ضيف الحلقة :
الشيخ د.عبد الكريم بكار
(الرياض-السعودية)
موضوع الحلقة :
تنمية الشخصية (العقل المتجدد)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرحبا بكم في حلقة جديدة من برنامج كلمة مضيئة.
إن العقل البشري أيها الأخوة الكرام هبة كبرى من الله تبارك وتعالى ولكن هذا العقل هو أشبه بالحاسب الآلي فإذا زودناه بطريقة صحيحة عمل بطريقة صحيحة إذا زودناه بمعلومات خاطئة فإنه يعمل بطريقة خاطئة...لو أنك في برنامج طبي وضعته على حاسب آلي وذكرت في هذا البرنامج أن نسبة الحريرات في الماء عالية أو قلت أن السكر يرفع الضغط مثلا وهذه معلومات طبعا خاطئة فإن الحاسب الآلي سيعطيك نتائج خاطئة بناء على هذا الذي تعطيه إياه...
أيضا العقل البشري حينما نزوده بمعارف خاطئة، بخبرات خاطئة أو مشوهة أو ناقصة فإنه في النهاية سوف يعطينا مخرجات مشوهة وسوف نحصل منه على نتائج مشوهة...الآن المعرفة في العالم كله تتقدم وتتسع وتتناسخ متوقع أنه مابين عشر إلى خمسة عشر سنة يتم تجديد أكثر من 30 أو 40 % من المعارف الموجودة الآن يدخل عليها تجديدات وتعديلات هذا العقل البشري لا يستطيع أن يعمل من غير معرفة، المعرفة هي الأداة التي يشتغل عليها ما لدينا من أفكار ما لدينا من مفاهيم ما لدينا من معلومات ما لدينا من صور ذهنية هذه كلها تغذي العقل وبناء عليها يشتغل العقل.
دعوني أضرب مثالا صغيرا في هذا مفهوم التدين كثير من المسلمين يفهم التدين فهما محدودا أو فهما جزئيا وكما سمعنا أنا وأنتم ممن يقول الدين المعاملة فإذا كانت معاملتك مع الناس معاملة جيدة فأنت متدين ممتاز، من المسلمين من يقول التدين الحقيقي هو صفاء القلب فإذا كان قلبك صافيا فلا تشغل بالك بأشياء أخرى، من المسلمين من يقول التدين الحقيقي هو الخلق الحسن فإذا كانت أخلاقك حسنة فإذا أنت متدين حقيقي...لا شك أن للتعامل المالي المستقيم والنظيف مع الناس قيمة في الإسلام، ولا شك أن لصفاء القلوب قيمة في الإسلام، ولا شك أيضا أن للخلق الحسن قيمة في الإسلام...لكن هذا ليس هو كل الإسلام هناك صوم هناك صلاة هناك حج هناك زكاة هناك بر للوالدين هناك صدقة هناك حلم هناك أشياء كثيرة وهذه كلها تشكل أجزاءا من التدين (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ) سقاية الحجاج وعمارة المسجد أو المساجد هذا جزء من التدين لكنه لا يعدل الإيمان ولا يعدل الجهاد في سبيل الله.
خذ مثالا آخر قضية التربية كثير من المسلمين الآن يعتقد أن رسالته الأساسية أن يؤمن لأطفاله ما يحتاجونه من مطعم من ملبس من مسكن أن هذه هي مهمته الأساسية وهو لا يوبخ نفسه أو لا يؤنبه ضميره أو لا يشعر أنه مقصر إذا لم يهتم بتعلم أولاده بكتابتهم لواجباتهم بمطالعتهم بتهذيبهم بهدايتهم هو لا يشعر أنه مقصر في هذا لأن مفهومه عن التربية قاصر ولذلك سلوكه قاصر.
فعقولنا وتفكيرنا حينما نزوده بمعرفة ناقصة بمعرفة مشوهة فإن نظرته للحياة بعد ذلك تصبح نظرة مشوهة وناقصة...نحن في حاجة أيها الإخوان إلى أن نجدد في رؤيتنا للحياة، في رؤيتنا للتدين، في رؤيتنا لعلاقاتنا، في رؤيتنا للمستقبل...هذا التجديد له طرق لا يمكن أن يتم بغير الوسائل التي تؤدي إليه...
من الطرق التي تؤدي إلى تجديد العقل المعرفة الجيدة بمعنى أن نقرأ، أن نقرأ قراءة جيدة قراءة مثمرة قراءة مفيدة ونفكر في الشيء الذي نقرأه نقرأ قراءة مركزة في كتاب جيد لكاتب جيد ونحاول أن نستخلص خلاصات مما نقرأه نستخلص مما نقرأه خلاصات ونتأمل في هذه الخلاصات لنرى ما المعارف ما المعلومات التي لدينا والتي سنغيرها بناء على المعرفة الجديدة التي أخذناها من القراءة...
أيضا من طرق تجديد العقول الحوار وللأسف الشديد مرت على الأمة أزمان كثيرة ما كانت تعطي للحوار أي قيمة كان يسود في البيوت نوع من القهر من الكبت، الرجل يسكت المرأة والمرأة تسكت البنات والصبيان يسكتون البنات والأخ الأكبر يسكت الأخ الأصغر...في المدارس أيضا كان هناك نوع من التلقين المستمر دون أن يسمح للطلاب أن يسألوا عن دليل أو أن يستفسروا عن شيء أو يلقوا سؤالا يعني كان هذا الوضع على حين أن هذا لا يقوي العقول هذا يضعفها نعم الحوار هو أن تري محاورك ما لا يرى تقول للمحاور عندك نقطة غامضة أشرحها لك ويقول لك محاورك أنت أيضا عند نقطة غامضة أشرحها لك ليس القصد من الحوار أن أتفوق عليك أو أن تتفوق علي ولكن يكون لديك نقطة معتمة لا تراها أريك إياها وتكون لدي نقطة معتمة لا أراها تريني إياها لكن نحن لا نتحاور لا نؤمن في تغذية عقولنا، في تجديد عقولنا في تجديد معارفنا لأننا نعتقد بأن ما لدينا كاف، ما لدينا من معارف من مفاهيم من خطط ليس كافيا وهو ناقص نحن دائما بني البشر صدر عن رؤية جزئية لا نرى إلا جزءا من الحقيقة لما أتحور معك تريني أشياء أنا لا أراها وأريك أنت أشياء لا تراها الأفكار لا تنضج إلا حينما تلوكها الألسنة في الناظرة وفي الحوار وفي النقاش...أيضا نحن لا نتحاور لأننا لا نعترف لبعضنا بحق التعبير عن الذات من حق الإنسان أن يعبر عن رغباته أن يعبر عن أفكاره عن آرائه عن مقترحاته في إطار الثوابت في إطار المبادئ الكبرى أن يعبر الإنسان عن هذا، هذا جزء من حقوقه جزء من حقوق الإنسان أن يعبر عن رؤيته للحياة ومن حقوقه علينا حتى الطفل الصغير من حقه علينا أن نسمع له ومن حقه أيضا هو أن يسمع أو أن يناقش وأن يعدل في شيء يمس حياته.
أيضا من طرق تجديد العقل التفكير، أن نفكر بطريقة نقدية وللأسف الشديد بعض الناس يظن أن التفكير النقدي هو أن يكتشف ما لدى الناس من عيوب هذا هو النقد في نظرهم هذا ليس هو هذا جزء من النقد...النقد ترى المسالب ترى النواقص كن إلى جانبها أيضا ترى شيئا آخر ترى مساحات الخير في الأشياء ترى مساحات الجمال، مساحات الفضيلة، مساحات التفوق، مساحات الإبداع، كل هذه الأشياء هي من النقد فالنقد هو أن نرى أو نحاول أن نرى الإيجابيات والسلبيات في الأشياء.
فنحن حتى نغذي عقولنا ن حتى ننمي هذه العقول علينا أن نعتمد التفكير النقدي أساسا في الحياة كل خطة تعرض كل معلومة تعرض كل شيء يعرض نقول تعالوا تعالوا لنفكر ما إيجابيات هذا الموضوع هذه القضية هذه الخطة ما إيجابياتها ما سلبياتها ما المشكلات التي تترتب عليها ما الفوائد التي يمكن أن نجنيها منها.
أيضا من طرق تجديد العقل الملاحظة أن نلاحظ للأسف الشديد نحن نقرأ وننظر ونسمع لكن لا نفكر في الأشياء التي ننظر فيها والتي نسمعها والتي نقرأها لا نستطيع أن نربط بين الأشياء يعني لا نستطيع أن نقول لماذا في العالم المتخلف التعليم متخلف مثلا لماذا ما أسبابه نلاحظ هذا هل هو من سوء أداء الأساتذة هل هو من التجهيزات هل هو من الأسرة نلاحظ نربط بين الظواهر نربط بين الظواهر التي نراها نفصل النتائج عن المقدمات ونربط بينها ربطا صحيحا من أجل تنمية عقولنا.
العقل أيها الإخوان لا يزدهر ولا يتألق ولا يتوهج إلا إذا اهتممنا به إلا إذا اعتنينا به إلا إذا أعطيناه حقه أعط للعقل حقه واطلب منه أيضا وستأخذ منه الكثير الكثير.
هذا ما أحببت أن أقوله في هذا اليوم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.