- 7 -
وفي قرية صغيرة قديمة من أعمال مركز المنصورة، تسمى «تلبانة»، الريف، وبين الفلاحين المكدودين المرهقين الذين يعيشون فيه عيشة تجمع إلى البساطة سذاجة التفكير، وإجهاد العيش، وشظف الحياة.
وفي إبان الحرب العالمية الكبرى، وما تلاها من أحداث الثورة الوطنية المصرية عام 1915 ولد ونشأ الخفاجي.. تنطبع في ذهنه صور من كفاح الحياة والإنسانية ومن جهاد مصر في سبيل حريتها وآمالها، هذا الجهاد الذي ظل أمدا طويلا شغل المصريين كافة، وموضع تفكيرهم، وألهم المقعد الناصب لهم في حياتهم المعاصرة.
ولم يترك الخفاجي القرية إلا في أثناء دراسته، وظل وفيا لها ولأهلها الأبرياء البسطاء طول حياته.
وهذا الميلاد وما صاحبه وتلاه من أحداث في حياة الخفاجي يصوره في قصيدة ساحرة له عنوانها «يوم الميلاد» جاء فيها:
يوم ميلادي حمده صيغ لي اسما وارتدت في سناه روحي جسما
ورأيت الوجود طفلا صغيرا يستطيب الدنيا رضاعاه ونوما
ويحب الحياة مهدا وثيرا وأبا صاغه الحنان وأما
ونشيدا وأغنيات عذابا تملأ الغرفة لصغيرة نغما
ومناغاة إخوتي لي في المهد وقبلات تشبع المهد لثما
والسماء الزرقاء تسحر عيني فأحصى النجوم نجما فنجما
وأرى كل ما أشاهد حلما وأرى صادق الحقيقة وهما
ومنها:
ما أنا؟ صورة لجد وجد وكتاب عنهم ينبىء علما
أنا مرآة صورت كل ما طاف بوهم الحياة وهما وحلما
أنا أغنية تلحنها البيئة رمزا على الحياة ووسما
أنا قيثارة العصور ولحن ربما بالحياة زادك فهما
ونشيد فم الخلود يغنيه أمانا على الزمان وسلما
بين نجد وفي العراق ومصر عاش قومي يأبون ذلا وضيما
ملكوا الملك شيدوا العرش ساسوا الناس بالعدل والشجاعة حزما
أنصت التاريخ القديم إليهم ولهم طالما أشار وأومى
فزعت بغداد وأتراك بغداد لقوم لم يقبلوا قط ظلما
ثم أضحى المجد التليد حطاما والجلال القديم أصبح وهما
وعيون التاريخ تهزأ بالدهر الوفي الذي تحول خصما
بين أرض الريف الجميلة نشئت وشمت الحياة صحوا وغيما
وحملت الأعباء طفلا صغيرا وحسمت الأمور بالحزم حسما
وبنيت المستقبل الضخم صرحا ودعمت البناء وحدي دعما
ومنها:
يا لذكرى الميلاد عودي وعودي فالرجاء البعيد بالوصل هما
املأي العيش بهجة وسرورا طالما ذقته شجونا وهما
أنطقي الدهر، أسمعي الدهري لحني والليالي فطالما كن صما
أنا أحيا على الرجاء وأسعى لأنال المنى كفاحا ورغما
أنا ما أبتغي يجل عن الوصف وجل ما أرتجي أن يسمى
أنا أحيي التاريخ مجدا وجاها وأعيد الأيام يوما فيوما
- 8 -
إن الخفاجي لم يكن وحدة في الحياة، إن تاريخ قومه يمتد إلى أكثر من ألف وخمسمائة عام.
فهو من سلالة عربية عريقة، أرَّخ لها في كتابه «بنو خفاجة وتاريخهم السياسي والأدبي»، والخفاجيون قبيلة عربية حجازية كبيرة نشأت في العصر الجاهلي وزاد نفوذها، وهم من العقليين العامريين القيسيين، فروع القبيلة بعد الإسلام وهاجرت سلالات منها إلى الشام ومصر والعراق والمغرب والأندلس، ومنهم أعلام خالدون في كل مكان.
ولا ننسى الشاعر الأموي توبة الخفاجي العربي الحجازي، والأمير ابن سنان الخفاجي الحلبي المتوفى عام 466 ه، والشهاب الخفاجي المصري المتوفى عام 1069 ه، وابن خفاجة الأندلسي الشاعر المشهور، وغيرهم.
ومن الخفاجيين أسر حاكمة في حلب في القرن الخامس الهجري، وفي العراق في القرن الرابع إلى السابع الهجري، وكانت ولاياتهم في الناصرية بقرب الكوفة وكان يتولاها منهم بعد أمير، وكانوا في شبه استقلال داخلي عن الخلافة العباسية.
إن هذا الماضي العريق يحمله الخفاجي في قلبه ودمه وأعصابه ويقف مزودا منه بإيمان راسخ، وعبقرية حادة، وقوة ضخمة تعاونه على كفاحه في الحياة.
وحفظ الخفاجي القرآن الكريم وتعلم مبادىء وأطرافاً من الثقافة الأولى في مكتب القرية أو المدرسة الأولى التي كان يتعلم فيها الشباب في ريف مصر إلى عهد قريب.
وفي عام 1927 رحل إلى مدينة الزقازيق يتلقى ثقافته الإبتدائية والثانوية في معهدها الكبير، الذي تخرَّج منه عام 1936، وبين هذين التاريخين قصة كفاح طويل ليس هنا في هذا الكتاب مجال تسجيلها، إنما موضعه في كتاب مفصل آخر.
ومن أهم ما ظهر على الخفاجي في هذه الفترة الاتجاه الوطني الذي دفعه إلى الكفاح في سبيل وطنه في الأزمات السياسية التي مرت بمصر منذ عام 1934، وكان رئيس اتحاد طلبة أبناء الشرقية في مدينة الزقازيق، وكان هذا الاتحاد قوة كبيرة سياسية في هذه الفترة، والخفاجي وأصدقاء له هم الذين كونوه، وكانت مؤتمراته الوطنية تنشر الجهاد المصرية، وفي شتى الصحف في هذه الفترة.
ومن أهم ما يلاحظه الخفاجي على الثقافة المصرية في هذه الفترة انعدام التوجيه وضعف تربية الملكات، وإهمال شئون الطالب النفسية والعقلية إهمالا كبيرا.
وقد جاهد الخفاجي في أزمة الأزهر عام 1935 مع زملائه جهادا طويلا.
والتحق الخفاجي بعد مرحلة الثانوي بكلية اللغة العربية بالقاهرة وهي إحدى كليات الأزهر الشريف وبدأ دراسته فيها في أول أكتوبر عام 1936، وفي اليوم الثاني من أكتوبر من هذا العام توفي والده، وبعد ذلك بعشرين عاما أي في يوم الخميس 27 جمادى الثانية 1375 ه - 9 فبراير 1956 توفيت والدته.
وفي خلال هذه الفترة اشترك الخفاجي في الحركة الوطنية؛ وتابع دراسته وعمل أحيانا في الصحافة في جريدة السياسة والدستور، وفي صحف أخرى، وكتب المقالات والبحوث والدراسات في شتى الصحف والمجلات.
وكان قيام الحرب العالمية الثانية في هذه الفترة عام 1939 أهم حدث عالمي تأثر به الشباب العربي أيما تأثر، بل تأثر به شباب العالم قاطبة.
وفي هذه الفترة تأثر بآراء عالمين، ومفكرين كبيرين من رجال الفكر والثقافة والإصلاح، هما الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش شيخ الأزهر فيما بعد، والأستاذ الكبير الشيخ محمد عرفة عضو جماعة العلماء بالأزهر.
وكان الأستاذ الأكبر الشيخ حمروش عميد كلية اللغة آنذاك وكان بعقله الواسع وأفق تفكيره البعيد وثقافته العلمية العريقة أرفع مثال لطلاب كليته، يستمدون منه القدوة ويحتذون حذوه في الفهم والتفكير والبلاغة، ومن ثم تأثر بآرائه التجديدية العلمية تأثراً خاصاً.
وتخرَّج الخفاجي في يوليو عام 1940 من كلية اللغة يحمل شهادته العالية.
والتحق بأقسام الدراسات العليا في كلية اللغة العربية في أكتوبر عام 1940 في قسم البلاغة والأدب، فعكف في خلال الأحداث العالمية التي صاحبت الحرب العظمى، وفي أحداث مصر القومية التي امتدت من هذا التاريخ، وفي خلال أزمات الأزهر التي كانت نتيجة للصراع بين الحكومة والقصر والتي كان الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي مظهرا لكثير من صور الحرب الخفية في هذه المعركة.
في هذه الظروف عكف الخفاجي على دراساته العليا إلى أن تخرج عام 1945 يحمل شهادة النجاح في الامتحان التمهيدي لشهادة العالمية من درجة أستاذ.
ثم قدَّم رسالته الجامعية «ابن المعتز وتراثه في الأدب والنقد البيان» ونوقش فيها في أكتوبر عام 1946، ونال بها بتفوق شهادة العالمية من درجة أستاذ في الأدب والبلاغة من كلية اللغة العربية وهي أرقى شهادات الأزهر الجامعية وتعادل الدكتوراه الممتازة حرف (أ).
ومن الجدير بالذكر أن الخفاجي قدم للكلية مع رسالته المخطوطة ثلاثة كتب له مطبوعة عن ابن المعتز في جوانب تخدم موضوع رسالته وهذه أول مرة يقدم فيها باحث رسالة علمية مخطوطة ومعها ثلاثة كتب تخدم رسالته وفي موضوعها.
وكان هذا الجهد الأدبي موضع تنويه الأدباء والعلماء والصحف في حينه.
ولا ننسى أن نقول: إن الخفاجي أمضى مع عمله الضخم هذا سنوات طوالا يشغل وظيفة أستاذا في الليسيه فرانسيه فرع شبرا.
وقد ترك بعد حصوله على شهادة العالمية من درجة أستاذ وظيفته في الليسيه ليتولى أستاذية البلاغة في معهد أسيوط الكبير الذي عمل فيه من نوفمبر عام 1946 حتى أكتوبر عام 1947، ثم في معهد الزقازيق الذي كان طالبا فيه من قبل، والذي عمل فيه من عام 1947 إلى عام 1948.
وانتقل الخفاجي في 17 أغسطس عام 1948 إلى كلية اللغة العربية مدرسا للأدب والنقد والبلاغة فيها، وهو اليوم أستاذ فيها.
ومن الطريف أن نذكر أن الخفاجي متزوج من عام 1948 وله ولد هو ماجد خفاجي، وتوفيت له بنت كان اسمها «وفاء خفاجي».
وهو عضو في شتى الهيئات العلمية والأدبية في مصر والعالم.
وله العديد من المؤلفات، وهو من أكبر دعاة التجديد والإصلاح والوحدة العربية، ومن أكبر الثائرين على النظم السياسية الجائرة السائدة في كثير من شعوب العالم العربي المتخلفة عن ركب الحياة والحضارة وعن مبادىء الإسلام الكريمة.
- 9 -
ومن صور مقالات الخفاجي كلمة كتبها بعنوان «أيام المجد»:
أيام عشتها وكأني عشت بها الدهر كله، فقد جمعت المجد من أطرافه، واهتزت خلالها النفس هزة الفرح والإعجاب.
أيام ويا لها من أيام، لقد حسدت عليها نفسي، وحسدت الجيل الذي أعيش به، وحسدت وطني مصر لأن تاريخه احتواها، ولأن العالم كله قد اهتز إعجابا به وبها.
أيام ويا لها من أيام، فلو قدمت اليوم لما كان قد بقي لي من أمنية في الحياة أتمناها لي ولوطني المجيد.
فأولاها: أيام الثورة الوطنية عام 1919 في مصر، وقد شاهدتها في قريتي الخضراء طفلاً صغيراً.
وشاهدت المظاهرات الوطنية التي كان يقوم بها أهالي القرية وأنا بينهم في شوارع قريتي الصغيرة وحاراتها يهتفون للوطن بالحرية والاستقلال، وللانجليز بالدمار والهلاك، ويطالبون بحرية الوطن العزيز: مصر وطن الأحرار والمجد والتاريخ، وكم كان يسعدني وأنا طفل صغير أن أخرج مع جموع الفلاحين نحمل الهراوات والعصى ونستقبل بها السيارات الوافدة على طريق القرية، فإذا كان فيها أجانب استوقفناهم وطالبنا منهم أن ينزلوا معنا نحن الثائرين، ويهتفوا معنا بحرية مصر واستقلالها وسقوط انجلترا والاستعمار.
وثانيتها: أيام ثورة مصر الكبرى في معركة القنال، حيث قامت المعركة في أرض القتال بين قوات البوليس المصري وجيوش الاحتلال، وضرب المصريون فيها أروع الأمثال وأمجد صفحات البطولة التي دونها التاريخ، وعرفها الزمن وقد انتقم الانجليز لهذه الثورة الوطنية الجليلة الخالدة بأيدي الخوتة المصريين في ذلك الحين، وعلى رأسهم صاحب العرش فاروق بن فؤاد، فأحرقوا القاهرة وكتبوا الحريات، وأعلنوا الأحكام العرفية، وأقالوا الوزارة الدستورية القائمة آنذاك وصبوا على البلاد سوط عذاب، ومع ذلك فقد صمدت مصر في وجه الأحداث صمود الجبال والأبطال.
وثالثها: أيام الثورة المصرية القومية الكبرى، ثورة التحرر والتحرير في 23 يوليو 1952، حيث استيقظت في صباح هذا اليوم الجميل، فشاهدت جيش الوطن قد احتل مرافق القاهرة: وأقام حكما جديدا في البلاد، قضى على الخونة والفساد والإقطاع وسماسرة الحكم، وأخذ يصنع البلاد، ويكون فيها جيشا قويا، يحمي حرية الوطن واستقلاله.
نوفمبر من هذا العام، حيث تآمرت انجلترا وفرنسا ومعهما عدوتنا إسرائيل التي يحركها الإستعمار كما يشاء، وغزوا بقواتهم منطقة سينا، ثم انهالت الطائرات والقنابل تدمر مدن مصر ومنشآتها وفق ما يشاء الأعداء، وصمدت مصر والمصريون صمود الأبطال.
وقامت المعركة في بور سعيد، هذه المعركة الخالدة التي كتب فيها المصريون أروع الصفحات طول عصور تاريخهم المجيد، والتي سار فيها القتال من شارع إلى شارع، ومن منزل إلى منزل، ووقف جيش مصر وشعبها في بور سعيد يصدون العدوان، ويقامون جنود الامبراطورتين العجوزتين ومعهم جنود إسرائيل من مجرمي الحرب، ومن الهابطين من الجو، والصاعدين من البحر.
وتتبع الوطن المصري أنباء القتال أولا بأول؛ وساعة بساعة، ووقفوا حول المذياع يسمعون وصف المعركة.
وينصتون لأنبائها، يزدهيهم الفخر والكبرياء والمجد والعظمة لبطولة جيشهم النادرة، وعظمة الشعب المصري الكامنة المتوارثة خلال الأحقاب والأجيال، وكأن مجرمي الحرب إيدن وموليه أرادا أن ينتقمان من مصر لتأميمها قناة السويس في 26 يوليو 1956 فرصدوا لها الأساطيل الجيوش والطائرات.
ولكن مجرم الحرب إيدن، ومجرم الحرب موليه، ومعهما تابعهما بن غوريون هزموا وانتصرت مصر في معركة بور سعيد وقاوم المصريون في أرض المعركة وثبتوا ثبات الجبال، واحتمى إيدن وموليه بقرار هيئة الأمم المتحدة الذي نص على وجوب وقف القتال في الساعة الثانية صباح الأربعاء 7 نوفمبر عام 1956.
وهل أنسى الأسبوع الأول للحرب، وكانت غارات طائرات الأعداء مستمرة على القاهرة كل دقيقة، حيث لا يجد أحد متنفسا يأخذ فيه لحظة هادئة متمتعا بنعمة الأمن والتفكير والتحرر من الخوف، وكنا في نطفىء الأنوار منذ دخول الليل، وتتقطع الطرق، وتتوالى صفارات الانذار كل دقيقة، ونسمع أزيز المدافع وأصوات القنابل في كل مكان، وكانت طائرات العدو تتهاوى كأنها الورق أمام مدافع مصر وبسالة أبنائها.
لم نكن نجد دقيقة واحدة نخلو فيها إلى أنفسنا للتفكير أو التأمل أو القراءة أو الاستمتاع بالطعام، وكانت المعسكرات تنتظم شباب مصر وشيوخها من المتطوعين للدفاع عن وطنهم الأكبر، وكنا نتساءل بأي حق يبيح مجرما الحرب إيدن وموليه لأنفسهما حق غزو الشعوب التي خلقها اللّه حرة طليقة من كل قيد، وفشل إيدن وفشل موليه ومعهما بن غوريون، نعم فشلوا في تحطيم الروح المعنوية في شعب مصر أو في تحطيم المقاومة الشعبية في وطني مصر وانسحب المعتدون من بور سعيد مكرهين في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1956.
أيام كلها مجد وذكريات خالدة، كتبت فيها مصر صفحات رائعة من المجد، والمجد لمصر ولشعبها الحر الأبي، وللعرب الأحرار الميامين.
- 10 -
ومن صور نثر الخفاجي هذه القطعة وهي بعنوان «يا وطني».
يا وطني الخالد: لك المجد ولك أمجد صفحات التاريخ.
يا وطني، يا مصر يا أم الحضارة. ومهد المدنية، ومعلمة الشعوب، لك العزة والثناء، ولك الحرية والفداء، ولك العظمة والكبرياء.
يا وطني: لقد كتبت اليوم أروع أعمال البطولة في دفاعك المجيد عن بور سعيد، مما شهد به العالم، وسجلته الأحداث، لقد قاتل شعبك البرابرة الغزاة أن أرض مصر حرام على المستعمرين، وأنها أمنع من العقاب، ما دام شباب مصر وشيوخها حريصين على أن يفتدوها بالمهج والأرواح.
يا وطني: لقد وقفت خلال عصور التاريخ ضد الغزاة الفاتحين مقاتلا باسلا، ومحاربا صلبا، فطردت الهكسوس والفرس واليونان والرومان من أرضك، وطردت الصليبيين والتتار من ثراك الطاهر، وأقمت بسواعد أبنائك حضارات مشرقة، وامبراطوريات مصرية ضخمة انحنى لها التاريخ، وهتف بذكرها الزمان.
يا وطني: بيد أحمد ورمسيس، وبيد عمرو بن العاص وصلاح الدين، وبيبرس وبرقوق، وعرابي وجمال: رفعت أعرق لواء، وأمجد راية، وأرفع شعار للحرية والمجد والعظمة والجلال والقوة.
يا وطني: إن الامبراطورية المصرية في عهد عمرو بن العاص وخلفائه، ثم عهد المعز وذريته، ثم في عهد صلاح الدين الأيوبي وسلالته، ثم في عهد المماليك، ثم في القرن التاسع عشر: كانت من أعظم الأعمال في التاريخ، وكانت رمزا وعزة ومنارة للإسلام والمسلمين، وكهفا تأوي إليه الحضارة والثقافة الإسلامية.
يا وطني الخالد: لقد وقف الإنجليز في القرنين التاسع عشر والعشرين لنهضتك وحريتك ومجدك بالمرصاد، فقضوا على الأسطول المصري في نافارين، وقضوا على الجيش المصري وحرموه ثمرة انتصاراته الحربية العظيمة في عهد محمد علي، ونهبوا امبراطورية مصر بسياسة الخداع والتضليل، ثم صفوا بقاياها في عهد إسماعيل، ثم ورثوها في عهد توفيق بعد الاحتلال، ولكنهم وشرفك وكفاح أبنائك ونضال الأبي لن يتمكنوا من هزيمة مصر سياسيا ولا حربيا في عهد الأحرار.
بمجدك وتاريخك، وبأبطالك وأبنائك، وبثورة شعبك الأبي، وبثراك الطاهر، سنقاوم الغزاة، وسننتصر على الغزاة، والنصر لنا بفضل اللّه، وبسواعد شعبنا العريق.