| الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة الأحد 31 يوليو 2016, 7:19 am | |
| الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة ========================== - 1 - أصدر الاستاذ علي عبد الرازق العالم الأزهري، والقاضي الشرعي، عام 1925م، كتابه: «الإسلام وأصول الحكم»، وكان على رأس الوزارة في ذلك الحين زيوار باشا يسنده حزب الأحرار الدستوريين برئاسة عبد العزيز فهمي باشا وحزب الاتحاد برئاسة يحيى باشا إبراهيم.. وكان الوفد في المعارضة برئاسة سعد.
وقد أثار الكتاب معركة اشترك فيها كل صاحب رأي أو قلم.. وقبل أن نعرض الصراع الذي دار حول هذا الكتاب نوضح فكرته الأساسية التي ذهب إليها المؤلف...
وفكرته هي: أن الإسلام لم يقرر نظاماً معيناً للحكومة، ولم يفرض على المسلمين نظاماً خاصاً يجب أن يحكموا بمقتضاه، بل ترك لنا مطلق الحرية في أن ننظم الدولة طبقاً للأحوال الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التي توجد فيها، مع مراعاة تطورنا الاجتماعي ومقتضيات الزمن.
وأن الإسلام بريء من نظام الخلافة، والأدواء التي عصفت به، فإن الخلافة شلت كل تطور في شكل الحكومة عند المسلمين نحو النظم الحرة، خصوصاً بسبب العسف الذي أنزله بعض الخلفاء بتقدم العلوم السياسية والاجتماعية، إذ صاغوها في قالب يتفق مع مصالحهم.
وقد أثار الكتاب ضجة كبرى في محيط الأحزاب والشعب ورجال الأزهر، فجمع شيخ الأزهر الشيخ أبو الفضل الجيزاوي هيئة كبار العلماء وقررت أن ما في الكتاب من آراء هي كفر وإلحاد وخروج على الدين.
كما قررت استدعاء الشيخ علي عبد الرازق -باعتباره من العلماء- لمحاكمته، عن تهم سبع وجهتها إليه، وانعقدت الجلسة في 5 أغسطس سنة 1925م.
وجلس العلماء على مائدة كبيرة، واستدعى الشيخ علي عبد الرازق، فدخل الحجرة، وأشار إليه شيخ الأزهر بالجلوس.
ودفع المؤلف دفعاً فرعياً، هو أنه لا يعتبر نفسه أمام هيئة تأديبية وطلب من الهيئة أن لا تعتبر حضوره أمامها اعترافاً منه بأن لها حقاً قانونياً في محاكمته.
وفي 25 أغسطس، أصدرت هيئة العلماء حكمها، «بتجريد الشيخ علي عبد الرازق من العالمية، لأنه أتى بأمور تخالف الدين والقرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأمة!.
وقد تساءلت «الأخبار» عن موقف عبد العزيز فهمي وحزبه بعد أن أحرجته جريدته بدفاعها عن الكتاب.
وأما «السياسة» فقد نشرت كلمة الشيخ علي عبد الرازق يقول فيها: «لا جرم أننا تقبلنا مسرورين إخراجنا من زمرة العلماء، وقلنا كما يقول القوم الذين إذا خلصوا من الأذى قالوا «الحمد للّه الذي أذهب عنا الأذى وعافانا»..
ومن هذا اليوم، هجر علي عبد الرازق ملابس الشيوخ، وأصبح «أفنديا»!..
أيه أيها الطريد من الأزهر، تعالى إليَّ لنتحدث عن هذه القصة المضحكة، قصة كتابك والحكم عليه وعليك وطردك من الأزهر، ما بال رجال الأزهر لم يقضوا على كتابك بالتمزيق، فقد كان يلذ لنا أن نرى نسخه في صحن الأزهر أو أمام «باب المزينين» أو في ناحية من هذه الأنحاء التي لا يأتيها الباطل ولا يصل إليها المنكر، ولا يسعى إليها إلا الأخيار والأبرار ثم تضرم فيها النار.!
دعنا نتحدث في حرية ولا تكن أزهريا، فقد أخرجت من الأزهر!.
- 2 - وجاء في قرار هيئة كبار العلماء في محاكمته: من حيث أن الشيخ علياً جعل الشريعة الإسلامية شريعة روحية محضة لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا فقد قال في ص 87 و79 والدنيا من أولها لآخرها وجميع ما فيها من أغراض وغايات أهون عند اللّه من أن يقيم على تدبيرها غير ما ركب فينا من عقول وحبانا من عواطف وشهوات وعلمنا من أسماء ومسميات هي أهون عند اللّه من أن يبعث لها رسولاً وأهون عند رجل اللّه من أن يشغلوا بها وينصبوا لتدبيرها».
وقال في ص 85 أن كل ما جاء به الإسلام من عقائد ومعاملات وآداب وعقوبات فإنما هو شرع ديني خالص للّه تعالى ولمصلحة البشر الدينية لا غير.
وأوضح من كلامه أن الشريعة الإسلامية عنده شريعة روحية محضة جاءت لتنظيم العلاقة بين الانسان وربه فقط أما ما بين الإنسان من المعاملات الدنيوية وتدبير الشئون العامة فلا شأن للشريعة به وليس من مقاصدها.
وهل في استطاعة الشيخ علي يشطر الدين الإسلامي شطرين يلغي منه شطر الأحكام المتعلقة بأمور الدنيا ويضرب بآيات الكتاب العزيز وسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عرض الحائط؟
وماذا يعمل الشيخ علي في مثل قوله تعالى: "إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ اَلْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّاسِ بِما أَراكَ اَللّهُ"، وقوله تعالى: "وَأَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ"، وقوله تعالى: "إِنَّ اَللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ اَلنّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ"، وقوله تعالى: "لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ"، وقوله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اَللّهُ بَيْنَهُما".
وقوله تعالى: "يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها".
وماذا يعمل الشيخ علي في ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أن ابنة النضر أخت الربيع لطمت جارية فكسر سنها فاختصموا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأمر بالقصاص، فقالت أم الربيع يا رسول اللّه أنقص من فلانة؟ لا واللّه، فسبحان اللّه، يا أم الربيع كتاب اللّه القصاص ومثل ما رواه البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنهما أنه قال: قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.
وما رواه أيضاً عن أبي هريرة رضى اللّه عنه أنه قال قضى النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا تشاجروا في الطريق اذرع - وما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضى اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قضى باليمين على المدعي عليه وما رواه أيضاً عن ابن عباس رضى اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قضى بيمين وشاهد.
ومن حيث أنه زعم الدين لا يمنع من أن جهاد النبي صلى اللّه عليه وسلم كان في سبيل الملك لا في سبيل الدين ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين.
فقد قال في ص 53: «وظاهر أول وهلة أن الجهاد لا يكون لمجرد الدعوة إلى الدين ولا لحمل الناس على الإيمان باللّه ورسوله».
ثم قال في ص 53: «وإذا كان صلى اللّه عليه وسلم قد لجأ إلى القوة والرهبة فذلك لا يكون في سبيل الدعوة إلى الدين وإبلاغ رسالته إلى العالمين وما يكون لنا أن نفهم إلا أنه كان في سبيل الملك، فالشيخ علي في كلامه هذا يقطع بأن جهاد النبي صلى اللّه عليه وسلم كان في سبيل المُلك لا في سبيل الدين ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين، وفي كلامه يزعم أن الدين لا يمنع من أن جهاده كان في سبيل المُلك فعلم من كلامه هذا أن الدين لا يمنع من أن جهاد النبي صلى اللّه عليه وسلم كان في سبيل الدين ولا لإبلاغ الدعوة إلى العالمين وهذا أقل ما يؤخذ عليه في مجموعة نصوصه.
على أنه لم يقف عند هذا الحد بل كما جوز أن يكون الجهاد في سبيل الملك ومن الشئون الملكية جوز أن تكون الزكاة والجزية والغنائم ونحو ذلك في سبيل الملك أيضاً وجعل كل ذلك على هذا خارجاً على حدود رسالة النبي صلى اللّه عليه وسلم لم ينزل به وحي ولم يأمر به اللّه تعالى.
ومن حيث أنه زعم أن نظام الحكم في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم كان موضع غموض أو إبهام أو اضطراب ونقض، وموجبا للحيرة فقد قال في ص 40 «لاحظنا أن حال القضاء زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم غامضة ومبهمة من كل جانب».
وإذا كان قد اعترف ببعض أنظمة الحكم في الشريعة الإسلامية فإنه نقض الاعتراف وقرر أن هذه الأنظمة ملحقة بالعدم، وما زعمه الشيخ علي مصادم لصريح القرآن الكريم.
ومن حيث أنه زعم أن مهمة النبي صلى اللّه عليه وسلم كانت بلاغا للشريعة مجردا عن الحكم والتنفيذ، فقد قال الشيخ علي في ص 71: «ظواهر القرآن المجيد تؤيد القول بأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يكن له شأن في الملك السياسي وآياته متضافرة على أن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان.
ثم عاد فأكد ذلك فقال ص 73 «القرآن كما رأيت صريح في أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم لم يكن من عمله شيء غير إبلاغ رسالة اللّه تعالى إلى الناس وأنه لم يكلف شيئا غير ذلك البلاغ وليس عليه أن يأخذ الناس بما جاءهم به ولا أن يحملهم عليه.. ولو كان الأمر كما زعم هو كان ذلك رفضا لجميع آيات الأحكام الكثيرة في القرآن الكريم. ودون ذلك خرط القتاد.
وقد قال الشيخ علي في دفاعه: «إنه قرر في مكان آخر من الكتاب بصراحة لا مواربة فيها أن للنبي صلى اللّه عليه وسلم سلطاناً عاماً وأنه ناضل في سبيل الدعوة بلسانه وسنانه.
وهذا دفاع لا يجدي إذ لو كان معنى الذي قرره في ص 66 و70 كما أشار إليه أن عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم السماوي يتجاوز حدود البلاغ المجرد عن كل معاني السلطان لما كان سائغا أن يقول بعد ذلك في صفحة 71 إن آيات الكتاب متضافرة على أن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان، وأن يقول بعد ذلك في صفحة 73 «إن القرآن صريح في أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن معه شيء غير بلاغ رسالة اللّه إلى الناس ولم يكلف شيئا غير ذلك البلاغ، وليس عليه أن يأخذ الناس بما جاءهم به ولا أن يحملهم عليه.
والواقع أن السلطان الذي أثبته إنما هو السلطان الروحي، كما صرح به في مذكرة دفاعه حيث قال فيها: «إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستولي على كل ذلك السلطان لا من طريق القوة المادية وإخضاع الجسم كما هو شأن الملوك والحكام ولكن من طريق الإيمان له إيماناً قلبياً والخضوع له خضوعاً روحياً»، لكان دفاعه إثباتا للتهمة لا نفيا لها، على أنه قد نسب في ص 65 و66 السلطان إلى عوامل أخرى من نحو الكمال الخلقي والتمييز الاجتماعي لا إلى وحي اللّه وآيات كتابه الكريم، كما أنه جعل الجهاد في موضع آخر من كتابه وسيلة كان على النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يلجأ إليها لتأييد الدعوة ولم ينسبه إلى وحي له، وكلام الشيخ علي مخالف لصريح كتاب اللّه تعالى الذي يرد عليه زعمه ويثبت أن مهمته صلى اللّه عليه وسلم تجاوزت البلاغ إلى غيره من الحكم والتنفيذ فقد قال اللّه تعالى: "إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ اَلْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّاسِ بِما أَراكَ اَللّهُ"، وقال تعالى: "وَأَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاِحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اَللّهُ إِلَيْكَ".
وروى عن ابن سلمة عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه أتى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم برجل قد شرب فقال اضربوه.
وروي عن عروة عن عائشة رضي اللّه عنها أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت وقالوا من يكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن يجترىء عليه إلا أسامة حب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من من حدود اللّه.
ثم قام فخطب فقال: يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وإيم اللّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها.
فهل يجوز أن يقال بعد ذلك في محمد صلى اللّه عليه وسلم إن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان وأنه لم يكلف أن يأخذ الناس بما جاءهم به ولا أن يحملهم عليه؟
وهل يجوز أن يقال بعد ذلك في القرآن الكريم أنه صريح في أنه صلى اللّه عليه وسلم لم يكن من عمله شيء غير إبلاغ رسالة اللّه إلى الناس وليس عليه أن يأخذ الناس بما جاءهم به ولا أن يحملهم عليه.
ومن حيث أنه أنكر إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وعلى أنه لا بد للأمة ممن يقوم بأمرها في الدين والدنيا فقد قال في ص 22 «أما دعوى الإجماع في هذه المسألة -وجوب نصب الإمام- فلا تجد مساغا لقبولها بأية حال ومحال إذا طالبناهم بالدليل أن يظفروا بدليل، على أننا مثبتون لك أن دعوى الإجماع هنا غير صحيحة ولا مسموعة سواء أرادوا بها إجماع الصحابة وحدهم أم الصحابة والتابعين أم علماء المسلمين أم المسلمين كلهم». ادعى الشيخ علي أن حظ العلوم السياسية في العصر الإسلامي كان سيئا على الرغم من توافر الدواعي التي حمل على البحث فيها، وأهمها إن مقام الخلافة منذ زمن الخليفة الأول كان عرضة للخارجين عليه، غير ان حركة المعارضة كانت تضعف وتقوي، ثم ساق بعد أمثلة يؤيد بها ما يدعيه من أن الخلافة كانت قائمة على السيف والقوة لا على البيعة والرضا ولو سلم للشيخ علي ذلك جدلا لما تم له ما يزعمه من إنكار إجماع الصحابة على وجوب نصب إمام للمسلمين.
فإن إجماعهم على ذلك شيء وإجماعهم بيعة إمام معين شيء آخر واختلافهم في بيعة إمام معين لا يقدح في اتفاقهم على وجوب نصب الإمام، أي إمام كان.
وقد ثبت إجماع المسلمين على امتناع خلو الوقت من إمام، ونقل إلينا ذلك بطريق التواتر فلا سبيل إلى الإنكار.
ومن حيث أنه أنكر أن القضاء وظيفة شرعية فقد قال في ص 103 «والخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية ولا القضاء ولا غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة، وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها فهو لم يعرفها، ولم ينكرها ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة».
وكلام الشيخ علي في دفاعه يقضي بأن الذين ذهبوا إلى أن القضاء وظيفة شرعية جعلوه متفرعاً عن الخلافة فمن أنكر الخلافة أنكر القضاء.
وقال الشيخ علي في دفاعه: «إن الذي أنكر أنه خطة شرعية إنما هو جعل القضاء وظيفة معينة من وظائف الحكم ومراكز الدولة واتخاذه مقاما ذا أنظمة معينة وأساليب خاصة».
وما زعمه الشيخ علي من إنكار أن القضاء وظيفة شرعية وخطة دينية باطل ومصادم لآيات الكتاب العزيز، قال اللّه تعالى: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً"، وقال تعالى: "فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَكَ مِنَ اَلْحَقِّ"، وقال تعالى: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ اَلْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّاسِ بِما أَراكَ اَللّهُ"، وقال تعالى: "إِنَّ اَللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ اَلنّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ".
ومن حيث أنه يزعم أن حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين من بعده رضي اللّه عنهم كانت لا دينية فقد قال في ص 9: «طبيعي معقول إلى درجة البداهة ألا توجد بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم زعامة دينية.
وأما الذي يمكن أن يتصور وجوده فإنما هو نوع من الزعامة جديد ليس متصلا بالرسالة ولا قائما على الدين، هو إذا نوع لا ديني».
وهذه جرأة لا دينية فإن الطبيعي والمعقول عند المسلمين إلى درجة البداهة أن زعامة أبي بكر رضي اللّه عنه كانت دينية يعرف ذلك المسلمون سلفهم وخلفهم جيلا بعد جيل.
ومن حيث أن التهمة الموجهة ضد الشيخ علي عبد الرازق ثابتة عليه وهي مما لا يناسب وصف العالمية وفقاً للمادة (101) من القانون رقم 10 لسنة 1911م، فبناءً على هذه الأسباب حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر بإجماع أربعة وعشرين عالماً معنا من هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ علي عبد الرازق أحد علماء الجامع الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية ومؤلف كتاب «الإسلام وأصول الحكم» من زمرة العلماء.
عدل سابقا من قبل أحــمــد لــبــن AhmadLbn في الجمعة 06 يناير 2017, 6:19 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة الإثنين 01 أغسطس 2016, 8:08 am | |
| -3 - وكانت الثورة الثانية عند ما أخرج الدكتور طه حسين عام 1926 كتابه «الشعر الجاهلي» فأحدث ضجة هائلة في مصر وبين رجال الدين، استمر صداها أمداً طويلاً.
وكان أول أثر لهذا الصدى هو مصادرة الكتاب، وقد حققت النيابة العامة مع الدكتور واتخذت النيابة أخيراً قراراً بحفظ أوراق التحقيق إدارياً لأن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدي على الدين، بل أن العبارات الماسَّة بالدين التي أوردها في بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها في سبيل البحث العلمي مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها».
وقد أخرج الدكتور طه كتابه بعنوان جديد هو: «في الأدب الجاهلي» وحذف منه بعض الفقرات التي كانت سبباً لثورة الجماهير ورجال الدين على الكتاب، وقد بسطت المسائل الأدبية التي أوردها الدكتور في كتابه (الشعر الجاهلي)، وناقشتها مناقشة تحليلية في كتابي (الحياة الأدبية في العصر الجاهلي)، فلا داعي للعودة إليها في هذا الكتاب.
- 4 - وفي عهد الشيخ المراغي فكَّر في ترجمة القرآن سنة 1936م، وقد ثار الكثير على الشيخ المراغي وعارضوا مشروع الترجمة.
وقدَّم الشيخ إلى رئيس مجلس الوزراء مذكرة بشأن المشروع جاء فيها: اشتغل الناس قديماً وحديثاً بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات المختلفة وتولى ترجمته أفراد يجيدون لغاتهم ولكنهم لا يجيدون اللغة العربية ولا يفهمون الاصطلاحات الإسلامية الفهم الذي يمكنهم من أداء معاني القرآن على وجه صحيح، لذلك وجدت في التراجم أخطاء كثيرة وانتشرت تلك التراجم ولم يجد الناس غيرها فاعتمدوا عليها في فهم أغراض القرآن الكريم وفهم قواعد الشريعة الإسلامية.
فأصبح لزاماً على أمة إسلامية كالأمة المصرية لها المكان الرفيع في العالم الإسلامي أن تبادر إلى إزاحة هذه الأخطاء وإلى إظهار معاني القرآن الكريم نقية في اللغات الحية لدى العالم، ولهذا العمل أثر بعيد في نشر هداية الإسلام بين الأمم التي لا تدين بالإسلام ذلك أن أساس الدعوة إلى الدين الإسلامي إنما هو الإدلاء بالحجة الناصعة والبرهان المستقيم، وفي القرآن الكريم من الحجج الباهرة والأدلة الدامغة ما يدعو الرجل المنصف إلى التسليم بالدين والإذعان له.
وفائدة أخرى للأمم الإسلامية التي لا تعرف العربية وتشرئب أعناقها إلى اقتطاف ثمرات الدين من مصدرها الرفيع فلا تجد أمامها إلا تراجم قد مُلئت بالاخطاء، فإذا ما قدمت لها ترجمة صحيحة تصدرها هيئة لها مكانتها الدينية في العالم اطمأنت إليها وركنت إلى أنها تعبر عن الوحي الإلهي تعبيراً دقيقاً.
لذلك اقترح أن يقرر مجلس الوزراء ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسمية على أن تقوم بذلك مشيخة الأزهر بمساعدة وزارة المعارف وأن يقرر مجلس الوزراء الاعتماد اللازم لذلك المشروع الجليل، فأرجو النظر في هذا.
وقد أرفق المراغي بمذكرته نص فتوى كبار العلماء، وقد وجه إليهم سؤالاً جاء فيه. ما قول السادة حضرات أصحاب الفضيلة جماعة كبار العلماء في السؤال الآتي؟
وبعد ملاحظة المقدمات الآتية: 1 - لا شبهة في أن القرآن الكريم اسم للنظم العربي الذي نزل على سيدنا محمد بن عبد الله صلوات اللّه عليه وعلى آله. ولا شبهة أيضاً في أنه إذا عبر عن معاني القرآن الكريم بعد فهمها من النص العربي بأية لغة من اللغات لا تسمى هذه المعاني ولا العبارات التي تؤدي هذه المعاني قرآناً. 2 - ومما لا محل للخلاف فيه أيضاً أن الترجمة اللفظية بمعنى نقل المعاني مع خصائص النظم العربي المعجز مستحيلة. 3 - وضع الناس تراجم القرآن الكريم بلغات مختلفة اشتملت على أخطاء كثيرة واعتمد على هذه التراجم بعض المسلمين الذين لا يعرفون اللغة العربية، وبعض العلماء من غير المسلمين ممن يريد الوقوف على معاني القرآن الكريم.
4 - وقد دعا هذا إلى التفكير في نقل معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى على الوجه الآتي: يُراد أولاً فهم معاني القرآن الكريم بوساطة رجال من خيرة علماء الأزهر الشريف بعد الرجوع لآراء كبار أئمة المفسرين وصوغ هذه المعاني بعبارات دقيقة ومحددة، ثم نقل هذه المعاني التي فهمها العلماء إلى اللغات الأخرى بوساطة رجال موثوق بأمانتهم واقتدارهم في تلك اللغات بحيث يكون ما يفهم في تلك اللغات من المعاني هو ما تؤديه العبارات العربية التي يصنعها العلماء، فهل الإقدام على هذا العمل جائز شرعا أو غير جائز؟.
هذا مع العلم بأنه سيوضع تعريف شامل يتضمن أن الترجمة ليست قرآناً وليس لها خصائص القرآن وليست هي ترجمة كل المعاني التي يحتملها النظم العربي وإنما هي ترجمة للمعاني التي فهمها العلماء وأنه ستوضع الترجمة وحدها بجوار النص العربي للقرآن الكريم.
وقد أجاب السادة العلماء على ذلك بالفتوى الشرعية الآتي نصها: الحمد للّه والصلاة والسلام على رسول اللّه، وبعد فقد أطلعنا على جميع ما ذكر بالاستفتاء المدون بباطن هذا ونفيد بأن الإقدام على الترجمة على الوجه المذكور تفصيلاً في السؤال جائز شرعاً واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
إمضاءات: محمود الديناري عضو جماعة كبار العلماء وشيخ معهد طنطا، عبد المجيد اللبان شيخ كلية أصول الدين وعضو جماعة كبار العلماء، إبراهيم حمروش شيخ كلية اللغة العربية وعضو جماعة كبار العلماء، محمد مأمون الشناوي شيخ كلية الشريعة وعضو جماعة كبار العلماء، عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية وعضو جماعة كبار العلماء، محمد عبد اللطيف الفحام وكيل الجامع الأزهر وعضو جماعة كبار العلماء، دسوقي عبد الله البدوي عضو جماعة كبار العلماء، أحمد الدلبشاني عضو جماعة كبار العلماء، يوسف الدجوي عضو جماعة كبار العلماء، محمد سبع الذهبي شيخ الحنابلة وعضو جماعة كبار العلماء، عبد المعطي الشرشيمي عضو جماعة كبار العلماء، عبد الرحمن قراعة عضو هيئة كبار العلماء، أحمد نصر عضو جماعة كبار العلماء، محمد الشافعي الظواهري عضو جماعة كبار العلماء: حيث أن الترجمة المرادة هي ترجمة لمعاني التفسير الذي يضعه العلماء فهي جائزة شرعاً بشرط طبع التفسير المذكور بحوار الترجمة المذكورة، كتبه بيده الفانية: عبد الرحمن عليش الحنفي من جماعة كبار العلماء.
ولما تلقى المراغي هذه الفتوى الشرعية أرفقها بكتاب منه هذا نصه: بسم اللّه الرحمن الرحيم. وجهت هذا السؤال إلى حضرات أصحاب الفضيلة جماعة كبار العلماء وأنا أوافقهم على ما رأوه ولا أرى داعياً للتحفظ الذي أبداه فضيلة الشيخ عبد الرحمن عليش وهو طبع التفسير مع الترجمة لعدم الحاجة الى ذلك بعد مراعاة الشروط المدونة في السؤال. رئيس جماعة كبار العلماء: محمد مصطفى المراغي.
ومع ذلك فقد بدأت لجنة في عهد الشيخ المراغي في ترجمة القرآن، ثم توقفت عن العمل، ولم تنجز شيئاً من مهمتها.
ولما تولى المشيخة الأستاذ الأكبر إبراهيم حمروش فكر في طبع رسائل إسلامية للتعريف بالإسلام بشتى اللغات، ومع ذلك لم ينجز شيء من هذا العمل.
وفي أكتوبر عام 1954م، كتب الدكتور طه حسين يطالب بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الحية، وأجابت مشيخة الأزهر على تساؤله بأن المشيخة تفكر في وضع وطبع رسائل إسلامية تكتب بشتى اللغات العالمية الحية.
- 5 - وفي عام 1947م، ألَّف الأستاذ محمد أحمد خلف اللّه رسالة سمَّاها «الفن القصصي من القرآن الكريم» وقدمها إلى كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول للحصول على الدكتوراه.
وقد ثار على هذه الرسالة علماء الأزهر، وفي مقدمتهم الشيخ عبد المجيد سليم، والمرحوم الشيخ عبد الفتاح بدوي الأستاذ بكلية اللغة العربية سابقاً، والشيخ شلتوت وكان معهم أحمد أمين، وبعضهم أساتذة الجامعة.
ووقف الأستاذ أمين الخولي وصاحب الرسالة يدافعان عن الكتاب..
وقد كانت أخبار اليوم وبعض الصحف والمجلات تنشر بين الحين والحين أنباء المعركة حول هذه الرسالة، وقد قررت الجامعة عدم صلاحية الرسالة، وطالبت المؤلف بتقديم رسالة أخرى، وقد نشر كتابه بعد ذلك.
- 6 - وفي عام 1950م، أخرج الدكتور طه حسين كتابه (الوعد الحق)، واتفقت معه بعض شركات السينما على إخراجه في (فيلم سينمائي)...
فوافق على ذلك بعض العلماء، وثار آخرون على هذا الفيلم الذي تعرَّض فيه للصحابة على الشاشة البيضاء، ومنهم المرحوم الشيخ محمود الغمراوي عضو جماعة كبار العلماء الذي كتب في الأهرام يوم 10/ 8 / 1950م، يقول: قرأت ما أملاه الدكتور طه حسين وزير المعارف على مندوب الأهرام جواباً عن سؤاله الخاص بوضع سيادته سيناريو عن الدين الإسلامي عند ظهوره، وقد جاء فيما أملاه الدكتور علي المندوب أنه أصدر في شهر يناير الماضي كتاباً عنوانه: «الوعد الحق» وإن هذا الكتاب يصور الاضطهاد الذي لقيه المسلمون عند ظهور الإسلام، وكيف ثبت المسلمون لهذا الاضطهاد وصبروا عليه وانتصروا على الذين كانوا يضطهدونهم.
وإن هذا الكتاب ظهر وتلقَّاه القُراء لقاءً حسناً، ثم قصَّ ما عرضه عليه الأستاذ عز الدين من رجائه للدكتور أن يأذن له في أن يستقي من هذا الكتاب سيناريو لفيلم سينمائي، فاستغرب الدكتور الأمر واستبعد أن يكون تحقيقه ممكناً ولكنه لما كلمه فيه مرة ومرة اقتنع بإمكان ذلك، وطلب إليه أن يستأذن من رجال الدين شيخين عيَّنهُما، فلما جاءه منهما كتابان أذنا فيهما بهذا العمل وأظهرا استحساناً شديداً له، أخذ الدكتور في مراجعة السيناريو الذي كان قد وضعه المخرج، وانتهيا أخيراً إلى إقراره بعد جهد طويل.
تلك هي قصة وضع ذلك السيناريو الذي اعتزم الدكتور طه حسين أن يُبرز به المسلمين وخلفاءه الراشدين وأصحابه الأبرار المجاهدين مصورين في فيلم سينمائي، فيزلزل إيمان العامة، ويفتن جماهير المسلمين إذ يكون النظارة من الدُّهماء وغيرهم عند عرض هذا الفيلم عليهم بين أمرين لا ثالث لهما: فإما أن يستقبلوه كعادتهم عند عرض ما يُستغرب عليهم فيتلقوه بالصفير والنعير، ولازمة ذلك الإستهزاء والتحقير وذلك هو الإثم البواح والكفر الصراح.
أو يتلقوا هذه الصور الكريمة بما يليق لأصحابها من احترام وتوقير، وتعظيم وتقدير، فيدخلوا في باب من أبواب التشبه بعبدة الصور، وحينئذ يلجون على الشرك أو يلج عليهم الشرك من باب أمرنا الإسلام بسدّه، ونهى الدين عن ولوجه، أو أن يحوم المسلمون حوله بتحريم التصوير ولعن المصورين وحظره اتخاذ الصور، هذا إلى أن تصوير النبي وصحبه وخلفائه (وهم الذين يحرمون التصوير ويحظرون اتخاذ الصور) مؤذن باستخفاف المصور وكل مَنْ يقره أو يرضى عن عمله بأصحاب هذه الصور.
فمن أبرز إنساناً على هيئة أو صورة يكره اتخاذها لغيره، بله أن يكون قد جاء بدين يحرم اتخاذ الصور فهو مزدر بصاحب هذا الدين ومستخف به.
ولو أن إنساناً رسم الدكتور طه حسين الآن في زي: فوق رأسه عمامة وعليه قفطان وجبة وبيده مسبحة، فإني أحكم بأن الذي فعل ذلك مستخف بالدكتور مستهزىء به، ذلك بأني أعلم أن الدكتور طه نبذ الزي منذ أعوام وحرَّمه على نفسه، فمَنْ يصور النبي وهو يعلم أن النبي قد حرَّم التصوير ونهى عن اتخاذ الصور، فقد اقترف إثماً مبيناً، واقترب من الكفر بهذا النبي وشريعته ودينه.
إن للدكتور طه أن يكتب للناس ويخلبهم بسحر بيانه وأن يعرض على القراء من صفحات التاريخ الإسلامي صفحات رائعات يبين لهم فيها أن المسلمين في أول ظهور الإسلام لم يكسبوا حريتهم إلا بالجهد والصبر والمقاومة والثبات، تلك الخلال المجيدة التي كسبهم إياها أيمانهم ومكّنها من قلوبهم صدقهم في الإيمان، وأن يصور لهم في ذلك ما يشاء بأسلوبه الطلي وبيانه الساحر الوحي، لعلهم يرجعون إلى نفوسهم، ويتعرفون مكامن الداء في قلوبهم فيداووها، فإن اللّه ليشكر له ويجزل ثوابه على ما يقدم من عمل على حسب نيته.
غير أني أربأ بالدكتور عن أن يخرج عن طبيعته ويعدل عن صنعته وأن يحاول أن يجحد بيانه ويبدل سحره وإحسانه، ويجعل من ذلك صوراً ميتة ورسوماً جامدة لا فائدة من ورائها، فإن أبى لنفسه إلا ذلك فإني أنصح له ألا يُسيء إلى المسلمين وألا يمتهن قداسة النبيين والصديقين، يروج الوزير لمشروعه الخطير بأنه سيكون له أثر حسن جداً من ناحيتين ذكرهما!
فأما عن الناحية الأولى فقد قدمنا ما سيكون من النظارة عند ما يعرض عليهم هذا الفيلم وذكرنا ما ينجم عنه من خطر على عقيدتهم ودينهم.
وإذا كنا نئن ونتوجع مما تأتيه الجماهير من الآهات المكررة والأصوات المنكرة حين سماعها للقرآن وهو الذي تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه فتراهم حين يسمعون القرآن من قارىء متكسر في تلاوته يصيحون ويكثرون من التأوه بالنغمة واستحساناً للوحدة ذاهلين عن معاني الآيات التي تقرع أسماعهم فلا تخشع لها جوارحهم أو تلين قلوبهم.
فكيف يكون الحال عند ما يشاهدون أبطال المسلمين ونبي الإسلام في ثياب بالية مهلهلة وفي هيئة تنبو عنها أبصارهم وتنفر منها أذواقهم، وهل يبقى لواحد من هؤلاء الدُّهماء دينه، أو يثبت معه أيمانه ويقينه عند ما يهجم على قلبه الاشمئزاز والنفور من تلك الهيئة البدوية والصورة العربية الوحشية التي ينكرها ذوقه ويشمئز منها حسه.
أيظن معالي الدكتور أن يكون الدهماء فلاسفة عند ما يشاهدون السيناريو الذي يعده معاليه لهم فتقتحم أبصارهم تلك الصور وتتخطى ما يحيط بها من الأستار ويطفرون بعقولهم ويشبون بأفكارهم إلى ما وراء هذه الصور الشوهاء الملخبطة فيدركون ما تخفي ورائها من المعاني والأسرار.
أما الناحية الثانية التي يروج بها الدكتور لمشروعه وهي الناحية الفنية ونهوض صاحبه بها وتقدمه فإنا نتمنى لصاحبه ما يتمناه هو له من النبوغ والتقدم، وأن يكون في فنه من العبقريين على أن لا يجري ريشته في رءوس المسلمين.
أما بعد فإن عهدي بالدكتور طه حسين أنه من أولئك الرجال الذين لا يستفتون غيرهم وإنما يستفتون قلوبهم وإن أفتاهم المفتون لا يدفعه إلى أمر دافع، ولا يرجعه أو يثنيه عن رغيبة أرادها راجع، فما باله اليوم ينزل عن مطيته، ولا يمضي لطيته حتى يجيزه اثنان ارتضاهما من بين رجال الدين.
ثم أقول لحضرتي الشيخين اللذين أجازا في كتابيهما هذا العمل وأظهرا استحسانهما الشديد له: على أي أساس بنيتما هذا الأذن وكيف كان هذا الاستحسان؟ فهل غاب عنكما وأنتما من أعرف الناس بروح هذا العصر، وما يغلب على أهله من التمرد على الدين والإلحاد فيه - ما يترتب على هذا العمل من خطر، وما ينشأ عنه من فتن تفتح أبوابها وتفغر أفواهها.
وهل نسيتما سد الذرائع؟ عسى أن تعدا في العصريين، وألا تكونا مثلنا عن ركب الحياة متخلفين! خدعونا بقولهم حسناء ... والغواني يغرهن الثناء
ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا يا أرحم الراحمين. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة الإثنين 01 أغسطس 2016, 8:13 am | |
| - 7 - حول كتاب من هنا نبدأ: وقد أخرج الشيخ خالد محمد خالد من العلماء كتاباً عام 1950م، سماه: «من هنا نبدأ»..
وقد ثار العلماء على هذا الكتاب، وكثرت حركة النقد حوله مما هو مشهور ومعروف.
وقد صودر الكتاب ونظرت قضية مصادرته أمام القضاء، فحكم بإلغاء أمر مصادرته، لأن حرية الرأي مكفولة في حدود القانون، والكتاب لا ينطوي على جريمة ما، وقد كتب خالد محمد خالد مقالة في المصري بعنوان «شموع لا حراب» قال في آخرها: «لقد احتكم الأزهر إلى القضاء، وقال القضاء كلمته، فلننحن لها في خشوع وإعجاب، فإنها كضوء الفجر منيرة هادية».
-8 - وطالبت الهيئات النسائية بإعطاء المرأة حقوقها السياسية، وأيدها في ذلك بعض الأفراد، فنشر مفتي الديار المصرية الشيخ مخلوف عام 1952م، فتوى جاء فيها: عني الإسلام أتم عناية بإعداد المرأة الصالحة للمساهمة مع الرجل في بناء المجتمع على أساس من الدين والفضيلة والخلق القويم وفي حدود الخصائص الطبيعية لكل من الجنسين فرفع شأنها وكون شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها كالرجل طلب العلم والمعرفة، ثم ناط بها من شئون الحياة ما تهيؤها لها طبيعة الأنوثة وما تحسنه حتى إذا نهضت بأعبائها كانت زوجة صالحة وأما مربية وربة منزل مدبرة وكانت دعامة قوية في بناء الأسرة والمجتمع.
وكان من رعاية الإسلام لها حق الرعاية أن حاط عزتها وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة وحمى أنوثتها الظاهرة من العبث والعدوان وباعد بينها وبين مظان الزيف وبواعث الافتتان فحرم على الرجل الأجنبي الخولة بها، والنظرة العارمة إليها، وحرم عليها أن تبدي زينتها إلى ما ظهر منها، وأن تخالط الرجال في مجامعهم، وأن تتشبه بهم فيما هو من خواص شئونهم، وأعفاها من وجوب صلاة الجمعة والعيدين مع ما عرف عن الشارع من شديد الحرص على اجتماع المسلمين وتواصلهم، وأعفاها في الحج من التجرد للإحرام، ومنعها الإسلام من الأذان العام، وإمامة الرجال للصلاة، والإمامة العامة للمسلمين، وولاية القضاء بين الناس، وأثم من يوليها، بل حكم ببطلان قضائها على ما ذهب إليه جمهور الأئمة، ومنع المرأة ولاية الحروب وقيادة الجيوش ولم يبح لها من معونة الجيش إلا ما يتفق وحرمة أنوثتها.
وقد قال تعالى للمؤمنين بعد أن أمرهم بطاعة اللّه وطاعة رسوله وأولي الأمر: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه والرسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً)، والرد إلى اللّه والرسول هو الرد إلى القرآن والسنة، وقال تعالى: "وَما آتاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"، فليس للمرأة المؤمنة أن تترك ما حدده لها الشارع الحكيم وتأخذ بما نهاها عنه، وقد قال تعالى لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهن "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ اَلْجاهِلِيَّةِ اَلْأُولى وَأَقِمْنَ اَلصَّلاةَ وَآتِينَ اَلزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اَللّهَ وَرَسُولَهُ".
عن أنس رضي اللّه عنه أن بعض النساء قلن يا رسول اللّه ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل اللّه فما لنا من عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل اللّه تعالى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَنْ قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل اللّه تعالى والجهاد سنام الإسلام وعموده وما دونه لا يُدانيه فضلاً وأجراً)، وقال تعالى: "وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ".
قال القرطبي: ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة بدنها وصوتها فلا يجوز كشف ذلك إلا للضرورة القصوى وفي الحديث: (المرأة عورة وإذا خرجت استشرفها الشيطان وإنها تكون أقرب إلى اللّه منه في بيتها)، وفي الحديث الصحيح: (لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي رحم) وفيه: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) - وفيه: (لَعَنَ رسولُ اللّهِ المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)، وفيه: (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)، وهذا من أعلام النبوة التي وقعت.
ولا سبيل الى استقصاء الآيات والأحاديث الواردة في ذلك لكثرتها، بل ما كنا في حاجة إلى ذكرها وهي من بديهيات التشريع وفيها الدلالة القاطعة على أن الشريعة الإسلامية لا تبيح للمرأة ما تطالب به الآن مما سمته حقوقاً لها وهو اعتداء منها على الحقوق التي خُصَّ بها الرجال.
وكل ما أباحه لها الشارع وما منعها إنما هو لخيرها وصونها وسد ذرائع الفتنة منها والافتتان بها حذراً من أن يحيق بالمجتمع ما يفضي إلى انحلاله وانهيار بنائه واللّه أعلم بما للطبائع البشرية من سلطان ودوافع وبما للنفوس من ميول ونوازع والناس يعلمون والحوادث تصدق.
ولقد بلغ من أمر الحيطة للمرأة أن أمر اللّه تعالى نساء نبيه صلى اللّه عليه وسلم بالحجاب وهن أمهات المؤمنين حرمة واحتراما وأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم تمس يده وهو المعصوم أيدي النساء اللاتي بايعنه - وأن المرأة لم تول ولاية من الولايات الإسلامية في عهده ولا في عهد الخلفاء الراشدين ولا في عهود من بعدهم من الملوك والأمراء ولا حضرت مجالس تشاوره صلى اللّه عليه وسلم مع أصحابه من المهاجرين والأنصار.
ذلك شأن المرأة في الإسلام ومبلغ تحصينها بالوسائل الواقية، فهل تريد المرأة الآن أن تخترق آخر الأسوار وتقتحم على الرجال قاعة البرلمان فتزاحم في الانتخاب والدعاية والجلسات واللجان والحفلات والتردد على الوزارات والسفر إلى المؤتمرات والجذب والدفع وما إلى ذلك مما هو أكبر إثما وأعظم خطرا من ولاية القضاء بين خصمين وقد حرمت عليها واتفق أئمة المسلمين على تأثيم من يوليها تاركة زوجها وأطفالها وبيتها وديعة في يد من لا يرحم.
إن ذلك لا يرضاه أحد ولا يقره الإسلام بل ولا الأكثرية الساحقة من النساء اللهمّ إلا من يدفعه تملق المرأة أو الخوف من غضبتها إلى مخالفة الضمير والدين ومجاراة الأهواء ولا حسبان في ميزان الحق لهؤلاء..
على المسلمين عامة أن يتعرفوا حكم الإسلام فيما يعتزمون الإقدام عليه من عمل، فهو مقطع الحق وفصل الخطاب، ولا خفاء في أن دخول المرأة في معمعة الانتخاب والنيابة غير جائز لما بيناه.
وإننا ننتظر من السيدات الفضليات أن يعملن بجد وصدق لرفعة شأن المرأة من النواحي الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية الصحيحة في حدود طبيعة الأنوثة والتعاليم الإسلامية قبل أن يحرصن على خوض غمار الانتخاب والنيابة - و أن نسمع منهن صيحة مدوية للدعوة إلى وجوب تمسك النساء عامة بأهداب الدين والفضيلة في الأزياء والمظاهر والاجتماعات النسائية وغير ذلك مما هو كمال وجمال للمرأة المهذبة الفاضلة.
وأصدرت لجنة الفتوى في الأزهر حول هذا الموضوع هذه الفتوى: إن لجنة الفتوى تتوخى جهدها هذه الأصول والمبادىء -في بحث ما يعرض لها من المسائل- وتسير على هذا النهج في بحث المسألة الحاضرة:
مسألة حق المرأة في الانتخاب. وهي تقرر أن هذه المسألة ذات شقين: الأول: أن تكون المرأة عضواً في البرلمان. الثاني: أن تشترك في انتخاب مَنْ يكون عضواً فيه.
ولمعرفة الحكم في هذين الأمرين اللذين يتضمن أولهما نوعا من ولاية التصرف في شئون عامة، يلزم بيان أن الولاية نوعان. ولاية عامة وولاية خاصة.
فالولاية العامة: هي السلطة الملزمة في شأن من شئون الجماعة، كولاية من القوانين والفصل في الخصومات، وتنفيذ الأحكام، والهيمنة على القائمين بذلك.
والولاية الخاصة: هي السلطة التي يملك بها صاحبها التصرف في شأن من الشئون الخاصة بغيره كالوصاية على الصغار، والولاية على المال، والنظارة على الأوقاف.
وقد فسحت الشريعة للمرأة في هذا النوع الثاني من الولاية فهي تملك منها ما يملكه الرجل كما تملك التصرف في شئون نفسها الخاصة بها.
فلها حق التصرف في أموالها بالبيع والهبة والرهن والإجارة وغيرها من التصرفات وليس لزوجها ولا لأحد من أهلها حق معها في ذلك.
ملّكتها الشريعة ذلك كله مع إرشادها إلى ما يحفظ كرامتها وحياطتها بما فيه ضمان شرفها ومكانتها.
أما الولاية العامة -ومن أهمها مهمة عضو البرلمان وهي ولاية سن القوانين والهيمنة على تنفيذها- فقد قصرتها الشريعة الإسلامية على الرجال إذا توافرت فيهم شروط معينة.
وقد جرى التطبيق العملي على هذا من فجر الإسلام إلى الآن. فإنه لم يثبت أن شيئاً من هذه الولايات العامة قد أسند إلى المرأة، لا مستقلة ولا مع غيرها من الرجال وقد كان في نساء الصدر الأول مثقفات فضليات، وفيهن من تفضل كثيراً من الرجال كأمهات المؤمنين.
ومع أن الدواعي لاشتراك النساء مع الرجال في الشئون العامة كانت متوافرة لم تطلب المرأة أن تشترك في شيء من تلك الولايات ولم يطلب منها هذا الاشتراك، ولو كان لذلك مسوغ من كتاب أو سنة لما أهملت مراعاته من جانب الرجال والنساء بإطراد.
وهذه قصة سقيفة بني ساعدة في اختيار الخليفة الأول بعد الرسول صلى اللّه عليه وسلم قد بلغ فيها الخلاف أشده ثم استقر الأمر لأبي بكر وبويع بعد ذلك البيعة العامة في المسجد، ولم تشترك امرأة مع الرجال في مداولة الرأي في السقيفة ولم تدع لذلك، كما أنها لم تدع ولم تشترك في تلك البيعة العامة.
وكم من اجتماعات شورية من النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، ومن الخلفاء وإخوانهم في شئون عامة لم تدع إليها المرأة ولم تشترك فيها.
والدليل الشرعي على هذا المنع هو ما رواه البخاري في صحيحه وأخرجه أحمد في مسنده والنسائي في سنته والترمذي في جامعه - قال البخاري: حدثنا عثمان بن الهيثم قال حدثنا عوف عن الحسن البصري عن أبي بكر قال: «لقد نفعني اللّه بكلمة أيام الجمل، لما بلغ النبي صلى اللّه عليه وسلم أن فارس مَلّكُوا ابنة كسرى قال: «لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة».
وظاهر أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم لا يقصد بهذا الحديث مجرد الإخبار عن عدم فلاح القوم الذين يولون المرأة أمرهم، لأن وظيفته عليه الصلاة والسلام بيان ما يجوز لأمته أن تفعله حتى تصل إلى الخير والفلاح، وما لا يجوز لها أن تفعله حتى تسلم من الشر والخسار، وإنما يقصد نهي أمته عن مجاراة الفرس في إسناد شيء من الأمور العامة إلى المرأة.
وقد ساق ذلك بأسلوب من شأنه أن يبعث القوم الحريصين على فلاحهم وانتظام شملهم على الامتثال، وهو أسلوب القطع بأن عدم الفلاح ملازم لتولية المرأة أمراً من أمورهم.
ولا شك أن النهي المستفاد من الحديث يمنع كل امرأة في أي عصر من العصور أن تتولى أي شيء من الولايات العامة وهذا العموم تفيده صيغة الحديث وأسلوبه كما يفيده المعنى الذي من أجله كان هذا المنع، وهذا هو ما فهمه أصحاب الرسول صلى اللّه عليه وسلم وجميع أئمة السلف لم يستثنوا من ذلك امرأة ولا قوماً ولا شأناً من الشئون العامة.
فهم جميعاً يستدلون بهذا الحديث على حرمة تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء وقيادة الجيوش وما إليها من سائر الولايات العامة.
هذا الحكم المستفاد من الحديث وهو منع المرأة من الولايات العامة ليس حكما تعبديا يقصد مجرد امتثاله دون أن تعلم حكمته وإنما هو من الأحكام المعللة بمعان واعتبارات لا يجهلها الواقفون على الفروق الطبيعية بين نوعي الإنسان: «الرجل والمرأة».
ذلك أن هذا الحكم لم ينط بشيء وراء «الأنوثة» التي جاءت كلمة «امرأة» في الحديث عنوانا لها، وإذا فالأنوثة وحدها هي العلة فيه.
وواضح أن الأنوثة ليس من مقتضاها الطبيعي عدم العلم والمعرفة ولا عدم الذكاء والفطنة حتى يكون شيء من ذلك هو العلة، لأن الواقع يدل على أن للمرأة علما وقدرة على أن تعلم كالرجل بل قد تفوق الرجل في العلم والذكاء والفهم؟ فلا بد أن يكون الموجب لهذا الحكم شيئا وراء ذلك كله.
إن المرأة بمقتضى الخلق والتكوين مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها، وهي مهمة الأمومة وحضانة النشء وتربيته وهذه قد جعلتها ذات تأثر خاص بدواعي العاطفة وهي مع هذا تعرض لها عوارض طبيعية تتكرر عليها في الأشهر والأعوام من شأنها أن تضعف قوتها المعنوية وتوهن من عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به والقدرة على الكفاح والمقاومة في سبيله وهذا شأن لا تنكره المرأة من نفسها. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة الإثنين 01 أغسطس 2016, 8:21 am | |
| ولا تعوزنا الأمثلة الواقعية التي تدل على أن شدة الانفعال والميل مع العاطفة من خصائص المرأة في جميع أطوارها وعصورها. فقد دفعت هذه الغرائز المرأة في أسمى بيئة نسوية إلى تغليب العاطفة على مقتضى العقل والحكمة، وآيات من سورة الأحزاب: تشير إلى ما كان من نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم وتطبعهن إلى زينة الدنيا ومنعتها ومطالبتهن الرسول أن يغدق عليهن مما أفاء اللّه به من الغنائم حتى يعشن كما تعيش زوجات الملوك ورؤساء الأمم. لكن القرآن قد ردهن إلى مقتضى العقل والحكمة في ذلك: "يا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اَلْحَياةَ اَلدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اَللّهَ وَرَسُولَهُ وَاَلدّارَ اَلْآخِرَةَ فَإِنَّ اَللّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً"، وآية أخرى من سورة التحريم تحدث عن غيرة بعض نسائه عليه الصلاة والسلام وما كان لها من الأثر في تغليبهن العاطفة على العقل، مما جعلهن يدبرن ما يتظاهرن به على الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وقد ردهن القرآن إلى الجادة: "إِنْ تَتُوبا إِلَى اَللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللّهَ هُوَ مَوْلاهُ، وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَاَلْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ".
هذه هي المرأة في أسمى البيئات النسوية لم تسلم من التأثر الشديد بدواعي العاطفة ولم تنهض قوتها المعنوية على مغالبة نوازع الغيرة مع كمال إيمانها ونشأتها في بيت النبوة والوحي، فكيف بامرأة غيرها لم تؤمن إيمانها ولم تنشأ نشأتها وليس لها ما تطمع به أن تبلغ شاؤها أو تقارب منزلتها؟!
فالحق إن المرأة بأنوثتها عرضة للانحراف عن مقتضى الحكمة والاعتدال في الحكم، وهذا هو ما عبر عنه الرسول صلى اللّه عليه وسلم بنقصان العقل ورتب عليه -كما جاء في القرآن الكريم- إن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل وقد بنت الشريعة على هذا الفرق الطبيعي بين الرجل والمرأة التفريق بينهما في كثير من الأحكام: جعلت القوامة على النساء للرجال؟ "اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى اَلنِّساءِ بِما فَضَّلَ اَللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ"، وجعلت حتى طلاق المرأة للرجل دونها ومنعتها السفر دون محرم أو زوج أو رفقة مأمونة ولو كان سفرها لأداء فريضة الحج.
وجعلت لها حق الحضانة للصغار دون الرجل، وأوجبت على الرجل حضور الجمعة والجماعات والجهاد ولم توجب عليها شيئاً من ذلك.
وإذا كان الفرق الطبيعي بين الرجل والمرأة قد أدى في نظر الشريعة إلى التفرقة بينهما في هذه الأحكام التي لا تتعلق بالشئون العامة للأمة فإن التفرقة بينهما بمقتضاه في الولايات العامة -التي يجب أن تكون بمنأى عن مظان التأثر بدواعي العاطفة- تكون في نظر الحكمة أحق وأوجب.
ومن هنا تقرر لجنة الفتوى، أن الشريعة الاسلامية تمنع المرأة -كما جاء في الحديث الشريف- أن تلي شيئاً من هذه الولايات، وفي مقدمتها ولاية سن القوانين التي هي مهمة أعضاء البرلمان.
هذا- وليس من الولايات العامة التي تمنع منها المرأة ما يعهد به إلى بعض النساء من الوظائف والأعمال كالتدريس للبنات وعمل الطبيبة والممرضة في علاج المرضى من النساء وتمريضهن، فإن هذه الأعمال وما شابهها ليس فيها معنى الولاية العامة، الذي هو سلطان الحكم وقوة الإلزام.
وقد استند دعاة حق المرأة في الانتخاب إلى بعض وقائع حسبوها من الولاية العامة التي تولتها المرأة على حين أنها ليست من هذه الولاية في شيء، فقد قالوا إن السيدة عائشة رضي اللّه عنها تولت قيادة الجيش في واقعة الجمل لمقاتلة حزب علي رضي اللّه عنه، وإيراد هذه الوقعة على هذا الوجه ليس فيه إنصاف للحقيقة والتاريخ.
فإن السيدة عائشة لم تخرج محاربة ولا قائدة لجيش محارب، وإنما خرجت داعية للمطالبة بدم عثمان رضي اللّه عنه، وقد دفعها إلى ذلك أنها كانت ساخطة -كغيرها من أهل عثمان وأشياعهم- على خطة التريث والتمهل وعدم المبادرة بالبحث قبل كل شيء عن قتلة عثمان والاقتصاص منهم، وهذا أمر ليس من الولاية العامة في شيء كما قلنا.
على أن صنيع السيدة عائشة هذا ليس فيه دليل شرعي يصح الاستناد إليه، فإن كان عن اجتهاد منها، وكانت مخطئة فيه.
وقد أنكر عليها بعض الصحابة هذا الخروج فاعترفت بخطئها وندمت على خروجها.
وفي ذلك يروي الحافظ بن حجر في شرح صحيح البخاري يقول: أخرج عمر بن شبة من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن أن عائشة أرسلت إلى أبي بكرة -تدعوه إلى الخروج معها- فقال: إنك لأم وإن حقك لعظيم، ولكن سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «لن يفلح قوم تملكهم امرأة» ولم يخرج معها أبو بكرة.
وورد كذلك من طريق قيس بن أبي عاصم قال: لما أقبلت عائشة فنزلت ببعض مياه بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت: أي ماء هذا؟ فقالوا: الحواب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة فقال لها بعض مَنْ كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيُصلح اللّهُ ذات بينهم، فقالت: إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لنا ذات يوم: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحواب؟».
وأخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم وصححه بن حبان وسنده على شرط الصحيح، وورد عن طريق عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لنسائه: «أيتكن صاحبة الجمل الأدبب (1) تخرج حتى تنبحها كلاب الحواب يقتل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثيرة وتنجو بعد ما كادت».
وأخرج أحمد والبزار بسند حسن من حديث أبي رافع أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: «إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر» قال: فأنا أشقاهم يا رسول اللّه؟ قال: لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها.
من هذه الأحاديث المتعددة الطرق يتضح لمَنْ اشتبه عليهم الأمر أن موقف السيدة عائشة رضي اللّه عنها في واقعة الجمل كان عن اجتهاد منها لم يقرها عليه كثير من الصحابة وإنها تذكرت ما أنبأ به النبي صلى اللّه عليه وسلم فندمت على خروجها واعترفت بخطئها.
وقد روى الطبراني بسند صحيح عن أبي يزيد المديني قال عمَّار بن ياسر لعائشة لما فرغوا من الجمل: ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكن - يشير إلى قوله تعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" فقالت: «أبو اليقظان؟ قال: نعم قالت: واللّه إنك ما علمت لقوال بالحق، قال الحمد للّه الذي قضى لي على لسانك».
فهي تعترف بخطئها وتقر عماراً على إنكاره لصنيعها وتوافقه على أن الخروج لمثل ذلك الشأن لا يجوز للنساء.
ويجدر أن نسوق هنا ما رواه أبو يعلي والبزار عن أنس قال: أتت النساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلن يا رسول اللّه ذهب الرجال بالفضل بالجهاد في سبيل اللّه فما لنا عمل ندرك به عمل الجهاد في سبيل اللّه؟ فقال: «مهنة إحداكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل اللّه»، هذا إلى ما قدمناه من أن خروج السيدة عائشة في هذه الواقعة ليس من الولاية العامة، فلا يتصل بموضوع اليوم في شيء.
وأبعد من ذلك عن الموضوع ما يستدل به أنصار حق المرأة في الانتخاب من أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم بايع النساء كما بايع الرجال.
ومبايعة النساء هذه، هي التي جاء بها القرآن الكريم في قول اللّه تعالى في سورة الممتحنة: "يا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذا جاءَكَ اَلْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاِسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اَللّهَ إِنَّ اَللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، هذه هي المبايعة التي يستدل بها أنصار حق المرأة في الانتخاب وهي عهدٌ من اللّه ورسوله قد أخذ على النساء ألا يخالفن أحكام اللّه وأن يتجنبن تلك الموبقات المهلكات التي كان أمرها شائعاً فاشياً في العرب قبل الإسلام.
فأي شيء في هذا يصلح مستنداً لأنصار هذا الرأي؟.
إنه لم يَدَّع أحدٌ أن المرأة ممنوعة من تلقي دروس العلم والمعرفة أو من حضور مجالس العلم محتشمة لسماع تعاليم الدين والوعظ والارشاد، بل إن الإسلام يحتم عليها أن تتعلم وتتثقف وتتأدب بآداب الدين الصحيحة كما يحتم ذلك على الرجل، فهذا حق لها وواجب عليها.
حق لها على الأمة أن تمكنها من أن تتعلم كل ما يصلح لها في دينها ودنياها، وواجب عليها أن تبذل جهدها في سبيل هذه المعرفة، ولا يجب عليها أن تسأل في ذلك عما تجهل وأن تناقش فيما لا تقتنع به مما تسمع ومما هي في حاجة إليه من العلوم والمعارف.
ولها في ذلك أسوة ببعض نساء السلف إذ اعترضت إحداهن على عمر وقد كان يخطب الناس في المسجد ينهاهم عن المغالاة في المهور فقالت: أيعطينا اللّه ويمنعنا عمر؟ تشير إلى قوله تعالى: "وَإِنْ أَرَدْتُمُ اِسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً".
وفي هذا يروي ابن أبي يعلي عن مسروق أن عمر لما راجعته تلك المرأة بعد ما نزل من المنبر قال: كل الناس أفقه من عمر ثم صعد المنبر فقال: كنت نهيتكم أن تزيدوا على أربعمائة، فمن طابت نفسه فليفعل، كل هذا لائق بالمرأة وهو كما قلنا حق لها وواجب عليها لكنه لا نسبة له بما تطالب به اليوم من الولاية العامة وما تدعيه من حق الاشتراك في الانتخاب.
وفي رأينا أن مبايعة النساء للرسول صلى اللّه عليه وسلم إن دلت على شيء يصح التمسك به في المسألة الحاضرة فذلك هو التفرقة في الأعمال بين ما ينبغي أن يكون للرجال أو للنساء، فهي حجة على أنصار دعوى المساواة بين الرجل والمرأة وليست دليلاً لهم، ذلك أن مبايعة النساء هذه كانت عقب فراغ النبي صلى اللّه عليه وسلم من مبايعة الرجال عند الصفا يوم فتح مكة.
فقد بايع هؤلاء الرجال أولاً ولكن على ماذا؟ على الإسلام والجهاد.
فإن هذا الأمر الذي يليق بهم وينتظر منهم، كما بايعهم قبل ذلك في الحديبية سنة ست من الهجرة على ألا يفروا من الموت، وكما بايع نقباء الأنصار في منى قبل الهجرة على السمع والطاعة والنصرة وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم.
أما مبايعة النساء فكانت على ما قدمنا مما وردت به الآية الكريمة من سورة الممتحنة.
وللّه الحكمة البالغة، لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها.
إذاً- لا شيء مما يستدل به دعاة حق المرأة في الانتخاب يصح أن يكون دليلاً لهم، ولا شيء منه يمكن أن يكون من الولاية العامة.
أما الذي هو من الولايات العامة فهو تولى شجرة الدر ملك مصر، لكنَّا لا نظن أحداً من أهل الجد في القول يلجأ إلى هذا الأمر فيجعل منه دليلاً شرعياً على أن الإسلام يجيز في الملك أن تتولاه امرأة، هذا ما رأته اللجنة في حكم أحد الأمرين وهو الخاص بانتخاب المرأة لتكون عضواً في البرلمان.
أما الأمر الثاني وهو اشتراكها في انتخاب مَنْ يكون عضواً فيه، فاللجنة ترى أنه بابٌ تريد المرأة أن تنفذ منه إلى تلك الولاية العامة التي حظرتها عليها الشريعة، ذلك أن مَنْ يثبت له حق الاشتراك في الانتخاب فإنه يثبت له حق ترشيح نفسه لعضوية البرلمان متى توافرت فيه الشروط القانونية لهذه العضوية.
وبعيد أن ينشأ للمرأة قانون يبيح لها الاشتراك في التصويت ثم يمنعها -لأنوثتها- من ترشيح نفسها للعضوية وهي التي لا تقنع بأن الأنوثة تمنعها من شيء ولا ترضى إلا بأن تكون مساوية للرجل في كل شيء.
وإذاً- لا يصح أن يفتح لها باب التصويت عملاً بالمبدأ المقرر في الشريعة والقانون: (إن وسيلة الشيء تأخذ حكمه).
فالشيء الممنوع بسبب ما يلازمه أو ما يترتب عليه من ضرر أو مفسدة تكون الوسيلة إليه ممنوعة لهذا السبب نفسه، فإنه لا يسوغ في عقل ولا شرع أن يمنع شيء لما يترتب عليه أو يلازمه من مضار ويسمح في الوقت نفسه بالوسائل التي يعلم أنها تتخذ طريقاً إليه، وبهذا يتبين أن حكم الشريعة في اشتراك المرأة في انتخاب عضو البرلمان هو كحكمها في اختيارها لتكون عضوا فيه.
كلاهما ممنوع.
هذا- ويتبين مما قدمنا أن الحكم في المسألة بشقيها على هذا الوجه لم ينظر فيه إلى شيء آخر وراء طبيعة هذين الأمرين، أما إذا نظرنا إلى ما يلازم عملية الانتخاب المعروفة والترشيح لعضوية البرلمان من مبدأ التفكير فيه إلى نهايته، فإنا نجد سلسلة من الاجتماعات والاختلاطات والأسفار للدعاية والمقابلات وما إلى ذلك مما تتعرض المرأة فيه لأنواع من الشر والأذى، ويتعرض لها فيه أرباب القلوب المريضة الذين ترتاح أهواؤهم وتطمئن أنفسهم لمثل هذا الاختلاط بين الرجال والنساء فهذه مواقف لا ينبغي للمرأة أن تزج بنفسها في معتركها غير المأمون.
ويجب عليها أن تنأي بنفسها عنها حفظاً لكرامتها وصوناً لسمعتها.
وهذا واقع لا ينبغي إغفاله أو التغافل عنه ويجب تقدير الأمور وتقرير الأحكام على أساسه، وقد تكفي هذه الإشارة في التنبيه إلى مضار الاختلاط في اجتماعات الرجال والنساء، وآيات من الكتاب العزيز ترسم لنا الطرق الصالحة في التربية الاجتماعية والتهذيب الخلقي والأدب الديني الصحيح، فعلينا أن نعتبر بها ونقيس بتعاليهما ما هو واقع في اجتماعاتنا لنعرف مدى قربنا أو بعدنا من هذه التعاليم: "يا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ اَلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اَللّهُ غَفُوراً رَحِيماً، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اَللّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ اَلتّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي اَلْإِرْبَةِ مِنَ اَلرِّجالِ أَوِ اَلطِّفْلِ اَلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ اَلنِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اَللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". بإمضاء: محمد عبد الفتاح العناني رئيس لجنة الفتوى بالأزهر.
وقد كتب الدكتور أحمد زكي بك والأستاذ إسماعيل مظهر يؤيدان قضية المرأة، ورد عليهما علماء الوعظ بالأزهر بآيات وأحاديث شريفة، مغزاها خلاف ما ذهب إليه الدكتور زكي والأستاذ مظهر.
وقد نشر الشيخ علَّام نصار المفتي آراء له حول: تعدد الزوجات، والطلاق وسواها.. وقد قامت معركة حول هذه الآراء، واشتركت في مناقشتها والرد عليها «جبهة علماء الأزهر» في كتاب نشرته.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة الجمعة 21 أكتوبر 2016, 9:55 pm | |
| - 9 - فكرة توحيد التعليم: هذه الفكرة أيدها الدكتور طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة»، فرأى أن يكون التعليم موحداً في الدولة وأن تكون المعاهد الثانوية مدارس ثانوية خاضعة لوزارة المعارف، وتستقل كليات الأزهر بالدراسات الدينية.
وقد كتب الدكتور محمد يوسف موسى في 6 اغسطس 1950 كلمة في الأهرام يؤيد فيها هذا الرأي، ورد عليه الأستاذ الشيخ الطيب النجار عضو جماعة كبار العلماء وغيره من أساتذة الأزهر.
- 10 - لمناسبة الاحتفال بسفر المحمل والكسوة الشريفة عام 1952 وما يلازم هذا الاحتفال عادة من تقاليد والطقوس بعث علي ماهر رئيس الوزراء سابقاً إلى فضيلة مفتي الديار المصرية بكتاب يستفتيه في حكم الشريعة في هذه التقاليد والطقوس.
وقد جاء فيه: جرت العادة في حفلة المحمل السنوية على نظم وتقاليد وطقوس نرجو التفضل ببيان الحكم الشرعي فيها قبل الموعد المحدد للحفلة في هذا العام، مع الإحاطة بأننا نعتبر هذه لا تعدوا أن تكون إيذانا بافتتاح موسم الحج، وإذا رأيتم فضيلتكم الاتصال بصاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر وصاحب الفضيلة رئيس المحكمة الشرعية ليكون الرأي إجماعياً نكون لكم من الشاكرين.
وقد قدم حضرة صاحب الفضيلة مفتي الديار المصرية فتواه في الرد على رئيس الوزراء مؤيدة برأي فضيلة شيخ الجامع الأزهر وفضيلة رئيس المحكمة العليا الشرعية إلى الرئيس علي ماهر.
وجاء فيها ما يلي بعد الديباجة: تشرفت اليوم بتلقي كتابكم المؤرخ 18/ 8 / 1952 الذي تطلبون فيه الرأي الشرعي في النظم والتقاليد والطقوس التي تجري في الحفلة السنوية للمحمل، ونفيد أننا منذ مدة قد بيَّنا الحكم في ذلك بياناً واضحاً واستنكرنا بعض هذه التقاليد استنكاراً صريحاً لمخالفتها لتعاليم الإسلام.
وقد جرت العادة على إقامة هذه الحفلة كل عام عند سفر المحمل وعند عودته بما في ذلك هذه التقاليد التي ينكرها الشرع والتي هي بدع سيئة لا أصل لها في الدين ويجب إزالتها والقضاء عليها.
ومن ذلك: 1 - الطواف بالمحمل سبع مرات حول الدائرة التي ترسم له أمام السرادق المعد للاجتماع الرسمي رمزاً إلى الطواف حول الكعبة سبعة أشواط مع أن الطواف لم يُشرع إلا حول الكعبة في مناسك الحج والعمرة، ولا يجوز الرمز إلى ذلك بأية حال.
2 - دوران عدة من الجمال حول هذه الدائرة وعليها رجال يطبلون ويزمرون بملابس خاصة وصورة مزرية.
3 - تقبيل أمير الحج والعظماء المدعوين إلى الحفلة مقود الجمل الذي يحمل الهودج المرموز به إلى هودج شجرة الدر حين حجت في عهد دولة المماليك وليس لهذا أصل في الدين فضلاً عن أنه مما تأباه النفوس الكريمة.
فالتقبيل لم يؤذن به شرعاً في المناسك أو غيرها إلا في الحجر الأسود وفيه قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: «واللّه إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول اللّه يقبلك لما قبلتك».
4 - وقوف جماعة من مشايخ الطرق وأتباعهم أمام السرادق يقرأون الفاتحة ويبتهلون بأصوات صاخبة مزعجة وما كانت تلاوة القرآن لذلك وعلى هذا الوجه.
وقد تأصَّلت هذه الأعمال في النفوس حتى ظن عامة الناس أنها من الدين أو على الأقل من البدع الحسنة، والدين يأباها ويرشد إلى أنها من السوء بمكان وفي إقراره تضليل للعامة باعتقادهم أنها من الدين وهي ليست من الدين في شيء.
وبما أن الواجب شرعاً رد المسلمين إلى الحق والهدى وإرشاد العامة إلى ترك المعتقدات الباطلة والبدع السيئة وقد صح من المأثور أن مَنْ أمات بدعة فقد أحيا سُنَّة.
لهذا كله نرجو أن يفتتح هذا العهد الإصلاحي بتطهير العقائد والأعمال من شوائب المنكرات، واللّه يوفقكم ويصلح بكم ويسدد خطاكم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة الجمعة 21 أكتوبر 2016, 10:35 pm | |
| الباب التاسع: ألوان ثقافية في حياة الأزهر العلميّة - 1 - كان الأزهر لا يعني كثيرا بالعلوم العقلية في عهد الانحطاط العثماني، ومن شواهد ذلك أن أحمد كور باشا الذي تولى ولاية مصر عام 1161 ه في عهد مشيخة الشيخ عبد اللّه الشبراوي، ناقش شيخ الأزهر الشيخ الشبراوي، في إهمال الأزهر ومصر للعلوم الرياضية 1.
ومع ذلك فقد كان هناك قلة من العلماء تعني بهذه العلوم وتدرسها، ومن هؤلاء الشيخ حسن الجبرتي الذي كان ذا شهرة عظيمة في العلوم الرياضية، وقد ذكر ابنه المؤرخ في حديثه عنه في تاريخه أنه في سنة 1159 ه- 1805 م أتي إليه طلاب من الفرنجة، وتلقوا عليه علم الهندسة، وأهدوا إليه من مصنوعاتهم وآلاتهم أشياء نفيسة ثم رجعوا إلى بلادهم ونشروا بها ذلك العلم من ذلك الوقت، وأخرجوه من القوة إلى الفعل، واستخرجوا به صناعات بديعة، مثل طواحين الهواء، وجر الأثقال، واستنباط المياه، وما إلى هذا من الصناعات، فأي شيء بعد هذا يحتاج إليه في إثبات فضل الأزهر على العلم؟ __________ 1) 192 و93 ج 1 الجبرتي. __________ وأية يد أثيمة بعد هذا تحاول أن تناله بسوء، وأن تقابل فضله بالجحود؟ وقد تلقى الشيخ حسن الجبرتي هذه العلوم الرياضية في الأزهر، وكذلك غيرها من العلوم الدينية والعربية، وهو في الأصل من أهل الحبشة الذين رحلوا إلى الأزهر لطلب العلم، ولهم رواق فيه يسمى رواق الجبرتية، وقد تلقى العلوم الدينية والعربية على السيد محمد البنوفري والشيخ عمر الأسقاطي والشيخ أحمد الجوهري وغيرهم، وبدأ تلقي العلوم الرياضية على الشيخ محمد النجاحي، ثم قدم الشيخ حسام الدين الهندي إلى الأزهر، وكان بارعا في العلوم الرياضية والفلسفية، فتلقاها عليه بعض طلاب الأزهر، مثل الشيخ الوسيمي، والشيخ أحمد الدمنهوري، فذهب إليه الشيخ حسن الجبرتي ولازمه، وتلقى عليه كتبا نفيسة في هذه العلوم، مثل أشكال التأسيس في الهندسة، وتحرير أقليدس، والمتوسطات والمبادىء والغايات، والأكر، وعلم الأرتماطيقي، والجغرافيا، وعلم المساحة، ولم يزل يطلب هذه العلوم حتى برع فيها، وطارت شهرته بها، وكان يعرف اللغة التركية والفارسية، ويتكلم بهما كأهلهما، ثم اشتغل بالتدريس في الأزهر، وتلقى عليه فيه الشيخ أحمد الشيخ عبد الرحمن البنان والشيخ محمد الصبان والشيخ محمد عرفة الدسوقي والشيخ محمد الأمير، وغيرهم من أفاضل علماء الأزهر.
وكان يقتنى كثيرا من الكتب النفيسة في العربية والفارسية والتركية، ومما كان يقتنيه من الكتب الفارسية كتاب الكلستان، وديوان حافظ، وشاه نامه، وكان بها من الصور العجيبة ما يكسبها رونقا وبهاء، وكان عنده كثير من الآلات الفلكية، والكرات النحاسية، والآلات الإرتفاعية، والميالات، وحلق الأرصاد، والأسطرلابات، والعدد الهندسية، وآلات أكثر الصناعات كالنجارة وغيرها، وآلات الرسم والتقاسيم، وكان كل ماهر في صناعته يجتمع به ليتسفيد منه، وكان مع هذا يعرف صناعة التراكيب والتقاطير واستخراج المايه، وقد رسم في أيام اشتغاله ما لا يحصى من المنحرفات والمزاول، وفي سنة 1172 ه- 1758 م، وقع الخلل في الموازين فتحركت همته لتصحيحها، وأحضر الحدادين والسباكين، وحرر المثاقيل والصنج الكبار والصغار، ورسمها بطريق الاستخراج على أصل العلم العملي والوضع الهندسي، ولم ينقص هذا من إلمامه بالعلوم الدينية، بل كان حجة في الفقه وغيره من هذه العلوم، حتى إن القضاة لم يكونوا يثقون إلا بفتواه، وكانت وفاة هذا العالم الأزهري سنة 1188 ه- 1774م..
- 2 - وقد نعى الشيخ حسن العطار على الأزهر إهماله هذه العلوم وسواها وذلك في حاشيته على شرح جمع الجوامع في أصول الفقه 1 وكان من تلامذة العطار رفاعة رافع الطهطاوي الأزهري، الذي سافر مع بعثات محمد علي إلى باريس، وله كتاب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» وكتاب مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، الذي يقول فيه عن محمد علي وعهده 2إنه جدد دروس العلوم بعد اندراسها، وأوجدت بعد العدم رؤساء العلماء والفضلاء نتيجة قياسها، لقصد انتشار العلم والزيادة في الفضائل، فأتى من ذلك بما لم تستطعه الأوائل، غير أنه -حفظه اللّه وأبقاه- و لو أنه أعلى منار الوطن ورقاه.
لم يستطع إلى الآن أن يعمم أنوار هذه المعارف المتنوعة بالجامع الأزهر الأنور، ولم يجذب طلابه إلى تكميل عقولهم بالعلوم الحكمية التي كبير نفعها في الوطن ليس ينكر، نعم إن لهم اليد البيضاء في إتقان الأحكام الشرعية العملية والاعتقادية، وما يجب من العلوم الآلية كعلوم العربية الإثني عشر، وكالمنطق والوضع وآداب البحث والمقولات وعلم الأصول المعتبر، غير أن هذا وحده لا يفي للوطن بقضاء الوطر، والكامل يقبل الكمال كما هو متعارف عند أهل النظر، ومدار سلوك جادة الرشاد والإصابة، منوط بعدول الأمر، بهذه العصابة، التي ينبغي أن __________ 1) 461/ 2. 2) 28 تاريخ الإصلاح في الأزهر للصعيدي، 247 - 250 مناهج الألباب المصرية لرفاعة. __________ تضيف إلى ما يجب عليها من نشر السنة الشريفة، ورفع أعلام الشريعة المنيفة، معرفة سائر المعارف البشرية المدنية، التي لها مدخل في تقديم الوطنية، من كل ما يحمد على تعلمه وتعليمه علماء الأمة المحمدية، فإنه بانضمامه إلى علوم الشريعة والأحكام، يكون من الأعمال الباقية على الدوام، ويقتدى بهم في اتباعه الخاص والعام، حتى إذا دخلوا في أمور الدولة، يحسن كل منهم في إبداء المحاسن المدنية قوله، فإن سلوك طريق العلم النافع من حيث هو مستقيم، ومنهجه الأبهج هو القويم، يكون بالنسبة للعلماء سلوكه أقوم، وتلقيه من أفواههم أتم وأنظم، لا سيما أن هذه العلوم الحكمية العملية التي يظهر الآن أنها أجنبية هي علوم إسلامية نقلها الأجانب الى لغاتهم من الكتب العربية، ولم تزل كتبها إلى الآن في خزائن ملوك الإسلام كالذخيرة، بل لا زال يتشبث بقراءتها ودراستها من أهل أوروبا حكماء الأزمنة الأخيرة، فإن من اطلع على سند شيخ الجامع الأزهر الشيخ أحمد الدمنهوري (1101 - 1192 ه) -الذي كانت مشيخته قبل شيخ الإسلام أحمد العروسي الكبير (1132 - 1208 ه) جدّ شيخ شيوخ الجامع الأزهر، السيد المصطفوي العلم الشهير 1رأى أنه أحاط من دوائر هذه العلوم بكثير، وأنه له فيها المؤلفات الجمة، وأن تلقيها إلى أيامه كان عند الجامع الأزهر من الأمور المهمة. فإنه يقول فيه بعد سرد ما تلقاه من العلوم الشرعية وآلاتها معقولاً ومنقولاً: أخذت عن أستاذنا الشيخ المعمر الشيخ علي الزعتري.
خاتمة العارفين بعلم الحساب واستخراج المجهولات وبما توقف عليها.
كالفرائض والميقات، وسيلة ابن الهائم ومعونته -كلاهما في الحساب- والمقنع لابن الهائم، ومنظومة الياسمين في الجبر والمقابلة، ودقائق الحقائق في حساب الدرج والدقائق لسبط المارديني في علم حساب الأزياج، ورسالتين إحداهما على ربع المقنطرات وأخراهما على ربع __________ 1) يعني بذلك الشيخ مصطفى العروسي (1213 - 1293 ه). __________ المجيب -كلاهما للشيخ عبد الله المارديني جد السبط- ونتيجة الشيخ اللاذقي المحسوبة لعرض مصر، والمنخرفات لسبط المارديني في علم وضع المزاول، وبعض اللمعة في التقويم. وأخذت عن سيدي أحمد القرافي الحكيم بدار الشفاء بالقراءة عليه كتاب الموجز واللمحة العفيفة في أسباب الأمراض وعلاماتها بشرح الأمشاطي، وبعضا من قانون ابن سينا، وبعضا من كامل الصناعة، وبعضا من منظومة ابن سينا الكبرى -والجميع في الطب- وقرأت على استاذنا الشيخ عبد الفتاح الدمياطي كتاب لقط الجواهر في الحدود والدوائر لسبط المارديني في الهيئة السماوية، ورسالة ابن الشاطر في علم الاضطراب، ورسالة قسطا بن لوقا في العمل بالكرة وكيفية أخذ الوقت منها، والدر لابن المجدي في علم الزيج.
وقرأت على أستاذنا الشيخ سلامة الفيومي أشكال التأسيس في الهندسة، وبعضا من الجغميني في علم الهيئة، وبعضا من رفع الأشكال عن مساحة الأشكال في علم المساحة، وقرأت على الشيخ عبد الجواد المرحومي جملة كتب، منها رسالة في علم الأرتماطيقي للشيخ سلطان المزاحي.
وقرأت على الشيخ الشهير بالسحيمي منظومة الحكيم درمقاش المشتملة على علم التكسير وعلم الأوفاق وعلم الاستنطاقات وعلم التكعيب، ورسالة اخرى في رسم ربع المقنطرات والمنحرفات لسيط المارديني، وعلم المزاول ومنظومة في علم الأعمال الرصدية وروضة العلوم وبهجة المنطوق والمفهوم لمحمد بن صاعد الأنصاري، وهي كتاب يشتمل على سبعة وسبعين علما، أولهما علم الحرف وآخرها علم الطلاسم، ورسالة للإسرائيلي، ورسالة للسيد الطحان -كلاهما في علم الطالع- ورسالة للخازن في علم المواليد- أعني الممالك الطبيعية وهي الحيوانات والنباتات والمعادن -وأخذت عن شيخنا الشيخ حسام الدين الهندي شرح الهداية في علم الحكمة، ومتن الجغميني في علم الهيئة-بمراجعة قاضي زاده ومطالعة السيد عليه-و أخذت عن سيدي أحمد الشرفي شيخ المغاربة بالجامع الأزهر كتاب اللمعة في تقويم الكواكب السبعة.
ولما ذكر ما تلقاه من هذه العلوم أعقبه بما طالعه بنفسه بدون الأخذ عن شيخ فقال:
طالعت كتاب إحياء الفؤاد بمعرفة خواص الأعداد في علم الأرتماطيقي، في نحو كراسين، وكتاب عين الحياة في علم استنباط المياه، ورسالة الكلام اليسير في علام البواسير، في نحو كراسين، ورسالة التصريح بخلاصة القول الصريح في علم التشريح، في نحو كراسين، وكتاب إتحاف البرية بمعرفة الأمور الضرورية في علم الطب، في نحو خمسة كراريس، ورسالة القول الأقرب في علاج لسع العقرب، في نحو كراس، وكتاب منهج السلوك في نصيحة الملوك، في نحو عشرة كراريس، وكتاب بلوغ الأرب في أسماء سلاطين العجم والعرب -معنونا باسم السلطان مصطفى خان بن السلطان أحمد خان، المولود في رابع عشر شهر صفر سنة تسع وعشرين ومائة وألف يوم الأربعاء أول النهار في الساعة الأولى بعد الشمس، الجالس على سرير الملك في سابع عشر صفر الخير سنة إحدى وسبعين ومائة وألف يوم الأحد قبل الشمس.
ويقول رفاعة: فانظر إلى هذا الإمام الذي كان شيخ مشايخ الجامع الأزهر، وكان له في العلوم الطبية والرياضية وعلم الهيئة الحظ الأوفر، مما تلقاه عن أشياخه الأعلام، فضلا عن كون أشياخه كانوا أزهرية، ولم يفتهم الوقوف على حقائق هذه العلوم النافعة في الوطنية، وفضل العلامة الجبرتي المتوفي في أثناء هذا القرن في هذه العلوم، وفي فن التاريخ أمر معلوم، وكذلك العلامة الشيخ عثمان الورداني الفلكي، وكان للمرحوم العلامة الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر أيضا مشاركة في كثير من هذه العلوم، حتى في العلوم الجغرافية، فقد وجدت بخطه هوامش جليلة على تقويم البلدان لإسماعيل أبي الفداء سلطان حماة، المشهور أيضا بالملك المؤيد، وللشيخ المذكور هوامش أيضا وجدتها بأكثر التواريخ، وعلى طبقات لأطباء وغيرها، كان يطلع دائما على الكتب المعربة من تواريخ وغيرها، وكان له ولوع شديد بسائر المعارف البشرية، مع غاية الديانة والصيانة، وله بعض تآليف في الطب وغيره، زيادة عن تآليفه المشهورة، فلو تشبث من الآن فصاعدا نجباء أهل العلم الأزهريين بالعلوم العصرية التي جددها الخديو بمصر، بإنفاقه عليها أوفر أموال مملكته، لفازوا بدرجة الكمال، وانتظموا في سلك الأقدمين من فحول الرجال، وربما يتعللون بالاحتياج إلى مساعدة الحكومة، والحال أن الحكومة إنما تساعد من يلوح عليه علامات الرغبة والغيرة والاجتهاد، فعمل كل من الطرفين متوقف على عمل الآخر، فترجع المسألة دورية، والجواب عنها أن الحكومة قد ساعدت بتسهيل الوسائط والوسائل، ليغتنم فرصة ذلك كل طالب وسائل، وكل من سار على الدرب وصل، وإنما المكافأة على تمام العمل.
- 3 - وقد ازدهر القرن التاسع عشر بكوكبة من المصلحين، من أمثال الأفغاني (1839 - 1897م) وعلى مبارك (1823 - 1893م) والسيد عبد الرحمن الكواكبي (1848 - 1902م) والشيخ محمد عبده (1849 - 1905م)، وكان هؤلاء المصلحون يتجهون أول ما يتجهون إلى إيقاظ الفكر المصري والعربي، وإلى تجديد النهضة الدينية.
ولما حضر جمال الدين الأفغاني إلى مصر لأول مرة سنة 1286ه أقام في القاهرة أربعين يوما، تردد فيها على الجامع الأزهر، واتصل به كثير من العظماء والطلاب، ثم ترك القاهرة إلى الأستانة، فوصل إليها في سنة 1287ه، ولكن الدسائس أحاطت من كل جانب، ومن أجل ذلك عاد جمال الدين إلى القاهرة في أوائل سنة 1288ه، فأكرمه إسماعيل، وأجرى عليه راتبا يليق به، فجعل من بيته مدرسة يقصدها النابهون من طلاب العلم في الأزهر وغيره، وكان يدرس لهم أمهات الكتب في علم الكلام والحكمة والهيئة والتصوف وأصول الفقه، ولم يكن يقصد من دروسه التعليم فقط، بل كان يقصد منها الدعوى إلى الإصلاح، وفتح باب الاجتهاد في الدين والعلم وبث الأخلاق العالية في النفوس، وكان إلى هذا يرشد الطلاب إلى مطالعة كتب الأدب، ليتعلموا منها حسن الكتابة والإنشاء، ويستطيعوا أن ينهضوا بالأمة بالكتابة في الجرائد وغيرها، فأيقظ النفوس من غفلتها، وفتح عيون الطلاب في الأزهر لضعف التعليم فيه، حتى ألفوا من بينهم جماعة تسعى في إصلاحه، وكان أول ما عملوه كتابة منشور علقوه على أعمدة الأزهر في سواد الليل، وبينوا فيه مواضع الخلل في التعليم بالأزهر، وشرحوا الوسائل التي تؤدي إلى إصلاحه، فبدأ جمال الدين بدروسه في الإصلاح، الجهاد في إصلاح الأزهر، وأوجد من أبنائه وغيرهم من يعمل فيه بكل ما يمكنه من الوسائل التي توصل إليه.
وكان نشاطه التعليمي ذا شعبتين: دروس علمية منظمة يلقيها في بيته (في خان الخليلي)، وكان يتلقاها أمثال الشيخ محمد عبده، والشيخ عبد الكريم سلمان، والشيخ سعد زغلول، والشيخ إبراهيم الهلباوي من مجاوري الأزهر وعلمائه، وكان يدرس لهم كتب منطق وفلسفة وتصوف وهيئة، ويظهر أن هذه الكتب لم تكن لها قيمة في ذاتها، وإنما قيمتها كانت فيما يضيفه عليها الشيخ في شرح آرائه وأفكاره، والتبسط في مناحي الفكر، والتطبيق على الحياة الواقعية، بربط الحياة العملية بالعلمية، هذا إلى أنه كان يأخذ بيد تلاميذه، فيجعلهم يسيطرون على الكتاب، ويسمون عن قيود الألفاظ والجمل إلى معرفة الحقائق ذاتها، يحدد لهم موضوع الدرس من الكتاب، ويفيض عليهم في شرحه من عنده حتى يحيطوا به، ويتفهموه من جميع أطرافه.
وكانت مدرسته الثانية غير النظامية أكبر أترا وأعم نفعا، وكان تلاميذه فيها زواره في بيته أو في بيوتهم حين يزورهم، ومن يلتقي بهم في (قهوة البوستة) وفي المجتمعات من أمثال: محمود سامي البارودي، وعبد السلام المويلحي وأخيه إبراهيم المويلحي وسعد زغلول، ومحمد عبده وعلي مظهر، وأديب إسحق وغيرهم.
وفي هذه المدرسة حول مجرى الأدب ونقله من حال إلى حال، كان الأدب عند الحكام لا هم له إلا مدح الملوك والأمراء، والتغني بأفعالهم وصفاتهم، فأتى جمال الدين وسخّر الأدب في خدمة الشعب، يطالب بحقوقه، ويدافع عنه من ظلمه، يبين للناس سوء حالتهم، ويبصرهم بمن كان سبب فقرهم، ويحرضهم أن يخرجوا من بؤسهم وضلالهم وألا يخشوا بأس الحاكم فليست قوته إلا بهم، فكان أدبه ينظر للشعب أكثر مما ينظر إلى الحاكم، وينشد الحرية ويفيض في حقوق الناس وواجبات الحاكم، ويجعل من الأديب مشرفا على الأمراء، لا سائلا يمد يده للأغنياء، كنت تتصفح آثار الأدباء أمثال: السيد على أبي النصر، والشيخ علي الليثي وعبد اللّه باشا فكري، فلا ترى موضوعاتهم غير غزل في حبيب، أو رسالة إلى صديق، أو مدح لأمير، أو استعطاف له، أو اعتذار إليه، أو وصف سفينة، أو شكر على هدية.
أما مصر وحال شعبها، وبؤس أهلها، وظلم حكامها، وحقوق الناس، وواجبات الحكام، فلا ترى لذلك أثرا.
فقلب جمال الدين هذا الوضع وفتح للأدباء منافذ القول. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة الجمعة 21 أكتوبر 2016, 10:48 pm | |
| وكانت خطته في ذلك ما يأتي: 1 - كون جماعة حبب إليهم الكتابة، ورسم لها خطتها وأوحى إليهم بالمعاني وشجعهم على إنشاء الجرائد، يكتب فيها، ويستكتب القادر منهم، فأنشأ أديب إسحق جريدة «مصر» في القاهرة، و «التجارة» بالأسكندرية، وكان جمال يكتب فيها أحيانا باسم مستعار أو باسمه الحقيقي.
وقد كتب مقالين: أحدهما في الحكومات الشرقية وأنواعها، والثاني سماه «روح البيان في الأنجليز والأفغان» كان لهما صدى بعيد، ولقيت الصحيفتان رواجا كبيرا، ثم أغلقهما رياض باشا وكذلك وجه الكتاب في «الوقائع المصرية» وغيرها، وبذلك ربى طائفة من الكتاب تحسن الكتابة» واختيار الموضوعات، ووضع النواة الأولى للصحافة الشرقية والكتاب الذين يعالجون شئون وطنهم وحالة شعوبهم، والذي ساعده على النجاح في ذلك حال مصر المالية والسياسية وتدخل الأجنبي فيهما وجزع الشعب والحاكم معا لذلك فشجعوا هذا النقد من الصحافة، ولو لا ذلك لخابت دعوة جمال الدين في مصر كما خابت في غيرها.
2 - أحاديثه في المقهى وفي المحافل وبيوت الزيارة، تواتيه المعاني، ويطاوعه اللسان، فيخلق أمتع الأحاديث، ويحدث كل من بمجلسه بلسان عربي مبين، فيدهش السامعين، ويفحم السائلين، ويبكم المعترضين، وبذلك خرج مدرسة عجيبة تحسن السمر والحديث والاستطراد، وتملك على السامع لبه من أمثال محمد عبده، وسعد زغلول، والهلباوي، ولطفي السيد، وغيرهم.
وهكذا بدأ جمال الدين تعليمه في حجرة ثم في مقهى أو مجتمع، ثم في محفل يريد توسيع العقول، وتعليم الحرية في البحث والنقد، وتبصير الشعب بحقوقه وواجبات الحاكم نحوه، ويضع يده في صميم السياسة فيريد أن يسيطر على الوزارات والحكومة بمحفله، ورأى أول أمره أن لا قيمة لمجلس النواب ما دام الشعب غافلا جاهلا، فلما نضجت الأمة واستبد الحكام، غير رأيه وألح في طلب الحكم النيابي وحرض عليه.
وكان يلتقي بالأمير توفيق في المحفل فيقدره ويدين بمبادئه، ولكنه لما تولى الحكم بعد إسماعيل دس له الدساسون، فاجتمع مجلس الوزراء وقرر نفي جمال الدين فقبض عليه في 24 أغسطس سنة 1871، ونفى إلى بمباي في الهند، وكان ذلك آخر عهد له بمصر.
وسافر الأفغاني إلى لندن عام 1883 ومنها إلى فرنسا، ووافاه إليها تلميذه وصديقه الشيخ محمد عبده وكان منفيا في بيروت. وأخذا يتشاوران فيما يعملان من وجوه الإصلاح، وكان من رأى الشيخ محمد عبده بعد ما رأى من غدر الناس في ثورة عرابي أن يذهبا إلى مكان بعيد، ينشئان فيه مدرسة للزعماء يختاران لها أنجب التلاميذ من الأقطار الإسلامية، ويعدانهم للزعامة ونشر الإصلاح، ولكن لم يعجب السيد هذا الرأي، ورأى فيه خورا وضعفا ويأسا، ووضع خطته بإنشاء جريدة في باريس للعالم الإسلامي تبصره بحقوقه وواجباته ووظيفته، وكانت جريدة «العروة الوثقي» للسيد فيها الأفكار والمعاني، وللشيخ التحرير والصياغة، وميرزا محمد باقر يعرب لها عن الصحف الأجنبية ما يهم الشرق، وكان وراءها جمعية سرية في جميع أقطار الإسلام، ولها فروع في بلدانه يجتمعون للمذاكرة، ويتبرعون بالمال ينفق منه على الجريدة والقائمين بها، فقد كانت ترسل بالمجان أكثر أعدادها، وكان الأعضاء يقسمون اليمين لأحياء الأخوة الإسلامية، وتقوية الإسلام بقدر ما يستطيعون.
وكان أهم أغراض الجريدة كما لخصت هي ذلك في أول عدد لها: 1 - بيان الواجب على الشرقيين، وأسباب فساد حالهم.
2 - إشراب النفوس عقيدة الأمل وترك اليأس.
3 - الدعوة إليالتمسك بالأصول التي كان عليهم أسلافهم وعزوا بها.
4 - الدفاع عما يتهم به الشرقيون عموما والمسلمون خصوصا من أنهم لن يتقدموا ما داموا متمسكين بدينهم.
5 - إخبارهم بما يهمهم من حوادث السياسة العامة والخاصة.
6 - تقوية الصلات بين الأمم الإسلامية، ومناصرة من لا يجحف بحقوقهم من أمم الخارج.
وأخذ يكتب في ذلك في الجريدة ويفصل هذه الأسباب في مقالات، وكان مثله الأعلى حكومة إسلامية موحدة للجميع، ولما رأى عدم إمكان ذلك دعا إلى أن تحكم الأقطار الاسلامية بحكومات إمامها القرآن، وأساسها العدل والشورى وترتبط جميعا بروابط محكمة.
وقد قاده هذا التفكير في الحكومة الإسلامية وأخلاق الشعب التي يجب أن يكون عليها إلى أن يناهض في الجريدة الاحتلال الأجنبي في الأقطار الإسلامية وخاصة في مصر، وشغل هذا حيزا كبيرا منها بأسلوب مهيج وعبارات شديدة، كما استخدم بجانبها رسلا متخفين إلى الأقطار المختلفة ينشرون التعاليم التي لا يستطيع نشرها في الجريدة، وكان منهم الشيخ محمد عبده -وهو محكوم عليه بالنفي- فجاء إلى مصر وتونس وكان من نتائج هذا أن روقبت الجريدة من أصحاب السيادة على حكومات الهند ومصر، فمنعت من دخولهما، واستحال وصولها إلى أصحابها وقرائها فاحتجبت عن أداء رسالتها.
وقد كان يدعو إلى الاجتهاد وترك التقليد في الدين، فإن الأئمة اجتهدوا وأحسنوا ولكن لا يصح أن نعتقد أنهم أحاطوا بكل أسرار القرآن، والفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء.
ويرى أن التفرقة بين أهل السنة والشيعة سببها مطامع الملوك، فالفريقان يؤمنان بالقرآن ورسالة محمد، ففيم الخلاف والقتال؟.
ويرى أن الإشتراكية في الإسلام ملتحمة مع الدين، ملتصقة مع الخلق، يبعث عليها حب الخير، على النقيض من إشتراكية الغرب التي يبعث عليها جور الحكام وعوامل الحسد في العمال لأرباب الغنى.
كما يرى أن المرأة تساوي الرجل في تكوينها العقلي والتفاوت بينهما أتى من التربية وإطلاق السراح للرجل، وتقييد المرأة في البيت.
ومهمتها في هذا أسمى، ولا تقل عن مهمة الرجل، ومن يطلب مساواتها فهو مخطي، ولا مانع من أن تعمل في الخارج إذا فقدت عائلها، واضطرتها ظروفها ولكن بطهارة.
كما أنه لا مانع عنده من رفع الحجاب إذا لم يتخذ وسيلة للفجور.
ويرى كذلك أن الدين لا يخالف الحقائق العلمية، وإذا ظهر غير ذلك وجب تأويله، فالقرآن أعظم من أن يخالف العلم الحقيقي خصوصا في الكليات.
وقد أجمع معاصروه ومن درسوا تاريخ حياته على أن له غرضين واضحين: 1 - بث الروح في الشرق لينهض بثقافته وعلمه وتربيته، وتنقية عقيدته من الخرافات واستعادة عزه ومكانته.
2 - مناهضة الاحتلال الأجنبي حتى تعود الأقطار الشرقية إلى استقلالها مرتبطة بروابط على أي شكل، لتلقي ما يحيط بها من أخطار.
ولما مات حمل المصلحون بعده لواء هذين الغرضين متفرقين وقد كان يحمل لواءهما معا، فحمل الشيخ محمد عبده لواء الإصلاح الثقافي، فإن الواجب الأول على المصلح في رأيه تثقيف الشعب وتهذيبه، ثم الاستقلال يكون الخاتمة. وقد رفع العلم الآخر وهو العلم السياسي لمناهضة الحكم الأجنبي عبد الله نديم، ثم مصطفى كامل وفريد، ثم سعد زغلول.
وكذلك كان في غير مصر من أقطار الشرق من حملوا لواء الإصلاحين وساروا على هداه ولكن في بطء لا يعجبه فقد كان طموحا إلى مقصده، شجاعا مقداما لا يهاب الموت، حديد المزاج، لا يريد الحق إلا من طريق الحق، يريده غاية ويريده وسيلة، ولكن سياسة الدنيا غير ذلك تقوم على المصالحة، وأخذ شيء بترك شيء، ومن أراد الحق كاملا فليطلب ذلك في المثل الأعلى للخلق لا في السياسة أو فلينتظر حتى تخضع السيادة للخلق ولن يكون.
- 4 - ويقول. في إهمال العلوم الرياضية والفلسفية في الأزهر - الأستاذ مصطفى بيرم من رسالة له عن الأزهر قدمها لمؤتمر علماء اللغات الشرقية المنعقد بمدينة همبورج بالمانيا عام 1902: إن تلك العلوم الرياضية والجغرافية والعقلية والفلسفية مهجورة من الأزهر ينظر إليها بعين السخط، ويفر من سماعها فرار الصحيح من الأجرب، ولكن بفضل اللّه وكرمه لم يطل الأمر على ذلك كثيرا، حتى قيض اللّه لنا علماءنا الأعلام من ثنيه لأسباب تأخرنا العلمي، وأخذوا في السعي لإعادة تدريس تلك العلوم النافعة المقوية للملكة الذهنية، ولخشية المفاجأة بإعادة تدريسها للجامع بعد ما رسخ في أذهان الكثير من أن بها ما يعدوا على الدين، رأى ولاة الأمور أن يمهدوا السبيل لادخالها في الجامع الأزهر بأخذ آراء أفاضل العلماء الأزهريين، فكلفوا والدي المرحوم السيد محمد بيرم بهاته المهمة العلمية.
وبعد أخذ وعطاء بينه وبين المرحومين: العلامة الشيخ محمد الأنبابي شيخ الإسلام بمصر وشيخ الجامع الأزهر، والشيخ محمد البنا مفتي الديار المصرية في ذلك العهد، استقر الرأي أن يكتب لهما استفتاء صورته، بعد الديباجة: «ما قولكم رضى اللّه عنكم؟
هل يجوز تعلم المسلمين للعلوم الرياضية؟ مثل الهندسة والحساب والهيئة والطبيعيات وتركيب الأجزاء المعبر عنها بالكيمياء، وغيرها من سائر المعارف، لا سيما ما ينبني عليه منها من زيادة القوة في الأمة، بما تجاري به الأمم المعاصرين لها في كل ما يشمله الأمر بالاستعداد بل هل يجب بعض تلك العلوم على طائفة من الأمة؟
بمعنى أن يكون واجبا وجوبا كفائيا على نحو التفصيل الذي ذكره فيها الإمام حجة الإسلام الغزالي في إحياء العلوم، ونقله علماء الحنفية أيضا وأقروه، وإذا كان الحكم فيها كذلك، فهل يجوز قراءتها مثل ما تجوز قراءة العلوم الآلية من نحو وغيره الرائجة الآن بالجامع الأزهر وجامع الزيتونة والقرويين؟ أفيدوا الجواب، لا زلتم مقصدا لأولى الألباب.
فأجابه العلامة الشيخ محمد الأنبابي بالفتوى الآتية بعد الديباجة: يجوز تعلم العلوم الرياضية مثل الحساب والهندسة والجغرافيا، لأنه لا تعرض فيها شيء من الأمور الدينية، بل يجب منها ما تتوقف عليه مصلحة دينية أو دنيوية وجوبا كفائيا، كما يجب علم الطب لذلك «كما أفاده الغزالي في مواضع من الإحياء، وإن ما زاد على الواجب من تلك العلوم مما يحصل به زيادة التمكن في القدر الواجب فتعلمه فضيلة، ولا يدخل في علم الهيئة الباحث عن أشكال الأفلاك والكواكب وغيرها علم التنجيم المسمى بعلم أحكام النجوم وهو الباحث عن الاستدلال بالتشكلات الفلكية على الحوادث السفلية، فإنه حرام كما قال الغزالي، وعلل ذلك بما محصله أنه يخشى من ممارسته نسبة التأثير للكواكب، والتعرض للإخبار بالمغيبات، مع كون الناظر قد يخطىء لخفاء بعض الشروط، وأما الطبيعيات وهي الباحثة عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية استحالتها وتغييرها-كما في الإحياء في الباب الثاني من كتاب العلم-
فإن كان ذلك البحث على طريق أهل الشرع فلا منع منها، كما أفاده العلامة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي في جزء الفتاوي الجامع للمسائل المنتشرة بل لها حينئذ أهمية بحسب أهمية ثمرتها، كالوقوف على خواص المعدن والنبات المحصل للتمكن في علم الطب، وكمعرفة عمل الآلات النافعة في مصلحة العباد، وإن كان على طريقة الفلاسفة فالاشتغال بها حرام، لأنه يؤدي للوقوع في العقائد المخالفة للشرع، كما أفاده العلامة المذكور، نعم يظهر تجويزه لكامل القريحة الممارس للكتاب والسنة، للأمن عليه مما ذكرنا، قياسا على المنطق المختلط بالفلسفة، على ما هو المعتمد فيه من أقوال ثلاثة، ثانيها الجواز مطلقا، ونسبه الملوى في شرح السلم للجمهور، وثالثها المنع مطلقا، ونسبه صاحب السلم لابن الصلاح والنووي، قال الملوي: ووافقهما على ذلك كثيرا من العلماء.
ولما كان الإمام النووي ممن يقول في المنطق بالمنع مطلقا مشى على نظير ذلك في الطبيعة، فعد في كتاب السير من الروضة من العلوم المحرمة علوم الطبيعيات بدون أن يفصل، لكن حيث يعتمد التفصيل هناك فلنعتمده هنا، إذ لا فرق في ذلك، فإن مظنة الضرر والنفع موجودة في كل منهما، والظاهر أن موضوع كلام الروضة ما كان على طريقة الفلاسفة، إذ غيره لا محظور فيه اتفاقا كالمنطق الخالص، كما يشعر بذلك تعبيرها بعلوم الطبائعيين دون علوم الطبيعة.
وأما علم تركيب الأجزاء المعبر عنه بالكيمياء فإن كان المراد به البحث عن التركيب والتحليل بدون تعرض لما يخشى منه على العقيدة الإسلامية.
فلا بأس به، بل له أهمية حسب ثمرته، وإلا جرت فيه الأقوال الثلاثة المتقدمة، وأما العلم المعروف بعلم جابر، ويسمى أيضاً علم الصنعة وعلم الكاف، وهو الذي ينصرف إليه علم الكيمياء عند غالب الناس، فقد أفاد العلامة ابن حجر في شرحه على المنهاج أنه إن قلنا بالمعتمد من جواز انقلاب الجسم عن حقيقته وكان العلم الموصل لذلك يقينا جاز تعلمه والعمل به، وإلا حرم، ولفقد هذا الشرط لم يتحصل المشتغلون به فيما رأينا إلا على ضياع الأموال، وتشتت البال، وتغيير الأحوال- فعلم أن العلوم الرياضية لا بأس من قراءتها كما تقرأ علوم الآلات.
وكذا الطبيعيات وعلم تركيب الأجزاء، حيث كانت تقرأ على طريقة لا يفهم منها منابذة الشرع بحال، كبقية العلوم العقلية مثل المنطق والكلام والجدل، بل يجب كفاية من هذه الثلاثة ما يحتاج إليه في الحجاج عن العقائد الدينية.
وكتب الشيخ محمد البنا مفتي الديار المصرية في ذلك لعهد هذه الفتوى: «ما أفاده حضرة شيخ الإسلام موافق لمذهبنا، وما استظهروه من أن الخلاف الجاري في علم المنطق يجري في علم الطبيعة أيضا وجيه، واللّه سبحانه وتعالى أعلم».
وكانت فتوى الشيخ الأنبابي في غرة ذي الحجة سنة 1305 ه، وكانت فتوى الشيخ البنا في 17 من هذا الشهر 1. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة الجمعة 21 أكتوبر 2016, 11:17 pm | |
| - 5 - كانت العلوم والكتب التي تدرس بالأزهر في القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين كما جاء بيانها في رسالة مقدمة من شيخ الأزهر إلى الخديوي في سنة 1310ه. هي كما اشتملت عليه هذه الرسالة 2: 1 - علم التوحيد، والكتب التي تدرس فيه هي أم البراهين الصغرى للشيخ محمد يوسف السنوسي بشرح المؤلف والهدهدي والباجوري. __________ 1) 39 تاريخ الإصلاح في الأزهر. 2) ص 50 تاريخ الاصلاح في الأزهر. __________ وأم البراهين الكبرى للسنوسي، وجوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم اللقاني بشرح عبد السلام اللقاني، والعقائد النسفية بشرح السعد التفتازاني، والخريدة للشيخ أحمد الدردير، والمقاصد لسعد الدين التفتازاني، والمواقف للشيخ عبد الرحمن العضد بشرح الجرجاني، وطوالع الأنوار للبيضاوي بشرح الأصفهاني، ومتن السباعي بشرح الباجوري.
2 - التصوف، والكتب التي تدرس فيه هي الإبرير للشيخ عبد العزيز، والأنوار القدسية للشيخ عبد الوهاب الشعراني، وبستان العارفين للشيخ نصر السمرقندي، وتاج العروس لابن عطاء الله السكندري، والتجليات الإلهية للشيخ محي الدين بن عربي، وتحفة الإخوان للشيخ الدردير، وتفليس إبليس لعز الدين بن عبد السلام، وتنبيه الغافلين للشيخ نصر السمرقندي، والتنوير في إسقاط التدبير لابن عطاء الله السكندري، والإحياء للغزالي، وقوت القلوب لأبي طالب المكي، والمنن الكبرى للشيخ الشعراني.
3 - التفسير، والكتب التي تدرس فيه هي الكشاف للزمخشري. وتفسير الجلالين بحاشية الشيخ الجمل، وتفسير الخطيب الشربيني، وتفسير عبد الله بن عمر البيضاوي، وتفسير أبي السعود، وتفسير الفخر الرازي، وتفسير الخازن، وتفسير النسفي، والاتقان للسيوطي.
4 - التجويد والقراءات، والكتب التي تدرس فيه هي تحفة الأطفال للشيخ سليمان الجنزوري، والجزرية للشيخ الجزري، والتمهيد له أيضا، وجهد المقل للشيخ علي زاده، وإرشاد الرحمن للشيخ عطية الأجهوري، والشاطبية للشاطبي، والوقف والابتداء للشيخ الأشموني.
5 - الحديث، والكتب التي تدرس فيه هي صحيح البخاري بشرح والعسقلاني والعيني وزكريا الأنصاري، ومختصر البخاري للشيخ ابن أبي حمزة، وصحيح مسلم بشرح النووي، والشفاء للقاضي عياض بشرح الخزرجي ومنلا على قاري، وموطأ الإمام مالك بشرح الزرقاني وابن عبد البر، والجامع الصغير للسيوطي بشرح العزيزي والمناوى والأبياري، والأذكار للنووي بشرح ابن علان، والتجريد للزبيدي، والشمائل المحمدية للترمذي بشرح الجمل، والترغيب والترهيب للمنذري، والأربعين للنووي، وصحيح الترمذي، وصحيح النسائي، وصحيح الأشعث وصحيح ابن ماجه، والمواهب اللدنية للقسطلاني، والسيرة الحلبية للحلبي.
6 - مصطلح الحديث، والكتب التي تدرس فيه هي ألفية الحافظ العراقي بشرح شيخ الإسلام العدوي، وتقريب النووي بشرح الجلال السيوطي، والنخبة لابن حجر العسقلاني، والبيقونية للشيخ عمر البيقوني بشرح الزرقاني ومنظومة الصبان.
7 - فقه الحنفية، والكتب التي تدرس فيه هي نور الإيضاح بشرح الشرنبلالي، والكنز للنسفي بشرح الطائي وابن نجيم والزيلعي والعيني ومثلا، وتنوير الأبصار للتمرتاش بشرح الحصفكي، والبداية للمرغيناني، والهداية، والغاية، وفتح القدير، والأشباه والنظائر لابن نجيم، والخراج للإمام أبي يوسف، وملتقى الأبحر للحلبي بشرح الحصفكي، ومجمع البحرين لابن الساعاتي، ومتن القدوري للبغدادي، وجامع الفصولين، والسراجية للسجاوندي.
8 - فقه المالكية، والكتب التي تدرس فيه هي العشماوية للشيخ العشماوي بشرح ابن تركي، والعزية لأبي الحسن علي الشاذلي بشرح الزرقاني، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني بشرح الحسن الصعيدي، وأقرب المسالك للدردير، ومختصر خليل بشرح الدردير والخرسي والزرقاني والحطاب والشبراخيتي، والمجموع للشيخ الأمير، والعاصمية، والتبصرة لابن فرحون، والقلصاوي للقرسي.
9 - فقه الشافعية، والكتب التي تدرس فيه هي التقريب لأبي شجاع بشرح ابن قاسم والخطيب الشربيني، والأشباه والنظائر للسيوطي، والتحرير للشيخ زكريا الأنصاري، ومنهج الطلاب له أيضا، والروض لابن المقري، ومنهاج الطالبين للنووي، والعباب لابن المدحجي، ونهج الطلاب للجوهري، والبهجة لابن الوردي، والوجيز للغزالي، والروض للنووي، والإرشاد لابن المقري، وكشف النقاب للونائي، وفتاوى ابن حجر، وفتاوى الرملي، والرحبية، والترتيب للمارديني، وكشف الغوامض للسبط، وألفية ابن الهائم.
10 - فقيه الحنبلية، والكتب الذي تدرس فيه هي الدليل للشيخ مرعي، وزاد المستقنع للبهوتي، والمنتهي للفتوحي، والإقناع للحجاوي، والمقنع لابن قدامة، ومختصر المقنع للحجاوي، والإنصاف للمرداوي، ومختصر الشطي.
11 - أصول الفقه، والكتب التي تدرس فيه هي جمع الجوامع للسبكي بشرح المحلي، ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد، ومنار الأنوار للنسفي بشرح بن مالك والحصفكي وابن نجيم، والتنقيح لصدر الشريعة، وتنقيح الفصول للقرافي، والورقات لإمام الحرمين بشرح المحلي وابن القاسم، والورقات للحطاب، والتحرير للكمال ابن الهمام، وفصول البدائع، والمرآة.
12 - اللغة، والكتب التي تدرس فيها هي القاموس للفيروزبادي بشرح السيد مرتضى، والصحاح للجوهري، ومختار الصحاح للرازي، والمصباح المنير للفيومي، وفقه اللغة للثعالي، والأساس للزمخشري، والمزهر للسيوطي، ولسان العرب للأنصاري.
13 - النحو، والكتب التي تدرس فيه هي الأجرومية للصنهاجي بشرح الكفراوي، والشيخ خالد، والأزهرية وشرحها للشيخ خالد، وقطر الندى لابن هشام، وشذور الذهب له أيضا، وألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل والأشموني، ومغنى اللبيب لابن هشام، والكافية لابن الحاجب، والتسهيل لابن مالك.
14 - الصرف، والكتب التي تدرس فيه هي المراح لأحمد بن علي بن مسعود، الشافية لابن الحاجب بشرح شيخ الإسلام والرضى، والتصريف للغزي بشرح السعد التفتازاني، والترصيف للأخضري، ونظم العقود للطحاوي بشرح الشيخ عليش، ولامية الأفعال لابن مالك، ورسالة الجوهري في الإشتقاق.
15 - علوم البلاغة، والكتب التي تدرس فيها هي التلخيص للخطيب القزويني بشرح السعد، والمفتاح للسكاكي بشرح السعد والسيد، والجوهر المكنون للأخضري بشرح الدمنهوري، وعقود الجمان وشرحه للسيوطي، ومنظومة ابن الشحنة، والرسالة البيانية للصبان، والسمرقندية.
16 - العروض والقوافي، والكتب التي تدرس فيه هي الكافي للقنائي، والخزرجية ومنظومة الصبان.
17 - الوضع والكتب التي تدرس فيه هي: الرسالة العضدية بشرح السمرقندي، وعنقود الزواهر.
18 - المنطق والكتب التي تدرس فيه هي السلم للأخضري بشرح المؤلف والقويسني والملوي والباجوري، وإيساغوجي للأبهري بشرح الشيخ زكريا الأنصاري، والتهذيب للسعد التفتازاني بشرح الخبيصي، والشمسية للكاتبي بشرح القطب الرازي والمختصر للسنوسي، والمطالع للأرموي بشرح الرازي.
19 - أدب البحث والمناظرة، والكتب التي تدرس فيه هي آداب الكلنبوي بشرح حسن باشازاده، وآداب السمرقندي بشرح الشيرواني وشيخ الإسلام، وآداب الساجقلي للمرعشي، وآداب الجرجاني.
20 - التاريخ والكتب الذي تدرس فيه هي تاريخ الخميس للقاضي حسين الديار بكري، وإسعاف الراغبين للصبان، ومقدمة ابن خلدون، وتاريخه العبر وديوان المبتدأ والخبر، والكامل لابن الأثير، والخطط للمقريزي، ونفح الطيب للمقري، وتحفة الناظرين للشرقاوي، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والطبقات الصغرى لابن السبكي، وطبقات الشعراني، ولواقح الأنوار له أيضا، وخلاصة الأثر للحلبي، وأخبار الأول للإسحاقي.
21 - الحساب والجبر، والكتب التي تدرس فيهما هي الوسيلة لابن الهائم، والتحفة السنية للسبط، والسخاوية للسخاوي، والياسمينية لابن الهائم، ومنظومة في الحساب للأخضري، ونزهة النظار لابن الهائم، والدرة البيضاء للأخضري، والخلاصة للعاملي، والتخليص للدمياطي، واللمعة لابن الهائم.
22 - الميقات والهيئة، والكتب التي تدرس فيهما هي دقائق الحقائق للسبط، وخلاصة المختصرات لابن عائشة، ورسالة في العمل بالربع للجبرتي، والمقدمة لمحمد المجدي، وتحفة الإخوان لابن قاسم، والوضع على الجهات للمالكي الأندلسي، وهداية الحائر للسبط، ورسالة الوقت والقبلة للقليوبي، ورسالة في معرفة التواريخ لابن مهدي، ودستور علم الميقات لرضوان أفندي، وزاد المسافرين لأحمد بن المجدي، وتسهيل الدقائق لخليل الفرازي، ورسالة المنحرفات له أيضا، والتذكرة للطوسي، والمطلع السعيد لحسين زائد.
23 - الحكمة، والكتب التي تدرس فيها هي الإشارات لابن سينا، والهداية لأثير الدين الأبهري، وحكمة العين للكاتبي، ومقولات السجاعي، ومقولات البليدي، ومقولات المرصفي، وغالية النشر لعبد الجواد القباني.
24 - الرسم والكتب التي تدرس فيه هي منظومة في الرسم العثماني رسم مصحف عثمان -ومنظومة في الرسم القياسي.
من صحائف الذكرى =========== في سنة 1280ه - 1863م، أراد السلطان عبد العزيز أن يزور الديار المصرية، وكان هذا في عهد إسماعيل باشا خديوي مصر، فلما وصل إلى القاهرة اختار إسماعيل باشا أربعة من علماء الأزهر، ليذهبوا إلى تهنئته نيابة عن إخوانهم، وهم السيد مصطفى العروسي شيخ الجامع الأزهر، والشيخ السقا، والشيخ عليش، والشيخ حسن العدوي، وكان لمقابلة سلاطين آل عثمان آداب لا يعرفها علماء الأزهر فطلب إسماعيل باشا من قاضي قضاة مصر -وكان يختار من علماء دولة آل عثمان- أن يعلمهم آداب المثول بين يدي السلطان، فذكر لهم أن المقابلة ستكون في حجرة يقف السلطان في صدرها على منصة مرتفعة، وأنه يجب إذا ما وصلوا إلى باب الحجرة ووقعت أعينهم على السلطان أن ينحنوا انحناء عظيما، ثم يلقوا عليه السلام، ثم يكرروا الانحناء والتسليم إلى أن يرد السلطان عليهم تحيتهم، فينحنوا ويسلموا مرة أخرى، ويرجعوا متقهقرين إلى الوراء إلى أن يصلوا إلى باب الحجرة، فينحنوا مرة أخرى، ثم ينصرفوا إلى خارج الحجرة.
وقد وقعت هذه الآداب من العلماء الأربعة موقع الاستغراب، فقال لهم قاضي القضاة: إن هذا لابد منه، فقالوا قد فهمنا.
ثم ذهبوا إلى مقابلة السلطان، فدخل الشيخ العروسي أولا، وأدى المقابلة بالشكل الذي ذكره قاضي القضاة، ثم أداها مثله الشيخ السقا والشيخ عليش، وكان الخديوي إسماعيل واقفا وراء السلطان وعينه ترقب حركاتهم، فسر لإتقانهم آداب المقابلة، وظهورهم بهذا المظهر الذي كان موقع استغراب منهم، ثم دخل بعدهم الشيخ العدوي وكان عالما شجاعا لا يخشى إلا اللّه، ولا يقيم وزنا لعظمة سواه، فانحنى انحناءة خفيفة عند الباب، ثم أقبل نحو السلطان منتصب القامة، ولم يكرر الانحناء أمامه، فخفق قلب إسماعيل باشا لما فعل، ولا سيما حين رآه يجاوز الحاجز ويصل إلى السلطان، ثم يقول له: __________ 1) ص 155 تاريخ الاصلاح في الأزهر. __________ السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه، فيبتسم السلطان له ويرد عليه تحيته، وينحني له انحناء خفيفا، فيكلمه الشيخ العدوي فيما يجب على السلطان لرعيته، ويبين له عظم المسئولية الملقاة على عاتقه، وأن ثوابه عند اللّه سيكون بقدر تلك المسؤولية وحسن قيامه بها، وأن عقابه عنده سيكون بقدر تقصيره فيها. فلما رأى ذلك إسماعيل باشا إصفر لونه، وأخذ يتوقع غضب السلطان عليه لهذه المقابلة، ولكن وجد السلطان لم يبد عليه أي أثر للغضب، بل وجده مرتاحا للكلام الذي سمعه.
وقد خرج الشيخ العدوي بعد أن انتهى من موعظته، ولم يخرج بظهره كما خرج غيره، بل ولى وجهه نحو الباب وخرج، فوجد العلماء الثلاثة ينتظرونه أمام الباب فأخبرهم بما فعل مع السلطان، فأخذوا يلومونه على ما فعل، ويخوفونه عاقبة هذا الأمر: فقال لهم: أما أنا فقد قابلت أمير المؤمنين، وأما أنتم فكأنكم قابلتم صنما، وكأنكم عبدتم وثنا، ولما انصرف الشيخ العدوي سأل السلطان عبد العزيز إسماعيل باشا عنه، فقال له: هذا شيخ من أفاضل العلماء، ولكنه مجذوب، وأستميح جلالتكم عفوا عن سقطته، فقال له السلطان: كلا، بل إني لم أنشرح لمقابلة أحد انشراحي لمقابلته، ثم أمر له بخلعة سنية، وألف جنيه.
شعلة لا تنطفىء ========= لما استولى صلاح الدين على مصر، وأبطل منها مذهب الشيعة الفاطمية أبطل الخطبة في الجامع الأزهر، وأقرها بالجامع الحاكمي لسعته وبقي الأزهر معطلا من إقامة الجمعة فيه زمن الدولة الأيوبية، وبعضا من عصر المماليك البحرية -أي نحو مائة سنة- وأهمل أمره مدة تعطيل الجمعة فيه، وأنشئت مدارس أخرى لتدريس فقه الشافعية والتفسير والحديث وغيرها. ولما ولي ملك مصر الظاهر بيبرس البندقداري كان من أمراء دولته الأمير عز الدين أيدمر الحلي، وكانت داره بالقرب من الأزهر، فرعى فيه حرمة الجوار، واستعان بماله وجاهه عند السلطان في عمارته، فجمع بعض ما بددته أيدي الفاطميين من أوقافه، وأمده السلطان بالمساعدة، فعمر الواهي من أركانه، ورفع سقوفه، وبلطه، وفرشه، وأثر فيه آثارا حسنة، حتى عاد حرما آمنا في وسط المدينة.
وأنشأ بيلبك الخازندار مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء، ومحدثا يتلو الحديث النبوي ويلقي المواعظ ومقرئين للقرآن، ووقف على ذلك الغلات الدارة.
ولما كانت الدراسة معطلة في الأزهر من بدء الدولة الأيوبية فقد أريد إعادة الخطبة فيه، فامتنع قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز من إقامة خطبتين للجمعة، فيه وفي الجامع الحاكمي، وفقا لمذهبه، وهو مذهب الإمام الشافعي.
فولي السلطان قاضيا حنفيا فأذن في إعادتها، وأخذ بذلك خطوط العلماء.
وأعيدت إقامة الجمعة فيه باحتفال عظيم حضره أكابر الدولة، وعاد مسجدا جامعا، ومدرسة عظيمة.
وكان هذا الإذن أساسا اعتمد عليه سلاطين المماليك وكبراؤهم في صحة بناء مساجد جامعة كثيرة في القاهرة وغيرها.
وعظمت عناية المماليك بالأزهر فجددوه مرارا، ورفعوا حواليه المنارات السامية، وأضافوا إليه بضع عشرة مدرسة، حبست عليها الحبوس الجليلة، وفتحوا أبوابه للعلم، وأجروا على قاصديه الجرايات من الطعام والحلوى، فقصده الطلاب والعباد من أقاصي البلاد. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة الجمعة 21 أكتوبر 2016, 11:36 pm | |
| وبلغ عدد طالبي العلم به سنة 818 ه نحو سبعمائة وخمسين طالبا من مصريين ومغاربة وأعاجم، وهم عدد عظيم بالإضافة إلى ما كان ينافسه في الشهرة وينازعه هذه المكرمة، نحو مائة مدرسة وجامع أنشأها سلاطين المماليك وأمراؤهم، ووقفوا عليها أضعاف ما وقف على الأزهر.
وكانت الدراسة فيه مقصورة أول الأمر على علوم اللغة والدين، ثم أدخلت فيه بعض علوم الرياضة والنجوم والطبيعة، ولكنها لم تعش طويلا، وعادت الدراسة فيه سيرتها الأولى.
وظل كذلك تتوالى عليه أحوال عسر ويسر، إلى أن نهض المصلحون لأخذ طلابه بقسط من علوم الحياة: كالتاريخ، وتقويم البلدان، والعلوم الرياضية، فلقوا شيئا من المعارضة.
على أن الأزهريين لم يلبثوا أن اطمأنوا إلى هذه العلوم، وأقبلوا جاهدين على دراستها طالبين المزيد منها، والإصلاح في جميع أنواع التعليم بمعهدهم الجليل فعولج الإصلاح بعدة مشروعات، وتم لهم ما أرادوا وسن للأزهر قانون جعل التعليم فيه على ثلاث مراحل: هي مراحل التعليم الابتدائي ثم الثانوي، ثم العالي، وأنشىء للمرحلة الأخيرة ثلاث كليات، بكل منها أقسام للتخصص. واقتضى النظام الجديد أن يختص كل مدرس بنوع من العلم لطائفة من الطلاب محدودة العدد من طبقة واحدة، فضاق نطاق الأزهر عن فرق الدراسة، فوزعت على كثير من الأمكنة.
وألحق بالأزهر في نظامه وإدارته العليا كثير من المعاهد العلمية، كمعهد الأسكندرية، والجامع الأحمدي، والجامع الدسوقي، ومعهد دمياط، ومعهد أسيوط، ومعهد شبين الكوم، ومعهد الزقازيق.
وللأزهر الفضل الذي لا يجحد في حفظ علوم الدين واللغة في تلك الحقبة الطويلة، التي ابتليت فيها مصر بالفقر والجهل وسائر ألوان الفساد.
وكان ملاذ القاصدين من أبناء اللغة العربية، وغياث المتعطشين لورود مناهلها من سائر الممالك الإسلامية، ومصباحا ينبعث منه نور الهداية إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي، وله عظيم الأثر في النهضة الحديثة، إذ كان الملجأ الذي لجأ إليه محمد علي في نهضته، فاختار من بين طلابه بعوثه الى البلاد الأوروبية للتوسع في العلوم والفنون، فعادوا وكانوا أئمة المصلحين.
واستعان بعلمائه في القيام بكثير من شئون مملكته، كتعليم اللغة والدين بالمدارس التي أنشأها، والإشراف على طبع الكتب وتصحيحها، وتحرير الوقائع المصرية، والمشاركة في وضع مصطلحات العلوم المترجمة.
ومن الأزهر استمدت مدرسة القضاء الشرعي ودار العلوم طلابها، وتخرج من المدرسة الأولى طائفة من رجال الشريعة، نهضوا بأعباء القضاء في المحاكم الشرعية، وأعمالها الكتابية، كما تخرج من الثانية كثير من مدرسي المدارس المصرية في العصر الحديث، وإلى الأزهر يرجع الفضل في توسيع نطاق التعليم. فقد أمد مدارس المعلمين الأولية بما تحتاج إليه من التلاميذ، وساعد المدارس الحكومية والأهلية برجاله، وعمل طلابه على إزالة الأمية، ونشر الثقافة العامة في قرى القطر المختلفة لإنبثائهم بها، وإقامتهم فيها، وبه أصبحت مصر مركز الثقافة العربية، والمثابة الأخيرة لعلوم الدين واللغة.
علماء من الأزهر القديم والحديث - 1 - ليس في وسعي في هذا الكتاب إحصاء جميع العلماء الذين تخرجوا من الأزهر أو درسوا فيه أو تولوا مناصبه الدينية والعلمية الكبرى، فذلك شيء لا يمكن أن يحيط به باحث. وقد ذكرت في فصول الكتاب أشهر الأعلام في الأزهر، خلال عصور التاريخ المختلفة، ونذكر الآن أسماء عديدة، بعضهم ممن سبق ذكرهم، ولكن هنا تحقيق دقيق لتاريخ ميلادهم ووفاتهم.
ومن الأعلام الأزهريين: 1 - الشيخ محمد بن عمر الخفاجي المصري المتوفى عام 1019 ه، وهو والد الشهاب الخفاجي، وكان من جلة العلماء وله آثار علمية كبيرة 1. __________ 1) 411 ج 7 دائرة معارف البستاني، 116 الريحانة للشهاب الخفاجي، 58 ج 2 بنو خفاجة. __________ 2 - الشهاب الخفاجي المصري 1 (975 - 1069 ه 1658 م) وكان من جلة العلماء والمؤلفين، وتولى رياسة القضاء في مصر، ورحل إلى الحرمين والشام والقسطنطينية، ومن مؤلفاته: الريحانة، وطراز المجالس، وشفاء الغليل وشرح درة الغواص، وحاشية على الشفاء، وحاشيته المشهورة على البيضاوي، وسواها، كما أن له كثيرا من الكتب المخطوطة 2.
والشهاب اسمه أحمد بن محمد شهاب الدين الخفاجي المصري، وقد ولد بسرياقوس وتلقى دروسه بالقاهرة ثم رحل مع أبيه إلى الحرمين، ثم الآستانة، وعين قاضيا على الروملي في سلانيك، وعينه السلطان مراد قاضيا للعسكر بمصر، ثم استقال وسافر إلى دمشق فحلب فالآستانة، وتوفي سنة 1069 ه. وكان أديب عصره، عالما باللغة وعلومها، كاتبا شاعرا مؤلفا.
ومن شعره قوله: إن وجدي بمصر وجد مقيم وحنيني كما ترون حنيني لم يزل في خيالي النيل حتى زاد عن فكرتي ففاضت عيوني
وقوله: فديتك يا من بالشجاعة يرتدي وليس لغير السمر في الحرب يغرس فإن عشق الناس المها وعيونها من الدل في روض المحاسن تنعس فدرعك قد ضمتك ضمة عاشق وصارت جميعا أعينا لك تحرس
وقوله مضمنا: يا صاح إن وافيت روضة نرجس إياك فيها المشي فهو محرم حاكت عيون معذبي بذبولها (و لأجل عين ألف عين تكرم). __________ 1) الريحانة (272 - 309) و331 - 343 ج 1 خلاصة الأثر، 420 - 407 سلافة العصر، وسوى ذلك من المرجع، كما ترجمت له شتى الكتب المؤلفة في تاريخ الأدب العربي. 2) راجع ترجمته بتفصيل في 58 - 72 ج- 2 بنو خفاجة. __________ وقال يتغزل ويتطرق إلى مدح محمد بن القاسم الحلبي: حتام يغزوني صدوده والصبر قد كثرت جنوده 1 لم أدر: فاتر جفنه والخصر، أسقم أم عهوده 2 نشوان يعبث بي كما عبثت بآمالي وعوده 3 لو لا مياه الحسن جا لت فيه لاحترقت خدوده كالصب لو لا دمعه يهمي لأحرقه وقوده 4 يخفي الهوى وعيونه بغرامه المضني شهوده فسقي رياض الحسن من دمعي حيا يهمي مديده 5 زمن يجيد اللهو قد نظمت على نسق عقوده 6 إذ دوح أنسى يانع بكئوسنا انفتحت وروده 7 والكأس نجم لاح في فلك المسرة لي سعوده يصفو فيحلو ذكر من قد زين الدنيا وجوده ذاك ابن قاسم الذي ما زال في تعب حسوده
3 - الشيخ محمد الأمير الكبير (1154 - 1232 ه- 1741 - 1817 م)، وقد تولى مشيخة السادة المالكية في الأزهر.
4 - الشيخ محمد بن عرفة الدسوقي صاحب حاشية البلاغة المشهورة على شرح التلخيص وتوفي سنة 1230 ه. __________ 1) حتام أصلها (حتى ما) فحذفت ألف ما الاستفهامية لجرها بحتى. يغزوني: يسير إلى قتالي وانتهابي. والصدود: الإعراض. 2) جفن فاتر: غير حاد النظر. والخصر: وسط الانسان. والعهود: المواعيد. 3) النشوان: السكران. ويعبث بي: يلعب بي. 4) الصب: المشتاق الذي يكابد حرارة الشوق. يهمى: يسيل. وقوده: اتقاده واشتعاله. 5) الحيا: المطر. المديد: الممدود المتصل. 6) نسق: نظام واحد. 7) الدوح: الأشجار العظيمة. الورود: جمع ورد. __________ 5 - الشيخ عبد الله الشرقاوي (1150 - 2 شوال سنة 1227 ه- 1737 - 1812 م) وقد تولى مشيخة الأزهر الشريف.
6 - الشيخ مصطفى بن أحمد الصاوي من الأزهريين الذين اشتهر ذكرهم أيام غزو نابليون لمصر وكان من أدباء الأزهريين 1.
7 - الشيخ محمد الخالدي المعروف بابن الجوهري قرأ الدروس في الأزهر وطار صيته، وتوفي في 411 + 5 1215 ه- 1801 م.
8 - الشيخ حسن العطار (1180 - 2 ذي القعدة 1250 ه-1766 - 1835 م).
9 - الشيخ حسن قويدر (1204 - 1262 ه- 1785 - 1846 م).
10 - الشيخ شهاب الدين الشاعر المصري (1218 - 1274 ه- 1803 - 1857 م) وقد درس في الأزهر.
11 - الشيخ إبراهيم البيجوري شيخ الإسلام (1198 - 1277 ه- 1784 - 1860)، وقد ولد بمديرية المنوفية وطلب العلم في الأزهر.
واشتهر بالنبوغ بين طلابه، وألف كتبا عديدة، وتولى التدريس في الأزهر، وطار صيته، وذاعت شهرته، وله كتب مشهورة في الفقه الشافعي.
12 - الشيخ رفاعة الطهطاوي وقد درس في الأزهر، وسافر في بعثة أرسلها محمد علي إلى فرنسا، وعاد منها وتولى كبريات المناصب في الدولة (1216 - 1290 ه- 1801 - 1873 م).
13 - الشيخ محمد الأنبابي شيخ الأزهر (1240 - 1313 ه- 1824 - 1896 م). __________ 1) 313 - 315 ج 3 الجبرتي. __________ 14 - الشيخ عليش أحد مشايخ السادة المالكية (1237 - 1219 ه- 1802 - 1882).
15 - الشيخ حسين بن أحمد المرصفي المتوفى سنة 1307 ه- 1889 م.
وهو العلامة اللغوي الأديب المحقق الشيخ حسين بن أحمد المرصفي، ولد بمصر ونشأ فيها، وبعد أن حفظ القرآن الكريم، وكان مكفوف البصر، جيء به إلى الأزهر، فأخذ العلم عن كبار شيوخه، حتى أدرك منه قدرا جليلا، وتصدر للتدريس فيه.
وكان شديد الشغف بعلوم العربية وآدابها، فجد في دراستها، وأطال النظر في وجوه بلاغاتها. ولم يطمئن إلى ذلك الأدب الذي كان شائعا في عصره، بل كان من أوائل من تفطنوا في هذه البلاد إلى قدر الأدب القديم.
فأقبل على كتب اعلام البلاغة السابقين، ودواوين فحول الشعراء المتقدمين، وجعل يقرأ ويحفظ ويتدبر، ما اتسع له الوقت للقراءة والحفظ والتدبير، كما جعل يروض قلمه على البيان الصحيح المتين، حتى أصبح الأديب التام الأداة.
ودرس الأدب في دار العلوم للسابقين من طلابها، وكان منهم حفني ناصف وأترابه، وأخذ عنه كبار المتأدبين في عصره من أمثال البارودي، وعبد الله فكري، وصاحبوه ولازموه، وعرضوا عليه بيانهم في منظومهم ومنثورهم، فهذب ونقح، وهدى إلى الأجمل الأصلح.
وكتب في مجلة (روضة المدارس) فعلم الأدب علما، كما درب بالعمل والقدرة، على صحيح البيان، وقد ألف في البلاغة كتابا جليلا دعاه (الوسيلة الأدبية)، فشاع الانتفاع به، ولا يزال هذا الكتاب مرجع المتأدبين إلى اليوم.
وله كذلك رسالة دعاها (الكلم الثمان)، تحدث فيها عن معاني: الأمة، والوطن، والحكومة، والعدل، والنظام، والسياسة، والحرية، والتربية.
وعلى كل حال، فالشيخ حسين المرصفي، رحمه اللّه، يعد من أقوى الدعائم التي قامت عليها النهضة الحديثة في اللغة والأدب.
16 - الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري الأديب الأزهري المؤلف النابه (1236 - 1306 ه- 1821 - 1888 م).
- 2 - ويذكر أحمد أمين هذه الأغنية الشعبية المصرية، وهي بعد حذف ديباجتها: «حصاني في الخزانة، والخزانة «عاوزة» سلم، والسلم عند النجار، والنجار عاوز مسمار، والمسمار عند الحداد، والحداد عاوز بيضة، والبيضة في بطن الفرخة، والفرخة عاوزة قمحة، والقمحة عند القماح، والقماح عاوز فلوس، والفلوس عند الصريف، والصريف عاوز عصافير، والعصافير في الجنة، والجنة عاوزة حنا» الخ...
ويقول عنها: إنها أغنية لطيفة حقا، لا يزال أطفالنا إلى الآن يتغنون بها بتوقيعهم الظريف، وصوتهم الشجي، وهم إذ ينشدونها لم يدروا أنهم يتغنون بفلسفة عالية، وفكرة سامية، قد يلاحظ عليها أن الربط في بعضها محكم كحاجة السلم إلى النجار والنجار إلى المسمار، وبعضها غير محكم كحاجة الحداد إلى البيضة، وحاجة الصريف إلى العصافير، ولكن أظن أن تحكيم المنطق الدقيق الحاد في الأدب كالشعر والأغاني وسار الفنون مجاوزة للحد، فالأغنية لطيفة رغم المنطق، ومن أسباب جمالها هذا النوع البديع الذي يصح أن أسميه «جمال الدوران» أو جمال التسلسل، مثل قولهم «لا سلطان إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل».
وقولهم: الحجر يكسر الزجاج. والحديد يكسر الحجر. والنار تذيب الحديد. والماء يطفيء النار. والريح تلعب بالماء. والإنسان يتقي الريح. والخوف يغلب الإنسان. والخمر تزيل الخوف. والنوم يغلب الخمر. والموت يغلب النوم».
ومثل قولهم: «العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلا. والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالما» الخ..
وبعد فما تاريخ هذه الأغنية ومن واضعها؟ لا بد أن يكون فيلسوفا أو حكيما بعيد النظر، ومما يؤسف له أن هذه الأغاني والأزجال والمواويل لم يعن بها عناية الأدب الأرستقراطي.
فبينا يعني العلماء والأدباء بنسبة بيت الشعر إلى قائله. والقصيدة إلى منشئها، ويحتدم بينهم القتال على ذلك، إذ بنا لا نجد هذه العناية ولا بعضها في الأغاني والأزجال الشعبية، وهذا نوع مما أصاب الأدب الشعبي من الظلم، وكم أصابه من أنواع! وها هي ذي الأغاني التي تخترع في عصرنا نجدها على الأفواه ونستعذبها، وتهش لها نفوسنا.
ولا نكلف أنفسنا مؤنة البحث عن منشئها ولكن من حسن حظ هذه الأغنية أو من حسن حظنا نحن، أننا نجد ظلا لتاريخها فقد ذكرها الجبرتي في تاريخه في حوادث سنة 1143 هجرية.
فيكون عمرها أكثر من قرنين وربع وظلت الأجيال تتعاقبها إلى يومنا، ويظهر من كلام الجبرتي أن واضعها عالم كبير جليل من أكابر علماء الأزهر في القرن الثاني عشر، هو الشيخ الحفناوي أو الحفني، كان سيد الأزهر في أيامه، له حلقات الدروس الحافلة بنوابغ الطلبة، يقرأ فيها أغوص الكتب وأصعبها، كجمع الجوامع والأشموني وحاشية السعد، وله التآليف الكثيرة في البلاغة والميراث والجبر والمقابلة.
كما كان بيته ساحة كرم يغشاه أعيان مصر وعلماؤها وأدباؤها، ويلجأ إليه الفقراء وذوو الحاجات وكان راتب بيته من الخبز كل يوم نحو الأردب، وطاحون بيته دائر ليل نهار، ويجتمع على مائدته الأربعون والخمسون والستون، إلى هيبة ووقار، حتى يهاب العلماء سؤاله لجلاله. |
|
| |
| الباب الثامن: آراء للأزهر في مشكلاتنا الفكريّة | |
|