيرة أدبية ثمينة وسنشرع في طبعه بإذن اللّه في أقرب فرصة ممكنة.

5 - المقامة الخفاجية (أو التلبانية) المسماة بمروج الذهب ورياض الأدب لمؤلفها نافع الخفاجي التلباني وهو مقامة ساحرة الأسلوب رائعة الديباجة ذكر فيها المناظرة التي كانت بينه وبين بعض الفقهاء أمام قاضي مركز السمبلاوين الشرعي، وصدرها بإهداء لهذا القاضي وكان صديقا حميما له ثم ترجم لنفسه فيها ترجمة وافية ثم ذكر المناظرة في بسط ومزيد تطويل وكيف انتصر على منافسيه جميعا وتجلت للناس كافة سعة ثقافته وقوة عقليته وقد ألفت بعد وفاة والده سنة 1294 ولا ندري السنة التي ألفت فيها بالتحديد.

ويقول في أولها فيما يقول:
«قد كنت وأدهم الشبيبة طرب العنان، وورقها أخضر مائس الأفنان، أتجر في بضاعة الأدب، فوردت سهل بحره الصافي وطالعت منه هامي العروض والقوافي، وكنت مغرما بصيد الشوارد، وقيد الأوابد، واستنبات الفضائل، واستنساخ أقوال الأمائل. ثم اتفق لي أن أشار إلى وأومأ لدى صدر المدرسين ومفيد الطالبين مولانا الشيخ محمد سيف الدين قاضي مركز السنبلاوين، أن أشنف سمعه الثاقب، بحلية أدب من الغرائب، وكان كثيرا ما يجاملني بحسن المجاملة، ويعاملني بلطف المؤانسة، فالتمس مني كتابا في الأدب يعذب وردا ومنهلا، قاصدا بذلك تنويه ذكرى، فأجبته مطيعا، ثم اتفق لي في هذا الأوان أن سألني من أمره مطاع لدى أن أملي جميع ما جرى لي بالمحكمة الشرعية الكبرى من المناظرات وما حصل لدى من المحاورات، فتلقيت أمره بالامتثال، وسلكت فيها طريقا لم تسلك قبلي لوارد، وبسطت فيها نمطا لم ينسجه ناسج، ولا نحا نحوه قاصد، ورسمتها مقامة تعرب بحسن معانيها عن لطائف المعاني، وتفصح عن عذوبة السجع بما يفوق رنات المثاني، قد احتوت على جد القول وهزله، ورقيق اللفظ وجزله وملح الآداب ونوادره، إلى ما وشحتها به من الآيات ومحاسن الكنايات، ورصفته فيها من الأمثال اللغوية واللطائف الأدبية والأهاجي النحوية والفتاوي اللغوية والرسائل المبتكرة والخطب المحبرة، فهي حقيقة أن تكتب بسواد للعيون، وأن تشتري بنفائس الأرواح لا بنقد العيون» إلى آخر ما يقول.

وهذا الوصف لهذه المقامة أقل في الواقع مما تستحقه من إعجاب وتقدير، ومن ميزاتها:
أولا: تحتوي على تاريخ للأسرة حتى عصر مؤلفها.
ثانيا: تحتوي على تاريخ لحياة هذا الرجل العظيم الذي ألفها.
ثالثا: وهي بأسلوبها الأدبي الممتاز مثل في البلاغة والبيان.
رابعا: ثم هي بهذا الأسلوب الساحر تبسط قواعد العلوم الشرعية واللغوية والأدبية وتعرض كل ما عرضت له منها عرضا يقبله الذوق وترتاح له النفس وتهش له المشاعر والوجدانات.
خامسا: احتواؤها على كثير من شعر المؤلف الخالد.
6 - المقامة السعفانية لمؤلفها نافع الجوهري الخفاجي وهي أقل بكثير جدا من حجم المقامة السابقة، وكلها هزل ممتع، وفكاهة بارعة.

يقول في أولها:
«حدثنا عجلان، عن أبي عطوان، عن أبي عيسى الهتان، عن ناظر الوسنان، عن أبي سعفان، عن أبي عيسى جوهري الزمان، عن راح الروح والريحان، عن أبي ثعلبة بن ثعلبان، قال مررت يوما على بلدة وريقة، خضراه نضرة أنيقة، يقال لها تلبانة عدي بن مضر، وإذا بها أربعة من الشبان، قد تحلى بألفاظهم فم الزمان، وتجلى بوجوهم ناظر الإنسان، وهم قيام على منابر الافتخار، بين من بها من الأقمار، فقلت لبعض من حضر: ما الخبر؟ فقال: إن بعض أصحاب المكاتب الأهلية، قد حضرت، وإن نواطق الألسنة التلبانية قد نظرت لما نضرت، واتفقت على عقد مجلس حافل، لاختيار من هو بآذان المسجد الجامع أحق وكافل، وها هي ذي أكابر المؤذنين قد صعدت المنابر، ليبدي كل إنسان حجته للناظر.
7 - رسالة في التحليل وطلاق الثلاث والحرام وغير ذلك تأليف نافع الخفاجي التلباني وتقع في أكثر من خمسمائة صفحة.
8 - تهييج الأشواق في حكم الخلع والطلاق تأليف نافع بن الجوهري الخفاجي التلباني. وهو غير كامل، والذي لدى منه أكثر من مائة صفحة.
9 - خطبة عبد الفطر لنافع الخفاجي وهي خطبة كبيرة.
10 - مواعظ شعرية مجموعة ومرتبة على حروف المعجم جمع نافع الخفاجي.
11 - قصة الإسراء والمعراج لنافع الخفاجي.
12 - قصة الإسراء المولد النبوي لنافع الخفاجي.
وهذه هي كل الكتب الموجودة عندي من مؤلفاته ويضاف إليها:
13 - ديوان شعر نافع خفاجي وموجود لدى جزء كبير منه بعضه مجموع في كراسة والبعض الآخر في مسودات كثيرة.

14 - كما يضاف إليها فتاواه الكثيرة الهائلة العدد ولدى العائلة كثير من الأوراق القديمة التي كتبت فيها هذه الفتاوي وهي في حاجة إلى الجمع ولكن ربما لا يتسنى ذلك وستضيع هذه الفتاوي الثمينة كما ضاع الكثير من كتبه، فيكون مجموع الكتب المفقودة والموجودة ثلاثة وأربعين كتابا، وفي اعتقادي أن مؤلفاته لا تقل عن السبعين وهي ثروة علمية ضخمة تضع صاحبها في الرعيل الأول من جلة العلماء الخالدين.

وقد وصلني بعد ذلك مخطوطات أخرى من تأليفه.

جملة مؤلفات الخفاجي المخطوطة الموجودة في مكتبتي:
1 - رسالة تنوير الأذهان في علم البيان.

2 - مطالع الأفكار وتنوير الأبصار في علم المنطق.
3 - السر المكتوم والدر المنظوم في علوم المنطوق والمفهوم.
4 - جواهر الكلم في منظوم الأمثال والحكم.
5 - المقامة الخفاجية أو التلبانية المسماة بمروج الذهب ورياض الأدب.
6 - المقامة السعفانية.
7 - رسالة في التحليل وطلاق الثلاث والحرام.
8 - تهييج الأشواق في حكم الخلع والطلاق.
9 - خطبة عيد الفطر، وخطبة عيد النحر.
10 - مواعظ شعرية.
11 - قصة الإسراء والمعراج.
12 - قصة المولد النبوي.
13 - أجزاء من ديوان نافع الخفاجي الشعري، ومنها: الأجزاء 1 و2 و6 و9 و10 و15.
14 - بعض فتاويه.
15 - رسالة في علم المنطق.
16 - رسالة الإعجاز في شيء من المسائل والألغاز. الجزء الأول والثاني والثالث.
17 - مجموع المراثي الجزء الأول والثاني والثالث.
18 - ديوان خطب نافع الخفاجي.
19 - مجموع في الميراث.
20 - الدر الثمين بشرح كنز الطالبين.
21 - عنوان المكاتبة.
22 - جزء صغير من كتاب في العروض.

كتب مفقودة لنافع الخفاجي:
- فضائل شهر رمضان لنافع
- سيرة الأنبياء لنافع
- ألغاز التاريخ لنافع
- مسائل التوحيد لنافع
- السيرة النبوية
- قواعد الحديث لنافع
- مناسك الحج لنافع
- الزهور الندية في الدروس النحوية
- الإنشاء لنافع
- خواص الحيوان والنبات لنافع
- الجزء 3 و4 و5 من أشعار نافع

- أشعار نافع
- الغزل لنافع
- جواهر الكلم في الحكم لنافع
- رسالة الطلاق لنافع
- مسائل الميراث لنافع
- رسالة صوم يوم الشك لنافع
- الحكم المبرم في الفقه ومختصر الحكم
- الكواكب الدرية في المسائل الفقهية لنافع
 - نفحات العطر في زكاة الفطر
- الفواكه الجنية في القواعد النحوية لنافع في النحو
- مجموع العلوم لنافع
- المسائل اللغوية لنافع
- ألغاز القراءات لنافع
- التحفة البهية في القواعد النحوية
- رسالة في البيان لنافع
- العقد الفريد لنافع
- الرمل لنافع
- لوامع الاشراق في الأوفاق لنافع
- إغاثة الملهوف في علم الحروف لنافع
- كشف الأحوال في ترتيب الأعمال لنافع
- البدر النوراني في الطب الجسماني لنافع
- الدرة المنتجة في الأدعية المجربة لنافع
- إغاثة اللهفان في تسخير الجان لنافع
- كفاية المهمات إلى قضاء الحاجات لنافع
- الفيض الرباني في علم الروحاني لنافع
- الكيمياء لنافع
- لوامع الإشراق في جلب الأرزاق لنافع
- رسالة في الميقات لنافع
- فضائل رمضان لنافع
- شرح الستين بخط أحمد نافع
- السر المكتوم في علم النجوم
- كنز الطالبين ومعدن الراغبين في علمي الفقه والتوحيد.
- تحفة الأدعية والأذكار
- التاريخ لنافع
- حكم وأمثال بخط نافع
- المفاكهات لنافع
- الحكايات لنافع
- الجغرافيا لنافع
- المسامرات لنافع
- الإفادات لنافع
- الإعراضات لنافع
- الفتاوي لنافع
- عنوان المكاتبة لنافع
- قواعد الحديث لنافع
- رسالة البسملة لنافع
- الهجاء لنافع


وأما مكتبة العلامة نافع الخفاجي فقد كانت مكتبة حافلة عامرة بالمخطوطات النفيسة، وكانت تبلغ 10698 كتابا ولكن أغلبها فقد في حريقين متتاليين في القرية والباقي بدد ولم يحافظ عليه، وكانت في حوزة خالي المرحوم العلامة الشيخ عبد اللطيف نافع الخفاجي.

شعره: نجد شعر هذا العالم الكبير في ثلاثة مصادر:
الأول: في ثنايا مؤلفاته الأدبية والعلمية.
الثاني: في أوراق كثيرة مهملة كانت محفوظة في مكتبته.
الثالث: في كراسة خاصة جمعها الفقيد الخالد من شعره بيده.


وشعره قسمان:
(أ) الشعر العلمي ونرى الكثير منه في مقامته «السر المكتوم والدر المنظوم» في علوم المنطوق والمفهوم» ومن هذا الشعر أرجوزته المطبوعة «نصيحة الإخوان في أحكام النكاح على مذهب النعمان».
(ب) الشعر الأدبي الوجداني وهو كثير.

صور من شعره:
قال: من قصيدة طويلة مذكورة في صدر المقامة الخفاجية:
مالي وللأيام ويح صروفها أبدا تلاحظني بعين عناد
وا حسرتا نال الزمان مراده مني ولم أظفر بنيل مرادي
لا مسعد يرجى ولا متوجع نشكو إليه حرارة الأكباد
سل مخبرات الشعر عني هل رأت في قدح نار الفهم مثل زنادي
لم تبق حلبة منطق إلا وقد سبقت سوابقها إليك جيادي
للّه در خفاجة أبرزتها من خدر فكرك في حلى الإنشاد
حظ من النظم البديع أفادني حظ الكرام وخطة الأمجاد

وقال:
خليلي في تلبان هل أنتما ليا على العهد أم غدا العهد باليا
وهل ذرفت يوم النوى مقلتاكما على كما أمسى وأصبح باكيا
وهل أنا مذكور بخير لديكما إذا ما جرى ذكر من كان نائيا
ودون الذي رام العواذل صبوة رمت بي في شعب الغرام المراميا
وقلب إذا ما البرق أومض موهنا قدحت به زندا من الشوق واريا
خليلي إني يوم طارقة النوى شقيت بمن لو شاء أنعم باليا
ولا تيأسا أن يجمع اللّه بيننا كأحسن ما كنا عليه تصافيا
أعد الليالي ليلة بعد ليلة وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
خليلي لا واللّه لا أملك الذي قضى اللّه في ليلي ولا ما قضى ليا
وما لهم لا أحسن اللّه حالهم من الحظ في تصريم ليلى حباليا


وبعد فشعر نافع الخفاجي كثير جيد رائع وهو في الصف الأول من شعراء عصره، وإنما لم تسر شاعريته ولا فضله لأنه آثر الحياة في هذه القرية النائية بعيدا عن القاهرة الصاخبة، ولو أقام في العاصمة لكان العلم المفرد في عصره في كل ناحية من نواحي حياته العظيمة.

وبعد فهذا هو نافع الخفاجي في شبابه وطموحه، في دراسته الطويلة المستقصية، وفي تآليفه الجيدة الممتعة، وفي أدبه الساحر وشعره الرائع.

وقد رثاه ابنه العالم الكبير نافع الخفاجي بمرثية طويلة جدا قال منها:
لو دام عيش بدنيا لما ذهبت منها مصابيح جود قد جلت ظلما
أو كان شهم بها يبقى لما حزنت لفقد شهم تناهى جوده وسما
المحسن العارف البحر الذي اغتزفت منه العفاة وعادت لا تخاف ظما
من كان في ذروة الإحسان ذا شرف وكم حوى من كمال واحتوى كرما
وكان ركنا له يهدي المقال إذا ما الأمر من مشكلات الدهر قد عظما
ومجلس الحكم منه فوقه هتفت هواتف البين إذ سر الندى هدما
ما للزمان أراع المجد أجمعه وبدل الدمع من تلك العيون دما
ما للزمان نراعي حسن معهده وما رعى قط في أحسابنا ذمما
استل من غمده بالقهر سيف علا ماضي الغرارين مرهوبا إذا انتقما
هو اللبيب الذي طابت مآثره كالروض حياه نوء المزن منسجما
وذو عزة لو بأيدي الناس مقودها ما زال فيه كريم النفس واهتضما
مضى وأبقى لنا الذكر الجميل على أيدي الزمان كتابا طاهرا رقما
ولي شريفا عفيف النفس طاهرها مهذب الخلق من عيب الورى سلما
يا ويح تلبانة من بعد ما وخدت به المنون تقل الفضل والكرما
لو كنت شاهده والنعش يحمله رأيت رضوي على أيدي الرجال سما
من للسياسة فينا بعد ما خسفت بدور رأي تنير الظلم والظلما
من للألي شيدوا من عزمه نعما واستوطنوا من علاه الصدر والقمما
إلى آخر هذه المرثية الخالدة الطويلة البليغة 1.

--------------------
1) المقامة الخفاجية.


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52575
العمر : 72

الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف   الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 Emptyالإثنين 24 أبريل 2017, 1:16 am

نافع الخفاجي 1
حفيد العلامة نافع الخفاجي الكبير
==================
هو العالم الشاعر الأديب نافع بن محمد بن نافع الخفاجي بن سليمان الخفاجي حفيد العالم الكبير الشيخ نافع الخفاجي الذي مرت ترجمته، وابن خالي الشيخ محمد بن نافع الخفاجي من أعيان الأسرة وأظهر شخصياتها، والدته آمنة طرباي من أقاربنا أسرة الطرباهية.

ولد في يوم الجمعة 2 شوال سنة 1322، الموافق 9 ديسمبر سنة 1604.

ثم تعلم الكتابة وحفظ القرآن الكريم وعكف على قراءة سير الأبطال كأبي زيد الهلال وعنترة وغيرها فنشأ بطبعه شاعرا ناضج ملكات القريض.
__________
1) ولد يوم الجمعة 2 شوال 1322 ه‍- 9 ديسمبر سنة 1904، وطلب للقرعة عام 1923 وأعفى لأنه طالب علم، وفي عام 1344 ه‍- 1926، نجح في امتحان النقل من السنة الأولى إلى الثانية الثانوية بمعهد الزقازيق وترتيبه 30 من 59، وفي عام 1930 م- 1349 ه‍ نجح في امتحان النقل من الثانية إلى الثالثة بالقسم العالي وترتيبه 89 من 222، وفي عام 1931 - 1350 ه‍ نجح في امتحان النقل من الثالثة إلى الرابعة بالقسم العالي وترتيبه 54 من 138 - وفي صيف عام 1932 نال العالمية من الأزهر، وشيعت جنازته يوم الثلاثاء 9 رجب 1359 ه‍ 13 أغسطس 1940.
---------------------
وذهب إلى المعهد الأحمدي بطنطا سنة 1919 ليتعلم فيه وأخذ منه الابتدائية عام 1932، ثم كان قد أنشىء في ذلك الحين معهد الزقازيق فالتحق به واستمر في دراسته إلى أن أصيب بمرض عصبي عضال كان يحول بينه وبين المشي وحده فأخذ يعالج نفسه منه ولكن العلاج لم يجد شيئا، اللهم إلا في تأخير زحف المرض على صحته، ثم أخذ الثانوية من الخارج من معهد الزقازيق عام سنة 1928 الموافق سنة 1346ه‍ ثم التحق بالقسم العالي بالأزهر ونال منه شهادة العالمية في يونيو سنة 1932 الموافق سنة 1351ه‍.

وعاد العالم بعد ذلك فأقام بالقرية يطالع في أسفار الأدب وينظم القريض ويعالج نفسه من مرضه العضال، ثم تزوج في سبتمبر سنة 1939 ووافاه أجله المحتوم في 13 أغسطس سنة 1940 - الثلاثاء 9 رجب سنة 1359 ه‍، فعليه رحمة اللّه ورضوانه.

شاعريته:
إذا تركنا الجانب العلمي لشخصية المغفور له الخالد نافع الخفاجي، وجدنا أهم مظهر في شخصيته هو الشاعرية الفذة الناضجة القوية الأسباب الوطيدة الملكات.

نماها في نفسه أثر الوراثة عن جده نافع الخفاجي الكبير، وقراءته وهو صغير لهذه القصص الحماسية الكبيرة كسيرة أبو زيد وعنترة، ثم عكوفه على كتب الأدب ومصادره الأولى ودواوين فحول الشعراء، نظم الشعر طفلا، وكانت كل حياته مظهرا لهذه الشاعرية الناضجة.

كان مرضه يحول بينه وبين كل شيء إلا الشعر، رسم فيه صورة لحياته التي كان يحياها، وعواطفه التي كانت تجيش بها نفسه، عبراته التي كان يسكبها على آماله المحطمة، وصحته المكدودة، وسنتحدث عن شعره في تفصيل بعد قليل.

شخصيته:
كان الفقيد المغفور له قوي الملكات، ناضج العقلية، واسع الثقافة، لا يغلب على رأي، ولا تتلعثم في لسانه حجة، وكان قوي الحجاج شديد الجدل، كما كان جذاب الشخصية، وديع النفس، بعيد التفكير، معتدا بنفسه ورأيه، يأبى أن تهأن كرامته، ويقف في سبيل ذلك مواقف العناد واللجاج.

وكانت حياته كلها آلاما وأحزانا، بكى لمرضه، وبكى لآماله الذاوية، وبكى لجسده المحطم، ويئس من الحياة، وأخذت أشباح الموت ترتسم في ذهنه وأمام بصره، حتى هدت قوته وحطمت كيان صحته، وخر صريعا بيد الأمل.

شعره:
جمعت معه شعره الضخم كله في ديوان، ثم عرض عليه ناظر المدرسة تلبانة الإلزامية -وكان اسمه الشيخ عبد الباسط- أن يأخذ ديوانه لطبعه فأعطاه له، وظل لديه أكثر من ثلاث سنين، ثم مات الفقيد، فأنكره وادعى أنه فقد من المطبعة التي سلمه إليها.

وعلى أية حال ففقدان هذا الديوان الثمين لم يحل بيني وبين جمع كثير من أصول قصائده الشعرية، مما نشرته في كتابي «بنو خفاجة». .

ومن شعره قوله يهنىء ابن عمه محمود عمر خفاجي بالليسانس:
أهلا وسهلا طالع ميمون فليهنأ التشريع والقانون
فخر لمدرسة الحقوق وعزة وفخارها بنجاحه مقرون
أوتيت سؤلك والعدالة ترتجى قسا بشخصك للحقوق يبين
يا عبقريا للطروس يساره ترجى وللأقلام منه يمين
فخر لأصل أنت بعض فروعه دنياك وافت واطمأن الدين
شيدت مجدا في ذرا الأهرام لم يدركه رمسيس ولا أخناتون
لسواهم الأهرام والذكرى لهم لكن جهدك بالخلود قمين
سر في سبيل المجد فالتاريخ في صفحاته لك موضع مرهون
إن رمت تهنئة فإني عاجز من ذا أهنىء لا أكاد أبين
أأهنىء الليسانس أن فازت به أم رب حق حقه مكنون

ومن شعره كذلك هذه القصيدة:
إلى اللّه شكواي لا للبشر فمنه له المبتدأ والخبر
هو المرسل الضر وهو الذي بقدرته أن يميط الضرر
وما الناس؟ والناس كل له لهيب شكاة تذيب الحجر
وما بلغ الناس ما أملوا من الدهر والدهر جم الغير
يموت الفتى دون آماله وكم أمل في ثنايا الحفر
وما الأدباء وما الأغنياء وكل له أمل ينتظر
ولكن أولئك قد صرحوا وعي سواهم لهم قد ستر
وفرقهما أن آمال ذا عظام وآمال ذا تحتقر
فذاك يرى الشمس من تحته وذا لا يجاوز سطح النهر
وليس مصابي سوى أنني فقدت السعادة حتى الأثر
مصابي شبابي وعهد الصبا وقد كان لي باسما فاكفهر
شباب يضيع كزهر الربيع هوى حين يبسم غض الزهر
كأن المحلق أصاب الهلال ولم يكتمل ليلة اثنى عشر
وقد كان مستقبلي زاهرا فجف ولم يؤت بعض الثمر
وما بي سوى مرض في الفقار تغلغل في الجسم حتى انفطر
فأفقدني كل مستمتع من السير فالجسم إن قام جر
مناطق مخي منهوكة من الداء والنطق قد خور
سألت الطبيب فلم يغنني وعى وقد نال منه الحصر
وقال (انكسيك) موروثة وقد ينقل الداء ممن غبر
فقلت العلاج فقال الدواء إلى الآن عند القضا والقدر
فلو شاء ربك تم الشفاء وعند المشيئة ليس خطر
فيا رب لم يبق لي ملجأ سوى لطف رحمتك المدخر
سئمت المحاقن والكهرباء ومر الدواء ووخز الأبر
وعفت التجارب والفحص في دمي ونخاعي وقاع النظر
وها وقف الداء عن سيره ففي كل يوم عن الأمس ظهر

ومن شعره قصيدته في شكوى الزمان، وها هي ذي:
أواه من عثرات الحظ أواه والحظ ما شاءه قد شاءه اللّه
لا الحزن يجدي ولا حظي يساعفني ولا الزمان رفيق في سجاياه
أرزاء شتى إذا ما خلت أصغرها مضى أرى ضعفه يحتل مأواه
تترى دراكا كطير طاب موردها فزاد وارده شوقا لمرعاه
يلج صرف الليالي في معاكستي كأنما أنا وحدي كل أعداه
خطوب دهري لا تتفك تذكرني بعطفها ذكر مجنون لليلاه
فالحزن والسهل في سيري سواسية والليل والبوم في الظلماء أشباه
كلما قلت لما استحكمت فرجت أرى قشيب شقاء كنت أنساه
إن غاب عني شقاء جاء مصطحبا إخوانه ليقيموا في رعاياه
ما حيلتي وهي الدنيا وسلطتها أي امري نال منها ما تمناه
نصيب كل امرىء في عكس همته ورفع كفة وزن خفض أخراه
ورب ذي عزمة تنبو مضاربه وطائش السهم أصمى الحظ مرماه
ونابه النفس سوء الحظ أخمده وخامل القدر حسن الحظ رقاه
وكم حريص له من علمه صفة وكم كسول له من جهله جاه
هي المقادير لا سعي ولا كسل وكل ذي قدر لا بد يلقاه
انظر إلى قطع الشطرنج إذ نحتت ماذا أتى الشاه حتى إنه شاه
كم بيدق مات لم يذنب وصاحبه سما مسوقا ولم يعمل لمرقاه
كذلك الكون لم تعلم عواقبه وليس يعلم ساع غب مسعاه
الدهر علمني الشكوى فقمت بها طوعا وكرها وخير العلم أفشاه
أشكو الزمان وفي الشكوى رفاهية وما علاج شقي غير شكواه
تنفس الصعد تفريج ذي حرج والضيق يفتح من ذي ضيقة فاه
القدر منفجر لو لا تبخره والقلب منفطر لو لا شكاواه
فالقلب من حطب والبؤس من لهب وفي الشكاة لنار الهم أمواه
الهم يثقل والشكوى تخففه فقد ترى سامعا يؤتيك جدواه
إن لم أجد صاحبا فالليل يؤنسني نجومه ودياجيه وإصغاه
ورب سامع شكوى شامت فرح وذي ملال يريني غير نجواه
ولا أرى مخلصا في الضيق يسعدني ولا غنى لي عمن لست أهواه
طبائع الناس شر لا يفارقهم والخير كسب لبان الفكر غذاه
لو نالني الشر منهم كنت عاذرهم وإن أتى الخير قلت للطرف هياه
إن يجهلوا خاصموا أو يعلموا نقدوا ويبطنون بلؤم ضد ما فاهوا
فالكل للكل أعداء وعنصرهم به أنانية في بدء مبناه
مهما أحبوا فحب الذات رائدهم وعبرة الحب برهان بمغزاه
وهكذا الناس عباد لأنفسهم كل يرى الغير عبدا وهو مولاه
لو لا حوائجهم ما ألهوا أحدا أدنى الأنام من الإلحاد أغناه
هم والوحوش سواء لا يميزهم إلا عقول وتقديم وأفواه
مع التمدين والقانون أنفسهم شتى وكل له في العيش أهواه
كل له غرض تحفيه طينته ولو درى خلد ما فيه جافاه
الخير يخدع في معسول منطقه والشر يكمن في داجي حناياه
لو شف صدر جميل عن دخائله لشوهت نفسه ما في محياه
لو أخطأ الشر إنسانا ولم يره فسله وحيا فما جبريل إلا هو
وما أبرىء نفسي إنني بشر النفس تأمره والروح تنهاه
صدري لضدين من جيشين معترض ما يرض هذا فهذا ليس يرضاه
لكن نفسي صفت من طول ما رزقت حتى رأت كل ما يسطاع مرآه
وما رأيت كمثل الصبر عاقبة فالمر أوله والحلو عقباه
لسوف أصبر حتى لا أعي أملا وليبق لي أملي وليرحم اللّه

كلمة أخيرة:
وبعد فهذا بعض من نتاج شاعرية هذا العالم الفذ والشاعر المبدع، وإنتاجه الشعري كله سحر وروعة وإبداع، وفيه عاطفة وقوة إلهام وحسن تصوير وعمق فكرة، وهو بين الأدب العربي أدب خالد سائر، وسيجيء اليوم الذي ينشر فيه ديوان الشاعر كاملا ليضعه شعره في مكانته الخليق بها بين شعراء العربية الخالدين.

لقد نقلت من شعره بعضا مما يصور لنا جوانب حياته ونواحي شخصيته، ومما يرسم لنا صورة واضحة عن شاعريته وفنه الأدبي.

وأكتفي بهذا على أن أعود في المستقبل القريب للكتابة عن هذا الشاعر الفذ في كتاب مستقل بعد أن ننشر على جمهور العربية ما بقي لدينا من شعره ومحاسن قريضه.

ولقد كان الفقيد زميل الشاعر البليغ الأستاذ محمد الأسمر في الدراسة، واطلعت على عدة خطابات أرسلها الأستاذ الأسمر له توضح ما كان بينهما من صداقة وزمالة 1.

فرحمه اللّه وخلد ذكره، ولقاه في الآخرة من الثواب وحسن الجزاء ما هو أهل له، وفي الدنيا من الذكر والخلود ما هو به جدير.
__________
1) من هذه الخطابات خطاب من الأستاذ الأسمر يقول له: عزيزي الأستاذ الشاعر الشيخ نافع الخفاجي. «يسرني أن يكون في الأزهر بين أديب مثلك، لست أهلا لهذا الثناء الذي صنعته قلائد لا أرى جيدي جديرا بها، متعك اللّه بكل ما تحب وترضى ومهد لك سهيل سعادتك»، الأسمر.
----------------
وهذه هي نص كلمة الرثاء التي ألقيتها على قبره يوم وفاته:
عقد الخطب اللسان، وعيّ لهول المصاب البيان، وارتاع لهذا الرزء الفادح الجنان، وأي رزء هو!!
لقد انطفأ المصباح الهادي، وخبا النبراس المنير، وذهب بالرجل أجله، ولقد كان يسير به أمله، إلى ضيق القبر، وفسحة الأجر والنعيم.

ذهبنا به في ربيع الحياة إلى أرض حافلة بالعبر والعبرات، آهلة بالعظات والذكريات، فأودعناه في حمى آمن، يستبشر به المتقون، وييأس فيه من رحمة اللّه القانطون، ثم عدنا بالدموع والذكرى، فاجتمعنا في هذا الجمع نحيي ذكرى الفقيد، وبأي شيء نحيي ذكراه؟

لقد كان شاعرا وأديبا وشاعرا، فحرى بنا أن نستمد من ذكراه العظة البالغة، وخليق بنا أن نذكره لعلمه وأدبه إن لم نذكره لحسبه ونسبه.

لقد عاش الفقيد مجاهدا فشقى بعذاب الجهاد في حياته، جاهد أول شبابه في سبيل آماله الواسعة، وأمانيه الكبيرة، ثم جاهد بعد ذلك آلام الحياة التي لاحقته وحالفته وسارت به إلى أجله المحتوم، فما أروعه جهادا وما أعظمه مجاهدا، وما أسعده بأجر الجهاد.

لقد كان الفقيد يستمد علمه وأدبه من عقلية واسعة، وذهن ثاقب، أكثر مما كان يستمده من اطلاع واسع، ودراسة مضينة، وكان ينظم الشعر بملكة صناع، وروح مبدعة، ويعرضه في أسلوب جميل وديباجة مشرقة، ظلت تلازم أدبه.

حتى وهنت صحته، ووهى أمله، فدبت إليها روح الضعف، كما دبت في نفسه روح اليأس والقنوط، وعلى حين غفلة سكت الشاعر البليغ، وذهب العالم العبقري إلى عالم الأبدية، ودنيا الخلود، فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.

وهذه قصيدة من غر قصائده نثبتها هنا، قال:
ذهبت ومن رام المعالي يذهب وأبت ولم أظفر بما أتطلب
سعيت إلى العلياء غاية طاقتي ورحت إلى أفلاكها أتوثب
سبحت على بحر المجرة ماخرا عبابا من الآمال أطفو وأرسب
رصدت السهي حينا فأبصرت طالعي جميلا ولكن فيه سر محجب
فيا طالعي باللّه هل من هناءة تألق لي أم أن برقك خلب
وهل مطمئن أنت أم أنت خائف تفر من النحس البغيض وتهرب
وهل لي إلى النعمي سبيل موصل وهل لي من البؤسي مناص ومهرب
أتسعدني الآمال بعد مطالها ويدنو من الآمال ما أترقب
إزاء شقائي مطعم الصاب كالجنى ونور نهاري من مشاكيه غيهب
ولو لم أصادف سوء حظي وشؤمه لعشت سعيدا لم يضق بي مذهب
يسمونه حظا وجدا وطالعا وأما المسمى فالقضاء المغيب
مقادير شتى والمقدر واحد مشيئته كالسيف بل هي أثقب
له المثل الأعلى وفي كل ذرة من الكون سر بالتأله يعرب
هنالك شيء كل فكر يمسه ويلمسه الوحشي والمتهذب
هو اللّه سماه الطبيعي قوة وطبعا وفي علم الأثير تربب
ومن شأنه فينا الظهور بفيضه وآثاره والشأن فينا التعجب
أ أجهل روحي ثم أعلم ربها ضلال غريب والتشبث أغرب
سننظر وجه اللّه في الخلد ظاهرا كما هو يجلوه الجلال فنطرب
نراه بإحساس بديع مخصص يطيب خيالا والتحقق أطيب
هنالك يبدو كل حسن مذمما وكل ارتياح غير ذلك متعب
عن المثل والأضداد جل جلاله وراجى سوى التوفيق منه مخيب
وما الكون إلا ذرة فوق ذرة سماء وأفلاك وأرض وكوكب
فكل بكل في نظام مدبر جماد وحي كل شيء مرتب
بدائع إحكام وإتقان صانع فسبحانك اللهم أنت المحجب
تمنيت موتا ليس فيه جهنم وإلا فعيشا لست فيه أعذب
وكيف حياة المرء ناء بعبثه وجمر الأسى في صدره يتلهب
وكيف حياة المرء عي طبيبه وأعضله الداء العقام العصوصب
برمت بآمالي وعفت تجلدي ومل جليسي ما أقول وأكتب
ولو نلت من عين العناية نظرة فما مر بي عذب وما بعد أعذب.


الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثاني عشر: شخصيّات.. ومواقف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» الباب العاشر: شخصيّات أزهريّة معاصرة
» الباب الثاني: الفصل الثاني دور مؤسسات المجتمع
» الباب الثاني والستون
» الباب الثاني: في المحمل
» الباب الثاني: ما جاء من حذف المضاف في التنزيل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: الأزهــــــر في ألف عام-
انتقل الى: